الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الخلاصة: جـاء الحـق وزهق الباطل

إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ ألله الإِسْـلاَمُ (سورة آل عمران: 19)





الخلاصة: جـاء الحـق وزهق الباطل

عبر التاریخ الممتدّ عبد الناس تماثیل من الخشب والحجر وتوسلوا لها طلبا للنّفع، وخافُوها معتقدین أنها مطّلعة على أحوالهم، واعتقدوا أیضا أنها یمکن أن تغضب منهم إذا ارتکبوا الخطایا. وعندما نقول بوذا فنحن نعنی بوذا التّمثال. والبوذیون یجعلون بوذا ندًّا لله تعالى. أما هؤلاء الذین استهوتهم هذه الأفکار فرکبوا موجتها وأصبحوا بوذیین من أجل جذب انتباه الآخرین فهم لا یدرون درجة الخدیعة التی وقعوا فیها. فهؤلاء لا یؤمنون بحیاة أخرویة خالدة، ولا یؤمنون بجنة أو نار، ولم یدر بخلدهم أنهم سوف یبعثون ثانیة ویحاسبون أمام الله تعالى. وهؤلاء تصیبهم الدهشة والاستغراب عندما یدعون لاتباع الحقّ لأنهم یظنون واهمین أنهم على الحقّ.

ولقد واجه جمیع الرّسل الذین حذروا الناس من دیانات الکفر، ودعوهم لتوحید الله تعالى مواقف تتسم بالجحود والإعراض، وقد ذکر لنا القرآن الکریم جوانب من هذه المواقف: (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْکَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ کَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَیْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِکُمْ إِنَّ هَذَا لَشَیْءٌ یُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِی الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ) (سورة ص: 4-7).

من خلال هذا الکتاب ندعو جمیع البوذیین والذین ساقتهم مشاعرهم لسبب ما للتّعاطف مع هذه الدیانة الوهمیة، لأن یفهموا حقیقة بأنّه لا إله إلاّ الله، وبأن یعترفوا بوحدانیة الله تعالى وهیمنته على کل شیء. وندعوهم بأن یدخلوا فی الإسلام دین إبراهیم وموسى وعیسى علیهم السلام، ودین النّبی محمد صلى الله علیه وسلم. لا شک أنّ الذی وجد أجداده وآباءه یؤمنون بهذه الدیانات بما فیها من الشرک یجد من الصعوبة على نفسه فی البدایة اتخاذ قرار بهجرها وترکها. لکنه بعد التخلی عن هذه المعبودات الزائفة التى أشرکها مع الله تعالى لن یعرف سوى إله واحد یعبده ویوحّده. وهذا الإله الواحد هو الذی یجده عند الشدة، وهو الذی یستجیب له إذا دعاه ویسمعه إذا ناداه، وهو الذی یجیره إذا استجار به، ویشفیه إذا مرض ویواسیه إذا حزن.

إنّه ربّ العالمین الذى خلق هذه الأرض وسواها بعلمه الأزلی وقدرته التی أذعن لها کل شیء: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن یَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ) (سورة التکویر: 29)، وقال تعالى مخبرا عن نفسه: (إِنِّی تَوَکَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّی وَرَبِّکُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِیَتِهَا إِنَّ رَبِّی عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیمٍ) (سورة هود: 56).

إنّ الشیطان یمکن أن یلقی فی قلب البوذیین- شأنهم شأن جمیع البشر- أنه من غیر الممکن الإفلات من الشرک، لکن ینبغی أن یفهم أن هذه مجرد وساوس یبثها الشیطان فی النفوس، فکما أخبر القرآن الکریم یأتی الشیطان یوم القیامة ویقول لأتباعه: (وَقَالَ الشَّیْطَانُ لَمَّا قُضِیَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَمَا کَانَ لِیَ عَلَیْکُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلاَ تَلُومُونِی وَلُومُواْ أَنفُسَکُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِیَّ إِنِّی کَفَرْتُ بِمَا أَشْرَکْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ) (سورة إبراهیم: 22)

قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا یُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا یُعِیدُ (34:49)

وهؤلاء الذین أشرکوا بالله أشیاء أخرى سوف یجدون أنفسهم بلا نصیر یقطع نفوسهم النّدم بعد ان خدعهم الشیطان. وکما هو معلوم فالخلاص من الشرک یعنی التوجه بإخلاص إلى الله تعالى وعبادته وتوحیده، وتغییر النظرة إلى نفسه وإلى الناس وإلى العالم من حوله. وهذا یعنی الثقة الکاملة فی الله فی کل الحالات والالتزام بمبادئ القرآن وسلوکه. ولا شک أن هذا الإخلاص یجلب نعم الله وتأییده ورحمته وبرکاته. فالله وحده هو الذی یهدی الإنسان سبل الخیر والسلام ویقیه من وساس الشیطان ونزغاته.

إنّ کل من یسلم أمره لله یدرک أن السعادة الحقیقیة والطمأنینة الحقیقیة لا تکمن إلا فی الإیمان والتوحید. أما البوذیة فهی خدیعة من خدع الدنیا وضلالاتها، والله تعالى یبشر المؤمنین فی القرآن الکریم بقوله: (وَمَن یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لاَ یَحْتَسِبُ وَمَن یَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِکُلِّ شَیْءٍ قَدْراً ) (سورة الطلاق: 2-3)

ولهذا السّبب فإنّ الشخص الذى یتوب من خطئه بعد أن کان مشرکا بالله تعالى یتعین علیه أن یهجر الأصنام التی کان یعبدها دون أدنى تردد. ولذلک ینبغی على کل من یعتبر بوذا إلها (تعالى الله عما یصفون) یسمع ویرى کل شیء ویرضى ویغضب أن یفکّر ملیّا ویهجر هذه الأصنام وینأى بنفسه عنها. وینبغی على الذین استحوذت علیهم فکرة "الکرما" فأنکروا الآخرة أن یستعملوا عقولهم وینقذوا أنفسهم من هذه الخدیعة لأنّ ( هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِیهِ وَبَاطِلٌ مَّا کَانُواْ یَعْمَلُونَ) (الأعراف: 139).

هل یمکن أن تکون البوذیة دیـنا حقا تم تحریفه

هل یمکن أن تکون البوذیة دیـنا حقا تم تحریفه

رغم أننا حتى الآن قد بحثنا البوذیة باعتبارها وهما وزیفا، علینا القول بأنها تتضمن بعض المبادىء الأخلاقیة

الأیجابیة، فکتب البوذیة تحذر الناس من السرقة وتشجعهم على مساعدة بعضهم البعض وتطهیر أنفسهم من الأنانیة والطموحات الهابطة. وکل ذلک یوحی بأن البوذیة بدأت دینا سماویا قائما على الوحی وفسدت بمرور الزمن.

یقول تعالى فی القرآن الکریم أنه قد بعث لکل أمة رسـولا لیبلغهم الدین الحق:

(إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ بِالْحَقِّ بَشِیراً وَنَذِیراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِیهَا نَذِیرٌ ) (سورة فاطر: 24).

(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلالَةُ فَسِیرُواْ فِی الأَرْضِ فَانظُرُواْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ ) (سورة النحل: 36). وفى مکان آخر من القرآن یقول تعالى :( وَلِکُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِیَ بَیْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ یُظْلَمُونَ) ( سورة یونس: 10)

(وَتَرَى کُلَّ أُمَّةٍ جَاثِیَةً کُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى کِتَابِهَا الْیَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (سورة الجاثیة: 28)

إنّ هذه الآیات تبین لنا أنّ الله تعالى قد یکون أرسل رسولا للهنود؛ وقد یکون سـیدارسـا قـوتامـا واحدًا منهم, فالبوذیة تشبه الأدیان السّماویة فی بعض أرکانها، ثم إنّ الرسل جاؤوا عبر التاریخ لکشف الحقیقة نفسها للبشریة، ولکن بعد رحیلهم عمد أتباعهم إلى تحریف هذه الحقائق. وفی الحقیقة فإن تعالیم قـوتاما قد فقدت جذورها بعد وفاته، وصـارت محرفة بالطریقة التى هی علیها الیوم مزیجا من أدیان وثقافات البلاد التی انتشرت فیها، وحوت داخلها الأساطیر المحلیة المختلفة والخرافات.

وفى تلک الحالة، بدون شک، تصبح السیرة الشخصیة لسیدارسا قـوتاما مختلفة تماما عن القصص الأسطوریة التى نعرفها عنه الیوم. وتوجد نسخ متضاربة عن قصة حیاته، مما یعطى دلالة واضحة أن الحقیقة ربما تکون مختلفة کثیرًا عن "التاریخ " الذى ألفناه الیوم. إنّ أحد مبادىء الأخلاق الصحیحة التی روجت لها البوذیة تقود للاعتقـاد بأن البوذیة ربما تطورت من دین توحیدی. ویوضح الباحث الغربی ج. م. روبرتسـون العقیدة البوذیة فیما یسمیه "سلسلة الأنبیاء" بقـوله:

"... البوذیة لا تزعم أنها دین جـدید، فالتقالید المتوارثة تؤید کونها انتشرت عدة مرات من قبل، وقوتاما واحد فقط مـن سلسـلة طـویـلة من البوذیین الذین ظهروا على فترات وتناقلوا الدین نفسه. ویوجد تسجیل لأسـماء أربعة وعشرین من هؤلاء البوذیین الذین ظهروا قبل قوتاما. ویقال إنه، وبعد وفاة کل بـوذا منهم تنتعش دیانته لبعض الوقت ثمّ تنتهى. وبعد نسیانها، یظهر بوذا آخر لیبشر بما یسمى الدّارمـا، أی الحقیقة ".

کلّ ذلک ینبىء بأنّ البوذیة ربما تکون واحدة من الاعتقادات المنحرفة التى جاءت للتخلص من أثر الأنبیاء. ومن ناحیة أخرى، فإن البوذیة تضع بناء محافظا یذکر بأحد التحریفات التقلیدیة التى یمکن أن تحدث خلال فترة انحلال الدّین الحق.

فی القرآن الکریم یقول الله سبحانه وتعالى إنّ المسیحیین والیهود قد وقعوا فى الفخ نفسه، وأغرقوا دینهم بتفاصیل ومحرمات لا طائل منهـا، وکمثال لذلک فإنّ الأفکار الخاطئة فی البوذیة حول الانزواء عن المجتمع وإخضاع النفس للتعذیب قد ظهرت أیضا فی المسیحیة بعد تحریفها عـبر السنین، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلک فی القرآن الکریم:

(ثُمَّ قَفَّیْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّیْنَا بِعِیسَى ابْنِ مَرْیَمَ وَآتَیْنَاهُ الْإِنجِیلَ وَجَعَلْنَا فِی قُلُوبِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِیَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا کَتَبْنَاهَا عَلَیْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَایَتِهَا فَآتَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَکَثِیرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (سورة الحدید : 27)

قـد تکون البوذیة دیانة حقیقیة حرّفت بعد انتشار الرهبانیة. وبالتأکید تکون قد شوّهت أکثر من الیهودیة و المسیحیة. لکن بالرغم من التحریف الذی دخل على هاتین الدیانتین إلا أنهما ما یزالان یؤمنان به. وحتى لو جاء جوهر البوذیة من مصدر إلهی، فقد ابتعدت هذه الدیانة بشکل کامل عن ذلک الجوهر وأصبحت غارقة فی طقوس وهمیة مع بقاء مبادىء أخلاقیة قلیلة جدًّا.

ومن جانب آخر فالبوذیة تشبه المعتقدات التوحیدیة مثل الیهودیة والمسیحیة والإسلام؛ فهی أیضا تؤمن بنهایة العالم، وتؤمن بمخلّص للبشریة – مثل المسیح عند الیهود والمسیحیین؛ والمهدی عند المسلمین.

آخر الزمان هو الفترة التى تسبق قیام الساعة، وفی القرآن الکریم وأحادیث الرّسول صلى الله علیه وسلم عدد من الإشارات بأنّ الاسلام سوف ینتشر فى کل العالم. ویخبر القرآن الکریم بأن عیسى علیه السلام لم یمت، وأنه لم یقتل بل رُفع إلى السّماء وهو ما یزال حیا، وأنه سوف یعود إلى الأرض مرّة أخرى. وقد أخبرنا النبیّ صلى الله علیه وسلم أیضا بأنّ المسیح علیه السلام سوف یعود إلى الدنیا مرة ثانیة. وعند عودته، و أثناء وجوده على الأرض سوف تملأ الأرض عدلاً وسلامًا وخیرًا. وبینت أحادیث النبی علیه الصلاة والسلاة أنّ المهدیّ سوف یساعد المسیح علیه السلام فی رسالته المبارکة ( لمزید من التفاصیل انظر کتاب هارون یحیى "المسیح سوف یعود".).

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلالَةُ فَسِیرُواْ فِی الأَرْضِ فَانظُرُواْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ (16:36)

وتبین أحادیث الرّسول صلى الله علیه وسلم أنّ آخر الزّمان یتمیز بمرحلتین اثنتین؛ فی المرحلة الأولى یُنکر وجود الله تعالى جهرًا، ویقلّ الناس المؤمنون الذین یلتزمون بقیم الدین، وتصبح الحیاة أکثر صعوبة ومشقة، ویشیع القلق بسبب قلة الخیرات، وتکون فی الأرض مجاعات وکوارث طبیعیة، وینتشر الظلم، وتکثر الحروب والنزاعات، وتسیطر القسوة على القلوب وتقل المحبة والرّحمة. ثم بعد ذلک تتعافى البشریة من الکفر والفلسفات اللادینیة التى هی المصدر الحقیقی لآلامهم، ویرجع الناس إلى الدین. وتنتهی النزاعات، وینهزم الظلم ووتتبدّد القسوة. ویشع نور الأمن والسلام، وینعم الناس بالطمأنینة والرفاهیة بعد عانوا من القلق والظلم. وسوف ینعم العالم کله بالرّخاء والخیر.

وفی الإسلام، کما هو الأمر فی الیهودیة والمسیحیة، هنالک إیمان بالمهدی وبعودة المسیح وبآخـر الزمان. وفی الإنجیل الذى یتکون من العهد القدیم (التّوراة وکتب الیهود الأخرى) والعهد الجدید ( الأناجیل الأربعة وکتب أخرى ورسائل) هناک عدة أوصاف لآخر الزّمان. والأناجیل بصفة خاصة تشیر إلى عودة المسیح علیه السلام.

إنّ اسم عیسى لم یرد فى التوراة، غیر أن التوراة نفسها تخبر بمجیء بمجیء مسیح مخلص من نسل داوود علیه السلام. وفى بعض المواضع من التوراة هناک إشارات إلى ما سوف یحدث فى آخر الزمان. والمسیح الذى تمّ التبشیر بمقدمه وورد الحدیث عن أعماله فى التوراة هو- کما ذکر القرآن الکریم- عیسى علیه السلام. وبالإضافة إلى اسم "المسیح" تطلق علیه صفات أخرى مثل "الملک" و "الرب" (بمعنى السیّد المربّی) و"کثیر الخیرات".

تِلْکَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَیِّنَاتِ فَمَا کَانُواْ لِیُؤْمِنُواْ بِمَا کَذَّبُواْ مِن قَبْلُ کَذَلِکَ یَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْکَافِرِینَ (7:101)

وتتحدث التوراة عن مجیء المسیح، وقد قیل الکثیر عن المملکة التى سوف یقیمها على الأرض. ومما ورد أنه سوف جمیع الأمم تحت رایة واحدة، وأنّه من نسل داوود علیه السلام، وأنه یشبهه ( حکم داوود علیه السلام فی زمانه بلادًا واسعة). وقد جاء فی بعض فقرات التوراة ما یلی:

"سوف یشتّت أعداء الرّب، وتُرسل علیهم الصواعق من السّماء، وسوف یسود حکمه أنحاء الأرض، ویهب القوة لملیکه، و یعلی من قوّة المسیح". (صاموئیل الأول 2: 10)

"وفى أیام هؤلاء الملوک، سوف یقیم رب السماوات مملکة لن تنهار، ولن یُترک حکمها للآخرین، وهذه الممالک کلها سوف یدمرها هو وینهیها، وسوف یبقى هو خالدا إلى الأبد". ( دانیال 2: 44)

"هذا هو عبدى الذی أیدته، اخترته وداخل نفسه تسری روحی، وأسبغت علیه من روحی، سوف یجلب العدل للأمم؛ لن یصرخ فى وجه أحد، ولن یرفع صـوته لیسمع من فى الطرقات. لن یکسر مزمارًا مخدوشا ولن یطفىء فتیلا منیرًا، سوف یبلغُ بالعدل الحقیقة، لن یفشل ولن ینکسر عزمه حتى یؤسس للعدل فى الأرض مقاما، وسوف ینتظر الناس شریعته ... أنا الربّ نادیتک بحق، وسوف أشدّ على یدیک، سوف أحفظک وأعطیک میثاقا لکی تُفتح العیون العمیاء، وینطلق أحرارا کلّ السجناء، وسوف أمنحک نورًا تهدی به الأمم" ( أشعیا 42: 1 -7 ).

"... وبالحق سوف یحکمُ الفقراء، وسوف یحکم البلاد بالعدل رحمة بالبؤساء، سوف یضرب الأرض بعصاه، وبأنفاس شفتیه سوف یقتل الأشرار، وسوف تکون الحقیقة لخاصرته حزامًا" (أشعیا11: 1- 10).

وتقدم التوراة معلومات کثیرة جدا عن عودة عیسى علیه السلام إلى الأرض:

"لأننی ذاهب لکی أعد لک مکانًا، وإذا ذهبت وأعددت لک مکانا، سوف أحضر وآخذک، وتکون معی حیثما کنتُ" ( یوحنا 14: 2-3).

"إنّ یسوع سوف یعود مرة أخرى تماما مثلما رأیتموه یسیر نحو السّماء" (قوانین1: 11).

"لذا إذا قیل لکم، إن یسوع فی الصّحراء فلا تذهبوا، أو قیل لکم انظروا هو فی داخل الغرف فلا تصدّقوا ذلک، فابن آدم سوف یکون مثل البرق الذی یلمع من الشرق فیضیء أرکان الغرب". (متا 24: 26- 27).

"إن الخالق تبارک وتقدس، ملک الملوک وربّ الأرباب، والذی هو وحده له الخلود، الحیّ، الذی لم یره أی إنسان ولن یراه أی إنسان سوف یظهر المسیح فی الزمان المحدد، فله المجد والقوة إلى الأبد (تیموتوسا الرّسالة الأولى 6: 15-16).

عند عودة عیسى علیه السلام سوف یکون الأمر والحکم بیده، وفترة حکمه هذه سوف تتمیز بالعدل والثراء والأخلاق الطیبة. وقد وردت فی الإنجیل بعض المعلومات عن هذا الموضوع:

"بورک فى ذوی الأحلام، لأنهم سوف یرثون الأرض" ( متا 5:5).

"لهذا السبب صلوا على هذا النحو ... لیأتِ الملکُ..." ( ماثیو6 :9 -10).

"سوف یکون هنالک بکاء وصریر للأسنان، عندما ترون إبراهیم وإسحاق و یعقوب وجمیع الأنبیاء فی مملکة الرّب، وأنتم مطرودون، سوف یأتون من الشرق ومن الغرب، من الشمال ومن الجنوب، ویجلسون فى جنة الربّ. وحقا سوف یتقدّم متأخرون ویتأخر أوائل" (لوقا 13: 28- 30).

إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَیْتَ النَّاسَ یَدْخُلُونَ فِی دِینِ اللَّهِ أَفْوَاجاً {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ کَانَ تَوَّاباً (110:1-3)

کما ذکرنا سابقا، فإنّ البوذیة أیضا تتنبأ بقدوم مسیح مخلّص. وقد قال بوذا إنه بعد مرور ألف عام من بعده سوف یجیء المیتیا (أو میتریا) ویُتم دینه ورحمته على العالم. وحول هذا الموضوع نورد بعض ما جاء فی مصادر بوذیة من دولتین مختلفتین.

أولا من مصادر بورما:

"یقول بوذا لصاریبوتا: إنّ عهدنا عهد سعید، عاش فیها ثلاثة زعماء: کاکوساندا و کانوکاما و کاسابا. بوذا العظیم هو أنا، ولکن بعدی یجیء میتریا. ومع استمرار هذا العهد السعید، وقبل أن تنقضی سنواته سوف یکون بوذا العظیم هذا، الذی یقال له میتریا زعیم کل البشریة".


وَاللّهُ یَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَیَهْدِی مَن یَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیمٍ {25} لِّلَّذِینَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِیَادَةٌ وَلاَ یَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ (10:25-26)

المثال الثانى من مصادر سایلان:

"أنا لست أول بوذا جاء إلى الأرض، ولن أکون آخرهم. بعد وقت ما سوف یجیء بوذا آخر إلى الدنیا، ویکون مستنیرًا بالأنوار المقدسة، سلوکه یعبقُ بالحکمة، خیّرٌ، ولا یشبهه أحدٌ ... وسوف یکشف لکم الحقائق التی علمتکم إیاها، وسوف یبلّغ دینه ... سوف یبلغ الدّین الحق الذی أعلنته لکم. إن أتباعه سوف یعدون بالآلاف بینما لا یتجاوز أتباعی بضع مئات. وهو یُدعى میتریـا".

البوذیة والثقافة الغربیة المادیة

إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ ألله الإِسْـلاَمُ (سورة آل عمران: 19)



البوذیة والثقافة الغربیة المادیة

إِن تَدْعُوهُمْ لَا یَسْمَعُوا دُعَاءکُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَکُمْ وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکْفُرُونَ بِشِرْکِکُمْ وَلَا یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ (35:14)

أحد أسباب اهتمام العلم بالبوذیة لم یکن وجودها فی الشرق الأقصى - موطنها التقلیدی - ولکن کان بفضل الدّعایة التی نالتها فى الغرب. وترجع بدایة هذه الدّعایة إلى القرن الـ19، وقد استحوذت على اهتمام أکبر فی النّصف الثانی من القرن الـ20 عندما صارت تقلیعة لمن یریدون أن یبدوا أکثر"أصالـة". وترجع بدایة هذه التقلیعة إلى ثقافة البوب فی العام 1960عندما تحوّل عدد کبیر من شباب الغرب وبعض المفکرین الغربیین من المسیحیة التقلیدیة إلى باحثین عن شیء آخر، وقد وجدوا ما یبحثون عنه فى دیانات الشرق الأقصى. وکان الدافع الأساسى لهذا البحث هو الرغبة لجذب الاهتمام بمخالفة ما هو قائم.

وعندما أعلن جورج هاریسون عضو فرقة البتلز الذی ساعد فی التعریف بثقافة البوب فى العام1960 أنّه صار هندوسیا (دیانة ملحدة سبقت البوذیة) ثمّ قام لاحقا بتسجیل مؤلفه فی الموسیقى المسمّى بالانجلیزیة "مای سویت لورد"، وهی أغنیة للآلهة کریشنا، تبعه فی ذلک العدید من جمهور البتلز. وقام جون لینـون باستعمال أسبار بوذیة فی أغنیته "عبر الکون" التی غناها بالأنجلیزیة، کما استعمل الترانیم البوذیة وکذلک الزّی البوذی، وکانت هذه الأعمال الفنیة ذائعة الصیت فی أوساط الهیبیز خلال أعوام الستینات والسبعینات.

ومما یجلب الانتباه أنّ معظم الأعمال المعماریة لفنون ثقافیة شعبیة فرضت البوذیّة على المجتمع الغربیّ، وفی هذه العملیة قادت هولیود زمام الأمر. ومن المعروف عموما أنّ هولیود تعکس أفکار الجناح اللبرالی للمجتمع الأمریکی الذی غالبا ما یؤیّد الأفکار المضادّة للدّین والقیم المناقضة للأخلاق المسیحیة والإیمان. وکمثال فإنّ معظم الأفلام تفرض بقوة نظریّة النشوء والارتقاء على أذهان المشاهدین. وفی الجدل القائم بشأن کون نظریة النشوء والارتقاء تقف فی مقابل الخلق، یلاحظ أنّ الأفلام التی لها صبغة "علمیة" غالبا ما تنحاز إلى جانب الداروینیة. وبدأت دعایة هولیود المناهضة للدّین والمنحازة لداروین بالفیلم الشهیر المسمى "لِتَرثِ الرّیح". أما فی أفلام الیوم فإنّ الاتجاه نحو الاستخفاف بالاسلام أصبح استراتیجیة واضحة للعیان.

ولکن رغم أنّ هولیود عموما لا تقبل الأدیان السّماویة مثل المسیحیة والإسلام، فإنّها تأخذ منحى مختلفا تماما عندما یتعلق الأمر بالبوذیة بعرض هذه الدّیانة بطریقة جذّابة جدّا باعتبارها دیانة مسالمة ومُحبّة للإنسانیة. وقد تولت أفلام مثل فیلم "سبع سنوات فی التبت"، تمثیل النجم براد بـت ومعه کـندن، وهو عن حیاة "الدّلای لاما"، ومن إخراج مارتن سکورسیز، وتولت عملیة إشهار شعبیة لبوذا وسط مرتادی السّینما من الجمهور.

ومن أجل نشر الدّعایة البوذیة فإنّ الحیاة الخاصة للممثلین والممثلات تصبح مهمّة تماما مثل الفیلم نفسه. وقد أعلن رئیس مدرسة "نـاینقما" التابعة لبوذیة التبت أنّ "أستیفـن سیقـال"، وهو معروف بأدواره فی أفلام العنف بأنه استنساخ لما یسمى "لاما" عاش فی القرن الخامس عـشــر (راهب بوذی من التبت أو منقولیا)! وأیضا هنالک الممثل الشهیر المسمى "رتشارد جیـر"، فإضافة إلى الکتب التی یعدّها للترویج للبوذیة قام بتأسیس "بیت التّبت" فی نیویورک مع "رتشارد ثیرمان" والـد الممثلة "آمـا ثیرمان". ومن الممثلین البوذیین المعروفین "تینا تیرنر"، "هاریسون فـورد"، "أولیـف ستون"، "هیربی هانکوک" و"کیرتنی لف".

بالطـبع فحیاة المرء الخاصّة ومعتقداته لا تخص أحدًا غیره، والناس أحرار فی اختیار الدیانة التى یرغبون فیها. غیر أنّ هؤلاء الأفراد لو تعلموا شیئا عن الإسلام الحقیقی فمن المؤکد أنّ قلوبهم سوف یدخلها النور. ولکن الصورة التی عُرضت حتى الآن تنتهی بنا إلى خلاصة مهمة، وهی أنّ البوذیة تستحوذ على هذا الاهتمام لأنّها اتّبعت ورُوّج لها فی الغرب حیث تسود الثقافات المادیة. وفی المقابل وقع إبعاد الثقافة الغربیة عن خصائصها الرّوحیة القائمة على الأساس الیهودی- المسیحی.

أَیُشْرِکُونَ مَا لاَ یَخْلُقُ شَیْئاً وَهُمْ یُخْلَقُونَ{191} وَلاَ یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ یَنصُرُونَ (7:192)

ولکن لماذا حدث ذلک؟ للإجابة على هـذا السؤال یتعین أن نحدّد أوّلا الخصائص الرئیسیة للمادّیة الغربیة. فلقد تـمّ إرساء الأسس الثقافیة لها فی القرن الثامن عشر، کما أُسس إطارها النظری فی القرن التاسع عشر، ورغم تآکل الإطار النظری، أصبحت حرکة جماهیریة فی القرن العشرون، وبالضرورة فهی:

- تنکر وجود إله وتؤمن بأنّ الکون جاء نتیجة للمصادفة.

- تعتقد أنّ الکائنات الحیة اکتسبت شکلها الحالی من خلال النشوء والإرتقاء،

وأنّ الداروینیة تفسّر ظاهرة الحیاة و "مصدر" أنواع الکائنات.

- تعتقد أنّ البشر ببساطة هم فصائل أسمى من الحیوان و تقلّل من أهمیة وجود

الرّوح فی البشر.

- تنکر فکرة الحیاة بعد الموت، والقیامة، ویوم الحساب ووجود جنة ونار.

إنّ هذه الافتراضات ذات الطبیعة المادیة، وبالرغم من أنها زائفة وتناقض جمیع الأدیان السماویة قد وجدت لها تناغما مع ثقافة أخرى هی الثقافة البوذیة.

اکتشاف هکسلی للبوذیـة:

وباعتبارها دین کفر فإنّ البوذیة لا تقبل وجود إله ولا آخرة ولا جنة ولا نار. وتؤمن بأنّ الرّوح البشریة لا تختلف عن روح الحیوان، وتؤمن بالعودة الکارمیة (العاقبة الأخلاقیة)، أی العودة باستمرار إلى العالم بإعادة المیلاد. وطبقا لاعتقاد بوذا فـ"السّمکة" یمکن أن تعود "فیـلا" فی حیاة أخرى، والشّخص یمکن أن یعود بعد موته فی شکل" دودة ". إنّ هذه الفکرة المتمثلة فی "انتقال الأرواح" بین فصائل الکائنات لها ما یوافقها فی نظریة النشوء والارتقاء لداروین.

Thomas H. Huxley

وقـد وصف أحد الباحثین فی البوذیة العلاقة بین البوذیة ونظریّة النشوء والارتقاء کما یلى: "إنّ البوذیة ... سعیدة تمامًا بنظریة النشوء والارتقـاء. وفی الحقیقة فإنّ الفلسفة البوذیة تتطلب فعلا عملیة نشوء وارتقاء، فکلّ الأشیاء ینظر لها باعتبارها فی حالة تحوّل، ویتحقق وجودها بتواتر لمدة ثم تتلاشى. إنّ فکرة عدم تغیّر فصائل الکائنات لن تکون متفقة مع نظریة طبیعة الوجود المنسوبة للبوذیّة".

ولـهذا السّبب یشعر أتباع داروین بالتعاطف تجاه البوذیّة وقد روّجوا لها باستمرار منذ القرن التاسع عشر.. وکان أوّل من عبر عن ولعه بالبوذیّة تـوماس هـ . هیکسلی، الذی جاء بعد داروین ولعب دورًا مهمّا فی انتشار الداروینیة. ولقد ظهر هکسلی على المسرح کأکثر المؤیدین لداروین، وعـرف بأنّه "کلب داروین الوفی". وقد کان للمناظرات التى أقامها مع العلماء ورجال الدین المدافعین عن فکرة "الخلق" وکتاباته وأحادیثه قد جعلت منه أشهر مدافع عن الدّاروینیة فی القرن التاسع عشر.

مـن الحقائق البسیطة المعروفة عن هیکسلى اهتمامه بالبوذیّة، وحتى خلال مجادلاته مع ممثلی الأدیان السّماویة مثل الیهودیة والمسیحیة کان ینظر للبوذیّة باعتبارها تناسب الحضارة العلمانیة التى یرید أن یراها قائمة فی الغرب. وقد أوضح ذلک فی مقال بعنوان: "الفلسفة: مقالات من الشرق والغرب"، وأیضا کتابه: "البوذیة عند هیکسلی على ضوء النشوء والارتقاء والأخلاق"، وهو یتضمن الوصف التالی للبوذیة:

David Hume

"البوذیة نسق لا یعرفُ إلهًا بالمعنى الغربی للکلمة، وینکرُ الرّوح عندالإنسان ویحسب الإیمان بالخلود نوعًا من الحُمق وتمنیه خطیئة؛ والبوذیة ترفض أیذ تأثیر لمن یصلّی، وهی تطلب من النذاس أن لا یرجو شیئا سوى خلاص أنفسهم بجهودهم الشّخصیة... ورغم ذلک انتشرت فى جزء کبیر من العالم القدیم بسرعة مذهلة، وما زالت العقیدة المسیطرة على جزء کبیر من البشر، وأساسها خلیط من العقائد الأجنبیة".

إنّ السبب الوحید وراء ولع هیکسلی بالبوذیة هو أنّ البوذیة تتفق مع توجهات هیکسلی الفکریة، ووتنسجم معها فی عدم الإیمان بالله. وطبقـا لما یقوله "فیجیسا راجاباکس"، وهو بروفسور فی جامعة هاوای وکاتب "البوذیة عند هیکسلی على ضوء النشوء والارتقاء والأخلاق" فـ:"إنّ هیکسلى یرى وجود اتفاق بین البوذیة والأفکار الملحدة الکافرة لقدماء الإغریق، وهذا ما ساهم فی ولعه بها. إنّ مـیل هیکسلی الثابت لربط الأفکار البوذیة بالأفکار الغربیة، والذی جاء بشکل لافت فی مقدمة تعقیبه على مفهوم المادة تمّ تبسیطه أکثر فی مستویات أخرى من حواره أیضا. لقد وجد أنّ موقف الإلحاد الذی یتبناه البوذیون الأوائل مشابه لنظرة هیرقلیدس، وأیضا أشار إلى العدید من شبه التطابق بین الرواقیین (أتباع زینون) والبوذیة...".

لاحظ "راجاباکس" أیضا أنّ بعض المعتقدین فی وجود إله أو اللا أدریین (من یعتقدون أنّ وجود الله وطبیعته وأصل الکون أمور لا سبیل لمعرفتها) ممن عاشوا فی القرنین الثامن عشر والتاسع عشر کانوا أیضا من المولعین بالبوذیة. کما أنّ بعض الأفکار شبه المتطابقة بین البوذیة والفلسفة الغربیة المادّیة الیوم تشکل جزءا من أفکار "دیفید هیوم"، وهو فیلسوف أسکتلندی من القرن الثامن عشر یؤمن بوجود إله مع کرهه للدّین. وقـد کتب "راجاباکس" ما یلى: "مما یثیر الاهتمام أنّ شبه التطابق الموجود بین البوذیّة ومواقف هیوم حول موضوع الروح القدس قـد اکتسبت اهتماما جادا من بعض المفکرین الأوائل فى مواضیع البوذیّة". ثم یواصل قائلا: إن ریس دیفیدس [مترجمة رائدة لنصوص البوذیة من لغة البالی إلى الأنجلیزیة] لاحظت کمثال ما یلی: " فیما یتعلق بالاعتقاد فی روح غیر مسکونة أو ذات دائمة لا تتغیر، ولا تتألم ... کان للبوذیّة موقف منذ ألفین أو أربعة آلاف عام یسبق موقف هیوم الذى ظهر قبل قرنین فقط".

وکما دلّل "راجاباکس" فی مقاله فإنّ البوذیّة أثارت فضول العدید من المفکرین بأنجلترا خلال الحقبة الفکتوریة لأنهم وجدوها منسجمة مع الفلسفات التی سادت فی القرن التاسع عشر مثل اللادینیة والبوذیّة. ولقد نظر الفیلسوف الألمانی الشهیر فریدریک نیتشه بإعدا إلى البوذیة للسبب ذاته.

تعا طف نیتشه مع البوذیة:

Friedrich Nietzsche

الفیلسوف نیتشه من المفکرین الأکثر تعلقا بالإلحاد خلال القرن التاسع عشر، وقد تبنى کراهیة عمیقة للدیانة المسیحیة وروّج بدلا عنـها لثقافة الإلحاد. وساعدت أفکاره على تشکیل الفاشیة فی القرن العشرین وساعدت بصفة خاصّة على الترویج للنازیة. ناهض نیتشه المسیحیة التى ترید المزاوجة بین فضائل الشفقة والرّحمة والتواضع والإیمان بالله، وبالتالى فهو أیضا ضدّ مبادىء الإسلام الأخلاقیة وضد القیم الیهودیّة الملتزمة، وقد کره الأدیان السّماویة لیس بسبب مبادئها الأخلاقیة فقط ولکن أساسًا بسبب إلحاده المتشدّد. وفی مقال له عن نیتشه کتب الباحث الأمریکی "جاسون دى بوا" : " إنّ الإلحاد جزء مهم من فکر نیتشـه" ویضیف قائلاً: "لم یکن نـاقدًا موضوعیّا، إنّ نیتشه یلتهب بالکراهیّة ضدّ المسیحیة، وکانت کتاباته الملحدة ذات نـقد لاذع وقاس للغایة".

وکما نرى، فإنّ نیتشه قد وجه کراهیته نحو الأدیان السّماویة فقط، ولیس ضدّ أدیان الکفر أیضا، وبالمقابل کتب دى بوا ما یلی: "رغم أنّ نیتشه یعد واحدًا من أشرس الملحدین فى التاریخ، إلاّ أنّه حقیقة لیس معادیا للدّین بالکامل... فقد کان یحترم ویحبّ العدید من جوانب الدّیانات الأخرى بما فی ذلک الأدیان الوثنیّة وحتّى البوذیّة...".

وعنـد مراجعته لکتاب: "نیتشه والبوذیّة: دراسة حول مذهب العدمیّة" للکاتب روبرت ج. موریسون یقول الأنجلیزى الأکادیمى دیفید ر. لوی ما یلی حول هـذا الموضوع:

"إنّ إجراء مقارنة بین نیتشه والبوذیّة صار شیئا تقلیدیّا، ولسبب ما یبدو أنّ هنالک نداء عمیقا بینهما: موریسون یشیر إلى اشتراکهما فی عدة ملامح: فکلاهما یشدّد على أنانیة البشر فی عالم لیس فیه إله ولا یتطلع أیّ منهما إلى کائن خارجی أو قـوّة ما لحلّ مشکلتهما المشترکة بشأن الوجود ... وکلاهما یعرف أنّ الإنسان سیل دائم التغیّر تتملکه قوى نفسیّة مرکّبة، وداخل هذا السّیل لا یوجد شیء مستقلّ بذاته أو موضوع لا یتغیر ( یعنی الرّوح)".

إنّ مصادر هذه الأفکار الخاطئة التى یتقاسمها نیتشه و بوذا لا تعدو بالتأکید أن تکون أکثر من جهل وغرور. وکلّ من ینظر إلى الکون والطبیعة بذکاء ووعی سوف یرى دلائل واضحة على وجود الله تعالى، وقد ثبت ذلک ذلک بالمکتشفات العلمیة الحدیثة: نظریة الانفجار العظیم، ومبدأ "الإنسان هو غایة الکون" (المبدأ القائل بأنّ کل تفاصیل الکون تمّ ترتیبها بعنایة لجعل حیاة البشر ممکنة) قد أنهت فکرة أنه لا وجود لإله التی قدمها نیتشه وغیره من الملحدین. والعلوم الحدیثة جاءت بأدّلة واضحة أنّ الکون قد خلق وتمّ تنظیمه بتوازن غیر عادی. هـذه الأدلة تکشف بطلان نظریّة داروین حول النشوء والارتقــاء وتثبت حقیقة الخلق، وتلغی فکرة وجود نسق ذکیّ یدیر العالم. لقد أبطلت الاکتشافات العلمیة والاجتماعیة أفکار نظریات مفکری القرن التاسع عشر مثـل مارکس وفروید ودرکهایم. (للمزید من المعلومات یرجى مراجعة مقال هارون یحیى " انهیار الإلحاد: نقطة تحوّل فی التاریخ" وهو موجود فی الصفحة التالیة: http://us1.fmanager.net/api_v1/productDetail.php?dev-t=EDCRFV&objectId=3347

البوذیة: روحانیة زائفة لثقافة مادّیة:

هذه الشهادة العلمیة ضدّ الإلحــاد ذات صلة وثیقة بالتساؤل حول لماذا انتشرت البوذیة فى العالم الغربی. لـقد رأى مهندسو الإلحاد والثقافة المادیة أنّ نظریتهم تنهار، ولمنع التیار المتنامی المتجه نحو الأدیان السّماویة عملوا على مواجهته بالترویج لمعتقدات الکفر مثل البوذیة، وبعبارات أخرى فإنّ البوذیة - ودیانات الشّرق الأقصى المشابهة لها - هی تکریس للمادّیة.

ولکنّ لماذا تحتاج الثقافة الغربیة لمثل هذا التعزیز؟ قام الکتاب الأنجلیز مثل مایکل بایقنت وریتشارد لیخ وهنری لنکولن بدراسة تطوّر و"انحطاط" الأفکار فی العالم الغربی خلال الألفی سنة الماضیة. وقد أوضحوا أنّ العالم الغربی قد سقط فی القرن العشرین فی "أزمة معنى"، أی أنّ طریقة الحیاة التى فرضتها الفلسفة المادیة فی المجتمعات الغربیة قد جرّدت حیاة الناس من معناها بأن جرّدتهم من الإیمان بوجود الله وحرمتهم عبادته. وقد عبّر هؤلاء الکتاب الثلاثة بقولهم:

" لقد انقطعت الصلة بین الحیاة وبین أی معنى، وأضحت مجرد وجود بطریق المصادفة لا یسیر نحو أی هدف محدد".

یضاف إلى أزمة المعنى تلک أنّ انهیار النظریات المادیة على المستوى العلمی قد فتح الطریق نحو عودة جدیدة للأدیان السّماویة، وخاصة الإسلام. ولهذا السّبب زاد عدد أتباع المعتقدات التوحیدیة؛ فقد زاد عدد من یؤمنون بالله ویمارسون شعائر دینهم؛ وأخذت المفاهیم والقیم الدّینیة تحتل مکانتها المهمة فی الحیاة الاجتماعیة.

إنّ البوذیة ومعتقدات الکفر الأخرى تتطلع بحماس لعرقلة هذا التیار من خلال رسم طرق زائفة للخلاص لهؤلاء الذین أربکتهم أزمة المعنى التى جلبتها الثقافة المادیة. فالتّاویة والهندوسیة وما شابهها مثل طائفة "هیر کریشنا" و"ویکا" واتجاهات العصر الجدید التی جلبت کلها تعالیم إلحادیة مختلفة، ودیانات الأطباق الطائرة التی تشغل نفسها بما یسمّى رسالات مقدّسة یُعتقد أنّها جاءت من الفضاء، کلّها تعالیم فاسدة اعتنقها هؤلاء الذین لا یریدون قطع الصّلة بالإلحاد والمبادىء المادّیة. ویضاف إلى ذلک أنّ العدید ممن أصبحوا بوذیین تأثروا بدرجة کبیرة بأشیاء لا یرغبون فیها وتقلید أعمى لشیء لا یفهمونه. وببساطة فهم یفعلون ذلک حتى یجلبوا الاهتمام ویبدون فی الحقیقة کمثقفین ومستنیرین.

ولنفهم لماذا تخلو هذه المذاهب من أساس تستند إلیه، نحتاج إلى غربلتها وتقیمها من خلال مقیاس المنطق. لقد رأینا سابقا مبدأ الکرما (العاقبة الأخلاقیة)، وهو أساس العدید من دیانات الشرق الأقصى، وأظهرنا عدم وجود أساس منطقی وجیه له (لمزید من المعلومات راجع کتاب هارون یحیى: "الإسـلام والعاقبة الأخلاقیة (الکرما)".

فهـذه الدیانات لا تعتقد فی وجود إله ولا فی موعد جامع لحساب إلهی للبشر. کـیف لهم إذا أن یؤمنوا بأنّ کل شخص سوف یجازى بما یفعله، ویکون ذلک فی الحیاة الأخرویة؟ من یقرّر ذلک ؟ إنّ الذین یقدسون أشیاء تقع "خارج الأرض " یعتقدون أیضا فی أشیاء لا معنى لها. کیف یمکن لشخص أن یؤسّس لفلسفة حیاة تنبنی على أشیـاء سابحة فی الفضاء، مشکوک فی حقیقتها؟ وحتى لو وُجدت کائنات من الفضاء الخارجی، یتعیّن بالضّرورة، أن تکون قد خُلقت. ثم ماهو الضّمان بأنهم سوف یرشدون البشریة للطریق الصّواب ؟

إنّ الذین تتملکهم مثل تلک الأفکار الوهمیّة علیهم أن یستمعوا لآیات القرآن الکریم ولقوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاکُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ) ( الواقعة: 57). وعلیهم أن ینهجوا نهجه الذی رسمه لهم: ( وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِی مُسْتَقِیماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ عَن سَبِیلِهِ ذَلِکُمْ وَصَّاکُم بِهِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام: 153).

معتقدات البوذیة الباطلة

إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ ألله الإِسْـلاَمُ (سورة آل عمران: 19)




معتقدات البوذیة الباطلة

تختلف معتقدات البوذیة الباطلة بدرجة کبیرة من بلد لآخر، حیث أنّ هذه الدیانة قد امتزجت خلال الـ 2500 عاما الماضیة مع مختلف الدیانات المحلیة والعادات والثقافات الأصلیة للبلدان التی انتشرت فیها. والیوم فالبوذیة التی تمارس فی الیابان والصین والتبت وسری لانکا وفیتنام وأمریکا کلّها تختلف عن بعضها البعض اختلافا کبیرًا.

هنالک مصادر تاریخیة تبین أنّ بوذا کان یختار دائما الحدیث عن أساسیات مبادئه والقیام بعبادته بشکل شفاهی. وبعد بحوث امتدت لقرون تقرّر أنّ بوذا لم یخلّف نصوصًا مکتوبة، ویؤیّد البوذیون مقولة أنّ مواعظ بوذا نقلت شفاهة من جیل إلى جیل لمدة 400 عام، حتى تمّ جمعها فیما یعرف بـ"بـالی کانون" أو "حکمة بالی". غیر أنّ معظم الدارسین یعتقدون بأن غالبیة هذه الکلمات لیست کلمات بوذا، وإنما أضیفت عبر القرون المتطاولة حتى تحقق شکلها الحالی. وبالتالی فإنّ البوذیة التی لا تعتمد على أیّ نصوص مکتوبة مرت بتغییرات عدیدة وتشویهات عبر الزمن بواسطة الإضافة والنقصان.

والیوم فإنّ کتاب البوذیة المکتوب بلغة بـالی یسمى "التبتاکا" والتى تعنی "السـلة الثلاثیة"، ولا یُعرف على وجه الیقین متى کتبت "التبتاکا"، ولکنّ من المعتقد أنها اکتسبت شکلها الحالی فی سری لانکا فى وقت ما خلال القرن الأول قبل المیلاد. وتنقسم نصوصها إلى الأبواب التالیة:

1- فنایا بیتاکا: ویعنی هذا الباب "سلة التأدیب"، وهو یحتوی على قواعد تخصّ الرّهبان والراهبات، وکیف یتم اتباعهم. کما یتضمن بعض المسائل التى تخصّ القرّاء العادیین من غیر الرّهبان والراهبات.

2- سوتا بیتاکا: وأکثر هذا القسم یتکون من أحادیث شرح فیها بوذا أفکاره، ولهذا السّبب سمّی هذا الباب "سلة الحدیث". وقد تمّ تناقل کلماته تلک عبر القرون لـتختلط بالأساطیر الأخرى والمعتقدات الکاذبة.

3- أبهیداما بیتاکا: ویتضمن هذا الباب فلسفة البوذی وتفاسیر لمواعظ بوذا.

والیوم فکهنة البوذیة یقدّسون هذه النصوص ویتعبدون بها وینظمون حیاتهم طبقا لما جاء فیها، ویصوّرون بوذا على أنه إله حقیقی (تعالى الله عما یصفون!). ولهذا السبب فالبوذی المعاصر یرکع أمام تماثیله ویقدم لها موائد الطعام والورود، وهو بذلک یتوقع أن تنصره. وهذه ممارسة لا تخضع لأیّ منطق. وبالطّبع فکلّ من یعتقد أنّ تماثیل الحجر أو البرونـز یمکن أن تسمع أو تساعد فهومغفل. وسوف نتناول لاحقا فی هذا الکتاب طقوس الکفر الأساسیة بتفصیل أکثر لنرى کیف صارت البوذیة مذهبًا سرّیا یرّکز على البشر، دون أیّ اهتمام بالتّساؤل الکبیر: کیف یعمل نسق الکون البدیع نـاهیـک، عــن طرح التساؤل حـول: کیف وُجد الکون؟

البوذیة دین إلحاد

إنّ فلسفة البوذیـة تنکر وجود الله، ولکن تؤسس ذاتها على جوانب قلیلة من أخلاق البشر وعلى إله "إزارا" من آلالام هذا العالم. وبدون أی سند فکری أو علمی فهی تنبنی على مفهومین متلازمین هما ما یسمى بـالکرما (العاقبة الأخلاقیة) والتناسخ، وهی فکرة أنّ البشر تعاد ولادتهم دوما فى هذا العالم، وأنّ حیاتهم اللاحقة یحدّدها سلوکهم فی حیاتهم الأولى. ولا یوجد شیء مکتوب فى البوذیة یتحدث عن وجود خالق، أو على الأقل یبیّن کیف وجد الکون والعالم والأحیاء. لا یوجد نص بوذی یصف لنا کیف خُلق الکون من العدم أو کیف وجدت الأحیاء أو کیف یمکن تفسیر المظاهر الموجودة فی کل مکان من هذا العالم والتی تمثل دلیلا على خلق لیس له نظیر. ووفقا للوهم البوذیّ لیس من الضروری التفکیر فى هذه الأمور. وکما تزعم نصوص بوذا فإنّ أهم شیء فى الحیاة هو کبح الشّهوات وتبجیل بوذا والتخلص من الآلام، وبالتالی فإنّ البوذیة کعقیدة تعانی من نظرة ضیقة تحجب معتنقیها عن بحث هذه الأسئلة الأساسیة مثل: من أین جاء العالم, وکیف وجد الکون وجمیع المخلوقات. والحقیقة أنّها تمنعهم من مجرّد التفکیر فى هذه الأشیاء وتحصرهم فى قالب ضیق من حیاتهم الآنیة.

َلَهُمْ أَرْجُلٌ یَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَیْدٍ یَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ یَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَکَاءکُمْ ثُمَّ کِیدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (7:195)

دیانة قهر واستعباد

إنّ محاولـة البوذیة إلغاء کلّ الرغبات البشریة یمثل جانبا آخر من فلسفتها الضیقة. لقد خلق الله تعالى کثیرا من النعم فی هذا العالم لفائدة البشر ومتعتهم، ولذلک فیتعین علیهم شکره. ولهذا السبب لم یأمر القرآن البشر بکبت رغباتهم أو لتحمل الألم والمعاناة، وعلى العکس من ذلک فإنّه یوجب علیهم أن ینتفعوا بالجوانب الجمیلة فی الوجود (بعیدًا عن أیّ سلوک غیر مشروع) وأن لا یحرموا أنفسهم دون سبب، أو یؤذوا أنفسهم. ولهذا السبب فقد وضح الله تعالى بأنّ النبى صلى الله علیه وسلم قد حرر أتباعه من القیود:

(الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِندَهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبَاتِ وَیُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَیَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِیَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (سورة الأعراف: 157).

وباختصار فالإسلام دین محرِّر وقد دعا الناس إلى تجنب العادات التی لا فائدة من منها والابتعاد عما نهى عنه، وخلّصهم من الضغوط الاجتماعیة والمخاوف بشأن ما قد یفکرون فیه، وهو بالمقابل یدعوهم إلى اتباع حیاة هادئة مسالمة لنیل رضى الله تعالى. لذا فالنبی صلى الله علیه وسلم نصحنا فی عدد من أحادیثه بأن لا نعسر على أنفسنا فی الدین، من ذلک قوله: "یسّرُوا ولا تعسّروا وبشّرُوا ولا تُنفّروا".

أما البوذیـة فهی تعزل الناس فى الأدیرة القاتمة وتجبرهم على حیاة البؤس والفقر، ومن الغریب أنها لا تشجّع على تناول الغذاء الجیّد ولا تشجع على النظافة والراحة- وهی نعم خلقها خلقها الله للبشر- بل تدعو معتنقیها لتحمّل المعاناة کقدر، وتنصحهم بالعیش فى بؤس وشضف.

وبوذا یرى أن حیاة الرهبان والراهبات ملیئة بکل صنوف الصّعوبات، وهم ممنوعون من العمل أو التملک وملزمون بإطعام أنفسهم بطرق أبواب النّاس وسؤالهم، وهم یحملون أوعیتهم فى أیدیهم. حتى إنّ الناس، بسبب هذا السلوک یسمون رهبان البوذیة هیکس (الشحّاذ). ورهبان البوذیّة ممنوعون من الزّواج أو العیش فی أی شکل من أشکال الأسرة، ولا یحقّ لهم أن یملکوا سوى إزار واحد یلبسونه، وینبغی أن یکون حقیرا ذا لون أصفر أو أحمر.

وبالإضافة إلى ذلک الإزار فإنّ مقتنیاتهم الأخرى تتمثل فی سریر خشن للنّوم، وموسى لحلاقة رأوسهم مع صندوق خیاطة للاستعمال وقنینة ماء ووعاء لاستخدامه فی الشّحذ. وهم یأکلون وجبة واحدة فى الیوم تتکون عموما من الخبز والأرز، ویشربون إمّا الماء العادی أو ماء الأرز. وعلیهم تناولها کوجبة

قبل المساء، ولا یسمح لهم بأکل أیّ شیء حتى حلول الیوم التالی. وتمنع عنهم أنواع الطعام الأخرى وحتى الأدویة تعتبر من الکمالیات. وقد یأکل الراهب وجبة سمک أو خضار فقط إذا کان مریضًا وبإذن من راهب آخر ذو مرتبة أعلى. فالقیود إذن على البوذیّ تمثل شکلا من أشکال تعذیب النّفس.

إنّ ذلک الوضـع یمثـّل تجسیما للحقیقة التى وردت فی القرآن الکریم فی قوله تعالى:

(إِنَّ اللّهَ لاَ یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئاً وَلَـکِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ) (سورة یونس: 44).

غیر أنّ الأمر بالنسبة لمن یؤمنون به سبحانه ویسلمون أنفسهم له یبدو مختلفا لأنّ الله یبشر هؤلاء بحیاة طیبة فی هذه الحیاة الدنیا وفی الآخرة، فهم أصحاب النعم فی هذه الحیاة الدنیا وفی الآخرة:

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللّهِ الَّتِیَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّیِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِی لِلَّذِینَ آمَنُواْ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا خَالِصَةً یَوْمَ الْقِیَامَةِ کَذَلِکَ نُفَصِّلُ الآیَاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ) (سورة الأعراف:32).

من الجوانب المظلمة الأخرى للبوذیة تشاؤمـها وسوداویتها المتمثلة فى "النرفانا" التی یُوعد بها معتنقوها، وهى لیست سوى بـتـر انفصامى لکلّ روابط الحیاة بفـکر سـوداوی ینظر إلى الدّنیـا نظـرة قـاتمـة ... وتصوّر الموسـوعة الکـاثـولیـکیة هذاالجـانب من البوذیة کما یلى:

"جـانب آخر من قصــور البوذیـة المفجــع هو تشاؤمها الزائـف. إنّ العقـل القوی السلیم ضـدّ الفکرة المریضة القائلة بـأن الحـیـاة لا تسـتحق أن نعیشـها وأنّ کل شکل من أشکال الوجود الواعى شر. إنّ البوذیة تـقـف مـدانـة بنــداء الطبیعــة الذى تمتـلىء نـبـرتــه بالأمــل والحبــور. تمثل البوذیة احتجــاج ضــدّ الطبیعة التى تزخر بکمــال الحیــاة الواعیــة. إنّ غــایة طمــوح البوذیــة هو تحطـیم ذلک الکـمــال بواسطة فکرة "النرفانا" غیــر المجدیة، وتکون البوذیــة بــذلـک قد أرتکبت جـرما کبیـرًا ضــد الطبیعة لانتفاء العدل مع الناس؛ فطبقا لها یتعین کبـت جمـیع الرغبـات المشروعة، وإدانــة کل ما یتصـل بدورة الحیاة بمیلاد خلق جدید بریء، کما أنّ تشجیـع الموسیقى ممنوع، وکـذلک البحــوث فى العلـوم الطبیعیــة. إنّ تنمیة العقـل فى البوذیة مختصر على اجترار نصوص بوذا ودراسة الغیبیات البوذیة التى لـیس لأیّ منها أیة قیمــة تذکر. إنّ نظرة البوذیة إلى العالم تتسم بنوع من اللامبالاة السلبیة تجــاه کل شیء".

أمّا الإسلام فیرفض اللامبالاة لدى أتبـاعه، وعلى العکس من ذلک یدعوهم لحیاة ذات معنى غنیة بالنشاط والسعادة، وکل من یلتزم بالإسلام یکون متفاعلا مع ما یجرى حوله. فالمؤمون لا ینظرون إلى العالم باعتباره فوضى یتعیّن هجره والبعد عنه کما تفعل البوذیة، وإنّما ینظرون إلیه باعتباره دار اختبار ومجال یتعین أن تُعاش فی رحابه تعالیم الإسلام الأخلاقیة الرفیعة. ولهذا السّبب فإنّ تاریخ الإسلام زاخر بقادة أقاموا العدل ونجحوا فى توفیر حیاة مریحة وسعیدة لشعوبهم. وبالمقابل فالبوذیة أوجدت أتباعا بؤساء أشقوا أنفسهم وألحوا بها الأذى والمشقة، واضطرتهم إلى التسول وعیش حیاة الفقر، والحل الوحید عندهم للتخلص من المشاکل التی تعرتضهم هو تقدیم أنفسهم قرابین للموت. ولا شک أنّ هذا الوضع لیس سوى خدعة کـبرى یحرّکها الشیطان مع هؤلاء الناس.

البوذیة دیـانة وثنیّة

البــوذیة دیانة وثنیــة لأنّها تـعبـد الأصنام، ویقال بأنّ البوذیة الیوم تنقسم إلى مدارس مختلفة وأنّ البعض منها یعبد بوذا. ومـع ذلک فإنّ القبول ببوذا "مرشدًا معصومًا" خطأ قد وقعت فیه کل مدارس البوذیة، وهو ما یعنی أنّ هذه الدیانة تصوّر بوذا باعتباره إلهًا.

ووفقـا للمصـادر التاریخیّة فإنّ رهبان البوذیة بـدأوا فی تألیه بوذا بعد وقت قصیر من موته. وتمّ نصـب تماثیـله فى کل مکان، واکتسب تقدیسه بعد ذلک قوة أکبر بحیث تشکلت "النرفـانا" فعلیا فی جســده، وتمّ تضمینها فی تلک التماثیـل. فالاحترام المفرط الذی أبداه رهبـان البوذیة لاحقا لبوذا تحول لعبـادة صریحة. والیـوم فتماثیله منصوبة فی کثیر من البلاد التی یؤمن أهلها بالبوذیة. وفی عدة بلدان من آسیــا وحتى أمریـکا یمکنک رؤیـة تماثیل ومعابد نقشت فیهـا عین بوذا، وهی رسالة تعنى أنّ عـین بوذا ترى کلّ شیء وتراقب الناس باستمرار، وعلیهم أن یفکروا فیه فی کل لحظـة من لحظات حیـاتهم.

وَلَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَإِلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَلَتَکُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِینَ (39:65)

وبالتأکید لا یمکن قبول مثل هذا الاعتقاد حول شخص مات منذ آلاف السنین، بینما ما یزال یرى من یؤمنون به ویقوم بحمایتهم ویستمـع لصلـواتهم. إنّ الحقیقـة الکبرى التی لا یستطیـع البوذیون استیعابها هی أنّ الله مالک کلّ الکون الذی یسع علمه کل شیء ویحیط علما بأسرار کلّ الأشیاء الخفیة هو الذی خلق بوذا مثل غیره من البشر.

الاعتقاد فی الکرما

إنّ مبـدأ "الکرما" یفترض أن کلّ شیء یفعله الإنسان سوف یکون له أثر علیه عاجلا أم آجـلا، وسوف یکون لـه تأثیر على ما یسمى التجســید التالی. ووفقـا لهذا الاعتقاد فإنّ الناس تعاد ولادتهم باستمرار فى هذا العالم حیث یتعین علیهم أن یتحملوا العواقب فى حیاة ثانیة عما فعلوه فى حیاتهم الأولى. وینکر البوذیون وجود الله ویرون أنّ "الکرما" هى القوة الوحیدة الفذة التی تتحکم فی کل شیء.

والکـرما کلمة سنسکریتیة (لغة الهند الأدبیة القدیمة)، وتعنى "فعل"، وتشیر لقانون المسبب والأثر. ووفقا لرأی من یعتقدون فیها فالشخص یقابل فی المستقبل ما فعله فی الماضی سواء کان خیرًا أم شرًّا، فالماضی یمثل حیاة الشخص الأولى، والمستقبل یفترض أن یکون حیاة جدیـدة تبدأ بـعد الموت. ووفقا لهذا الاعتقاد فإنّ الشخص الذى هو فقیر فى حیاته الیوم یقوم بفقره هذا بدفع ثمن الشّرور التی ارتکبها فی حیاته الأولـى. وهـذا الاعتقـاد الخرافى یزعم أنّ الإنسان فی حیـاة لاحـقـة قـد "یخفض" لمستوى إعادة میلاده کحیوان أو حتى نبــات، أی مـا یسمى بتنــاسـخ الأرواح.

من النتائج الضّارة للاعتقاد فى "الکرما" أنّها تعلّم الشخص أن العجز والفقر والضعف هو عقاب بسبب شرور الشخص التی ارتکبها. ووفـقا لهذا الاعتقاد فالشخص إذا أصیب بعجز فذلک لأنه تسبب فی إیذاء شخص آخر بعجز مماثل فی حیاة سابقة، وبالتالی یستحق ذلک.

وهذا الاعتقاد الخرافی هو السبب الرئیسی للهیکل الاجتماعی غیر العادل لنظـام الطبقة المنغلقة السائد فى الهند لعدة قـرون ( ویجب تتذکر أنّ الکرمـا فکرة هندوســیة وأن البوذیـة نبعت فعلیا من الهندوسیة) لأنّ نسق الطبقة المنغلق مبنی على "الکرمـا" حیث یحتقر ویضطهد الفقراء والمرضى والعاجزین. وبالتالی فإنّ الطبقة العلیا الحاکمة تنظر لامتیازاتها کشیء طبیعى وعادل.

فی تعالیم الإسلام لا یعتبر الضعف جـزاء عقابیا، ولکن یقبله باعتباره ابتـلاء من الله تعالى، کما أنّ على الآخرین واجبا ضروریا هو مساعدة المحتاجین. ولهذا السبب فإنّ الإسلام مثله مثل الیهودیة والمسیحیة، والدیانات الأخرى المؤسسة على الوحی الإلهی فیه حس قـویّ تـجاه العدالة الاجتماعیــة. أمّا الدیانات المؤسسة على مفهوم "الکرمـا" مثل البوذیة والهندوسیة فإنّها تقـبل بعـدم المسـاواة وتضـع عقبة کبیـرة فی وجه التقدم الاجتماعى.

"الـکرما" مبنیـة على أساس الاعتقاد فی التناسخ: أی فکرة أنّ الناس یعودون إلى الدنیا بعد الموت بأرواحهم ولکن بالحلول فی جسد مختلف، وفکرة "عجلة البـعـث" هذه، تفترض أنّ کل حیـاة تـؤثـر فی الحیاة التی تلیها. ولکن هذا الاعتقاد ینهار أمام سؤال مهم وهو: کیـف تـعمل هذه "الکرما"؟ إذا لم یقـبـل بوذا بوجـود إله، مــن یقـوم حینئذِ بمحاسبة حیاة الشخص الأولى وإعادته إلى الدنیـا مرة أخرى مُستنسخًا داخل جسد آخر؟ وهذا التساؤل لیست له إجابة ! ویعتقد البوذیون أنّ الکرما "قانون طبیعیّ" یعمل ذاتیّا، وعفویـا مثل الجـاذبیة الأرضیة أو الدینامیکا الحراریـة، والحال أنّ الله هو الذی خلق کلّ قوانین الطبیعة. فلا یوجد قانون طبیعی یراقب ما یفعله الناس طوال سنین حیاتهم ویحفظ کتاب حسابهم ویقوم بحسابهم بعد مماتهم على ذلک الأساس. ولا یوجد قانون طبیعیّ یحدّد، تبعا لذلک الحساب، ما هو نوع الحیاة الجدیدة التی سیعیشها الشخص، ومن ثـمّ یقوم بإعادة خلقه تبعا لذلک؛ ولا یوجد قانون طبیعی یفرض هذه العملیة بإتقان على بلایین الناس ناهیک عن الحیوانات. مـن الواضح عدم وجود قانون طبیعی کهذا، وبالتالی لا یمکن لهذه العملیة أن تکون موجودة.

لذا یؤمن العدید من الناس فى العالم بفکرة التناسخ، رغم عدم وجود أساس منطقـی لها وذلک بسبب عدم وجود إیـمان دینیّ لدیهم. وإنکارهم لوجود حیـاة أبدیــة بعد الموت جعلهم یخافون من المـوت، ویتمسکون بفکرة التناسخ کطریق للهروب من فزعهم. والاعتقاد فى التناسخ- مثله مثل الاعتقاد فى الکرما- مبنیّ على سلوى أو عـزاء زائـف بأنّ المـوت شیء لا یخیف، وأنّ کلّ واحد یمکنـه أن یحقق ما یرید من أهداف بعد میلاده من جدید.

إذا کـان التناسخ لا یمکن أن یحدث من تلقاء ذاته، کقانون طبیعی، فمن الواضح أنّه یمکن أن یحدث فقط من خلال فعل خارق للطبیعة. ولکن عند النظر فی القرآن الکریم نجد أن التناسخ أسطورة . إنّ الکتاب الذى أنزله الله سبحانه وتعالى کمرشد للبشریة یعلن صراحة أن التـنـاسخ عملیة زائفة.

فکرة التناسخ فی الإسلام:

أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِی السَّمَاوَات وَمَن فِی الأَرْضِ وَمَا یَتَّبِعُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَکَاء إِن یَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ یَخْرُصُونَ (10:66)

إنّ رأی المسلم فی فلسفة الکرما، کما هو الحال فی شأن أیّ مسألة أخرى، یجب أن تنبنی على ما یقوله الله سبحانه وتعالى فی القرآن الکریم، فهو یبین وجود ولادة واحدة فقط ویومٍ للحســاب. فکل فرد یعیش مرة واحدة على سطح هذه الأرض ثـمّ یمـوت، یقول تعالى:

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِی تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِیکُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ فَیُنَبِّئُکُم بِمَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (سورة الجمعة: 8)

یُحاسب الشخص بعد مماته وفقا لکلّ ما عمله، فهو یجازى عنها إمّا بجنـة أبدیـة دائمة، أو بجحیم لا ینتهی. وهذا معناه أنّ الإنسان یعیش مرة واحدة فی هذه الحیاة الدنیا، وحیاة أبدیّة بعدها. ویخبرنا الله سبحانه وتعالى بوضوح أنّ الموت لا یعقبه عـودة لهذه الحیاة الدنیـا: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْیَةٍ أَهْلَکْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ یَرْجِعُونَ) (سورة الأنبیاء:95)

(حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّی أَعْمَلُ صَالِحاً فِیمَا تَرَکْتُ کَلَّا إِنَّهَا کَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى یَوْمِ یُبْعَثُونَ) (سورة23:آیات99- 100).

وکما تـوضّح هذه الآیات فإنّ بعض الناس سوف یموتون على أمل أن یعودوا مرة أخرى إلى الدنیا، ولکن فی لحظـة موتهم سوف یکشف لهم أنّ هذا مستحیـل. وفـی آیــة أخـرى یقول الله سبحانه وتعالى عن الموت ومحاسبة البشر:

(کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللَّهِ وَکُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْیَاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ) (سورة البقرة: 28).

یقـول الله سبحانه وتعالى إنّ کل إنسان کان میتا فی البدء، أی أنّه خُـلق من عناصر التراب غیر الحیـّة، الماء والصّلصال، ثـمّ تمت تسویة هذه العناصر المیتة ثم أحیاه. وبعد وقت محدّد من حیاة الإنسان، تنتهى هـذه الـحیـاة ثمّ یـموت. ثـمّ یعود الإنسان إلى الأرض کما خرج منها، ویفنى فی التراب وینتظر الحساب الأخیر. وسوف یُحاسب کلّ شخص فی یوم المیعاد، ویعلم أنّ العودة إلى الأرض غیر ممکنة، وسوف یعرفُ عند حسابه کلّ ما فعله فی الحیاة الدنیا. ویقول الله سبحانه وتعالى أنّ الإنسان بعد هذه الحیاة الدنیا سوف یموت مرة واحدة:

(لاَ یَذُوقُونَ فِیهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِیمِ فَضْلاً مِّن رَّبِّکَ ذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ) (سورة الدّخان: 56-57).


وَکَمْ أَهْلَکْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِکْزاً (19:98)



أَفَلَمْ یَهْدِ لَهُمْ کَمْ أَهْلَکْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ یَمْشُونَ فِی مَسَاکِنِهِمْ إِنَّ فِی ذَلِکَ لَآیَاتٍ لِّأُوْلِی النُّهَى (20:128)

هـذه الآیـات واضحـة فى تقریر أنّ المـوت یحدث مرة واحدة. وبغض النظر عن عدد الناس الذین یودون إزالة مخاوفهم عن الموت وعن حیاة أبدیة بعد الممات وتعزیة أنفسهم بالاعتقادات الزائفة فی "الکرما" والتناسخ. وتبـقى الحقیقة وهی أنّهم لن یعودوا إلأى هذا العالم بعد المـوت. وکلّ فـرد یمـوت مرة واحـدة فقط، وکمـا أراد الله سوف تکون هنالک حیاة أبدیة فی الحیاة الآخرة. وسوف یُجازى الأفراد إمَـا بالجنـة أو یعاقبـون بالنّـار وفقا لما فعـلوه من خیر أو شرّ.

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ (39:67)

وفـی النهایـة فـإنّ الله سبحانه وتعالى العادل الرّحمن الرحیم سوف یعطی الجزاء المناسب لما فعله کل فرد. وإذا کان الشخص یبحث عن الرّاحة فی اعتقادات زائفة لأنه یخشى الموت أو احتمال أن یذهب إلى النار فعلیه توقع هلاک محدّد. وعلى کلّ من لدیه فطنـة معرفة وضمـیر وخـوف أن یرجع لله بقلب مُنیب إذا کان یرید النجاة من آلالام الجحیم والفوز بالجنة، وعلیه تسییر حیاته وفقا للقرآن الکریم المرشد الحقیقی للبشریّة.

لـم تکن صفات الشیخوخة أو الشباب أو الجمال أو الغنى حائلا أمام موت أی شخص، وبالتالی لا یمکن لأیّ شخص تجاهل حقیقة الموت، وسواء تجاهل النّاس تلک الحقیقة أم لا فلا یمکنهم تفادیها، وقد أشار القرآن الکریم إلى ذلک فی قوله تعالى:

(وَجَاءتْ سَکْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِکَ مَا کُنتَ مِنْهُ تَحِیدُ) (سورة ق: 19).

وربّما تذکرک قـراءة هذه السطور باستشعار موضـوع قرب الموت، وقد یکون الموت أقرب إلیک من أی شخص آخر، وقد تموت قبل إکمال قراءة هذا الکتـاب، وقد یجیء الموت بدون سبب ظاهر، وبدون سابق مرض أو وقوع أی حادث، وقد یأتی الموت للإنسان وهو فی ریعان الشباب. سوف یُرسل الله ملک الموت لیـأتی حین تزف سـاعة رحیلک لانتزاع روحـک.

لا بدّ لنا من استیعاب هذه الحقیقة الهامة ووضعها فی دائما فی أذهاننا، علینا أن لا نؤجّل الاستعداد للموت، ویذکرنا القرآن الکریم بذلک فی سورة المنافقون أنه لا یمکن تأجیل الموت إذا حلّ: (وَلَن یُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (سورة المنافقون: 11). کما یحدثنا عن مبلغ الأسى الذى ینتاب من یحل به الموت ولم یستعد له بالعمل الصالح:

(وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاکُم مِّن قَبْلِ أَن یَأْتِیَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ فَیَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِی إِلَى أَجَلٍ قَرِیبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَکُن مِّنَ الصَّالِحِینَ) (المنافقون: 10)

اعتقاد البوذیة المنحرف عن الآخرة

إنّ اعتقاد البوذیة فی "الکرما" لا یترک مجالا للاعتقاد فی الحیاة الآخرة، جنة کانت أو نارًا، وهذا الموقف الزائف والمنحرف، أی فکرة عودة الإنسان إلى الدنیا بعد کلّ موت وباستمرار، تجافی ما ورد فی القرآن الکریم. وفی کتابه "أدیان الهنـد" یوضح إدوارد واشبورن هوبکنز بروفسور اللغة السنسکریتیة والفلولوجیا (فقه اللغة التاریخی المقارن) بأنّ البوذیة لا تؤمن بحیاة أخرى، ویقول:

"...إنّ منطق نسق بوذا قـاد إلى التشاؤم بطریقة منهجیة تامّة، ممّا یعنی نکران الحیاة الأخرى للإنسان الذى لا یجد سعادة فی هذه الدنیا....وفی حدیثه مـع محاوریه و أتباعه یستعمل جمیع الوسائل لتفادی التقصی المباشر حول مصیرالإنسان بعد الموت، فهو یؤمن أنّ "النرفانا" ( إفناء الشهوة ) أدّت إلى إعدام الموجودات. وهو لم یؤمن بخلود الروح....غیر أنّ ما حثّ علیه باستمرار هو أنه على کلّ من یؤمن بمبدإ "الکرما" وتکرار المیلاد کمبدإ غیر قابل للجدل بکلّ أبعاده (...أی أنّ کل خطیئة فی هذا العالم یتبعها عقاب فی المیلاد الثانی) أن یحاول البحث عن خلاص، إذا أمکن من هذا الطّریق المؤلم الذی لا نهایة له، وهو إعادة ولادته ببعث جدید".

واستنادًا إلى بعض کتابات البوذیّة یمکن للمرء أن یستشفّ المعلومات التّالیة عن الحیاة الأخرى:

سواء ولد الشخص فی السماء أو فی أحد مستویات الجحیم المختلفة، فإنّ أشکال الحیاة فی هذه الأماکن لها صفة تحوّلیة کما هى على الأرض ولیست أبدیة ... وکما فی الهندوسیة فإنّ فترة البقاء التی یقضیها الأشخاص داخل هذه الأماکن تعتمد على القدر الذى فعلوه من الخیر والشرّ عندما کانوا على الأرض.

وعندما یکملون الزمن المحدّد سوف یعودون إلى الأرض مرّة أخرى. والسّماء والجنة لیستا سوى حالة بقاء مؤقّت یتلقى فیها الأفــراد الجزاء على الأفعال التی ارتکبوها عندما کانوا على الأرض. وتعالیم البوذیّة تشیر إلى وجود نوع من الجنة والنار، کجزاء وعقاب لافعال الشخص الشخص، ولکن لأنّ هذا الاعتقاد لم ینبثق من دیانة سماویة فإنّه یتضمن عدة تناقضات ومسائل غیر منطقیة. وبالإضافة إلى هذا وذاک، وبعکس ما ذکر الله سبحانه وتعالى فی القرآن فإنّ البوذیة تعتقد بأنّ الجنة والنار تمثلان مرحلتی تحوّل.

ومرة ثانیة فإنّ من أکثر جوانب الاعتقاد التی تفتقد إلى المنطق فی هذه الدّیانة هی أن کلّ نظم الحیاة فی العالم تعمل بذاتها، ووفقا للبوذیة فکما أنّ وجود الکون والبشر غیر مضبوط بضابط، فکذلک دورة الموت وإعادة المیلاد . ولا مجـال فی هذا الاعتقاد لخالق أوجد العالم والحیاة، وکذلک لا مجال لوجود جنة ینعم فیها الإنسان أو نار یشقى فیها. ولکن عدم توضیحها لکیفیة خلق هذه العوالم أمر غیر منطقی وغیر مقبول.

ولکـن من یتولى عملیة الجزاء بالجنة أو النار؟ وأکثر من ذلک کیـف خلقت تلک العوالم؟ إنّ فلسفة البوذیة تتدعی عدم وجود أهمیـّة حول کـیفیــة نشوء الجنة والنار بدون وجود خالق. وهذا الاعتقـاد الوهمی تــمّ تــمریــره من جیــل إلى جیــل، دون أن یُطرح حوله تســاؤل أو یتـمّ تفســـیره بطریقة مقنعة. والبوذیّة لا تملک تفســیرًا لکیفیة وجود الکون أو للطریقة التی یعمل بها، ولا عن مصدر الفنّ الخلاق المبــــدع الظاهر فی جمیع الکـائنات الحیة. ولـهذا السبب، فالبوذیة لا تزید عن کونها حرکة غـامضـة تفتقد إلى المنطق وتسندها الأســـطورة فقط.

الحقـیقة التی تنتظـرنا فی الآخـرة :

إنّ المصدر الوحیــد الذى یمدّنا بالحقائق عن الحیاة فى هذه الدنیا والإیمان بالآخرة هو القرآن الکریم الذى أرسل نبراسًا مرشدًا للبشریة، بالإضافة إلى السنة النبویة. یذکرنا الله تعالى فی القرآن الکریم أنّ هذه الحیاة الدنیا إنما هی فترة ابتلاء مؤقتة لکلّ شخص، وأنّ الآخرة هی دار البقـاء. وکلّ شخص سوف ینال الجزاء الأوفى إما فی الجنة أو فی النار عن کلّ الأعمال التی عملها خلال فترة حیاته التی قضاها فی هذه الدّنیـا:

(وَمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَیْرٌ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (سورة الأنعام: 32).

هذا لمن یسلم قیاده لله ویکیف حیاته مع المرشد الحقیقی الذى أنزله، ومع سنة نبیّه صلى الله علیه وسلم، ویؤمن بکلّ جوارحه بأنّه سوف یُحاسب فى الیـوم الآخـر على أعمــاله، وأنّه سوف یلقـى الجـزاء فى جنة الخلد أو فی نار جهنّم. لقد أخبر الله البشریة بذلک فی کتبـه التى أنزلها وعن طریق أنبیائه الذین اختارهم لتبلیغ رسالته، غیر أنّ البوذیة شرعةٌ من صنع إنسانٍ، وقد تکوّنت بتراکم معلومات سماعیة، وبنیت على أساس فلسفة ابتدعها إنسان من عند نفسه.

وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ کَانَ زَهُوقاً (17:81)

إنّ استعمال العقل البشریّ لتغییر ما جاء من عند الله یمثل خطأ على غایة من الخضورة، أمّا هؤلاء الذین یملئون رؤوسهم بأفکار مشوهة منطلقها هذه الدیانة البوذیة، أو تقلید فنانی موسیقى البوب المفضلین لدیهم، أو نجوم السّینما، أو أیة موضة فکریة أخرى فعلیهم مراجعة انفسهم وتحریرها من ذلک الخطأ الجسیم. والقرآن الکریم یتضمن أخبارًا عن حالة هؤلاء الذین یدّعـون عدم وجود حـیاة أخرى:

(وَالَّذِینَ کَذَّبُواْ بِآیَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ یُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا کَانُواْ یَعْمَلُونَ) ( سورة الأعراف: 147).

(وَأَمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِکَ فِی الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) ( سورة الروم: 16).

إنّ "الجــزاء" و "العـــذاب" المشـــار إلیهما فی هذه الآیات سوف یبدأ فی لحظة الموت. وسوف یعتری المذنبین ندمٌ عظیم، ندم لا یجدی صاحبه شیئا عندما یدرک حجم الخطأ الذی کان یعیشه فی حیاته الدّنیا:

(وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ یَا لَیْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُکَذِّبَ بِآیَاتِ رَبِّنَا وَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ) (سورة الأنعام: 27).

( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاکِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (سورة السجدة: 12).

ولکن مهما استجدوا وطـلبوا الغفران، سوف یبدأون مرحلة ملیئة بالألم الذی لا مفرّ منه، ولا مجال لرجوعهم إلى هذه الدنیا، ولن یقبل ندمهم کما لن یستجاب أبدًا لرغبتهم فی العودة إلى الدنیا. هؤلاء الناس کثیرا ما جاءتهم التحذیرات، فلم یؤمنوا، وسجدوا لأصنام من الحجر والخشب وأشرکوها مع الله تعالى؛ هؤلاء الذین الذین اتبعوا الفلسفات الفاسدة من أجل جلب انتباه الآخرین وتلبیة هوى فی أنفسهم، هؤلاء الذین لم یخشوا الله کما ینبغی، سوف یلاقون مهانة لا تنتهی منذ لحظة لقائهم بملک الموت. وسوف تنزع أرواحهم بالضّرب على ظهورهم وجنوبهم، وسوف یوضعون فى الأغـلال ویُقــذف بهم فی الجحیم، هـذه هی بدایة آخرتــهم.

إنّهم لن یستطیــعوا الحدیث ولن تکون أصواتهم بأکثر من همس: (یَوْمَئِذٍ یَتَّبِعُونَ الدَّاعِیَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (سورة طه: 108).

وسوف یکون الجحیم هوالمنتهى لهؤلاء الجاحدین الذین عظموا من أنفسهم أمام الله سبحانه وتعالى ولم یؤمنوا بیوم الحساب أوالآخرة، وکانوا متمرّدین رغم تحذیرهم، ولم یعیشـوا حیاة مبنیة على الأخلاق الإیمانیة الصحیحة. وقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل الجحیم بأنهم (مُقَرَّنِینَ فِی الأَصْفَادِ) (سورة الفرقان:13) و ( وَعَلَیْهِمْ نَـــارٌ مُؤْصَدَةٌ) (سورة البلد:20)، ویعیشـون فى ظلمة دخان أسـود، وسوف یسمعون زئیر النّار ویجدون الناس زمراً یتصارخون فیها. ولن یرتاحوا أبدًا من آلامهم التی لا نهایة لها رغم توسّلهم. فهم فی حال ضنکى لا یجدون منها مخرجا.

ومن ناحیة أخرى فإنّ سکان الجحیم سوف یکون لهم مظهر مفزع، وسوف یغلّون بالأصفاد والسلاسل، وتکون أعینهم مسدلة ذات لون أسـود من الذلّة. وسوف تلفح جلودهم ریح محرقة، وتبدل جلودهم باستمرار کلّما نضجت: (إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُواْ بِآیَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِیهِمْ نَاراً کُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَیْرَهَا لِیَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ کَانَ عَزِیزاً حَکِیماً) (سورة النساء: 56). وسوف یُجــلدون بعصیّ من الحدید ویصفّدون (فِی سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً) (سورة الحاقة: 32). وسوف تُکوى جباههم وجنوبهم وظهورهم بالنار، ویصبّ المـاء الحار على رؤوسهم ویلبسون لباسًا من القطران. ویحدثنا القرآن الکریم أیضا عن الطعام البشع والشراب الذی أُعدّ لأهل النار: (وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِینٍ) (سورة الحاقة: 36). وقد أخبر الله فی القرآن الکریم أنّ طعامهم سـیکون (مِنْ غِسْـــلِین)، وهو طعامٌ لا یمکن تحمّـله فی هذه الدنیا. وقــد أُدخلوا الجحیم لأنهم نسُـوا الله ولهثـوا وراء شهواتهم الشخصیة فی هذه الدنیا، وسوف یُجبرون على شرب الماء المغلّى المخلوط بالغسلین بسبب عدم قدرتهم على ابتلاعه.

وفى الجحیم، سوف یجبرالمخطئون على أکل عشب مرّ له أشواک مع الزقّوم( نبات شیطانی): (طَعَامُ الْأَثِیمِ کَالْمُهْلِ یَغْلِی فِی الْبُطُونِ کَغَلْیِ الْحَمِیمِ) (سورة الدخان: 43-45) وبالنسبة للذین یؤمنون بالله ویتوکلون علیه سوف لن یقعوا فی شیء من هذا الوضــــع المهین، وإنّما سوف یمرّون بحساب یسیر لأنه لم تغرهم الأفکار والفلسفات الفاسدة، ومن أجل أنْ یرضـوا الله وخوفًا من عذاب الجحیم، عاشوا وفقا لتعالیم القرآن الکریم. وهؤلاء سوف یستقبلون بسلام ویرحب بهم فی الجنة لا خوف علیهم ولا هم یحزنون. وفی ذلک الیــوم یخبرنا الله تعالى أنّ وجوه المؤمنین سوف تکون ناعمة نضرة:

(وَسِیقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ یَأْتِکُمْ رُسُلٌ مِّنکُمْ یَتْلُونَ عَلَیْکُمْ آیَاتِ رَبِّکُمْ وَیُنذِرُونَکُمْ لِقَاء یَوْمِکُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَکِنْ حَقَّتْ کَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْکَافِرِینَ قِیلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَکَبِّرِینَ وَسِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِینَ) (سورة الزمر: 71-73).

 

وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِینَ {43} لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّکُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ (15:43-44)

على کلّ فرد أن یأخذ مأخذ الجـدّ التحذیرات المتکررة فی القرآن الکریم بشأن یوم الحساب: (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ لاَ رَیْبَ فِیهَا وَأَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَن فِی الْقُبُورِ) (سورة الحج: 7)، ویقول تعالى أیضا: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِی غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ مَا یَأْتِیهِم مِّن ذِکْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ یَلْعَبُونَ) (سورة الأنبیاء: 1-2).

فی ذلک الیوم، سوف یجدُ الخیّرون ما یرضیهم جزاء ما عملوا، بینما یتمنى کل من أرتکب شرّا أن یطول الأمد بینه وبین ذلک الیوم. وسوف یقف کل واحد أمام العدالة الإلهیة فردًا، ویحاسب حسابا عادلاً لا ظلم فیه: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً وَإِن کَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنَا بِهَا وَکَفَى بِنَا حَاسِبِینَ) (سورة الأنبیاء: 47).

إنّ کلّ الفلسفات التى صنعها الإنسان ما هی إلاّ محض خداع یُبعد الناس عن الإیمان بوجود الله سبحانه وتعالى وعن طاعته. إنّ فهم البوذیة السطحى للأخــلاق منـاقض تمامًا للسّلوک البشری الطبیعی من عدّة أوجه . والبوذیّة تعطی للناس فرصة لتجنب عذاب الضّمیر الناجم عن عدم وجود دیانة یعتقدونها، وبالتالی تعمل کمصدر روحى زائــف. والمؤمنون بالبوذیة یعزّون أنفسهم بفکرة أنّهم یحققون صفاءًا روحیّا بتسلیط الألـم على أنفسهم، وینکرون احتیاجات الجسـد. ولکنّ هناک حقیقة لم ینتبهوا لها وهی أنّه على النّاس جمیعاً أن یدرکوا أنهم عبادٌ لله سبحانه وتعالى، ولن تکون للعمل أیة قیمة إذا لم تقترن بالإیمان الصحیح والنیة الخالصة لمرضاة الله تعالى.


کُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَکُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَیَاةُ الدُّنْیَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (3:185)


إنّ کبح جماح أنفسنا ورغباتها له قیمة کبیـرة، ولکن فقط إذا تمّ لنیل مرضاة الله، وبالشکل الذی یریده الله تعالى. أمّا أولئک الذین یبذلون هذا النّـوع من الجهد ویکون قصدهم منحرفا عن الهدف الصحیح، ویکون إیمانهم معوجّا فلا فائدة ترجى من أعمالهم: (فَأُوْلَـئِکَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ) (سورة البقرة: 217).

نظرة البوذیّة إلى الحیاة الدنیا

إنّ من یقبلون فکرة "الکرما" یعتقدون أنّ دورة إعادة میلادهم لن تنتهی أبدًا وأنهم سوف یعیشون مرة أخرى بعد الموت، حتى یحققوا "النّرفانا". وهم کذلک یفترضون بأنّ أمامهم احتمالات لا حصر لها، لذا إذا قرّر أحدهم ارتکاب معصیة، فإنّه یرى أنه سوف یکون قادرًا على أن یکفّر عنها فی استنساخ لاحق حتى لو کانت حیاته التالیة مباشرة أکثر رداءة من الحالیة. إنّ الفهم المبنی على أساس خاطىء کهذا لا یمنع الشخص من ارتکاب المعاصی.

إنّ ضعف الناس الرئیسی یکمن فی ارتباطهم بهذه الحیاة الدنیا، وهم یعتقدون منذ الأساس فی فکرة ضالة والمتمثلة فی التناسخ لأنهم لا یریدون أبدًا مفارقة ملذات الدنیـا. لذا، لا یمکن للشخص تغییر سلوکه بشکل جذری وکامل إلاّ إذا کان له تصوّر صحیح عن طبیعة الحیاة الدّنیویة.

إنّ أیّ فرد یدرک حقیقة الحیاة فی هذه الدنیا یعرف أنّه خلق لعبادة الله، الله الذی خلق خلقه وخلق الکون من حوله، به یستعین وعلیه یتوکل. کما یعلم أنّه مسؤول عن أفکاره وکلماته وأعماله، وأنّه سوف یرِدُ على الله یوم الحساب بکتابه لیحاسب على ما فعل فی دنیاه. وقد بین الله السبب الذی خلقتْ من أجله الحیاة: (الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِیزُ الْغَفُورُ) (سورة الملک: 2).

بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ (2:112)

وکما توضح هذه الآیة، فقد خلق الله البشر وأوجدهم فی هذه الحیاة الدنیا لوقت محدود للامتحان، وهو یمتحننا بما یحدث لنا من أشیاء، ویدعنا نعیش بحریتنا حتى یمیّز الخبیث من الطیب، ویرشد المؤمنین منهم إلى القیم الأخلاقیة التی تقودهم إلى الجنة. نعم، إنّ هذه الدنیا جسر یعبره المؤمنون لینالوا رضا الله تعالى. وفی القرآن الکریم یخبرنا الله عز وجلّ أنّه خلق البشر لعبادته: (یَا أَیُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ وَالَّذِینَ مِن قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ) (سورة البقرة: 21).

لقد رسم الله سبحانه وتعالى بوضوح الحدود التی لا یجوز للبشر تجاوزها، ووضّح کذلک الأخلاق التی توقد إلى رضا الله تعالى، والأخلاق التی تجلبُ غضبه، وسـوف ینالُ کل إنسان المکافأة أوالعقاب فی الحیاة الآخرة وفقا للطریق الذی سار فیه فی الدنیا. وهـذا یعنى أنّ کلّ لحظة نعیشها سوف تقرّبنا من النّار أو من الجنة. والله سبحانه وتعالى یذکّر عباده بهذه الحقیقة ویحذّرهم من ذلک الیـوم العظیم فی عدة آیات من القرآن الکریم، ومن ذلک ما جاء فی سورة الحشر: ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (سورة الحشر: 18).

إنّ المُؤمنین الذین یخافون عقاب الله یعبدونه فقط ویطیعون أوامره، ویتجنبون نواهیه ویتصرّفون على نحو یرضیه. والارتباط بالله برابط قویّ من الحبّ، والخوف منه واتباع أوامره والإقبال على عبادته هو الطریق الوحید لنیل السّمو الأخلاقی الذى یتعیّن على الفرد اتّباعه، وعلیه ألاّ یتردّد فی بلوغ هذا الهدف حتى لو تضارب مع مصالحه.

قد یکون للبوذیّ بعض الصّفات الأخلاقیة الرّفیعة، غیر أنّها سوف تکون مؤقتة ومشروطة بضروف محدّدة. فالبوذیة أیضا توصی ببعض الأعمـال الجیّدة، ولکن، بالطّبع قد لا یکون لها قیمة فی نظر الله تعالى. وما القیمة التى توجد فی عمل شخصٍ یفعل خیرًا لمن حوله إذا کان غیرُ شاکر لأنعم لله بل وینکر وجودَ من خلقه من العدم؟ ومن أجل أن تکون تلک الأعمال ذات قیمة فیجب أن تترافق مع الإیمـان الصحیح بالله، هذا الإیمان الذی یبعث الرهبة فی قلبه فیخشى الله، ویجلب الحبّ فیطیعه. ولهذا السّبب فإنّ أخلاق المؤمنین العالیة لا تقوم على الرومنسیة ( الخیال والعاطفة)، فعبادتهم متواصلة فی جمیع أحوالهم تمامًا کمـا أمر الله سبحانه وتعالى فی القرآن الکریم:

(وَیَزِیدُ اللَّهُ الَّذِینَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِیَاتُ الصَّالِحَاتُ خَیْرٌ عِندَ رَبِّکَ ثَوَاباً وَخَیْرٌ مَّرَدّاً) (سورة مریم: 76)

(وَلَهُ مَا فِی الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّینُ وَاصِباً أَفَغَیْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ) (النحل: 52).

(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِینَةُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَالْبَاقِیَاتُ الصَّالِحَاتُ خَیْرٌ عِندَ رَبِّکَ ثَوَاباً وَخَیْرٌ أَمَلاً) (الکهف: 46)

یجـب على النّاس أن یحذروا من الغفلة وهم مرتبطون بأشیاء زائلة وتافهة فى هذه الحیاة، لأنّ هذه الحیاة قصیرة جدًّا، ولأنّ الثراء و الجمال ومتاع الحیاة الدنیا لا یساوی شیئا فی الآخرة. سوف یتلاجى الجسد بعد دخوله إلى القبر، وسوف یزحف الزمن فیفنی جمیع ما ترکه الإنسان خلفه من أشیاء، وسوف یحضر کل شخص للمثـول أمام الله للمحاسبة. ولو أنک سألت شخصًا فی الثلاثین من عمره عن تجاربه حتى ذلک الوقت، فسوف یجیب بأنّ هذه الأعوام قد مرّت سریعًا، وقد یعیش ثلاثین أو خمسین سنة أخرى بنفس الطّریقة قبل أن یموت. وفی آیات عدیدة ینبّهنا الله بأنّ فترة الحیاة فی هذه الدنیا قصیرة، وأنّ الناس سوف یعترفون بذلک بکل وضوح فی الآخرة: (وَیَوْمَ یَحْشُرُهُمْ کَأَن لَّمْ یَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ یَتَعَارَفُونَ بَیْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِینَ کَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا کَانُواْ مُهْتَدِینَ) (سورة یونس: 45)

(وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَیْرَ سَاعَةٍ کَذَلِکَ کَانُوا یُؤْفَکُونَ) (سورة الروم: 55).

ســوف یکون من الخطإ الجسیم على أیّ شخص أن ینخدع بالإغراءات الزّائفة لهذه الحیاة الدنیویة القصیرة ویغفل عن الآخرة وهی دار القرار. فالحساب أمام الله تعالى حقیقة لا ریب فیها: إَنَّ الَّذِینَ لاَ یَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِینَ هُمْ عَنْ آیَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِکَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا کَانُواْ یَکْسِبُونَ) (سورة یونس: 7-8).

أمّا هؤلاء الذین لم تغرّهم الحیاة الدنیا، واختاروا حیاة الدّار الآخرة فإنّ الله یبشرهم: (مَن کَانَ یُرِیدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَمَن کَانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِی الآخِرَةِ مِن نَّصِیبٍ ) (سورة الشّورى: 20).

(وَلاَ تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَیَاةِ الدُّنیَا لِنَفْتِنَهُمْ فِیهِ وَرِزْقُ رَبِّکَ خَیْرٌ وَأَبْقَى) (سورة طه:131).

أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَکُنَّا ذُرِّیَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ
الْمُبْطِلُونَ (7:173)



قُلْ هَلْ مِن شُرَکَآئِکُم مَّن یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ یَهْدِی لِلْحَقِّ أَفَمَن یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ یَهِدِّی إِلاَّ أَن یُهْدَى فَمَا لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ (10:35)



اللَّهُ الَّذِی خَلَقَکُمْ ثُمَّ رَزَقَکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ هَلْ مِن شُرَکَائِکُم مَّن یَفْعَلُ مِن ذَلِکُم مِّن شَیْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ (30:40)


قَالَ هَلْ یَسْمَعُونَکُمْ إِذْ تَدْعُونَ {72} أَوْ یَنفَعُونَکُمْ أَوْ یَضُرُّونَ {73} قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا کَذَلِکَ یَفْعَلُونَ {74}



وَإِذَا سَأَلَکَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْیَسْتَجِیبُواْ لِی وَلْیُؤْمِنُواْ بِی لَعَلَّهُمْ یَرْشُدُونَ (2:186)




لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ یَسْتَجِیبُونَ لَهُم بِشَیْءٍ إِلاَّ کَبَاسِطِ کَفَّیْهِ إِلَى الْمَاء لِیَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْکَافِرِینَ إِلاَّ فِی ضَلاَلٍ (13:14)



وَلَلَّهِ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَیَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ یَوْمَئِذٍ یَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (45:27)




ذَلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا یَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ (31:30)

 

ذَلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا یَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ (22:62)



قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِینَ (53) قَالَ لَقَدْ کُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُکُمْ فِی ضَلَالٍ مُّبِینٍ (21:53-54)

وَمِنَ النَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً یُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِینَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ یَرَى الَّذِینَ ظَلَمُواْ إِذْ یَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِیعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعَذَابِ (2:165)


وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ یَعِظُهُ یَا بُنَیَّ لَا تُشْرِکْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ (31:13)


وَیَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ یَضُرُّهُمْ وَلاَ یَنفَعُهُمْ وَیَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ یَعْلَمُ فِی السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِی الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ (10:18)

البوذیـة: عـقیدة وثـنیة فـاسـدة

إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ ألله الإِسْـلاَمُ (سورة آل عمران: 19)



البوذیـة: عـقیدة وثـنیة فـاسـدة

نشأ بوذا فی شمال شرق الهند قبل 2500 عام، ومضى زمن امتد تأثیره فیه إلى سریلانکا وبورما وتایلانـد ولاوس وکمبودیـا والصـین والیابان والـتّبت ومنغولیا ومنشوریا وکوریـا ونیـبال، والیـوم له من الأتباع ما یربو على 330 ملیون شخص.

لقد اختلف تعریف البوذیـة دومـا باختلاف فهم البوذیین لمعنى الحیاة. تمثل البوذیة للبعض دیانة وینظر إلیها آخرون باعتبارها طریقة أو مدرسة فلسفیة. غیر أنها ومن خلال نظرتها للحیاة وکلّ ممارساتها فإن مبدأ البوذیة مبدأ وثنى ووهمی. فهی دیانة وثنیـة تفتقد الإیمـان بالله کما أنّها ترفض وجود الملائکة والحیاة الأبدیة فی الآخرة وتنکر وجود النار والقیــامة.

ولـد "سیدارسا قاوتاما" مـؤسس البوذیة فی مدینة کابلافاستو الهندیة، وقد عاش فیما بین عامى 563 و483 قبل میــلاد المســیح . وفی ذلک الأوان کانت کانت البراهماتیة دین الهند السائد وهو دین الغزاة من الأریان... وحسب نسق الأریان الطبقی الجامد کان المجتمع کله مقسما إلى أربع مجموعات، وکلّ منها مقسّم بدوره إلى طبقات فرعیة. وقد شکل کهنة البراهماتیة الشریحة الأعلى فی المجتمع، وقهروا بدون رحمة الآخرین ممن کانوا فی وضع اجتماعی أقل منهم.

کـان قاوتاما ابن أمیر ثرى اسمه سودهودانا من أسرة ساکیا النبیلة. وبعد أن أمضى شبابه فی سعة من العیش غادر قاوتامـا القصر وعمره 29سنة، وبدأ بحثا غامضا استمر حتى مماته فى الثمانین من عمره. وخلال هذه الفترة أسس لمبادئ محدّدة نشأ عنها ما یسمى الیوم "مذهب البوذیة".

 

تَدْعُونَنِی لِأَکْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِکَ بِهِ مَا لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوکُمْ إِلَى الْعَزِیزِ الْغَفَّارِ (40:42)

وَإِذَا قِیلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَیْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ کَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ یَعْلَمُونَ شَیْئاً وَلاَ یَهْتَدُونَ. (5:104)

 

قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَیْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِیٍّ وَلَا یُشْرِکُ فِی حُکْمِهِ أَحَداً (18:26)

وکلمة بــوذا تعنى (المتیقظ أو المستـنـیر) لتمثل السموّ الروحی الذی یفترض أنّ سیدارسا قاوتاما قد حـققه. إنّ تعالیم البوذیة التى کتبها ووصلتنا لا تحوی تأریخا یتضمن تلک الفترة التى عاش فیها، ولکنّها کتبت لاحقا خلال 300 و400 سنة بعد موته. وفی الصفحات التالیة من هذا الکتاب سوف نقوم بفحص تلک الصفحات بالتفصیل وسوف نرى أنّها تحتوی على معتقدات وممارسات خاطئــة مما یجافی أیّ منطق، ویقدم بـوذا خطأ کتمثال ووثن یـعـبـد.

الـذین أشــرکوا بـوذا مـع الله:

ذَلِکَ بِأَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ کَذَلِکَ یَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (47:3)

إنّ البوذیـــة بمعتقداتها الأساسیة وفلسفتها وممارساتها دیانــة وثنیة. ویضع البوذیون بوذا فی مکانة عالیة من الحبّ والاحترام والتّعظیم والخوف، بل حتى القبول به ربّا وإلهًا. ورغم عدم وجود وثائق من زمن بوذا یفهم منها أنه حث أتباعه على عبـادتـه؛ فقد قام البراهماتیة ممن یقومون سلفا بعبادة الأوثان بصناعة تماثیل لسیدارسا، وفی ذات الوقت قام من کانوا یظهرون حبّا مفرطا لبوذا بعبادة تلک التماثیل واعتباره ربّا.

غیر أن جمیــع الأدیــان التى تقوم على الوحـى الإلهـی تتمســک بعقیدة التوحید التی تقرّ بوجود الله الواحد الذی لیس کمـثله شیء، یقــول الله سبحانه وتعالى فی القرآن الکــریم ( فَإِلَهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِینَ) (سورة الحج: 34).

إنّ نکران ربوبیّة الله وعبادة أوثـــان لناس عادیین کما یفعــل البوذیـّون سمــاه القــرآن "شرکًا"، وفـى مئات المواضـع فی القـــرآن الکریم یذکرنا الله أنّ هذا الشرک خطیئة مذمومة ... ومن الأمثلة على ذلک قوله تعالى فی سورة النساء: (إِنَّ اللّهَ لاَ یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَن یَشَاءُ وَمَن یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِیماً) (سورة النساء : 48)


وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ یَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ یُکَلِّمُهُمْ وَلاَ یَهْدِیهِمْ سَبِیلاً اتَّخَذُوهُ وَکَانُواْ ظَالِمِینَ
(7:148)


إنّ کلمــة "شریک" أو "شرک" تعنی الشراکــة، والقرآن یستعملها فی معنى مشارکة مخلوقاته له، مثـل اعتبار شیء ما أو شخص أو أیّ فکرة مساویة لله أو أعلى منـه. إنّ المشرک یقدم المخلوق على الخالق ویجعل له مکانة أعلى من مکانة الله تعالى. ویوجه إلیه کلّ حبّه واحترامـــه واهتمامه وشغفه. والقرآن الکریم یشیر إلى هذا الضلال فی التفکیر، هذا الضلال الذی یدفع صاحبه "لاتخاذ إله آخر مع الله".

إنّ الدین الإسلامی مبنیّ على أساس وحدانیــة الله (التوحیـد)، والقرآن الکریم کثیرًا ما یردّد عبارة لا إله إلاّ الله، وهی شرط الإیمان الأوّل. وبالتـالی فالمعنى الأساسی للشّرک یحیـد عن هذه الحقیقة نحو الفکرة الخاطئــة والتی تفید بوجود موجودات أخرى بجانب الله تملک "القوة والقدرة".

وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَیْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ کَانَ الشَّیْطَانُ یَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِیرِ (31:21)

إنّ الله قـد أخبر عن نفســه فی القرآن الکریم ویصف ذاته العلیة، ویذکّرنا دائما أنّه لا إله إلا هو، من ذلک قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِی لاّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِکُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَیْمِنُ الْعَزِیزُ الْجَبَّارُ الْمُتَکَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا یُشْرِکُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى یُسَبِّحُ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ) (سورة الحشر: 22-24).

لقد ذکـر الله سبحانه وتعالى صفـاته للبشر لاستیعابها وفهمها. وکمثال على ذلک فهو سبحانه وتعالى واسع الرّحمـة ورحمته تسع کلّ شیء. وبرحمته أوحى للبشر من مخلوقاته. وإبداعــه سبحانه وتعالى یمکن رؤیتـه فى صفات هؤلاء الناس رغم أنّهم لا یتمتعون بهذه الصفات نتیجة لجهدهم الشخصی أو لمیزات ترجع لهم. لا یمکن لبشر آخر بإرادته أن یمتلک أو یبتکر بالخلق صفـات الله سبحانه وتعالى. إنّ الادعاء بأنّ لدیهم هذه القدرة هو بمثابـــة "اتخاذ إله آخر مع الله". وهذا ینطبـق على البوذیین الّذین وقعوا فی الخطأ بإشراک مخلوقات الله سبحانه وتعالى معــه وإسباغ صفاته جلّ شـــأنــه على موجودات أخرى أقل منه.

وکمثال فإنّ الله سبحانه وتعالى یرى ویـعلم کلّ شــیء "مهما خفی أمره"، وعندما یتصرّف شخص فی الخفاء دون أن یکون بجانبه شخص آخر معتقدًا أن لا أحد یراه فإنّه یکون واهمًا لأنّ ربنا سبحانه یـراه ویعـلم کلّ شیء یفعلـــه. وهو یعــلم بکلّ ما یحدث فى الکون حتى التفاصیل الدقیقة یعلمها لأنه هو الله الذی خلق ذلکم جمیعـا. وفی القرآن الکریم یؤکد الله سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله: ( لاَّ تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ) (سورة الأنعام: 103).



أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَیْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا یُشْرِکُونَ (52:43)



َفَلَا یَرَوْنَ أَلَّا یَرْجِعُ إِلَیْهِمْ قَوْلاً وَلَا یَمْلِکُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً (20:89)

اللَّهُ الَّذِی خَلَقَکُمْ ثُمَّ رَزَقَکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ هَلْ مِن شُرَکَائِکُم مَّن یَفْعَلُ مِن ذَلِکُم مِّن شَیْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ (30:40)

أینما وجد إنســـان فإنّ الله موجود معه کحقیقة مطلقة، والله یعلم فیم تفکر فی هذه اللحظة تحدیدًا، وأنت تقرأ هذه الکلمات و الله یخبرنا أنه یرانا فی أی مکان نـکون فیــــه، ویقول فی القرآن الکریم: (وَمَا تَکُونُ فِی شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ کُنَّا عَلَیْکُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِیضُونَ فِیهِ وَمَا یَعْزُبُ عَن رَّبِّکَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِی الأَرْضِ وَلاَ فِی السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِکَ وَلا أَکْبَرَ إِلاَّ فِی کِتَابٍ مُّبِینٍ) (سورة یونس: 61)

وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ یَعْلَمُ مَا یَلِجُ فِی الْأَرْضِ وَمَا یَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا یَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا یَعْرُجُ فِیهَا وَهُوَ مَعَکُمْ أَیْنَ مَا کُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ) (سورة الحدید: 4)

هذه النقطـة تکشف الفهم الوثنــى للبوذیین والکثیر غیرهم. فأتباع بوذا یعتبرونه کما لو کـان یرى ویعلم کل شیء .إنّ تعدد تماثیل بوذا فی البلدان التی تشکل البوذیة فیها الدیانة السائدة، وعیــون بوذا المصورة فى کل معـبد کلّها تشهد باعتقاد البوذیین المنحرف والضال بأنّ بوذا یراهم فی کل لحظة بعینیه المصنوعتین من الحجر أو الخشب، ویسمعهم بأذنیـــه المتخشبة. ولهذا السّبب فقد ملئوا مساکنهم بتماثیله وهم یقومون أمامها بممارسة فروض التوقیر.

وبتلک الأفعال فإنهم یتصرفون بما یتنافى مع المنطق ویرتکبون خطیئـة کبرى. ویخبرنا القرآن الکریم أنّ من یشرکون الآخرین مع الله قد خدعوا خداعًا کبیرًا، وأنّ ما صنعوه من آلهة لا تغنی عنهم شیئا: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ یَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَیْدٍ یَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَان یَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَکَاءکُمْ ثُمَّ کِیدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ) (سورة الأعراف: 195).

ولا تنس أنّ الوثنیـّة لا تعنى فـقط عبــادة التماثیل المادیّة، فأیّ شخص یقدّس بشرًا آخر لما عنده من الملک والغنى معتقدًا أنّه بذلک ینفعه أو یضرّه فقد جعل من ذلک الإنسان معبودًا وإله دون أن یدری، ودون أن ینتبه إلى أنّ مثل هذه الأشیاء الزّائلة إنما هی ابتلاء وفتنة. إنّ الله یحذرنا فی القرآن الکریم من کل هذا بقوله:

(وَمِنَ النَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً یُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِینَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ یَرَى الَّذِینَ ظَلَمُواْ إِذْ یَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِیعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعَذَابِ) (سورة البقرة: 165)

وَالَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ یَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَیْکَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن یُنکِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِکَ بِهِ إِلَیْهِ أَدْعُو وَإِلَیْهِ مَآبِ (13.36)

إنّ بـوذا عبد لا حول له ولا قوة، وقد خلقه الله فی هذا العالم؛ ولیس لدیه قدرة أو إرادة مستقلة للتأثیر على الناس. فهو یتحرک بإرادة الله، وقد عاش حیـاته التی وهبها الله له وفقا للمصــیر الذی حدده الله عز وجل. إنّ کلام سیدنا إبراهیم علیه السلام الذی نقله لنا القرآن الکریم یعبّر بوضوح عن عجز البشر أمام إرادة الله سبحانه وتعالى المطلقة: (الَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهْدِینِ وَالَّذِی هُوَ یُطْعِمُنِی وَیَسْقِینِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفِینِ وَالَّذِی یُمِیتُنِی ثُمَّ یُحْیِینِ وَالَّذِی أَطْمَعُ أَن یَغْفِرَ لِی خَطِیئَتِی یَوْمَ الدِّینِ) (سورة الشعراء: 78-82).

لقد عاش بوذا قدَره ومصیره الذی رسمه الله له، وحینما حـلّ أجله مات وهلک، ویتعین ألا ننسى أنّه بدون إرادة الله تعالى لا یتسنى لأحد أن یؤمن، فالله هو الذی یهدی البشر. وما لم یرد الله فلن یکون بوسع أحد إرشاد الآخرین إلى الطریق الصّحیح. کما أنّ الله یرشد النّاس نحو الحقیقة والجمال. إنّ الدّعوة والکلام یؤثران فی قلوب الناس إذا أراد الله ذلک. حقا إنّ الله هو القوّة المطلقة الوحیدة التی ینبغی تعظیمها وحبّها وطلب العون منها، یقول تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ) (سورة الحج: 74).

فَلاَ تَکُ فِی مِرْیَةٍ مِّمَّا یَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا یَعْبُدُونَ إِلاَّ کَمَا یَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِیبَهُمْ غَیْرَ مَنقُوصٍ (11:109)

یعطی القرآن أمثــلة عـدیدة لأناس یعبدون الأوثــان. ومن الأمثلة على ذلک، قوم إبراهیم المشرکین الذین نحتوا ما یشبه آلهتهم من أصنام، وعبدوها واستمعوا لمناجاتها. وفی القرآن الکریم یحدثنا الله سبحانه وتعالى عن هذه الأصنام:

(إِذْ قَالَ لِأَبِیهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِیلُ الَّتِی أَنتُمْ لَهَا عَاکِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِینَ) (سورة الأنبیاء: 52-53)

وکما توضّح هذه الآیــات فقد اتبع البشر ذلک النّوع من العبادة کمیراث خلفه لهم أسلافهم. لذا فإنّ عبادة الأوثان بغض النظر عن انعدام منطقها یمکن أن تکون نوعًا من النشاط الاجتماعی الذی یرجع إلى أیام الطّفولة ولا ینظر له بغرابة حتى فی أکثر المجتمعات تقدما. وفی القرآن الکریم یذکر الله تعالى أنّ قوم سبأ کانوا مثل قوم إبراهیم لا یختلفون عنهم فی شیء

(وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لاَ یَهْتَدُونَ) : (سورة النمل: 24-25).

هذه الآیات تلفت نظرنا لنقطة مهمة أخرى، وهی أنّ الشیطان جعل من العقائد الوثنیة فی أذهان الناس أشیاء مقبولة وذات معنى من أجل إبعادهم عن سبیل الله. إنّ الشیطان یعلم على سبیل المثال أنّ الشّمس لیست إلهًا لتُعبد وإنّما هی مثل سائر المخلوقات الأخرى. وبمعنى آخر فإنّ کل عقیدة وثنیـة تعارض الوحی الرّبانی تنبع بالفعل من وحی الشّیطان الذی یفعل ذلک حتى یشوّش على الناس علاقتهم بالله تعالى.

وهنالک مثل آخر للوثنیة ذکره الله سبحانه وتعالى فی القرآن الکریم ویتعلق ببنی إسرائیل، فعندما کانوا هاربین من فرعون وقومه مع موسى علیه السلام وجدوا أناسًا یعبدون الأصنام وطلبوا من موسى أن یصنع لهم صنما مشابها لما عندهم، ویخبرنا القرآن عن تلک القصة:

(وَجَاوَزْنَا بِبَنِی إِسْرَائِیلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ یَعْکُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ یَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً کَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِیهِ وَبَاطِلٌ مَّا کَانُواْ یَعْمَلُونَ) (سورة 7 الأعراف: 138-139)

وَلَلَّهِ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَیَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ یَوْمَئِذٍ یَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (45:27)

من هذا العرض نجد أنّ بنى إسرائیل وقد تصرفوا بجهل یریدون إلها یرونه بأعینهم ویرکعون له، وربما أداء طقوس احتفالیة له. وهذا یدلّ على أنّهم لم یقدّروا الله حق قـدره. ورغم أنّ موسى أبان لهم وجه الحق سرعان ما صنعوا لأنفسهم صنمًا حالما فترکهم موسى وأعلمهم أن ما هم فیه ضلال عظیم. ویخبرنا الله سبحانه وتعالى بأنّ الندم سرعان ما انتابهم بعد ذلک:

(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ یَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ یُکَلِّمُهُمْ وَلاَ یَهْدِیهِمْ سَبِیلاً اتَّخَذُوهُ وَکَانُواْ ظَالِمِینَ وَلَمَّا سُقِطَ فَی أَیْدِیهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ یَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَیَغْفِرْ لَنَا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِینَ) (سورة الأعراف: 148-149)

غیر أن الله سبحانه وتعالى قد ردّ على من اتخذوا من العجل إلها فی القرآن الکریم حین یقول:

(إِنَّ الَّذِینَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَیَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیَا وَکَذَلِکَ نَجْزِی الْمُفْتَرِینَ) (سورة الأعراف: 152).

إنّ هذه الآیات توضح أنّ الله إذا أراد بطش بمن یشرکون به من مخلوقاته، ومن یفعلون ذلک یفترون الکذب فى الواقع، فالحقیقة الثابتة هی أنّ ثمة إلها واحدًا لا شریک له. إنّ الرّکوع لهذه الآلهة المصنوعة جریمة نکراء. وکما جاء فی القرآن الکریم فالله یمکن أن یغفر لمن یرتکب أیّ خطیئة، ولکن لا یغفر أبدًا لمن یشرک به فی عبادته:

(إِنَّ اللّهَ لاَ یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَن یَشَاءُ وَمَن یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِیماً) (سورة النساء: 48)

قُلْ کَفَى بِاللَّهِ بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ شَهِیداً یَعْلَمُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِینَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَکَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِکَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (29:52)

ِنَّ إِلَهَکُمْ لَوَاحِدٌ (37:4)

إنما الله إله واحد

من أهم الأسس التی قام علیها الإسلام معرفة وجود الله وفهم حقیقة أنه لا إله إلا هو. والقرآن الکریم، المصدر الأول للدین الإسلامی یخبرنا بأن التوحید هو أعظم أرکان الدین:

(وَإِلَـهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ) (سورة البقرة: 163)

نعم، یوجد موجود واحد مطلق وکل ما سواه من خلقه فان. لقد خلق الله الکون الذى نعیش فیه، وقبل أن یخلقه لم یکن شیئا، لم تکن المادة موجودة؛ ســواء من الحیوان أو من الجماد، لم یکن هنالک شیء سوى فـراغ مطبق. وفی لحظة الخلق فقط ظهر الکون، وبدأ الزّمن. نعم إن الله تعالى هو الذی أوجد الفضــاء والمــادة. فالله سبحانه هو الخالد السّرمدی الذی لا یخضع للمادو ولا للزّمن. فی إحدى آیات القرآن الکریم یتحدث سبحانه وتعالى عن نفسه فیقول:

(بَدِیعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُ کُن فَیَکُونُ) (سورة البقرة: 117).

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَیْنَهُمَا إِن کُنتُمْ تَعْقِلُونَ (26:28)

وَإِذَا النُّجُومُ انکَدَرَتْ (87:2)

الله أبدع کل شیء یجری فی هـذه اللحظة وکل لحظة، ویخلق الله دوما کلّ قطرة مطر تسقط، وکل طفل یولد، والتمثیل الضوئی الذی یحدث فی أوراق النبات ووظـــائف الکائنات الحیة، ومدارات النجوم فى مجراتها، وکل حبة تسقط، وکل ما نعلمه وما لا نعلمه، وکلّ شیء فی الکون کبیرًا کان أم صغیرًا یعمل بأمره:

(أَمَّن یَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَمَن یَرْزُقُکُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ إِن کُنتُمْ صَادِقِینَ) (سورة النمل: 64).

وبدءا من خلایا الأحیاء مرورًا بالنجوم فی الکون فإنّ کل النّظم قد وجدت بترتیب بدیع وهی تعمل بإحکام وکمال. وهذا النظام المُدهش الذی لا یخرج عن سیطرته وتحکمه فی کل لحظة یستمر هکذا بکمال متسق لأنّ ربنا سبحانه وتعالى محیط بکل ما فیه بعلمه السّرمدی:

(الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِی خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ کَرَّتَیْنِ یَنقَلِبْ إِلَیْکَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِیرٌ) (سورة الملک: 3-4)

وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِی الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَیَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا کُلٌّ فِی کِتَابٍ مُّبِینٍ (11:6)

إنّ جحود الله تعالى وإنکاره ونسبة الوعی والأدراک لأی من الأشیاء التی خلقها یظهر قدرًا کبیرًا من سخف العقل. فنسق الکون البدیع وانعدام الخلل والنقص فی جمیع المخلوقات یثبت لنا أنّ الذی أوجدها خالق واحدٌ قدیر. والقرآن الکریم یقرر أنه الله بیده ملکوت کل شیء، ولا توجد قوة مستقلة بذاتها فی هذا الکون:

(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا کَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ کُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ) (سورة المؤمنون: 91).

إنّ الله موجود فی کلّ مکان، وهو یسع کل شیء بعلمه، وهو الموجود الحقیقی المطلق الوحید، وکل الأشیـاء تأتمر بأمره وإرادته. إنّ الله موجود فی کلّ لحظة وکلّ مکان، ولا یوجد مکان یخلو منه ولا یوجد مخلوق حی لا یخضع لإرادته، وهو الکافی والمنزّه عن کل ضـعف أو نقص:

(اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ یُحِیطُونَ بِشَیْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ یَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ) (سورة البقرة: 255).

َهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ (42:4)
 

مـقـدّمـة

إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ ألله الإِسْـلاَمُ (سورة آل عمران: 19)



مـقـدّمـة

یشعر کثیر من الناس بالنشوة عندما یصبحون "متمیزین" أو "أکثر إبداعًا" من غیرهم، ومنذ فجر التاریخ وفی کثیر من المجتمعات حاول بعض الناس جلب انتباه الآخرین عن طریق أسلوب حیاتهم أو طریقة ملبسهم أو شکل تسریحة شعرهم أو عن طریق أسلوب الکلام لدیهم. وفی السنوات الماضیة لاحظ الباحثون الغربیّون أن ثمة میلا غیر عادی من قبل الکثیر من الشباب للظهور بمظهر مختلف من خلال تبنی ثقافات ومعتقدات وفلسفات غریبة من أهمها البوذیة.

وفی أنحاء متعددة من العالم، وخاصة فی أمریکا وأوروبا ولع بعض الأفراد بالبوذیة مدفوعون فی أغلب الأحیان بخصائص الأسطورة والغموض التی تمیز هذه الدیانة. فالذین آمنوا بالبوذیة لم یفعلوا ذلک لما عرفوا من صدق فلسفتها، وإنّما لانجذابهم نحو الغموض الذى یکتنف الأجواء المحیطة بها. فالبوذیة قد صوّرت لهم باعتبارها شیئا مختلفا جدّا عما ألفوه من فلسفات أخرى فی مسیرة حیاتهم العادیة.

وکمثـال لذلک على ذلک، فإنّ القصـة التی تشرح کیف خلق بوذا تُنقل لهم فی صورة أسطورة جمیلة وغامضة. ویصوّر بوذا فی الکتب والأفلام التی تتحدث عن سیرته کمصدرٍ للغزٍ عظیم. وبالمقابل فإنّ کهنة البوذیة یتم تقدیمهم على اعتبار أنهم کهنة للأسرار والمعرفة. لقد فتنوا الغربیین بأزاراتهم المثیرة، ورؤوسهـم الحلیقة، وأسلوب تعبّدهم، واحتفالاتهم، وأماکن سکنهم، وأدوار التوسط التى یقومون بها، والیوغا وغیرها من ممارسات أخرى غریبة.

ولتلک الأسباب استخدمت البوذیة کأداة هامّة من قبل أشخاص یودّون إظهار أنفسهم على أنهم "متمیزون" عن غیرهم فی مجتمعهم، وکذلک لتقدیم صورة شخص عثر على سرّ ثمین. وإذا قام شخص فجأة بحلق رأسه یومًا ما ولبس إزارًا زاهی الألوان ثـمّ بدأ فى تعلیـم منهج البوذیة باستعمال کلمات غامضة لم یتفوّه بها من قبل أبدًا فسوف یجذب قطعًا الفضول نحوه وینظر له کـ"مبدع".

لقـد تبنت العدید من الاحتفالیات البوذیة، لأغراض مشابهة، فهی تنظم اللقاءات بالإزارات البوذیة "التبتیّة" للظهور بمظهر المتمیز عن الآخرین وشدّ الانتباه باتجاههم، أو ربّما لیعرفهم العامة أکثر.

ربـما یکون لدیک معرفة مسبقة واسعة بالبوذیة واکتسبت قدرًا من المعرفة العامة بها من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمشاهدة. وفى هذا الکتاب سوف نستعرض هویة البوذیة الوهمیة على ضوء القرآن الکریم، وندعک لترى بوضوح مظاهر خـداع هذه الدّیانة الأکثر ضلالاً.

عندما نتأمل شکل البوذیة وتماثیلها والمعتقدات العامة فیها، وأسلوب العبادة على ضوء القرآن الکریم، سوف نکتشف أنّ فلسفتها قد بنیت على مناهج منحرفة. وفی الحقیقة فإنّ التعبد بها یتضمن ممارسات غریبة تقود معتنقیها لعبادة أصنام من الحجر والطین. وهی معتقد یجافی المنطق و العقل. وفی البلدان التی تسود فیها الدیانة البوذیة مزجت بالأفکار الوثنیة لهذه البلدان وبالتقالید والأعراف المحلیّة وربطت بالأساطیر والأفکار المنحرفة حتى تحوّلت بالکامل إلى فلسفة لا إله لها.

وعندما تقارن البوذیة مع البراهماتیة أو الهندوسیة أو الشنتویة والدیانات الشرقیة الوثنیة الأخرى فإنّ البوذیة تتبوأ الجانب الأکثر ظلاما. إنّ من اعتنقوا هذه الدیانة، لیس لأنهم یؤمنون بها، ولکن لأنّهم قد انجذبوا لـ "أسرار" الشرق الأقصى، أو فقط من أجل لفت الاهتمام نحوهم. وعلیهم أن یدرکوا أنّ البوذیة تتضمن مبادىء منحرفة مما قد یقودهم لنکران وجود الله وإشراک الأصنام معه والعیش فى ضلال ووهم. إنّ تجاهل مظاهر البوذیّة غیر العقلانیـة واعتناقها فقط من أجل مجاراة ومسایرة الآخرین سوف یؤدی لخسران مبین.

والّذین یتولون الترویج للبوذیة یصوّرونها غالبا باعتبارها وسیلة للخلاص، کما أنّ الذین یطوقون للانفلات من ثقافة المجتمع المادّی المرهقة والصّعبة - بما فیها من مخاوف ومشاکل ومنافسة لا ترحم وأنانیة وزیف - یلجئون إلى البوذیة کوسیلة لتحقیق راحة البال والأمان والتسامح و الظفر بحیاة متفائلـة.

غیر أنّ البوذیة لیست، کما یعتقد، عقیدة تجلب الرضـا والطمأنینة، فإنّ الّذین استوعبتهم البوذیة قد انجذبوا نحو شؤم عمیق. وحتى أولئک الذین یتمتّعون بمستوى ملحوظ من التعلیم ونظرة عصریة للعالم، سوف یتحوّلون إلى أفراد لا یرون خطأ فی الاستجداء من خلال مدّ أیدیـهم، وهم من یظنون أنّ فی حیاتهم الأخرى سوف تعاد ولادتهم کفئران أو قطیع من الأبقار، وهم یتوقّعون النجاة على أیدی تماثیل منحوتة من الحجر أو قد مصبوبة من برونز.

وبالنسبة لهؤلاء فإنّ معتقدات البوذیة المنحرفة تتسبب لهم فی أضرار نفسیة خطیرة. وفی البلدان التی تنتشر فیها البوذیة أو فی المناطق التی یسکنها العدید من رهبـان البوذیة یبدو التشاؤم والإحباط ظاهرین على معتنقیها.

إنّ أهم الأسباب الرئیسیة لما سبق هو الکسل والخمول الذین تزرعهما البوذیة فی أتباعها، حیث إنّ البوذیة تفتقد إلى الأیمان بالحیاة الأخرى الأبدیة، کمـا أنّ البوذیة لا تحث معتنقیها على أن یکونوا أفضل حالا أو أن یطوّروا من أنفسهم أو تحسین بیئتهم، ولا تحضهم السّمو الثقافی. إنّ الإسلام یحرض أتباعه دوما على البحث لأنفسهم عما هو أفضل وأجمل. وتعالیم الإسلام الأخلاقیة الحیة تطلب من النّاس أن یبحثوا ویتعلّموا لیطوروا أنفسهم لکی یصبحوا نافعین لمجتمعاتهم . وفی هذا یقول الله تعالى: (إِنَّمَا یَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ) (سورة فاطر: 28)

إنّ الطریق الوحید للحصول على السعادة والرضاء فى هذا العالم ولتفادى أیّ شکل من التشاؤم والشقاء والشر لن یکون یکون إلاّ بتسلیم الناس قیادهم لله خالقنا والعیش وفق ما یُرضیه. إنّ ربنا مالک الأرض والسماء قد أعلن لکل النّاس أنّ طریق خلاصهم فی إتباع القرآن الذی أرسل هادیا للحق. وفی القرآن الکریم یقول الله سبحانه وتعالى: (الَر کِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَیْکَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ) (سورة إبراهیم: 1).

ویتعین على الذین یعتقدون فى الدّیانات الوثنیة مثل البوذیة أن یدرکوا أنّه قد غرّر بهم.

(فَذَلِکُمُ اللّهُ رَبُّکُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (سورة یونس : 32).

یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِی وَاسِعَةٌ فَإِیَّایَ فَاعْبُدُونِ (29:56)