الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

وسائل مکافحة أدیان الکفر

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)

(سورة الأنبیاء: 18)



وسائل مکافحة أدیان الکفر

 

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَیْهَا مَلاَئِکَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لاَ یَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ" (التحریم: 66)
عن أنس بن مالک رضی الله عنه عن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: "انصر أخاک ظالماً او مظلوماً" فقال رجل: یا رسول الله أنصره إذا کان مظلوما أرأیت إن کان ظالما کیف أنصره؟ قال: "تحجزه – أو تمنعه – من الظلم فإن ذلک نصره" .
         تتعلق الموضوعات التّالیة بهذا الواجب المهمّ والطریقة التی یجب أن تتبع فی ضوء الآیات القرآنیة.
القضاء على أصنام الکفر
"قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا یَا إِبْرَاهِیمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن کَانُوا یَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّکُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُکِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء یَنطِقُونَ" (الأنبیاء: 62- 65)
اعترف قوم إبراهیم أنهم مُدرکون لهذه الحقیقة (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤلاءِ یَنْطِقُونَ)، فهم یعرفون جیداً بأن هذه الأصنام غیر قادرة على فعل شیء وأنها لا تستطیع خلق هذا النظام الکامل الذی یتمیز به الکون کله. ولکنهم ظلوا عندما اتخذوا تلک الأصنام آلهة یعبدونها من دون الله تعالى التزاما بمعتقدات أجدادهم الأقدمین.
"لیست المناهج والمؤسسات العلمیة هی التی ترغمنا فی بعض الأحیان لقبول التفسیر المادی للعالم، بل على العکس من ذلک فنحن مضطرون، وفقاً لالتزامنا بالنظرة المادیة إلى العالم لخلق أدوات للبحث ومجموعة من المفاهیم التی تعمل على تقدیم التفسیرات المادیة، بغض النظر عن مدى مطابقتها للحقیقة، وبغض النظر عن التشویش الذی یمکن أن تحدثه فی الأذهان. فالمادیة تمثل شیئا مطلقا، ولا یمکن أن نسمح بالتفسیرات الإلهیة للعالم".
"إذا کان الأمر کذلک، فهی ستکون خطاً موازیاً لنظریة التطور فی حد ذاتها، وهی نظریة مقبولة بصورة آلیة، لیس لأنه بالإمکان إثبات صحتها بالدلائل المنطقیة والعلمیة، وإنما لأنّ البدیل الوحید وهو الخلق یجب أن یبقى مستبعدا".
وتوضح العالمة البریطانیة المعروفة "شندرا ویکراماسینغا" کیف یُشترط على الشخص الشّرک بالله تعالى:
"تعرضت لغسیل مخ حاد منذ بدایة تدریبی کعالمة للاعتقاد بأن العلم لا یمکن أن یکون متوافقا مع أیّ نوع من أنواع الخلق، ولقد نسفت هذا التّصور بکل ألم. و فی هذه اللحظة، لا أستطیع أن أجد أیّ جدل عقلی یعارض الرّأی الذی ینادی بالاعتراف بالله. فنحن تعودنا على أن نتعامل بعقول مفتوحة، والآن نحن ندرک أن الخلق هو الجواب المنطقی الوحید للحیاة، ولیس التخبط العشوائی المبنی على المصادفة، والذی لا یحتوی على أیّ إتقان".
تبین الأمثلة المذکورة سابقا بوضوح أنه یتعین على علماء نظریة التطور الالتزام من حیث الاعتقاد بنظریة التطور التی أساسها "النظرة المادیة" وذلک من أجل رفض فکرة الوجود الإلهیّ، رغم إدراکهم ببطلان هذه النظریة. وهؤلاء الأفراد هم الذین یقودون العالم الیوم.
"قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ یَنفَعُکُمْ شَیْئاً وَلاَ یَضُرُّکُمْ أُفٍّ لَّکُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" (الأنبیاء: 66- 67)

  1. الوعی بالأفکار التی تدعو لها الحرکات الإلحادیة

من الضّروری على کل شخص أن یعرف حقیقة الحرکات اللاإیمانیة وحقیقة منهجیاتها ومفاهیمها التی تهدف إلى القضاء على القیم الأخلاقیة، وهذا یمکِّن الإنسان من إظهار المنطق الخاطئ والأساس العقلی المنحرف الذی یتناقض مع العلم والعقل. ویمکن بسهولة کشف الأساس الواهن الذی ترتکز علیه تلک المنهجیات مع خروجها عن التناسق المنطقی فکراً وعملاً، کما یمکن لذوی الوعی والإدراک الذین لدیهم معرفة عمیقة  بشأن المنهجیات الإلحادلة توقّع الأضرار المحتملة التی یمکن أن تحلّ بالأمم، وبذلک یتسنى لهم اتخاذ الإجراءات الوقائیة اللازمة.

 

  1. إثبات عدم صحة نظرتی التطوّر والمادیة بالأدلة العلمیة

فی بدایة هذا الکتاب تمّت الإشارة إلى أن المادیة هی من أشدّ المناهج خطورة على العقائد، وما جعلها أکثر تمیزاً وأکثر فاعلیة عن المناهج الباطلة الأخرى هو تقدیمها تحت غطاء "العلم". وبینما تعتبر الوثنیة بأنّها بدائیة، نجد أنّ نظریتی المادیة والتّطور (رغم عدم وجود فرق جوهری بینهما) قد اکتسبا هالة علمیة باطلة. وبالتالی، فإنه من الضروری کشف حقیقة أن هاتین النظریتین تتناقضان بالفعل مع العلم والمنطق.
کما إنه من الضروری بیان أنّ الحجج التی تقدمها نظریة التّطور قد تم تصمیمها من أجل خداع عقول النّاس. و لتحقیق هذا الأمر، یجب أن یتابع المرء نتائج الأبحاث العلمیة الحدیثة بدقة ویدحض، على أسس علمیة، الأدلة التی تعتمد علیها نظریة التطور فی کل جانب من جوانب العلم، وذلک بتقدیم الأدله المقنعة. والأجزاء الأخیرة من هذا الکتاب تقدم أمثلة عن هذه الأدلة.
وفی الواقع، هناک عدد محدود من الحجج التی یستند إلیها أصحاب نظریة التطور، وهی حجج باطلة، ویظهر ذلک منذ الوهلة الأولى. وهذه الحجج غالباً ما یتمّ شرحها بواسطة أناس یستخدمون المصطلحات العلمیة، ویتم تقدیمها إلى عامة الناس تحت ستار "العلم"، وبذلک ینخدع البعض بهذه الدلائل. بید أنّ جمیع هذه الطروحات تکون ملیئة بالعبارات غیر المفهومة والمصطلحات الغامضة التی لا تستند إلى أیة أسس علمیة. والعالم کله الیوم مقتنع بعدم منطقیة الدّاروینیة، ومن الضّروری إعلام الناس بهذه الحجج وتعلیمهم إیاها وتحذیرهم من هذا الخطر. ومن الواضح أنّ هذا العمل یتطلب جهدا کبیرا، فیجب على کل مؤمن الجهاد للمشارکة فی هذه المسئولیة العظیمة.

 

  1. إبلاغ الدین الحق المعروض فی القرآن

الدّین الحق یختلف تماماً عن المفاهیم السیئة التی روجتها بعض الدوائر عن الدّین، ولذلک فإن رسالة الدین الحق التی جاءت فی القرآن لابدّ من توصیلها إلى الناس بحماس وشرحها لهم شرحا مفصّلا. وقد ذکرنا رسولنا محمد صلى الله علیه وسلم بالنفع الذی یعود على المؤمنین من هذه المعرفة بقوله صلى الله علیه وسلم "من یرد الله به خیراً یفقهه فی الدین"
إن العلاج الوحید للتهدیدات والمخاطر المترتبة عن الإنکار والإلحاد والفوضویة والمادیة: هو الالتزام بحقائق القرآن الکریم. غیر أنّ اللعنة التی حولت دولة عظمى مثل الصین إلى الشیوعیة فی فترة وجیزة من الزّمن لن تستطیع المعاییر السیاسیة والمادیة وحدها التغلب علیها، ولا یمکن القضاء علیها سوى  بواسطة حقائق القرآن الإیمانیة.
فهؤلاء الذین یلتمسون الإیمان الراسخ ویبحثون عن السّیف الذی لا یُکسر والذی بواسطته یمکن مواجهة الإلحاد مهاجمة الکفر والفوضویة یجب الرجوع إلی " العلامه العلیا"
إن الفوضویة هی النتیجة المباشرة للنزعات اللاإیمانیة والتیارات الشیوعیة والإلحادیة، وإنّ الشیء الوحید الذی یمکن أن یقف ثابتاًً صامدا أمام هذه التیارات المخیقة هو الإسلام فی تکامله ووضوح حقائقه.

  1. شرح الدلائل التی تثبت وجود الله

وجود الله تعالى أمر لا شک فیه لمن أعمل عقله، فدلائل وجوده تعالى لا تحصى ولا تعد، وهی موجودة فی جمیع المخلوقات، وقدرته وحکمته واضحتان لا تخفى على ذی إدراک سلیم. ورغم ذلک ولسنوات عدیدة اتجه کثیر من الناس نحو مذهب إنکار الوجود الإلهی وبثّ العدید من الشکوک. لذا، ومن أجل نزع الکبر الراسخ فی عقول الناس من الضّروری بیان الدلائل العلمیة على الوجود الإلهی. وعندما یتأمل کلّ إنسان فی أدقّ عناصر ترکیبة جسمه یمکن أن یشهد الخلق المُبدع لله عز وجل. ولذا یجب بذل أکبر الجهود من أجل بیان هذه الحقائق وتوضیحها للآخرین وإثبات أن هذا التصمیم الدقیق لا یمکن أن یکون نتیجة للمصادفة، ویمکن أن یتمّ ذلک عن طریق المنشورات والوسائل المرئیة.
وهناک العدید من الأفراد الذین أصابهم ضعفٌ روحیّ شدید لدرجة أنهم فشلوا فی رؤیة أشد الحقائق وُضوحًا، ویمکن إیقاظهم من غفلتهم عن طریق الجهود الجادة. فالشخص الذی لا یصدق أنّ الخلق الکامل للکائنات التی توجد فی کل مکان هی من قبل المصادفة لا خطر علیه من الإلحاد والإنکار، وعندما یؤمن بالله سوف یتفهم أنه مسئولٌ أمامه فی کل صغیرة وکییرة وأن علیه العیش وفق ما یرضیه سبحانه وتعالى.
وفی العدید من آیات القرآن، یدعو الله الإنسان للتفکر والتأمل فی مخلوقاته التی خلقها وأن یستخلص الدروس من ذلک، یقول تعالى:
"أَفَلَمْ یَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ کَیْفَ بَنَیْنَاهَا وَزَیَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَیْنَا فِیهَا رَوَاسِیَ وَأَنبَتْنَا فِیهَا مِن کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ تَبْصِرَةً وَذِکْرَى لِکُلِّ عَبْدٍ مُّنِیبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَکاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِیدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِیدٌ رِزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْیَیْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّیْتاً کَذَلِکَ الْخُرُوجُ" (ق: 6- 11)
"وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ" (الضحى: 11)
وفقاً لهذه الآیة، یجب على المؤمنین باستمرار شرح وتفسیر النعم التی أنعم الله بها على الإنسان، وذلک عن طریق أکثر طرق الاتصال فعالیة. ولقد شجع الرسول صلى الله علیه وسلم المسلمین على حمل هذه الرسالة وتبلیغها بقوله: "إن الله وملائکته یصلون على معلمی الناس الخیر"

  1.  الأخلاق التی بینها لنا القرآن

القرآن الکریم یحثّ الإنسان على الاتصاف بجملة من الأخلاق مثل العدل وحب الخیر والعطف والرحمة بالآخرین، وأمره بأن یهتم بشئون غیره والإحسان لهم وتقدیمهم على نفسه فی قضاء مصالحهم، و أمر کذلک بضرورة الاحترام وإبداء الولاء للوطن والمحافظة الأمن والسلام وفض النزاعات بین الناس بالتی هی أحسن والإحسان إلى الفقراء والمستضعفین والتفانی فی القیام بالعمل و بذل الوسع فی سبیل کسب رضا الله عزوجل. ولیس من شک فی أن المجتمع الذی یلتزم بهذه القواعد والمبادئ ینال السعادة فی الدنیا والآخرة.
إنّ أکثر الناس لا یفهمون الدّین الحق الذی یعلمنا إیاه القرآن الکریم، ولذلک فهم فی حاجة إلى معرفة الخیر العمیم الذی یضفیه هذا الدین على للحیاة. و یجب على المؤمنین أن یعلّموا الناس أنّ العیش فی رحاب الدین الحق هو أسهل الطرق لنیل السعادة وأن أخلاق الدین هی الأکثر ملاءمة لمیول الإنسان الطبیعیة. فالقرآن الکریم یقدّم حلولاً لجمیع مشاکل العالم، فالله عزوجل یوضح لنا سبب نزول القرآن الکریم:
"وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَاناً لِّکُلِّ شَیْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِینَ" (النحل: 89)

اتحاد أصحاب الوعی والإدراک
یجب على المؤمنین أن لا یکتفوا ببذل الجهود المستمرة لمکافحة الإلحاد بل علیهم أیضا أن یتحدوا لحمایة دولهم وشعوبهم من المخاطر الناتجة عنه. فکلما کثر عدد الملتزمین بخدمة هذه القضیة کان القضاء على الإلحاد أسرع، فالوحدة تجلب القوة المادیة والروحیّة لأصحاب الإیمان. وهناک العدید من الآیات التی یأمر فیها الله تعالى المؤمنین بالاتحاد ونبذ الشقاق:
"وَأَطِیعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ" (الأنفال: 46)
وفی آیة أخرى یحذر الله تعالى المؤمنین بأن النزاع بینهم سبب لوقوع الفتن والضعف فی صفوفهم:
"وَالَّذینَ کَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَکُن فِتْنَةٌ فِی الأَرْضِ وَفَسَادٌ کَبِیرٌ" (الأنفال: 73)
وکما هو مذکور فی هذه الآیة، سوف یُحاسب المُسلمون الذین ینشغلون فی النزاعات والخصامات، وبالتالی یعوقون الآخرین عن القیام بالأعمال الحسنة. فصراعهم لا ینصبّ ضدّ الظالمین والمستکبرین الذین ینکرون دین الله والذین یسعون إلى تحطیم المجتمعات ودمارها. ولقد نبه الرسول صلى الله علیه وسلم إلى أهمیة الوحدة فی کثیر من الأحادیث من ذلک قوله:
عن أبی موسى الأشعاری رضی الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: "المؤمن للمؤمن کالبنیان یشد بعضه بعضا" وشبک بین أصابعه.
على المؤمنین أن یدعموا بعضهم البعض ویحثوا بعضهم البعض من أجل تقدیم الخدمات المفیدة للمجتمع. ومثلما بین بدیع الزمان سعید النورسی یجب على المؤمنین التضامن بواسطة المشاعر الأخویة:
"أیها المؤمنون، إذا لم تکن لدیکم الرغبة فی دخول ظلمات العبودیة المذلة فاستعیدوا مشاعرکم المُتوقدة واتخذوا من قول الله عز وجلّ حصناً لکم فی قوله تعالى: "إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (الحجرات: 10) من أجل الدّفاع عن أنفسکم أمام هؤلاء المعتدین الذین یستغلون فرقتکم،  وإلا لن تستطیعوا حمایة حیاتکم ولا الدفاع عن حقوقکم. من الواضح أنه إذا تصارع بطلان فکلاهما یصبح ضعیفًا لأن قواهما سوف تُنهک. ولو وُضع جبلان على میزان، ثم أضیفت حجرة صغیرة لأحد الکفین فلا بد أن یرجح على الکفة الأخرى. إذن، أیّها المؤمنون، یمکن أن تضعف قواکم ضعفا شدیدا نتیجة التخاذل الذی یعتری عزائمکم، وبالتالی تکون هزیمتکم بواسطة أضعف القوى. فإذا کان لدیک اهتمام بالتکافل الإجتماعی، فاجعل مبدءک فی الحیاة هو ذلک المبدأ السامی الذی یقول: "المؤمن للمؤمن کالبنیان یشد بعضه بعضا". وحینئذٍ، سوف تنجو من الذل فی هذه الدنیا ومن الشقاء فی الآخرة".

الوسیلة التی نصح بها بدیع الزمان لمقاومة الإلحاد
کان بدیع الزمان سعید النورسی یخبر المؤمنین فی العدید من کتاباته عن الطرق التی یتعین اتباعها عند مقاومة الإلحاد ةالإنکار، وفی هذا المجال یقول  رحمه الله تعالى:
"إن عدوّنا هو الجهل وفرض المفاهیم الخاطئة والشقاق. وسوف نتصدى لهؤلاء الأعداء بالجدّ والعمل والتعاون".
فالعدو الأوّل هو الجهل، ومن الضّروری التأکد أنّ الناس أصبحوا مدرکین لحقیقة التهدیدات التی تحیط بِهم، ففی المجتمع الإسلامی نجد أنّ أغلب النّاس متدیّنون، فهم یؤمنون بالله تعالى وبدینه. غیر أنّ العدید من المسلمین غیر مدرکین للتهدیدات التی تتربّص بالدّین وبالقیم الرّوحیة. فعلى سبیل المثال، کثیر من الناس یجهلون نظریة التّطور وأهدافها لدرجة أن بعضهم یمکن أن یقول: "أنا متدیّن، وفی الوقت نفسه أعتقد فی نظریة التطور". وهناک من لدیه إیمان مخلوط بالخرافات والمعتقدات الباطلة مثل تناسخ الأروح وانتقالها من جسد إلى آخر. فیجب القضاء على هذه المعتقدات الباطلة ونشر المعرفة والوعی فی أسرع وقت.
أما العدو الثانی الذی شخّصه بدیع الزمان فهو فرض المفاهیم الخاطئة؛ بمعنى ترویج الأفکار الغریبة وأسالیب الحیاة المغلوطة التی لا علاقة لها بالدین على الناس واعتبارها خیارا لا بدیل عنه. فعلى سبیل المثال، یتم فرضُ نظریّة التّطور من خلال وسائل الإعلام والکتب المدرسیة ومن خلال المدارس، وتُعرض باعتبارها حقائق ثابتة. ویبیّن بدیع الزمان أنّ نظریة التطور قد أنشئت على أساس افتراض شروط خطیرة، ویتم الترویج لها بواسطة عبارة مفادها أن "نظریة التطور هی العلم". و قد تم بالفعل تلقین هذا المذهب بصورة کبیرة وأصبح إنکار نظریة التطور إنکارًا للعلم نفسه. و فی مواجهة هذه المزاعم والتلفیقات من قبل أنصار نظریة التطوّر ودوائر المادیین من الضّروری إفهام الناس عدم صحة هذا المنهج الخطیر. ویمکن تحقیق ذلک عن طریق نشر الکتب والإصدارات المختلفة، وعن طریق وسائل الإعلام المختلفة.
وآخر عدو ذکره النورسی هو الشقاق، وهو یمثل تهدیداً خطیرًا فی عصرنا الحاضر، والأمر لیس هینا عندما تنشأ الخلافات بین المسلمین فی العدید من القضایا. فعندما یفشل الناس فی الوصول إلى حلول لتلک المشاکل تتحوّل تدریجیاً لتصبح سببا فی نزاعات مستفحلة. فیجب بیان الحقیقة فی ضوء الدلائل العلمیة للوقوف ضد هذه المخاطر، کما یجب شرح الحقائق المتعلقة بأصل الحیاة بصورة واضحة. ویمکن أن یقود ذلک العدید من أتباع التیارات المادیة ودعاة نظریة التطور إلى تغییر وجهتهم فی الحیاة والاهتداء إلى الحقیقة وبالتالی سلوک الصّراط المستقیم.
وفی الوقت الذی یوصی فیه بدیع الزمان باتباع تلک التدابیر إزاء هذه التهدیدات، یؤکد أیضاً على بعض العوامل المساهمة فی النجاح. وأوّل هذه العوامل هو الإبدع، والذی یلعب دوراً مهما فی مکافحة الإلحاد. وفی هذا السیاق فإن کلمة "إبداع" لها مدلولات کثیرة، فإنّ القدرة على کشف خلق الله البدیع هو من أهمّ الواجبات التی یتعین القیام بها. إذن، فالوضوح وبساطة الأسلوب وکذلک استخدام الصّور فی المنشورات المختلفة أمر ضروری لبیان الحس الرفیع لدى المؤمنین.
إن اعتماد الحکمة فی التفسیرات الشفاهیة هی مظهر من مظاهر الإبداع فی تبلیغ الحقیقة. فالاستخدام الفعال للغة أمر مهمّ للتأثیر فی المتقبّل، وهذا على نقیض ما نجده لدى أنصار نظریة التطور، فهم یقومون بتوظیف المصطلحات شدیدة التعقید والغموض عند شرح ما یسمونه بنظریة التطور "العلمیة". فالبساطة فی استعمال اللغة عامل یساعد الناس على فهم القضایا المتعلقة بالإیمان وتقبل الحقائق بسهولة. فالبساطة التی ذکرها بدیع الزّمان صفة امتدحها الله تعالى واعتبرها صفة من صفات عباده المخلصین والتی تتجلّى فیها أمانتهم وإخلاصهم. فتحدید المواضیع التی یجب شرحها للناس وفقاً لاحتیاجتهم والسّبل التی من خلالها یتم إطلاعهم علیها تمثل أمورًا مهمّة وسمات راقیة لذوی الوعی والإدراک.
وکان آخر نصیحة قدمها بدیع الزمان تتمثل فی الوحدة، فالوحدة ضروریّة من أجل توفیر الأمن الاجتماعی والاستقرار للبلاد والعباد. ومن الضرورة کذلک أن یتّحد المؤمنون ضدّ هؤلاء الذین ینکرون الوجود الإلهی ویناضلون من أجل هدم القیم الروحیة. ولا شک أن التعاون والتکافل یساعد على عدم تحقیق الأهداف التی یسعى إلیها أنصار الإلحاد والإنکار. والقول بأنه "لم یعد للداروینیة أی تأثیر" أو "هل مازالت هناک حاجة للرد على الداروینیة" أمر یحتوی على مضار کثیرة، بل إن هذه الأقوال قد تتسبب فی خلق نزاعات عن غیر قصد.
فلابد أن یستمر المخلصون من الناس الذین یتمنون الخیر لبلادهم ولإخوانهم فی الکفاح حتى یتم القضاء بشکل نهائیّ على الداروینیة إذ أنها مازالت إلى حد الآن منتشرة على نطاق واسع فی الأوساط العلمیة. ورغم أنّ أتباع نظریة التطور یقدمون حججهم بعنایة کبیرة إلا أنها لیست مقنعة بالمرّة. وعندما یتم القضاء تماماً على العداء ضدّ الدین، فحینذاک یمکن القول بأنه تم التخلص من تلک المعتقدات الخاطئةً. یأمر الله عز وجل فی القرآن الکریم المؤمنین بمواجهة الإلحاد والإنکار:
"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا یَعْمَلُونَ بَصِیرٌ" (الأنفال: 39)

الحقیقة التی تهزم أدیان الإلحاد
یوضح هذا الفصل سرًّا مهمّا فی الحیاة، ولذا یجب قراءته قراءة متأنّیة، فهو موضوع یهدف إلى إحداث تغییر جوهری فی نظرة الشخص إلى العالم من حوله. إنّ موضوع هذا الفصل لا یمثل مجرّد وجهة نظر أو مجرّد نظرة فلسفیة تقلیدیة، إنّها حقیقة یجب على کلّ شخص أن یدرکها ویعترف بها، سواء کان مؤمنا أو غیر مؤمن، وهی حقیقه أثبتها وأکدها العلم الیوم.
وکما تم بیان ذلک سابقاً، فإنّ أحد الأسباب المهمّة التی جعلت المُنکرین ینظرون إلى الدّین نظرة سلبیّة هو تقیمهم القائم على المعاییر المادیة البحتة، والافتراض بأنّ الحیاة محدودة بهذا العالم، وهذا سبب تعلقهم الشدید بها، کما هو موضح فی القرآن الکریم:
"إِنْ هِیَ إِلاَّ حَیَاتُنَا الدُّنْیَا نَمُوتُ وَنَحْیَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِینَ" (المؤمنون: 37)
ونتیجة سیطرة المعاییر الدنیویة یفشل أتباع التیار الإلحادی فی أن یکون لدیهم إدراک صحیح للأشیاء من حولهم، فهم ینظرون إلى الأشیاء دون ربطها بالله عز وجلّ ولا یستطیعون فهم أن جمیع الأشیاء موجودة بإرادته وقدرته  سبحانه وتعالى. ویصف الله عزوجل النظرة الدنیویة للملحدین على النحو التالی:
"یَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ" (الروم: 7)
وهناک حقیقة أخرى مهمة یفشل المنکرون فی فهمها، وهم بسبب ذلک یرتکبون جمیع أنواع الأعمال اللاأخلاقیة من أجل تحقیق المنافع الشخصیة وتلبیة شهوات النفس ورغباتها: فهم یفترون الکذب ویستهینون بالدین وینشرون الافتراءات ضدّ المؤمنین ویحاولون إلحاق الأذى بهم ... ، وهم لا یدرکون أنّهم فی حالة من الجهل الشدید حقاً، کما سیتبین فی الصّفحات التالیة.

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد