الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

خاتمة: توصیات للعالم الغربی

خاتمة: توصیات للعالم الغربی

یهتم العالم الغربی الیوم بشأن المنظمات التی تمارس الإرهاب تحت اسم الإسلام وهو غیر مخطئ فی هذا الأمر. ومن الواضح أهمیة محاکمة هذا الإرهاب الخارجی ومن یؤیده طبقا لمعاییر القضاء الدولی. و یجب أن نلاحظ تلک المسألة الهامة وهی أن اتباع استراتیجیات طویلة المدى ستحقق حلولا ناجحة لمثل هذه المشاکل.
ومما سبق، نرى أنه لا توجد صلة بین الإسلام والإرهاب الذی یعتبر جریمة ضد الإنسانیة کلها. وعرضنا أیضا التناقض التام والواضح فی تعبیر "الإرهاب الإسلامی"، ویمکن ان نورد الملاحظات المهمة التالیة:

  1. تتطلب الظروف الحالیة أن تتصرف کل البلدان بالحذر والحیطة والحکمة . فسیناریو "صراع الحضارات" السیء الذی طرح، واحد من الأخطار التی تهدد العالم کله، ولن یستفید منه أحد. ویجب أن تتعلم شعوب العالم کیف یحب بعضها البعض ویتعایشوا جنبا إلى جنب فی سلام ویتناقلون العلم فیما بینهم ویدرس کل منهم تاریخ الآخر وإنجازاته فی الدین والأدب والفن والفلسفة والعلم والتکنولوجیا والتراث، وعندها سیغنی کل منهم حیاة الآخر إغناء حقیقیا.
  1. یجب التوسع فی نشر الأنشطة التی تعرض الإسلام الحقیقی. وینبغی ألا تکون محاربة الجماعات المتطرفة فی البلدان الإسلامیة هی الحل. بل على العکس، فمثل هذه السیاسة ستدفع الناس إلى رد الفعل المعاکس. والحل هو نشر الإسلام الحقیقی وإیجاد المسلم القدوة الذی یتصرف ویتعامل بقیم القرآن الکریم مثل حقوق الإنسان، والدیمقراطیة، والحریة والأخلاق والعلم والروحانیات والجمال وکل ما یوفر السعادة والرخاء للإنسانیة. ویجب أن یشرح المسلمون القیم الأخلاقیة للقرآن وسنة الرسول علیه الصلاة والسلام. وتقع على کاهل المسلمین مسئولیة الحفاظ على الإسلام من عبث هؤلاء الذین یسیؤون فهمه وتطبیقه (مما یؤدی إلى مزید من سوء الفهم للإسلام). ویتعین وضع الإسلام بین الأیدی الأمینة التی تعیش من خلال تطبیق القیم الإسلامیة والسنة المحمدیة. 
  1. یکمن المصدر الحقیقی للإرهاب فی الجهل والتعصب. وتعد التربیة هی الحل الأمثل للقضاء على الإرهاب. فالتربیة هی التی تسحب البساط من تحت أقدام هذا الإرهاب، فالإرهاب ضد السلام تماما، وهو لا یحترم الإسلام بل یؤذیه کما یؤذى المسلمین والإنسانیة کلها.
  2. یجب ابتکار حلول تربویة طویلة الأمد لمکافحة الإرهاب الذی ینبع من الأیدلوجیات الشیوعیة والفاشیة والعنصریة. ففی العدید من دول العالم فی وقتنا الحاضر تمثل المفاهیم الدارونیة أساس النظام التعلیمی. وکما وضحت سابقا، فإن الداروینیة أیدلوجیة خاطئة ترى أن الإنسان حیوان تطور فقط من خلال الصراع من أجل البقاء، وهو الشیء الذی کون القواعد الأساسیة للإرهاب،  وهی الفکر الذی تنبأ بأن البقاء فقط للأقوى. وتعتبر نتائج الحروب فضیعة فهی مثل مستنقع کبیر لن تکف عن إغراق العالم بالکوارث.

والی جانب المقاییس القضائیة التی ستقدم لمکافحة الإرهاب ، هناک حاجة ماسة لإطلاق حملة تربیة نشطة فی جمیع أنحاء العالم . ویحب أن تکون أساسیات هذه التربیة هی کشف زیف الدارونیة والمادیة وتوضیح وشرح القیم العلیا التی امرنا بها الله . ومن السهل العیش فی سلام والاستقرار إذا ما طبقت القیم الأخلاقیة للدین الحقیقی وبدون ردم هذا المستنفع لن یتخلص العالم من الکوارث .


أملنا الوحید هو أن هذه القیم ستساعد العالم على التخلص من الإرهاب وکل أشکال البربریة والوحشیة المتعصبة الأخرى. وکدولة مسیحیة، تعرف الولایات المتحدة نفسها بـأنها " أمة تحت حکم الله " "یجب أن تکون صدیقة للمسلمین ویلفت الله انتباهنا إلى هذه الحقیقة فی القرآن الکریم :


 " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِینَ آمَنُواْ الْیَهُودَوَالَّذِینَ أَشْرَکُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِینَ آمَنُواْ الَّذِینَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِکَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّیسِینَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ" (المائدة : 82 )

ونرى فی التاریخ أن بعض الجاهلین ( مثل الصلیبیین ) الذین فشلوا فی فهم هذه الحقیقة قد سببوا نزاعات بین الأدیان. ولمنع تکرار مثل هذا السیناریو الذی یظهر بانتشار شعارات مثل  "صراع الحضارات " أو " الجهاد ضد الغرب " یجب أن یتحد ویتعاون المسلمون والمسیحیون.

 وتشیر التطورات التی وقعت إثر هذه الأحداث الخطیرة إلى أن بذرة هذا التعاون قد بدأت تنبت. فهذا العمل الإرهابی الخطیر الذی أرق المسلمین والمسیحیین أدى إلى محاولة العدید من المسیحیین معرفة الدین الإسلامی وجعل المسلمین یبذلون مجهودا أکبر فی توضیح مبادئ الإسلام الحقیقیة کما وردت فی القرآن .


 والأخبار السارة هی أن کل هذه التطورات ستوضح للناس نقاء القیم الإسلامیة وستشقی نفوسهم من أی تمییز او إجحاف ضد المسلمین. وسیکون القرن الواحد والعشرون بإذن الله هو الوقت الذی سیعرف فیه الناس أن نشر قیم الإسلام هو الطریق الوحید لتحقیق السلام المنتظر على أرضنا.

 



" هُوَ اللهُ الخَالِقُ الْبَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى یُسَبِّحُ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِیزُ الحَکِیمُ "


( الحشر : 24 ).


الجذور الحقیقیة للإرهاب : الدارونیة والمادیة

الجذور الحقیقیة للإرهاب : الدارونیة والمادیة

یعتقد معظم الناس أن شارلس دارون هو أول من وضع نظریة التطور، وأنها ترتکز على الدلائل العلمیة والتجارب والملاحظات. ولکن فی الحقیقة لم یکن دارون هو منشؤها ولم ترتکز هذه النظریة على البرهان العلمی. فهی مبنیة على مبدإ التکیف مع الطبیعة المأخوذ من الفلسفات المادیة القدیمة. فهی تستند، وبشکل أعمى على الفلسفات المادیة ولا تُؤیّد بأی اکتشافات علمیة .
 ( یمکن الرجوع لکتاب هارون یحیى: "خداع نظریة التطور").

وهذا التعصب جلب على العالم العدید من الکوارث. وبانتشار الدارونیة والمادیة معا تغیرت إجابة السؤال عن "ماهیة الإنسان" ؟ فقد بدأ الناس فی الاعتقاد أن "الإنسان خلق بالصدفة، وهو حیوان یتطور من خلال الصراع من أجل البقاء" وهذا بعد أن کان الناس یعتقدون أن "الله هو الذی خلق الإنسان وبالتالی علیه أن یتبع  تعالیم الله السامیة". وقد دفع ثمنا باهظا نتیجة هذا الخداع الکبیر. فقد استندت العدید من الأیدلوجیات المدمرة وآراء العالم البربری إلى النظریة المضللة "الصراع من أجل البقاء"، مثل العرقیة والفاشیة والشیوعیة. سنناقش فی هذا الجزء من الکتاب الکارثة الداروینیة التی ظهرت للعالم ونکشف ارتباطها بالإرهاب، أحد أکبر المشاکل العالمیة الهامة فی وقتنا الحاضر.

کذبة دارون : "الصراع من أجل البقاء"

اعتمد دارون فی نظریته على قاعدة أساسیة واحدة: یعتمد تطور الکائنات الحیة على الصراع من أجل البقاء. والبقاء للأقوى، والفناء والزوال للأضعف.

وطبقا لنظریة دارون هناک صراع ونزاع عنیف من أجل بقاء أبدی فی الطبیعة حیث یتغلب القوی على الضعیف دائما، مما یمکن من حدوث التطور. والعنوان الفرعی الذی أعطاه لکتابه "أصل الأنواع" یوجز رأی دارون وهو "أصل الأجناس بالاختیار الطبیعی أو بحمایة الأجناس الأقوى فی الصراع من أجل البقاء".

 علاوة على ذلک ، فقد افترض دارون أن "الصراع من أجل البقاء" قد طبق بین المجموعات الانسانیة العنصریة. وطبق علیها الزعم الأسطوری، وکانت الأجناس الأقوى والأسمی منتصرة فی هذا الصراع . والأجناس السامیة المفضلة فی نظر دارون  هی الاجناس الاوروبیة البیضاء. أما الأجناس الأفریقیة والآسیویة فقد تخلفت فی الصراع من أجل البقاء.     


وذهب دارون بعیدا عندما افترض بأن هذه الأجناس ستفقد رغبتها فی الصراع من أجل البقاء، وهکذا تختفی إلى الأبد:


 "فی المستقبل القریب إذا ما قیس بالقرون، بلا شک ستنقرض الأجناس البشریة المتحضرة وستحل مکانها الأجناس الهمجیة فی العالم کله. وفی نفس الوقت ستفنى القرود البشریة بالتأکید. وستتسع الفجوة بین الإنسان وأقرب أشباهه..." 28

 یوضح عالم الإنسانیات الهندی لالیتا فیدیارذی کیف أن نظریة دارون للتطور فرضت العرقیة على العلوم الاجتماعیة :


 "رحب علماء الیوم بحرارة بنظریة البقاء للأصلح لدارون، ویعتقدون أن البشریة قد أنجزت مستویات متعددة من التطور والتی توجت فی حضارة الرجل الأبیض . وقد قبل أغلبیة العلماء الغربیین فی النصف الثانی من القرن التاسع عشر حقیقة العرقیة" 29.

مصادر إلهام دارون : نظریة عدم الرحمة عند مالثیس

کان مصدر الهام دارون فی هذا الموضوع هو کتاب الاقتصادی البریطانی توماس مالثیس "مقال فی قواعد الانفجار السکانی". وطبقا لحساباته الخاصة قال مالثیس إن الزیادة فی السکان سیکون سریعة، ومن وجهة نظره الخاصة فالمؤثرات الرئیسیة التی حافظت على توازن زیادة السکان هی الکوارث مثل الحروب والأمراض والمجاعات. وباختصار ، وطبقا لهذا الرأی القاسی، کان یجب أن یموت بعض الناس لیعیش الآخرون. فجاء الوجود لیعنی حربا دائمة. وقد قبلت أفکار مالثیس فی القرن التاسع عشر بشکل واسع. وقد دعم أفکاره مثقفو الطبقة الراقیة من الأوربیین بالتحدید. وفی مقال "الخلفیة العلمیة للنازیة (التطهیر العرقی) " وصف جیری بیرجمان أهمیة اعتناق أوربا فی القرن 19 لأفکار مالثیس حول الزیادة السکانیة:

                                                    توماس مالثیس


"فی أوائل القرن التاسع عشر، اجتمع أفراد الطبقات الحاکمة من کامل أوربا وذلک لمناقشة "مشکلة السکان" وابتکار الطرق اللازمة لتطبیق اقتراح مالثیس، بزیادة معدل وفیات الفقراء: "بدلا من توصیة الفقراء بالنظافة یجب أن نشجع العادات المضرة. ویجب أن نجعل الشوارع أضیق فی مدننا، ونحشد الناس فی المنازل لنساعد على انتشار الطاعون. ویجب أن نبنى القرى فی بلادنا بجوار برک راکدة، ونوصی بالاستقرار خاصة فی أماکن المستنقعات المضرة بالصحة الخ " 30.

وکنتیجة لهذه السیاسة القاسیة سوف یفنى الضعفاء الذین فقدوا الرغبة فی الصراع من أجل البقاء ، وهکذا سیتوازن ذلک التزاید السریع فی عدد السکان. وقد نفذ ما یسمی بـ"اضطهاد الفقراء" فی القرن 19 فی بریطانیا.


"تطبیق نظریة مالثیس فی القرن 19 بضرورة الصراع مدى الحیاة جلب البؤس للأطفال والفقراء العاجزین فی إنجلترا. والدین وحده هو الذی یضمن حمایة الأطفال. ویمکن العیش فی حیاة طیبة فاضلة خالیة من البؤس والألم فقط إذا ما اتبعنا تعالیم الدین السمحة ومارسناها"

وعندما بدأت المتطلبات الصناعیة بدأ عمل الأطفال ذوی الثمانیة والتسعة أعوام لمدة ستة عشر ساعة یومیا فی مناجم الفحم، حیث مات الآلاف نتیجة ظروف العمل القاسیة. وهکذا أدت دعوة مالثیس إلى الصراع من أجل البقاء إلى حیاة ملیئة بالألم لملایین من البریطانیین.

 طبق دارون فکرة الصراع علی الطبیعة کلها متأثرا بهذه الأفکار، واقترح بأن الأقوى والأصلح هو المنتصر فی هذا الصراع من أجل البقاء. وعلاوة على ذلک ، فقد ادعى بأن الصراع من أجل البقاء هو قانون مبرر وثابت فی الطبیعة. ومن ناحیة أخرى دعی الناس لترک معتقداتهم الدینیة وإنکار الخلق، وهکذا تُهدم کل القیم الأخلاقیة التی ربما تکون عائقا أمام الصراع المریر من أجل البقاء.

 فی القرن العشرین دفعت الإنسانیة ثمنا باهظا لانتشار هذه الأفکار التی قادت الناس إلى العنف والقسوة.

دور نظریة دارون فی التحضیر للحرب العالمیة الأولى

بدأ ظهور تأثیر نظریة الصراع من أجل البقاء على التراث الأوروبی نتیجة الهیمنة الدارونیة. وبدأت الدول الأوربیة المستعمرة بالتحدید فی وصف الدول التی یریدون استعمارها بأنها "دول متخلفة" مبررین ذلک بالنظریة الدارونیة.


 وقد کانت الحرب العالمیة الأولى عام 1914 هی التأثیر السیاسی الأکثر دمویة للدارونیة .

 

"أوروبا منذ 1870 ، لأستاذ التاریخ الإنجلیزی جیمس جول"

فی کتابه " أوروبا منذ 1870" ،  یوضح أستاذ التاریخ البریطانی الشهیر جیمس جول أن واحدا من أهم العوامل التی أعدت العالم للحرب العالمیة الأولى هو إیمان حکام أوروبا فی ذلک الوقت بنظریة دارون.

 ومن المهم أن ندرک کیفیة اعتناق زعماء أوروبا لنظریة الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصح فی السنوات التی سبقت الحرب العالمیة الأولى. وکمثال على ذلک، کتب البارون فرانز کونراد، رئیس هیئة الأرکان المجری فی مذکراته بعد الحرب:


 "بالتأکید تعمل الأدیان المُحبة للبشر والتعالیم الأخلاقیة والمذاهب الفلسفیة على إضعاف ذلک الصراع البشری المتوحش من أجل البقاء، لکنهم لن ینجحوا فی إضعافه ما دام موجودا کدافع ومبرر. وطبقا لهذا المبدأ وقعت الحرب العالمیة الأولى کنتیجة للقوى المحفزة فی حیاة الدول والناس، تماما مثل العاصفة الرعدیة التی یجب أن تنطلق بمحض طبیعتها" .


 وفی ظل هذه الأیدلوجیة، أصبح مفهوم إصرار کونراد على الحاجة لحرب وقائیة للحفاظ على الحکم الملکی المجری.


 وقد رأینا أن هذه الآراء لم تنحصر فقط فی المیادین العسکریة، فقد اهتم ماکس ویبر کثیرا بالصراع الدولی من أجل البقاء . ومرة أخرى کتب کورت ریزلیر المساعد والمستشار الشخصی للمستشار الألمانی یثوبالد فون بیثمان ، فی عام 1914 :


"إن العداوة الدائمة المطلقة الملازمة لطبیعة العلاقات بین الناس، والتی نلاحظها فی کل مکان، لیست نتیجة إفساد الطبیعة البشریة، لکنها جوهر العالم ومصدر الحیاة نفسها" 31.


ربط الجنرال فریدریک فون بیرناردی بین الحرب وقوانین الصراع فی الطبیعة. فقد أعلن أن الحرب "ضرورة بیولوجیة" وهی "ضروریة تماما مثل صراع عناصر الطبیعة" وهی "لا تعطی قرارا بیولوجیا صحیحا حیث ترتکز قراراتها على طبیعة الأشیاء" 32.




"استحوذت نظریة دارون "الصراع من اجل البقاء" على فلاسفة وزعماء وسیاسیو أوروبا فی العقد الأول من القرن العشرین. وکان حماسهم بدایة لحرب کبرى، تلک الکارثة العظیمة التی أودت بحیاة 10 ملایین إنسان".

وکما رأینا، فقد اندلعت الحرب العالمیة الأولى بسبب المفکرین والحکام والرؤساء الأوربیین الذین رأوا الحرب وإراقة الدماء والمعاناة نوعا من التطور، واعتقدوا أنها قانون الطبیعة الثابت. والمذهب الفکری الذی أدى بکل هذا الجیل إلى ذلک الدمار لم یکن سوى مفاهیم دارون "الصراع من أجل البقاء" و "البقاء للأصلح".

ترکت الحرب العالمیة الأولى خلفها 8 ملایین قتیل، ومئات من المدن المخربة، وملایین المشردین والعاطلین والمعوقین والمصابین. والسبب الأساسی للحرب العالمیة الثانیة، التی اندلعت بعد ذلک بواحد وعشرین عاما وخلفت 55 ملیون قتیل کان مستندا أیضا على الدارونیة.

الطریق الذی مهدت له الداروینیة: الفاشیة

 


فی القرن التاسع عشر، تغذت العنصریة على الدارونیة وشکلت قاعدة عقائدیة متطورة أغرقت العالم فی بحر من الدم فی القرن العشرین وهی: النازیة.






"الفاشیة التی بنیت على مفاهیم دارون، کانت السبب فی قتل ملایین الأبریاء. وقد جرت هذه العقیدة المروعة العدید من بلدان العالم إلى دوامة الدمار والبؤس".

  یمکن أن نرى تأثیر دارون القوی فی المذهب النازی. فعندما ندرس تلک النظریة التی اعتنقها هتلر وألفرید روزنبیرج، سنصادف مفاهیم مثل "الاختیار الطبیعی" و"القتل الانتقائی" و"الصراع بین الأجناس من أجل البقاء" والتی تکررت مئات المرات فی أعمال دارون. وعندما سمى کتابه "کفاحی" نرى أن الصراع الداروینی من أجل البقاء ومبدأ البقاء للأصلح هما الذان ألهما هتلر. فهو یتحدث فی هذا الکتاب خاصة عن الصراع بین الأجناس فیقول:

 "سیتوج التاریخ إمبراطوریة الألفیة الجدیدة بالعظمة والتمیز، العظمة التی تستند على التسلسل العنصری والذی حددته الطبیعة نفسها" .  وفی عام 1933 خلال اجتماع حزب نورمبرج صرح هتلر قائلا: "یجب أن یخضع الجنس الأدنى للجنس الأسمى، وهذا هو ما نراه فی الطبیعة وهو ما نعتبره الشیء الوحید المعقول" 34.

تأثر النازیون بالدارونیة هی الحقیقة التی قبلها کل المؤرخین والخبراء تقریبا. بین بیتر کرسب، مؤلف کتاب "صعود الفاشیة"، هذه الحقیقة کالتالی :


 "فی بدایة نشرها سخر الناس من نظریة دارون التی تدعی أن أصل الإنسان قرد، ولکنها انتشرت وقبلت بعد ذلک. وقد حرف النازیون نظریة دارون واستعملوها لتبریر الحروب العرقیة" 35.


یصف المؤرخ هیکمان تأثیر الدارونیة على هتلر کالتالی:


 "کان هتلر شدید الإیمان بالتطور . ومهما کان غامضا ومعقدا ومختلا عقلیا، إلا أنه کان متأکدا من أهمیة مفهوم الصراع، وقد عرض بوضوح عددا من أفکاره التطوریة فی کتابه "کفاحی"، خاصة تلک التی تؤکد الصراع والبقاء للأصلح وإبادة الضعیف لیصبح المجتمع أفضل" 36.




"النازیة ، وهی مزیج من الدارونیة الاجتماعیة والوثنیة الجدیدة، قتلت الملایین ونشرت الرعب فی قلوب الآخرین"

 





"تسببت الحرب العالمیة الثانیة فی قتل 55 ملیون إنسان، وجرح ملایین آخرین، وشردت أعداد کثیرة أخرى. وتسببت فی دمار المدن وانهیار الاقتصاد ".

هتلر، الذی ظهر بهذه الآراء، قاد العالم إلى عنف لم یسبق له مثیل فی أی مکان. وقد تعرضت العدید من المجموعات العرقیة والسیاسیة، وخاصة الیهود، للقسوة والمذابح البشعة فی معسکرات الاعتقال النازیة. وقد قضت الحرب العالمیة الثانیة والتی بدأت بالغزو النازی على حیاة  55 ملیون شخص. وکان مفهوم الدارونیة "الصراع من أجل البقاء" هو السبب وراء تلک المأساة الکبرى فی تاریخ الإنسانیة.

التحالف الدموی: الدارونیة والشیوعیة

 إذا کانت الفاشیة هی الجناح الأیمن للدارونیة الاجتماعیة، فإن الشیوعیة قد مثلت الجناح الأیسر لها . وقد کان الشیوعیون دائما من أعنف المدافعین عن النظریة الدارونیة.

 ترجع العلاقة فی الأصل إلى مؤسسی هذه المذاهب. فقد قرأ کل من مارکس وانجلیس کتاب "أصل الأجناس" لدارون عندما ظهر مباشرة، واندهشوا من فکرة المادیة الجدلیة. وتوضح المراسلات بین مارکس وانجلیس رأیهما فی نظریة دارون على أنها "تحتوی أساس الشیوعیة فی التاریخ الطبیعی". وفی کتابه "جدل الطبیعة" الذی کتبه نتیجة تأثره بدارون، کان انجیلس کثیر الإعجاب به. وحاول أن یضیف مساهمته الخاصة إلى النظریة فی فصل "دور العمال فی التحول من قرد إلى إنسان" .

 الشیوعیون الروس الذین اتبعوا خطوات مارکس وانجلیس، مثل بلیخانوف ولینین وتروتسکی وستالین، اتفقوا کلهم مع نظریة دارون للتطور. بلیخانوف ، الذی اعتبر مؤسس الشیوعیة الروسیة، اعتبر المارکسیة مثل "الدارونیة فی تطبیقها لعلم الاجتماع"  37.


 قال تروتسکی "اکتشاف دارون هو أهم نصر للجدل فی موضوع الأصل" 38.

وقد کان لتعالیم دارون الدور الرئیسی فی تشکیل کوادر الشیوعیة. فعلى سبیل المثال، یلاحظ المؤرخون حقیقة أن ستالین کان شابا متدینا، ولکنه أصبح ملحدا بعد قراءته کتب دارون.


 ماو تسیتونغ، مؤسس الحرکة الشیوعیة فی الصین، والذی قتل الملایین من الناس، صرح علنا قائلا: "تأسست الاشتراکیة الصینیة على نظریة دارون للتطور" 39.



"زعماء الشیوعیة، الذین بنوا أفکار المجتمع الانسانی استنادا على الدارونیة، سیسقطون من ذاکرة التاریخ لما سببوه من ألم شدید بسیاساتهم القاسیة ".

جیمس رییف، المؤرخ بجامعة هارفارد، یناقش فی بحثه "الصین ودارون" بالتفصیل تأثیر الدارونیة على ماو والشیوعیین الصینیین.

باختصار، هناک صلة وطیدة بین نظریة التطور والشیوعیة. تدعی النظریة بأن خلق الحیاة والأحیاء کان نتیجة الصدفة، وتدعم ما یسمى بالمساندة العلمیة للإلحاد. والشیوعیة عقیدة ملحدة، ولهذا السبب فهی ترتبط بشکل قوی بالدارونیة. وعلاوة على ذلک تقترح نظریة التطور أن التطور فی الطبیعة یعزى إلى الصراع "الصراع من أجل البقاء"، بل وتدعم مفهوم الجدل الذی یمثل أساس الشیوعیة.


 إذا نظرنا فی مفهوم الشیوعیة "الصراع الجدلی" والذی قتل بسببه 120 ملیون إنسان خلال القرن العشرین على أنه ماکینة قتل، عندها فقط یمکن أن نجید فهم أبعاد الکارثة الدارونیة التی حلت بالعالم.




"طبقت الشیوعیة الفکرة الدارونیة للصراع على صراع الطبقات، وهکذا قبلت القتل وإراقة الدماء کطرق شرعیة للسیطرة"

الصراع الجدلی لم یطوّر المجتمعات بل دمرها

وکما رأینا سابقا، فإن الدارونیة تفترض أن الصراع بین الکائنات هو سبب تطورها وهذا ما أکسبها ما یسمی بالانتشار العلمی لفلسفة المادیة الجدلیة.

 کما یمکن أن یفهم من اسمها، المادیة الجدلیة ترتکز على فکرة الصراع. وقد أذاع کارل مارکس مؤسس هذه الفلسفة تلک الفکرة :"إن لم یکن هناک صراع ومعارضة، ظل کل شیء کما هو". وقال أیضا: "القوة المولدة لکل مجتمع قدیم تحمل معها مجتمعا جدیدا" 40.


 وبقوله هذا فإنه یدعو الناس للعنف والحرب وإراقة الدماء من أجل التطور.

 کان لینین أول من طبق نظریة مارکس فی المجال السیاسی. وقد کان لینین یؤید فکرة مفادها أنه: "یحدث التقدم کنتیجة لصراع الأضداد" ویدعی أن الناس ذوی الأفکار المختلفة یجب أن یکونوا فی صراع دائم. وقد ذکر لینین مرارا أن هذا الصراع یتطلب إراقة دماء، أی الإرهاب. وقبل الثورة البلشیفیة بأحد عشر عاما، نشر لینین مقالا بعنوان "حرب العصابات" فی البرولیتاری عام 1906، وهی توضح الطرق الإرهابیة التی تبناها:

" تلک الظاهرة التی نهتم فیها بالکفاح المسلح، قادتها الجماعات الصغیرة. حیث ینتمی البعض منها إلى المنظمات الثوریة، والبعض الآخر (وهو یمثل الأغلبیة فی بعض أنحاء روسیا) لا ینتمی إلى أی منظمة ثوریة. ویتبع الکفاح المسلح هدفین مختلفین، یجب أخذهما فی الاعتبار: یهدف هذا الکفاح بالدرجة الأولى إلى اغتیال الأفراد والزعماء ورجال الشرطة والجیش. وفی المرتبة الثانیة، یهدف إلى مصادرة الأموال النقدیة من کل من الحکومة والأفراد. حیث تذهب تلک الأموال المصادرة إلى خزینة الحزب وتخصص للتسلیح والإعداد للتمرد وتدریب الأفراد الذین یقومون به" 41.

فی القرن العشرین، کانت هناک واحدة من أشهر المعتقدات التی قبلت بها الشیوعیة، وهی الفاشیة. المهم فی الموضوع، أنه برغم إعلان الفاشیة معارضتها للشیوعیة، إلا أنها آمنت تماما مثل الشیوعیة بمفهوم الصراع. آمن الشیوعیون بضرورة الصراع الطبقی، وببساطة غیر الفاشیون مجال الصراع حیث رکزوا على الصراع بین الأجناس والدول. ویعتبر المؤرخ الألمانی هینریتش تریتشک، واحد من أهم مصادر الأفکار النازیة ومن أبرز العنصریین، فقد کتب یقول: "لا یمکن أن تزدهر الأمم بدون صراع قوی، تماما مثل نظریة الصراع من أجل البقاء لدارون" 42.


 وقال هتلر أیضا معتمدا على مفاهیم دارون للصراع:

 "فی کل معالم الطبیعة صراع هائل بین القوة والضعف ونصر أبدی للقوی على الضعیف. وکان من الممکن انهیار الطبیعة کلها لو لم یکن الأمر کذلک، فمن یحیا یجب أن یقاتل. ومن لا یرغب فی القتال فی هذا العالم، حیث الصراع هو قانون الحیاة، لیس له الحق فی الوجود" 43     

 وقد آمنت هذه المعتقدات الدارونیة الاجتماعیة بضرورة الصراع وإراقة الدماء من أجل إنشاء مجتمع قوی، وما فعلوه وسببوه فی القرن العشرین لا یخفی على أحد. فق قتلت أعداد لاحصر لها من الأبریاء، وجرح وعوق آخرون، وانهارت اقتصادیات وطنیة، وأنفقت الأموال التی کان یجب أن تصرف على الصحة والأبحاث والتکنولوجیا والتربیة والفن، على الأسلحة وتضمید الجراح التی سببتها، وإعادة بناء المدن المخربة. وأصبح واضحا بمرور الوقت أن ذلک الصراع والإرهاب لم یرق بالتطور الإنسانی بل على العکس أدى إلى دماره.




 بالتأکید هناک تناقضات فی العالم. کما فی الطبیعة هناک نور وظلمة، لیل ونهار، حر وبرد ، لذا فهناک اختلافات فی طرق وممارسة وتطبیق الأفکار المختلفة. ولکن التناقض فی الأفکار لا یستوجب الصراع. بل على العکس، إذا ما قوبلت هذه التناقضات بالتسامح والسلام والتفاهم والحب والرحمة فإنه من الممکن إنجاز نتائج جیدة جدا. فکل شخص یقارن فکرته الخاصة بأفکار الآخرین ربما یطور فکرته أو یرى نقائصها فیعالجها. فهؤلاء الذین یدافعون عن الآراء المعارضة یتمکنون من تبادل الأفکار أثناء الحدیث أو ینشغلون بالنقد البناء. لذا فإن الشخص المتواضع المتسامح المسالم المخلص الذی یتبع تعالیم القرآن الکریم هو فقط من یستطیع تطویر هذا التقارب والتفاهم.

من الطبیعی أن توجد الآراء المختلفة، لکنها لا یجب أن تکون سببا للنزاع والحروب بین الناس. فالاحترام والتسامح المتبادل یمکن أن یضمن الاتفاق والمشارکة بین الفئات المختلفة. وتوضح تعالیم القرآن الکریم للناس حیاة السعادة والطمأنینة، فالصراع الجدلی لا یجلب إلا الشقاء الدائم والموت والدمار".

أن تقتل إنسانا أو تسیء إلیه بسبب أفکاره المختلفة، أو لأنه یؤمن بدین مختلف أو حتى لأنه ینتمی إلى جنس مختلف، عمل قاس وغیر مقبول. لهذا السبب وحده، نرى على مر التاریخ وفی جمیع أنحاء العالم کیف أن أبناء نفس الأرض یتصارعون مع بعضهم البعض حتى الموت ویقتل کل منهم الآخر بلا رحمة. ونرى أناسا من بلدان وجنسیات مختلفة یذبحون، بمن فیهم النساء والأطفال ، بشکل عشوائی. إن الشخص الوحید الذی یمکنه فعل ذلک هو الذی یخلو قلبه من أیة إنسانیة. فهو عنده مجرد حیوان مفکر. وهو الشخص الذی لا یراعی الله فی أعماله أو حتى لا یعتقد فی وجوده.

 ویکشف لنا القرآن الکریم أفضل المواقف التی یمکن أن نتخذها نحو الأفکار المعارضة. ومن أبرز الأمثلة على ذلک الخلاف الذی حدث بین موسى وفرعون. وبالرغم من قسوة وعدوانیة فرعون، فقد أرسل الله موسى یدعوه لدینه عز وجل، ووضح لموسى الأسلوب الذی یتعین اتباعه فقال تعالى:


 "اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَیِّنًا لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشَى" (طه : 43-44)



وقد أطاع موسى أوامر الله وشرح لفرعون الدین الحقیقی بصبر عظیم، وذلک لکی ینهی فرعون إنکاره لوجود الله وقسوته على الناس. وبالرغم من ذلک، اتخذ فرعون موقفا عدائیا نحو موسى الصبور النبیل وهدد بقتله هو ومن یتبعه. ولکن فی النهایة خاب فرعون وخسر سعیه، فقد غرق واتباعه بینما انتصر موسى ومن معه.

 وکما یوضح هذا المثال، انتصار رأی أو فکر من أجل التطور لا یأتی أبدا من خلال العداوة أو العدوان. ویعرض الخلاف بین موسى وفرعون درسا من دروس التاریخ العظیمة: فالمنتصر لیس من یتبع الصراع والظلم، ولکن المنتصر من یتبع طریق السلام والعدل. لذا فإن ممارسة المبادئ والأخلاقیات الرفیعة تظهر حسناتها فی الدنیا والآخرة.

الدارونیة والإرهاب

وکما رأینا حتى الآن، فإن الدارونیة هی أصل کل معتقدات العنف التی تسببت فی کوارث للبشریة فی القرن العشرین، فالمفهوم الأساسی وراء هذه المعتقدات والأسالیب هو "قتال من لیس منا". وهناک اعتقادات وآراء وفلسفات مختلفة فی العالم. ومن الطبیعی جدا أن تتمیز هذه الأفکار المتنوعة بمعارضة بعضها البعض. و یمکن أن تنظر هذه الاختلافات فی الآراء إلى بعضها بإحدى طریقتین :

  1. احترام وجود المعارضة ومحاولة تأسیس حوار معها. وتلک هی الطریقة الإنسانیة. وتتوافق هذه الطریقة مع تعالیم ومبادئ القرآن الکریم.
  2. قتال الآخرین ومحاولة الاستفادة من تدمیرهم، بمعنی آخر، التصرف مثل حیوان طائش. وتلجأ المادیة إلى هذه الطریقة التی تعتمد على الإلحاد.

فذلک الرعب الذی نسمیه الإرهاب هو نتاج للطریقة الثانیة.

 وعندما نأخذ فی الاعتبار ذلک الخلاف بین الطریقتین یمکن أن نرى مدى تأثیر فکرة کون :"الإنسان حیوان مقاتل"، تلک الفکرة التی فرضتها الدارونیة على الناس بشکل لا شعوری.





"قد یکون هناک خلاف بین الدول أو المجتمعات، ولکن الصراعات والحروب لا تحل المشاکل. ویعلمنا القرآن الکریم أنه یجب حل هذه الخلافات بالصبر المتبادل والتسامح والرحمة والتفاهم".

ربما لم تسمع تلک الجماعات ویسمع أولئک الأفراد الذین یلجئون للعنف والصراع عن الدارونیة شیئا، ولکن فی النهایة هم یتفقون تماما مع المبادئ الفلسفة الدارونیة. وما یدفعهم للإیمان بصحة هذه الآراء هو تلک الشعارات التی تستند علیها الدارونیة مثل "البقاء للأقوى " و "الأسماک الکبیرة تبتلع الصغیرة" و "الحرب هی الفضیلة" و "یتقدم الإنسان بشن الحروب". وعند إبعاد الدارونیة نجد أن هذه الشعارات قد بقیت کلمات فارغة.

وفی الحقیقة، بإبعاد الدارونیة، لن نجد أی فلسفة تؤید الصراع. فالأدیان الثلاثة المقدسة التی یعتنقها معظم سکان العالم وهی الإسلام والمسیحیة والیهودیة ترفض العنف وتحض على السلام والوئام وتحرم قتل الأبریاء أو تعریضهم للمعاناة والظلم والتعذیب. فالعنف والصراع والمفاهیم الشاذة والمنبوذة، تنتهک المبادئ الأخلاقیة التی أرشد الله تعالى الإنسان إلیها. وبالرغم من ذلک تظهر الدارونیة الصراع والعنف والقتل على أنها مفاهیم



مبررة وصحیحة وطبیعیة ولابد من وجودها.




"إن تعالیم القرآن الکریم ومبادئه وأخلاقیاته هی السبیل الوحید لضمان حیاة اکثر استقرارا للأجیال القادمة"

لهذا السبب یرتکب البعض أعمال الإرهاب تحت اسم الدین مستخدما مفاهیم ورموز الإسلام أو المسیحیة أو الیهودیة، ولکننا على یقین بأن هؤلاء لا ینتمون إلى أی من تلک الأدیان. بل هم دارونیون حقیقیون. فهم یختبئون تحت عباءة الدین، ولکنهم لیسوا مؤمنین حقیقیین حتى وإن ادعوا أنهم یخدمون الدین، ولکنهم فی الحقیقة أعداء للدین والمؤمنین، وذلک لانهم یرتکبون جرائم یشدد الدین على تحریمها، بل ویسیئون للدین أمام الناس.

لهذا السبب، فإن جذور الإرهاب التی ابتلی بها عالمنا لیست فی أی من الأدیان المقدسة، ولکنها من الإلحاد والذی نسمیه فی وقتنا الحاضر: "الدارونیة والمادیة".

کل من یرغب فی السلام والطمأنینة علیه إدراک خطر الدارونیة

حل هذه المشکلة یعتمد بشکل أساسی على الحرب بوجه خاص ضد الأکاذیب والتخلص من تلک الأفکار. فعلى سبیل المثال قد یسعى الشخص بجد لتنظیف البیئة المحیطة به من خلال جمع النفایات فی صنادیق، ولکن ستظل رائحة صنادیق النفایات کریهة. مما یعنی أن الحلول ستکون قصیرة الأجل. ویکمن الحل الحقیقی فی التنظیف الشامل لمصدر النفایات وإزالتها بالکامل. بمعنی آخر، فهذا الأمر یشبه قضاء سنوات فی تنظیف مزرعة من الأفاعی السامة، وترکها تهرب، ثم نتعجب من رؤیتنا لهذه الأفاعی تضر الناس من حولنا مرة أخرى. فالشیء المهم هو أن نقضی على تلک الأفاعی بالدرجة الأولى.


 ولذلک، فی الحرب على الإرهاب یتم البحث عن الإرهابیین واحدا تلو الآخر لمعاقبتهم، ولکن هذا الحل غیر مؤثر و غیر ناجح و غیر دائم. و الطریق الوحید لاستئصال الإرهاب کلیا من على وجه الأرض هو أن نحدد المصادر الأساسیة التی تصنع الإرهابیین والقضاء علیها. ومن ناحیة أخرى، تعتبر المعتقدات الخاطئة والتربیة السیئة التی تمارس فی ضوئها  مصدرا مهما من مصادر الإرهاب.

"إِنَّ الله یَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِیتَاءِ ذِی القُرْبَى وَیَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ" (النحل : 90)

فی وقتنا الحالی، تعتبر الداروینیة مادة أساسیة فی المناهج التعلیمیة فی أکثر بلدان العالم. وهی تدرس باعتبارها حقیقة علمیة.


فالصغار لا یدرکون أن الذی خلقهم هو الله، وهو من وهبهم الروح والحکمة والضمیر. ولا یخبرهم أحد أنهم سیحاسبون یوم القیامة على أعمالهم ویعاقبون بجهنم أو یکافئون بالجنة والخلود. بل على العکس فهم یلقنون أنهم أحفاد مخلوقات کانت حیوانات، وأنها جاءت إلى الوجود عن طریق المصادفة العشوائیة.


 وفی ضوء هذا التلقین یعتبر هؤلاء الصغار أنفسهم مخلوقات ضالة غیر ملتزمة أمام الله ویرون أن بقاءهم ونجاحهم فی المستقبل لا یأتی إلا من خلال الصراع. وبعد هذه المرحلة، یصبح من السهل غسل دماغ هؤلاء البشر، والذین لقنوا تلک الأفکار بالفعل خلال دراستهم وتحویلهم لأعداء للإنسانیة یملکون ما یکفی من القسوة لقتل الأطفال الأبریاء. ویسهل لأی عقیدة مضللة جذب مثل هؤلاء الصغار. بل ویمکن أن یقوموا بأفعال قاسیة وعنیفة تحت تأثیر هؤلاء الإرهابیین. فالفاشیة والشیوعیة والعنصریة هی جماعات إرهابیة تواجدت منذ القرن التاسع عشر کنتاج لمثل هذا المنهج فی التربیة.

 وتتمثل الخسارة الکبرى الثانیة لمثل هذا النظام فی التربیة فی البعد تماما عن الدین، فقد انحصر العلم بالدین بین غیر المتعلمین. وهکذا أصبح المتعلم بعیدا تماما عن الدین بفعل الدارونیة المادیة، وأصبح الدین شیئا مقترنا بغیر المتعلمین. وذلک هو سبب تطور الأفکار الخاطئة المؤیدة للخرافات والتی سمحت لمن یناقضون الدین بالسیطرة بسهولة تحت اسم الدین.

إن أحداث الحادی عشر من سبتمبر الأخیرة هی أوضح مثال على ذلک. فلا یمکن لمن یخاف الله ویحبه ویتوقع حسابه على أعماله أن یرتکب مثل هذه الأعمال التی تترک خلفها آلاف الجثث لأبریاء وآلاف الجرحى والیتامى من الأطفال. فالمؤمن یعلم أنه سیحاسب أمام الله على کل ضرر ألحقه بإنسان وأن کل ذنب سیصبح مصدرا لعذابه فی جهنم.


 ونستنتج من هذا أن السبیل الأمثل للقضاء على الإرهاب هو إنهاء التربیة الدارونیة المادیة، وتربیة الصغار على مناهج مستندة على الاکتشافات العلمیة الحقیقیة وأن نغرس فیهم الخوف من الله والرغبة فی التصرف بحکمة وتأن. وستکون ثمار مثل هذه التربیة جماعة شعارها التسامح والسلام وبالتالی یکونون جدیرین بالثقة.

"هُوَ الَّذِی یُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آیَاتٍ بَیِّنَاتٍ لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَ إِنَّ اللهَ بِکُمْ لَرَؤوفٌ رَحِیمٌ"   (الحدید : 9)

انتشار الأمن والسلام فی الشرق الأوسط بفضل الإسلام

انتشار الأمن والسلام فی الشرق الأوسط
بفضل الإسلام

عندما ننظر عبر التاریخ نلاحظ أن المناطق التی حکمها المسلمون وجد فیها التسامح والسلام. وسلوک الحکام المسلمین فی البلاد التی فتحها الإسلام فی عهد الرسول صلى الله علیه وسلم أمثله واضحة وهامة جدا، ونجح العادلون منهم، الذین اتبعوا سنة رسول الله  علیه الصلاة والسلام والتزموا بها فی تأسیس مجتمعات مسالمة. وقد وصف عهد هؤلاء الحکام فی القرآن بالعدل والصلاح والاستقامة، لذلک فهم مثال جید للنجاح لکی تتبعه الأجیال.
وتعتبر أرض فلسطین وعاصمتها القدس، حیث تجتمع الأدیان الثلاثة مثالا مهما جدا یبین کیف یجلب المسلمون السلام والاستقرار إلى الأرض التی یحکمونها. وحقا ، لأکثر من 1400 عام عم السلام القدس وفلسطین تحت الحکم الإسلامی.

الأمن والعدل اللذان أوجدهما عمر رضی الله عنه فی فلسطین
کانت القدس عاصمة الیهود حتى عام 71 م، وفی هذا العام اعتدى الجیش الرومانی على الیهود ونفاهم بوحشیة شدیدة. وعندها بدأ تشتت الیهود فی العالم، وأصبحت القدس وما حولها أرضا مهجورة.
بعد فترة من الزمن عادت القدس لتصبح مرکز اهتمام بعد اعتناق الرومان المسیحیة فی عهد الإمبراطور قسطنطین، وبنى المسیحیون الرومان الکنائس فیها ومنعوا الیهود من الاستقرار فیها منعا تاما. وبقیت فلسطین منطقة رومانیة (بیزنطیة) لأکثر من سبعة قرون. وقد احتل الفرس المنطقة لوقت قصیر، ولکن بعدها عاد البیزنطیون لحکم المنطقة.

دخل تاریخ فلسطین منعطفا هاما عام 637 م وذلک عندما دخلتها جیوش المسلمین. وهذا التاریخ یمثل منعرجا مهما فی تاریخ فلسطین، فقد کانت لقرون عدیدة مکانا للحروب والنزاعات والنهب والقتل. وشهدت حوادث ظلم متکررة فی کل وقت. وکان مجیء الإسلام حقبة جدیدة استطاع فیها الناس من مختلف الأدیان العیش معا فی سلام وتآلف.
فتح سیدنا عمر بن الخطاب، الخلیفة الثانی للمسلمین بعد الرسول علیه الصلاة والسلام فلسطین. وبدأ العهد الجمیل بدخول الخلیفة للقدس الذی أظهر التسامح والحکمة والرحمة تجاه جمیع أصحاب الدیانات والمعتقدات المختلفة. ویصف المؤرخ البریطانی وخبیر شؤون الشرق الأوسط کارین ارمسترونج فتح عمر بن الخطاب للقدس فی کتابه "الحرب المقدسة" قائلا:
"دخل الخلیفة عمر القدس على ظهر فرس أبیض، مرافقا حاکم المدینة، البطریرک الیونانی سفرونیاس. وعندها طلب الخلیفة أن یذهب إلى المعبد حیث سجد وصلى فی نفس المکان الذی أسری فیه بصاحبه النبی محمد (علیه الصلاة والسلام ). وکان البطریرک یراقب ما یحدث فی رعب ویتصور أن هذا ربما یکون الغزو المدمر الذی سیتعرض له المعبد کما تنبأ النبی دانیال أو قد یکون المسیح الدجال الذی تنبؤوا به. وطلب عمر أن یزور الأماکن المسیحیة، وبینما کان بکنیسة الضریح المقدس، وجب وقت صلاة المسلمین، وعرض البطریک بکل تواضع على عمر أن یصلی حیثما یقف، وبأدب شدید رفض عمر أن یصلی فی الکنیسة، وفسر ذلک بأنه یخشى أن یتخذ المسلمون من هذه الکنیسة مسجدا لهم ویدمرونها باعتبارها مکانا للمسیحیین. وبدلا من ذلک خرج عمر لیصلی خارجها على مسافة قریبة منها، وما زال هناک حتى الآن مسجد صغیر مقابل للکنیسة تماما سمی مسجد عمر بن الخطاب.

مسجد عمر رضی الله عنه وخلفه المسجد الأقصى

یذکر جامع عمر الذی بنی بجوار الکنیسة بفتح المسلمین، إلى جانب المسجد الأقصى الذی یحیی دائما ذکری إسراء ومعراج سیدنا محمد صلى الله علیه وسلم. ولسنوات طویلة اعتبر المسیحیون مکان الهیکل الیهودی خرابا لنفایات المدینة. ولکن عمر شارک بنفسه المسلمین فی رفع النفایات من هذا المکان حیث شید المسلمون مزارین لتوطید الإسلام فی ثالث أکثر المدن قدسیة فی العالم الإسلامی"  21.


"تحت الحکم الإسلامی عاش کل من المسلمین والمسیحیین والیهود فی تسامح وسلام"

وبقدوم الحکم الإسلامی للقدس، أصبحت جنة آمنة حیث تعایش أصحاب الدیانات الثلاث فی ود وسلام.

کتب جون اسبوزیتو : "عندما فتحت الجیوش العربیة القدس عام 638م، احتلت الأماکن الرئیسیة التی یحج إلیها المسیحیون، وترک المسیحیون الکنائس والبیوت باختیارهم دون قهر أو إجبار. وسمح للیهود بالعودة، وقد منعهم المسیحیون من العیش بالقدس، وخصوصا فی مدینة سلیمان وداود" 22.
عندما دخل الخلیفة عمر القدس وقّع الاتفاق التالی مع حاکمها:

"بسم الله الرحمن الرحیم ، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمیر المؤمنین ایلیاء (بیت المقدس) من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وکنائسهم وصلبانهم وسقیمها وبریئها وسائر ساکنیها، أنه لا تسکن کنائسهم ولا تهدم ولا ینتقص منها ولا من خیرها، ولا من صلیبهم ولا شیء من أموالهم، ولا یکرهون على دینهم ولا یضار أحد منهم" 23.
باختصار، جلب المسلمون الحضارة للقدس وکل فلسطین، فبدلا من نظرة عدم الاحترام التی تواجدت تجاه الدیانات الأخرى، وقتل أصحابها لمجرد اختلاف العقیدة، أتى الإسلام لیحکم بالعدل والتسامح والرحمة. فبعد فتح عمر لفلسطین، عاش فیها کل من المسلمین والمسیحیین والیهود فی سلام وانسجام. ولم یحاول المسلمون استخدام القوة لتحویل الناس عن دینهم، وعندما رأى الناس حقیقة الدین الإسلامی، اعتنقوه بکل إرادتهم.
ساد السلام والتآلف فلسطین طوال فترة الحکم الإسلامی هناک. ولکن فی نهایة القرن الحادی عشر أتت قوة خارجیة لتحتل المنطقة، وسلبت تلک المنطقة المتحضرة من القدس بکل وحشیة وبربریة، وبشکل لم یحدث من قبل ولم یر مثله. وکان أصحاب هذه البربریة هم الصلیبیون . 


وحشییة الصلیبیّین

بینما کان أصحاب الأدیان الثلاثة یعیشون معا بسلام فی فلسطین، قرر مسیحیو أوروبا تنظیم حملة صلیبیة. وبناء على نداء البابا أوربان الثانی فی 27 نوفمبر عام 1095م فی مجلس کلیرمونت، حُشد  أکثر من 100.000 شخص من جمیع أنحاء أوروبا لتحریر الأرض المقدسة واسترداد کنوز الشرق الأسطوریة. وبعد رحلة طویلة ومرهقة، والکثیر من المذابح على طول الطریق، وصل الصلیبیون للقدس عام 1099م . وسقطت المدینة بعد حصار دام حوالی خمسة أسابیع، ودخلها الصلیبیون وقاموا بأعمال وحشیة قلّ أن شهد العالم مثیلا لها. وتعرض جمیع المسلمین والیهود فی المدینة للقتل والتنکیل.
فی هذه المذبحة البشعة، تم القضاء على السلام والوئام الذی دام فی فلسطین منذ عهد عمر بن الخطاب. وانتهک الصلیبیون کل القیم الأخلاقیة للمسیحیة، دین الحب والرحمة، ونشروا الرعب باسم الدین.

عدل صلاح الدین الأیوبی
اتخذ الجیش الصلیبی البربری من القدس عاصمة له، وأسست المملکة اللاتینیة التی بدأت من فلسطین. وبالرغم من ذلک لم یدم وجود الصلیبیین الذین جلبوا الوحشیة معهم إلى فلسطین. فقد جمع صلاح الدین کل الممالک المسلمة تحت رایة الجهاد، وهزم الصلیبیین فی معرکة حطین عام 1187 . وبعد المعرکة أسر قائدی الجیش الصلیبی، أرنولد والملک جودفری، وأحضرا أمام صلاح الدین. وقام صلاح الدین بقتل أرنولد الذی اشتهر بمذابحه الفظیعة ضد المسلمین، ولکنه أطلق سراح الملک جودفری الذی لم یرتکب الجرائم نفسها. وعرفت فلسطین مرة أخرى المعنى الحقیقی للعدل.

 بعد معرکة حطین، وفی نفس تاریخ لیلة الإسراء والمعراج، دخل صلاح الدین القدس وحررها بعد 88 عاما من الاحتلال الصلیبی. وکان الصلیبیون قد قتلوا کل المسلمین فی المدینة خلال هذه الأعوام، لذلک فقد خافوا أن یفعل بهم صلاح الدین الشیء نفسه. ولکن على العکس، لم یؤذ صلاح الدین أی مسیحی داخل المدینة. بل والأکثر من ذلک أنه أمر الکاثولیک بترک المدینة، وسمح للمسیحیین الأرثوذکس، الذین لا ینتمون للصلیبیین بالبقاء فی المدینة وممارسة شعائر دینهم بکامل حریتهم.
ومن کلمات جون اسبوزیتو : "کان الجیش المسلم شهما فی نصره کما کان متماسکا فی المعرکة. فقد احترم المدنیین، ولم یمس الکنائس أو الأضرحة وکان صلاح الدین صادقا فی کلمته، رحیما تجاه المدنیین" 24.
وصفت کارن ارمسترونج الغزو الثانی للقدس بهذه الکلمات:
"فی الثانی من أکتوبر عام 1187م ، دخل صلاح الدین وجیشه القدس فاتحین، وبقیت القدس بعد ذلک مدینة مسلمة لمدة 800 عام، ووفى صلاح الدین بعهده، وحکم المدینة طبقا لمبادئ الإسلام السامیة . ولم ینتقم لمذبحة عام 1099م، تماما کما أمر القرآن "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُکَ إِلاَّ بِالله وَلاَ تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَلاَ تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ" (النحل : 127)

وقد انتهى القتل بمجرد انتهاء الحروب: 

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِینَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَیْکُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ  الْمُتَّقِینَ" (البقرة: 193-194)

     فلم یکن هناک سلب ونهب ولم یقتل مسیحی واحد . وتعمد أن یخفض الفدیة ." وقد حزن وتأثر صلاح الدین من انفصال العائلات بعضها عن بعض بسبب الأسر، لذلک أطلق حریة العدید منهم، تماما کما أمر القرآن الکریم، وذلک بالرغم من معاناة أمناء صندوقه الصبورین. وبالمثل حزن أخوه العادل لحال السجناء الألف الذین طلبهم من صلاح الدین لقضاء احتیاجاته الخاصة فأطلق سراحهم فورا. وقد ذهل کل الزعماء المسلمین برؤیة أثریاء المسیحیین وهم یهربون بثرواتهم، وقد کان بإمکانهم افتداء کل السجناء. حتى البطریرک هیراکثیوس، دفع عشرة دنانیر فدیة شأنه شأن البقیة. والأکثر من ذلک أنه زود بمرافق خاص لحراسة کنزه خلال رحلته إلى بلده" 25.

باختصار عامل صلاح الدین وجمیع المسلمین، وهم فی أوج انتصارهم، المسیحیین بالرحمة والعدل وبلا حدود، حتى أنهم اظهروا نحوهم رحمة أکثر من زعمائهم أنفسهم. وإلى جانب المسیحیین، عاش الیهود أیضا فی سلام وأمن بعد فتح المسلمین للقدس. وقد عبر الشاعر الیهودی الأسبانی المعروف یهودا الهاریزی عن مشاعره فی أحد فقال:
"شاء الله بأن لا تبقی القدس بأیدی أبناء یسوع، وهکذا فی عام 1190، استحث الله روح صلاح الدین، ذلک الرجل العاقل الشجاع الذی أتى فی جیش مهول، وحاصر فلسطین وفتحها وأعلنها صریحة مدویة أنه سیستقبل ویقبل کل أبناء إبراهیم، من أی مکان یأتوا منه. وهکذا فقد أتینا من کل رکن فی العالم لنعیش هنا. ونحن الآن نعیش فی ظل السلام "26.
بعد القدس، استمر الصلیبیون فی همجیتهم والمسلمون فی عدلهم فی مدن فلسطین الأخرى. وفی عام 1194م ، أسر ریتشارد قلب الأسد، الذی صور کبطل عظیم فی تاریخ بریطانیا، والذی نفذ حکم الإعدام فی ثلاثة آلاف مسلم ومسلمة ومن بینهم أطفال بکل وضاعة وحقارة. ورغم رؤیة المسلمین لهذه الوحشیة، إلا أنهم لم یردوا بنفس الطریقة، فقد التزموا بقول الله تعالى:

 " وَلاَ یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوکُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ"    (المائدة : 2)

ولم یلجأوا أبدا للعنف ضد المدنیین الأبریاء، حتى فی حالات الضرورة القصوى، بل وحتى ضد الجیوش الصلیبیة المنهزمة".

وذکرت همجیة الصلیبین وعدالة المسلمین کحقیقة تاریخیة: الحکم الذی بنی على تعالیم الإسلام مکن أصحاب الدیانات المختلفة من التعایش معا. واستمرت هذه الحقیقة لمدة 700 عام بعد صلاح الدین، وخاصة خلال الحکم العثمانی.

"أعدم الملک ریتشارد قلب الأسد، بلا رحمة 3000 مسلم من المدنیین، من بینهم العدید من النساء والأطفال".

حکم الإمبراطوریة العثمانیة العادل والمتسامح

فی عام 1514م ، فتح السلطان سلیم القدس والمناطق المحیطة بها، وبدأت 400 سنة من الحکم العثمانی فی فلسطین. وکما فی الممالک العثمانیة الأخرى، تمتعت فلسطین بالسلام والاستقرار وتسامح أصحاب الدیانات المختلفة فیما بینها.

وقد أدیرت الإمبراطوریة العثمانیة بما یسمى بـ"النظام القومی"، وکانت المیزة الأساسیة لهذا النظام أنه سمح لذوی الدیانات المختلفة التعایش معا طبقا لمعتقداتهم وبما لا یتعارض مع النظام القانونی. وقد وجد أهل الکتاب، المسیحیون والیهود، کل الأمان والحریة فی الأراضی العثمانیة.
والسبب الأکثر أهمیة لذلک هو رغم أن الإمبراطوریة العثمانیة کانت دولة إسلامیة حکمها المسلمون إلا أنهم لم یحاولوا إجبار المواطنین على اعتناق الإسلام. وکان هدف الدولة العثمانیة توفیر الأمن والأمان لغیر المسلمین، وأن یشعروهم بالرضا والارتیاح فی ظل الحکم الإسلامی العادل.


"کانت الإمبراطوریة العثمانیة تمثل دولة الإسلام، ورغم ذلک منحت الحریات الدینیة. وقد وجدت فسیفساء لثقافات متعددة مسالمة داخل الأراضی العثمانیة. وکما نرى فی هذه الصورة ، حکمت الدولة مواطنیها طبقا لتعالیم الإسلام، وساعدت الفقراء منهم بغض النظر عن دینهم".



"بالرغم من انتساب الکاثولیک والبروتستانت إلى الدین نفسه فقد حدثت عداوات کبیرة بینهما خلال القرنین السادس عشر والسابع عشر. ومازالت هذه العداوات متواصلة إلى حد الآن، وأکثر الفئات تضررا من هذه النزاعات هم الأطفال الأبریاء"

فی نفس الوقت کانت هناک دولة عظمى أخرى وکانت تعج بمشاهد الظلم والقسوة والتعصب. إنها مملکة أسبانیا التی لم تتحمل وجود المسلمین والیهود على أرضها وأوقعت فی کلتا الجماعتین ظلما شدیدا. وفی العدید من البلدان الأوربیة الأخرى اضطهد الیهود فقط لأنهم یهود (على سبیل المثال فقد سجنوا فی أحیاء الیهود) وفی أحیان أخرى کانوا ضحایا مذابح جماعیة "مدبرة"" . وحتى المسیحیون لم یتمکنوا من التعایش مع بعضهم البعض: فقد وقعت أوروبا فی حمام من الدم فی القرنین 16 و 17 نتیجة القتال بین الکاثولیک والبروتستانت. وقد حولت حرب الثلاثون عاما من 1618 إلى 1648م أوروبا إلى ساحة للقتال. وفی ألمانیا وحدها قتل ثلث السکان البالغ عددهم 15 ملیون شخص.



"تعایش الثقافات المتعددة، رغم اختلافها، فی الدولة العثمانیة مثال واضح على السلام فی الشرق الأوسط، حیث أسس الحکم على تعالیم القرآن الداعیة للعدل والتسامح. ونرى فی هذه الصورة بعض القصاصات من الأخبار والصحف والجرائد الترکیة حول الطبیعة المسالمة للحکم العثمانی".

 فی الحقیقة، فی مثل هذه البیئة کان حکم الدولة العثمانیة بلا شک حکما إنسانیا فریدا.
وقد لفت العدید من العلماء والمؤرخین السیاسیین الانتباه لهذه الحقیقة. واحد من هؤلاء هو العالم المشهور خبیر الشرق الأوسط بجامعة کولومبیا الأستاذ إدوارد سعید، وهو فی الأصل من القدس من عائلة مسیحیة. وقد أکمل دراسته بعیدا عن موطنه فی الجامعات الأمریکیة. وفی مقابلة مع صحیفة هاإیرتز الإسرائیلیة أوصى باتباع  "النظام القومی العثمانی" إذا ما أرادوا بناء سلام دائم فی الشرق الأوسط، فقال:
" یمکن أن تعیش الأقلیة الیهودیة وسط العالم العربی کما تعیش أقلیات أخرى. وقد نجح هذا التعایش فی الإمبراطوریة العثمانیة فی ظل "النظام القومی" حیث أظهروا إنسانیة أکثر مما نظهره نحن الآن" 27.



"إدوارد سعید، خبیر مشهور فی أمور الشرق الأوسط"

یشهد التاریخ بأن الإسلام هو النظام العقائدی الوحید الذی تظهر حکوماته فی الشرق الأوسط عدلا وتسامحا ورحمة. وحتى الآن لیس هناک بدیل عن الدولة الإسلامیة العثمانیة التی انتهت بانتهاء الحکم العثمانی من المنطقة.

 لهذا السبب فان الطریق لإحلال السلام بالشرق الأوسط هو اتباع نموذج الحکم العثمانی الذی تمیز بالتسامح والتآلف، وتلک هی التعالیم الأساسیة للقرآن. فالإسلام هو حقا الحل الوحید لکل أنواع العنف والنزاع والحروب والإرهاب وهو الضامن للسلام والعدل والتسامح.


"...وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ"   (آل عمران : 30)

نظرة الإسلام إلى أهل الکتاب

نظرة الإسلام إلى أهل الکتاب

 العلاقة بین العالم الإسلامی والعالم الغربی أحد الموضوعات الهامة التی نوقشت بعد الأحداث الإرهابیة التی تعرضت لها الولایات المتحدة. وکما هو معروف، فقد تنبأ بعض المثقفین فی القرن التاسع عشر أن العالم على وشک صراع بین الغرب والإسلام. وکان هذا هو الموضوع الرئیسی لرسالة صموئیل هانتینجتون "صراع الحضارات". وقد سمى إدوارد دبلیو هذا الصراع بـ "صراع الجهل" حیث قال : "یرجع هذا السیناریو الخیالی والمبالغ فیه إلى تأثیر بعض العناصر المتطرفة والجاهلة والتی تتواجد فی کلتا الحضارتین. وفی الحقیقة إنه لا یمکن أن یکون هناک صدام أو تعارض بین الحضارة الغربیة والحضارة الإسلامیة، وذلک لأن المعتقدات المسیحیة والیهودیة التی تستند علیها الحضارة الغربیة تنسجم تماما مع الإسلام.

 یسمى الیهود والمسیحیون فی القرآن الکریم "أهل الکتاب"، وذک لأنهم یتبعون کتب مقدسة منزلة من عند الله تعالى. ونظرة الإسلام لأهل الکتاب عادلة جدا ورحیمة.
اتضح هذا الموقف نحو أهل الکتاب فی خلال السنوات الأولى للدعوة الإسلامیة. فی ذلک الوقت کان المسلمون أقلیة یجاهدون من أجل حمایة إیمانهم ویعانون من الظلم والتعذیب الذی لاقوه من کفار مکة. وبسبب هذا الاضطهاد، قرر المسلمون الفرار من مکة واللجوء إلى بلد آمن یحکمه ملک عادل. وعندها أمرهم الرسول علیه الصلاة والسلام أن یتخذوا من الحبشة (أثیوبیا) مأوى لهم وکان ملکها مسیحیا. وقد وجد المسلمون فیه حاکما عادلا استقبلهم بالحب والاحترام. و رفض الملک طلب رسل المشرکین إلیه بتسلیمهم المسلمین، بل أعلن أنه فی إمکان المسلمین العیش بحریة فی بلده.
 یشیر القرآن الکریم إلى هذا الموقف المسیحی الملیء بالرحمة والعدل والرأفة حیث یقول :

 " وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ قَالُوا إِنَّا نَصَارى ذَلِکَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّیسِینَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ"  (المائدة : 82)

 

اشتراک المسلمین وأهل الکتاب فی القیم والمعتقدات العامة

 هناک العدید من المظاهر المشترکة بین المعتقدات الإسلامیة والمسیحیة. وکذلک تشارک الیهودیة الإسلام فی العدید منها. ویوضح الله فی القرآن الکریم أن المسلمین یشارکون أهل الکتاب العقیدة نفسها ویبین لهم کیفیة مخاطبة أهل الکتاب:

 "وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنَا وَأُنْزِلَ إِلَیْکُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُکُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (العنکبوت : 46)

إن جمیع أتباع هذه الدیانات الثلاثة العظیمة یؤمنون بأن الله هو خالق الکون من العدم وهو المسیر له بقدرته المطلقة.


"یُعرَّف المسیحیون والیهود فی القرآن الکریم بأهل الکتاب، وقد أمر المسلمون باحترامهم والرحمة بهم. فهم یشارکون المسلمین نفس القیم الأخلاقیة"

  1. یؤمنون بمعجزة الله فی خلقه وأنه هو الذی وهب الروح والحیاة للإنسان.
  2. یؤمنون بالبعث والجنة والجحیم والملائکة، وبأن حیاتنا تسیر بقدر الله تعالى.
  3. یؤمنون بأنه إلى جانب عیس وموسى ومحمد علیهم السلام أرسل الله العدید من الرسل مثل نوح وإبراهیم واسحق على مر التاریخ، وهم یحبون جمیع هؤلاء الأنبیاء.  

ویوضح القرآن الکریم فی إحدى آیاته أن المسلمین لا یفرقون بین الأنبیاء:

" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَیْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ کُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِکَتِهِ وَکُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَکَ رَبَّنَا وَإِلَیْکَ الْمَصِیرُ" (البقرة : 285).

 تتفق معتقدات أهل الکتاب مع معتقدات المسلمین لیس فقط فی القضایا التی تتعلق بالإیمان، ولکن أیضا فی القیم الأخلاقیة. وفی وقتنا الحاضر انتشر الفساد فی العالم کله مثل الزنا واللواط والإدمان والأنانیة والغرور، بینما یشارک أهل الکتاب المسلمین نفس الفضائل مثل الشرف والعفة والتضحیة بالنفس والتواضع والرحمة والرأفة والحب دون انتظار مقابل.

أعداء المسلمین وأهل الکتاب

من الحقائق الهامة أن الفلسفات الملحدة التی تنکر وجود الله والتی انتشرت فی عالمنا الیوم، بدأت تغزو الدیانات الثلاث الإسلام والمسیحیة والیهودیة معا.


"ینشغل الیوم کل من المسلمین وأهل الکتاب بتوسیع دائرة کفاحهم ضد الفساد والإدمان والشذوذ الجنسی. وتتمسک الدیانات الثلاثة بأعظم الفضائل کالعفة والأمانة ونکران الذات".

من بین أکثر الفلسفات ضررا والمعروفة فی عصرنا تلک التی تستند إلى المادیة والشیوعیة والفاشیة والفوضویة والعرقیة والإلحاد والوجودیة . والعدید من الناس الذین آمنوا بهذه الفلسفات الباطلة فی الکون والمجتمع والإنسان، فقدوا إیمانهم أو شکوا فیه. بل الأکثر من ذلک أن هذه المعتقدات ورطت الناس والمجتمعات والأمم فی أزمات کبیرة ونزاعات وحروب. ولهذه المعتقدات النصیب الأکبر من المسئولیة عن العذاب والمشاکل التی تعانی منها الإنسانیة کلها فی الوقت الحاضر.

 إنکار وجود الله وخلقه، هذا هو الإطار العام التی تستند علیه تلک الأیدیولوجیات، وهو عبارة عن قاعدة علمیة تسمى نظریة دارون للتطور. حیث أقامت هذه النظریة قاعدة فلسفة الإلحاد. وتدعی هذه النظریة أن الکائنات الحیة تطورت صدفة کنتیجة لمحاولة التکیف مع الحیاة. إذن فالدارونیة ترسل هذه الرسالة الخادعة للناس:
 "أنت لست مسئولا عن الآخرین، فحیاتک هی مجموعة من الصدف، وهی تحتاج إلى الکفاح، حتى وإن دعتک الضرورة لاضطهاد الآخرین لکی تنجح، إن هذا العالم هو مکان للصراع والمصالح الشخصیة".

وقد اخترقت العدید من المفاهیم الدارونیة القیم الاجتماعیة مثل "الاختیار الطبیعی" و "الصراع من أجل البقاء" و "البقاء للأقوى". وتنصح هذه المبادئ الناس بأن یکونوا قساة، ظالمین، نفعیین ، أنانیین. بل وتدمر الفضائل کالرحمة والرأفة والتضحیة والتواضع، تلک القیم الأخلاقیة التی تدعمها الأدیان الثلاثة کضرورة لـ"قانون الحیاة".

 وتتنافى الفلسفة الدارونیة تماما مع معتقدات أهل الکتاب ورسالة القرآن الکریم. لذلک تمثل مبادؤها الأسس الذی یرتکز علیه العالم المعارض للأدیان المقدسة الثلاثة.
 لهذا السبب، من الضروری أن یتحد المسلمون وأهل الکتاب طالما أنهم یؤمنون بالله ویقبلون کل ما أمرهم به. ویجب علیهم أن یوضحوا للعام زیف الدارونیة ومغالطاتها، ویبینوا انه لیس لها أی أساس علمی، ویحاول بعض الناس الحفاظ علیها فقط لأنها فلسفة مادیة . کما یجب على أتباع الأدیان الثلاثة کذلک قیادة کفاح ثقافی ضد کل الأفکار الخادعة (لشیوعیة ، الفاشیة ، العرقیة .)

والتی تخدم الإلحاد . وإذا حدث هذا ، سوف یصبح العالم فی وقت قصیر جدا واحة للسلام والأمن والعدل.

 
"جلبت المعتقدات الملحدة مثل الفاشیة والشیوعیة والعرقیة والفوضویة الدمار للإنسانیة وشجعت الکراهیة فی المجتمعات".



"تقترح الدارونیة مجتمعا یشجع النزاع والعنف کوسائل للتطور. لکن تکشف الدراسات الاجتماعیة التأثیر السلبی لتلک النظریة التی لم تجلب غیر الألم والدمار للمجتمعات ".

 

معاداة السامیة عنصریة تخالف تعالیم الإسلام

تهدد أفکار معاداة السامیة فی عصرنا الحالی السلام العالمی وتستهدف أمن وأمان الأبریاء. وهذه العنصریة والکراهیة یظهرها البعض نحو الیهود.
 فی القرن العشرین، ارتکبت العدید من الکوارث الکبرى باسم معاداة السامیة، ومن أکبر حوادث الترویع والقتل والظلم تلک التی ارتکبها النازیون ضد الیهود. بالإضافة إلى هذا فقد استهدف الیهود وتعرضوا للظلم فی العدید من البلدان التی کان فیها الحکم دیکتاتوریا. وذاق الیهود سوء العذاب على أیدی المنظمات الفاشیة.
 ولکن ما هو موقف المسلمین تجاه معاداة السامیة ؟


"اضطهاد الیهود على مر التاریخ کان أساسا نتیجة لمعاداة السامیة. من حقنا أن نعارض وننتقد وحشیة إسرائیل، ولکن لا یجب على المسلم أن یرد على هذا الظلم والقسوة بقتل الأبریاء من الیهود".

الجواب واضح، یجب على المسلم أن یعارض معاداة السامیة کما یعارض کل الآراء العنصریة الأخرى. وإذا کان من حق المسلمین إدانة سیاسة الظلم والعدوان التی تمارسها إسرائیل إزاء بعض الشعوب، فإنه من غیر المقبول أن یصبح جمیع الیهود هدفا للإدانة وخاصة الأبریاء منهم : وإلا سیکون هذا معاداة للسامیة. وعلى أیة حال فإن انتقاد السیاسة الصهیونیة الرسمیة لا یعنی معاداة السامیة، حیث أن الاعتراض على الصهیونیة هو اعتراض على شکل من أشکال العنصریة. وهناک العدید من الیهود الذین ینتقدون عنصریة وسیاسة الصهیونیة، وسیکون من السخف وغیر المعقول  وصف هؤلاء بمعاداة السامیة.

 والقرآن الکریم لا یقبل وضع جمیع الناس فی خانة واحدة واتخاذ الموقف نفسه إزاءهم جمیعا، فهناک حاجة إلى أن نمیز بین الحسن والسیء والخیر والشریر وبین الظالم والبریء . بعد الإشارة إلى بعض الیهود والمسیحیین الذین انتهکوا أوامر الله ، ذکر الله کذلک من أظهر کمالا وتمسکا بالأخلاق منهم فقال:

 "  لَیْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْکِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ یَتْلُونَ آیَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّیْلِ وَهُمْ یَسْجُدُونَ * یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ وَأُوْلَـئِکَ مِنَ الصَّالِحِینَ * وَمَا یَفْعَلُواْ مِنْ خَیْرٍ فَلَن یُکْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِیمٌ بِالْمُتَّقِینَ"  (آل عمران : 113-115)

معاداة السامیة هی عقیدة ضد الدین الذی یستمد جذوره من الوثنیة الجدیدة. لذا فمن غیر المعقول أن یقبل المسلمون معاداة السامیة أو یشعروا حتی بالتعاطف مع هذه العقیدة. فالمعادون للسامیة لا یحترمون أنبیاء الله کإبراهیم وموسى وغیرهم ممن أرسلهم الله بالحق لیکونوا مثلا یحتذى للإنسانیة.
 معاداة السامیة وکل أنواع التعصب العرقی (مثل التعصب ضد السود) لیس لها مکان فی الدین الحقیقی، بل هی نتاج أفکار ومعتقدات منحرفة.

بالإضافة إلى کل هذا، عندما ندرس معادة السامیة وکل أشکال العرقیة الأخرى، نرى بوضوح أنها تدعو إلى أفکار ونماذج مجتمعات تتنافى تماما مع تعالیم القرآن وأخلاقیاته، فعلى سبیل المثال ترتبط معاداة السامیة بالکذب والعنف والظلم. وتکمن قسوة معاداة السامیة فی مساندتها لقتل الیهود الأبریاء من الرجال والنساء والأطفال والمسنین والتغاضی عما یتعرضون له من عذاب. ومهما یکن من أمر، فالمغزى الحقیقی لتعالیم القرآن الکریم هو التوجیه للحب والرحمة مع جمیع الناس. والقرآن یأمر المسلمین بالعدل والمغفرة حتى مع أعدائهم.

 من ناحیة أخرى، تتعایش جمیع أنواع العنصریة معا فی سلام بین أناس مختلفی الأجناس والمذاهب. فعلى سبیل المثال، یتعایش العنصریون الألمان (النازیون) مع العنصریین الیهود، مع أن کلا منهم یعارض هذا الوضع لأن کل جانب یرى أن الجنس الآخر جنسا متدنیا. وفی القرآن، لا یوجد هذا التمییز بین الأجناس، فالقرآن یدعو الناس من مختلف العقائد إلى التعایش معا فی نفس المجتمع بود وسلام.






"یود المسلمون العیش مع المسیحیین والیهود فی سلام ومحبة، وأن یعامل کل منهم الآخر برحمة وتسامح واحترام".

وفقا للقرآن، یجب على المسلمین والمسیحیین
 والیهود أن یعیشوا متحابین

یتضح فی القرآن ذلک الخلاف الحاد بین أهل الکتاب والملحدین الذین لا یؤمنون بالله تعالى. مما یؤکد خاصة اهتمام القرآن بالحیاة الاجتماعیة. وکمثال، یقول القرآن الکریم قاصدا هؤلاء الملحدین:

"یَا أَیُّها الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِکُونَ نَجَسٌ فَلاَ یَقْرَبُوا المَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْْ عَیْلَةً فَسَوْفَ یُغْنِیکُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ"  (التوبة : 28)

هؤلاء الملحدون لیس لدیهم قانون مقدس ولا أی مبادئ أو أخلاقیات، بل هم یرتکبون جمیع أنواع الانحراف بدون تردد. أما أهل الکتاب، الذین أرسلت کتبهم بوحی من عند الله، فلدیهم أخلاقیات ومبادئ ویحترمون القیم الإنسانیة. ولهذا فقد أعطى للمسلمین رخصة بالزواج من نساء أهل الکتاب:

 " الْیَوْمَ أُحِلَّ لَکُمُ الطَّیِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ حِلٌّ لَّکُمْ وَطَعَامُکُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ مِن قَبْلِکُمْ إِذَا آتَیْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِینَ غَیْرَ مُسَافِحِینَ وَلاَ مُتَّخِذِی أَخْدَانٍ وَمَن یَکْفُرْ بِالإِیمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ" (المائدة : 5)

توضح هذه التوجیهات أنه من الممکن تکوین روابط نسب وقرابة کنتیجة لزواج المسلم من امرأة من أهل الکتاب، ویجب على طرفی هذا الرباط الاهتمام بالآخر. وتتضمن مثل هذه القواعد تأسیس علاقات إنسانیة منصفة وحیاة اجتماعیة سعیدة. وحیث أن القرآن یوجه لمثل هذا الموقف العادل المتسامح، فإنه من غیر المعقول أن یکون للمسلم وجهة نظر أخرى أو موقف معارض.

یمثل العدل والتسامح الذی أظهره رسول الله صلى الله علیه وسلم تجاه أهل الکتاب مثالا رائعا یحتذی به المسلمون. ویعرض الرسول علیه الصلاة والسلام نموذجا من أفضل أمثلة هذا العدل والتسامح فی العقد الذی أبرمه مع مسیحیی نجران، الذین عاشوا فی جنوب الجزیرة العربیة، حیث تضمن العقد البنود التالیة:

إن حیاة أهل نجران والأراضی المحیطة بهم، ودینهم وأرضهم وأملاکهم وماشیتهم، من کان منهم حاضرا أو غائبا، رسلهم ودور عبادتهم کلها تحت حمایة الله ووصایة نبیه صلى الله علیه وسلم .20

أمن الرسول علیه الصلاة والسلام بمثل هذه الاتفاقیات حیاة اجتماعیة تتسم بالأمن والأمان للمسلمین وأهل الکتاب على حد سواء، ویتضح هذا تماما فی الآیة التالیة:

" إِنَّ الَّذِینَ آمَنُواْ وَالَّذِینَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِینَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ" (البقرة : 62)

 إن دستور المدینة هو أکثر العقود أهمیة، وقد ضمن تحقیق العدل والتسامح بین المسیحیین والیهود والمشرکین.
 أعد دستور المدینة بتوجیه من الرسول صلى الله علیه وسلم منذ 1400 عام ، أی فی عام 622 میلادیة، وذلک لیلبی احتیاجات جمیع الناس من مختلف العقائد، وتم تطبیقه کعقد قانونی مکتوب. وقد أصبح الکثیر من الجماعات التی تختلف فی الدین والجنس والتی أضمرت لبعضها البعض عداوة خافیة راسخة لمدة 120 عاما أصبحت أطرافا فی هذا العقد القانونی. وقد أظهر الرسول علیه الصلاة والسلام بواسطة هذا العقد أنه یمکنه إنهاء النزاعات الکامنة بین هذه المجتمعات بل وبإمکانهم ان یعیشوا مع بعضهم البعض، بینما کانوا قبل ذلک أعداء وعجزوا تماما عن التوصل لأی شکل من أشکال التسویة.


"فی عهد الرسول علیه الصلاة والسلام مارس المسلمون سیاسة العدل والتسامح تجاه أهل الکتاب".

طبقا لدستور المدینة، کان کل إنسان حر فی التمسک بأی عقیدة أو دین واختیار أی سیاسة أو فلسفة. ویمکن للأفراد الذین یشترکون فی نفس الأفکار التجمع وتشکیل جماعة. وکان کل شخص حر فی ممارسة نظام العدل الخاص به. وبطبیعة الحال لن یحمی الآخرون أی شخص یرتکب جریمة. وانشغلت کل الأحزاب المشترکة فی العقد بالتعاون ومساندة بعضها البعض، وبقیت کلها تحت حمایة الرسول صلى الله علیه وسلم. وکانت النزاعات بین الأحزاب تعرض على الرسول علیه الصلاة والسلام للحکم فیها .

عمل بهذا العقد منذ 622 م وحتى 632 م . خلال هذا العقد، ألغیت التجمعات القبلیة التی استندت إلى الأصل والنسب، وتجمع أناس من مشارب عرقیة وثقافیة وجغرافیة مختلفة معا وشکلوا وحدة اجتماعیة. وضمن دستور المدینة الحریة الدینیة المطلقة.

 یتعیّن احترام الأدیرة والکنائس ومعابد الیهود

حقیقة أخرى نتعلمها من القرآن الکریموهی أنه یجب على المسلمین احترام أماکن العبادة الیهودیة والمسیحیة. وإن الکنائس والمعابد والأدیرة قد حماها الله تعالى:
 

" الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِن دِیَارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن یَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِیَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ یُذْکَرُ فِیهَا اسْمُ اللَّهِ کَثِیراً وَلَیَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن یَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ" (الحج : 40)

توضح هذه الآیة للمسلمین ضرورة احترام وحمایة الأماکن المقدسة الخاصة بأهل الکتاب.
 وفی الحقیقة فإن الرسول صلى الله علیه وسلم أبرم مثل هذه العقود مع الوثنیین أیضا. وقد عومل الوثنیون دائما بالعدل، وقد لبى النبی علیه الصلاة والسلام کل طلباتهم عندما خضعوا لحمایته. یعنی هذا أن تلک الجماعات قد طلبت حمایة الرسول ضد أی هجوم أو اتهام ظالم. وخلال حیاته علیه الصلاة والسلام طلب العدید من المسلمین والوثنین حمایته، وقد أخذهم تحت حمایته وضمن لهم أمنهم. وینصح الله المؤمنین فی سورة التوبة بقبول طلب الوثنیین لحمایتهم قائلا: 

"وَإْن أَحَدٌ مِنَ المُشْرِکِینَ اسْتَجَارَکَ فَأَجِرْهُ حَتَّى یَسْمَعَ کَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ یَعْلَمُونَ"  (التوبة : 6)

بسبب الاشتراک فی العدید من الخصائص، فإن المسیحیین والیهود أقرب إلى المسلمین من أولئک الذین لا یؤمنون بالله. فکل منهم لدیه کتابه الذی یتبعه وأنزل من عند الله تعالى. وطبقا لکتبهم المقدسة، فإنهم یعرفون الحق من الباطل ویفرقون بین الحلال والحرام ویوقرون الأنبیاء والرسل الذین أرسلوا إلیهم. وهم جمیعا یؤمنون بالآخرة وبحساب الله على أعمالهم. لذا فهناک جوامع مشترکة یمکننا أن نتحد على أساسها. 



"الجوامع والکنائس والمعابد أماکن مقدسة یرفع فیها اسم الله . ویذکر الله فی القرآن الکریم أننا یجب أن نحمی تلک الأماکن المقدسة ونحترمها "


الاجتماع على کلمة واحدة 

اهتماما بأهل الکتاب، أمر الله المسلمین فی القرآن بالاجتماع على کلمة سواء:
 " قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى کَلَمَةٍ سَوَاء بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَلاَ یَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران : 64)

إن هذا نداء للمسیحیین والیهود، باعتبارهم یؤمنون بالله ویتبعون أوامره، دعونا نتفق على کلمة واحدة وهی "الإیمان" . دعونا نحب الله خالقنا ونتبع أوامره. ولنصل لله داعین أن یدلنا على الطریق الصحیح.

 عندما یتفق المسلمون والمسیحیون والیهود على کلمة سواء، وعندما یدرکون أنهم أصدقاء ولیسوا أعداء، وعندما یرون أن العدو الحقیقی هو من ینکر وجود الله، یصبح العالم بیئة مختلفة تماما. سوف تنتهی الحروب والعداوات والرعب والهجمات الإرهابیة فی العدید من بلدان العالم، وستُؤسس حضارة جدیدة تستند على الحب والاحترام وعلى تلک "الکلمة السواء".


"سینتهی الشر فی العالم عندما یتحد المسلمون والمسیحیون والیهود ویتفقون على الإیمان بالله والتسامح".


"یجب أن یتحد المؤمنون ویصلی کل منهم للآخر"


"تلى السید / موزامیل سیدیکوی، رئیس الطائفة المسلمة فی أمریکا الشمالیة، آیات من
القرآن الکریم فی کاتدرائیة واشنطن الوطنیة فی ذکری أحداث 11 سبتمبر.


"صلى الرئیس بوش إلى جانب إمام المسلمین فی الکاتدرائیة الوطنیة خلال مراسم التأبین"

"زیارة بوش للمرکز الإسلامی فی واشنطن"
"بعد هجمات 11 سبتمبر، صلى کثیر من الناس من أجناس ودیانات مختلفة تعاطفا وتضامنا مع الضحایا"

هناک العدید من الحقائق المهمة لدى المسلمین والتی لا یمکن التغافل عنها. وما یأمرنا به الله  تعالى تجاه الناس الآخرین ذوی المذاهب المختلفة واضح فی القرآن الکریم:

  1. تحرم تعالیم القرآن کل أنواع العرقیة .

  2. وقد أمرنا الله فی القرآن بأن نظهر الود والتسامح تجاه أصحاب الأدیان الأخرى طالما أنهم لا یهاجمون الإسلام والمسلمین.

"مظاهر الاحترام: البابا فی زیارة لحائط المبکى فی القدس، مفوض الاتحاد الأوربی و رومانو برودی یلقی خطابا فی المرکز الإسلامی فی بروکسل"

من المعروف أن الیهود قد ارتکبوا العدید من الأخطاء التی أشار إلیها القرآن الکریم وانتقدها ونهی عنها. وقد ارتکبت إسرائیل جرائم مروعة ضد الإنسانیة فی وقتنا الحاضر یعرفها العالم کله، ولکن لا یجب أن یکون هذا ذریعة للمسلمین لکراهیة جمیع الیهود. وهناک أیضا آیات فی القرآن الکریم تمنعنا من أن نحکم على الناس طبقا للجنس أو البلد أو الدین. ففی کل جماعة یوجد الخیرون والأشرار. ویلفت القرآن الانتباه إلى هذا الاختلاف. وعلى سبیل المثال، میز القرآن الکریم بین فریقین من أهل الکتاب فقال فی الفریق من أهل الحق:
 "  لَیْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْکِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ یَتْلُونَ آیَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّیْلِ وَهُمْ یَسْجُدُونَ * یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ وَأُوْلَـئِکَ مِنَ الصَّالِحِینَ * وَمَا یَفْعَلُواْ مِنْ خَیْرٍ فَلَن یُکْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِیمٌ بِالْمُتَّقِینَ" (آل عمران : 113-115)                                                          

وفی آیة أخرى قال تعالى : "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلالَةُ فَسِیرُواْ فِی الأَرْضِ فَانظُرُواْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ"  (النحل : 36) 

أوحى الله إلى رسله أنه هو الواحد لا شریک له وهو سبحانه المعبود المطاع من قبل عباده. تلک الرسالة المقدسة التی أرسلها الله للناس من خلال رسله، بلغت لهم منذ الخلق الأول. بعض المجتمعات تقبلت الرسالة ووالتزمت بها والبعض الآخر أنکرها وقام لها بالمرصاد. ونحن نرى هذه الحقیقة فی وقتنا الحاضر أیضا، فبعض الناس یسلکون الطریق المستقیم والبعض الآخر ینغمسون فی الشرور. وهذه إرادة الله تعالى. وعلى المؤمنین أن یعتقدوا بأن من بین معتنقی الأدیان الأخرى بعض المخلصین الذین یخافون الله تعالى.


 وأملنا أن تعیش شعوب العالم معا فی سلام، دون النظر للجنس أو الدین، وأن ننبذ کل أنواع التعصب والتفرقة ونحترم حقوق کل الناس ونعمل على حمایتها، فینحصر الصراع  ضد کل ما هو معاد للدین والإیمان. یقول الله تعالى فی القرآن الکریم:  

"فَلَوْلاَ کَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِکُمْ أُوْلُواْ بَقِیَّةٍ یَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِی الأَرْضِ إِلاَّ قَلِیلاً مِّمَّنْ أَنجَیْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِینَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِیهِ وَکَانُواْ مُجْرِمِینَ" (هود : 116)

 

"مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ"
(النمل : 89)

الوجه الحقیقی للإرهابیین الذین یتصرفون باسم الدین

الوجه الحقیقی للإرهابیین الذین یتصرفون باسم الدین

تکشف کل هذه الأمثلة أن أعمال العنف المنظمة ضد الأبریاء لا تتفق مع الإسلام أبدا وأنه من غیر المعقول أن یرتکب أی مسلم مثل هذه الجرائم. وعلى العکس فالمسلمون مسؤولون عن منع هؤلاء المخربین وإزالة الشر من الأرض وإحلال السلام والأمن لکل الناس فی کل مکان.

ولیس من اللائق أن نتحدث عن "الإرهاب المسیحی" أو "الإرهاب الیهودی" أو "الإرهاب الإسلامی" . فبالتأکید إذا بحثنا فی خلفیة هؤلاء الإرهابیین سنجد أن الإرهاب ظاهرة اجتماعیة ولیست دینیة.

الصلیبیون : بربر یدنسون دینهم

تشوه أحیانا الرسالة الحقیقیة لدین أو نظام عقائدی من قبل تابعیه أنفسهم. فالصلیبیون ، الذین مثلوا حلقة مظلمة فی التاریخ المسیحی ، مثال لهذا النوع من التشویه.

الصلیبیون هم مسیحیون أوروبیون بدءوا فی نهایة القرن الحادی عشر فی إرسال بعثات لاستعادة الأرض المقدسة من المسلمین (فلسطین وما حولها)، وادعوا أن حملتهم لهدف دینی، وبالرغم من ذلک فقد خربوا کل شبر من الأرض نزلوا به ونشروا الخوف أینما ذهبوا. اعتدوا على المدنیین الذین وجدوهم فی طریقهموقتلوهم وسلبوا العدید من القرى والمدن، وأصبح دخولهم للقدس، حیث عاش المسلمون والمسیحیون والیهود فی سلام تحت الحکم الإسلامی، مشهدا مروعا ومنظرا یثیر الاشمئزاز، کما ذبحوا المسلمین والیهود فی المدینة بلا رحمة.

وقال احد المؤرخین واصفا ما حدث: "قتلوا کل من وجدوه من العرب والأتراک... رجالا ونساء"16
یمدح أحد الصلیبیین ویدعى "رایموند "هذه الأفعال قائلا : "رأینا مشاهد رائعة، فبعض رجالنا ( وکان هذا الأکثر رحمة) قطعوا رؤوس أعدائهم، والبعض الآخر ضربوهم بالسهام وهکذا أسقطوا من أبراجهم، وآخرون عذبوهم أکثر بإلقائهم فی النار. وکنا نرى فی شوارع المدینة أکوام الأشلاء والجثث الممزقة. ولکی تستطیع السیر فی أحد الطرقات کان لابد من السیر فوق جثث الرجال والخیول. ولکن کل هذه الأمور لا تذکر إذا ما قورنت بما حدث فی هیکل سلیمان، حیث کانت تقام الشعائر الدینیة، لقد غرق الناس فی الدماء حتى غطت الأقدام وبلغت إلأى لُجُم الخیول .17
وفی خلال یومین، قتل الجیش الصلیبی حوالی أربعة آلاف مسلم بوحشیة وبربریة لا مثیل لها. 18


خلال الحملة الصلیبیة الرابعة زادت همجیة الصلیبیین حیث سلبوا القسطنطینیة (استنبول حالیا) وهی مدینة مسیحیة، وسرقوا الأشیاء الذهبیة من الکنائس .


"فی القدس وتحت الحکم الإسلامی عاش کل من المسلمین والمسیحیین والیهود فی سلام کامل. وعندما احتل الصلیبیون القدس قاموا بالعدید من المذابح المروعة. وکلما احتلوا المزید من المدن، استمروا فی قتل المدنیین أینما ذهبوا."

" فی الثانی عشر من سبتمبر عام 1204 دخل الصلیبیون القسطنطینیة، وکان یسکنها المسیحیون وطردوهم ونهبوا المدینة، وسرقوا الذهب الذی کان موجودا فی الکنائس."

بالطبع، کانت کل هذه الهمجیة ضد الدیانة المسیحیة، فالمسیحیة فی الإنجیل هی "رسالة محبّة". وورد فی إنجیل متّى أن عیسى علیه السلام قال لأتباعه : "احبوا أعداءکم، بارکوا لاعنیکم، أحسنوا إلى مبغضیکم، وصلوا لأجل الذین یسیئون إلیکم ویطردونکم "                                                        (متى، 42 :5)
وجاء فی إنجیل لوقا قال: عیسى علیه الإسلام "من ضربک على خدک الأیمن فأدر له خذک الأیسر "                                     (لوقا ، 29 : 6)  

ولا یوجد فی أی نص من الإنجیل إشارة إلى شرعیة العنف. فمن المستحیل تصور قتل الأبریاء، ولا نجد هذه الکلمة فی الإنجیل إلا فی قصة الملک هیرودس الذی حاول قتل عیسی وهو رضیع.

إذا کانت المسیحیة دینا یرتکز على المحبة ولیس العنف، فکیف للصلیبیین المسیحیین أن یقوموا بأکثر الأعمال عنفا فی التاریخ ؟ ربما یرجع السبب الرئیسی إلى خداع قادة الصلیبیین للناس البسطاء الذین أحسن ما یوصفون به أنهم "الغوغاء" أو "الرعاع".هذه المجموعات التی ربما لم تعرف شیئا عن دینها، والتی من المحتمل أنها لم تقرأ أو حتى لم تر الإنجیل ولو مرة واحدة فی حیاتها. قادت تلک المجموعات هجمات تحت شعار "حرب الصلیب" التی تمثل إرادة الله.
هذا الاحتیال على الدین شجع الکثیرین على ارتکاب الجرائم التی حرمها الدین بشکل کامل.

ومن الجدیر بالذکر أنه فی تلک الفترة، تمتع المسیحیون الشرقیون، کأهل بیزنطة على سبیل المثال بقیم أکثر إنسانیة من المسیحیین الغربیین الذین کانوا بعیدین کل البعد عن ثقافتهم. فقد استطاع المسیحیون الأرثوذکس العیش مع المسلمین فی سلام سواء قبل الغزوات الصلیبیة أو بعدها.
یقول المعلق تیری جونیس فی إذاعة الـ بی بی سی : "بانسحاب الصلیبیین من الشرق الأوسط عادت الحیاة الهادئة من جدید واستطاع أصحاب الدیانات التوحیدیة الثلاث التعایش معا فی سلام . "19

إن مثال الصلیبیین دلیل على ظاهرة عامة، فالأکثر اتباعا لأفکار غیر متحضرة وجاهلة ثقافیا هم الأکثر میلا للعنف. وهذا أیضا دلیل آخر على أن الدین لا علاقة له بالعنف. فالحرکات الشیوعیة فی کل مکان فی العالم تمیل إلى العنف. وما زال هناک أقوام آخرون یتمیزون بالوحشیة والعنف وسفک الدماء مثل الخمیر الحمر فی کمبودیا، وذلک لأنهم على درجة کبیرة من الجهل.

 

طبیعة البدو فی القرآن

منذ أیام الرسول صلى الله علیه وسلم کان البناء الاجتماعی فی بلاد العرب یتکون من مجموعتین، سکان المدن والبدو (عرب الصحراء). و ساد تراث مرکب ومتحضر فی بلاد العرب. وقد ربطت العلاقات التجاریة بین المدن والعالم الخارجی مما ساهم فی تحسین سلوک عرب المدن، فقد اکتسبوا قیما جمالیة رفیعة وتمتعوا بالحس الأدبی وخاصة الشعر. من ناحیة أخرى عاش عرب الصحراء فی قبائل بدویة منتشرین فی البادیة وغفلوا عن الفنون والآداب وتکونت لدیهم شخصیة غیر متطورة.

 وظهر الإسلام وانتشر فی مکة المکرمة، وهی أهم المدن فی الجزیرة العربیة. وبعدها انتشر إلى باقی شبه الجزیرة واعتنقته کل قبائل بلاد العرب . وکانت من بین هذه القبائل عرب الصحراء الذین تمیزوا منطوین على انفسهم، فبیئتهم الفقیرة وبساطة تفکیرهم منعتهم من إدراک نبل روح الإسلام وعمقه، یقول الله تعالى عنهم:
"الأَعْرَابُ أَشَدُّ کُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ یَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ"                      (التوبة : 97)

 


إن عرب الصحراء، تلک الفئة الاجتماعیة التی کانت " الأسوأ فی الجحود والنفاق" والأکثر عصیانا لأوامر الله، أصبحت جزء من العالم الإسلامی فی عهد الرسول صلى الله علیه وسلم . وأصبحت بعد ذلک مصدر المشاکل للدعوة الإسلامیة . وأوضح مثال على ذلک طائفة (الخوارج) التی ظهرت من بین البدو.


"فی عهد النبی صلى الله علیه وسلم کان البدو قبائل متنقلة فی الصحراء. وقد ورثتهم هذه الحیاة الصعبة التی عاشوها نوعا من الثقافات الجافة والطباع القاسیة".

 

الهمجیة والتعصب هی السمات التی تمیز هذه الفئة المتطرفة التی سمیت بـ"الخوارج" أو الثوار لأنهم ابتعدوا بشدة عن اتباع سنة الرسول صلى الله علیه وسلم.
وهؤلاء الخوارج الذین کانت معرفتهم بالإسلام وفضائله وأخلاق القرآن معرفة منقوصة،شنوا حربا ضد جمیع المسلمین الآخرین استنادا إلى بعض الآیات القرآنیة التی فسروها تفسیرا خاطئا. وعلاوة على ذلک فقد ارتکبوا أبشع أعمال الإرهاب واغتالوا الإمام علی کرم الله وجهه أحد أقرب المقربین للرسول علیه الصلاة والسلام، وقد وصف بأنه  بأنه "باب مدینة العلم".

وظهرت فیما بعد طائفة أخرى سمیت بـ "الشیعة"، وذلک نتیجة للجهل والتعصب وعدم الفهم المتعمق لجوهر الإسلام مما جعلهم أسهل تأثرا بالوعود والشعارات الداعیة للحرب.

 بمعنی آخر، کما حرف الصلیبیون وأساؤوا فهم المسیحیة وحولوها إلى تعالیم للعنف، کذلک ظهرت بعض الجماعات المنحرفة فی العالم الإسلامی أساءت فهم الإسلام ولجأت إلى العنف. والصفة المشترکة بین الصلیبیین وهذه الجماعات هی "الطبیعة البدویة". ولذلک فقد اتصفوا بالجهل وعدم النضج وعدم الفهم لجوهر الدین الحقیقی. ولذا فلجوؤهم للعنف ناتج عن جهلهم وعدم فهمهم لدینهم.

هدف الإرهابی الوحید أن یدمر بلا رحمة

یُعرف کلٌّ من مایکل باکیونین وتلمیذه نیتشایف (وهما من زعماء الثورة الروسیة) الإرهابی الحقیقی بالقول:
"الفعل الحقیقی للثوری لیس فقط بالکلمات ولکن بالأفعال، وشن الحرب على قوانین المجتمع الموجودة وکل ما یسمى بالعالم المتحضر بقوانینه وأخلاقیاته وعاداته. والثوری شدید التمسک بمبادئه، وهو لا یعرف إلا شیئا واحد فقط وهو التدمیر " نشر هذا المقال بصحیفة الإنذار، من کتاب باکیونین (أساس الثورة الاجتماعیة) ، 26 دیسمبر 1885، ص.8.

وکما نفهم من کلمات باکیونین ونیتشایف، فإن الإرهابیین هم أناس قطعوا علاقاتهم مع جمیع الأعراف المادیة والروحیة وهم یرفضون کل القیم الأخلاقیة، وینظرون إلیها على أنها عائق أمام تحقیق أهدافهم.

وقال باکیونین أیضا :"یکون الثوری مشغولا لیله ونهاره بالتفکیر فی شیء واحد وهو الدمار بدم بارد بلا رحمة أو هوادة. ولتحقیق هذا الهدف یجب أن یتوقع الثائر الموت فی أیة لحظة وأن یکون على أهبة الاستعداد لقتل أی إنسان یحاول إحباط أهدافه".

ویصف ما یجب أن یکون علیه الإرهابی فی کتابه "أساس الثورة الاجتماعیة" :"یجب ان یکون الثوری صارما مع نفسه ومع الآخرین، ویجب أن یقمع کل مشاعر الضعف فی علاقات الحب والصداقة والمودة وأن یولع فقط بالعمل الثوری".

 تعرف هذه الکلمات الوجه المظلم للإرهابی وتوضح مخالفته التامة للإسلام الذی یؤکد على قیم السلام والتسامح والمحبة. وفی هذه الآیة، یوضح الله عز وجل أن الإسلام هو المنقذ الحقیقی للإنسانیة وأن اتباع نزوات الحرب والنزاع هی اتباع لخطوات الشیطان:

 "یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اُدْخُلُوا فِی السِّلْم کَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ"    (البقرة : 208)                                                                                     

"مایکل باکیونین"

التأثیر الجماعی للإرهاب

ومما یمیز الإرهابیین أیضا أنهم یتصرفون فی شکل جماعات، وهذا ما یترتب علیه تجاهل الأفکار الفردیة والاختیارات الشخصیة للأفراد الذین یوجهون نحو هدف واحد. هؤلاء الذین یتصرفون فی إطار الروح الجماعیة، ربما یفعلون أشیاء لا تقبلها عقولهم ویرتکبون أفعالا بغیر إرادتهم ولا وعیهم. ففی العدید من بلدان العالم، تتکون جماعات الإرهاب من أشخاص جهلة أغبیاء ینفعلون بهستریا الشعارات ونداءات الحرب التی تطلق فی الاجتماعات الحاشدة حتى بدون أن یعرفوا ماذا یفعلون ولماذا یفعلونه، وهکذا وبالتدریج یشترکون مع مجموعات فی ارتکاب أعمال وحشیة.

 وفی لحظة واحدة یتحول هؤلاء الأشخاص إلى قتلة تلطخ أیادیهم الدماء، وإلى إرهابیین قادرین على ارتکاب أفعال لا إنسانیة. ربما یظهر على مثل هذا الشخص الهدوء والسکینة عندما یکون وحیدا، ولکن إذا ما انضم إلى أحد الجماعات الإرهابیة یصبح قادرا على القتل وافتعال الحرائق دون سبب ظاهر.

تظهر هذه الأعراض على الأشخاص الذین یرغبون فی التخلص من حیاتهم لسبب شخصی، وأغلب هؤلاء الذین یشارکون فی أعمال العنف، تکون إرادتهم وضمائرهم ضعیفة، ویساقون کالأغنام تحت تأثیر هذه المجموعات. وهکذا یستبدلون الإحساس والشعور الطیب بکراهیة مفرطة ومیل نحو العنف والعدوان.
ومثل هؤلاء یمکن التأثیر علیهم وإثارتهم بسهولة وهم لا یعترفون بأی قیود یضعها القانون.

 أشار القرآن الکریم إلى خطإ الوقوع فی الانحراف الجماعی ووضح أنه یجب على الإنسان أن یتصرف طبقا لإرادته وبوعیه الکامل : "وَلاَ تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ کُلُّ أُولَئِکَ کَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" (الإسراء : 36)

 

أحد أسباب الإرهاب : تعصب العالم الثالث

تساعدنا مثل هذه الأمثلة من التاریخ على فهم أفضل لهذه الظاهرة الحالیة، التی تسمى "الإرهاب الإسلامی" والتی تحتل الأولویة فی الأجندة العالمیة خلال هذه الأیام . وذلک لأن الذین ینفذون تلک الأعمال الإرهابیة، یفعلونها باسم الدین، ومن یدعمونها یمثلون فئة قلیلة فی العالم الإسلامی. وکما ذکرنا فی الحدیث عن البدو سابقا فإن الإسلام فی حد ذاته لیس هو السبب. فالذین یفشلون فی فهم جوهر الدین الذی یدعو فی الحقیقة إلى السلام والعدالة، یجعلونه أداة للعنف، والسبب فی هذا وبکل بساطة هو الظروف الاجتماعیة والتربیة الثقافیة. وأصل هذه البربریة التی تسمى "تعصب العالم الثالث" هو بعض التصرفات غیر المسئولة لأشخاص یتجردون من حب البشر.

وفی الحقیقة، تعرض المسلمون فی خلال القرون القلیلة الماضیة وفی کل مکان من العالم للعنف من قبل الجهات الغربیة وحلفائها . وقد دعمت الدول الأوربیة الاستعماریة سیاسة الاستعمار الظالم فی الوطن العربی (مثل إسرائیل) والتی یعانی منها کل المسلمین . أما بالنسبة للمسلمین فإن عدم اللجوء للعنف کأسلوب للرد هو ما دعاهم الله إلیه فی القرآن الکریم :

"وَلاَ تَسْتَوِی الحَسَنَةُ وَلاَ السَّیِّئةُ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ"(فصلت : 34)

ومما لا شک فیه أن للمسلمین الحق الشرعی فی الرد على هذا العدوان. وعلى أیة حال لا یجب أن تتحول ردود الفعل إلى کراهیة عمیاء أو عداوة ظالمة. ویحذر الله من ذلک قائلا :

"وَلاَ یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوکُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ" (المائدة : 2)                                         

  ولذلک فإن تنفیذ الأعمال الإرهابیة ضد مدنیین أبریاء فی دول أخرى بزعم أنها تمثل (البلاد الظالمة فی العالم ) لا یتفق والإسلام فی شیء.

  ومما یستحق الذکر أننا لا یمکن أن نحمل کل الدول والمجتمعات الغربیة وزر العنف والظلم الذی یتعرض له المسلمون. وفی الحقیقة، إن الفلسفات والمعتقدات المادیة الملحدة التی سادت بصفة رئیسیة فی القرن التاسع عشر هی المسئول الأول عن تلک الأعمال المحزنة. فالسیاسة الاستعماریة الأوروبیة لم تنشأ من المسیحیة بل على العکس تماما فإن الحرکات المعادیة للدین التی تعارض القیم المسیحیة هی التی  إلى تلک السیاسة الاستعماریة. وتعتبر أیدلوجیة دارون الاجتماعیة السبب الرئیسی للوحشیة التی سادت فی القرن التاسع عشر. وما زالت توجد فی الغرب حتى الیوم القسوة ومحاربة القیم جنبا إلى جنب مع الثقافة التی تحکمها المسالمة والعدل التی تستمد جذورها من المسیحیة. وفی واقع الأمر فالخلاف الرئیسی لیس بین الغرب والإسلام، بل على النقیض مما هو سائد، فالخلاف هو بین مسیحیی الغرب والمسلمین من ناحیة والذین یعارضون الدین من ناحیة أخرى مثل "المادیین ، والملحدین، والداروینیین ....".

 وهناک نقطة أخرى جدیرة بالذکر وهی أن التعصب فی العالم الثالث لا یرتبط بالإسلام، فحتى أوقات قریبة رأینا هذا التعصب مرتبطا بالأیدلوجیة الشیوعیة. وکما هو معروف فقد نفذت العدید من أعمال العنف المعادیة للغرب فی الأعوام ما بین 1960 و 1970 وقد دعمتها المنظمات الشیوعیة السوفیتیة. ونتیجة لانهیار الشیوعیة فی العدید من المجتمعات التی کانت تتبناها، حولت تلک المجتمعات اهتمامها إلى الإسلام. وهذا العنف الذی ارتکب باسم الدین والذی صاغت أدبیاته االاتجاهات الشیوعیة السابقة لتتفق بعض الشیء مع مفاهیم ونصوص الإسلام، هو فی الحقیقة ضد قیم الدین وأخلاقه وجوهره.

 ملاحظة أخیرة یجب أن تذکر حول هذه القضیة، وهی أن الإسلام لا یخص أمة معینة أو منطقة جغرافیة محددة. بل على عکس ما یعتقده العالم الغربی المسیطر، فالإسلام لیس "ثقافة شرقیة". الإسلام هو آخر الأدیان أنزله الله للناس کافة لیهدیهم إلى سواء السبیل. والمسلمون هم المسؤولون عن توضیح مفاهیم الدین الحقیقیة لکل الناس فی کل مکان لیکونوا أکثر فهما للإسلام.

 ولذلک، هناک حل واحد فی نظر المجموعات التی تمارس العنف باسم الدین، وهو تحویل العالم إلى مکان مظلم بائس عن طریق نظم حکم ظالمة بدلا من أن یحوله إلى مکان جمیل عن طریق تطبیق التعالیم والمفاهیم الحقیقیة للإسلام کی یستطیع الناس فهمه والعیش فی رحابه.

التسبب فی الخوف والألم للمجتمع هو نوع من أنواع الإرهاب

واحدة من أهم خصائص الإرهاب هی أنه یختار أهدافه بشکل عشوائی. ومن أهم أسباب انتشار الخوف هی أن الإرهاب یتخذ قراره دون أن یمیز أهدافه، حتى لا یشعر أحد بأنه آمن. إذا ما توقع الناس أنهم أهداف محتملة وبلا ذنب، فإن أحدا لن یشعر بالأمن أو البعد عن هؤلاء الإرهابیین. وهؤلاء الذین یعتبرن هدفا محتملا لا یستطیعون حمایة أنفسهم، حیث أن الإرهابیین یتصرفون طبقا لمفاهیمهم الخاصة، ویختارون المکان والزمان بما یناسبهم. مثل هذه الأعمال تکون بشکل اعتباطی وغیر متوقع فی المجتمع.

 


"تهاجم المنظمات الإرهابیة أهدافها بشکل عشوائی مما یعنی قتل الأبریاء وجرحهم. مثال على ذلک الهجوم بغاز الأعصاب فی مترو طوکیو فی 20 مارس 1995"

 

خدیعة الأصولیة

هناک ظاهرة أخرى ترتبط بالإرهاب یجب أن نناقشها وهی الأصولیة.

 الأصولیة أو "الرادیکالیة" تعنی دعم التغیرات المخربة الثوریة المفاجئة وتوفیر السیاسات العنیفة الصارمة التی تساعد على إنجازها. ویتمیز الأصولیون بمیلهم للتغییر الثوری والعنیف، ویتبنون أحیانا موقفا عدائیا.

 ومن هذا نرى أن هناک دلیل للمسلم فی القرآن عن کل مجال من مجالات الحیاة. فعندما ننظر إلى الأصولیة فی ضوء القرآن، نجد أنها لا تتفق مع أخلاق المؤمنین التی أمرهم الله بها. یصف الله المؤمن فی القرآن بأنه إنسان محب حسن الکلام، یتجنب النزاع والجدال ویتقرب إلى الناس، حتى الأکثر عداوة منهم ، بالدفء والود.
وقد ضرب الله لنا مثلا بتلک الأخلاق فی قصة موسى وهارون مع فرعون:

 "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَیِّنًا لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أوْ یَخْشى". (طـه: 43-44). 

کان فرعون من أکبر الکافرین العصاة القساة فی زمنه، وکان الطاغیة الذی أنکر وجود الله وعبد الأصنام، علاوة على ذلک فقد عرّض المؤمنین (الإسرائیلیین فی ذلک الوقت) للقتل والعذاب الرهیب. ومع ذلک فقد أمر الله أنبیائه بالذهاب لهذا الرجل والتحدث معه بلین ولطف .
وستلاحظ أن الطریق الذی أوصى به الله هو طریق الحوار الودود ، لیس طرق النزاع بالکلمات الحادة والشعارات الغاضبة والاعتراضات الثوریة .

 وهناک عدة أمثلة تبین للمسلمین کیفیة التصرف فی مثل هذه المواقف مثل ما حدث بین نبی الله شعیب والکافرین :

" وَإِلَى مَدْیَنَ أَخَاهُمْ شُعَیْباً قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَکُم مِّنْ إِلَـهٍ غَیْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِکْیَالَ وَالْمِیزَانَ إِنِّیَ أَرَاکُم بِخَیْرٍ وَإِنِّیَ أَخَافُ عَلَیْکُمْ عَذَابَ یَوْمٍ مُّحِیطٍ * وَیَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِکْیَالَ وَالْمِیزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْیَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِی الأَرْضِ مُفْسِدِینَ * بَقِیَّةُ اللّهِ خَیْرٌ لَّکُمْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ وَمَا أَنَا عَلَیْکُم بِحَفِیظٍ * قَالُواْ یَا شُعَیْبُ أَصَلاَتُکَ تَأْمُرُکَ أَن نَّتْرُکَ مَا یَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِی أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّکَ لَأَنتَ الْحَلِیمُ الرَّشِیدُ * قَالَ یَا قَوْمِ أَرَأَیْتُمْ إِن کُنتُ عَلَىَ بَیِّنَةٍ مِّن رَّبِّی وَرَزَقَنِی مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِیدُ أَنْ أُخَالِفَکُمْ إِلَى مَا أَنْهَاکُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِیدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِیقِی إِلاَّ بِاللّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَیْهِ أُنِیبُ" (هود : 84-88)



"إنَّ اللهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وِإِذَا حَکَمْتُمْ بَیْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا یَعِظُکُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ کَانَ سَمِیعًا بَصِیرا"    (النساء : 58)

 

نلاحظ أن شعیب دعا شعبه لتقوى الله والتزام الأخلاق السامیة وذلک بکل ود ولطف، وهنا نوضح بعض المفاهیم والأسباب الکامنة خلف ما ورد فی هذه الآیات:

* عندما قال شعیب لقومه "ما أنا علیکم بحفیظ" لم یکن یرید أن یسیطر علیهم بل قصد فقط إخبارهم بالحقیقة التی وضحها الله.
* " إنک لأنت الحلیم الرشید" هذه هی کلمات الکافرین لشعیب التی توضح مدى لطفه وأدبه، وهم بأنفسهم من أقروا بذلک.
* " قال یا قوم أرأیتم إن کنتم على بینة" هذه الکلمات التی استعملها شعیب تدل على أنه یدعوا الکافرین لتحکیم عقولهم وضمائرهم. بمعنی آخر فهو لم یضغط علیهم ولکنه ناقش عقولهم ودعاهم للتوصل للحقائق بناءا على ما تدلهم علیه أفکارهم وضمائرهم.
* " وما أرید أن أخالفکم إلى ما أنهاکم عنه" وتحریم شعیب هنا لیس تحریما بمعنی الکلمة ولکنه یوضح بعض الشرور ویدعو الناس لترکها. وقال أیضا "وما أرید أن أخالفکم" فغرضه لیس معارضة الناس وهو لا یرید أن یثیرهم أو یحرض على النزاع ولکنه یرید فقط أن یدعوهم للإیمان واعتناق الأخلاق والمبادئ السامیة.

إذا تدبرنا القرآن الکریم نجد أن جمیع الأنبیاء اتصفوا بالهدوء والسکینة والتسامح. یصف الله نبیه إبراهیم قائلا : "إِنَّ إِبْرًاهٍیم لأًوّاهٌ حَلِیمٌ" (التوبة : 114) .

 وفی آیات أخرى یصف أخلاق سیدنا محمد علیه الصلاة والسلام قائلا:

"فَبِمَا رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِی الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلىَ اللهِ إِنَّ الله یُحِبُّ المُتَوَکِّلِینَ" (آل عمران : 159) .

  الغضب والانفعال هو أهم ما یمیز الأصولیة. ترى هذه الصفة بوضوح فی خطب وکتابات ومظاهرات الأصولیین. ،فالانفعال لیس من خصائص المسلمین، ویصف الله تعالى المؤمنین فی القرآن قائلا:

"الَّذِینَ یُنْفِقُونَ فِی السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالکَاظِمِینَ الغَیْظَ وَالعَافِیْنَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ یُحِبَّ المُحْسِنِینَ" (آل عمران : 134) .

 فلیس هناک ما یستدعی غضب المسلم، فکل ما یریده من الآخرین هو الإیمان بالله والعیش بالأخلاق والمبادئ السامیة، وهذا فقط من نعمة الله على الناس. ومهما نحاول أن نفعل أو نوضح الحقیقة للناس إلا أن قلوبهم وهدایتهم بأمر الله وحده . ویذکر الله للمسلمین هذه الحقیقة الهامة فی الآیة التالیة :

"أَفَلَمْ یَیْأَس الَّذِینَ آمنُوا أَنْ لَوْ یَشَاء اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِیعًا"    (الرعد : 31).

وتتضح هذه الحقیقة فی آیة أخرى : "وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ لآمَنَ مَنْ فِی الأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعًا أَفَأَنْتَ تُکْرِهُ النَّاسَ حَتَّى یَکُونُوا مُؤْمِنینَ" (یونس : 99)

إذا، فواجب المسلم هو أن یوضح الحقائق ویدعو الناس لقبولها. أما قبول الناس أو رفضهم للدعوة فیرجع فقط لإرادتهم الحرة . ویوضح الله هذه الحقیقة عندما یقول إنه لا إکراه فی الدین :

"لاَ إِکْرَاهَ فِی الدِّینِ قَدْ تَبَیَّنَ الرُّشدُ مِنَ الْغَیِّ فَمَنْ یَکْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَیُؤْمن بِالله فَقَدْ اسْتَمْسَکَ بِالعُرْوَةِ الوُثقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ"  (البقرة : 256)



"بالنسبة إلى الإرهابیین، یُعتبر قتل الأبریاء والتدمیر والتخریب أسلوبا فی الحیاة. وهم یتعمدون إراقة الدماء. فهم یقتلون الأبریاء، ویفجرون الأطفال ویهدمون البیوت بلا رحمة."

إذن، لا إکراه للناس لترک عقائدهم واعتناق الإسلام، ولا إجبار للمسلمین لأداء الصلوات واجتناب المعاصی، هناک فقط النصیحة.

ویوضح الله لرسوله علیه الصلاة والسلام فی بعض آیاته أن المسلمین لیسوا طغاة:

"نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا یَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَکِّرْ بِالقُرآنِ مَنْ یَخَافُ وَعِیدِ" (ق : 45)
"قُلْ یَا أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَکُمْ الحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ اهْتَدى فَإِنَّمَا یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا یَضِلُّ عَلَیْهَا وَمَا أَنَا عَلَیْکُمْ بِوَکِیلٍ"  (یونس : 108)

إنّ مسئولیة المؤمنین هی شرح دینهم، دون إکراه أو ضغط على أحد، وقد أُمروا أن یدعوا بالحکمة حتى مع أکثر الکافرین قسوة. ومثل هؤلاء الدعاة لا یمکن أن یکونوا أصولیین، لأنّ الأصولیة تنتهج عکس کل ما ذکرناه. والأکید أن الأصولیة لیست تیارا إسلامیا وإنّما نتجت عن فکر ووضع سیاسی وفد إلى العالم الإسلامی من الخارج. وعندما ندرس تلک الظاهرة الاجتماعیة المسماة بالأصولیة ، نجد أنها تجمع الأسالیب والأفکار التی تبناها الشیوعیون فی الماضی. فتعبیر "التعصب الأعمى" لا نجده فی الإسلام:

"إِذْ جَعَلَ الله الَّذِینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمْ الحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الجَاهِلیَّةِ فَأنْزَلَ اللهُ سَکِینَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِینَ وَأَلْزَمُهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوَى وَکَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأهْلَهَا وَکَانَ اللهُ بِکُلِّ شَیءِ عَلِیمًا". (الفتح : 26)

یجب على کلّ المسلمین رفض التعصب کلیا، فالجدل والإصرار على الرأی یعارض ما جاء فی القرآن الکریم، بل یجب على المسلم أن یتبنى موقفا هادئا متسامحا ورحیما. ویجب أن یکون المسلمون مثالا للعالم فی حکمتهم وتسامحهم واعتدالهم وتواضعهم وسلمهم. وکذلک یجب أن یکونوا صورة نقیة للإسلام لیس فقط بهذه الصفات ولکن أیضا بإنجازاتهم فی میادین العلم والتراث والفن وکل متطلبات المجتمع.

 ومن واجبات المسلم کذلک توضیح الأفکار الصحیحة للإسلام وحمایته من الفکر الدخیل. یوضح الله فی هذه الآیة ما یجب أن یکون علیه المسلمون تجاه الآخرین:

"ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِی أَحْسَنُُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ" (النحل : 125)

نفسیة الإرهابی وأسالیبه

فی وقتنا الحاضر، اتسع معنى الإرهاب. فهو بوجه عام یشیر إلى الصراع المسلح الذی تمارسه مجموعات الفکر الأصولی. بشکل عام، الإرهاب یعنی التخویف. ویحیط هذا الخوف بحیاة الناس التی تشعر بالتهدید المستمر من العنف والإرهاب. ویشمل الإرهاب الرعب والتخویف المنظم الذی یهدف إلى إجبار الناس على تبنی طریقة تفکیر وسلوک معینین، کما أن أی فعل عنیف ینتج عنه هذا الخوف. ولکن فی کل الأحوال هدف الإرهاب المباشر وغیر المباشر هم الناس أنفسهم.

تلجا منظمات العنف للإرهاب لحشد المساندة. فهم یتعمدون التخویف اعتقادا منهم بأنه یزید من قوتهم ویکسبهم مساندة بعض المواطنین .

 عموما عندما تذکر کلمة إرهاب فإن أول ما یفکر فیه الناس هو نوع من الإرهاب عرف باسم "الإرهاب الیساری"، وهناک نوع آخر من الإرهاب یوجد فی دول العالم الثالث یتمثل فی الممارسة الدیکتاتوریة للحکام. وفی الحقیقة لم یحدث شیء أکثر إرهابا من أسالیب الإرهاب الیساری، حیث یستعمل الدکتاتور أو مجموعة القوة الحاکمة الظالمة قوتهم لمصالحهم الشخصیة، لذلک یکون لدیهم تجارب عدیدة فی مواجهة المعارضة الاجتماعیة. فی هذه الحالة یلجأ النظام الدکتاتوری إلى نفس الأسلوب الذی أثبت قوته وفاعلیته أمام المعارضة، فیبدأون باستخدام العنف لدعم موقفهم وإخافة المواطنین.

 من ناحیة أخرى تزعم المنظمات الإرهابیة التی تعتنق مثل هذه المعتقدات أن هدفها هو القضاء على الحکم ومساوئه والذی یعتبرونه ظالما وغیر شرعی، وهم یفعلون هذا للوصول إلى هدفهم فی تحقیق طرق أکثر عدلا لحیاة أکثر سعادة. وهذه المزاعم لیست حقیقیة، ففی القرآن الکریم یخاطب الله الذین یفکرون بهذه الطریقة بقوله:

"وَإِذَا قِیلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُُوا فِی الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُم الْمُفْسِدُونَ وَلَکِنْ لاَ یَشْعُرُونَ" (البقرة : 11-12)


قتل الأبریاء بالنسبة للإرهابیین طریقة حیاة . فهم یقتلون الأبریاء ویفجرون الأطفال بلا رحمة. فإراقة الدماء بالنسبة إلیهم تحقق السعادة، حتى أنهم لم یعودوا بشرا بل تحولوا إلى وحوش هائجة. وإذا وجد بینهم من یظهر بعض الشعور بالشفقة یحتقرونه ویعتبرونه جبانا أو خائنا. وغالبا ما یستخدمون الأسلحة ضد بعضهم البعض، ویقومون بما یسمى التطهیر داخل منظماتهم.

"یعمد الإرهابیون للتخریب النفسی والجسدی للوصول إلى أهدافهم. أما تعالیم الدین،
والتی تعارض الإرهاب، فهی تدعو إلى نشر المحبة والخیر والرحمة والسعادة والأمل فی المجتمع."


"یعلمنا القران أن قتل الأبریاء من أشد الأعمال قسوة. ویحرم الله الإرهاب ویدین من یرتکبونه".

نلاحظ بوضوح أنه لاشیء أکثر شرا من إراقة الدماء. ومن یدعم هذه الهمجیة فکأنه یحمی هذا الشر. ویجب أن لا ننخدع بالإرهابیین الذین یستخدمون لغة الدین ومفرداته. فهؤلاء الذین یلبسون عباءة الدین الباطلة ذنبهم مضاعف، إراقة الدماء والدعوة بما لیس فی الدین بل بما یخالف الدین أیضا.

فالإرهاب والدین یتعارضان تماما، حیث یتبنى الإرهاب طریق العدوان والقتل والصراع والظلم والبؤس. بینما ینهى القرآن عن کل هذا الظلم، ویدعو الله للسلام والود والتآلف والتراحم. ویحرم کل أنواع وأفعال الترهیب التی لا تشجع على السلام، ویدین أولئک الذین یرتکبون مثل هذه الأعمال:

"وَالَّذِینَ یَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِیثَاقِهِ وَیَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنٍ یُوصَلَ وَیُفْسِدُونَ فِی الأَرْضِ أُولَئِکَ لَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (الرعد : 25) .

 ومن الصفات الأساسیة للإرهابیین الذین یمارسونه أنهم بعیدون کل البعد عن حب الله ولا یعرفون حتى الخوف منه. فقد قست قلوبهم ومرضت أرواحهم. ویخبرنا الله عن هؤلاء فی القرآن الکریم بقوله:

"وَلاَ تُطِعْ کُلَّ حَلاَّفٍ مَهِینٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِیمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ أَثِیٍم * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِکَ زَنِیمٍ" (القلم : 10-13)

 وقد حرم الله الثورة والاعتداء بلا سبب، ویحرم الإسلام ما نسمیه الآن بأعمال الإرهاب والفوضى، حیث ذکر فی القرآن :

"قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّی الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْیَ بِغَیْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِکُوا بِالله مَا لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" (الأعراف : 33)


"وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلوُنَ"   (المائدة : 8)

أعمال العنف : أحد أهم طرق الدعایة للمنظمات الإرهابیة

یعتبر الإرهابیون أعمال العنف دعایة لمنظماتهم. فبالنسبة لهم، أعمال مثل قتل الأبریاء وسرقة البنوک واغتیال الناس والخطف والتفجیر، تقوم کلها بدور الدعایة لکفاحهم. بالنسبة للإرهاب الذی یمیل إلأى الفوضى، فإن القیام بعمل عنف واحد یعمل من الدعایة فی یوم ما لا تستطیع فعله الملایین من المنشورات.

 مثل هذه الأفکار غریبة تماما على کل المشاعر الإنسانیة من الرحمة والعطف والتسامح، وهی منافیة کذلک لکل تعالیم القرآن، وقد تؤثر فقط فی المجتمعات التی تسیطر علیها أفکار ومعتقدات معادیة للدین. لهذا السبب، فإن الحل الوحید الذی یمکن أن ینقذ الإنسانیة من مثل هذا التفکیر الجاهل هو تطبیق تعالیم وأخلاقیات القرآن الکریم أسلوبا فی الحیاة.

 


" یری الإرهابیون أفعالهم المخربة وسائل للدعایة، ویسعون لنشر الخوف عن طریق قتل الأبریاء وتدمیر الممتلکات."


"وَاللهُ یَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَیَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ"   (یونس : 25)

أحکام الحرب فی القرآن

أحکام الحرب فی القرآن

طبقا لما ورد فی القرآن فإن الحرب أمر یضطر إلیه اضطرارا : "کُتِبَ عَلَیْکُمْ القِتَالُ وَهُوَ کرْهٌ لَکُمْ". ولا یجب أن نلجأ للحرب إلا فی حالة الضرورة القصوى، ومع ذلک یجب أن یراعى فیها الجوانب الإنسانیة والأخلاقیة.

وتوضح هذه الآیة أن الکافرین هم الذین یبدأون الحروب، ولکن الله عز وجل لا یریدها: "کُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ فَسَادًا وَالله لاَ یُحِبُُّ المُفْسِدِینَ"      
                                                                    (المائدة : 64)

فی حالة النزاع، وقبل إشعال فتیل الحرب، یجب أن یتأنى المؤمنون إلا إذا أصبح القتال هو الحل الوحید. وینبغی علیهم ألا ییدأوا الحرب إلا دفاعا عن أنفسهم وعندما یصبح القتال هو البدیل الوحید: "فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ"           (البقرة : 192)

عند النظر بتأمل دقیق فی حیاة رسول الله صلى الله علیه وسلم نلاحظ أن الحرب کانت لهدف الدفاع عن النفس فقط وفی الحالات التی لا یمکن تجنبها.
استمر نزول القرآن علی سیدنا محمد صلى الله علیه وسلم لمدة 23 عاما، وخلال الثلاثة عشر عاما الأولى، عاش المسلمون فی مکة أقلیة تحت وطأة ظلم المشرکین. وقد تعرض المسلمون فی ذلک الوقت للتعذیب والظلم وحتى القتل، وسلبت أملاکهم وطردوا من دیارهم. وعلى الرغم من هذا تحمل المسلمون واستمروا فی الدعوة إلى الله دون اللجوء إلى العنف.

 وعندما تصاعد الاضطهاد بشکل لا یطاق، هاجر المسلمون إلى "یثرب" التی سمیت بعد ذلک المدینة، حیث تمکنوا من تأسیس مجتمعهم الخاص فی بیئة من الود والحریة. وعندها لم یلجئوا إلى الحرب ضد مشرکی مکة إلا عندما أمرهم الرسول صلى الله علیه وسلم بالاستعداد لها:
 "أُذِنَ لِلِّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ * الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ یَقُولُوا رَبُّنَا الله"            (الحج : 39-40)

 


"مشهد حدیث للمدینة المنورة التی هاجر إلیها النبی صلى الله علیه وسلم وصحبه وأسسوا فیها دولتهم"

باختصار، أُذن للمسلمین بشن الحرب لأنهم تعرضوا للاضطهاد والظلم. وفی آیات أخرى یحذر الله المسلمین من اللجوء إلى العدوان:
 "وَقَاتِلُوا فِی سَبِیلِ الله الَّذِینَ یُقَاتِلُونَکُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ یُحِبُّ المُعْتَدِینَ" (البقرة : 190)

بعد نزول هذه الآیات، وقعت عدة حروب بین المسلمین والمشرکین. وعلى أیة حال، لم یکن المسلمون فی أی من هذه الحروب هم البادئون. وقد أسس الرسول صلى الله علیه وسلم بیئة اجتماعیة آمنة لکل من المسلمین والمشرکین على حد سواء عن طریق صلح الحدیبیة، وقد التزم فیه بجمیع الشروط، غیر أن المشرکین هم الذین انتهکوا هذا الاتفاق وبدأوا بالاعتداء.
وتغیرت الأمور وکون المسلمون جیشا عظیما دخلوا به مکة دون إراقة للدماء. ولو أراد علیه الصلاة والسلام أن ینتقم من المشرکین لاستطاع ولکنه عفا عنهم ولم یؤذ أحدا منهم وعاملهم بروح الصبر والرحمة.
یقول جون اسبوسیتو المستشرق الغربی، "عندما فتح محمد مکة تجنب الثار واستخدام السیف ضد أعدائه وآثر الرحمة والعفو"2
 
ونتیجة لموقف النبی علیه الصلاة والسلام تجاه المشرکین، اعتنق الکثیر منهم الإسلام بکامل حریتهم. ولم یحدث هذا خلال فتح مکة فقط، بل فی جمیع المعارک والفتوحات التی حدثت فی وقت النبی صلى الله علیه وسلم حرص المسلمون کل الحرص على حمایة حقوق الأبریاء والعزل.


"الکعبة التی یحج إلیها حوالی ملیونی مسلم کل عام من شتى أنحاء العالم ، هی رمز للسلام والتسامح وهما رکنان أساسیان فی الشریعة الإسلامیة"

دأب الرسول علیه الصلاة والسلام على حث المسلمین للتحلی بالرحمة والتسامح، وقد کان هو المثل والقدوة التى تحتذى. وقد خطب النبی علیه الصلاة والسلام فی المسلمین الخارجین للحربقائلا : "اخرجوا باسم الله فقاتلوا فی سبیل الله من کفر بالله ولا تغدروا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع"3
ووضع الرسول الأساسیات التی یجب أن یتبعها المسلم أثناء المعرکة قائلا:
 "لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شیخا کبیرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا وتحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعیرا ولا أهل الصوامع " 4

تتفق التعالیم التی ذکرها الله فی القرآن الکریم مع سیاسة الرسول صلى الله علیه وسلم التی تتمیز بالمسالمة، حیث یأمر الله فی القرآن المسلمین بمعاملة غیر المسلمین بالرحمة والعدل :
 "لاَ یَنْهَاکُمْ الله عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ المُقْسِطِینَ * إِنَّمَا یَنْهَاکُمْ اللهُ عَنِ الَّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَأَخْرَجُوکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِکُمْ"                    (الممتحنة : 8-9)

توضح الآیة السابقة کیف أن المسلم یعامل غیر المسلم بالحسنى وفی الوقت نفسه علیه أن یتجنب من یظهر العداوة للإسلام . وإذا تحولت تلک العداوة إلى حرب ضد المسلمین، فعلیهم أن یدافعوا عن أنفسهم مع الأخذ فی الاعتبار الحفاظ على الأبعاد الإنسانیة .
فالإسلام یحرم جمیع أشکال العنف والبربریة، ویحذّر الله المؤمنین من الوقوع فی الظلم بسبب ثورة مشاعرهم ضد أعدائهم:
 "یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِینَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلاَ یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ "    (المائدة : 8)


مفهوم الجهاد 

فی سیاق هذه المناقشة هناک مفهوم لابد أن یوضح وهو "الجهاد".
 تأتى کلمة "جهاد" من "جهد"، إذن الجهاد فی الإسلام یعنی أن تقوم بجهد أو تکافح لعمل شئ معین. وقد أوضح لنا الرسول صلى الله علیه وسلم أن "أعظم الجهاد جهاد النفس" ویعنی هنا محاربة الإنسان لنزواته ورغباته الأنانیة.
 ویوضح القرآن أنه یمکن أن یکون الجهاد على المستوى العقلی ضد أولئک الذین یضطهدون الناس ویظلمونهم وینتهکون حقوق الإنسان الشرعیة. والغرض من هذا الجهاد هو تحقیق العدالة والسلام والمساواة.
 فضلا عن هذه المعانی الأیدلوجیة والروحیة، فإن الکفاح على مستوی الإحساس الفیزیائی یسمی أیضا "جهادا". وعلى أیة حال، وکما أوضحنا سابقا، یجب أن یکون هذا الجهاد من أجل أهداف دفاعیة فقط. ومن الظلم إطلاق مفهوم الجهاد على الأعمال الإرهابیة ضد الأبریاء مما یشوه المعنى الحقیقی لهذه الکلمة.


تحریم الانتحار 

قضیة أخرى ظهرت على السطح إثر الاعتداءات الأخیرة على الولایات المتحدة الأمریکیة وهی "الهجمات الانتحاریة". فبعض الناس الذین شوهت أفکارهم عن الدین الإسلامی قد تأثروا تأثرا کبیرا بالتصریحات التی تدعی أن الإسلام یجیز الهجمات الانتحاریة، على الرغم من أنه دین سلام یحرم قتل الإنسان لنفسه أو للآخرین. وقد وضح لنا الله عز وجل فی القرآن الکریم أن الانتحار خطیئة وکبیرة من الکبائر  : "وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ"              (النساء : 29) .
 ویحرم الإسلام قتل الإنسان نفسه مهما کانت الأسباب أو الدوافع.
 ویحذرنا الرسول صلى الله علیه وسلم من ارتکاب تلک المعصیة قائلا : "من قتل نفسه بحدیدة فحدیدته فی یده یتوجأ بها فی بطنه فی نار جهنم خالدا مخلدا فیها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو یتحساه فی نار جهنم خالدا مخلدا فیها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو یتردى فی نار جهنم خالدا مخلدا فیها أبدا " 6
 
یبین لنا کل هذا أن الانتحار، أو تنفیذ هجمات انتحاریة تتسبب فی موت آلاف الأبریاء انتهاک لکل مبادئ الإسلام وتعالیمه.

 
"من أهم أسباب أعمال العنف، کالتفجیرات وإشعال الحرائق، هو خلق جو من القلق والخوف والرعب وعدم الطمأنینة بین الناس"

"وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ إِنَّ الله کَانَ بِکُمْ رَحِیمًا"  (النساء : 29)

یقول الله تعالى فی القرآن الکریم إن قتل الإنسان نفسه من أکبر الکبائر، لذلک فإنه من المحال على من یؤمن بالله ویلتزم بتعالیم القرآن اقتراف مثل هذه الخطیئة. أما الذین یقدمون على الانتحار مثل هؤلاء لا یدرکون المفاهیم الحقیقیة للدین، ولیس لدیهم فکرة عن مبادئ وتعالیم القرآن، والأکثر من ذلک أنهم یفشلون فی تحکیم عقولهم وضمائرهم بسبب وقوعهم تحت تأثیر المعتقدات الملحدة أو اندفاعهم وراء مشاعر الکراهیة والانتقام.

الرحمة والتسامح والإنسانیة فی تاریخ الإسلام

لکی نلخص الحقائق التی ناقشناها حتى الآن، یمکننا القول بأن الاتجاه السیاسی للإسلام، بمعنی آخر،(القواعد والمبادئ الإسلامیة المتعلقة بالأمور السیاسیة) هو اتجاه محب للسلم ومعتدل إلى أبعد الحدود. وقد اعترف العدید من علماء الأدیان والمؤرخین غیر المسلمین بهذه الحقیقة. وأحد هؤلاء المؤرخة البریطانیة کارین ارمسترونج، وهی راهبة سابقة وخبیرة فی تاریخ الشرق الأوسط. و فی کتابها "الحرب المقدسة" الذی یناقش تاریخ الأدیان الثلاثة المقدسة، ذکرت هذه الحقائق:
 "یرجع أصل کلمة "إسلام" فی اللغة العربیة إلى کلمة "سلام"، ویرفض القرآن الحرب باعتبارها حالة تتعارض مع إرادة الله. فالإسلام لا یجیز حرب الابادة الجماعیة، ولکن یعتبر الحرب فی بعض الأحیان واجبا حتمیا للقضاء على الظلم والمعاناة.  ومع ذلک یوضح القرآن الکریم أنه یجب أن تکون هذه الحرب محدودة وأن تدار بأسلوب إنسانی بقدر الإمکان. وقد کان نبینا علیه الصلاة والسلام یقاتل لیس فقط المشرکین فی مکة ولکن أیضا القبائل الیهودیة فی مکة والقبائل المسیحیة فی سوریا التی تحالفت مع الیهود وخططت للهجوم على الرسول علیه الصلاة والسلام.
ولکن هذا لا یجعل من النبی عدوا لأهل الکتاب. فقد أجبر المسلمون على القتال دفاعا عن أنفسهم ولکنهم لم یقودوا حربا مقدسة ضد دین أعدائهم. وعندما أرسل محمد صلى الله علیه وسلم "زید ابن حارثة "  على رأس جیش المسلمین لمحاربة المسیحیین، أوصاهم أن یحاربوا بشجاعة ولکن بإنسانیة، وأن یتجنبوا إیذاء القساوسة والرهبان والضعفاء والعاجزین من الناس عن القتال، وأن لا یقتلوا المدنیین ولا یقطعوا الزرع ولا یهدموا البیوت" 6 .

بعد وفاة النبی صلى الله علیه وسلم، حرص الخلیفة أبو بکر الصدیق الذی تولی أمر المسلمین على تطبیق العدالة، حتى أن المسلمین عاشوا مع سکان البلاد التی فتحوها مع السکان الوافدین فی أمن وسلام. فقد طالب أبو بکر الصدیق من ولاهم على هذه البلاد أن یحکموا بالعدل والرحمة. وکانت کل هذه المواقف إذعانا واتباعا لتعالیم القرآن. قبل الحملة الأولى على بلاد الشام وجه أبو بکر عدة وصایا لیزید بن أبی سفیان قائلا:
 "وإنی لموصیک بعشر، لا تقتلن امرأة ولا صبیا ولا کبیرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعیرا إلا لمأکله ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه ولا تغلل ولا تجبن "7

وقد کان عمر ابن الخطاب، الخلیفة الثانی للمسلمین بعد أبی بکر، مشهورا بعدالته. وعقد العدید من الاتفاقیات مع السکان الأصلیین للبلدان التی فتحها المسلمون. وکل واحدة من هذه الاتفاقیات تبرهن على عدالته وتسامحه. فعلى سبیل المثال، فقد ضمن الحمایة للمسیحیین فی القدس، ومنع هدم الکنائس ومنع المسلمون من الصلاة داخلها .
وقد ضمن عمر ابن الخطاب الحمایة نفسها للمسیحیین فی بیت لحم حیث أعطی وعدا للبطریرک صفرونیوس عام (650 – 660) بأن الکنائس لن تهدم أو تحول لدور أو جوامع . والرسالة التی کتبها البطریرک لأسقف بلاد الفرس توضح وتشرح مدی تسامح ورحمة المسلمین بأهل الکتاب :
 "إن العرب الذین وهبهم الله حکم العالم الیوم، لا یضطهدون المسیحیة، بل یحترمون هذا الدین ویوقرون القساوسة والقدیسین ویحمون الکنائس والأدیرة ."8
 
توضح کل هذه الأمثلة الهامة تفهم المسلمون للمعنى الحقیقی للعدالة والتسامح . ومن أوامر الله سبحانه وتعالى فی القرآن الکریم :
 "إِنَّ الله یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَکَمْتُمْ بَیْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا یَعِظُکُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ کَاَن سَمِیعًا بَصِیرًا "                        (النساء : 58)

الراهب تایلور، واحد من أعضاء بعثة الکنیسة الإنجیلیة، وصف فی أحد خطاباته جمال المبادئ الإسلامیة وأخلاقیاتها قائلا:
 "لقد وضع الإسلام القواعد الأساسیة للدین وهی وحدانیة وعظمة الله الرحیم الذی یدعو لطاعته والتوبة والإیمان. وقد حدد مسئولیة الإنسان التی سیحاسب علیها یوم الدین وهی أن یبتعد عن ارتکاب المعاصی ویؤدی ما علیه من واجبات الصلاة والزکاة والصیام والصدقة، وأن یتجنب الریاء والنفاق والجدال فی الدین، وقد أعطى هذا الدین الأمل للبشریة وحدد الملامح الأساسیة للطبیعة الإنسانیة ."9


"القدس التی حکمها المسلمون لفترات طویلة من الزمن، تعانی الآن من الحرب والصراع بدلا من الأمن والتسامح "

وقد کذب الباحثون الغربیون بقولهم بأن الإسلام انتشر بحد السیف فی البلدان التی فتحها المسلمون بل أکدوا على عدالة وتسامح المسلمین فی هذه البلاد، ومنهم الباحث الغربی "براون" الذی علق على هذه القضیة قائلا:
 "هذه الفکرة الراسخة بأن المسلمین أجبروا الناس على اعتناق الإسلام بحد السیف
 ما هی إلا أفکار نشرها الکتاب المسیحیون "ویستمر "براون" قائلا فی کتابه "تطلعات الإسلام" "إن الهدف الحقیقی وراء فتوحات المسلمین کان إخاء الإسلام . فالحکام الذین حکموا البلاد المسلمة علی مدی التاریخ کانوا یعاملون أصحاب الدیانات الأخرى بکل تسامح واحترام. وفی داخل حدود هذه الدول الإسلامیة عاش کل من المسیحیین والیهود فی أمان متمتعین بالحریة الکاملة "10
 
البروفیسور "جون اسبوسیتو" ، أستاذ الدین والعلاقات الدولیة بجامعة جورج تاون ، شرح مدی التسامح الذی وجده الیهود والمسیحیون فی ظل الحکم الإسلامی:
 "برهنت الجیوش المسلمة علی قدرتها الهائلة على فتح البلاد والحکم الفعال وأنها تبنی ولا تدمر. فقد احتلوا مکان الحکام والجیوش الأصلیة للبلدان المفتوحة مع الحفاظ على الکثیر من موظفیهم وسیاستهم وثقافتهم. وفی العدید من المناطق المفتوحة لم یتجاوز الأمر أکثر من تبدیل الحاکم من أجل تهدئة الناس البائسة والثائرة من الضرائب التی فرضها هؤلاء الحکام خلال سنوات الحرب الفارسیة البیزنطیة . وخلال الحکم الإسلامی کانت الجماعات المحلیة تمارس حیاتها وشئونها الداخلیة بطریقتها الخاصة وبحریة تامة . وبکل المعانی فقد وجد السکان الاصلیون مرونة وتسامحا من الحکام المسلمین لم یعهدوهما فی البیزنطیین أو الفرس.أما الجماعات الدینیة فکانت تمارس عقائدها بمنتهى الحریة وقد حکمها زعمائها بقوانینهم الخاصة والمتعلقة بأمور الحیاة مثل الزواج والطلاق والمیراث . وفی المقابل طلب منهم دفع الجزیة کضریبة لحمایتهم والدفاع عنهم وإعفائهم من الخدمة العسکریة .
وقد نتج عن ذلک ضرائب أقل ، وحکم ذاتی محلی، ومزیدا من الحریة الدینیة للیهود والأهالی والمسیحیین، وحکمهم السامیین الذین هم اقرب إلیهم من حیث اللغة والثقافة اکثر من الإغریق، وهم نخبة کاثولیک بیزنطة .
اضطهد الأرثوذکس المسیحیون الأقباط و معظم الکنائس المسیحیة باعتبارهم زنادقة. لهذا السبب ساعد کل من المسیحیین والیهود الجیوش المهاجمة باعتبارها أقل ظلما من سادتهم الأباطرة. وحقیقة فقد کونت تلک الفتوحات قبلة إسلامیة فی المناطق المنیعة المحصنة ."11

کفل الإسلام حقوق النساء، تلک الفئة التی انتهکت حقوقها کثیرا قبل الإسلام. وقد علق "بیرنارد لویس"، وهو واحد من أهم الخبراء الغربیین فی الشرق الأوسط ، قائلا :
 "بوجه عام، تحسنت أحوال المرأة بظهور الإسلام وانتشاره فی البلدان العربیة . حیث وهبهم حقوق الملکیة إلى جانب بعض الحقوق الأخرى. وکفل لهم الحمایة من سوء معاملة الأزواج وأولیاء الأمور. وقد منع الإسلام وأد البنات الذی کان منتشرا فی جزیرة العرب عند المشرکین . ومن ناحیة أخرى لم یتحسن وضع النساء فی نواحی أخرى منذ أن فقدت رسالة الإسلام دوافعها وتأثرت بالعادات والتقالید الاجتماعیة التی وضعها البشر ."12 "

تمیز عهد السلاجقة الأتراک وعهد العثمانیین بالعدل والتسامح، وکان للإسلام الفضل فی ذلک. یوضح الباحث البریطانی "توماس أرنولد" فی کتابه "انتشار الإسلام فی العالم" رغبة المسیحیین فی خضوعهم لحکم السلاجقة الأتراک للأسباب التالیة:
 "الإحساس بالأمن فی ظل الحکم الإسلامی جعل مسیحیی آسیا الصغرى یرحبون بحکم السلاجقة  الأتراک المسلمین. وفی عهد "مایکل الثامن" (1261 1282) طلب الأهالی من الأتراک أخذ ملکیة المدن الصغیرة وذلک هربا من استبداد الإمبراطوریة، وعندها هاجر الأغنیاء والفقراء إلى المناطق التی تقع تحت حکم وسیادة الأتراک المسلمین. "13

وقد تقرب مالک شاه، حاکم إمبراطوریة السلاجقة خلال أوج ازدهارها من سکان البلاد المفتوحة بواسطة التسامح والرحمة، ولذلک فقد ذکروه وتحدثوا عنه بکل الحب والاحترام. ویشیر جمیع المؤرخین المحایدین فی أبحاثهم إلى عدالة هذا الشاه وتسامحه. وقد امتلأت قلوب أهل الکتاب بالحب والود تجاه هذا الحاکم. ولهذا السبب فقد خضعت العدید من المدن لحکم الشاه مالک بإرادتها الحرة، وهذا ما یندر وقوعه هبر التاریخ.

وقد ذکر القس "اودو دی دیوجیلو" الذی شارک فی الحملة الصلیبیة الثانیة بصفته القس الخاص بلویس السابع، ذکر فی مذکراته التعامل الذی أظهره المسلمون تجاه الآخرین بغض النظر عن الدین أو العقیدة.
واستنادا إلى مذکرات "أودو دی دیوجیلو"، کتب توماس أرنولد:


"اندهش العدید من المسیحیین من التسامح والعطف الذی أظهره المسلمون حتى فی ساحة المعرکة. حتى انهم أظهروا إعجابهم بسیرتهم. ونرى فی هذه الصورة تدشین الحملة الصلیبیة الثانیة بواسطة لویس السابع".

"أما حالة الناجین من الحرب فقد کانت بائسة جدا. وتأثر المسلمون لحالتهم وأظهروا نحوهم الرحمة والشفقة. فقد خدموا مرضاهم وأطعموا الفقراء والمساکین منهم وعاملوهم بتسامح وکرم. وعندما حصل المسلمون على الأموال التی استولى علیها الیونانیون من المهاجرین بالقهر والخداع وزعوها على المحتاجین. ومما یثیر العجب التناقض فی المعاملة، فقد عامل المسلمون هؤلاء المهاجرین معاملة ملؤها الرحمة والشفقة، بینما لم یجدوا من إخوانهم فی الدین سوى القسوة والغلظة. فالیونانیون هم الذین أجبروهم على العمل بالقوة وعذبوهم واستولوا حتى على القلیل الذی یملکونه. وهکذا اعتنق العدید من هؤلاء المهاجرین الإسلام بکامل حریتهم وإرادتهم.
ویقول "أودو دی دیوجیلو" فی مذکراته: "نفروا من إخوانهم فی الدین الذین أظهروا القسوة نحوهم وانضموا إلى الکفرة الذین عاملوهم بالرحمة (یقصد المسلمین) . وکما سمعنا فإن أکثر من ثلاثة آلاف شخص لحقوا بالأتراک عندما تراجعوا "14  

تکشف أقوال واعترافات المؤرخین أخلاق الحکام المسلمین الذین تبنوا المبادئ الأخلاقیة الحقیقیة للإسلام وحکموا بالتسامح والرحمة والعدل. وبنفس الطریقة، فقد ذکر التاریخ الدولة العثمانیة التی حکمت فی ثلاث قارات لعدة قرون، وهناک العدید من شواهد التسامح والرحمة فی حکمهم.
إن الطریقة التی استقبل بها الیهود فی الدولة العثمانیة  خلال حکم السلطان بایزید الثانی، وذلک بعد تعرضهم للذبح والنفی على ید الملوک الکاثولیک فی أسبانیا والبرتغال، هی أحسن مثال على رحمة الإسلام وعظمته.
فقد تعرض الیهود الذین عاشوا فی ظل الحکم الإسبانی فی الأندلس فی فترات سابقة إلى ظلم لا یحتمل من الملوک الکاثولیک الذین حکموا مناطق عدیدة من أسبانیا.  بینما کان من الممکن أن یعیش کل من المسلمین والمسیحیین والیهود جنبا إلى جنب فی سلام، وبالرغم من ذلک فقد أجبر الملوک الکاثولیک السکان على اعتناق المسیحیة وأعلنوا الحرب على المسلمین واضطهدوا الیهود أیضا.
ونتیجة لذلک فقد أزیح الحکم الإسلامی من آخر منطقة وهی غرناطة فی جنوب أسبانیا عام 1492 م ، وتعرض المسلمون لمذابح مروعة ونفی الیهود الذین رفضوا تغییر دینهم.



"انتهی حکم المسلمین فی أسبانیا عام 1492 عندما دخلت جیوش الملک فرناند والملکة ایزابیلا إلى غرناطة. وتوضح هذه الصورة استسلام المدینة."

طلب مجموعة من الیهود المشردین بلا وطن اللجوء إلى الإمبراطوریة العثمانیة، فسمحت لهم بذلک. وقد أحضر الأسطول العثمانی بقیادة کمال ریس الیهود المنفیین والمسلمین الذین تعرضوا للمذابح إلى الأراضی العثمانیة.

 وقد ذکر التاریخ أن السلطان بایزید الثانی من أکثر حکام آل عثمان تقوى وورعا. وفی ربیع عام 1492 استقر الیهود الذین ظلموا وطردوا من أسبانیا فی أجزاء من الدولة مثل "أدرنه" و"سالوینکا" التی توجد حالیا فی الیونان. والغالبیة العظمى من الخمسة وعشرین ألف یهودی الذین یعیشون فی ترکیا الآن هم أحفاد هؤلاء الیهود الأسبان. وقد تکیفوا بدینهم وعادتهم التی جلبوها معهم من أسبانیا منذ حوالی 500 عام مع واقع الحیاة الترکیة، ومارسوا العبادة بکل حریة وأمان، ولهم مدارسهم ومستشفیاتهم وجمعیاتهم ودور العجزة الخاصة بهم. ومنهم أیضا التجار ورجال الأعمال ویوجد من یمثلهم فی کل مهنة بدایة سواء فی المجالات التقنیة أو فی الدوائر الثقافیة .


"کان السلطان بایزید الثانی الحاکم المسلم قد رحب بالیهود الذین هربوا من الاضطهاد الأسبانی وکفل لهم حریة العبادة على الأرض المسلمة."

عاشت الجماعات الیهودیة فی خوف من الهجمات ضد السامیة فی البلاد الأوربیة ولعدة قرون، بینما عاشوا فی ترکیا بأمن وسلام . ویکفی هذا المثال وحده لإثبات التسامح والعدل الّذیْن أوصى بهما الإسلام.
الرحمة والتسامح والأخلاق الکریمة التی أظهرها السلطان بایزید الثانی تمیز جمیع السلاطین العثمانیین. فعندما فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطینیة سمح للیهود والمسیحیین بالعیش  بحریة تامة.
 
کتب "اندر میکول" صاحب العدید من الأعمال القیمة، عن فضائل الإسلام قائلا:
 "وقد عاشت الجماعات المسیحیة تحت حکم عادل لم تتمتع به خلال الحکم البیزنطی اللاتینی، بل إنهم تعرضوا للاضطهاد على ید إخوانهم. وفی المقابل أصبحت الإمبراطوریة العثمانیة وخاصة اسطنبول مأوى للیهود الأسبان المضطهدین. ولم یجبر الناس على اعتناق الإسلام، ولکن انتشار الإسلام جاء نتیجة طبیعیة للتطورات الاجتماعیة ."15  

وکما یتضح من هذه الحقائق، لم یکن المسلون ظالمین فی أی فترة من فترات التاریخ . بل إنهم رسخوا قیم السلام أینما ذهبوا مع کل البلاد والعقائد وسلکوا سلوکا طیبا تجاه کل الناس، والتزموا بقول الله تعالى:
 "وَاعْبُدُوا الله وَلاَ تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئًا وَبِالوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا وَبِذِی القُرْبَى وَالْیَتَامى وَالمَسَاکِین وَالجَارِ ذِی القُربَى وَالجَارِ الجَنْبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابنِ السَّبِیلِ وَمَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ إِنَّ الله لاَ یُحِبُّ مَنْ کَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا "                                              (النساء : 36)


"کان فتح السلطان محمد الفاتح لاسطنبول عهدا جدیدا یتمیز بالحریة للیهود والمسیحیین الذین تعرضوا للظلم عدة قرون على ید الحکام الرومان والبیزنطیین."


وباختصار فإنّ الصداقة والأخوة والسلام والحب هی القواعد الأساسیة للمبادئ والأخلاقیات القرآنیة التی یحاول المسلمون التمسک بها.

(لمزید من التفاصیل انظر: کتاب هارون یحیى "العدل والتسامح فی القرآن" )



"منح السلطان محمد الفاتح العدید من الامتیازات للبطریرک، فقد تمتع بالاستقلال لأول مرة فی التاریخ وذلک تحت الحکم الترکی. ونرى فی الصورة السلطان محمد الفاتح یستقبل البطریرک. "


"الَّذِینَ آمَنُوا وَلَمْ یلْبِسُوا إِیمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِکَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ "  (الأنعام : 82)

أخلاق الإسلام: مصدر الأمن والأمان

أخلاق الإسلام: مصدر الأمن والأمان

إن بعض الأشخاص الذین یقومون بهذه الأفعال باسم الدین هم فی الحقیقة یسیئون فهم الدین وبالتالی یمارسونه بالطریقة الخاطئة. وسیکون من الخطأ أن نبنی فکرتنا عن الدین معتبرین هؤلاء الأشخاص مثالا له، فاحسن طریقة لفهم الدین هی دراسته من مصادره الصحیحة.
 فالمصدر الإلهی للإسلام هو القرآن الکریم الذی یرتکز على المفاهیم الأخلاقیة والحب والرحمة والتواضع والتضحیة والتسامح والسلام. فالمسلم الذی یعیش بهذه المبادئ بمفهومها الحقیقی سوف یکون أکثر تأدبا وأرق مشاعر وأکثر تواضعا وجدیرا بالثقة والعشرة وسوف ینشر حوله الحب والاحترام والألفة وجمال الحیاة.

الإسلام دین السلام

الإرهاب بمفهومه العام، هو العنف المرتکب ضد أهداف غیر مسلحة لأغراض سیاسیة. وبمعنى آخر، فأهداف الإرهاب هم المدنیون الأبریاء والذین یمثلون فی نظر الإرهابیین ”الطرف الآخر“، وهذه هی جریمتهم الوحیدة.
ولهذا السبب فان وسیلة الإرهاب هی تعریض الأبریاء للعنف، وهی وسیلة تخلو من أی تبریر أخلاقی. ومثال علی هذا جرائم القتل التی ارتکبها هتلر وستالین ضد الإنسانیة .


" هدف الإرهابیین هو خلق عالم من العنف والصراع والفوضى والخوف "


" إن المجتمع الذی تشیع فیه القیم الأخلاقیة الإسلامیة هو مجتمع یتمیز بالسلام والتسامح والحب والرحمة والتعاون المتبادل والفرح"

 

أنزل الله القرآن لیهدی به الناس إلى سواء السبیل وفیه یأمر الله الناس بالتحلی بمکارم الأخلاق. وهذه الأخلاقیات ترکز على مبادئ مثل الحب والرحمة والتسامح. وفی اللغة العربیة تشتق کلمة "إسلام" من کلمة "سلام".

أرسل الله الإسلام إلى البشریة بهدف نشر السلام على وجه الأرض، وهو أحد مظاهر رحمة الله بعباده. یدعو الله الناس إلى التحلی بأخلاقیات الإسلام من خلال الرحمة والسلام والتسامح. قال الله تعالی :
 " یَا أیَهُّاَ الذِینَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِی السَّلْمِ کَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّیْطَانِ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ "
                                                                         (البقرة : 208)

وکما یتضح من الآیة الکریمة، فالأمن یتحقق بالدخول فی الإسلام والعیش وفق أخلاق الإسلام.
فأخلاق القرآن وقیمه یحددان مسئولیه المسلم فی تعامله مع الآخرین بالرحمة والعدل، سواء کانوا علی دین الإسلام أو على غیره من الأدیان. ویدعو إلى حمایة الفقراء والأبریاء ومنع الأذى عن الآخرین.
والمقصود بالأذى کل أنواع الفوضى والإرهاب التی تتسبب فی غیاب الأمن والراحة والسکینة. وکما قال الله عز وجل :  " وَالله لاَ یُحِبُّ الفَسَادَ "     (البقرة : 205)

 

وقتل إنسان بدون ذنب من أکبر أنواع الفساد. ونذکر هنا أمر الله للیهود فی القران:
 " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادْ فِی الأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعًا "
                                                        (المائدة : 32)

  وکما تقول الآیة فمن یقتل إنسانا واحدا بدون ذنب أو تسبب فی الفساد فی الأرض، فکأنه قتل جمیع الناس.

وهکذا یتضح لنا أن ذنب قتل الآخرین وترویعهم والذی یعرف باسم "الهجمات الانتحاریة" لا یقترفه إلا الإرهابیون. ویخبرنا الله عن عقاب هؤلاء فی الآخرة قائلا:
 "إنَِّمَا السَّبِیلُ عَلَى الَّذِینَ یَظْلِمُونَ النَّّاسَ وَیَبٍغُونَ فِی الأَرْضِ بِغَیْرِ الحَقِّ أُولَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ "
                                                        (الشورى : 42)

 

"مَنْ قَتلَ نَفْسًا بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعًا"
  ( المائدة : 32)

کل هذا یبین لنا أن أعمال الإرهاب التی تنظم ضد الأبریاء هی أیضا ضد الإسلام، ولا یستطیع أی مسلم ارتکاب مثل هذه الجرائم. بل على العکس، فالمسلمون مسئولون عن إیقاف هؤلاء الإرهابیین والقضاء على الفساد ونشر الأمن والأمان فی الأرض. فالإسلام لا یتفق أبدا مع الإرهاب، بل هو الحل والسبیل لمنعه.

الله یلعن المفسدین 

لقد حرم الله على الناس ارتکاب الشر مثل الظلم والعنف والقتل وسفک الدماء. ویصف الذین لا یتبعون أوامره بکونهم من ”أتباع الشیطان“. وقد وصف الله هؤلاء فی العدید من آیات القران منها:

  "وَالذِینَ یَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِیثَاقِهِ وَیَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أْنْ یُوصَلَ وَیُفْسِدُونَ فِی الأَرْضِ أُولَئَِکَ لَهُم اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءَ الدَّارِ"                                                  (الرعد : 25)
"کُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ الله وَلاَ تَعْثَوْا فِی الأَرْضِ مُفْسِدِینَ"                 (البقرة : 60)

"وَلاَ تُفْسِدُوا فِی الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِیبٌ مِنَ المُحْْسِنِینَ"
                                                                            (الأعراف : 56)

وهؤلاء الذین یعتقدون انهم ینجحون عن طریق الأذى والثورة والاضطهاد وقتل الأبریاء یرتکبون ذنبا کبیرا.  فقد حرم الله جمیع أشکال الشر ومنها الإرهاب والعنف ویدین الذین یرتکبون هذه الجرائم بقوله:
 "إِنَّ الله لاَ یُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِینَ"           (یونس : 81)



"من الواضح أن هناک أسبابا عدیدة للإرهاب الذی أودى بحیاة مئات الآلاف من الأبریاء. وهؤلاء الذین یرتکبون هذه الأفعال لا یخافون الله . وهم بعیدون کل البعد عن مبادئ الدین  وأخلاقیاته"

فی هذه الأیام،  تحدث أعمال الإرهاب والإبادة الجماعیة والمذابح فی کل مکان فی العالم، ویقتل الأبریاء بشکل وحشی فی العدید من بلدان العالم حیث تتصارع جماعات فیما بینها لأسباب عرقیة وعصبیة. هذا الرعب الذی ینتشر فی جمیع بلدان العالم یختلف باختلاف الزمن والثقافة والحیاة الاجتماعیة وکل حدث له أسبابه ومصادره الخاصة.

ومهما یکن من أمر، فمن الواضح أن السبب الأساسی المحرک لمثل هذه الأفعال بعید کل البعد عن تعالیم القران الکریم  وتوجیهاته المرتکزة على الحب والاحترام والتسامح. وکنتیجة لغیاب الدین، فان مثل هذه الجماعات لا تخاف الله ولا یؤمن أفرادها بالحساب ولا بالآخرة وعقیدتهم أنّ "أحدا لن یحاسبهم"، ولذلک فهم یتصرفون بلا مبالاة دون شفقة أو رحمة أو ضمیر.

هؤلاء الذین یقومون بمثل هذه الأعمال الإرهابیة باسم الدین هم فی الحقیقة منافقون، یرتکبون إثما نهى الله تعالى عنه. وقد اخبرنا الله فی القرآن الکریم عن عصابة مکونه من تسعة رجال خططوا لقتل النبی علیه الصلاة والسلام متعاهدین باسم الله، قال الله عنهم:
 
" وَکاَنَ فِی المَدِینَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ یُفْسِدُونَ فِی الأرْضِ وَلاَ یُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَیَِتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِیِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِکَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَکَرُوا مَکْرًا وَمَکَرْنَا مَکْرًا وَهُمْ لاَ یَشْعُرُونَ " 
                                                                         (النمل : 48 – 50)
وکما تبین هذه الحادثة المذکورة فی القرآن الکریم فإنّ الإرهابیین الذین یقومون بأفعالهم تحت اسم الله وقسمه، هم فی الحقیقة لیسوا متدینین بل یستخدمون هذه التعابیر لکی یضفوا علی أنفسهم الصبغة الدینیة، ولکن الحقیقة هی أن أفعالهم ونوایاهم مخالفة لما أرادة الله وهی ضد مبادئ الدین. وحقیقة ما یؤمنون به تظهر فی أعمالهم، فأفعالهم تکون سببا فی الفساد والبعد عن الحق. فمما لا شک فیه أن هؤلاء الأشخاص لا یمتون بصلة إلى الدین وأهدافهم لا تخدمه من قریب أو من بعید.

إن من یخشى الله تعالى لا یمکن بأی حال من الأحوال أن یشارک فی أعمال العنف. لذلک فإن الحل الحقیقی  للقضاء على الإرهاب هو الإسلام. وعندما تنتشر المبادئ والأخلاقیات الرفیعة الموجودة فی القرآن یکون من المستحیل أن یربط الناس بین الإسلام الحقیقی وهذه المجموعات التی تزرع الکراهیة والحرب والفوضى. وذلک لأن الله حرم الإفساد قائلا:

"وَإِذَا تَوَلَّی سَعَى فِی الأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیهَا وَیُهْلِکَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله لاَ یُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَاد "                                  (البقرة : 205 – 206) 

وکما جاء فی الآیة السابقة فالمؤمن لا یغض بصره حتى عن أصغر الأفعال التی تؤذی الآخرین. أما هؤلاء الذین لا یؤمنون بالله والآخرة فیفعلون وبلا تردد کل الشرور والآثام ویعتقدون أن أحدا لن یحاسبهم.

مسئولیة المؤمنین

إنّ الذین لا یعیرون اهتماما لمثل هذه الأحداث لأنها لا تؤثر علیهم تأثیرا مباشرا، إنما یفتقدون إلى  البصیرة والحکمة، ولقد وهب الله تعالى الناس نعما عظیمة تتمثل فی مشاعر الإیثار والاخوة والصداقة والتواضع وعلیهم ان یتخلصوا من أنانیتهم.
یحاول مثل هؤلاء الناس إرضاء أنانیتهم بکل الوسائل الممکنة دون أی اکتراث بالخطر الذی یهدد الإنسانیة. ومن ناحیة أخرى، یمدح الله فی القرآن هؤلاء الذین یجاهدون من أجل حیاة أفضل لهم ولغیرهم ویهتمون بما یدور حولهم من أمور ویدعون الناس للطریق الصحیح. ویشیر القرآن الکریم إلى هؤلاء الذین لا یأبهون بالآخرین ولا یریدون لهم الخیر، ویشیر کذلک إلى أولئک الذین یسعون فی طریق الخیر والصلاح:

"وَضَرَبَ الله مَثَلاً رَجُلَیْنِ أَحَدُهُمَا أَبْکَمُ لاَ یَقْدِرُ عَلَى شَیْءٍ وَهُوَ کَلٌّ عَلَى مَوْلاَه أَیْنَمَا یُوَجِّهُهُ لاَ یَأْتِی بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَمَنْ یَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ"           (النحل : 76)

وکما تشیر الآیة إلى الذین هم "على صراط مستقیم" یخلصون لدینهم ویخافون ربهم ویأخذون القیم الروحیة فی اعتبارهم ویتلهفون لخدمة الناس. وعموما فقد سخر الله مثل هؤلاء الناس لخدمة الإنسانیة وتحقیق فوائد عظیمة للبشریة. لذلک فانه من الضروری أن یتبع الناس الدین الحقیقی ویعیشون فی ظل توجیهات القرآن الکریم الذی هو آخر کتب الله . ویعرف الله فی القرآن هؤلاء الذین یعیشون فی ظل أخلاقیاته قائلا: "الذِینَ إِنْ مَکَّنَّاهُمْ فِی الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتوا الزَّکَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْکَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ"                                                              
      (الحج : 41)

إن أول ما یجب فعله الیوم لکی نخلص العالم من سوط الإرهاب المسلط على الجمیع هو اعتماد التربیة للتخلص من الأفکار الشاذة البعیدة عن الدین والتی تُقدم باسمه، وأن نعلم الناس مبادئ وأخلاقیات القرآن الحقیقیة وآن نخاف الله ونخشاه.

الله یأمر بفعل الخیر 

المسلم إنسان یلتزم بأوامر الله ویحاول جاهدا أن یعیش فی ظل تعالیم القرآن فی ود وسلام ، مما یجعل من العالم مکانا أکثر جمالا وأمانا. وهدف المسلم هو إرشاد الناس للجمال والصلاح والخیر کما جاء فی القرآن تاکریم:
 "وأحْسِنْ کَمَا أ        َحْسَنَ اللهُ إِلَیْکَ وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فِی الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ یُحِبُّ المُفْسِدِینَ"     (القصص : 77)


"أولئک الذین یهددون حیاة الأبریاء وخاصة الأطفال منهم، یجب أن یسألوا أنفسهم، أی ذنب جناه هؤلاء الأطفال ؟ ألن یحاسبهم الله عما یرتکبونه ضد الأبریاء ؟؟"


یسعى المسلم جاهدا لکسب رضا الله ورحمته لیدخله جنته. لذلک فهو یتصرف بقدر استطاعته بما یرضی الله ما دام حیا. ومن أکثر مظاهر السلوک الأخلاقی وضوحا هی الشفقة والرحمة والعدل والأمانة والتسامح والتواضع والتضحیة والصبر. والمسلم الحقیقی یعامل الناس بالحسنى ویحاول أن یفعل الخیر وینشره. ویأمر الله المؤمنین فی آیاته قائلا: " وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا إِلاَّ بِالحَقِّ وَإنَّ السَّاعَةَ لآتِیَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الجَمِیلَ"         (الحجر : 85)

               

"وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِکُواْ بِهِ شَیْئاً وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَاناً وَبِذِی الْقُرْبَى وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَالْجَارِ ذِی الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِیلِ وَمَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ یُحِبُّ مَن کَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً"     (النساء : 36)

" وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِیدُ العِقَابِ"
                                                                                  ( المائدة : 2)


" من أهم تعالیم الإسلام : الحب والرحمة والتعاون والتضحیة والتسامح والمغفرة. ومن المحال أن یوجد العنف والإرهاب فی مجتمع یتحلى بتلک المبادئ والأخلاقیات".

وکما توضح هذه الآیة فإن الله یطلب من المؤمن أن یکون بارّا بأخیه المؤمن، ویطلب منه أن یکون محبا  لفعل الخیرات وتجنب الشرور والمعاصی . ویعد الله المحسنین قائلا :

 " مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشَرَةُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّیِّئَةِ فَلاَ یُجْزى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ یُظْلَمُونَ"
                                                                            (الأنعام : 160)

ویصف الله نفسه فی کتابه قائلا "یعلم ما تخفی الصدور" ویحذر سبحانه الناس من غضبه حتى یتجنبوا المعاصی . فالمسلم الذی سلم نفسه لله یجب أن یفعل ما بوسعه لمحاربة الإرهاب.

المسلم لا یقف موقف المتفرج مما یدور حوله حتى وإن لم یصبه ضرر وذلک لأنه قد سلم أمره ونفسه لله تعالى. إنه سفیر الخیر، فهو لا یستطیع أن یقف فی الحیاد إزاء ما یقع من العنف والإرهاب، بل على العکس، المسلم هو العدو الأول للإرهاب ، هذا الإرهاب الذی یقتل الأبریاء دونما ذنب ارتکبوه. فالإسلام ضد کل أنواع العنف بل ویحاول منعه قبل أن یبدأ. بمعنی آخر، یدعو الإسلام إلى أن یسود السلام والعدل بین الناس ویأمرهم أن یتجنبوا التنازع والتقاتل.

الله یأمر بالعدل

وصف القرآن العدل الحقیقی وأمرنا به، فالعدل ألا نفاضل بین الناس وأن نحمی حقوقهم ، وأن لا نجیز عنفا أبدا مهما کانت الظروف وأن نقف إلى جانب الضعیف ضد الظالم ونساعد المحتاج.
یتطلب العدل حمایة حقوق کل الأطراف عند التوصل لقرار لحل النزاع، وتحلیل کل مظاهر الحدث، والتخلی عن کل الأحقاد. وینبغی على المرء إزاء کل ذلک أن یکون موضوعیا، صادقا ، متسامحا، رحیما وعطوفا. فعلى سبیل المثال ، الشخص الذی لا یستطیع أن یکون محایدا فی تحلیل الأحداث ویتذبذب بمشاعره وعواطفه سیبقی تحت تأثیر هذه المشاعر ویفشل فی الوصول إلى القرار الصحیح.

علی أیة حال من یحکم بالعدل علیه أن یضع کل مشاعره وآرائه الشخصیة جانبا ویعامل کل الأطراف بالعدل، وفی النهایة ینحاز للحق مهما کانت الظروف، ولا یبتعد أبدا عن طریق الأمانة والصدق. ویجب أن یتقمص الشخص روح القرآن لکی یراعی مصالح الآخرین قبل مصلحته الشخصیة حتى وأن لحق به الضرر حفاظا على العدل .

"وَإِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ المُقْسِطِینَ"     (المائدة : 42)
وفی سورة النساء یأمر الله المؤمنین بالعدل حتى وإن کان على حساب النفس:
"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِکُمْ أَوِ الْوَالِدَیْنِ وَالأَقْرَبِینَ إِن یَکُنْ غَنِیّاً أَوْ فَقَیراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیراً"                            (النساء : 135)

یصف الله العدل فی القرآن وصفا دقیقا ویخبر المؤمنین بالموقف الذی یجب أن یتبنوه فی مواجهة الأحداث والطرق التی یتوجب اتباعها للوصول إلى العدل . مثل هذا التوجیه یسر للمؤمنین ورحمة من الله عز وجل.
ولذلک فان المسلم مطالب بممارسة العد دون انحیاز وذلک لکسب رضا الله والعیش فی سلام وأمان .

إن الله العادل یأمر فی قرآنه بالعدل والمساواة بین الناس دون تمییز على أساس اللغة أو الجنس أو العرق أو الدین، فالعدالة فی القرآن لا تتغیر بتغیر المکان ولا الزمان ولا الأشخاص. وحتى یومنا هذا نجد أن کثیرا من الناس فی أماکن کثیرة یتعرضون للظلم والمعاملة القاسیة فقط بسبب لونهم أو جنسهم.
یخبرنا الله فی القرآن أنه خلق الناس مختلفین "لتعارفوا". فقد خلق الناس أمما مختلفة ولکن کلهم سواء وجمیعهم عباد الله .
وکل واحد یحسن به أن یتعرف على ثقافة الآخرین ولغاتهم وتقالیدهم وإمکانیاتهم الثریة. وباختصار، فمن بین غایات خلق شعوب وأجناس مختلفة لیس النزاع والحرب بل التعدد والغنى الثقافی.



ومثل هذا الاختلاف فضل کبیر من الله على خلقه . وحقیقة أن شخص أطول من الآخر أو أن بشرته صفراء أو بیضاء فهذا لا یجعله أفضل من الآخرین. وکل سمة یمتلکها الإنسان هی فی الحقیقة من خلق الله وإبداعه، ولکن عند الله ، تلک الاختلافات الشکلیة لا تعنی شیئا.
والمؤمن یقترب من الکمال بخوفه من الله وإیمانه به. ونرى هذه الحقیقة واضحة فی قوله تعالى:

 " یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاکُمْ إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ"       (الحجرات : 13)

وکما یعلمنا الله فی هذه الآیة، فإن مفهوم العدالة یتطلب المساواة والتسامح والمسالمة فی تعاملنا مع الآخرین دون تمییز بینهم.

 

شنآنُ قومٍ لا یبرر ظلمهم
الکراهیة والغضب هما السبب الحقیقی لکل الشرور. وغالبا ما یمنعان الناس من اتخاذ القرار السلیم والتفکیر بشکل عقلانی. وبالتالی یمکن یدفعا بالإنسان إلى إیقاع الظلم بالآخرین الذین یشعر نحوهم بعداوة، وربما یتهمهم بأفعال لم یرتکبوها، أو یصدق أی شهادة زور ضدهم رغم علمه ببراءتهم.
وبناء على هذه العداوة قد یتعرض الناس لظلم لا یطاق. فبعض الأشخاص یرفضون شهادة الحق فی صالح أناس یختلفون معهم رغم علمهم ببراءتهم ویخفون أدلة هذه البراءة .
وإلى جانب کل ذلک فهم یجدون سعادتهم فی تعاسة هؤلاء الناس ومعاناتهم لما یلاقوه من ظلم کبیر. ومن ناحیة أخرى لا یریدون أبدا للبریء أن تظهر براءته.
لهذه الأسباب نجد أن الناس فی المجتمعات الفاسدة لا یثقون ببعضهم البعض، ویعیشون فی قلق دائم خوفا من أن یکونوا الضحایا القادمین لأناس آخرین. ومع فقدان هذه الثقة المتبادلة، یبدأ الناس فی فقدان کل المشاعر الإنسانیة من تسامح وتعاون وغیرها بل وینشأ الإحساس بالکراهیة بینهم.

لا یجب أن تؤثر مشاعر المؤمن الشخصیة على قراره نحو شخص أو جماعة معینة. ومهما یکن عداء الشخص الذی یحکم علیه أو فساده، یجب أن یترک المؤمن کل مشاعره الخاصة جانبا ویتصرف ویحکم فی حدود العدل فحسب.
ویجب أن لا تلقی مشاعره بظلالها علی ضمیره وعقله، وأن یجعل ضمیره دائما هو ملهمه للانصیاع لأوامر الله وأن لا یتخلى عن الاستقامة، وهذا ما أمرنا الله به فی القرآن الکریم .

"یَا أَیُّهَا الذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِینَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلاَ یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (المائدة : 8) .

"وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ لآمَنَ مَنْ فِی الأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعًا أَفَأَنْتَ تُکْرِهُ النَّاسَ حَتَّى یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ"
(یونس : 99) .

وکما توضح هذه الآیة فان الذین یخافون الله هم الذین یمتثلون لأوامره فی تحقیق العدل. ویعرف المؤمن أنه سینال رضا الله عندما یحکم بالعدل. وعندما یرى الناس حسن تصرفه وعدله یثقون به ویشعرون بالراحة فی حضوره ویأتمنونه على مصالحهم وأسرارهم. ومثل هذا الشخص یحضى بالاحترام من الناس حتى من الأعداء، وربما یهدی بأخلاقه الکریمة بعض الناس للإیمان بالله.


الإسلام یدافع عن حریة الفکر

الإسلام دین یحترم حریة الفکر ووجهات النظر وأسالیب الحیاة المختلفة. وقد حرم النزاع والجدل وسوء الظن بالآخرین.  وفی نفس الوقت یحرم الإرهاب وکل أنواع العنف، وحرم الإرهاب الفکری والنفسی :
 "لاَ إِکْرَاهَ فِی الدِّینِ قَدْ تَبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَیِّ "          (البقرة : 256)
"فَذَکِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَکِّرٌ * لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُسَیْطِرٍ"           (الغاشیة : 21-22) 
 
إجبار الناس على اعتناق دین معین یناقض تماما روح الإسلام وجوهره، فالإیمان الحقیقی، وفقا للإسلام، یأتی فقط من الإرادة الحرة والضمیر الواعی.

"مهما تکن عقیدة الآخرین ، مسیحی …یهودی … بوذی … أو حتى هندوسی ، فإن المسلم مطالب بالتحلی بالتسامح والرحمة والعدل والإنسانیة تجاه کل الناس کما أمرنا القران".

وبالطبع یجب أن یوصی المسلمون بعضهم البعض بالأخذ بمبادئ وأخلاقیات القرآن. وعلى المسلم أن یدعو إلى هذه المبادئ ویوضحها ویشرحها بالحسنى وباللین واللطف وعلیهم أن یشرحوا فضائل الدین مستنیرین بقوله تعالى:

"ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالحِکْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ "         (الإسراء : 125) 
ویجب أن نسترشد بهذه الآیة:
 "لَیْسَ عَلَیْکُمْ هُدَاهُمْ وَلَکِنَّ الله یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ "            (البقرة : 272)

ویجب أن لا یلجا المسلم فی دعوته إلى الله إلى أی نوع من الإجبار او الضغط النفسی او الجسدی . ولا یستخدم أی إغراء دنیوی لیعتنق أی شخص الدین . وإذا لم یجد استجابة لدعوته علیه أن یرد کما وجهنا القران :         "لکم دینکم ولی دین"                           (الکافرون : 6)

 

یوجد فی هذا العالم أنواع کثیرة من المعتقدات، الملحد والهندوسی والبوذی والیهودی والمسیحی والمشرک والوثنی. ویجب أن یتحلى المسلمون بالتسامح تجاه کل هذه المعتقدات والدیانات، ومهما یکن دین الآخرین یجب أن یتصرف المسلم تجاههم بالعدل والتسامح والإنسانیة . هذه هی مسئولیة المؤمنین، الدعوة إلى الله ومحاسن الأخلاق، وذلک بالحسنى والتسامح .
وتبنی هذه الحقائق والإیمان بها أو رفضها فهو قرار یرجع إلى الطرف الآخر وحده. أما إجبار الآخرین على اعتناق الدین وفرض مبادئه علیهم فهو انتهاک لمبادئ وأخلاقیات القرآن. ویذکر الله المؤمنین فی القرآن:
 "وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ لآمَنَ مَنْ فِی الأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعًا أَفَأَنْتَ تُکْرِهُ النَّاسَ حَتَّى یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ"
                                                                               (یونس : 99) 
"نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا یَقُولُونَ ومَا أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَکِّرْ بِالقُرآنِ مَنْ یَخَافُ وَعِیدِ "     (ق : 45)

إن إجبار الناس فی بعض المجتمعات على اعتناق عقیدة ما أو فکرة أمر یتناقض تماما مع الإسلام . ویجب أن یعبد الإنسان الله ویخافه بمحض إرادته. وتظهر القیمة الحقیقیة للایمان والعبادة إذا ما مارسها الإنسان   بکامل حریته ابتغاء  لوجه الله سبحانه وتعالى. أما إذا فرض الحاکم العقیدة والعبادة على الناس فانهم سیمارسونها خوفا منه. ویجب أن تکون ممارسة العبادة والدین فی جو من الطمأنینة والحریة وذلک لکسب رضا الله سبحانه وتعالى.

 

إن التاریخ الإسلامی ملیء بأسماء ناصعة لحکام مسلمین تسامحوا مع جمیع الأدیان واحترموها، بل هم أنفسهم من أوجدوا الحریة الدینیة. فعلى سبیل المثال، وصف توماس أرنولد (المبشر البریطانی لدى الحکومة الهندیة ) وصف علاقة الإسلام للحریة قائلا :

"عام 1492 ، طرد الملک فردناند والملکة ایزابیلا الیهود الذین رفضوا تغییر دینهم من أسبانیا. وقد استقبل هؤلاء الیهود فی الدولة العثمانیة التی کانت مثالا فی التسامح والعدالة الدینیة"

" لم نسمع أی شیء عن محاولة إجبار السکان غیر المسلمین على اعتناق الإسلام بالقوة، ولم نسمع کذلک عن أی اضطهاد للمسیحیین. ولو أراد الخلیفة المسلم أن یقضی على المسیحیة فی ذلک الوقت لاستطاع بغایة السهولة تماما مثلما فعل فردناند وإیزابیلا الذین أخرجا الإسلام من أسبانیا. أو مثل لویس السادس عشر الذی منع البروتستنتینیة فی فرنسا. أو حتى مثل طرد الیهود من إنجلترا لمدة 350 عاما. وقد حرمت الکنائس الشرقیة فی آسیا تماما التواصل مع المسیحیین، فی الوقت الذی لم یجد فیه هؤلاء المسیحیون من یدافع عنهم حتى من باب الغیرة على الدین. لکن بقاء هذه الکنائس إلى وقتنا الحاضر برهان فی حد ذاته على الموقف المتسامح من الحکام المسلمین نحوهم" 1 .


تحریم قتل الأبریاء

قتل الأبریاء بلا ذنب من أکبر الخطایا التی ذکرها القرآن الکریم:
 "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَیْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ فِی الأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعًا وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْیَا النَّاسَ جَمِیعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَیِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ کَثِیرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِکَ فِی الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ"       ( المائدة : 32)

"وَالَّذِینَ لاَ یَدْعُونَ مَعَ الله إلًِهًا آخَرَ وَلاَ یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ یَزْنُونَ وَمَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ یَلْقَ أَثَامًا"                                                                                    
                                                                                     (الفرقان : 68)

وکما توضح هذه الآیات، فمن یقتل الأبریاء سوف ینال عقابا عظیما ویخبرنا الله أن خطیئة قتل إنسان واحد کخطیئة قتل کل البشریة. والشخص الذی یراعی حدود الله لا یمکنه قتل إنسان آخر، فما بالنا بقتل آلاف الأبریاء. وهؤلاء الذین یعتقدون أنهم یستطیعون الهرب من العدالة والحساب فی هذه الدنیا، فإنهم بالتأکید لن ینجحوا فی الهرب من حساب الله وعقابه. ولهذا السبب یحاول المؤمنون إرضاء الله بأعمالهم لأنهم یعلمون أنه سیحاسبهم علیها بعد موتهم. 

الله یأمر المؤمنین بالرحمة

ذکرت مبادئ الإسلام وأخلاقیاته فی العدید من الآیات منها :
 "ثُمَّ کَانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ * أُولَئِکَ أَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ"
                                                                        (البلد : 17-18)

وکما توضح الآیة، فإن الحث على الرحمة بالآخرین هی من أکبر الحسنات التی یُرحم بها المؤمن یوم الحساب ویدخل بها الجنة.



"توفر تعالیم الإسلام حیاة ملیئة بالحب والبهجة والسلام والسعادة لجمیع الناس"

حب الله هو السبب الحقیقی للرحمة، فحب الإنسان لله یجعله یحب کل مخلوقات الله، ویشعر بالقرب منها. هذا الحب والقرب الشدید لله، یجعل المؤمن یتصرف بما یرضی الله وبما یأمرنا به فی القرآن الکریم. وتظهر رحمة المؤمن الحقیقیة من خلال تعامله بتلک التعالیم.
وتصف هذه الآیة نموذج للأخلاقیات الملیئة بالحب والشفقة والتضحیة:

 " وَلاَ یَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْکُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ یُؤْتُوا أٌولِی الْقُرْبَى وَالمَسَاکِینَ وَالمُهَاجِرِینَ فِی سَبِیلِ اللهِ وَلْیَعْفُوا وَلْیَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللهُ لَکُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ"                      (النور : 22)



"الإرهاب یجعل من المجتمع ساحة للعنف والخوف والقلق والفوضى"

 

"  وَالَّذِینَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِیمَانَ مِن قَبْلِهِمْ یُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَیْهِمْ وَلَا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَیُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ کَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
 "    (الحشر : 9)
 " وَالَّذِینَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِکَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ کَرِیمٌ "       (الأنفال : 74)
" وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَاناً وَبِذِی الْقُرْبَى وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَالْجَارِ ذِی الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِیلِ وَمَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ یُحِبُّ مَن کَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً" (النساء : 36)
 
"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاکِینِ وَالْعَامِلِینَ عَلَیْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِی الرِّقَابِ وَالْغَارِمِینَ وَفِی سَبِیلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِیلِ فَرِیضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ"  (التوبة : 60)
   "                                                 

هذه الأخلاقیات الرفیعة التی یجب أن یتحلى بها المؤمنون، تنبع من حبهم العمیق لله تعالى. ولأنهم شدیدوا الورع والإخلاص لله فإنهم یلتزمون بما أمرهم به فی کتابه. فالمؤمنون یعطف کل منهم على الآخر ویقدمون لبعضعم البعض المساعدة دون انتظار مقابل أو حتى کلمة شکر. بل إن هدفهم الحقیقی هو کسب رضا الله بفعل الخیرات التی أمرهم بها والتی سیحاسبون علیها یوم القیامة. ویوضح الله لنا فی القرآن أنه من لا یفعل تلک الخیرات مآله جهنم وبئس المصیر:
 
"مَا سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ * وَلَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسْکِینَ"       (المدثر : 42-44) 
"خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِیمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِی سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُکُوهُ * إِنَّهُ کَانَ لاَ یُؤْمِنُ بِالله الْعَظِیمِ * وَلاَ یَحُضُّ عَلى طَعَامِ الْمِسْکِینِ"                                        (الحاقة : 30-34)
" أَرَأَیْتَ الَّذِی یُکَذِّبُ بِالدِّینِ * فَذَلِکَ الَّذِی یَدُعُّ الْیَتِیمَ * وَلاَ یَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْکِینِ"   (الماعون : 1-3)
"وَلاَ تَحُضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْکِینِ"                                          (الفجر : 18)

 

"الأخلاق الإسلامیة تدعو المسلمین إلى حمایة حقوق الیتامى والفقراء وذوی الحاجة وأن یکون کل منهم عونا للآخر"

رأینا ما وُصف به المسلم فی هذه الآیات من صفات مثل المحبة والرحمة. وبالطبع لا یمکن لمن یمتلک هذه الصفات أن یکون إرهابیا أو حتى یوافق على أعمال العنف التی ترتکب ضد الأبریاء. وعلى العکس تماما فإن شخصیة الإرهابی لا تتوافق أبدا مع ما ذکر فی القرآن من صفات. فالإرهابی شخص عدیم الرحمة ینظر إلى العالم نظرة کراهیة وکل ما یریده هو القتل والتدمیر وسفک الدماء.
هذه الأخلاق التی ذکرها القرآن تجعل من المسلم إنسانا راقیا متحضرا. فهو یتقرب لکل الناس بالحب ویحترم کل الآراء ویحاول دائما أن یحل النزاع والتوتر أینما وجد عن طریق التفاهم مع کل الأطراف والتعامل معهم بالعدل. والمجتمعات التی یعیش فیها أناس بهذه المواصفات تنعم بحضارة راقیة وأخلاق اجتماعیة سامیة وانسجام وعدالة أکثر مما نراه فی أکثر الأمم تقدما فی وقتنا الحاضر.

 

الله یأمر بالعفو والمغفرة

یعتبر مبدأ العفو والمغفرة من أهم مبادئ الإسلام .
 "خُذْ الْعَفْوَ وَاْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِینَ"          ( الأعراف : 199)
عندما نلقی نظرة على التاریخ، یمکننا أن نرى بوضوح أن المسلمین قد طبقوا هذا المبدأ العظیم من مبادئ الإسلام فی حیاتهم ومجتمعاتهم. وکما سنورد فی الأقسام التالیة من الکتاب، فالمسلمون ینشرون جوا من الحریة والتسامح فی أی مکان یحلون به. تلک الحریة وذلک التسامح یوفران جوا من التعایش مع من یختلفون معهم فی الدین واللغة والثقافة، وهذا ما یوفر الأمن والأمان لذلک المکان ولذلک المجتمع.

إن واحدا من أهم أسباب استمرار الخلافة العثمانیة لقرون عدیدة وتوسع حکمها فی بلاد کثیرة، هو مناخ التسامح والتفاهم الذی أوجده الإسلام. فالمسلمون الذین عرفوا على مدى قرون بطبیعتهم المتسامحة ومحبتهم للأخرین، هم دائما الأکثر رحمة وعدلا بین الناس. وکان بإمکان کل الجماعات العرقیة أن تعیش بحریة وفقا لتعالیمها الخاصة بها، رغم التعدد الکبیر فی الترکیب الاجتماعی.


"فی المجتمعات التی تطبق فیها مبادئ الإسلام، تجتمع الجوامع والکنائس معا بسلام. هذا المنظر لثلاثة أماکن مقدسة یبین مدى التسامح الذی غرسه الإسلام فی النفوس، ویبین أیضا العدل الذی یمیز دین الإسلام "

عندما یمارس الناس التسامح الحقیقی کما ذکر فی القرآن فإنه ینشر جوا من الأمن والأمان فی العالم کله. ویذکر القرآن هذه الحقیقة:
 "وَلاَ تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّیِّئَةُ اِدْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ "       
                           (فصلت : 34)

وصف الله المغفرة فی القرآن بأنها أعلى منزلة، ویبشر الذین یتصفون بهذه الصفة بالقول:
 "وَجَزَاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلهَا فَمَنْ عَفَا وَأََصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لاَ یُحِبُّ الظَّالِمِینَ"   (الشورى : 40)

ووصف المؤمنین فی آیة أخرى :
 "الَّذِینَ یُنْفِقُونَ فِی السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالکَاظِمِینَ الْغَیْظَ وَالْعَافِینَ عَنِ النَّاسِ وَالله یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ"
                                                          (آل عمران : 134)
ویوضح الله لنا فی القرآن أن الإنسان القادر وحده هو الذی یستطیع أن یتسامح مع من أخطأ فی حقه: "وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِیلاً فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ"       (المائدة : 13)

کل هذا یبین لنا أن تعالیم الإسلام للبشریة تملأ العالم بفضائل مثل السلام والرحمة والعدالة، أما البربریة التی تعرف بالإرهاب والتی تشغل العالم کله هذه الأیام، فهی من أفعال الجاهلین والمتعصبین وتتنافى تماما مع تعالیم الإسلام المذکورة فی القرآن، ومثل هؤلاء الناس لیس لهم صلة بالدین بأی شکل من الأشکال.

والحل هو أن نوضح التعالیم الحقیقیة للإسلام لکی نفضح الوجه الحقیقی لهؤلاء الذین یمارسون العنف تحت ستار الدین. بمعنی آخر إنّ تعالیم القرآن، والتی لا تؤید الإرهاب، هی الحل الحقیقی للتخلص من هذا الکابوس.

"إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِیمٌ"
   (البقرة : 143)

مقدمــــة

مقدمــــة

نحن المسلمین ندین بشدة هجمات 11 سبتمبر الإرهابیة على أکبر مدینتین فی الولایات المتحدة الأمریکیة، هذه الهجمات التی تسببت فی مقتل الآلاف من الأبریاء، ونقدم تعازینا للشعب الأمریکی. وقد فجرت هذه الهجمات قضیة هامة وضعت على رأس قائمة النقاش الذی یدور فی العالم وهی طبیعة المصدر الحقیقی للإرهاب. وهکذا فقد أعلن للعالم کله أن الإسلام هو دین السلام والتسامح الذی یدعو الناس للرحمة. وقد قال العدید من رؤساء العالم، والجهات الإعلامیة ومحطات الإذاعة والتلفزیون أن الإسلام الحقیقی یحرم العنف ویشجع السلام بین الناس وبین الأمم.

" إِنَّ اللهَ یأَمْرُ باِلعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِیتَاءِ ذِی القُرْبَى وَیَنْهَی عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْکَرِ وَالبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذکَّرُونَ"         (النحل : 90)
وقد تفهم العالم الغربی حقیقة الإسلام وأنه هو دین السلام الذی بینه الله تعالى فی القرآن الکریم، و أدرکوا أن کلمة "إسلام" وکلمة "إرهاب" لا تجتمعان أبدا، وأنّ کل الأدیان تحرم العنف.
ویؤکد هذا الکتاب بالدلیل القاطع أن الدین لیس هو مصدر الإرهاب الذی ندینه جمیعا لأنه لا مجال للإرهاب فی الإسلام. ویتضح هذا فی القرآن الذی هو المصدر الرئیسی للإسلام وفی الأحکام والتشریعات التی توجه تصرفات المسلم الحقیقی، وفی مقدمتهم النبی محمد صلى الله علیه وسلم. ویبرهن هذا الکتاب، فی ضوء آیات القرآن الکریم ومن خلال إیراد أمثلة من التاریخ على أنّ الإسلام یحرم الإرهاب ویهدف إلى نشر الأمن والأمان فی العالم.
وکما هو معروف فقد وقعت العدید من الأحداث الإرهابیة فی أماکن مختلفة من العالم، تم تنظیمها من قبل مجموعات لأهداف مختلفة. فأحیانا تعلن المنظمات الشیوعیة عن مسؤولیتها عن هذه الأحداث وأحیانا أخرى تکون منظمات فاشیة أو أحزاب انفصالیة وراء هذه الأحداث.
بینما أصبحت بعض البلاد مثل أمریکا الهدف الأساسی للإرهاب من المجموعات العنصریة والمهمشة، کما أصبحت أوروبا مسرحا لأحداث العنف التی تقوم بها المجموعات الإرهابیة.
منظمة السابع عشر من نوفمبر فی الیونان، والحزب الشیوعی وحزب النازیین الجدد بألمانیا، ومنظمة ایتا الانفصالیة بأسبانیا، والفرق الشیوعیة بإیطالیا والعدید من المنظمات الأخرى تعمل علی نشر آرائها بالعنف والإرهاب وقتل الأبریاء.
وتتغیر طبیعة الإرهاب بتغیر الأوضاع العالمیة وتزداد حدته وقوته بتطور الإمکانیات والتکنولوجیا. وخاصة بعض وسائل الاتصال مثل الإنترنت فهی تساعد علی نشر وتوسیع أهداف الإرهاب وجعله اکثر تأثیرا.
بالإضافة الی المنظمات الغربیة، توجد بعض المنظمات الإرهابیة مصدرها الشرق الأوسط. ویتم شن الهجمات الإرهابیة عن طریق هذه المجموعات فی کل مکان من العالم.
وللأسف فان هذه الجرائم والأفعال الإرهابیة التی تتدعی أنها ذات هویة مسیحیة أو مسلمة أو حتى یهودیة، هی فی الحقیقیة لا تتفق مع الأدیان المقدسة. والحقیقة أنه إذا ما ارتکب مسلم هذا الفعل الإرهابی فانه لا یجب أن نطلق علیه "إرهابا إسلامیا" کما أننا لا نسمیه "إرهابا یهودیا" او ”إرهابا مسیحیا” إذا ما قام به واحد من أتباع هاتین الدیانتین، والسبب، کما سیتم بیان ذلک هو أن قتل الأبریاء باسم الدین غیر مقبول.


" إذا نظرنا إلى الإرهاب، یجب أن ننظر الى مصدره بعیدا عن الدین، فالدین یدعو إلى الحب والرحمة والتسامح والسلام والتعایش وفقا للمعاییر الأخلاقیة  بینما الإرهاب یمثل القسوة والعنف ویسبب الألم وإراقة الدماء وارتکاب الجـرائم ".

ویجب أن لا ننسی أن الذین قتلوا فی أحداث 11 سبتمبر بنیویورک من المسلمین والمسیحیین والیهود. فان قتل الأبریاء خطیئة کبرى عقابها جهنم، إلا من رحم الله، ولن یقوم بها أی إنسان یخاف الله تعالى. 

فالمعتدی یقوم بهذه الجرائم بهدف مهاجمة الدین نفسه، وقد یکون هدفها تشویه صورة الدین وإبعاد الناس عنه وتشویه صورة المتدینین. وبالتالی فان أی هجوم على مدن أمریکیة او أی أناس أبریاء آخرین یحمل واجهة دینیة، هو فی الحقیقة یهاجم الدین نفسه.
إن الدین یدعو إلى الحب والرحمة والسلام، بینما علی النقیض نجد أن الإرهاب یمثل القسوة وهو بعید عن الرحمة ولا یجلب سوى الدماء والدموع. وهکذا فانه یجب أن نبحث عن مصدر الإرهاب فی الکفر وفی الدین. ویجب أن نضع فی دائرة الشک هؤلاء الذین یحملون اتجاهات شیوعیة أو عنصریة أو مادیة.
فهویة المعتدی لا تهم، طالما أنه قادر على قتل الأبریاء دون تردد، إذن فهو کافر ولیس مؤمن. فهو قاتل لا یخاف الله، هدفه الأساسی سفک الدماء والتسبب فی الأذى. ولهذا السبب فان "الإرهاب الإسلامی " فکرة خاطئة تتناقض مع رسالة الإسلام. فدین الإسلام لا یوافق بأی حال من الأحوال على الإرهاب. بل على العکس فإن الإرهاب وقتل الأبریاء هما عند الله من أکبر الکبائر. والمسلمون مسؤولون عن منع مثل هذه الهجمات ونشر السلام والعدل فی العالم.

" کُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِی الأَرْضِ مُفْسِدِینَ "

( البقرة : 60)

 

تعریف

"وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا" (البقرة : 143)

الحادی عشر من سبتمبر

منذ أحداث 11 سبتمبر المروعة یخوض الناس فی حدیث طویل عن الإسلام. وقد کان هذا الموضوع مجالا خصبا خاصة بالنسبة إلى الخبراء مستغلین فضول الناس لاستکشاف هذا الدین. حتى إن بائعی الکتب فی أوربا والشرق الأوسط لاحظوا أن هناک اهتماما متزایدا بالقرآن. وهذا ما أکده أحد محرری جریدة بریطانیة حیث قال:
"لم یحظ الإسلام باهتمام الناس فی بریطانیا مثلما هو الأمر فی هذه الأیام"1 . وفی أمریکا، حیث یوجد حوالی ستة ملایین مسلم، یقال إن عددالمسلمین هم الأکثر تزایداً، بالرغم من عدم وجود عمل منظم فی هذا المجال" 2.

هذا بالرغم من التصریحات العدائیة التی صدرت عن الرئیس الأمریکی ورئیس وزراء بریطانیا وبعض وسائل الإعلام من أن رد الفعل على ما حدث فی الحادی عشر من سبتمبر سیکون حرباً هدفها الإسلام . وبالرغم من وجود محاولات مستمرة للفهم الصحیح للإسلام والمسلمین، إلا أن هناک من یعمل لکی یلبس الإسلام ثوب الإرهاب. فوصف الإسلام بالسطحیة والتخلف یعمل على خلق مفهوم یؤکد على عداء الإسلام للحضارة الغربیة، وبالتالی نعته  بالتخلف والاضطهاد. وقد صدرت العدید من المقالات والتحلیلات للباحثین والمحللین عن الدین الإسلامی، والتی قال عنها جون اسبوسیتو – مدیر مرکز التواصل الإسلامی – المسیحی، بجامعة جورج تاون بواشنطن:
"إن مثل هذه التحلیلات قد فشلت فی توضیح الصورة تماماً، رغم أنها ألقت بعض الضوء، إلا أنها ما زالت لا تساعد على توضیح الصورة بشکل کاف"3
إن المجتمع العالمی یعیش على هذا الکوکب مع حوالی 1.2 بلیون مسلم، وبالتالی فان أی شخص یسیء فهم الإسلام على أنه دین الإرهاب سیعیش فی قلق دائم. وعلى أیة حال فإن هذه المخاوف لیس لها أساس. وقد ذکرت کارین ارمستروج – الکاتبة بمجلة التایم:  "من حسن الحظ فإن الإسلام لیس هو الصورة التی رأیناها فی 11 سبتمبر، والإسلام لا یدعو لمثل هذا الفعل عکس ما سمعنا. وإلا فبماذا نفسر تزاید أعداد المسلمین وانتشار الإسلام فی أوروبا وأمریکا"4.
ومن الواضح أن هناک اختلافا شاسعا ما بین معرفة الإسلام من جهة ومحاولة الحکم علیة من جهة أخرى . فبینما نجد أن بعض الأشخاص المضللین هم مرتکبو الجریمة الإرهابیة فی 11 سبتمبر، إلا أنها بالتأکید لیست من الإسلام فی شیء . فالإسلام دین السلام والرحمة والعدل والتسامح وهو الذی حرم قتل النفس. فقتل الأبریاء من المدنیین لا یتفق أبدا مع تعالیم الإسلام وروحه، ولا یحتاج الإنسان إلى أن یکون خبیراً لفهم ذلک.

تعالیم الإسلام

إذا کان الإسلام هو دین السلام فمن أین أتى سوء الفهم ؟ وکیف لدین السلام أن یعرف بأنه دین الحرب والإرهاب ؟ تکمن الإجابة فی الطریقة الخاطئة التی تفسر بها تعالیم الدین لتتناسب مع الأهواء والأغراض. حیث یقصد بعض الأشخاص تحریف معانی الجمل والکلمات فی وسائل الإعلام لإعطاء مفهوم مغایر وغیر صحیح . فالمقارنة والربط بین الجهاد والإرهاب أصبحنا نسمعه من أناس لا علم لهم بالقرآن وعلومه.
قسم العالم الإسلامی منذ نهایة الخلافة العثمانیة عام 1924، ونتجت عن التفرق  وعدم القدرة على التوحد العدید من المشاکل التی یعانی منها المسلمون حتى الآن . فعلى سبیل المثال، فقدنا الفهم الصحیح لتعالیم الدین، وذلک بسبب أن بعض من یفسرون النصوص الإسلامیة یفعلون ذلک تبعا لهواهم وآرائهم الخاصة. ویبدو أن هذا نوع من التحول إلى الغموض واللامبالاة فی تناول الأمور الهامة 5 .
وعلی النقیض، فان الإسلام الحقیقی یدعو إلى الاستقامة والوضوح ویعمل على نشر الحقیقة. فعلم التشریع الإسلامی یعتمد على المذاهب الأربعة المعروفة. وتظهر حقیقة الإسلام فی هذه المذاهب الغنیة القادرة على المساهمة فی البناء الحضاری 6 .
إن الإسلام الذی یدین به العدید من سکان العالم جعل من الحیاة البسیطة حیاة زاخرة ونشیطة، ووصل بالعالم إلى مرحلة من التقدم لا تصدق. غیر أنه ولأسباب مختلفة ظهرت اتجاهات التطرف التی تفسر مفاهیم الدین طبقا لمفاهیمها الخاصة. وکما ذکر "تیم ونتر" مدرس التاریخ الإسلامی بکلیة الدراسات الدینیة بجامعة کامبردج : "أهم ما یمیز انتصارات الإسلام هو خلوه تماما من أیة ممارسات إرهابیة وهذا ما لا نقرأه ولا نسمعه. وإن اعتبار کل مسلم عدوًّا هو حقا فکرة سخیفة ومضحکة"7.
إن قضاء الاستعمار على المواقع التقلیدیة المخصصة للتعلیم سمحت لبعض الأشخاص بالتفسیر المتطرف لتعالیم الدین والتی هی على النقیض تماما وتختلف جذریا عن تعلیم وتطبیق الإسلام الحقیقی فی القرون السابقة. وقد حذر الرسول صلى اله علیه وسلم من مثل هذا الوقت الذی سیؤخذ فیه برأی الجاهلین المضللین فی تفسیر وشرح الدین من دون علم . وقد کانت نتیجة ذلک فی النهایة العدید من الممارسات الدینیة المجردة من المعرفة الحقیقیة والتی تمیزت بالتعصب وعدم التسامح والقسوة والتطرف وکل ما لا یتفق مع الإسلام الحقیقی. ولکن الذی لاشک فیه أن النبی صلى الله علیه وسلم کان یدعو باستمرار إلى نهج الطریق الوسط.

الإرهاب

وقد نبه الرسول صلى الله علیه وسلم أصحابه حتى یتجنبوا ما أدى إلى نهایة ودمار الجماعات السابقة. ویظهر أن الإرهابیین یعتقدون بأن هذا الأمر لن یحدث لهم ، فالإرهاب هو تصرف معاد لله . وأی إنسان یحاول أن یبرر مثل هذه الأعمال یفشل فشلا ذریعا، حیث أن تعالیم الدین وروحه ترفض تماما تلک الأفعال التی هی على النقیض تماما من جوهر الدین . والقرآن یأمر المسلمین بالتصرف بالعدل والصبر والمثابرة عند وقوع المصیبة . ویبدو أن الإرهابیین لا یقیسون أفعالهم على أساس المبدأ الأساسی للإسلام وهو قدسیة حیاة کل إنسان. فإذا قتل إنسان آخر فکأنما أفسد الأرض وقتل الناس جمیعا، وهو ما ذکر فی القرآن ویتجاهله الإرهابیون بکل جحود وتعصب.
وقد اعتبر علماء الدین الحقیقیون أن الهجمات الإرهابیة ضد الأبریاء العزل من أبشع وأفظع الجرائم، ویجب أن یعامل من قام بها کأسوأ المجرمین. ومن المبادئ الراسخة فی القرآن أن تعرّض الإنسان للظلم لا یبرر ظلمه للآخرین .

الجهاد

جاء تعریف الغرب للجهاد سلبی تماما، فوُصف ببساطة على أنه مفهوم یعنی مُحاربةٌ الکافرین. ولکن الجهاد فی الإسلام فعل إیجابی یحتوی على بُعدین : الجهاد الداخلی ، والمقصود به کبح جماح النفس ومجاهدة الإنسان شهواته، والجهاد الخارجی والمقصود به الکفاح ضد القهر والظلم إما بالکلام أو بالفعل . أما بالنسبة إلى الصنف الأخیر فله العدید من الضوابط التی تحکمه والتی تحرم إفساد الحیاة وتخریب المدن أو إیذاء الحیوانات أو حتى قطع الأشجار 10 .
أما النوع الأول من الجهاد أو جهاد النفس فهو هو الأکثر أهمیة ، قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: "أفضل الجهاد جهاد النفس وتربیتها على طاعة الله"11 . وبعد عودته علیه الصلاة والسلام من إحدى الغزوات مع أصحابه قال رسول الله صلى الله علیه وسلم : "قدمتم خیر مقدم، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأکبر" (قال مجاهدة العبد لهواه)

الرحمة والرأفة

نتیجة لأحداث العنف الجاریة، ربما یتعاطف بعض الناس مع تلک الأعمال ویعتبرونها الجهاد الذی هو أحد أعمدة الإسلام الرئیسیة، ولکن هذا بعید کل البعد عن الحقیقة. فالإسلام "لا یحبّ الحروب" ولیس القتال هدفا بحد ذاته وإنما هو ضرورة تفرض على المسلمین. والقرآن الکریم یدعو إلى الرحمة والرأفة والعدل والحکمة. فالرحمة والرأفة صفات أساسیة للمسلم ونحن نقرأ دائما فی القرآن اسم الله الرحمن الرحیم .
وفی حدیث شهیر للرسول صلى الله علیه وسلم یقول: " ارحموا من فی الأرض یرحمکم من فی السماء ". ویقول عز وجل فی القرآن الکریم عن سیدنا محمد علیه الصلاة والسلام:
"وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ"      (الأنبیاء :  107) .
وهو الشیء نفسه الذی أکده الرسول صلى الله علیه وسلم عندما طلب منه الدعاء علی من آذوه إلا أنه أکد کلام رب العزة عنه أنه لم یرسل لعانا ولکنه أرسل رحمة للعالمین. وهذا التأکید على الرحمة والرأفة فی الإسلام ، کما ذکر فی الحدیث السابق للرسول علیه الصلاة والسلام هو ما یجب أن یتعلمه دارسو الدّین وتعالیمه. ویقول علماء المسلمین بأنه یجب أن یکون المسلم عادلا رحیما حکیما فی کل ما یقابله من أمور الحیاة، وأی نقص فی هذه المبادئ أو انحراف عنها هو بعدٌ عن تعالیم الدین.
الرحمة فی الإسلام لا تکون تجاه المسلمین فقط بل تکون کذلک نحو الآخرین، وقد وضح الرسول علیه الصلاة والسلام أن أقرب الناس إلى الله تعالى هم أکثرهم رحمة" 12 . ولا یمکن للإنسان أن یکون رحیما بینما یتعرض من کان حوله للألم والظلم، ولذلک فإنه من المهم فی الإسلام أن تتکافل الجماعة ویهتم کل فرد منها بالآخر. فالاهتمام بالجار مثلا (بصرف النظر عن کونه مسلما أوغیر مسلم) شیء مهم جدا . قال الرسول صلى الله علیه وسلم :"إن الملائکة لا تنزل بمکان به رجل جوعان حتى یشبع هذا الرجل" 13 .

آن الأوان لإعادة النظر

لا یمکن أن نلوم الدین على أخطاء أولئک الذین یقومون بأعمالهم البشعة مستخدمین اسم الدین وتعالیمه. وقد تحدث هارون یحیى خلال هذا الکتاب عن جمیع الأدیان، وعن هؤلاء الذین یدعون أنهم ملتزمون بتعالیم دینهم بکل صرامة، ولکن الحقیقة أنهم أساءوا فهم نصوص کتبهم المقدسة وفسروها بما یتناسب مع أهوائهم الخاصة.
تدین جمیع التعالیم الدینیة بشکل مطلق کل أنواع العدوان، وبالتأکید أعمال الإرهاب أیضا. فالدین لا یمکن أن یلام ولکن ما یلام هو الجنون والحقد الذی ساق الناس لارتکاب مثل هذه الأعمال الوحشیة. ویجب أن لا نکتفی بإدانتهم فقط، بل علینا البحث عن أسباب وجذور هذه الکراهیة التی تتصاعد یوما بعد یوم. وما هی أسباب إحساسهم بالظلم والثورة والغضب والمرارة والإحباط والیأس؟ وهل یمکن أن نساعدهم لإزالة هذا الاحساس ؟ 14
عندئذ سوف ندرک أن تلک الأسباب لیست من صنع الله أو الدین، إنما هی مجرد نتائج للأنظمة الظالمة وسیاسات القتل والتخریب. ونحن فی حاجة الآن أکثر من أی وقت مضى لکی نعرف الصلة بین الإرهاب والأنظمة الدیکتاتوریة التی تلقى التأیید والمساندة باستمرار، خاصة فی العالم الإسلامی.
الأمر لا یتعلق بکون المسلم یکره الغرب عموما وأمریکا بشکل خاص. فهناک العدید من المسلمین الذین یعیشون فی الغرب وسیکون نفاقا واضحا إذا ما أعلنوا عن غضبهم من البلاد التی تستضیفهم وترحب بهم . فأکثر المسلمین یدرکون أن هناک العدید من التشابه فی المبادئ بین الغرب والإسلام مثل الحریة والتسامح وأهمیة التربیة والحریة المدنیة.
کتب جراهام فولر، نائب الرئیس السابق لوکالة الاستخبارات الأمریکیة فی صحیفة التایم: "إذا قمت برحلة سریعة حول العالم الإسلامی، سترى بوضوح أن هناک احتراما کبیرا لبعض القیم الأمریکیة. وأعتقد انهم ینفسّون عن غضبهم بسبب السیاسات المزدوجة للحکومة الأمریکیة. ویبدو أن هناک نفس هذه الموجة من الغضب فی الغرب ولکن هناک جهد مبذول لعدم إظهار هذا الغضب وجعله للاستهلاک المحلی ولیس للتصدیر"15 .
یواجه المسلمون فی الغرب لحظات حرجة، لذا یجب علیهم استرداد الروح الحقیقیة للإسلام من أولئک الذین شوهوا نزاهته وسمعته. وکما صرح تایم ونتر "سیکون الإسلام قادرا على کشف أن الإرهابیین لیسوا هم المسلمین، وکل المذاهب فی الإسلام ترفض استهداف المدنیین 16".
إن ما یعرضه هارون یحیى فی غایة الأهمیة وهو یلقى إقبالا منقطع النظیر. فهو بإذن الله، سوف یمد المسلمین وغیر المسلمین بفهم حقیقی للإسلام وتحلیل لما یقال عنه من ممارسات الغالبیة العظمى من المسلمین خلال التاریخ. هذا هو الإسلام الصحیح القویم الحقیقی. هذا هو الإسلام الذی یفهمه المسلمون من مصدرهم الأول وهو القرآن الکریم. هذا هو الإسلام الحقیقی الذی لا یمکن أن یحرف أو یربط بالإرهاب بل على العکس هو یتناقض مع الإرهاب تماما ویرفضه.
افتب أحمد مالک