الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

أدیان الکفر: المادّیة و الداروینیة

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)

(سورة الأنبیاء: 18)


أدیان الکفر: المادّیة و الداروینیة

وجدت المادیة منذ الأزل، وهی مذهب یعتبر أنّ الحقیقة الوحیدة المجردة هی المادة. ووفقاً لهذا الاعتقاد الباطل، فالمادة وجدت منذُ زمن سحیق مطلق وسوف تستمر إلى الأبد. کما أن أهم مظاهر المادیة رفضها لوجود الخالق ورفضها لوجود المعتقدات الدینیة الأخرى. وهناک العدید من الحرکات والمذاهب الفکریة فی العالم تتخذ الکفر أساساً لفکرها، وتعتبرالمادیة هی البنیة الرئیسیة للکثیر من هذه الاتجاهات. غیر أن المادیة تعتبر هی الأساس الذی قام علیه العدد الأکبر من هذه المذاهب.

فمنذ عهد السومریین والأغریق القدماء، تغلغل الاعتقاد المادی لدى الإنسان. ولکنه لم یتمکن هذا الاعتقاد الوهمی من وضع نظامه الفکری المحکم إلا فی القرن التاسع عشر. وبینما کان هذا الاتجاه الفکری المادی فی محاولة لجمع  قواه، کان لا یزال هناک أمر واحد یعوقه وهو إیجاد الإجابة على السؤال "کیف وجد العالم، وکیف وجدت الکائنات الحیة ؟ ".

وجاء ذلک خلال القرن نفسه الذی ظهرت فیه نظریة التطور التی قدمها شارلز دارون والتی قدمت الإجابة، (وهی إجابة لیس لها أیة صحة علمیة فی واقع الأمر)، ولکنها ما طال البحث عنها من قبل المادیین. وطبقا لهذه النظریة التی لا أصل من العالم، فإنّ المواد غیر الحیة، ونتیجة لقوى عشوائیة متزامنة، تقابل بعضها مع بعض وکوّنت أول خلیة.  وبالتالی، وطبقاً لنظریة دارون هذه، فإنّ جمیع الکائنات الحیة على الأرض تدین بالشّکر لنشوء تلک الخلیة الحیة الأولى.

وسرعان ما أصبح دارون، عن طریق هذه الادعاءات أکبر مزیّف فی تاریخ العلم. ولقد اعترف بنفسه أنّ نظریته ماهی إلا فکر خاطئ لا یرتکز على ذرة من النتائج العلمیة. کما اعترف دارون بالفعل فی کتابه "أصل الأنواع"The origin of Species) )  أن نظریة التّطور تعجز أمام العدید من التساؤلات المحیرة.

ولکنه لازال یتوقع إمکانیة التغلب على هذه الصّعاب بواسطة التقدم العلمی، ویأمل أن  تکون النتائج العلمیة الحدیثة دعمة لنظریته. وکان دوماً یذکر ذلک فی کتابه. ولکن على على نقیض ما کان یأمل دارون تحقیقه، فلقد جاء التقدم العلمی لیبرهن على عکس الافتراضات الجوهریة لنظریته، الواحده تلو الأخرى.  وفی الواقع، ورغم الدعایة التی جاءت من قبل مؤیدی نظریة التطور، فلقد صرح  مایکل دانتون، وهو عالم بیولوجی أسترالی،  أن نظریة التطور " هی نظریة فی أزمة" على حد قوله. 

وعلى مدى القرن التاسع عشر، کانت الحقائق العلمیة المطروحة من قبل نظریة التطور غیر معروفة على الإطلاق لدى الأوساط العلمیة. وفی ذات الوقت، کان المادیون الذین یبحثون عن دعم علمی لمذهبهم یعتبرون أن النظریة التی طرحها شارلز دارون فرصة لیس لها مثیل باعتبارها تقوم على نکران وجود الخالق، ففی ذلک الوقت کان التأکید على فکرة أن الإنسان یتطورمن مواد غیر حیة عن طریق المصادفة البحتة هو تماماً ما یرغب المادّیون فی سماعه.

وأما البروفیسور فلیب جونسون، الأستاذ بجامعة شیکاغو، وهو رجل مشهور وله ثقله فی الدوائر الأکادیمیة لکثرة کتبه ومقالاته التی کتبها عن نظریة التطور، فهو یوضح ما تمثله هذه النظریة من أهمیة بالنسبة إلى الأنظمة الفکریة التی تنکر الدین:

"... یکمن نجاح النظریة الداروینیة فی رفض الوجود الإلهی وتهیئة المجال لإستبدال الدّین المقدس باعتقاد جدید یعتمد على المذهب الطبیعی النشوئی، وهذا الاعتقاد الجدید لن یکون أساساً للعلم فحسب بل أساساً أیضاً للحکومات، والقوانین والأخلاق. وبذلک یکون قد تم صیاغة الفلسفة الدّینیة العصریة ".

 

وتبین کلمات فلیب جونسون الهدف الحقیقی لداعمی فلسفة الکفر. فهؤلاء المادیون الذین عملوا على تشکیل مجتمع لادینی یرفض الوجود الإلهی وتعالیمه، ادعوا أنه لا وجود لخالق یشعر إزاءه الکائن البشری بأیة مسؤولیة. ولقد أشبع هذا الفکر المضلل رغباتهم بحیث یمکنهم بذلک أن یصنعوا أشکالا من الناس غیر مشؤول إزاء أی أحد. ویلخص أحد علمائهم طموحاتهم کما یلی:
"إن الإنسان هو الکائن الوحید فی هذا العالم الذی یملک الإرادة والقدرة، ولکنه نتاج لمادة غیر واعیة وغیر عاقلة. وهذا الإنسان الذی نجح بمفرده فی القدوم إلى هذا العالم لن یکون مسؤولا سوى عن نفسه فقط"

ویمکن لکل شخص یتمتع بالعقل الراجح والتفکیر السلیم أن یدرک، دون صعوبة أن هذه الدلائل المذکورة فارغة ولا قیمة لها. فکاتب هذه العبارات، وبالرغم من کونه عالما له نظریة مادیة فی الحیاة، یعتقد أن الفضل فی وجود الإنسان هو الغنسان ذاته، لکن من الواضح أن هذا الإنسان لا یستطیع فی أیة مرحلة من هذه المراحل أن یمارس سلطته أو قدرته فی صنع القرار. فالله سبحانه وتعالى، هو الذی خلق الإنسان على الأرض فی أحسن صورة. ولکن رغبة المادّیین فی أن یکونوا  "غیر مسئولین تجاه خالق" جعلتهم یزعمون أن المادة، غیر المدرکة وغیر العاقلة یمکن أن توجد کائنات مدرکة وذکیّة.

وینبغی أن نتذکر أنّ رغبة الکافرین فی التحرّر من المسئولیة لیست خاصة فقط بأنصار المادیة وأتباع نظریة التطوّر فی القرن التاسع عشر والعشرین ،  فلقد أخبرنا الله عز وجلّ فی القرآن الکریم عن أناس سابقین کان لدیهم التفکیر نفسه: (أَیَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن یُتْرَکَ سُدًى أَلَمْ یَکُ نُطْفَةً مِّن مَّنِیٍّ یُمْنَى ثُمَّ کَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَیْنِ الذَّکَرَ وَالْأُنثَى أَلَیْسَ ذَلِکَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن یُحْیِیَ الْمَوْتَى) (سورة القیامة: 36- 40)

وکما تشیر الآیة، فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من منیّ واحد ثم "سواه فعدّله". فلا توجد أیة وسیلة یستطیع بها الإنسان أن یکتسب سلطة على خلقه، إذ هو نفسه مخلوق. ورغم أن الله سبحانه وتعالى بین لنا حقیقة الإنسان ووصفه وصفا واضحا فمازال هناک بعض الناس یمارون ویتجرأون على نسب خلقهم لأنفسهم والادّعاء بأنهم کائنات "غیر مسئولة".

ووالیوم، یسود مفهوم عدم مسئولیة الإنسان على المستوى الاجتماعی والعلمی والإیدیولوجی. وهذا المفهوم شجّعه الفکر المادّی ودعمته نظریة التّطور. و هذا المفهوم المنحرف الذی یشنّ الحرب ضدّ قیم المجتمع الأخلاقیة- هذه القیم التی کانت تمثل رکائز النظام والوحدة للمجتمع- أنتج  أجیالا تتعرض باستمرار لمزید من المسخ القیمی والأخلاقی.

والیوم أثبت العلم أن المفاهیم المادیة ونظریة التطور مفاهیم باطلة، وأن کلاهما لا یستند على الإطلاق إلى دلائل علمیة، وذلک بالإضافة إلى أن النتائج العلمیة لازالت تکذبهما. غیرأنه نتیجة الترسیخ الاجتماعی المتواصل على مدى المائة والخمسین عاماً الأخیرة، لازال هناک الکثیرمن الناس یدعون إلى المادیة ونظریة التطور کأنما هی حقائق مثبتة بالعلم. ویرجع ذلک إلى أن داعمی مذاهب الکفر یحتاجون بإلحاح إلى المادیة ونظریة التّطور لأن کلیهما ینکر الوجود الإلهی، وبذلک یستطیعان إبعاد الناس عن الدّین والقیم الأخلاقیة، وإلا فإن هذه المذاهب سوف تُجرّد بعد ذلک من الأسباب التی تمثل مبررًا لوجودها فی الأصل.

الدفاع عن نظریة تنازل العلم عنها

یعترف العدید من العلماء فی الوقت الحاضر، بوضوح، بالسّبب الذ یدفعهم إلى الإستمرار فی الدّفاع عن نظریة التطور وعن النظریة المادّیة رغم ظهورالمزید من الحقائق العلمیة الحدیثة. فعلى سبیل المثال، ینقل فلیب جونسون کلمات، قالها  ریتشارد لیونتن، وهو متخصص فی علم الجینات من جامعة هارفرد وأحد المتحمسین لنظریة التطور ویؤمن إیما أعمى بالنظریة المادیة، ویعلق فلیب جونسون على تلک العبارات قائلاً:

"المشکلة الرئیسیة لا تکمن فی توفیر المعرفة للناس؛ کم نبعد عن أقرب نجم إلینا أو ما هی الجینات التی تکونّا منها ... إنّما المشکلة أن تجعل هؤلاء الناس یرفضون تلک التفسیرات غیر المنطقیة والخرافیة  للعالم ... فما یحتاج الناس تعلمه، بغض النظر عن الموافقة على ذلک أم لا،  أنّنا کائنات مادیة نوجد فی عالم مادّی، وجمیع الظواهر هی نتائج عن علاقات مادیة بین موجودات مادیة، وبإیجاز  یحتاج الناس قبول مفهوم المادّیة الذی یعنی وجوب رفضهم للإله..."
وتبین هذه العبارات بوضوح النظرة المادیة للحیاة والتی تعتمد على تعلیل عقلی مضلل. والحقائق التی یقدمها العلم الیوم توضح أن هذه الإدعاءات تناقض المنطق والعقل. ولکن رغم جمیع الحقائق العلمیة تجدهم متشبثین تشبثًا أعمى بمعتقداتهم ومستمرین بإصرار فی الدفاع عن مزاعمهم. ویشرح د. مایکل واکر، وهو متخصص فی الانتروبولوجیا من جامعة سدنی، الأسباب التی ما زالت تدفع إلى التعلق بنظریة التّطور: "نحن مضطرون للاعتقاد بأن السبب الوحید الذی یجعل الکثیر من رجال العلم والکثیر من المتخصصین فی الالتکنولوجیا یصرّون على التمسک بنظریة دارون هو إنکار هذه النظریة لوجود الخالق " .

ویوضح فلیب جونسون، وهو الذی یرفض الادعاءات العلمیة غیر المبررة للنظریة الداروینیة، سبب تمتع تلک النظریة بهذه الأهمیة  "فلا یمکن استبدالها " لقادة العلم غیرالمعتقدین وسبب حرصهم على الحفاظ علیها مهما بلغت التکلفه: 

"یری قادة العلم أنفسهم محصورون فی حرب یائسه ضد المعتقدین المتدینین، شعاریودوا تطبیقه بصوره موسعة على کل شخص یعتقد فی وجود خالق له دور فعّال فی شئون العالم ... ثم جاءت نظریة داروین لتلعب دوراً فکریاً هاماً فی الحرب ضد هؤلاء المعتقدین المتدینین. ولذا تکرس المنظمات العلمیة عملها لحمایة المذهب الداروینی فضلاً عن بحثه ودراسته. وقد جاءت قوانین البحث العلمی مساعدة لهم فی الاستمرار".

وکما ذکر جونسون فإنّ دعاة المادیة وفلاسفة الکفر البارزین والحریصین على دعم تلک الأفکار فی جمیع أنحاء العالم، تمسکوا بنظریة التطور لدارون لا لشیء إلاّ لأنها توفر لهم ما یسمّى بالأسس العلمیة لمذاهبهم. وکان هذا ملاحظاً منذ أن ظهرت نظریة التطور. وقد کان کارل مارکس، مؤسس المادیة الجدلیة وکذلک العدو اللدود للدین، یؤکّد على الأهمیة  البالغة للنظریة الدارونیه بالنسبة إلى فکره. وقد أوضح أفکاره عن نظریة دارون فی خطابه الذی کتبه لصدیقه الحمیم فریدریک أنکلز قائلاً :

"هذا هو الکتاب الذی یحتوی على أسس التاریخ الطبیعی لآرائنا".

کما أدلى فریدریک إنکلز بتعلیقه عقب قراءته لکتاب دارون "أصل الأجناس" قائلاً:

" إن نظریتنا هی نظریة التطور، وهی لیست عقیدة إیمانیة یجب حفظها عن ظهر قلب وتکرارها بشکل آلیّ".

و یوضح  کونوای زرکل، وهو أستاذ من أصل أمریکی متخصص فی علم النبات، أسباب تبنی مؤسّسی الشیوعیة مارکس وإنکلز للنظریة الدّاروینیة:

"قبل کلّ من مارکس وإنکلز نظریة التطور عقب نشر دارون لکتابه "أصل الأجناس" على الفور. وبالطبع، فإنّ نظریة التطورکانت بالضبط ما یبحث عنه مؤسسو الشیوعیة لشرح کیفیة ظهور البشر دون تدخل قوى خارقة، وبالتالی کان من الممکن استخدامها لدعم أسس فلسفاتهم المادیة. وما جاء به دارون فی تفسیره للتطور-  باعتباره عملیة حدثت من خلال الانتقاء الطبیعی –أعطاهما افتراضا بدیلا للتّفسیرات الغائیة السائدة للحقیقة المدرکة، وهی أن جمیع أسالیب الحیاة مکیـّفة بناء على ظروفها المعیشیة. وبالفعل، تمکنت عملیة الانتقاء الطبیعی من إسقاط الغائیة بالکامل، ونتیجة لذلک استطاع العلماء تفسیر العالم الحیوی تفسیرا مادیا".

وکما أوضحت لنا هذه العبارات، فإنّ السبب الوحید الذی جعل کلا من مارکس وأنکلز یدعمان دارون هو الکره الذی یشعران به تجاه الدّین. ولذا ارتکزا على المیکانیکیة التی لیس لها قیمة علمیة،بل هی مجرد أوهام من الخیال. وبالفعل، أوضح فریدریک إنکلز فی کتابه السّبب الذی جعله یعتبر نظریة التطور تکتسی أهمیة کبیرة بالنسبة إلیه: فدارون تناول مفهوم ما وراء الطبیعة، الذی یعتبر الأمر الحاسم فی إثباته أنّ الحیوی العضوی-  والذی یتکون من نبات وحیوانات، وبالتالی الإنسان – هو نتاج لعملیة  تطور مستمرة منذ ملایین السنین.

ومن الواضح أن إنکلز أخطأ أیضاً عند افتراضه أنّ نظریة التطور جاءت بشرح کیفیة ظهور ملایین الأنواع المختلفة من الکائنات الحیة على الأرض. ولم یکن إنکلز هوالوحید الذی ذکر أنّ نظریة دارون حقیقة ثابتة، إذ أنّ جوزف ستالین، القائد الشیوعی المعروف باعتباره من أکثر القادة دمویة فی التّاریخ، أکد فی مذکراته الخاصة على أهمیة هذه النظریة:

"حتى لا نخدع عقول طلابنا بالأسطوره القائلة أنّ العالم قد تم خلقه فی ستة أیام، یجب أن نتعرف على أصل جیولوجیة الأرض وعمرها، وتکون لدینا القدرة على إثبات ذلک فی مناقشاتنا، ولذا یجب إعداد أنفسنا بالتّعالیم الداروینیة".

وبوضوح، فإن النقطة المشترکة بین الأنظمة الفکریة للمادیین ونظریة التطور الداروینیة – دون شک – هو إنکار الدّین، والغرض الوحید لداعمیهما هو دفع الناس لإنکار الوجود الإلهی.  ویخبرنا الله عزوجل فی القرآن الکریم عن سعی هؤلاء الّذین اجتهدوا فی الماضی لصدّ الناس عن الدین وإبعادهم عن الإیمان بالله تعالى:

(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ لاَ یُنصَرُونَ) (سورة القصص: 41)

وفی آیات أخرى یشیر الله عز وجل إلى نهایة هؤلاء الّذین ینکرون الوجود الإلهی ویدعون الناس للکفر:

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن کَذَّبَ بِآیَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِی الَّذِینَ یَصْدِفُونَ عَنْ آیَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا کَانُواْ یَصْدِفُونَ) سورة (الأنعام: 157)

فإذا تم دحض المادیة، فإن ذلک سوف یضع نهایة للمذاهب التی تنکر الدین ولا تعترف بالخالق، هذه المذاهب التی تجد الیوم صدى واسعا واستجابة قویة من فئات اجتماعیة کثیرة. ومن أجل تحقیق هذه الغایة، من الضّروری توعیة الناس بحقیقة أن المادة لیست ذات طبیعة خالدة، ویتعین إقناعهم بالأدلة العلمیة أنّ نظریة التّطور لا تقوم على أیّ أساس علمی بالمرة. وبالتالی یمکن القضاء على جمیع المذاهب والأفکار التی ترفض الوجود الإلهی، ولا شک أن ذلک سوف یمثل النهایة الحتمیّة للفکر المادّی. وکما قال الله تعالى: (إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِیهِ وَبَاطِلٌ مَّا کَانُواْ یَعْمَلُونَ) (سورة الاعراف: 139)

أهمیة الدّاروینیة للمذاهب اللاّدینیّة

قد یعتبر البعض أن الداروینیة والمذهب المادی لا یمکن أن یکونا هما أساس اللاّدینیّة، ویرجع ذلک إلى أنّ الأغلبیة الساحقة من الناس تعتبر أن هذه المفاهیم لا تنکر الدین، وأنّ صلتها بالدّین لم   تنقطع. وللوهلة الأولى، تبدو هذه العبارة مقبولة، ففی عصرنا الحاضر لا یمیل النّاس لتسییر حیاتهم على أسس فکریة، فأکبر الأهداف التی تشغلهم تتمثل فی جمع الأموال وتلبیة أقصى حد ممکن من الشهوات بمعانیها المختلفة، والاهتمام بالثقافات التافهة السائدة. وهذه الثقافة التافهة لا تترک سوى مجال ضیق جدّا لتساؤلات مثل "کیف وجِدتُ ؟" أو "من خلقنی؟". فلا یشغل النّاس تفکیرهم بتساؤلات کبیرة من هذا النوع، کما أنهم لا یفکرون کثیرًا فی نظریة التّطور مثلا ولا فی ما تجلبه من خدیعة.فالغالبیة العظمى من الناس أکثر إنشغالاً بالقضایا التافهة مثل حیاة الشهرة وقضایا المشاهیر والنجوم وفضائحهم، الشیء الذی یجعلهم غیر عابئین بالمواضیع الأکثر عمقاً مثل طبیعة خلقهم والهدف من وجودهم. فالاهتمامات المألوفة، مثل الأعمال الیومیة والمشاکل المعیشیة تشغل عقولهم بالکامل.

وبالتالی، فهؤلاء الذین یعتنقون الدّاروینیة ویدافعون عنها عن علم ودرایة، وهؤلاء الذین یدافعون عن الفلسفة المادیة لا یمثلون سوى نسبة قلیلة جدا فی المجتمع، أی أنّ غالبیة الناس یعیشون فی معزل عن الدّین بسبب أنهم لا یفکرون فی قضایاهم الوجودیة. وعند هذه النقطة یطرح السؤال التالی: "هل الدّاروینیة والمادیة تشکلان بالفعل أهمیة خاصة"؟

هناک أبحاث دقیقة أجریت فی الغرب وأوضحت أنّ الداروینیة هی أهم القوى التی تساند أدیان الکفر، وبالرغم من قلة من یعتنقونها فی المجتمع، إلا أنهم الفئة الأکثر تأثیرًا فیه، وهم الفئة المفکرة لهذا المجتمع. فعلى سبیل المثال، أجری فی الولایات المتحدة الأمریکیة أحد الأبحاث الإجتماعیة، واتضح أن تسعة بالمائة ( 9% ) فقط من المجتمع ذکروا أنهم  ملحدون من معتنقی نظریة التّطور. غیر أن هذا الجزء من المجتمع یؤثر فی الجامعات، وفی الإعلام وفی المؤسسات العلمیة الرسمیة وفی صناعة الأفلام.  فهؤلاء الملحدون من معتنقی نظریة التطور هم الذین یقومون بتوجیه المجتمع بالکامل، ویضعون السیاسة التعلیمیة ویشکّلون عقول الناس من خلال الإعلام.

وإذا نظرت فی الأمر على النطاق العالمی ستلاحظ أنّ هذا الوضع یسود فی العدید من البلاد. فما یلفت الانتباه هنا هو الجهود الثقافیة والإیدیلوجیة التی وضعها دعاة الفکر الشّیوعی. ومن المعروف-  باستثناء عدد قلیل من البلاد-  أنّ الشیوعیة فیها  إنهارت کنظام سیاسیّ، لکن رغم ذلک ما یزال البعض یتشبثون بالشیوعیة فی بعض الدّوائر المعیّنة باعتبار أنّ الفلسفة المادیة-  التی تعتبرالأساس الفکری للشیوعیة - لازالت نشطة. وفی ذات الوقت، نجد أن الشیوعیین یؤمنون بأن "مارکس لدیه بعض الأخطاء فی نظریته الاقتصادیة غیر أنّ المادیه لازالت مجدیة". وبالفعل لازال الشیوعیون فی العدید من البلاد یتمتعون بسمعة عالیة ولدیهم التأثیر القوی فی مجال العلم وفی عالم الأدب والفلسفة. فهم یسیطرون على غالبیة دور النشر وعلى معارض الکتب حیث تسمع آراؤهم بصورة ملفتة. وعلى وجه العموم،  فإنّ أغلبیة الشیوعیین والمتنفذین فی الإعلام هم من یشار إلیهم بـ"جیل الستینات" الّذین یعتنقون المذهب المارکسی. ورغم اقتناعهم بالضعف الاقتصادی للشیوعیة لازالوا متمسکین بالفلسفة المادیة ویعتبرون الدّین مخدّرًا للشعوب.

فالداروینیة هی الدین الصحیح عند هؤلاء الناس، وهم مؤمنون بقوة بالداروینیة ویبذلون قصارى جهودهم الحثیثة من أجل الإبقاء علیها حیّة. وربما تکون هناک شریحة ذات وزن کبیر فی المجتمع لم تشغل بالها بهذه المسألة، ولم تفکر فی السؤال "کیف وجدتُ؟" ولکن أغلبیة الذین یهتمون بقضیة الداروینیة خدعوا بها، وانطلت علیهم أباطیلها، ویرجع الفضل فی ذلک إلى المنظمات الشیوعیة التی مرّ ذکرها سابقا. فالطلاب فی الجامعة یلقنون المذهب الدّاروینی عن طریق أساتذة یعتقدون فی الدّاروینیة، وهم یجدون الکتب المتعلقة بهذه النظریة فی المعارض التی تقام، کما یجدون أنفسهم أمام المفاهیم نفسها عندما یزورون صالة عرض فنی أو مسرحیّ. وهکذا تترسخ الثقافة اللاإیمانیة وتؤثر على الفئات المتعلمة فی المجتمع. وهولاء الذین یقعون تحت الداروینیة یفترضون أنها حقیقة علمیة لا تناقش، ویرون أن الدّین لا یعدو أن یکون مجرّد "اعتقاد تقلیدی عند سکان الرّیف".  والأمر نفسه قصه علینا القرآن الکریم، فعندما سؤل بعض الناس (مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ) کان جواب الکافرین ( أَسَاطِیرُ الأَوَّلِینَ) ( سورة النحل: 24)

إذن، فالدّین لا علاقة له بالتقالید، بل هو حقیقة واضحة وبینة. والدّین هوالعلاقة بین الشخص وخالقه، غیر أن هذه الحقیقة تجاهلها من انطلت علیهم أباطیل الداروینیة وخدعها. ولذا فإنه من الضروری القضاء على الفلسفات المادیة والداروینیة بالوسائل العلمیة من أجل إزالة ثقافة اللادینیة من المجتمع.

 

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد