الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

صور من التّضحیة فی خلیّة النّحل

صور من التّضحیة فی خلیّة النّحل

إنّ التضحیة والتفانی الموجودین فی عالم النمل موجودان بوضوح أیضا فی عالم النحل، فهناک تشابه شبه کلی بین سلوک العاملات فی کلا العالمین لأنّها تتفانى فی سبیل الحفاظ على حیاة وسلامة الملکة والیرقات علما أن هذه العاملات عقیمة وهذه الیرقات لیست من صغارها. وتتألف خلیة النحل من الملکة والذکور المسؤولة عن تلقیح الملکة والعاملات، والعاملات تعتبر المسؤولة الأولى والأخیرة عن إدارة الخلیة بمختلف نشاطاتها الحیویة الیومیة مثل إنشاء الغرف الشمعیة و نظافة الخلیة و أمن الخلیة و تغذیة الملکة والذکور و الاعتناء بالیرقات و إنشاء الغرف حسب نوع النّمل الذی یخرج من البیض من ملکة أو ذکر أو عاملة ، وتهیئة هذه الغرف بصورة مناسبة، وتنظیفها، إضافة إلى توفیر الدفء والرطوبة اللازمین للبیض، وتوفیر الغذاء للیرقات حسب الحاجة { الغذاء الملکی ، العسل الممزوج برحیق الأزهار } وجمع المواد اللازمة لصنع الغذاء مثل خلاصة الفواکه ، رحیق الأزهار ، الماء ونسغ الأشجار …

ویمکننا أن نرتّب المراحل أو الأطوار الحیاتیة التی تمر بها النحلة العاملة وفق التسلل الزمنی کما یلی : ( تعیش النحلة العاملة من 4-6 أسابیع .وعندما تخرج العاملة من الشرنقة کاملة النمو تظل تعمل داخل الخلیة فترة ثلاثة أسابیع تقریبا أو أقل قلیلا، و أول عمل تقوم به الاهتمام بتنشئة الیرقات ورعایتها. وتتغذى النحلة العاملة على ما تأخذه من العسل ورحیق الأزهار المتوفرین فی مخازن خاصة داخل الخلیة إلا أنها تقدم جزءا کبیرا مما تحصل علیه إلى الیرقات کی تتغذى علیها، وتنفذ عملیة تغذیة الیرقات عن طریق إخراج جزء مما تغذت علیه سابقا من معدتها والجزء الآخر یتم إفرازه من غدد خاصة موجودة فی منطقة الرأس وهذه الغدد تفرز مادة جیلاتینیة تعتبر غذاء للیرقات .

وهناک سؤال یطرح نفسه : کیف یمکن لکائن حی خرج توا من الشرنقة أن یعرف ما علیه أن یفعله دون اعتراض وهذا یشمل کلّ النحل؟ والمفروض فی هذه العاملات أن تفکر فی إدامة حیاتها وکیفیة الحفاظ علیها لحظة خروجها من الشرنقة دون تفکیر فی التضحیة من أجل الغیر أو دون الإقدام على أی سلوک شعوری، ولکن الحاصل غیر ذلک تماما، فهذه العاملة تتصرف انطلاقا من مسؤولیة کبیرة تشعر بها تجاه الیرقات وتقوم بحضنهن والاهتمام بسلوکیة متوقعة منها.

2- عندما تدخل النّحلة العاملة یومها الثانی عشر فی الحیاة تنضج غددها التی تفرز شمع العسل عندئذ تبدأ العاملات ببناء الغرف الدراسیة وترمیم الموجود منها والمخصصة لکن الیرقات وتخزین الغذاء .

3-فی الفترة المحصورة بین الیوم الثانی عشر ونهایة الأسبوع الثالث تقوم العاملات بجمع رحیق الأزهار وخلاصة العسل اللذین جلبا من قبل الذاهبین خارج الخلیة. وتقوم بتحویل خلاصة العسل إلى عسل وتخزنه فیما بعد، وفی نفس الأثناء تقوم بتنظیف الخلیة من الفضلات والأوساخ وأجساد النحل المیت رامیة إیاهن خارج الخلیة .

4-تصبح الخلیة العاملة فی نهایة الأسبوع الثالث جاهزة أن تخرج لجمع خلاصة العسل ورحیق الأزهار والماء ونسغ النباتات .

تبدأ النحلات العاملات بالخروج للبحث عن الأزهار الحتی تحتوی على خلاصة العسل .

وهذه العملیة { عملیة جمع ال غذاء } مرهقة للغایة، فتصبح النحلة العاملة مرهقة ومتعبة حتى الموت فی نهایة أسبوعین أو ثلاثة من العمل المرهق(136). والملاحظ هنا أن هذه النحلة العاملة تفرز عسلا بمقدار یفوق حاجتها بکثیر. وهذه الملاحظة تحتاج إلى تفسیر طبعا، وأن السّفسطة التی یقول بها دعاة التّطور لا یمکن لها أن تفسر هذا السّلوک المتفانی من کائن حی یفترض فیه أن یهتم بسلامة وإدامة حیاته فقط .

وهنا تتجلى لنا آیة من آیات الله سبحانه وتعالى کما أوضحنا فی صفحات سابقة بأن الله عز وجل هو الذی ألهم النحل هذا السلوک العجیب استنادا لما ورد فی سورة النحل من القرآن الکریم ، وهذا هو التفسیر الوحید لسلوک النحل فهو یلبی دعوة الرحمان وإلهامه إیاه دون تقصیر أو کلل ، وما على الإنسان إلا أن یتفکر أمام هذه الحقیقة الساطعة استجابة للآیة القرآنیة الآتیة :

{ سورة النحل -الآیة 69 } قوله تعالى : { ثم کلی من الثمرات فاسلکی سبل ربک ذللا یخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فیه شفاء للناس إن فی ذلک لآیة لقوم یتفکرون } صدق الله العظیم .

5- تنتظر العاملات مهمة أخرى محتاجة للتنفیذ قبل خروجهن لجلب الغذاء وهی مهمة الحراسة .

هناک عدد من النحل فی باب کل خلیة مهمتهم حراستها من دخول الغرباء ، فکل من لا یحمل رائحة التبعیة إلى الخلیة یعتبر مصدرا للخطر على حیاة الخلیة والیرقات .

وإذا حدث أن شوهد غریب فی مدخل الخلیة تبدأ الحارسات بالهجوم علیه بشدة ، ورنین أجنحة الحارسات الشدید یعتبر کصفارة إنذار بقدوم الخطر لباقی سکان الخلیة ، وتستخدم الحارسات إبرهن اللاسعة کسلاح فعال ضد العدو الغریب ، والسم الذی تفرزه الحارسات له رائحة ممیزة تنتشر فی کافة أنحاء الخلیة کعلامة للخطر الداهم . عندئذ یتجمع سکان الخلیة عند المدخل للمساهمة فی القتال ضد العدو الغریب .وإذا لدغت الحارسة عدوها بإبرتها تبدأ بفرز السم وهذا یؤدی إلى انتشار الرائحة أکثر فأکثر ، وکلما ازدادت رائحة السم داخل الخلیة کلما ازداد النحل هیجانا وشراسة ضد العدو الغاصب (137).

إن مهمة الدفاع عن الخلیة تعتبر بمثابة انتحار ، لأن إبرة النحل اللاسعة تحتوی على رؤس مدببة مثل أشواک القنفذ ، ولا یمکن للنحلة أن تسحب إبرتها بعد غرزها فی جسم حیوان بسهولة وعندما تحاول الطیران تبقى الإبرة مغروزة فی جسم الحیوان {العدو} و تتعرض بذلک النحلة إلى جرح ممیت نتیجة تعرض بطنها إلى شق عمیق من ناحیة الخلف ، وفی هذه الناحیة من البطن توجد الغدد التی تفرز السم والعقد العصبیة التی تتحکم بها وعندما تلفظ النحلة أنفاسها الأخیرة یقوم باقی النحل بالاستفادة من موتها عن طریق أخذ السم الموجود فی غدد القتیلة والاستمرار بضنحة فی جرح العدو الغریب (138).

بعد هذا الاستعراض ، کیف لنا أن نفسر سلوک کائن حی یبدأ منذ أول مرة خطوة له فی الحیاة بالعمل الدؤوب والمثابرة دون کلل أو ملل من أجل راحة الغیر وسلامته وحتى تضحیته بحیاته من أجل سلامة الآخرین ؟إضافة إلى هذه الأنماط السلوکیة هی نفسها فی کل أنواع النحل والنمل أینما وجدت على الکرة الأرضیة ومنذ ملایین السنین ، والحقیقة تبرز أمامنا بوضوح ،حقیقة سلوک هذه الکائنات الصغیرة بحجمها والکبیرة بتضحیاتها من تأثیر الهام الله عز وجل لها .

" سورة هود - الآیة 56 " قوله تعالى : { إنی توکلت على الله ربی وربکم ما من دابة إلا هو آخذ بناصیتها إن ربی على صراط مستقیم } صدق الله العظیم .

معالم التضحیة فی مستعمرة النمل

معالم التضحیة فی مستعمرة النمل

من أهم معالم المیزة لمستعمرة النمل المشارکة فی الغذاء . فإذا تقابلت نملتان وکانت إحداهما جائعة أو عطشى والأخرى تملک شیئا فی بلعومها لم یمضغ بعد فان الجائعة تطلب شیئا من الأخرى التی لا ترد الطلب أبدا وتشارکها فی الأکل والشرب .وتقوم النملات العاملات بتغذیة الیرقات بالغذاء الموجود فی بلعومها .وفی أغلب الأحیان تکون کریمة مع غیرها وبخیلة مع نفسها یشأن الغذاء131.

2. هناک توزیع فی أداء الواجبات ضمن المستعمرة الواحدة وکل نملة تؤدی ما علیها من واجب بکل تفانی وإخلاص .وإحدى هذه النملات هی البوابة او حارسة الباب .وهی المسؤولة عن السماح بدخول النمل من أبناء المستعمرة فقط ولا یسمح للغرباء بالدخول أبدا وتکون رؤوس هذه الحارسات بحجم بوابة المستعمرة فتستطیع أن تسد هذه البوابة برأسها. وتظل الحارسات طیلة الیوم یقمن بواجبهن وهو حراسة مدخل المستعمرة 132 لذلک فان أول من یجابه الخطر هؤلاء الحارسات.

3. لا تکتفی النملات بمشارکة أخواتها بالطعام الذی تحمله فی معدتها بل تقوم بتنبیه الباقیات الى وجد طعام أو کلإ فی مکامن ما صادفته .وهذا السلوک لا یحمل فی طیاته أی معنى للأنانیة. وأول نملة تکشف الغذاء تقوم بملء بلعومها منه ثم تعود الى المستعمرة .وفی طریق العودة تقوم بلمس الأرض بطرف بطنها تارکة مادة کیمیاویة معینة ولا تکتفی بذلک بل تتجول فی أنحاء المستعمرة بسرعة ملحوظة ثلاث او ستة مرات وهذه الجولة تکفی لإخبار باقی أفراد المستعمرة بالکنز الذی وجدته .وعند عودة النملة المکتشفة إلى مصدر الغذاء یتبعها طابور طویل من أفراد المستعمرة.

4.هناک نمل یدعى قطاع الورق تکون عاملاته المتوسطة الطول مشغولات طیلة الیوم بحمل أجزاء الورقة النباتیة إلى المستعمرة .ولکنها تکون فی غایة الضعف عند حملها للورقة النباتیة خصوصا تجاه الذباب أو أبناء جنسه .ویترک الذباب بیضه على رأس هذا النمل .وتنمو یرقة هذا الذباب متغذیة من مخ هذه النملة وهو ما یؤدی الى موتها.وتکون عانلات هذا النوع من النمل فی غایة الضعف أمام سلوک هذا الذباب خصوصا عند حملهن للورقة النباتیة .ولکن هناک من یحمیهن من هجوم هذا الذباب وهم النمل الذین من نفس المستعمرة وقصیری القمة یقومون بوظیفة حراسة العاملات بواسطة جلوسهم فوق الورقة النباتیة وعلى أهبة الاستعداد لرد أی هجوم من الذباب على أعقابه133.

هناک نوع من النمل یدعى نمل العسل وسبب هذه التسمیة أنها تتغذى على فضلات بعض الحشرات المتطفلة على الأوراق النباتیة وتکون فضلات هذه الحشرات غنیة بالمواد السکریة. وتحمل هذه النملات ما مصته من فضلات سکریة إلى مستعمرتها و تخزنها فی أسلوب عجیب وغریب .لان البعض من هذه النملات العاملات یستخدم جسمه کمخزن للماد السکریة .وتقوم العاملات اللاتی حملن المواد السکریة بتفریغ حمولتهن داخل أفواه العاملات او-المخازن الحیة-والتی بدورها تملأ الأجزاء السفلیة من بطونها بهذا السکر حتى تنتفخ بطونها ویصبح حجمها فی بعض الأحیان بحجم حبة العنب .ویوجد من هذه العاملات فی کل غرفة من غرف الخلیة عددا منهن یتراوح بین 25و30نملة ملتصقات بواسطة سیقانهن بسقف الغرفة فی وضع مقلوب .ولو تعرضت إحداهن للسقوط تسارع العاملات الأخریات إلى إلصاقها من جدید .والمحلول السکری الذی تحمله کل نملة یکون أثقل بثمانی مرات من وزن النملة نفسها.وفی موسم الجفاف أو الشتاء تقوم باقی النملات بزیادة هذه المخازن الحیة لأخذ احتیاجاتها من الغذاء - السکر - الیومی .حیث تلصق النملة الجائعة فمها بفم النملة المنتفخة وعندئذ تقوم الأخیرة بتقلیص بطنها لإخراج قطرة واحدة الى فم أختها .ومن المستحیل ان یقوم النمل بتطویر هذه المخازن وابتکارها بهذه الطریقة العجیبة ومن تلقاء نفسها .واضافة الى ذلک التفانی والتضحیة التی تتسم بها النملة المنتفخة حیث تحمل ما هو أقل من وزنها ثمانی مرات فضلا عن بقائها ملتصقة وبالمقلوب مدة طویلة جدا ودون مقابل. وان هذا الأسلوب المبتکر وفقا لبنیة تلک النملة لیس من الصدفة وحدها .لأن هناک نمل متطوع أن یصبح مخزنا حیا فی کل جیل جدید وطیلة أجیال سابقة ولاحقة .بلا شک أن سلوکها هذا من تأثیر الإلهام الإلهی الذی خلقهن وسواهن عز وجل .

6.هناک أسلوب للدفاع عن المستعمرة یتبعه النمل أحیانا وهو الهجوم على العدو والتضحیة حتى الموت.وتوجد أشکال عدیدة لهذا الهجوم الانتحاری .منها الأسلوب الذی یتبعه النمل الذی یعیش فی الغابات المطریة فی مالیزیا فجسم هذا النوع من النمل یتمیز بوجود غدة سمیة تمتد من رأس النمل حتى مؤخرة جسمه.وان حدث أن حوصرت النملة من کل جهة تقوم بتقلیص عضلات بطنها بشدة تکفی لتفجیر هذه الغدة بما فیها من السم بوجه أعدائها ولکن النتیجة موتها بالطبع 134.

7.یقدم ذکر النمل ومثله الأنثى تضحیة کبیرة فی سبیل التکاثر .فالذکر المجنح یموت بعد فترة قصیرة من التزاوج .أما الأنثى فتبحث عن مکان مناسب لإنشاء المستعمرة وعندما تجد هذا المکان فان أول عمل تقوم به هو التخلی عن أجنحتها .وبعد ذلک تسد مدخل المکان وتظل کامنة داخله لأسابیع وحتى الشهور دون أکل أو شرب .وتبدأ بوضع البیض باعتبارها ملکة المستعمرة .وتتغذى فی هذه الفترة على جناحیها الذین تخلت عنهما .وتغذی أول الیرقات بإفرازاتها هی وهذه الفترة تعتبر الوحیدة بالنسبة للملکة التی تعمل فیها لوحدا بهذا الجهد والتفانی وهکذا تبدأ الحیاة بالمستعمرة

8.إذا حدث هجوم مفاجئ من قبل الأعداء على المستعمرة تقوم العملات ببذل ما بوسعهن للحفاظ على حیاة الصغار . ویبدأ النمل المقاتل بالتحرک صوب الجهة التی هجم منها العدو ومجابهته فورا. أما العاملات فتسرع نحو الغرف التی توجد فیها الیرقات لتحملها بواسطة فکوکها إلى مکان معین خارج المستعمرة لحین انتهاء المعرکة 133 والمتوقع من حیوان کالنمل فی مثل هذا الموقف العصیب أن هذا الموقف العصیب أن یفر هاربا ویختفی فیه عن انظار الأعداء ، ولکن الذی یجری فی المستعمرة غایة فی التضحیة والتفانی من أجل سلامة المستعمرة, فلا النّمل المقاتل ولاحراس البوابة ولا العاملات یفکرون فی أنفسهم فقط، فالکلّ یفکّر فی المستعمرة بأکملها، وهذا دیدن النّمل منذ ملایین السنین.

و بلا شک فإنّ الأمثلة سالفة الذّکر تعتبر أمثلة محیرة من عالم الأحیاء, والمحیر فیها أنّ هذه الأنماط السّلوکیة صادرة عن کائنات حیّة صغیرة کالنمل و هو ما یصادفه الإنسان فی حیاته الیومیة دون أن یشعر بتفاصیل حیاة هذا المخلوق. ولو دققنا فی هذه التفاصیل لوجدنا أمورا عجیبة وغریبة تجبرنا على التفکیر برویة فی ماهیتها لأن هذه الحیوانات تمتاز بوجود جهاز عصبی دقیق للغایة ومخّ محدود الحجم والارتباطات العصبیة مع هذا تقوم بسلوکیات لا یمکن القول عنها إلاّ أنها شعوریة محض، والسبب کونها منفذة مطیعة لما أمرت به أن تنفذه منذ ملایین السنین دون فوضى أو إهمال أو تقصیر، وما هذا الأمر المنفذ بحذافیره إلا إلهام إلهی من الخلاق العلیم جل جلاله. وهذا الانقیاد التام من الکائنات الحیة للخالق عز وجل یصوّر من قبل القرآن کما یلی :

: { أفغیر دین الله یبغون وله أسلم من فی السموات والأرض طوعا وکرها وإلیه یرجعون } سورة آل عمران - الآیة 83

التضحیة الموجودة فی المستعمرات

التضحیة الموجودة فی المستعمرات

تعیش کائنات مثل النحل والنمل و النمل الأبیض ضمن تشکیلات اجتماعیة یتم بناؤها بانتظام وطاعة وتوزیع الواجبات إضافة الى التضامن والتضحیة .وهذه الأحیاء الصغیرة تبذل کل جهدها ووقتها فی سبیل الحفاظ على سلامة الیرقات منذ لحظة خروجها من البیض وعلى سلامة المستعمرة وتأمین غذاءها. و تتقاسم غذاءها فیما بینها وتقوم بتنظیف المکان الذی تتواجد فیه وإذا اقتضى الأمر تضحی نفسها من أجلها غیرها.

والکل یعرف ما علیه أن یفعله ة ویحرص على فعل ما بوسعه على بأکمل وجه .وکل واحد منها یهتم بالمستعمرة والیرقات الضعیفة وهذان الهدفان من الأولویات المهمة لدیها. ولا یمکن لنا أن نشاهد ضمن أنماطها السلوکیة أی دلیل على أنانیتها البتة.وهذا بلا شک سبب نجاح هذه الأحیاء فی الحیاة ضمن مستعمرة ملؤها النظام والانتظام.

ویحدثنا بیتر کرو بوتکین عن مدى النجاح الذی یتوصل إلیه النحل و النمل اللأبیض ضمن العیش فی مستعمرة یتسم کیانها بالتعاون المتبادل کما یلی : لو تصورنا المستعمرات التی ینشئها النحل أو النمل اللأبیض بمقیاس المنازل التی ینشئها بنی الإنسان لکانت هذه المستعمرات متطورة للغایة فی أسلوب بنائها وادارتها لانها تتالف من طرق معبدة ومخازن مهیاة للاستهلاک عند الحاجة وصالات فسیحة اضافة الىمخازن للحبوب ومساحات اخرىلجعلها مخزنا للحبوب وتستخدم فی هذه المستعمرات مختلف الوسائل لرعایة البیض والیرقات .وأخیرا المجهود الضخم الذی تبذله فی حیاة المستعمرة کل ذلک دلیل على التضحیة و التعاون المتمیزین فی کل خطوة من خطوات العمل 130.

فی هذا الباب سنذکر بالتفصیل التعاون والتضحیة فی مستعمرة النحل وخلیته.

الحیوانات الحاضنة لصغار غیرها من الحیوانات

الحیوانات الحاضنة لصغار غیرها من الحیوانات

تمتاز اللبائن بأنها تنشأ علاقات قرابة وطیدة فیما بینها ، على سبیل المثال الذئاب تعیش ضمن عائلة واحدة تتألف من ذکر وأنثى وصغیرهما وربما واحد أو اثنین من ولادات سابقة ، وکل الحیوانات البالغة تقوم بمهمة حمایة الصغار ، وأحیانا تبقى إحدى الإناث فی الوکر لتقویم بمهمة الحاضن لأحد الصغار طول اللیل بینما تقوم الأم بالخروج إلى الصید مع باقی أفراد الجماعة .

تعیش کلاب الصید الإفریقیة ضمن جماعات تتألف الواحدة منها من عشرة أفراد ، وتبدأ توزیع الواجبات بین الذکور و الإناث والتی تتلخص بحمایة الصغار وتغذیتهم ، وتتسابق فیما بینها على رعایة الصغار ، وعند اصطیادها لفریسة تقوم بتشکیل حلقة حولها لحمایتها من هجوم الضباع ولإفساح المجال للصغار بالتغذی علیها (126).

ویعیش " البابون " أیضا ضمن جماعة یقوم زعیمها برعایة المرضى والجرحى من أفرادها ، حتى أن البالغین قد یتبنون " بابون " صغیر فی حالة فقدانه لأبویه ، حیث یأذنون له بالسیر معهم نهارا والمبیت عندهم لیلا ، وقد تغیر الجماعة مکانها عندئذ تقوم الأم بالمسک من ید صغیرها لیمشی الهویدا فی حالة کونه صغیرا جدا لا تستطیع أن تضبط توازنه أثناء حملها له ، والصغیر قد یتعب أثناء سیره ویتسلق ظهر أمه غالبا ، وهذا یؤدی إلى تقهقرهم عن الجماعة ، ولو فطن زعیم الجماعة لهذا الأمر یقفل راجعا إلى حیث تقف الأم ویبدأ بمرافقتهم أثناء المسیر (127).

أما أبناء آوى فتعیش مع أمهاتها حتى بعد انقطاعها عن الرضاعة وتصبح یافعة تساعد أمها عند ولادتها لرضیع جدید ، حیث تجلب الغذاء للصغار أو تذهب بهم إلى مکان بعید لحین ابتعاد الخطر الداهم (128).

ولیس أبناء آوى وحدهم الذین یهتمون برعایة أشقائهم بل تقوم بنفس المهمة طیور مثل دجاج الماء و السنونو حیث تقوم صغارها فی الأعشاش القدیمة بمعاونة أشقائهم فی الأعشاش الحدیثة .

والتعاون فی عالم الطیور یتخذ شکلا آخر لأنه یکون بین أزواج الطیور مثل طیر النحل حیث یتعاون الزوجان فی تنشئة أطفالهما وهذا التعاون من الممکن مشاهدته لدى الطیور بکثرة (129).

وهذه الرعایة التی تبدیها الحیوانات تجاه صغار لا تعود إلیهم تعتبر من الأدلة القویة لنسف مزاعم دعاة " التطور " ، وکما أسلفنا القول فإن المؤمنین بنظریة "التطور" یفسرون سلوک الحیوانات المتسم بالتضحیة على کونها لیست تضحیة بل أنانیة لأنها تهدف إلى الحفاظ على الجینات الوراثیة ونقلها إلى أجیال لاحقة فقط .

ولکن اتضح من الأمثلة السالفة أن هذه الحیوانات لا تبد اهتمام ورعایة لأبناءها من حملة جیناتها فقط وإنما تجاه حیوانات لا تحمل أیة جینات منها أصلا بمنتهى الرأفة والرحمة والشفقة ، أی أن هذه الفرضیة فرضیة "الجین الأنانی" التی ساقها المؤمنون بنظریة " التطور" قد أفلست تماما وثبت عدم صحتها بالمرة. ومن المستحیل ان یفکر حیوان غیر عاقل بنقل جیناتها إلى جیل لاحق. ولو قبلنا أن تکون هذه الحیوانات مبرمجة على عملیة نقل الجینات فیجب علینا أن نقبل وجود مبرمج لهذا البرنامج. وکلّ حیوان نصادفه فی الطبیعة وندرس طبائعه وخصائصه یقودنا الى الى خالق واحد لهذا الوجود .وهذا الخالق بلا شک هو الله الرحمن الرّحیم.

الحیوانات المتعاونة عند الولادة

الحیوانات المتعاونة عند الولادة

تکون الحیوانات وخصوصا اللبائن أکثر تعرضا للخطر أثناء الولادة ، لأن الأم وولیدها یکونان لقمة سائغة للحیوانات المفترسة ، ولکن الملاحظ أن هذه الحیوانات تکون بحمایة أحد أفراد القطیع عندما تضع ولیدها ، على سبیل المثال تختار أنثى الانتیلوب مکانا أمینا بین الأعشاب الطویلة لتضع ولیدها ولا تکون وحدها أثناء الولادة حیث تکون بجانبها أنثى أخرى من نفس القطیع کی تساعدها حین الحاجة .

وهناک مثال آخر للتعاون بین الحیوانات أثناء الولادة وهو " الدولفین" فالولید الصغیر عندما عندما یخرج توا من رحم أمه علیه أن یخرج لسطح الماء للتنفس ، لذلک تدفعه أمه بأنفها إلى أعلى کی یستطیع التنفس ، وتکون الأم ثقیلة الحرکة قبل الولادة ، ویقترب منها أنثیین من نفس الجماعة لمساعدتها لحظة الولادة ، وتکون هذه المساعدان تسبحان إلى جانبی الأم لحظة الولادة لمنع أی ضرر یلحق بها فی تلک اللحظة الحرجة ، خصوصا أن الأم تکون ثقیلة الحرکة ومعرضة للخطر أکثر وقت مضى .

ویکون الولید الجدید لصیقا بأمه طیلة الأسبوعین الأولین ، ویبدأ السباحة شیئا فشیئا بعد ولادته بفترة قصیرة وتدریجیا یبدأ بالاستقلال عن أمه ، وتکون الأم فی هذه الحالة ضعیفة بعض الشیء ولا تستطیع أن تتأقلم مع حرکات الولی الجید لذا فتتدخل أنثى أخرى لحمایة الصغیر وتوفیر العون الکامل للأم حتى تلتقط أنفاسها (124).

وعلى نفس الأسلوب تلد الفیلة أولادها ، حیث تکون أنثى دوما لمساعدة الأم أثناء الولادة ، حیث تختفی الأم ووصیفتها داخل الأعشاب الطویلة بکل مهارة حتى تنتهی عملیة الولادة وتستمران فی رعایة الفیل الجدید طیلة حیاتهما ، وتتمیز الفیل الأم بحساسیة مفرطة خصوصا عندما تکون بجانب ولیدها (125).

وهناک أسئلة عدیدة تطرح نفسها فی هذا المجال مثلا کیف تتفاهم الفیلة أو غیرها من الحیوانات مع بعضها أو الأنثى التی تصبح مساعدة کیف تفهم أو تشعر باقتراب موعد الولادة لقریبتها ؟

وهذه الحیوانات لا تمتلک عقلا مفکرا أو إرادة فاعلة لتحدید هذه الأمور الحیاتیة ، إضافة إلى أن هذه الفیلة السالفة الذکر تسلک نفس السلوک فی أیة بقعة أخرى فی العالم ، ونفس الشیء یقال للدولفین أو غیره من الحیوانات ، وهذا دلیل على کونها مخلوقة من قبل خالق واحد یتغمدها برحمته وعلمه الواسعین أینما کانوا .

التکاتف والتعاون بین طیور إفریقیا

التکاتف والتعاون بین طیور إفریقیا

تعیش طیور إفریقیا على شکل جماعات متعاونة ومتناسقة فی أروع صورة ممکنة ، ومصدرها الغذائی یتشکل من الفواکه التی تحملها أغصان الأشجار التی تعیش علیها ، وللوهلة الأولى تبدو لنا عملیة التغذی على الفواکه التی توجد فی قمة الأغصان غایة فی الصعوبة ، لسببین أولهما عدم إمکان الوصول للفاکهة الموجودة فی قمة الأغصان وأطرافها من قبل الطیور البعیدة عنها وثانیهما شحة المکان الذی یمکن للطیر أن یحط علیه فوق الشجرة فالمتوقع لهذا الطیر أن یعانی من الجوع حتما ، ولکن الحقیقة والواقع عکس ذلک تماما .

تتحرک هذه الطیور الإفریقیة نحو أغصان الأشجار وکأنها متفقة فیما بینها مسبقا على أن تکون حرکتها بالتناوب حیث تتراص بینها على غصن الشجرة ، ویبدأ الطیر الأقرب إلى الفاکهة یتناولها ویأخذ حصته منها ومن ثم یناولها إلى الذی بجانبه وهکذا تتجول الفاکهة من فم إلى آخر حتى أبعد طیر على غصن الشجرة وبذلک تتشارک الطیور فی التغذیة ، ویثار هنا تساؤلا مفاده کیف أمکن لهذه الحیوانات غیر العاقلة أن تتصرف وفق هذه التضحیة والتعاون فیما بینها وکیف لا یفکر الطیر الأقرب إلى الفاکهة بالاستحواذ علیها دونا على الباقین ، ومن أین أتى هذا النظام والانتظام فی التغذیة بین هذه الطیور فی تطبیق لا نظیر له فی الإحیاء ، علما أن لا أحد من هذه الطیور یسلک سلوکا من شأنه أن یخلخل النظام على غصن الشجرة مع هذا لا یشبع العدد المتوقف على غصن الشجرة فی المرة الواحدة لعدم کفایة الفاکهة الملتقطة والموجودة على غصن تلک الشجرة ، لذلک تقوم هذه الطیور فی الوقوف على غصن آخر ملیء بالفاکهة ولکن هذه المرة یکون الطیر الأکثر جوعا والأبعد عن الفاکهة فی المرة الماضیة الأقرب إلى الفاکهة وتبدأ دورة التغذیة من جدید وفق نظام یتم بالعدالة والدقة (123).

تنبیه الکائنات الحیة بعضها البعض بالخطر القادم

تنبیه الکائنات الحیة بعضها البعض بالخطر القادم

من أهم فوائد العیش ضمن تجمعات هو التنبیه للخطر القادم وتوفیر وسائل الدفاع بصورة أکثر فاعلیة ، لأن الحیوانات التی تعیش ضمن تجمعات تقوم عند إحساسها بالخطر القادم بتنبیه الباقین بدلا من الهرب والنجاة ، ولکل نوع من أنواع الأحیاء طریقته الخاصة بالتنبیه بالخطر، على سبیل المثال الأرانب والأیل یقومان برفع ذیولها بصورة قائمة عند قدوم العدو المفترس کوسیلة لتنبیه باقی أفراد القطیع ، أما الغزلان فتقوم بآداء رقصة على شکل قفزات (110).

أما الطیور الصغیرة فتقوم بإصدار أصواتا خاصة عند قدوم الخطر ، فطیور " "san?sa?ma تقوم بإصدار أصوات ذات ترددات عالیة مع فواصل متقطعة ، وأذن الإنسان تتحسس هذا النوع من الصوت على شکل صفیر وأهم میزة لهذا الصوت هی عدم معرفة مصدره (111). وهذا لصالح الطیر المنبه بالطبع ، لأن الخطورة تکمن فی معرفة مکان الطیر الذی یقوم بوظیفة التنبیه بالخطر وتقل نسبة الخطورة لعد معرفة هذا الصوت .

أما الحشرات التی تعیش ضمن مستعمرات فوظیفة التنبیه والإنذار تقع على عاتق أول فرد یرى ویحس بالخطر ، إلا من المحتمل أن تکون رائحة المادة التی یفرزها هذا الفرد کوسیلة إنذار قد یحس بها العدو القادم لذا فإنه یضحی بحیاته من أجل سلامة المستعمرة (112).

أما الکلاب البریة فتعیش ضمن مجامع یربو عددها على 30 فردا وعلى شکل مساکن شبیه بمدینة صغیرة ، والأفراد یعرفون بعضهم بعضا فی هذه المستعمرة ، وهناک دائما حراس مناوبون فی مداخل هذه المدینة الصغیرة ویقفون على أطرافهم الخلفیة مراقبین البیئة من جمیع الجهات وإذا حدث أن أحد المراقبین رأى عددا یقترب فیبدأ من فوره بنباح متصل شبیه بصوت الصفیر، ویقوم باقی الحراس بتأکید هذا الخبر بواسطة النباح أیضا وعندئذ تکون قد علمت بقدوم الخطر ودخلت مرحلة الاستعداد للمجابهة (113).

وهنا نقطة مهمة ینبغی التأکید علیها ، فتنبیه الکائنات الحیة عند قدوم الخطر مسألة تثیر الاهتمام والفضول ، والأهم من ذلک أن هذه الکائنات تفهم بعضها البعض ، والأمثلة التی أوردناها أعلاه مثلا الأرنب الذی یرفع ذیله عند إحساسه بالخطر فهذه العلامة یفهمها باقی الحیوانات ویدخلون مرحلة التیقظ على هذا الأساس ، حیث یبتعدون أن وجب الأمر الابتعاد أو یختفون إن کان هناک مجال للاختفاء ، والأمر المثیر للاهتمام هو :أن هذه الحیوانات متفقة فیما بینها مسبقا على هذه الإشارات بحیث تکون بإشارة واحدة متنبهة بقدوم الخطر ، إلاّ أن هذا الافتراض لایمکن أن یکون مقبولا من أی إنسان ذو تفکیر ومنطق ، إذن فالأمر المحتم قبوله هو أن هذه الکائنات الحیة مخلوقة من قبل خالق واحد وتتحرک وفق إلهامه وتوجیهه .

أما المثال المتعلق بالصغیر الذی یطلقه الطیر عند إحساسه بالخطر وفهمه من قبل وحید القرن ، وهنا یظهر أمامنا سلوک عاقل ومنطقی یثیر الحیرة فینا ، فمن غیر الممکن أن تفکر حیوانات غیر عاقلة بتنبیه باقی الحیوانات بقدوم الخطر وتکون تلک الحیوانات قد فهمت الإشارة واستوعبتها، وهنا یبرز أمامنا تفسیر واحد لسلوک حیوان غیر عاقل بهذه الصورة المنطقیة وهو : کون هذه الحیوانات قد اکتسبت هذه القابلیات والأنماط السلوکیة ، وإن الذی خلقها وسواها وهو الله الخلاق العلم الذی یتغمدها برحمته الواسعة .

مجابهة الأحیاء للخطر جماعیّا.

لا تکتفی الحیوانات التی تعیش على شکل مجامع بإنذار بعضها البعض بقدوم الخطر بل تشارک أیضا بمجابهته ، مثلا الطیور الصغیرة ، تقوم بمحاصرة الصقر أو البوم الذی یتجرأ أو یتجرأ ویدخل مساکنها ، وفی تلک الأثناء تقوم بطلب المساعدة من الطیور الموجودة فی تلک المنطقة ، وهذا الهجوم الجماعی الذی تقوم به هذه الطیور الصغیرة یکفی لإضافة وطرد الطیور المفترسة (114).

ویشکل السرب الذی تطیر ضمنه الطیور خیر وسیلة للدفاع ، فالسرب الذی یطیر ضمنه الزرزور یترکون بینهم مسافات طویلة أثناء الطیران وإذا رأوا طائرا مفترسا یقترب کالصقر فسرعان ما یقللون ما بینهم من مسافات مقتربین من بعضهم البعض بتلک یقللون من إمکانیة اقتحام الصقر للسرب وإذا أمکن له ذلک فسیجد مقاومة شدیدة وربما یصاب بجروح بجناحیه ویعجز عن الصید (115).

واللبائن تتصرف على هذه الشاکلة أیضا خصوصا إذا کانت تعیش ضمن قطعان ، ومثال على ذلک الحمار الوحشی حیث یدفع بصغاره نحو أواسط القطیع أثناء هربه من العدو المفترس ، وهذه الحالة درسها جیدا العالم البریطانی "جون کودول" فی شرق إفریقیا حیث سجل فی مشاهداته کیف أن ثلاثة من الحمیر الوحشیة تخلفت عن القطیع وحوصرت من قبل الحیوانات المفترسة وعندما أحس القطیع بذلک سرعان ما قفل راجعا مهاجما الحیوانات المفترسة بحوافرها وأسنانها ونجح القطیع مجتمعا فی إخافة هؤلاء الأعداء وطردها من المکان (116).

و عموما فإن قطیع الحمیر الوحشیة عندما یتعرض للخطر یظل زعیم القطیع متخلفا عن باقی الإناث والصغار الهاربین ، ویبدأ الذکر یجری بصورة ملتویة موجها رکلات قویة إلى عدوه وحتى أنه یرجع لیقاتل عدوه (117).

ویعیش "الدولفین"ضمن جماعات تسبح سویا وتقوم بمهاجمة عدوها اللدود { الکواسج } بصورة جماعیة أیضا ، وعندما یقترب الکوسج من هذه الجماعة یشکل خطرا جسیما على صغار الدولفین حیث یبتعد اثنین من الدولفین عن الجماعة لیلفتا انتباه الکوسج إلیهما ویبعدانه عن الجماعة ، وعندئذ تنتهز الجماعة تلک الفرصة فی الهجوم فجأة وتوجیه الضربات تلو الضربات على هذا العدو المفترس (118).

وتسلک سلوکا غریبا آخر حیث أنها تسبح بموازاة جماعات سمک " التونة " التی تشکل مصدرا غذائیا مهما لها ، لهذا السبب فإن صیادی سمک " التونة " یتخذون الدولفین دلیلا لهم فی اصطیاد هذا النوع من السمک ولسوء الحظ هناک حالات کثیرة یتم فیها وقوع الدولفین فی شباک الصیادین ولکون هذا الحیوان لینا غیر قادر على السفر تحت الماء فسرعان ما یصاب بالهلع ویبدأ بالوقوع نحو قاع الماء ، وفی تلک الأثناء یبدأ باقی الدلافین بنجدة زمیلهم وهذا دلیل على الترابط العائلی الموجود فی الجماعة ، ویبدأ کافة أفراد الجماعة بالنزول إلى الأسفل ومحاولة دفع الشباک إلى الأعلى لإنقاذ حیاة زمیلهم ، ولکن هذه المحاولات کثیرا ما تبوء بالفشل والموت للکثیر منهم لعدم قدرتهم على التنفس تحت الماء ، وهذه السلوک عام لکافة أنواع الدولفین (119).

أما الحیتان الرمادیة فیتسابق ذکرا أو اثنین منها لنجدة أنثى مصابة بجروح عن طریق دفعها نحو سطح الماء لتسهیل تنفسها وکذلک حمایتها من هجمات الحوت القاتل (120).

ویقوم ثیران المسک بتشکیل دائرة فیما بینها تجاه العدو المفترس ، حیث تخطوا خطوات للوراء دون أن تجعل ظهرها نحو العدو ، والهدف هو حمایة الصغار الذین یبقون داخل هذه الدائرة متمسکین بشعر أمهاتهم المتدلی الطویل ، وبهذا الشکل الدائری تنجح الثیران البالغة فی المحافظة على حیاة الثیران الصغیرة ، وعندما یهجم أحد أفراد هذه الدائرة على هذا العدو سرعان ما یرجع إلى نفس موقعه فی الدائرة کی لا یتخلل النظام الأمنی (121).

وهناک أمثلة أخرى تتبعها الحیوانات أثناء الصید شبیهة بسلوکها أثناء الحمایة والدفاع عن النفس فالبجع یقوم بصید السمک بصورة جماعیة ، حیث تشکل نصف دائرة قریبة من الضفة وتضیق من هذه الدائرة شیئا فشیئا ومن ثم تبدأ بصید الأسماک المحاصرة فی هذه المیاه الضحلة ، وینقسم البجع فی الأنهار الضیقة والقنوات إلى مجموعتین ، وعندما یحل المساء تنسحب هذه الطیور إلى مکان تستریح فیه ولا یمکن أن ترى متشاحنة أو متعارکة فیما بینها سواء فی الخلجان أو فی أماکن استراحتها (122).

هذه الأنماط السلوکیة التی تبدیها الحیوانات من تعاون وتکاتف وتکافل وتضحیة تثیر أسئلة عدیدة فی مخیلة الإنسان ، لأن الحدیث یدور عن مخلوقات غیر عاقلة لیس عن أناس ذوی عقل ودرایة أی أن الحدیث یدور عن حمیر وحشیة أو طیور أو حشرات أو الدلافین وغیرها. ولا یمکن للإنسان العاقل أن یفترض أرضیة منطقیة وعاقلة کتفسیر لسلوک هذه الحیوانات ، والتفسیر الوحید الذی یمکن للإنسان العاقل أن یتوصل إلیه أمام هذه الأمثلة هو : أن الطبیعة ومحتویاتها ما هی إلا مخلوقات خلقها خالق واحد قدیر لا حد لقدرته ، وهذا الخالق هو الذی خلق کافة الأحیاء من إنسان أو حیوان أو حشرة أو نبات وخلق کل شیء حی أو غیر حی وهو الله البارئ المصور ذو القدرة والرحمة والرأفة والحکمة ، وکما ورد فی القرآن الکریم :

"سورة الجاثیة الآیة 36-37" قوله تعالى : {فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمین (36) وله الکبریاء فی السماوات والأرض وهو العزیز الحکیم (37) } صدق الله العظیم

سورة ص الآیة 66 یقول تعالى : { رب السماوات والأرض و ما بینهما العزیز الغفار} صدق الله العظیم .

التعاون والتّکافل بین الکائنات الحیّة

التعاون والتّکافل بین الکائنات الحیّة

فی الأمثلة السابقة تناولنا موضوع اهتمام ورعایة الکائنات الحیة لصغارها والرأفة والرحمة التی یتسم بها سلوکها إضافة إلى التضحیة والتفانی التی یبدیها تجاه صغارها ، ولکن هناک أمثلة فی الطبیعة على التعاون والتکافل بین الأنواع المختلفة للأحیاء والتی یمکن رصدها کثیرا، ومن المعروف أن الکائنات الحیة التی تعیش على شکل مجامع أو مستعمرات تملک مقومات البقاء والدیمومة أکثر من التی تعیش على شکل أفراد ، إن العیش ضمن مجامع أو عوائل یفند مزاعم دعاة التطور التی تنص على کون الطبیعة میدانا للحرب من أجل البقاء ، وغالبا ما تکون الأحیاء فی تعاون مثمر فیما بینها بدلا من التنافس حیث تستفید من ذلک فی تحقیق تبادل منفعة أو الاستناد على مبدأ نکران الذات .

ودعاة "التطور" یرون بأعینهم هذه الحقائق ولکنهم دوما یحولون تفسیرها ضمن مفاهیمهم التی یدعون إلیها ، وعلى سبیل المثال أجرى أحدهم أبحاثا فی هذا المجال ویدعى " بیتر کرویوتکین " فی المناطق الشرقیة من سیبیریا وفی منثوریا وسجل مشاداته عن التعاون بین الکائنات الحیة وألّف کتابا عن هذا الموضوع ، ویقول هذا الباحث فی کتابه عن التعاون بین الأحیاء ما یلی :

عندما بدأنا نجری بحثا عن الموضوع " البقاء من أجل الحیاة " فوجئنا بوجود أمثلة عدیدة عن التعاون والتکافل بین الکائنات الحیة ، و ظهرت أمامنا حقیقة واضحة وهی أن التعاون لیس فقط من أجل إدامة النسل بل من أجل سلامة الأفراد وتوفیر الغذاء لهم وهذه الحقیقة یقبلها المؤمنون بنظریة "التطور" وإن هذا التعاون وتبادل المنفعة یعتبران کقاعدة عامة فی عالم الإحیاء ، وإن هذا التعاون المتبادل یمکن رؤیته فی أدنى حلقة من سلسلة الأحیاء .(108).

أمام هذه الأمثلة الحیة ما کان من مؤمن بنظریة التطور کـ"کروبوتکین" إلا أن یبدی مثل التعلیق الذی ینافی فرضیات هذه النظریة ، وکما سیتبین لنا من الأمثلة التی سنذکرها فی الصفحات المقبلة أن التعاون المتبادل بین الأحیاء بأنواعها المختلفة مهم جدا فی توفیر الغذاء والأمن لها ، وإن هذا التوازن والنظام فی الطبیعة دلیل واضح على قدرة الله الخلاق العلیم ، وکل من شاهد هذه الأمثلة الحیة فی الطبیعة یقف حائرا ومندهشا من هذا السلوک العاقل المستند على مشاعر حساسة الذی یسلکه حیوان غیر عاقل وعدیم المشاعر أیضا ، ومن الذین شاهدوا وبحثوا هذه الأمثلة الحیة عالم باحث فی الطب والفیزیولوجی یدعى " کینیث ووکر " حیث سجل مشاهداته فی رحلة صید فی شرق إفریقیا کما یلی :

هناک أمثلة عدیدة للتعاون المتبادل بین الحیوانات مازالت حیة فی ذاکری عندما رأیتها فی رحلة صید قمت بها فی شرق إفریقیا قبل سنوات ، وشاهدت بأم عینی کیف أن قطعان من الغزلان والحمیر الوحشیة تتعاون فیما بینها فی سهول "آهتی" حیث یضعون من یترصد العدو القادم لینبه القطیع حین قدومه ، ولم أکن خارجا لصید الحمار الوحشی ولکنی فشلت فی اصطیاد غزال واحد، لأننی کلما اقتربت من غزال لاصطیاده ینبه الحمار الوحشی القطیع بقدومی وبذلک یفلت منی ، ووجدت هناک تعاونا بین الزرافة والفیل فالفیل لدیه حاسة سمع قویة وآذانه الواسعة تعتبر رادارا لاقطا لأی صوت مقابل حاسة بصر ضعیفة ، أما الزرافة فلها حاسة بصر قویة وتعتبر کمراصد مرتفعة للمراقبة ، وعندما تتحد جهود الفریقین لا یغلبان لا من نظر ولا من سمع و لا یمکن الاقتراب من قطعانهما والمثال الأغرب هو التعاون بین وحید القرن ( الخرطیط) والطیر الذی یحط على ظهره لالتقاط الطفیلیات الموجودة على جلده ، فکلما تحس الطیور باقترابی تبدأ بإخراج صوتا معین تنبه به وحید القرن باقترابی وعندما یبدأ الحیوان بالهرب تبقى الطیور على ظهره کأنها راکبة عربة قطار تهتز باهتزازه (109).

ومشاهدات "کینیث ووکر" ما هی إلا جزء یسیر من أمثلة عدیدة یمکن لنا أن نشاهدها على التعاون المتبادل بین الأحیاء ، ویمکن للإنسان أن یجد أمثلة لهذا التعاون بین الحیوانات التی تعیش بالقرب منه ، والمهم أن یتفکر الإنسان فی ماهیة هذه الأمثلة .

هل هناک معنى لسلوک کائن حی بهذا التفانی والإیثار خصوصا أن الکائن الحی یفترض أنه جاء إلى هذه الحیاة بالصدفة ؟ وبمعنى آخر هل یمکن لنا أن نتوقع مثل هذا السلوک المنطقی من مثل هذا الکائن الحی ؟ بالطبع لأنه لا یمکن لمخلوق غیر عاقل نشأ بالصدفة أن یبد سلوکا عاقلا ، ولا یمکن له أن یفکر بحمایة الآخرین ، ولا یمکن تفسیر الأنماط السلوکیة لهذه الکائنات إلاّ بشیء واحد وهو الإلهام الإلهی. وفی الأمثلة القادمة سیتضح لنا بدلیل ساطع أن هذه الکائنات الحیة تخضع للإلهام الذی یوجهها.

نقل الکائنات الحیّة لصغارها

نقل الکائنات الحیّة لصغارها

عموما یکون الصّغار مخلوقات ضعیفة قلیلة الحرکة لذا فإنّها تنقل من قبل الأبوین من مکان إلى آخر عند الخطر أو غیره, ولکلّ کائن حیّ طریقته الخاصّة فی نقل صغاره, فبعضها تحمل صغارها على ظهورها وبعضها فی فمها والبعض الآخر فی تجاویف کیسیه فی جناحیه, وفی جمیع الحالات یکون الصّغار فی مأمن وینقلون إلى مکان آمن وسلیم. ولعلّ نقل الصّغار من قبل الأبوین فی حالة الخطر یعتبر مثالا جیّدا على التّضحیة من أجل الضعیف لأنّ حمل الصّغیر ونقله یؤدّی إلى التّقلیل من قدرة الأبوین على المناورة. وبالرّغم من جمیع المخاطر یستمرّ الأبوان فی الدّفاع عن الصّغیر. والأسلوب الشّائع بین الأحیاء لحمل الصّغیر هو الحمل على الظهر، و المثال الجیّد على ذلک هی القرود التی تحمل صغارها أینما تشاء فوق ظهورها، فأنثى القرد تستطیع الحرکة بحریّة وهی تحمل صغیرها على ظهرها لأنّ القرد الصغیر یتمسک جیّدا بأمّه من خلال إمساکه بالشّعر الکثیف الذی یغطی جسم الأم. وعند إحساسها بالخطر تتعلّق بالأشجار بسهولة بالرّغم حتّى و إن کان ولیدها على ظهرها. و تستطیع أن تقفز من شجرة إلى أخرى. ومثال آخر هو حیوان الکنغر فأنثاه مثل باقی اللّبائن الکیسیّة تحمل ولیدها فی کیس مغطّى بشعر کثیف یقع أسفل بطنها. ویظل الکنغر الصغیر فی هذا الکیس حوالی خمسة أشهر وعند خروجه من هذا الکیس یظلّ یلعب قریبا من أمّه, وعند إحساسه بأیّ خطر أو شیء غریب یرجع مسرعا إلى هذا الکیس. وتستطیع الأنثى أن تقفز بخطوات کبیرة مسرعة بالرّغم من أنّ صغیرها یکون محمولا بواسطة أرجلها الخلفیّة القویّة.

وکذلک الناجب فهی تحمل صغارها ولکن بأسنانها من بطن صغیرها المتدلیة. و ینقل هذا الحیوان صغاره عندما تشعر الأنثى بالخطر ووجوب تغییر مکان المسکن, وتظلّ تحمل أولادها واحدا تلو الآخر إلى المکان الجدید. وعند اکتمال عملیة النقل ترجع إلى المکان القدیم للتأکّد من أنّ أحدا من أبنائها لم یتخلف. و بالنّسبة إلىصغار الفئران فإنّها تظلّ ملتصقة بحلمة ثدی الأمّ لساعات طوال. وعندما تحسّ الأمّ بالخطر تبدأ فی الهرب ساحبة أولادها بین أرجلها نتیجة التصاقهم الشّدید بحلمة الثدی. وعند اکتمال عملیّة النّقل ترجع إلى المکان القدیم لتتأکّد من کون أحد من صغارها لم تخلف.

وتتمیّز الخفافیش بأنّها تطیر اللّیل کلّه بحثا عن الغذاء الذی یکون إمّا فاکهة أو حشرات, وهی تحمل صغارها معها أثناء طیرانها, و یکون الخفّاش الجدید ماسکا بمخالبه شعر أمّه وزارعا أنیابه اللبنیّة بقوة فی ثدیها. وتحمل طیور "دجاج الماء" و "حدأة المستنقعات" إضافة إلى طیر ذو الرأس الأسود ba?tankara صغارها بمناقیرها عند الانتقال من مکان إلى مکان آخر. أمّا الصّقر ذو الذّنب الأحمر فیحمل صغاره بمخالبه بنفس الطّریقة التی یحمل بها الفریسة بعد أن یصطادها. وتحمل الطّیور الغواصّة صغارها على ظهورها وعند إحساسها بالخطر تغوص فی الماء سابحة بینما یظل صغرها على ظهرها. أمّا الضّفادع فتحمل صغارها أو بیضها على ظهورها, فالضّفادع البرّیة والاستوائیّة تستطیع أن تقفز وصغارها على ظهورها وأن تتنقل إلى المکان الذی تراه مناسبا. والمثال الأغرب هو بعض أنواع السمک الذی یحمل صغاره فی فمه أثناء نقلهم إلى مکان آمن ، فالسمک الشوکی یظل ذکره یحوم حول العش الذی بناه بین الأعشاب المائیة حراسة له وإن حدث أن ابتعد أحد الصغار الخارجین حدیثا من البیض یلتقم الذکر هذا الصغیر الشارد فی فمه ویعیده إلى العش ثانیة.

وبالنسبة للنمل فتقوم العاملات بحمل البیض والیرقات من غرفة إلى أخرى داخل الخلیة بواسطة فمها ، حیث تقوم العاملات کل صباح بحمل الیرقات باتجاه ضوء الشمس من مکان لأخر فی قمة الخلیة ، وفی المساء تبدأ العاملات بحمل الیرقات إلى الأجزاء السفلیة من الخلیة والتی سخنت نتیجة ضوء النهار والحاویة على غرف خاصة لرعایة الیرقات ، وتکون مداخل هذه الغرف مقفلة لمنع دخول الهواء البارد فی اللیل وفی الصباح یتم فتحها لحمل الیرقات إلى قمة الخلیة مرة أخرى .

وإذا هوجمت الخلیة من قبل الأعداء فتفعل العاملات ما بوسعها من أجل حمایة الیرقات ،وقسم من النمل یبدأ هجومه على الأعداء فی المنطقة التی یتواجدون فیها والقسم الآخر یذهب إلى الغرف الخاصة التی تحتوی على الیرقات لحراستها من أی مکره حیث تقوم النحلة العاملة بأخذ الیرقة بین فکیها وتذهب بها إلى مکان بعید عن میدان المعرکة حتى ینجلی الموقف أو یخرج العدو من المستعمرة (107).

ومن هذا العرض للأمثلة المختلفة یتبین لنا أن الکائنات الحیة سواء کانت أسودا أو حشرات ضفادع کانت أو طیور فکلها تحمی صغارها بشکل أو بآخر بواسطة الحمل أو النقل إلى مکان أمین وهذا یعنی أنها ذات سلوک یتسم بالمخاطرة وتحمل المکاره من أجل الصغار ، إذن کیف یمکن لنا أن نفسر مصدر هذا السلوک ؟ ویتضح من الأمثلة السابقة أن الکائنات الحیة تتحمل مسؤولیة تنشئة صغارها حتى بلوغها مرحلة الاعتماد على النفس ، وحتى تلک الفترة فإنها تلبی کافة احتیاجاتها دون نقص أو کلل ، ونستطیع أن نشاهد أمثلة أخرى عدیدة غیر التی ذکرناها فی الطبیعة .

وتتجلى أمامنا الحقیقة مرة أخرى ، ألا وهی إن کافة الکائنات الحیة تحیا برحمة الله تعالى، حیث یلهمها عز وجل کل منها سلوکها وکیفیة معیشتها وهی تستجب لهذا الإلهام الإلهی ، وکل کائن حی یخضع وینقاد للإرادة الإلهیة حسب ما ورد فی القرآن الکریم :

قال الله تعالى : "و له من فی السماوات والأرض کل له قانتون " صدق الله العظیم. سورة الروم-الآیة 26

الحشرات و تغذیتها لصغارها

الحشرات و تغذیتها لصغارها

تقوم أغلب أنواع الحشرات بتغذیة صغارها ویرقاتها. و مثال على ذلک حشرة "الحفار" التی تقوم بتغذیة صغارها (یرقاتها) الموجودة فی الحفر بواسطة البذور، وحشرة الأشجار النطّاطة التی تضع یرقاتها فی شقوق حلزونیّة تحفرها تحت قشرة الأشجار حیث ثمّ تغذّی یرقاتها بالنّسغ النّازل من الأوراق إلى لأسفل ویکون ملیئا بالموادّ الغذائیّة الجاهزة. أمّا الأَرضةُ فمهمّتها صعبةٌ جدًّا لأنّها یجب أن تغذّی صغارها بالخشب الصّلب المتیبّس والذی تقلّ فیه نسبة النتروجین بدرجة کبیرة. من جانب آخر هناک کائنات حشریّة تقوم بتلیین الخشب أوّلا ثّم إعطاؤه للصّغیر کغذاء إذ تعمل على التهام الخشب ثمّ هضمه بواسطة العصارات الهاضمة حتى یصبح لیّنا وعندئذ تتولّى الکائنات الحیة المجهریّة التی تعیش فی جهازها الهضمی عملیّة تفتیت السّلیلوز إلى جزئیات أصغر, ثمّ تتقیأ الحشرة ما هضمته ولیّنته لتقدیمه إلى الصّغیر فی شکل غذاء جاهز. أما "أمّ أربع وأربعین" الأشجار فتحفر أنفاقا تحت قشرة الأشجار عن طریق مضغها للخشب وتضع بیضها فی الأنفاق إلى جانب جلبها لبعض أنواع الفطریّات التی تستطیع تلیین السلیلوز لیصبح غذاء جاهزا للصغار (105).

إنّ الله سبحانه وتعالى یرزق مخلوقاته بطرق شتّى، والأمثلة التی ذکرناها من الحشرات هی من جملة هذه المخلوقات التی یرزقها الله تعالى بفضله، فهو یرزق صغار الحشرات بواسطة کبارها و هو الذی هداها سبلها, یقول الله تعالى :" وکأیّن من دابّة لا تحمل رزقها الله یرزقها وإیّاکم وهو السّمیع العلیم " سورة العنکبوت-الآیة60.