الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الخاتمة

الخاتمة

کما أکد هذا الکتابِ ، فإن التطور ومؤیدیه مقیدون کلیاً لأن العِلْمَ یَرْفض الدارونیةَ بشکل کامل.

والتطوریون یدرکون هذا، وکنتیجة لذلک ، فهم فی حالة رعب عظیم.
ومن ثم فهم یُهاجمونَ أولئک الذین یُدافعونَ عن حقیقةِ الخَلْقِ فی البرامجِ الحواریة، وفی اللجان، وفی کل مکان آخر.

ولکن بما أنهم لَیْسَت لدیهُمْ أجوبةُ، فهم فقط یُحاولونَ أَنْ یَستعیدوا الکلمة العلیا شفهیا.
ومنطق "دعنا لا نخلط الدینَ بالعِلْمِ، حیث أن الإیمان شیءُ و حقیقةَ التطورِ شىء آخر" إنما هومنطق یهدف إلى تفتیت الوحدةِ الإسلامیةِ وإضعاف مقاومتَها.

والرسالةَ الحقیقیةَ التی یدعو إلیها أولئک الذین یَقترحونَ مثل طریقةِ التفکیرهذه هی،
 
"أنه هناک عالم حقیقی، وهذا یُمْکِنُ أَنْ یُفْهَمَ بواسطة العِلْمِ، والذی یبین عدم وجود ثمة شیء کالخَلْق، بالرغم من حُرّیة أیّ شخصِ فی امتلاک معتقاداته الفردیة الخاصة."

ولکن هذا أیضاً مکر عظیم، لأنها حقیقةُ واضحةُ کون اللهِ قد خَلقَ هذا الکونَ وکُلّ الکائنات الحیّة وغیرالحیّة.
کُلّ تفصیل فی هذا الکونِ ماهوإلا برهانُ آخرُعلى خَلْقِه سبحانه وتعالى.
وفی واقع الأمر، فإنه لیس هناک دلیل على نظریةِ التطورِ ما یتعدى کونه "إعتقاد فردی" ورأی.
والمسلمون یَجِبُ أَنْ یَکُونوا مدرکین للاقتراحِ الخادعِ الذی یُحاولُ إظهارحقیقة الخَلْقِ أیضاً على أنها "إعتقاد فردی."
ومثل هذا الإقتراحِ یمکن هزیمته بسهولة، کما نقَرأ فی الآیةِ التالیِة:

"بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ " (سورة الأنبیاء ، الآیة 18)

ونجد أن الشکوک، والانهزامیة، وقلة المعلوماتِ، والشعور بالحیرة عند مجابهة نظریة التطورِ، هی سبب بذل بَعْض المسلمین جُهودِا ترمی للتوفیق بین مبادىء التطورِ والدینِ.

إلا أن مثل هذه الإنهزامیةِ شیء غیر ضروری بالمرة ، حیث أن التطوریین لَیْسَ لدیهُم أی تأیید أَو دلیل علمی یمکنهم من الدِفَاع عن نظریتِهم.
فهم یَتورطون فی الخِطابات الشعبیة بسبب إصرارِهم المستبد على نظریتِهم، ویُحاولُون إسْکات معارضیهم بواسطة الضغطِ النفسیِ. فموقفهم فی حقیقة الأمر موقف میئوس منه.

والتطوریون المسلمون لا یَستطیعُون رُؤیة کل هذا لأنهم غافلون عن آخر التَطَوّراتِ العلمیةِ.
فالذین یَفتقرونَ إلى المعلوماتِ الحالیةِ عن هذا الموضوعِ من الطبیعی جدا أن یَعتقدُوا فی صحة نظریةَ التطورِ.
وعلى أیة حال فإن مثل هذه المشکلة -الافتقار إلى المعلوماتِ- یُمْکِنُ حلها بسهولة، وذلک من خلال قراءة الکُتُبِ وغیرها من الکتابات الأخرى حول هذا الموضوعِ.

والمسلمون الذین لدیهم معلومات تفصیلیة حول نظریةِ التطورِلا یَجب أن یلتزموا الصمت أَو یترددوا عند مواجهة إدّعاءاتِ التطوریین.
وإلى جانب هذا، فإن التَفکیر فی شأن خَلْقِ اللهِ والفَنِّ المنزه من أی نقصان والذی یَتخلّلُ هذا الکونَ، اعتصاما بقوة بالقرآنِ، وفهم طبیعةَ الحقائقِ التی یکشف عنها القرآن لهوأسهل الطرق لتَحریر النفس مِن مثل تلک المؤثراتِ.
والعدید مِنْ المسلمین قَدْ یَقْبلونَ أوحتى یُدافعونَ عن التطورِ استنادا للأسبابِ المعطاة من خلال هذا الکتابِ.

إلا أن المبادىء الأخلاقیة الإسلامیة تَدْعو المسلمین للعَودة إلى الصراط المستقیم لحظةَ إدراک الضلالة .
فدعم الفکرالداروینی دون إدراک الأذى الخطیرالذی یُمْکِنُ أَنْ یُؤدّی إلیه ، لَیسَ على الإطلاق کمواصَلَة دعمه- على علم- بمدى خطورَة هذا الدعمِ.
فالمرء یُمْکِنُ أَنْ یَدْعمَ مثل هذه النظریةَ دون إدراک لمدى الخطرِ الناجم عن هذا الدعم أَو دون إدراک بطلانِها العلمیِ.

على أیة حال، فبمجرد التعرف على حقیقةَ المسألةِ، فإن الأفضل والأکثر استقامة هو مباشرة العملِ على دعم الصراع الفکری و الثقافی ضدّ هذه النظریةِ الضارّةِ.

یأمراللهُ المسلمین بذلک فی کتابه العزیز ، حیث یقول:

"وَالَّذینَ کَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَکُن فِتْنَةٌ فِی الأَرْضِ وَفَسَادٌ کَبِیرٌ " (سورة الأنفال ، الآیة 73)

 

"قَالُواْ سُبْحَانَکَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّکَ أَنتَ الْعَلِیمُ الْحَکِیم" ( سورة البقرة ، الآیة 32)

الباب الخامس ماذا لو لَمْ یُدرَکْ تهدید نظریة داروین؟

الباب الخامس
ماذا لو لَمْ یُدرَکْ تهدید نظریة داروین؟

الفصول السَابِقة قد تناولت الأخطاءِ التی وقع فیها بَعْض المسلمین الذین یدعمون نظریة داروین.

على أیة حال ، فهناک نقطة أخرى یجب أخذها فی الاعتَبار، وهی أن تلک النظریةِ تُمثّلُ خطرا خفیا على الآخرین، بالرغم من أنَّهم لا یُؤمنونَ بذلک فی الحقیقة

المسلمون الذین یَعتبرونَ نظریة داروین نظریة غیر ضارة لاتمثل مصدرا للأذى ، على الرغم من تعارضُها التام مع حقیقةِ الخَلْقِ، ثم بعد ذلک یَتنحونَ جانبا یُراقبون ازدهارها مکتوفی الأیدی إنما یُساعدُون فی الحقیقة على إحکام النظریة قبضتها على المجتمعِ بشکل أکثر قوة وعلى نطاق أکثراتساعا

ومن ثم فهم بذلک یَسْمحونَ بانتشار و نمُوالإلحاد. لهذا السبب، یَجِبُ على المسلمین أَنْ یَفْهموا الفلسفةَ الحقیقیة وراء هذه النظریةَ
و من المفترض أن تعبیر "النمو و الارتقاء "فی الفلسفةِ المادیةِ تعبیر علمی والفلسفة المادیة، بدورها ، وفی حقیقة الأمر ما هی إلا إلحاد

هذا یَعْنی بأنّ کُلّ مسلم یَجِبُ أَنْ یَشْنَّ حربا فکرِیة ضدّ الإلحاد

أولئک الذین یَعتقدونَ أن الدارونیةِ لَیسَت تهدیدا مخطئون

یَزْعمُ بَعْض المسلمین بأنّ التطورِ شیء من الماضی ولَمْ یَعُدْ مقبولا، ولذا لا یُشکّلُ تهدیدا خطیرا مِنْ وجهةِ نظر الإسلامِ. وکنتیجة لهذا الزعم أوالاعتقاد الخاطىء، یَرونَ بأنه لا حاجة لإظهار بطلانَه وإدّعاءاتَه اللاعلمیةَ.
فهم یَدّعونَ "بأنّ الدارونیةِ قد ماتت."

وعلى العکس تماما ، فإن العدید مِنْ الناسِ ما زالوا یَدْعمونَ التطورَ - نظریة النمو والارتقاء - بسبب ما تحتویه من فلسفات ، على الرغم من إفلاسها العلمی

 فالداروینیة ما زالت مؤثرة جداً فی العدید مِنْ البلدانِ، والجامعات،و أجهزة الإعلام، والمَدارِس.71

وفی الحقیقة، تَبْقى الدارونیةَ نشیطةً على المسرح العالمی، بالسَیْطَرَة على المؤسسات الأکادیمیة، وأجهزة الإعلام الدولیة، ووجهات نظر النخبة الحاکمةِ.

والتطوریون یُمْکِنُ أَنْ یُمارسوا مِنْ الضغطِ على العالمِ العلمیِ ما یعتبر على درجة من الأهمیة لا یجب إغفالها.

التعلیقات الأحادیة الجانب التی تنشر فی المقالات العلمیةِ ویراها العالم من خلال أجهزةِ الإعلام، تصَورُ نظریة النمو و الارتقاء کحقیقة مُطلقة.
وأجهزة الإعلام بشکل خاص ، والتی تُؤثّرُ على قسم کبیر مِنْ المجتمعِ، یستغلون أیما حفریة یتم اکتشافها کبرهان جدید على التطورِ. والنظریة مَدْعُومة مِن قِبل الدارونیین الأکادیمیین فی المَدارِسِ والجامعاتِ.


Prof. Philip Johnson

أما العلماء المؤمنونَ بالله فیمحقون مهنِیا ، ولا تنشر کُتُبهم ومقالاتهم وذلک لرفضهم نظریة داروین.
علاوة على ذلک، فهم یَتّهمونَ بالدوغماتیةِ والرجعیة والتخلفِ.

و فی البلدانِ الغربیةِ إذا رغب أحد العلماء فی تأسیس مستقبل مهنی أکادیمی، فیَجِبُ علیه أَنْ یَغْضّ الطرف عن الدارونیةِ ، بل و یَجب علیه کذلک أن یدعمها ، سواء أرغب فی ذلک أَولم یرغب.

وفیما عدا ذلک، سیکون من الصّعبِ جداً الارتِقاء فی مهنتِهم التی یختَاَرونها72

أحد أبرزِالنقّادِ العلمیینِ لهذه النظریةِ هوالأستاذ فیلیب جونسن، أستاذ القانون فی جامعةِ کالیفورنیا - بیرکیلی والزعیم الفکری لحرکةِ التصمیمِ الذکی، 73 الذی یَصِفُ کَیف أن النظریة - نظریة داروین - تستعمل کسلاح ضدّ الإیمانِ الحقیقیِ ، یقول جونسن:


Prof. Dr. Ali Demirsoy

إن زعماء العِلْمِ یَرونَ أنفسهم وکأنهم قد حُبِسوا فی معرکة مستمیتة ضدّ الأصولیین الدینیینِ , وهی العلامة التی یَمِیلونَ إلى إلصاقها بأی شخص یُؤمن بوجود خالق یَلْعب دوراً نشیطاً - فعالا - فی الشؤون الدنیویة.
هؤلاء الأصولیون ینظر إلیهم على أنهم تهدید على الحریةِ - اللیبرالیة - التحرّریةِ، و کذلک على دعم الرأی العامِ للبحث العلمی على وجه الخصوص.

وباعتبارها أسطورة الخَلْقَ للطبیعیةِ العلمیةِ، تَلْعبُ الدارونیةَ دورا أیدیولوجیَا - فکریا - لا غنى عنهَ فی الحربِ ضدّ الأصولیَّةِ.

ولهذا السببِ، فإن المنظمات العلمیة تُکرّسُ مجهوداتها لحِمایة الدارونیةِ بدلاً مِنْ إختِبارها، بل إن قواعد البحث العلمیِ شُکّلتْ لمُسَاعَدَتهم على النجاح 74

وباستعمال هذه "الدکتاتوریةِ الثقافیةِ" ، فإن التطوریین یُحوّلونَ بَعْض الجامعاتِ إلى أعشاشِ للتعلیمِ الداروینی تنتجِ خرّیجین یَعتقدُون فی کون الفلسفةِ المادیةِ عِلْمُ فی حد ذاتها.

فهم یَعتقدونَ أن الحقَّ فی التعلیمِ و التعلم یجب أَنْ یُسْلَبَ مِنْ المؤمنین بالله.
وإحدى أوضحِ الأمثلةِ على هذا ، الموقفِ العدوانی الغاضبِ لعلی دیمیرسوی تطوری والأستاذ الترکی النشؤی، أثناء إحدى المناظرات المُتَلفَزة حول موضوع التطورِ.

یقول علی "لا یجب السماح لأی عالم یُؤمنُ بالله أن یدخل الجامعة.

وإنی لأطرد المؤمنین مِنْ الجامعاتِ إن استطعت."

تَکْشفُ مثل هذه الأقاویل موقفَ التطوریین المُضر بشکل غایة فی الوضوح.
قَدْ یَکُون المسلمون متفائلین بشکل مبالغ فیه ، وذلک لکونهم غافلین عن الحقائقِ هذا الموقف الفعلیةَ، ولذا فهم غیر قادرین على إدْراک الدارونیةِ على أنها تهدید بالغ الخطورة.

على أیة حال، فإن المادّیین وخصوصاً المارکسیین یَشْنّونَ حربا جادّة ضروس ضدّ الدینِ بواسطة التأیید "العلمیِ" الذی تمدهم به الدارونیةِ.

ولِهذا فإن المسلمین فی حاجة ماسة لتَحریر أنفسهم وبِأسرع ما یمکن مِنْ خطأِ التَفْکیر بأنّ الدارونیةِ قد انتهت .

ففی الوقت ذاته الذی یَشْنّ فیه التطوریون حربا عالمیة مِنْ الأفکارِ ضدّ الدینِ، فإنه لخطأ کبیر القَول بأن النظریةِ قد ماتت وأَنْ یغفل أذى الدارونیةَ .
 
 تَفادی الحربِ الفکرِیة إنما یعمل على تَقوّیة الدارونیةً

أولئک الذین یَعتقدونَ بأنّ الدارونیةِ قد ماتت أَو أنها لا تُمثّلَ أی خطرِ، الذین ینَشرون تلک الفکرةِ فی دوائرِهم الخاصةِ، إنما یُساعدُون النظریةَ الجدیدةَ على اکتساب حجة جدیدة   ، سواء أکان ذلک عن عمد أو غیر ذلک.

فهم عندما یقدّمون ذلک الرأی، یعتقد العامة من الناسَ بأنه لیس هناک مثل هذا الخطرِ،  الداروینیة.
وعلاوة على ذلک، فإن هذا الاعتقاد الخاطىء یحول دون تکون الحسّاسیة الأیدیولوجیة والعلمیة اللازمة تجاه الدعایةِ الدارونیة الکاذبة، وأباطیلها،ومقترحاتها، مما یؤدی ذلک بدوره إلى عدم إمکانیة اتخاذ الإجراءات الوقائیة المضادة.

الذین یُؤمنونَ بالتطورِ یُواصلونَ العمل على تَهْیِئة الأساسِ، وإن کان باللجوء إلى حقائقِ قدیمةِ، ویُدافعُون بکل عنف عن النظریةِ فی أیما فرصة مواتیة.

یُحاولونَ إبْقاء أفکارِهم حیّةِ، ولوکان ذلک بالبطلانِ والتشویهِ.
وبما أن العدید مِنْ المسلمین لا یعتقدونَ فی خطورة مثل هذه النظریة، یترتب على ذلک أنهم یهملون القرأة عنها أو دراستها ، ومن ثم إن التقوا بمن یعتقد فی صحتها یعجزون عن الرَدّ بشکل ذکی إذا ما نوقشت هذه النظریة.

وعلى الرغم من ذلک فإنه من السّهلِ تَعَلّم بل وإدْراک بطلان هذه النظریةِ، حیث أنها فرضیة ترجع إلى القرن التاسع عشرِ قد فَقدتْ کُلّ التبریر العلمی.

علاوة على ذلک، فإن البیانات العلمیة الخاصة بأصلِ الکونِ والحیاةِ - مثل "التَضْبیط الدقیق" لهذا الکونِ (المَعروف کذلک بِالمبدأِ الأنثروبی)، وکون الحیاةِ على درجة کبیرة من التعقید على المستوى الجزیئیِ، والمعلومات المعقّدة المنبثقة من البحث فی أصلِ الحیاةِ، والظهور المفاجئ لأشکالِ الحیاةِ شدیدة التمیّز فی سجلِ الحفریات ، إنما هی معطیات تُؤکّدُ على حقیقةَ الخَلْقِ دون النمو و الارتقاء.

إلا أن فشل المؤمنین بالله حقا فی البَحْث فی هذه المعطیات أَو حتى تَعَلّمها ، یؤدی حتما إلى مواصلة افتِقارهم إلى المعرفةَ الکافیة التی تؤهلهم للرَدّ بشکل ذکی على التطوریین.

لذا، فهم یُصارعونَ من أجل الرَدّ بالمنطقِ الخاطئِ والمعلوماتِ والأمثلةِ الخاطئةِ.
و یَجِبُ على المسلمین أَنْ یُدرکوا الخطرَ الحالیَ الذی تشکله نظریة داروین للنمو و الارتقاء ویُؤمنوا بضرورةِ الحرب الفکرِیة على الداروینیة قَبْلَ أَنْ یلجأوا إلى

استعمال المحورالأدبِی الذی لا حدود له والذی یَتعاملُ مع زیفِ الفکرِ الدارونی.
وبأخذ هذه الحقیقةِ فی الاعتبار، فإن الخلقیین التطوّرین الذین یَعتقدُون بأنّ الدارونیةِ لاَ تُشکّلَ أی خطرِ، إنما یسألون عن منهج الصمت الذی ینتهجه المسلمون تجاه الدارونیین. نَقُولُ هذا لأن بالرغم من کون هؤلاء - الخلقیین التطوّرین -  لا یَعتبرونَ الصدفةَ قوة خالقة و یُؤمنونَ باللهِ، إلا أنهم یَفتقرونَ إلى الحقائقِ اللازمة لتَبنّی نظرة صحیحة وثابتة عند مجابهة إدّعاءاتِ التطوریین.

ولذا فهم یَبْحثونَ عن حل وسط یمکن من خلاله الربط بین تلک الإدّعاءاتِ وبین إعتقاداتِهم الخاصةِ.
ونتیجة لذلک ، فهم قدّموا أفکارا کتلک التی محتواها أن " اللهَ خَلقَ الکائنات الحیّةَ بواسطة النمو و الارتقاء " أَو أخرى تقول أن " التطور یتفقُ مع الدینِ."

على أیة حال، فکما یوضّحَ هذا الکتابِ ، هذه الحالةِ غیر مقبولةُ بالنسبة لأیّ مسلم یُؤمنُ باللهِ حقاً.
التطوریون یَدّعونَ التحدث باسم العِلْمَ، و لکنهم ، فی الواقع، یَکْذبونَ باسمِه.
ولِهذا فیَجِبُ على المسلمین ألا یصدقوا ذلک المکر، بمظهرِه "العلمیِ" الخارجیِ ، بل یَجِبُ علیهم أَنْ یتحروا حقیقة العقائدِ التی تساندها هذه النظریةِ .
الفشل فی إدْراک الفلسفةِ الملحدةِ والهیکل النظامی الذی تستَنَد إلیه هذه النظریةِ ، بالإضافة إلى الاعتِقاد فی صحته، إنما یعنی الاستسلام له وکذلک الاشتراک فی جزء من اللومِ على کل هذا الأذى الواقع على البشریةِ بسبب الدارونیةِ.

وبدون أنْ یدرکوا ، فإن مثل هؤلاء المسلمین یلحقون بالمجتمعِ أذى عظیمَا .

لهذا کله،  یَجِبُ على التطوریین المسلمین أَنْ یُعیدوا النظر فی الأفکارِ التی یَدْعمونَ. والاسْتِسْلام للجانبِ الآخرِ- نظریة دارون -، على الرغم من کونه مخطئ وأن نظریةُ داروین غیر مُثبتةُ وغیر موثوق فیها، وکذلک محاولة تَکییف الإسلامِ مع الدارونیةِ إنما هی خیاراتَ مرفوضة.
ونحن لا یَجِبُ أنْ نَنْسی أنّ المسلمین کُلّهم مُلزمونَ بشَنّ حرب فکرِیة لدحض أیّ فکر مُنکرُ لوجودَ اللهِ واسْتِعْمال الحقِ لإزهاق الباطلِ.
التهرب من تلک المسؤولیةِ، بنیة التوصل للاتفاق مَع المُلحدین، والتنازل للجانبِ الآخرِ أَو الاستسلام لأفکارِهم کُلّها أخطاء شدیدة الخطورة.
فعلى سبیل المثال، فی مجتمع تسوده الشیوعیة ، واجب أی مسلم لَیسَ "أسْلمة" الشیوعیةِ.

فمثل هذا الأسلوب إنما یَخْدمُ مصالحَ الشیوعیةِ دون غیرها و لَنْ یَعود بأی نفعِ على الدینِ. 
فواجبَ المسلم فی هذه الحالة هو إسقاطَ الشیوعیةَ کفلسفة، ومهاجمُتها على المستوى الفکرِی، وإظهار حقیقةِ الإسلامِ.
بالطّریقة نفسها، فواجب أی مسلم لَیسَ "أسْلمة" الداروینیة ، وإنما واجبه إسقاطَ تلک الکذبة العظیمة الکذب ، ومهاجمُتها على المستوى الفکرِی، وإظهار حقیقةِ الخلقِ.

ولذلک فإنه  یَجِبُ علی المسلمین أَنْ یَتصرّفوا بإدراک و وعی وفطنة و یتبعوا ما تملیه علیهم ضمائرهم وألا یَدْعموا الدارونیةَ، والتی هی قاعدة کُلّ الفلسفات الملحدة.

الدارونیة تُشکّلُ تهدیدا على المجتمعِ

لا أحد یفکرُ بأسلوبِ متحرر وصادقِ وغیر متحیّزِ یُمْکِنُ أَنْ یَعتقدَ حقا بأنّ الذرّاتِ الغیر واعیةِ قد تجمعت سویا بِمحض الصُّدفَة، ونظّمَت نفسها، وانبثق منها فی النهایة أناس یفکرونَ، ویحللون، ولدیهم أحاسیس ، ویبصرون، ویَسْمعُون، ویُؤسّسُون الحضارات، ویوجدون الاکتشافات ، ویبتکرون القطع الفنیةَ، وقد یشعرون بالبهجة،أو الحُزن ،أَو حتى یَدْرسُون الذرّاتَ التی تکُون أجسامَهم باستخدام المجهرِ الألکترونی.
ورغم کل ذلک فإن هذا الإعتقادُ اللاعقلانیُ هوذاته الذی تَفْرضُه نظریة داروین على الناسِ.

وبالرغم مِنْ المصطلحات العلمیِة التی یَستعملونَها، فإن ذلک هو جوهرُ المنطقِ الدارونی.

الناس الذین یَقْبلونَ مثل هذا "المنطقِ" إنما یَبْدأُون فی فَقْدان قدراتِهم على التحلیلِ والحکمِ العقلانیِ.
وهم بعد أن قبلوا هذا السیناریو الأکثر إستحالة ککونه منطقیّ ، یُصبحونَ غیر قادرین على رُؤیة البراهینِ شدیدة الوضوحِ المرتبطة بالإیمانِ الدینیِ.
ومثل هؤلاء الناسِ، من الذین فَقدوا القدرةَ على التفکیر ورُؤیة الحقائقِ شدیدة الوضوح، وعلى فهْم حقیقة الاقتراحاتِ والدعایةِ التی یتعرضون لها ،

وممَنْ یتقبلون فکرة النمو و الارتقاء بصورة عمیاء بهدف اتباع الغالبیة لیس إلا ، یُمْکِنُ انجذابهم بکل سهولة إلى أیّما إتّجاه.
بعد الوُصُول إلى تلک المرحلةِ، فمثل هؤلاء الناسِ لا یَستطیعونَ إسْتِعْمال حتى ذکائهم الخاص , وهی حالة تُسهّل ُ کثیرا إعْطائهم بندقیة وإرسالهم لِیصبحَ أحدهم إرهابیا أوإقناعهم أن داروین یَقُولُ بِأَنَّ "هذا الشخصِ ینتمی إلى جنسِ دون المستوى، ومن ثم یمکن َقْتلُه أَوقْتلُها."

وفی حقیقة الأمر، فإن الضررَ الذی لحق بالشبابِ بسبب الدارونیةِ فی العدید مِنْ البلدانِ یعتبرُغیر قابل للتعدیل مرة أخرى.
فالمشاغبون فی إنجلترا، والنازیون الجدد فی ألمانیا، وحلیقو الرؤوس فی أمریکا، بل وأغلبیة الشبابِ فی کافة أنحاء العالم قد فقدوا کُلّ الصفات الإنسانیة.

مثل هؤلاء الناسِ، الذین هم قتلة ووحوش ، إنما هم أمثلةَ حیة على خطرِ الدارونیةِ.
وسبب أن مثل تلک الدول تواجه مشکلة فظیعة مَع شبابِها أَنَّ هؤلاء الشبابِ قد تلقوا  تعلیما دارونیا.
ونحن یَجِبُ أَنْ ندرک أنّ الذین تربوا بهذه الطریقة لن یَجْلبوا سوى الأذى للجتمعاتِ التی یَجِدونَ أنفسهم فیها.
ففی یوم من الأیام ، شباب الیومِ سَیَصیرون بالغین، ومدیرین، ودبلوماسیین، ومعلمین.
إذن فلو کنَّا نَتمنّى أن نرى  فی المستقبلِ حضارة حدیثة و متقدّمة علمیاً و عقلانیة، فیحتمُ علینا ذلک أَنْ نُعلّمَ شبابَنا واضعین ذلک الهدفِ نصب أعیننا.
وهذا لا یُمْکِنُ تحقیقه إلا بتحریر شبابنا مِنْ الأفکارِ والأباطیلِ الدارونیة وأن نفسر ونوضّح لهم بأنّهم لَمْ ینشأوا من الحیوانات فی بادىء الأمر ، بل الله خَلقَهم ، وأن لکل واحد منهم روح، وأنهم یَمتلکُون المعرفةَ الأعظمَ بین جمیع الکائنات الحیّة.
أی أننا یجب أن نعلمهم بالحقیقة.


Ruling elites that teach Darwinism to their young people as a scientific fact encourage aggression in them as well as the lie that it is necessary to fight to win the supposed "struggle for survival."

فإذا عرف الشبابَ بأنّ الله هو خالِقهم وأنه وهب لهم روحا شریفةِ ومتفوّقةِ وذات وعی وضمیر ، فسَیَتصرّفونَ وفقاً لذلک.
أما إذا هم حملواعلى الإعتِقاد بأنّهم قد تَطوّروا مِنْ الحیواناتِ، وأنهم یشترکون مع القرودِ فی النسب ، وما إلى ذلک من أفکار أخرى مماثلة ، فسَیَنْظرونَ إلى الحیاةِ على أنها صراع تبرر فیه غایة الانتصاروسائل تحقیقه.

وکنتیجة حتمیة لذلک سَیَظْهر جیل أنانی وغیرمسئول، قادر على کُلّ أنواع الوَحْشیَّةِ یفتقد إلى مفاهیمِ التَحَمّلِ، والحبّ، والاحترام، َو الأخوّة .
وعلى أیّة حالٍ ، فإنهم سَیَرونَ أنفسهم وغیرهم من الأساس عدیمی القیمة بسبب اعتقادِهم بأن الناس جمیعا ینْحَدرون مِنْ الحیواناتِ.
والاعتقاد بأنه لیس هناک هدف من وراء تبنی حیاةَ شریفةَ وأخلاقیةَ، فسیظهرون کُلّ أنواع الشرِّ واللا أخلاقیة بشکل أنانی .


Countries that raise terrorists by their own hands due to this mistaken education policy then try to round up these "robots of death." The true solution, however, is to provide these young people with an education that contains no trace of Darwin's ideas, all of which have been proven false and unfounded by modern scientific discoveries.

إذن فما یتطلّب عمله،هو إزالة دکتاتوریةَ المفاهیمِ والنظریاتِ التطوریة من المَدارِسِ، والکُتُب، والصحافة وأجهزة الإعلام والدوائر الإجتماعیة  - باختصار، من کل مکان - وتَوجیه الناسِ نحو الرشدِ والتَفْکیر العمیقِ اللذان یطَالبان بهما القرآن والعِلْم.



71. See Harun Yahya, Darwinism Refuted, Goodword Books, New Delhi, 2003; Phillip E. Johnson, Reason in the Balance, Intervarsity Press, 1995; Phillip E. Johnson, The Wedge of Truth, Intervarsity Press, 2000; Benjamin Wiker, Moral Darwinism: How We Became Hedonists, Intervarsity Press, 2002

72. In the United States, several academicians who have criticized Darwinism have been pushed out from their positions by the Darwinist establishment-institutions like the American Civil Liberties Union and the National Center for Science Education. Robert deHart, a highschool teacher, was ousted in 1998 merely for mentioning to his students some information that criticized the theory of evolution.
73. Phillip E. Johnson is one of the leading figures in the intellectual challenge against Darwinism. His books include Darwin on Trial, Reason in the Balance, Defeating Darwinism by Opening Minds, Objections Sustained and The Wedge of Truth.

74. Philip E. Johnson, Darwin On Trial, Intervarsity Press, Downers Grove, Illinois, 2nd ed, 1993, p.155

الباب الرابع َأخطاء أولئک الذین یَستندونَ إلى الآیات القرآنیة "ل

الباب الرابع
َأخطاء أولئک الذین یَستندونَ إلى الآیات القرآنیة "لإثْبات" التطورِ

إنّ عواملَ الإرشاد الأساسیةَ لأیّ مسلم یُؤمن باللهِ ویدین بدین الإسلام هی القرآنَ والسنة و هی تعالیم النبی، صلى الله علیه وسلم.
 یَحتوی القرآنُ على العدید مِنْ الآیاتِ الخاصة بخَلْقِ الحیاةِ و خَلْقِ الکونِ.
 إلا أنه لا شئ من هذه الآیات یعطی ولوحتىالإشارةَ الطفیفةَ إلى الخَلْقِ التطوریِ.

بمعنى آخر، فإن القرآن لا یَدْعمُ فکرةَ أن الفصائل أوالسلالات المختلفة قدِ تَطوّرتَ مِنْ بعضها البعض أَو بأنّ هناک رابطة أوعلاقة تطوّریة بینهم.
بل على العکس، یَکْشفُ لنا القرآنَ بأنّ اللهِ قد خَلقَ هذا الکونَ بکل ما فیه من حیوات بشکل أعجوبی بأَمْره "َکنَ! ".

وعندما نَتذکّرُ بأنّ الإکتشافاتِ العلمیةِ تُبطلُ هی الأخرى عملیة النمو و الارتقاء ، فنحن مرةً أخرى نَرى کَیفَ أن القرآنَ یسیر بمحاذاة العِلْمَ دائماً.

وبالطبع، فلو شاء اللهَ لَخْلقَ أیّ شئَ بواسطة التطورِ. إلا أنه لیس هناک أیة إشارة إلى ذلک فی القرآنِ، ولا توجدَ آیة واحدة تَدْعمُ إدّعاءَ التطوریین بأن السلالات والأنواع قد نشاءت بالتطوّرَ التدریجیِ.

 فلو کان الخَلْق قد حَدثَ بهذه الطریقة، لکَناَ قد رأینا تفاصیلِه ضمن آیات القرآنِ.
بالرغم من أنَّ کُلّ شیء على هذا القدر من الوضوح الشدید ،إلا أن بَعْض المسلمین ممن یؤیدون داروینِ یسیؤون فهم بَعْض الآیاتِ و ینسبون إلیها معان لاتتفق مع تلکَ المعانی الواضحة والجلیةَ التی تدعو إلیها حقا هذه الآیاتِ .

وبهدف الُدفاعَ عن نظریة التطورِ وتُزویّدهاُ ببَعْض الدلائلِ القرآنیة المزیفة ، فإن معانی بَعْض الآیاتِ قد شوّه، واعتمد على التخمین والتضلیل فی تفسیرمعانی بعض الآیات .

وحول کون الناسِ فی هذه الحالةِ الخطرةِ، یَقُولُ الله تعالى:

"وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِیقًا یَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْکِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْکِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْکِتَابِ وَیَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَیَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْکَذِبَ وَهُمْ یَعْلَمُونَ" (سورة آل عمران ، الآیة 78)

أولئک الذین یَعْرفونَ القرآنَ و مازالوا یَحرفونَ معنى آیاته الأصلیِ ویسیؤونَ فهمها عن عمد إنما یرتِکبون بطلاناِ عظیما فیّ حق اللهِ.
لا یجب على أی مسلمَ أومسلمة عمَلُ شیء کهذا عن طیب خاطر ، خشیة من عواقب مثل تلک الفعلة.

ومن ثم فإن کُلّ التعلیقات المستندة إلى التخمینِ ، خصوصاً إن کانت صادرة عمن هم على درایة جیدة بالقرآنَ وما یَقُولهُ بصدد مثل هذه الأمورِ المهمةِ، غیر مقبولة من الناحیتین الأدبیة و الأخلاقیةً. بالطبع فإَنْ مثل هذا التعمیمِ على کُلّ من یَدّعی بأنّ التطورِ متوافقُ مع الدینِ شىء غیر صحیح ، وذلک لأن البعض مِنْهُمْ لا یُفکّر بشأن ما یعنیه مثل هذا الإدّعاءِ و لا یُدرک َ الأخطارَ الخفیةَ المترتبة علیه.

إلا أنه، لا یَجِبُ على الناس أن یُضلّلوا بعضهم بعضا بالاستناد إلى ما  یَقُولهُ القرآنِ و بالکَلام على لسانِ اللهِ بغیرالحق باستعمال آیاته ُ لإثْبات النمو و الارتقاءِ .

أولئک الذین یَفعلونَ ذلک یَجِبُ أَنْ یُعیدوا النظر فی خطورةِ ما یَعْملونَ ویَتجنّبونَ مثل هذه التفسیراتِ أَو التعلیقاتِ،  وذلک لأن الله سَیُحمّلُهم مسؤولیةَ کلامِهم هذا.

لَیسَ فقط مثل هؤلاء الناسِ یَخْدعونَ أنفسهم، ولَکنَّهم یَخْدعونَ أیضاً أولئک الذین یقَرأون کلامَهم هذا ، و یا لها من مسؤولیة ثقیلة.
وفی الأساس : فإن المسلمین الذین یُؤمنونَ بالتطورِ یَقْبلونَه کحقیقة علمیة وهکذا فإنهم ینظرون إلى القرآن من منطلق حتمیة تأکیدَه على صحة التطورَ.

وهکذا یُحمّلونَ کُلّ کلمة قد تشتمل على تفسیرَ تطوّریَ ظاهری بما یستحیل أن تحَمله فی حقیقة الأمر من معان.
عندما یؤخذ القرآن فی الاعتبار کوحدة واحدة لا تحتمل التجزئة ، أَو عندما تُقْرَأُ الآیة موضع السّؤال بالإرتباط مع ما قَبلهاَ وماَ بَعدها، فسیَرى المرء أنّ التفسیراتَ المعَروضةْ خاطئة بل وعاجزةُ کذلک.

فی هذا الفصلِ، سَنأخذَ فی الاعتبارُ تلک الآیاتِ التی یقدمها المسلمون الذین یَقْبلونَ نظریة النمو و الارتقاء کدلیل على صحتها.
ثمّ سَنَرْدُّ على إدّعاءاتهم، بالقرآنِ أیضا ، وسنُقارنُ تفسیراتهمِ بالتی للعلماءِ الإسلامیینِ البارزینِ.
على أیة حال، نحن یَجِبُ أَنْ ندرک الحقیقةِ الأساسیةِ التالیةِ:

القرآن یجب أنْ یُقْرَأَ ویفسرَ بالشکلِ الذى أوحى به اللهِ ، وذلک بقلب مخلص تمام الإخلاص وبدون الُتأثّرَ بأیّ فکر أَو فلسفة غیر إسلامیة.
والتفکر فی معانیُ القرآنِ بهذا الإسلوبِ سَیَکْشفُ لنا أنّه لاْ یَحوی أی إشارات أو دلالات تخص الخَلْقِ بالتطورِ.
بل على العکس، فسَنَرى أنّ اللهِ خَلقَ الکائنات الحیّةَ بل وغیرالحیة کذلک وکُلّ شیء آخر بأمرإلهی واحدِِ "َکُن! "
ولو وَجدتَ المخلوقاتِ الأنصاف آدمیین و الأنصافِ قرود حقاً قبل النبی آدم، لبین الله لنا ذلک بأسلوب واضح وسلس الفهم.
وانطلاقا من حقیقة کون القرآن میسر للفهم و شدید الوضوح فإنه یمکن الجزم بأن ادعاءات النمو و اللارتقاء و الخَلْقِ التطوّریِ إنما هی ادعاءات کاذبة .


Evolutionist scientists draw their strength from forgeries, distortions, and works of fantasy, and not, as some Muslims think, from scientific evidence. Reconstructions are an example of these distortions.Evolutionists shape features that leave no trace in the fossil record (e.g., the appearance of nose and lips, hair style, the shape of the eyebrows, and body hair) in order to support evolution. They portray these imaginary creatures as walking with their families, hunting, or engaged in some other aspect of daily life. Yet none of these creatures is supported by the existence of even one fossil.

1. عدم صحة کون الإنسان قد خُلِقَ من خلال المراحل التطوّریة 

"مَّا لَکُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَکُمْ أَطْوَارًا" ( سورة نوح، الآیات 14،13 )

أولئک الذین یَدْعمونَ الخَلْقَ التطوّریَ یُفسرون "أَطْوَارًا" وکأنها تعنی المرور بمراحلِ خلق تطوّریةِ.
على أیة حال، فإن تفسیر الکلمةِ العربیةِ "أَطْوَارًا"  على أنها إشارة إلى مراحل خلق تطوّری، لا یتعدى کونه رأی شخصی، و لَمْ تُقْبَلُ بالإجماع مِن قِبل کُلّ علماء المسلمین.

وکلمة "أَطْوَارًا" - حال - هی جمعُ "طور"، و لا تَظْهرُ فی هذه الصیغة فی أیة آیة قرآنیة أخرى.
تفسیرات العالمِ الإسلامیِ لهذه الآیة تُبیّنُ هذه الحقیقةً.

یفسر الإمام الطبری هذه الآیة فیقول :" وقد خلقکم حالاً بعد حال, طورا نُطْفة, وطورا عَلَقة, وطورا مضغة " 44
یفسر Omar Nasuhi Bilmen الآیة نفسها فیقول:" لقد خلقکم الله على مراحل مُخْتَلِفةِ. فلقد کنتم فی بادىء الأمر نطفة ، ثم صرتم علقة ، ثم أصبحتم بعد ذلک مضغة، ثمّ بعد ذلک أنشأکم الله بشرا . ألَیستْ کُلّ هذه الحوادثِ والتغییراتِ المتجانسة والنموذجیةِ ببراهین شدیدة الوضوح على قوَّة، وعظمة الله الخالق ؟ لم لا تتفکرون فی خلقکم أنتم ?" 45

کما نَرى هنا، یُتفقُ علماء القرآن المسلمَون على أن تفسیر الآیة 14 من سورة نوح یشیرُ إلى عملیةِ تطورِ الإنسانِ  بدءا مِنْ اتحاد المنی مع البویضة.

و انطلاقا مِنْ مبدأِ " تفسیر القرآن بالقرآن " فلقد فسرعلماء القرآن المسلمَون هذه الآیة أعلاه کماسبق ذکره لأن اللهِ یفسرلنا من خلال آیاتِ أخرىِ تُوضّحُ  لنا أن مراحلَ الخَلْقِ المشار إلیها هی التی تکون داخل رحمِ الأمَّ.
و لِهذا فإن کلمة " أَطْوَارًا " یَجِبُ أَنْ تُفسرمن هذا المنطلق.

لاْ مُبرّرْ لإسْتِعْمال الکلمةِ کتدعیم لنظریةِ التطورِ، و التی تُحاولُ رَبْط أصولِ الإنسان بسلالات وأنواع أخرىِ من الکائنات الحیّةِ.


2. عدم صحة احتواء القرآن على إشارات دالة على العملیةِ التطوّریةِ

"هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ حِینٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُن شَیْئًا مَّذْکُورًا(سورة الإنسان ، الآیة 1).

یَستعملُ نفس الناسِ هذه الآیةِ أیضاً کدلیل على التطورِ.
ففی التفسیرات المستندة للأهواء الشخصیِة، فإن التعبیر " لَمْ یَکُن شَیْئًا مَّذْکُورًا" یفسر على أنه " حالات سابقة مرَبها الإنسان قبل أن یصیرإنسانا على صورته الحالیة "

إلا أن هذا الإدّعاءِ بعید کل البعد عن الحقیقةِ کغیره من الادعاءات الباطلة الأخرى.
مُحَاوَلَة إستعمال هذا التعبیرِ کدلیل للتطورِ یعتبر إجبارا للتفسیر للسیر فی اتجاه معین .
و فی الحقیقة، فإن علماء القرآن لا یُفسرونَ هذه الآیة على أنها إشارة إلى عملیة تطوّریة.

lam yakun :
he was not
shay'an :
a thing
madhkuran :
mentioned

على سبیل المثال، یعلق Hamdi Yazirعلى هذه الآیة التعلیقات التالیة: " فی البِدایة کَانتْ العناصرَ والمعادنَ، ثمّ بعد ذلک خلقت منها على مراحل عناصر الغذاء النباتیة والحیوانیة - "سُلالَةٍ مِّن طِینٍ " ( سورة المؤمنون ، الآیة 12 ). ثمّ بعد ذلک ، بدأ شیءَ ما تدریجیاً وببطء شدید فی الانبثاق من الحیوان المنوی الذی قد رُشّحَ من هذه السلالة التی هی من طین السابق ذکرها . إلا أن ذلک الشىء لم یکن هو المخلوق المسمى إنسان . وکما أن الجنس البشری لا أبدیّ ، فکذلک مادته ؛ والتی انبثقت لاحقاً. فلقد وجد الإنسان فی هذا الکون بعد فترة طویلة من بدایة الخلیقة وخلق الله لهذا الکونِ"46

یُوضّحُ Omar Nasuhi Bilmen الآیة بهذه الطریقة: " تُعلنُ هذه الآیات أنّ اللهِ قد خَلقَ الإنسان من قطرة ماءِ لیرى ویسَمْع فی الوقت الذی لم یکن فیه هذا الإنسان شیئا ،  وبأنّه - أی الله سبحانه وتعالى - قد وَضعَ هذا المخلوق - الإنسان - تحت الاختبار. …  فالجنس البشری لَمْ یکن موجودا فی البِدایة ، إلا أنه قد خُلِقَ لاحقاً من سلالة من طین کجسد ذی شکل . ذاک المخلوق - الإنسان - لَمْ یکن معْروفا آنذاک ، فاسمه وسبب خلقه کَانا لغزا بالنسبة لسکنةِ الأرض والسماواتِ . ثمّ بعد ذلک ذکر هذا الإنسان بأَن  له روح "47

یُوضّحُ الإمامُ الطبری معنى الآیة فیقول :" ومعنى قوله: لَمْ یَکُنْ شَیْئا مَذْکُورا: لم یکن شیئا له نباهة ولا رفعة, ولا شرف, إنما کان طینا لازبا وحمأ مسنونا."48

لهذا السبب، فإن تفسیرالتعبیرِ عن الوقتِ فی هذه الآیةِ کفترة تطوّریة یعتبر رؤیة شخصیةُ بحتة.


3. عدم صحة کون الخَلْقِ من الماءِ یُشیرُ إلى الخَلْقِ التطوّری

" إِنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِیهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِیعًا بَصِیرًا " (سورة الإنسان ،الآیة 2)

أولئک الذین یُدافعونَ عن محاولةِ الخَلْقِ التطوّریِ یحاولون استخدام حقیقة کون الإنسان قد خلق من الماءِ - وهی حقیقة تخبرنا بها العدید من الآیات - کدلیلَ على أن کُلّ الکائنات الحیّة انبثقت و نشأت من الماءِ هی الأخرى.

على أیة حال، فإن مثل هذه الآیاتِ یفسر دائماً مِن قِبل العلماءِ والمفسرین على أنه إشارة إلى الخَلْقِ الناتج عن التحام المنی والبویضة.

على سبیل المثال، یُعلّقُ  Mohamed Hamdi Yazir على الآیة أعلاهِ کالتّالی:" …  خُلِقَ الإنسان مِنْ نطفة من ماءِ. والنطفة هی الماءُ الخالص . والنطفة هی أیضاً السائل المنوی . ومن المتعارف علیه أن النطفة والسائل المنوی لَهُما نفس المعنى. إلا أنه فی نهایةِ سورة القیامة یَقُولُ الله سبحانه وتعالى" أَلَمْ یَکُ نُطْفَةً مِّن مَّنِیٍّ یُمْنَى  " ( سورة القیامة ، الآیة 37) ، وفی هذا إشارة إلى أنّ النطفة جزء من المنی . وکما هو مذکور فی صحیح مسلمِ، أن الأطفال لا یَجیئونَ مِنْ السائلِ کله. والحدیث ، کونه یَتکلّمُ عن کُلّ جزء صَغیر من الکلِ ، لا یَقُولُ، " أجزاء السائل کلها " ولکن یتکلم عن أحد أجزاء " السائل  کله " وأن الطفل لا یَجیءُ مِنْ السائلِ کله ، ولکن مِنْ جزء واحد فقط منه. فالنطفة ما هی إلا إحدى أجزاء المنی الخالصة"49

و یُفسرها إبن الطبری بقوله:" إنا خلقنا ذرّیة آدم من نطفة, یعنی: من ماء الرجل وماء المرأة "50

أما Omar Nasuhi Bilmen فیوضّحُها بالإسلوبِ التالی:" … ( إِنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ...)
أی شکّلنَاه من خلیط سائلی الذکرِ والأنثى . نعم …  فإن البشر کَانوا - لفترة زمنیة معینة - نطفة ، أی ماء صاف شدید النقاء ، وبعد ذلک - ولفترة زمنیة معینة کذلک - علقة ، أی کتلة متجلطة من الدمِّ ، وبعد ذلک مضغة، أی کتلة من اللحمِ . ثم بعد ذلک ، کونت العظام وکسیت لحما ، ثم إذا بها تنبض بالحیاة "51

,کما رَأینَا مِنْ هذه التفسیراتِ، فإنه لیس هناک علاقة بین خَلْقِ الإنسان مِنْ " نطَفة أمشاج " وبین إدّعاءِ نظریة النمو و الارتقاء بأن الإنسانِ قد نشأ تدریجیاً على مراحل مِنْ  خلیة وحیدة تطوّرتْ بِمحض الصُّدفَة فی الماءِ.

وکما ذَکر کُلّ علماء القرآن الأجلاء ، فإن هذه الآیة إنما تلفت إنتباهِنا إلى حقیقةِ الخَلْقِ داخل رحمِ الأمَّ.

عندما نتَفْحصُ آیة أخرى تناقش مراحلَ الخَلْقِ الإنسانیِ ، یظهر لنا الخطأ الأساسی فی هذه التعلیقاتِ بوضوح ، یقول الله جل وعلا :

"یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِن کُنتُمْ فِی رَیْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاکُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَیْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَیِّنَ لَکُمْ وَنُقِرُّ فِی الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُکُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ وَمِنکُم مَّن یُتَوَفَّى وَمِنکُم مَّن یُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِکَیْلَا یَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَیْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَیْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن کُلِّ زَوْجٍ بَهِی" ( سورة الحج ، الآیة 5)

وتصف لنا هذه الآیة مراحل خَلْقِ الإنسان.
التُرَابٍ، أولى هذه المراحل وهوعبارة عن خلیط من المواد العضویة وغیر العضویة، والتی توَجِدُ فی صورِها الأولّیةِ فوق سطح الأرضِ وفی باطنها ، هو المادة الخامُ التی تَتضمّنُ المعادنَ والعناصرَ الأساسیةَ فی الجسمِ الإنسانیِ.
المرحلةَ الثانیةَ هی تجمع هذه الموادِ فی السائلِ المنویِ، والذی یصُفُه القرآنِ بلفظ  " نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ".

وتَحتوی هذه النطِفة على الحیوان المنَوی الذی یَمتلکُ الخصائص الجینیة الوراثیةَ والهیکل التنظیمی الضروری لتَخْصیب البویضة داخل رحمِ الأمَّ.

باختصار، فإن المادة الخام للإنسان هی(تُرَابٍ) الأرض، والذی یجمعُ خلاصته فی نطفة من منی یمنى بالطریقة التی تؤدی إلى تکوین الإنسان بأمر الله .

ویعقب مرحلةِ الماءَ , مراحل تطور الإنسانِ داخل رحمِ الأمَّ .
وتلک المراحل یصُفها القرآنِ.

نظریة النمو والاِرتقاء ، من الناحیة الأخرى، تَفترضُ وجودَ ملایینِ المراحلِ الانتقالیة الافتراضیةِ (الخلیة الأولى، مخلوقاتَ أحادیة الخلیة، مخلوقات متعددة الخلیة، لا فقریات، فقریّات، زواحف، ثدییات، قرود، ومراحل مماثلة لا تعد ولاتحصى ) بین نشأة الحیاةِ من الماءِ إلى تکون الإنسانِ کهیئته الحالیة.

على أیة حال ، فإنه من الواضح أن التسلسلِ الذی تعرضه الآیة ِ لیس فیه مثل هذا المنطقِ أَو الوصفِ، فالإنسان یصیر علقة بعد أن کان قطرة ماءِ.

لهذا السبب، فإنه من الواضح أنّ الآیة لا تَصِفُ المراحلَ التطوّریةَ المختلفةَ التی مَرّ بها الإنسان مِن قِبل أن یصیر إنسانا ، بل بالأحرى ، فإنها تَصِفُ مراحلَ الخَلْقِ مِنْ قبل ذلک وداخل رحمِ الأمَّ و حتى الشیخوخةَ.

و کذلک الآیات الأخرى التی تُصرّحُ بأنّ البشرِ والکائنات الحیّةِ الأخرى خُلِقا مِنْ الماءِ لا تَحتوی على أی معنى یُمْکِنُ أَنْ یُستَعملُ لدَعْم النمووالارتقاء.

الآیات التالیةَ من بین تلک التی تَحتوی على مثل هذه البیاناتِ:

"أَوَلَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ کَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء کُلَّ شَیْءٍ حَیٍّ أَفَلا یُؤْمِنُونَ" (سورة الأنبیاء ، الآیة 30 )

"وَاللَّهُ خَلَقَ کُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن یَمْشِی عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن یَمْشِی عَلَى رِجْلَیْنِ وَمِنْهُم مَّن یَمْشِی عَلَى أَرْبَعٍ یَخْلُقُ اللَّهُ مَا یَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ" ( سورة النور، الآیة 45 )

"وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَیْنِ الذَّکَرَ وَالأنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَیْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى" ( سورة النجم ، الآیة 45-47)

min:
from
nutfatin:
nutfah, sperm-drop
idha:
when...
tumna:
be spurted forth

"أَلَمْ یَکُ نُطْفَةً مِّن مَّنِیٍّ یُمْنَى " ( سورة القیامة ، الآیة 37 )

nutfatan:
nutfah, a drop of water
min:
from
maniyin:
sperm
yumna:
being ejaculated

"فَلْیَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ  * یَخْرُجُ مِن بَیْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ" ( سورة الطارق، الآیة 5-7 )

khuliqa:
was created
min:
from
ma'in:
water
dafiqin:
suddenly erupting, spurting, being caused to flow

البعض من مفسری القرآن یَعتقدونَ بأنّ " ..وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء کُلَّ شَیْءٍ حَیٍّ.. " تحتوی على معنى یَوازی نظریةَ التطورِ.على أیة حال، فإن  وجهةِ النظر هذه  متصدعة  تماما.

تَکْشفُ الآیاتَ أنّ الماءِ هی المادة الخامُ للکائنات الحیة بالقول بأنّ کُلّ الکائنات الحیّة خُلِقتْ من الماء.

فی الحقیقة، فلقد کَشفَ عِلْمَ الأحیاء الحدیثَ عن أنّ الماءِ هو المکوّنُ الأساسی لکُلّ الأجسام الحیّة، فجسمِ الإنسان 70 بالمائة منه تقریباً ماءُ ؛ فالماءُ یَسْمحُ بالحرکةِ داخل الخلیةِ ، و بین الخلایا ، وبین الأنسجةِ  فبدونه ، لَنْ تکون هناک حیاة.

 

4. عدم صحة کون الخَلْقِ من التُرَابٍ ثم من الماءِ یُشیرُ إلى الخَلْقِ التطوّریِ

"قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ یُحَاوِرُهُ أَکَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاکَ رَجُلا" (سورة الکهف ، الآیة 37) 

یعلق الإمامِ الطبری على هذه الآیة کالتّالی :" یقول تعالـى ذکره: قال لصاحب الـجنتـین صاحبه الذی هو أقلّ منه مالاً وولدا, وَهُوَ یُحاوِرُهُ: یقول: وهو یخاطبه ویکلـمه: أکَفَرْتَ بـالّذِی خَـلَقَکَ مِنْ تُرَابٍ یعنـی خـلق أبـاک آدم من تراب ثُمّ مِنْ نُطْفَةٍ یقول: ثم أنشأک من نطفة الرجل والـمرأة, ثم سوّاک رَجُلاً یقول: ثم عَد لک بشرا سویا رجلاً, ذکرا لا أنثى, یقول: أکفرت بـمن فعل بک هذا أن یعیدک خـلقا جدیدا بعد ما تصیر رفـاتا "52

ویعلق Omar Nasuhi Bilmen على نفس  الآیة قائلا : " أتکفرُ بالله العظیمَ الذی خَلقَ النبی آدم ، أصل سلالتک وسببِ خَلْقِکَ ،
(مِنْ التراب) ، والذی بعد ذلک خَلقَک و- شکّلک کإنسان بعد أن خَلْقک - مِنْ نطفة ومن قطرة حیوان منوی ، مَنْ الذی أتى بک إلى الوجود وجعلک إنسانا  کاملا کنتیجة لمراحلِ مختلفةِ مِنْ الحیاةِ ؟ لأن إنْکار الدار الآخرة إنما یعنی إنکار وجود الله العظیمَ، الذی یخبرکَ بما سَیحْدثُ والذی هو قادر على أن یجعل ما یخبرک به حادثا بالفعل"53

کما  یُشیر هؤلاء المفسرون، فإن إستعمال مثل هذه الآیات کدلیل على الخَلْقِ التطوّریِ إنما هو اجتهاد شخصی بحت لیس إلا، حیث أنها من المستحیل أن تحتوی هذه الآیات على تلک المعانی التی یَنْسبها إلیها النشؤیون.

إن التعبیرَ " خَلَقَکَ مِن تُرَابٍ " إِنما یَصِفُ خَلْقَ النبی آدم، والخَلْق مِنْ الماءِ یُشیرُ إلى تطورِ الإنسان ، بَدْءا بالمنیِ.

فی الآیة التالیة أدناه نجد ُالإشارة المباشرة إلى أن اللهِ قد خَلقَ الإنسان مِنْ الطینِ المُجَفَّفِ.

وهذه الآیة، التی تَصِفُ خَلْقَ النبی آدم، لا تَتکلّمُ عن المرحلیة ، حیث یقول الله تعالى:

"وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلاَئِکَةِ إِنِّی خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِینَ " ( سورة الحجر ، الآیة 28 - 29 )

وإذا  قرىء التفسیرِ القرآنی لمراحلِ الخَلْقِ  بعنایة، مع الأْخذُ فی الاعتبار العملیاتَ المتتالیةَ، سَیُدرکُ فوراً عدم صحة مثل هذه النظرة التطوّریةِ .

یَحتوی القرآنُ على العدید مِنْ الآیات التی تُشیرُ إلى أنّ النبی آدم، علیه السلام، لَمْ یخْلَقُ على مراحلِ تطوّریةِ ، یقول الله تعالى :

"إِنَّ مَثَلَ عِیسَى عِندَ اللّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ کُن فَیَکُونُ " (سورة آل عمران ، الآیة 59)

تنصُ الآیةَ أعلاهَ على أنّ اللهِ قد خَلقَ النبیین آدم وعیسى، علیهما السلام ، بالطّریقة نفسها.

کما أکدنَا فی وقت سابق، فإن النبی آدم خُلِقَ مِنْ الأرضِ، دون أب أو أم ، بأمر اللهِ " کن! "وکذلک نبی الله المسیح عِیسَى بن مریم أیضاً خُلِقَ بدون أبِّ، بإرادةِ اللهِ التی أبداها منَ خلال أمره " کن! " وبواسطة هذ الأمر، أصبحَت السیدة مریم ، علیها السلام،  حاملاً فی نبی الله المسیح عِیسَى بن مریم ، یقول الله فی کتابه العزیز :

"فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَیْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِیًّا * قَالَتْ إِنِّی أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنکَ إِن کُنتَ تَقِیًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّکِ لِأَهَبَ لَکِ غُلَامًا زَکِیًّا * قَالَتْ أَنَّى یَکُونُ لِی غُلَامٌ وَلَمْ یَمْسَسْنِی بَشَرٌ وَلَمْ أَکُ بَغِیًّا * قَالَ کَذَلِکِ قَالَ رَبُّکِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آیَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَکَانَ أَمْرًا مَّقْضِیًّا " ( سورة مریم ، الآیة 17 - 21 )

فی الآیات الأخرى التی تُشیرُ إلى الخَلْقِ مِنْ الماءِ والتراب ، فإن التی توصف لَیسَت مراحلَ الإنسان التطوّریةِ ، وإنما التی تصفها هذه الآیات هی مراحلَ الخَلْقِ الإنسانیِ قبل الرحمِ، و أثنائه ، وبعد الولادةِ.

"یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِن کُنتُمْ فِی رَیْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاکُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَیْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَیِّنَ لَکُمْ وَنُقِرُّ فِی الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُکُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ وَمِنکُم مَّن یُتَوَفَّى وَمِنکُم مَّن یُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِکَیْلَا یَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَیْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَیْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ" ( سورة الحج ، الآیة 5 )

"هُوَ الَّذِی خَلَقَکُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ یُخْرِجُکُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ ثُمَّ لِتَکُونُوا شُیُوخًا وَمِنکُم مَّن یُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ" ( سورة غافر ، الآیة 67 )

"مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى " ( سورة النجم ، الآیة 46 )

5. عدم صحة کون الإنسان قد خلق على فترات زمنیة متباعدةِ

" إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِینٍ " ( سورة ص ، الآیة 71 )

خطأ آخر فی الخَلْقِ التطوّریِ یَنْجمُ عن التفسیرِ الخاطىءِ للآیة أعلاهِ.

یَدّعی النشؤیون بأنّ العبارةَ المُؤَکَّدةَ أعلاهِ  تُشیرُ إلى أن الله قد خَلقً الإنسان بَبطءَ على مراحل بمرور الوقت.

على أیة حال، فإن نص الآیة المبین أعلاه – دون أن یترجم - یجعله من الواضح تماما بأنّ وجهة النظرالسابقة لا تتعدى کونها وجهة نظر شخصیة و متناقضة کلیَّاً.

وآیة " إِنِّی خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِینٍ "  إنما المقصود منها - تفسیرها - قصر الخلق على الله وحده لا شریک له ، فهو الذی خلق البشر من طین.
فالآیة لا  تشیر إلى أى فعل خلق مستقبلی مثل "سوف أَخْلقُ" .

فی الحقیقة، فإن نص الآیات لایقتصر على ذلک فقط ، إنما یقول الله بعد ذلک فی الآیة التی تلیها مباشرة،


The Originator of the heavens and earth. When He decides on something, He just says to it, " Be" and it is.
(Qur'an, 2:117)

" فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِینَ "

ومنها یتضحُ أنْ هذا الفعلِ یَحْدثَ لحظیا أی فی توه ولحظته.
وبالفعل فإنه لا یوجد عالم قرآنی  یُفسر معنى الآیة على أنها "سوف أَخْلقُ" .
على سبیل المثال، یعلق Suleyman Ates - وهوعالم ترکی مسلم - على هذه الآیة فیقول:

" إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِینٍ "

أخبرَ اللهُ الملائکةَ بأنه سیَخْلقُ إنسانا من الطینِ الفاسدِ. بعد إعْطاء الشکلِ الإنسانیِ الطینیِ والنفخ فیه من روحه ، ثم أمر الملائکةَ أن یسجدوا له.
ولقد سجدوا له جمیعاً إلا إبلیس أبى أن یسجد لآدم ِ، قائلا بأنّه کونه قد خُلِقَ مِنْ نارِ أفضل مِنْ الإنسان الذی خلق مِنْ طینِ.

یُفسر الإمامُ الطبری نفس الآیة بقوله :"   وقوله: إذْ قالَ رَبّکَ من صلة قوله: إذْ یَخْتَصِمُونَ, وتأویـل الکلام: ما کان لـی من علـم بـالـملأ الأعلـى إذ یختصمون حین قال ربک یا مـحمد للْـمَلائِکَةِ إنّـی خالِقٌ بَشَرا مِنْ طِینٍ یعنـی بذلک خـلق آدم.
 

وقوله: فإذَا سَوّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِـیهِ مِنْ رُوحی یقول تعالـى ذکره: فإذا سوّیت خـلقه, وعَدّلْت صورته, ونفخت فـیه من روحی, قـیـل: عنى بذلک: ونفخت فـیه من قُدرتـی. ذکر من قال ذلک:

حُدثت عن الـمسیب بن شریک, عن أبـی روق, عن الضحاک وَنَفَخْتُ فِـیهِ مِنْ رُوحی قال: من قدرتـی.
  فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ یقول: فـاسجدوا له وخِرّوا له سُجّدا. "54

أولئک الذین یُدافعونَ عن الخَلْقِ التطوّریِ یَستشهدُون بالآیة التالیِة أیضاً لدَعْم الفرض بأن الإنسانِ قد خُلِقَ من خلال المرور بمراحل عملیة معینة:

"الَّذِی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِینٍ " ( سورة السجدة ، الآیة 4)

طبقاً لتفسیراتِ مثل هؤلاء الناسِ، یُشیرُ التعبیرُ المُؤَکَّد إلى عملیة معینة، و فی هذه الحالةِ عملیةَ تطوّریةَ.
إلا أِنَّها فی حقیقة الأمرلا تُشیرُ إلى أی شیء من هذا القبیل مطلقاً.

کما قد أکدنا من قبل من خلال هذا الکتابِ ، فإن عدد کبیر من الآیاتِ تَصِفُ بالتفصیل خَلْق اللهِ مِنْ عدمِ، ولا یمکن أن تُفسر أی منها على کونها إشارة لعملیةَ تطوّریةَ. تُشدّدُ الآیاتَ التالیةَ بأنّ اللهِ فی حالةٍ ثابتة مِنْ الخَلْقِ.

"أَمَّن یَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَمَن یَرْزُقُکُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أءِ لَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ إِن کُنتُمْ صَادِقِینَ" ( سورة النمل ، الآیة 64 )

"أَوَلَمْ یَرَوْا کَیْفَ یُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ إِنَّ ذَلِکَ عَلَى اللَّهِ یَسِیرٌ" ( سورة العنکبوت ، الآیة 19 )

"اللَّهُ یَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ" ( سورة الروم ، الآیة 11 )

خَلْق اللهِ المستمرلأدق التفاصیل فی هذا الکونِ لا یَدْلُّ على التطورِ.
مثله کمثل غیره من التفاسیر ، فإن هذا التفسیر یعتبر تحامل على المعنى المرجو إیصاله.
علاوة على ذلک، فعندما یؤخذ القرآن کوحدة واحدة ، فإن مثل هذا الزعمِ یتبیّن بأنه لا أساس له من الصحة. 
یفسرُ Omar Nasuhi Bilmen الآیة کالتالی :" …  خَلقَ النبی آدم مِنْ الأرضِ ، من التراب"55

ویقول الإمام الطبری:"   یقول تعالـى ذکره: الله تعالـى یبدأ إنشاء جمیع الـخـلق منفردا بإنشائه من غیر شریک ولا ظهیر, فـیحدثه من غیر شیء, بل بقدرته عزّ وجل, ثم یعید خـلقا جدیدا بعد إفنائه وإعدامه, کما بدأه خـلقا سویا, ولـم یک شیئا ثُمّ إلَـیْهِ تُرْجَعُونَ یقول: ثم إلـیه من بعد إعادتهم خـلقا جدیدا یردّون, فـیحشرون لفصل القضاء بـینهم و لِـیَجْزِیَ الّذِینَ أسَاءُوا بِـمَا عَمِلُوا, وَیَجْزِیَ الّذِینَ أحْسَنُوا بـالـحُسْنَى."56

یَستشهدُ النشؤویون المسلمون بالآیاتِ التالیة  لتدَعْیم موقفهم:

" یَا أَیُّهَا الإنسَانُ مَا غَرَّکَ بِرَبِّکَ الْکَرِیمِ * الَّذِی خَلَقَکَ فَسَوَّاکَ فَعَدَلَکَ * فِی أَیِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَکَّبَکَ " ( سورة الإنفطار ، الآیة 6-8 )

وإذا ما فسرت هذه الآیة على أنها إشارة لمراحل الخلق التطوری ، فسیصیر هذا التفسیر أیضا مثله کمثل غیره من التفاسیر ، تحاملا على المعنى المرجو إیصاله ، و یُفسر Hamdi Yazirالآیة کالتّالی :" طبقاً لتفسیر المقاتل ، فإن التعبیر الإلهی "بَلَى قَادِرِینَ عَلَى أَن نُّسَوِّیَ بَنَانَهُ " والمذکور فی سورة القیامة فی الآیة 4  مَعْناه بأنّ الجسمَ مُتَناسَبُ بشکل جیدُ وبِنظام، تماما کدقة مُطابقة وتفاصیل الأعضاء التوأمیةِ (ومثال على ذلک:  العینان، الأذنان، الیدان، والقدمان) والمعروفة مِنْ عِلْمِ التشریح"57

طبقاً Abu Ali Farisi ، فإن التعبیر "فَعَدَلَکَ" یَعْنی فی الحقیقة :" "شکّلَک فی الشکلِ الأکثر جمالاً ، وبهذا القدر من التناسب أعطاک القدرة على التفکر والاستدلال ، و وأعطاَک السیادةَ على النباتاتِ ومختلف الکائنات الحیّةِ الأخرى . ولقد فضلک على سائر مخلوقات هذا العالم ِبأن جعلک أکثر نضجا. وهذا یتفق مع الآیات التالیة "فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِینَ " ( سورة الحجر، الآیة 29) و"وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِیرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً " (سورة الإسراء ، الآیة 70). کُلّ هذا ما هو إلا رحمة من الله وفضل"58
 
یفسر Omar Nasuhi Bilmen الآیة  :" نعم ، إلهک ( الَّذِی خَلَقَکَ ) الذی أعطاَک الهیئة مِنْ العدمِ ( فَسَوَّاکَ ) ، وأعطاَک أعضاء صحیحةَ ومثالیةَ ( فَعَدَلَکَ ) . لقد قسّمَ أعضائکَ ، بشکل جمالی یسر الناظرین وبترتیب طبیعی "59

یَذْکرُ الإمامُ الطبری أن الآیة 7 من سورة الإنفطار تشیرُإلى أَنْ الله قد خلَقَ الإنسان بترتیب معین :" یقول: الذی خلقک أیها الإنسان فسوّى خلقک فَعَدَلکَ...... وأمالک إلى أیّ صورة شاء, إما إلى صورة حسنة, وإما إلى صورة قبیحة"60
وکما هو ظاهر مِنْ التفسیرات أعلاهِ، فالبیانات والدلالات واضحة تماماً؛ فهی تُشیر إلى خلق اللهِ  الصحیحِ ، المنظم ، الکاملِ للإنسان الأولِ . 
وبالفعل ، فإنه تُوْجَدَ فی العدید مِنْ الآیاتِ الأخرى بیانات أخرى مماثلة.
فعلى سبیل المثال، فی سورة السجدة ، الآیات 7-9

"الَّذِی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِینٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِینٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِیهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِیلا مَّا تَشْکُرُونَ" 

 وکلمةَ "خَلْق" قد إستعملت أولاً فی هذه الآیاتِ، ثمّ تلاها القَول بخَلقَ العیونَ، والآذان، والقلوب.
وهکذا، فإنما یخبَرُنا الله بأنّ کُلّ هذه المراحلِ حَدثتْ فی نفس الوقت؛ بمعنى آخر، بأنّ  عیون الإنسان الأولِ ،و آذانه، وقلبه قد خُلِقتْ سویة، وفی لحظةِ واحدة.

وإنه لخطأ کبیر أن تفسرهذه الآیاتِ بأنها إشارة إلى نمووارتقاء الإنسان.
فی الحقیقة، فإن العلماءَ الإسلامیینَ الأجلاءَ کُلهمّ یتفقُون حول تفسیرِ هذه الآیة.
على سبیل المثال، الإمام الطبری یَقُولُ :" ثم سوّى الإنسان الذی بدأ خـلقه من طین خـلقا سویا معتدلاً, ونَفَخَ فِـیهِ مِنْ رُوحِهِ فصار حیا ناطقا وَجَعَلَ لَکُمُ السّمْعَ والأبْصَارَ والأفْئِدَةَ, قَلِـیلاً ما تشْکُرُونَ یقول: وأنعم علـیکم أیها الناس ربکم بأن أعطاکم السمع تسمعون به الأصوات, والأبصار تبصرون بها الأشخاص والأفئدة, تعقلون بها الـخیر من السوء, لتشکروه علـى ما وهب لکم من ذلک "61

ویقول   Omar Nasuhi Bilmen :" أَمرَ الله الإنسان الذی بَدأَ یتشکل ، وأکملَ جسده و هو ما زالَ فی رحمِ أمِّه، وشکّلَه بالأسلوبِ الملائمِ فی أحسن تقویم (وبعد ذلک نفخ فیه من روحه). أی أن الله ، أعطاَه الحیاةَ وألهمَه القدرةَ الحیویةَ فی روحِه  …  الله منحک مثل هذه القدرات المفیدةِ (السمع) والتی بفضلها یمکنک أن تَسْمعْ الکلمات التی تقال إلیک ، وخَلق عینَیکِ وقلبَکِ والتی بها یمکن أن تَرى ما حولک وتُمیّزُ بین  ما هو مفیدُ وما هو دون ذلک. وکُلّ هذه ، إنما هی نعم إلهیة عظیمة "62

6. عدم صحة عدم کون آدم علیه السلام أول البشریة

إدّعاء آخر یقدّمَه أنصارالخَلْقَ التطوّریَ ینص على أنّ النبی آدم، علیه السلام، من المُمکنُ أَلاْ یَکُونَ هو أولَ إنسان خَلْقَه الله بل وربما لم یکن إنسانا من الأساس.

(ونحن نُبرّئُ النبی آدم، علیه السلام من هذا الادعاء). وتقدم الآیة التالیةَ کدلیل على هذا:

"وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلاَئِکَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِیهَا مَن یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ قَالَ إِنِّی أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" (سورة البقرة ، الآیة 30)

أولئک الذین یَدْعمونَ هذا الإدّعاءِ یقولون أن الفعلِ " جعل " فی التعبیرِ " جاعل فی الأرض خلیفة " یَعْنی" التَعیین".
بمعنى آخر، یَقترحونَ بأنّ النبی آدم ما کَانَ أولَ من خلق الله من بنی البشر ، بل بأنّه
قد "عُیّنَ" خلیفة لله على عدد مِنْ الناسِ.
على أیة حال، فإن هذا الفعلِ فی القرآنِ لَهُ المعانی التالیةُ:

یخَلْق، یَخترعُ، یُترجمُ، یصنع، یضع فی مکان ما و کذلک أن یُعید.
بَعْض أمثلةِ آیات القرآن التی استعمل فیها الفعلِ " جعل " :

"خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَکُم مِّنْ الأْنْعَامِ ثَمَانِیَةَ أَزْوَاجٍ یَخْلُقُکُمْ فِی بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِی ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ لَهُ الْمُلْکُ لاَ إِلَهَ إلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ" ( سورة الزمر ، الآیة 6 )

"قُلْ هُوَ الَّذِی أَنشَأَکُمْ وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأَْبْصَارَ وَالأَْفْئِدَةَ قَلِیلاً مَّا تَشْکُرُونَ" ( سورة الملک ، الآیة 23 )

"وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِیهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا " ( سورة نوح ، الآیة 16)

"وَاللَّهُ جَعَلَ لَکُمُ الأَْرْضَ بِسَاطًا " ( سورة نوح ، الآیة 19)

کما یمکن رؤیته مِنْ الآیات أعلاهِ , فإن للفعلِ " جعل " معان مُخْتَلِفةُ.
علاوة على ذلک،  فالعِدید من الآیات تُصرّحُ بأنّ النبی آدم، علیه السلام، خُلِقَ مِنْ ترابِ. هذه الآیات تُوضحُ بأنّ النبی آدم، علیه السلام، ما کَانَ مجرد رجلا عادیا من ضمن باقی الرجال ، بل کان ذا خَلْق خاصّ ومختلف.
یَکْشفُ لنا القرآنُ حقیقةَ أخرىغایة فی الأهمیةَ بخصوص النبی آدم و هی هبوطه مِنْ جنّة عدنِ. تقُولُ الآیات:

"یَا بَنِی آدَمَ لاَ یَفْتِنَنَّکُمُ الشَّیْطَانُ کَمَا أَخْرَجَ أَبَوَیْکُم مِّنَ الْجَنَّةِ یَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِیُرِیَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ یَرَاکُمْ هُوَ وَقَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّیَاطِینَ أَوْلِیَاء لِلَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُون" ( سورة الأعراف ، الآیة 27)

"وَقُلْنَا یَا آدَمُ اسْکُنْ أَنتَ وَزَوْجُکَ الْجَنَّةَ وَکُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَیْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الْظَّالِمِینَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا کَانَا فِیهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَکُمْ فِی الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِینٍ" ( سورة البقرة ، الآیة 35-36)

إنّ بیاناتَ الآیات واضحة جداً.
خَلقَ اللهُ النبی آدم، علیه السلام، مِنْ الترابِ.

وأن النبی آدم ذو خَلْق خاصّ  ظَهرَ بدایة مِنْ خلال تواجدِه فی الجنة وبعد ذلک مِنْ بعد هبوطه منها.
و بالرغم من کل تلک الدلالات الواضحة فإن النشؤیین المسلمین یتغاضون عنها تماما  ویَزْعمُون بأنّ "الجنة" المشارإلیها هنا لیست جنة الآخرة وإنما هی إشارة إلى منطقة جمیلة على الأرضِ، على الرغم مِنْ حقیقة کون القرآنِ قد حدَد العدید مِنْ صفات وممیزّاتِ  جنة النبی آدم التی خُلِقَ فیها.

فعلى سبیل المثال، تلک الجنة تَحتوی على کل من الملائکة والشیاطین، وتَتکلّمُ الملائکةَ مع اللهِ.
وإنه من الخطأ إصدار تفسیراتِ ملتویة لإجبار العامة على الفهم الخاطىء للآیات ومحاولة البحث عن دلائل مؤیدة للنمو و الارتقاء  على الرغم من الوضوح التام لمعنى الآیات التی توضح هذه المسألةِ.

تُصرّحُ العدید مِنْ الآیات بأنّ کُلّ الناس ینْحَدر نسلهم مِنْ النبی آدم، علیه السلام. بینما القرآن یُخبرُنا:

"وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِن بَنِی آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّکُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَکُنَّا ذُرِّیَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" ( سورة الأعراف ، الآیة 172- 173)
 
فآدم، علیه السلام، کَانَ أولَ من خلق الله من البشر و کذلک أول الرسل التی بعثها اللهِ للبشریة .
إنّ الآیات واضحة تماما فی هذه المسألةِ مما لا یجعل هناک حاجة لأیّ تعلیق.

وکُلّ ما یجب على الناسِ فعله هو قرَأة القرآنَ بقلب مخلص واتباع ما تملیه علیهم ضمائرِهم.
و سَیَکْشفُ الله الحقیقةَ إلى الذین یقَرأون الآیات بتلک النیةِ.

.7 عدم صحة کون تعبیر "آبَائِکُمُ الأْوَّلِینَ " المذَکورَ فی القرآنِ یُشیرُ إلی أسلاف تطوّریین

مسألة أخرى یُحاول التطوریون المسلمون تَصویرها على أنها دلیل على صحة إدّعاءاتِهم  و هی تعبیرُ " آبَائِکُمُ الأَْوَّلِینَ "، الذی یَظْهرُ فی عِدّة آیات.

طبقاً لتفسیرِهم الخاطئِ، یشیرُ هذا التعبیرِ مباشرة إلى أسلافِ الإنسانِ البدائیِ.
حجتهم الجوهریة بصدد هذا الادعاء هی ورود تعبیر " آبَائِکُمُ الأَْوَّلِینَ " فی القرآنِ  فی صیغة الجمعِ .
إثنان مِنْ الآیات موضع السّؤال تنصان على الآتی:

"قَالَ رَبُّکُمْ وَرَبُّ آبَائِکُمُ الأَْوَّلِینَ " (سورة الشعراء ، الآیة 26)
"لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ یُحْیِی وَیُمِیتُ رَبُّکُمْ وَرَبُّ آبَائِکُمُ الأْوَّلِینَ " (سورة الدخان ، الآیة 8)

على أیة حال، فهذا إدّعاء جائرلأن إستعمالَ الکلمةِ بصیغة الجمعِ شىء مألوف وبالتأکید لا یُمْکن أنْ یُستَعملَ کقاعدة للتفسیرِ التطوری.
یظهر هذا التعبیرِ فی العدید مِنْ الآیات الأخرى، من بینها الآیة 133 من سورة البقرة. هنا، تعبیر " آبَائِکُمُ الأَْوَّلِینَ " لا یُشیر إلى أیّ عملیة تطوّریة، بل إلى الأجیالِ السَابِقةِ. بالطّریقة نفسها، التعبیر " آبَائِکُمُ الأَْوَّلِینَ " فی صیغة الماضی ،  یُشیرُ إلى الأجیالِ الماضیةِ. فالتعبیر لاَ یَحْتملَ أی معنى تطوّریِ:

"أَمْ کُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِی قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَکَ وَإِلَـهَ آبَائِکَ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون" ( سورة البقرة ، الآیة 133)

8. الخطأ الخاص بشکل الخَلْقِ الإنسانیِ

"وَاللَّهُ أَنبَتَکُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ یُعِیدُکُمْ فِیهَا وَیُخْرِجُکُمْ إِخْرَاجًا " (سورة نوح ، الآیة 17-18)

یعتبرُ التطوریون المسلمون هذه الآیةِ أساسا حیویا یُمْکِنُ الاستناد إلیه لدعم وجههَ نظرهم.

والتعبیر "وَاللَّهُ أَنبَتَکُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا "یُقَدَّمُ کدلیل للتطورِ من المواد اللاعضویِة.

على أیة حال وکما هو مُشار إلیه بشکل واضح فی تفسیرِ الآیة ، فهذه الآیة إنما تظهرُ أن نشأة الإنسان الأولَى کانت مِنْ الأرضِ.
یقدم Hamdi Yazir نفس التفسیرِ: "لتفسیر هذه الآیة احتمالان . الأول هو أن هذه الآیة إشارة إلى أن الله قد خلق آدم من الأرض ثم أتبع ذلک تکاثر الجنس البشری بالشکل الذی نعرفه. والثانی ، هو أن الله قد خلق الجنس البشری جمیعه مِنْ الأرضِ ، و ذلک لأن اللهَ یَخْلقُنا مِنْ خلال عملیة الإنباتِ ، ومِنْ النباتاتِ ، ومِنْ الأرضِ"63

یفسرOmar Nasuhi Bilmen سورة نوح ، الآیات 17و18: "یأیها الناس ! فلیکن فی الاعتبار أن الله قد أخرجکم مِنْ الأرضِ کالنبات . بمعنى آخر ، "خَلقَ الله آدم ، أبا البشر، مِنْ الأرضِ ، أَو أن أصل الإنسان - الخلیة الأولى - أساسه النباتات وغیرها من المواد الغذائیة الأخرى التی تنْمو فی باطن الأرضِ. ثم هأنتم - أیها الناس - تنمون وتعِیشون . (ثمّ) یأیها الناس ، یعیدکم الله إلى الأرض مرة أخرى . بمعنى آخر : عندما تَمُوتُون ، سَتَعُودُون إلى الأرضِ وتُصبحون جزءَا من التربةِ. (و) ثمّ یوم القیامة یُخرجُکم الله من القبورِ للحساب . هذه حقائقَ"64

وتعلیق الإمامِ الطبری ینص على الآتی: " واللّهُ أنْبَتَکُم مِنَ الأرْض نَباتا یقول: والله أنشأکم من تراب الأرض, فخلقکم منه إنشاء ثُمّ یُعِیدُکُمْ فِیها یقول: ثم یعیدکم فی الأرض کما کنتم ترابا فیصیرکم کما کنتم من قبل أن یخلقکم ویُخْرِجُکُمْ إخْرَاجا یقول ویخرجکم منها إذا شاء أحیاء کما کنتم بشرا من قبل أن یعیدکم فیها, فیصیرکم ترابا إخراجا."65

کما رَأینَا مِنْ تفسیراتِ هؤلاء العلماءِ ، فهذه الآیةِ لا یمکن اتخاذها قاعدة للخَلْقِ التطوّریِ.

وما هو أکثر من ذلک، فإن إدّعاء التطورِ اللا عضویِ لَیْسَ لهُ قاعدةُ علمیةُ.

وفکرة أن مواد بلا حیاة یُمْکِنُ أَنْ تتحد بشکل ما لإنشاء حیاةِ ، فکرة غیرعلمیةُ و لَمْ تُؤکّدْ بأیّ تجربة أَوحتى بأیّ ملاحظة.

بل على العکس تماماً: فعالم الأحیاء الفرنسی لویس باستور (1822-1895) قد بین أنّ الحیاةِ لا یُمْکِنُ أَنْ تنشأ إلا مِنْ الحیاةِ.
هذا یؤکد على أنّ اللهَ قد خَلقَ کُلّ الکائنات الحیة بإرادته جل وعلا.

(لمزید من التفاصیلِ عن البراهینِ العلمیِة ومکرِ التطوریین  برجاء مراجعة " خدیعِة التطورَ" لهارون یحیى، طه للنشر، لندن، 1999 ، و "الدارونیة تدْحضُ" لهارون یحیى، للنشر Goodword ، نیودلهی، 2003)


9. عدم صحة کون القرآنَ یُشیرُ إلى الانتقاءِ الطبیعیِ

أحد إدّعاءاتِ التطورِ الأکثر أساسیة أنّه من الممکن اعتبارالانتخابِ الطبیعیِ قوةُ تطوّریةُ.

کما رَأینَا فی الفصولِ السابقةِ،  الانتخابِ الطبیعیِ إحدى خدع النمو و الارتقاء التی تَزْعمُ حتمیة البقاء للأقوى والفناء للأضعف بمرور الوقت.
إلا أن العِلْمَ الحدیثَ یؤکد على أنّ الانتخابِ الطبیعیِ لَیْسَ لهُ أی تأثیر تطوّری ولا یمکن أن یتسبّب فی  تَطور نوعِ معین من السلالات أو ظُهُور - نشأة - نوع آخر.

على أیة حال، فإن الدارونیین إنما یَختارونَ إهمال هذه الحقائقِ العلمیةِ بسبب اهتماماتهم ومیولهم المادیةِ، وکذلک التطوریین المسلمینِ. تَدْعمُ بَعْض الدوائرِ الإسلامیةِ هذه النظرة الدارونیة العقائدیة ، بل ویحاولون کذلک تَزویدها بدلائلِ قرآنیة محرفة تفاسیرها لإثبات صحتها .
على سبیل المثال:

"وَرَبُّکَ یَخْلُقُ مَا یَشَاء وَیَخْتَارُ مَا کَانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ" (سورة القصص ، الآیةِ 68)

وتَکْشفُ لنا هذه الآیةِ عن أولئک الذین سیهدیهم اللهِ إلى صراطه المستقیم وعن أولئک الأنبیاء الذین سَیصطفیهمُ رُسُلا ، وإنه لخطأ عظیم القَول بأن هذه الآیةِ تُشیرُ إلى الانتخابِ الطبیعیِ التطوّریِ.

یُتفقُ علماءُ القرآن بالإجماع على هذا التفسیرِ.

فعلى سبیل المثال، یَعْرضُ الإمامَ الطبری التعلیق التالی:"   یقول تعالـى ذکره: وَرَبّکَ یا مـحمد یَخْـلُقُ ما یَشاءُ أن یخـلقه, ویَخْتارُ لولایته الـخِیَرة من خـلقه, ومن سبقت له منه السعادة." 66

یَعْرضُ العالمُ الجلیلُ Omar Nasuhi Bilmen هذا التفسیرِ:"

فی تلک الآیاتِ الکریمة ،  یبین الله سبحانه وتعالى لعباده العدید من الأمور ، قدرته البدیعة على الخلق ، تفضیله واصطفاءه من خلقه من یشاء ، حکمته وقدرته ، وحدانیته ، کریم ثنائه وعظمته ، توجیهه الإلهی ، وأن جمیع خلقه سَیجمعونَ للقائه . بمعنى آخر ، لا أحد یقدر أَن یحول دون تَفْضیل واصطفاء اللهِ سبحانه وتعالى - بأی حال من الأحوال - لأی أحد من خلقه . فمهما کانت رغبة عبیده ، دون مشیئته ، فلا فعالیة لها . بکُلّ الإحترام المستحق، فالله غیر ملزوم بخَلْق ما یفضله ویستحسنه عبیده . فالله لا یُرسلُ أنبیاءه تبعا لما یفضله الناس الذین یرسل إلیهم هؤلاء الأنبیاء أو یرونه مناسبا ، بل تبعا لما یقدره ویختاره هو جل وعلا . فالله وحده یَعْرفُ من خلال أی الوسائل سیعم الخیر والرخاء . فالله أحد لا شریک له ، ولایمکن لأی شیء أن یکون دون أن یشاء الله ، ولا یمکن لمشیئة أی أحد من خلقه أن تتعارض مع مشیئته." 67

یُفسرُ  Hamdi Yazirالآیة کالتّالی:" إلهک یَخْلقُ ویصطفی ما یشاء . بمعنى آخر، فالله یَخْلقُ ما یشاء ویصطفی من خلقه من یشاء . فالله یَفْرضُ علی أولئک الذین یختار واجباتِ معینة کالنبوة وکالشفاعة . وأولئک الذین یصطفی لَیْسَ لهُمْ اختیار فی هذه المسألةِ. فهم لیس لهم الحق فی اختیار الشرکاء أوالشفعاءِ الآخرینِ ماعَدا أولئک الذین یَختارهم الله  . " 68

آیةِ أخرى یقدمها التطوریون المسلمون :

"الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأْرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِکَةِ رُسُلاً أُولِی أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ مَا یَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ " ( سورة فاطر ، الآیة 1)

یتخذُ مثل هؤلاء المسلمون هذه الآیة أعلاه دلیلا على النمو و الارتقاء.

على أیة حال، فحتى یصلوا بالآیة إلى هذا المعنى کان علیهم تحریف و تشویه المعنى الأصلی للآیة.
کما أن هذا المعنى الذی یدعونه یَتضاربُ تماما مع العقل والمنطقِ، حیث أن الآیة إنما تَتحدّثُ عن خَلْقِ الملائکةِ.

 یفسر الإمامُ الطبری الآیة کالتّالی:" وقوله: یَزِیدُ فِـی الـخَـلْقِ ما یَشاءُ وذلک زیادته تبـارک وتعالـى فـی خـلق هذا الـملک من الأجنـحة علـى الاَخر ما یشاء, ونقصانه عن الاَخر ما أحبّ, وکذلک ذلک فـی جمیع خـلقه یزید ما یشاء فـی خـلق ما شاء منه, وینقص ما شاء من خـلق ما شاء, له الـخـلق والأمر, وله القدرة والسلطان إنّ اللّهَ علـى کُلّ شَیْءٍ قَدِیرٌ"69

ویتفق تفسیر Omer Nasuhi Bilmen مع تفسیر الإمام الطبری حیث یقول : " إن لله القدرة والسلطان ؛ ولذلک فهو یتحکم فی خلق ملائکته کیفما شاء ، أجنحتهم وقدراتهم "70

10. عدم صحة استخدام القرآنِ کدلیل على التحول الخلقی10. عدم صحة استخدام القرآنِ کدلیل على التحول الخلقی

کما هو الحال بالنسبة للانتخابِ الطبیعیِ، یسیئُ التطوریون المسلمون فهم بعض آیات القرآن ویحرفونها عندما یتعلق الأمر بالتحول.
على أیة حال، فإنه لخطأ فظیع الإعتِقاد فی کون آلیة طبیعیة مثل التحول-  لَیْسَ لَها تأثیر إیجابی على الخلق بل هی آلیة تدمیریةَ- یُمکنُ أَنْ تَکُونَ دلیلاً على النمو و الارتقاء. 

لم یلاحظ لآلیة التحول أی تأثیرَ على الإطلاق.

(لمزید من التفاصیلِ عن البراهینِ العلمیِة ومکرِ التطوریین  برجاء مراجعة " خدیعِة التطورَ" لهارون یحیى، طه للنشر، لندن، 1999 ، و "الدارونیة تدْحضُ" لهارون یحیى، للنشر Goodword ، نیودلهی، 2003)

الشیء المهم فی هذا المقام هوالدلیلُ الذی یحاول التطوریون المسلمون الذین یَعتقدُون بأنّ التحول آلیة تؤدی إلى التطورِ إیجاده مِنْ خلال القرآنِ.
فهم یحرفونَ بَعْض الآیات بالکامل بعیداً عن معناها الفعلیِ.
ومن الآیات موضع السّؤال:

"وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَکَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِیًّا وَلاَ یَرْجِعُونَ" ( سورة یس، الآیة 67)

"وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِینَ اعْتَدَواْ مِنکُمْ فِی السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ کُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِینَ" (سورة البقرة ، الآیة 2)

"فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ کُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِینَ " (سورة الأعراف ، الآیة 166)

"قُلْ هَلْ أُنَبِّئُکُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِکَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَیْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِیرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِکَ شَرٌّ مَّکَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِیلِ "
(سورة المائدة  ، الآیة60)

"فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِیَ ثُعْبَانٌ مُّبِینٌ " (سورة الأعراف ، الآیة 107)

ومالم یَعتقد المرء فی ضرورة تحریف معانی هذه الآیات لإیجاد بعض الأدلة على النمو و الارتقاء من القرآن، فإنه من المستحیل اعتبارهذه الآیات دلیلا على النمو و الارتقاء .

تَتحدث الآیاتُ الأربعة الأولى عن إعجازالله فی تغییّرُ أجسامَ الکائنات الحیّةِ.

والآیة الخامسة لیس موضوعها الحیاة من الأساس ، مما یَجْعل من المستحیل تقبل فکرة أن تکون هذه الآیة دلالة على التحول .

تصویر المسلمین التطوریین هذه الآیات کدلیل على النمو و الارتقاء و التطورِ إنما یظهر مدى کون نظریة النمو و الارتقاء فاسدة، ومشوهة ، وغیر إسلامیة فی حقیقة الأمر.

11. عدم صحة احتواء القرآنِ على دلائل تثبت وجود نسب ما بین الإنسانِ والقرد

 آیةِ واحد هی التی تُفسر فی أغلب الأحیان بشکل خاطئ أثناء النِقاشِ حول التطورِ، و الآیة المشار إلیها والتی یفسرها البَعْض على أنها إشارة إلى تلک النظریةِ - النمو و الارتقاء -  هی الآیةُِ التی تخص مجموعة الیهود الذین أحالهم اللهِ إلى قردة:

"وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِینَ اعْتَدَواْ مِنکُمْ فِی السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ کُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِینَ * فَجَعَلْنَاهَا نَکَالاً لِّمَا بَیْنَ یَدَیْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِینَ" (سورة البقرة ، الآیة 65-66)

وهذه الآیة لا یُمْکن أنْ تُفسّر بأسلوبِ یوازی نظریة النمو و الارتقاء ویدعمها ، وذلک للأسباب التالیة:

1) العقاب المذکور قَدْ یَکُونُ عقابا روحیا.
بمعنى آخر، فمن المحتملُ أن الیهود موضع السّؤال قد قُورنوا بالقرودِ من حیث الشخصیة ولَیسَ المظهرالجسدی الفعلیِ.

2) إذا کان العقابِ موضع السّؤال عقابا جسدیاً، فإنها معجزة لا تتبع قوانینِ الطبیعةِ. نحن نَتحدّثُ هنا عن معجزة إلهیة خارقة مفاجئة تمت بإرادة اللهِ  , أی أنها عملیة خَلْق واع لا مجال فیه للتحول.

یَقترحُ التطورَ بأنّ الأنواع والسلالات المختلفة قد تَحوّلت من بعضها البعض على مر ملایینِ السَنَواتِ، بِمحض الصُّدفَة ومن خلال مراحلِ متتابعة.

لهذا السبب، فهذا التفسیر القرآنی لَیْسَ لهُ علاقة بالسیناریو المقدّم مِن قِبل أولئک الذین یَدْعمونَ التطورَ.
وفی حقیقة الأمر، فالآیةِ التی تلیها تقول: " فَجَعَلْنَاهَا نَکَالاً لِّمَا بَیْنَ یَدَیْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِینَ "
وهذه الآیةِ تُشیرُ إلى أنّ الناسَ - من الیهود - موضع السّؤال قد تُحوّلوا إلى القرودِ کتحذیر إلى أولئک الذین سَیَجیئونَ لاحقاً.

3)أن هذا العقابِ قد حَدثَ بالفعل ولکن لمرّة واحدة فقط ، أی لم یتکرر ثانیة ، واقتصر على مجموعة محدودة و محددة مِنْ الناسِ، بینما نظریة النمو و الارتقاء تُقدّمُ سیناریوآخر، وهو غیر منطقیَ وغیراعلمیَ، وینص على أن تلک القرودِ ینتسب إلیها کُل بنی البشر.

4) تَقُولُ الآیةَِ بأنّ البشرِ تُحوّلوا إلى قرودِ؛ و لیس العکس کما تدعی نظریةِ النمو و الارتقاء .

5 )"قُلْ هَلْ أُنَبِّئُکُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِکَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَیْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِیرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِکَ شَرٌّ مَّکَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِیلِ " (سورة المائدة  ، الآیة60)

ونص الآیة یبین العلاقة ما بین هذه المجموعة من الیهود- الذین باؤوا بغضبَ من اللهِ - وبین إحالتهم إلى قردة وخنازیرِ.
وفی هذه الحالةِ، فإذا ما طبقنا هذا المنطق الخاطئ الذی قد تناولناه من خلال أقسام هذا الکتابِ المختلفة على هذه الآیة لأمکن القول بوجود علاقة نسب لَیسَ فقط بین البشرِ والقرودِ بل بین البشرِ والخنازیرِ کذلک! و هذا استنتاج غیر واقعی بالمرة ، فحتى النشؤیون أنفسهم لم یَدّعوا بأنّ هناک مثل هذا النسبِ بین البشرِ والخنازیرِ.

کما رَأینَا حتى الآن، فالإدّعاء بأنّ بَعْض الآیاتِ تُشیرُ إلى التطورِ خطأُ لیس فقط یتناقضُ مع القرآن بل مع أطروحات - افتراضات - نظریةِ النمو و الارتقاء نفسها.




43. Ebus Suud was an Ottoman sheikhulislam and scholar who lived between 1492 or 3-1574 or 5.

44. Imam at-Tabari, Tabari Commentary, vol. 6, p. 2631
45. Omar Nasuhi Bilmen, Turkish Edition of and Commentary on the Qur'an, vol. 8, p. 3851
46. Hamdi Yazir of Elmali, http://www.kuranikerim.com/telmalili/insandehr.htm
47. Omer Nasuhi Bilmen, Turkish Edition of and Commentary on the Qur'an, vol. 8, p. 3851
48. Imam at-Tabari, Tabari Commentary, vol. 6, p. 2684
49. Hamdi Yazir of Elmali, http://www.kuranikerim.com/telmalili/insandehr.htm
50. Imam at-Tabari, Tabari Commentary, vol. 6, p. 2684
51. Omer Nasuhi Bilmen, Turkish Edition of and Commentary on the Qur'an, vol. 8, p. 3915
52. Imam at-Tabari, Tabari Commentary, vol. 3, p. 1268
53. Omer Nasuhi Bilmen, Turkish Edition of and Commentary on the Qur'an, vol. 4, p. 1958
54. Imam at-Tabari, Tabari Commentary, vol. 4, p. 1991
55. Omer Nasuhi Bilmen, Turkish Edition of and Commentary on the Qur'an, vol. 6, p. 2763
56. Imam at-Tabari, Tabari Commentary, vol. 4, p. 1991
57. Hamdi Yazir of Elmali, http://www.kuranikerim.com/telmalili/infitar.htm
58. Hamdi Yazir of Elmali, http://www.kuranikerim.com/telmalili/infitar.htm
59. Omer Nasuhi Bilmen, Turkish Edition of and Commentary on the Qur'an, vol. 8, p. 3983
60. Imam at-Tabari, Tabari Commentary, vol. 6, p. 2748
61. Imam at-Tabari, Tabari Commentary, vol. 4, p. 1796
62. Omer Nasuhi Bilmen, Turkish Edition of and Commentary on the Qur'an, p. 2764
63. Hamdi Yazir of Elmali, http://www.kuranikerim.com/telmalili/nuh.htm
64. Omer Nasuhi Bilmen, Turkish Edition of and Commentary on the Qur'an, vol. 8, p. 3851

69. Imam at-Tabari, Tabari Commentary, vol. 4, p. 1877

70. Omer Nasuhi Bilmen, Turkish Edition of and Commentary on the Qur'an, vol. 6, p. 2882

الباب الثالث علم خلق الله

الباب الثالث
علم خلق الله

حتى الآن ، فقد قمنا بفَحص الخطأَ الخطیر الذی یرتکبه التطوریون المسلمونِ الذین یَقْبلونَ الزعمَ بأنّ اللهِ- من خلال النمووالارتقاء- قد خَلْق الکائناتِ الحیّةِ.

وعلى خلاف التطوریین الآخرینِ، فمثل هؤلاء الناسِ لا یَدعونَ بشکل مباشر أنّ الحیاة قد ظَهرتْ بمحض الصُّدفَة.

على أیة حال، فبالزعم أن الله قد استعملَ التطور فی خَلْقِه، فهم بذلک وبشکل إرادی أو غیر إرادی ، یَدْعمُون الدارونیةَ فی بَعْض النقاطِ.

طبقاً لمنظورِهم الخاطئِ، فإن الله لا بدَّ وقد استعملَ آلیاتِ تطوّریة کالتحول والانتخاب الطبیعی.
إلا أن العِلْم قد بَیّنَ أنَّ لا الانتخاب الطبیعی ولا التحول یُمْکِنُ له أَنْ یَخْلقَ نوعا جدیدا.
بمعنى آخر، فهاتان الآلیاتان لا تمتلکان خواص تطوّریةُ.

أولئک الذین یَدْعمونَ فکرةَ الخَلْقِ التطوّریِ یَزْعمُون بأنّ اللهِ یَستعملُ آلیة التحول لتَغْییرالخصائص الجینیة الوراثیة للکائنِ الحیِّ ومن ثم یتمْکن – أی هذا الکائن الحی -  من اکتساب أعضاء ذات وظائف معینة ، أَو بأنه - سبحانه و تعالى -  یَخْلقُ مخلوقات فی صورة بدائیةَ أولاً وبعد ذلک یطبق الانتخاب الطبیعی لتَحویل تلک المخلوقات إلى مخلوقات أخرى أکثر تعقیداً واکتمالا.

أو بمعنى آخر، أن الله - جل و علا - یطبقُ الانتخاب الطبیعی على الکائن الحی إذا ما أراد أن یخلق لهذا الکائن الحی المشار إلیه عضوا جدیدا ، أوإذا ما أراد لعضو آخر موجود بالفعل أن یضمر ، أَو إذا ما أراد التخلّصُ مِنْ هذا الکائن الحی برمته للتحول من سلالة إلى أخرىِ.
وإنه لمن الطبیعیُ جداً لمن هم غافلون عن آخر التَطَوّراتِ العلمیةِ أن یفترضوا مثل هذه الافتراضاتِ ، وخصوصاً إذا ما رغبوا فی دَعْم النمو و الارتقاء.

على أیة حال، فإن مثل هذه الإدّعاءات تصیرهباء منثورا إذا ما ووجهت بالحقائق العلمیة.

علاوة على ذلک، وکما سَنَرى لاحقاً، فإن القرآن لا یَذْکرُ شیئا من هذا القبیل.

وهناک أمر بحاجة إلى توضیح ، وهو أن الله- بالطبع ومما لا شک فیه-  کان یُمکنُ له أنْ یطبق النمو و الارتقاء فی خَلْقه إذا ما أراد ذلک ، فهو القادر على کل شىء.

إلا أن القرآن - وفی الوقت نفسه - لا یَحوی أی إشارةِ عن التطورِ؛ حیث لا توجد ولو حتى آیة واحدة تَدْعمُ إدّعاءَ التطوریین بالظهورِ المرحلیِ للسلالات والأنواع المختلفةِ.

والعِلْمُ کذلک یَکْشفُ زیفَ مثل هذا الإدّعاءِ.

وبما أن الموقف فی غایة الوضوح ، فإنه لا یمکن لأی مسلم أومسلمة أن یبرر تأیید مثل هذه النظریة.

فالأسباب الوحیدة المحتمل تسببها فی الوقوع فی مثل هذه الأخطاءِ هی قلة المعلوماتِ،  وعقدة النقص عند التعامل مع التطوریین، والاعتقاد فی کون التطوریین على حق لمجرد کونهم أغلبیة .

اللهُ خَلقَ الکونَ مِنْ عدم

یخلق الله کل شىء کیفما شاء ، وقتما شاء ، دون الحاجة إلى التقید بأیّ نموذج معین .
 فالله قادر على أن یخلق ما یشاء ومن العدم.
وذلک لکونه سبحانه المنزه عن أیما عیب والغنی عن أیّ حاجة.
فهو لا یحتاج لأیّ سبب، أو أداة ، أَو مراحل لإتمام خَلْقِه.
لا أحد یَجِبُ أَنْ یُخْدَعَ  بحقیقة کون کُلّ شیءِ مُرْتبط بأسباب معینة وبقوانین طبیعیةِ.
فاللهَ فوق کُلّ هذه الأسبابِ والقوانینِ، فهو موجدها و خَالقها.

فالله، رب السماواتِ و الأرضِ ، یُمْکِنُ له کذلک أَنْ یذهب بکل هذه الأسبابِ إذا ما أراد ذلک.
فعلى سبیل المثال، فالله قادر على خلق أناسَ لَیسوا بِحاجةٍ إلى الأوکسجینِ للبَقاء، ومن ثم لَیسوا بِحاجةٍ إلى رئتین.
وبأخذ هذا فی الاعتبار، فلماذا "یَحتاجُ" الله إذن لتطویرالرئةِ بمرور الوقت من خلال آلیة النمو و الارتقاء أَو من خلال أیّ آلیة أخرى؟!
ومن ثم ؛ فإن وضع قیود لقدرة الله تبعا لأحاسیس وأفکار البشر إنما هو خطأ فادح.

فنحن لا نحیط بشىء من علمه إلا بما شاء .
فالله قادر على جعل عملیة الخلق عملیة مرحلیة إذا ما شاء ذلک .
فعلى سبیل المثال، فالله یخلق النبات من فلقه الحب والنوى والإنسان من اتحاد الحیوان المنوی مع البویضة.

إلا أن مراحل الخلق هذه ، کما سَنَرى لاحقاً، لَیْسَ لها - على الإطلاق - أی علاقة بالنمو والارتقاء أَو بعامل الصدفةِ.
فکُلّ مرحلة من مراحل نموالنبات ، أَو تحول الخلیة الواحدة إلى کائن بشری "فی أحسن تقویم" إنما هو بفضل المنظوماتِ المثالیةِ التی خلقها الله القادر على کل شىء.

فلقد شاء الله أن یخَلقَ السماوات و الأرضَ ، وما بینهما،  وکُلّ الکائنات الحیّة وغیر الحیة.


There are signs of Allah's infinite power and intelligence at every stage of a flower's development. It is Allah, the Lord of all the worlds, Who turns a seed into a beautifully colored flower.

فإن ذلک على الله یسیر ، حیث یشیر القرآن إلى ذلک من خلال الآیات التالیة:

"وَهُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَیَوْمَ یَقُولُ کُن فَیَکُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْکُ یَوْمَ یُنفَخُ فِی الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَکِیمُ الْخَبِیرُ " (سورة الأنعام ، الآیة73)

"إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَیْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ کُن فَیَکُونُ " (سورة النحل ، الآیة 40)

"هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُ کُن فَیَکُونُ " (سورة غافر ، الآیة 68)


It is Allah's infinite might and wisdom that turns a cell, invisible to the naked eye, into a thinking, speaking, and breathing human being.


فإن الخَلْق على الله یسیر.
فکما تبین لنا هذه الآیات فما على الله إذا قضى أمرا إلا أن یقول له کن فیکون .

فالعدید مِنْ الآیات تَکْشفُ لنا أنّ الله قد خَلقَ هذا الکونَ وخلق الکائنات الحیة کلها فی أحسن تقویم.
وإنه لخطأ غایة فی الفداحة والخطورة أن یلجأ بعض المسلمین إلى التفسیرات الملتویة فی مواجهة هذه الحقیقة الواضحة -الله سبحانه وتعالى خالق کل شىء فی أحسن تقویم - وکذلک أن یدعوا مثل هذه الادعاءات الزائفة الخادعة والتی تحتوی فی طیاتها على ما یؤول إلى أن الله سبحانه وتعالى قد خلق هذا الکون بتطبیق مبادىء النمو و الارتقاء من تحول وانتخاب طبیعی ومراحل انتقالیة ما بین القردة والبشر.

وإنه لمن الخطأ تَقدیم مثل هذه التفسیراتِ والتی لیس لها أی دلیل فی القرآن أَو فی العِلْم ، على أمل أَنْ یتقبلنا التطوریون من أنصار داروین.
 فاللهُ هو واضع ومصدر کُلّ القوانین فی هذا الکونِ وهو الذی یعطیها الشکلَ الذی یَختارُه، وهوالذی یخلق ما یشاء متى یشاء ، وسع کرسیه السماواتِ و الأرضِ ، وهو العلی العظیم المتحکم فی کل شىء.

وبالرغم من کل ذلک فإن بَعْض الناسِ لا یدرکون قدرة الله بشکل کامل ومن ثم یصدرون أَحْکاما بخصوص الله سبحانه استنادا إلى قدراتهم المحدودةِ .

یَکْشفُ اللهُ لنا عن وجود هذه الفئة من خلال الآیات القرآنِیة التالیة:

"وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَیْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْکِتَابَ الَّذِی جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِیسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ کَثِیرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُکُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِی خَوْضِهِمْ یَلْعَبُونَ " (سورة الأنعام ، الآیة 91)

"مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ " (سورة الحج ، الآیة 74)

"وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِیعًا قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ " (سورة الزمر ، الآیة 67)

وعلى عکس ذلک الذی  یقترحه الذین یعتقدون فی الخلق التطوری ، فالله جل فی علاه لَمْ یَخْلقْ فی بادىء الأمر قرودا  ثم جعل هذه القرود بشرا من خلال أشکالِ انتقالیةِ تفتقد إلى بعض الأعضاء البشریة  .

بل بالأحرى، وکما یَکْشفُ القرآن ، خَلقَ اللهَ الإنسان فی أحسن تقویم:

"لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ " (سورة التین ، الآیة 4)

"خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَکُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَکُمْ وَإِلَیْهِ الْمَصِیرُ " (سورة التغابن ، الآیة 3)



Ever since the first man, all human beings have been the result of Allah's flawless creation. Throughout history, all human beings have come into being through the stages Allah commanded.


تعتبرالآیات أعلاه جزءا مِنْ البراهینِ على أن اللهِ خَلقَ الإنسان فی أحسن تقویم ، أی الشکل الذی هو علیه الآن.
وبالطبع، فإن لدى الإنسان العدید من نقاط الضعف ، والتی جمیعها تُذکّره بافتقاره إلى ربه.

وتعتبرالعاهات وحالات العجز  نَتائِجَا لخَلْق هادف، حیث تعمل کتذکرة لأولئک الذین یَرونَها وکإختبار لأولئک الذین ابتلاهم الله بها.

کسلالات وأنواع، خَلقَ اللهَ کُلّ الکائنات الحیّة بشکل آنی وفی أحسن تقویم ، دون الحاجةِ للتطورِ مطلقاً.
وتلک الحقیقةِ الواضحة یکشف عنها القرآن:

"هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى یُسَبِّحُ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ " ( سورة الحشر ، الآیة 24)

ویَصِفُ القرآنُ کیف أن الخَلْق على الله یسیر:

"أَوَلَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِیم" ( سورة یس ، الآیة 81)

"مَّا خَلْقُکُمْ وَلا بَعْثُکُمْ إِلا کَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ " ( سورة لقمان ، الآیة 28)

أشکال اللهِ المختلفةِ للخَلْقِ

نقطة أخرى مهمة أهملتْ مِن قِبل أولئک الذین یُؤمنونَ بالخَلْقِ التطوّریِ وهی أشکالُ اللهِ المختلفةِ للخَلْقِ.
فلقد خلق اللهُ کائنات حیّةَ تَختلفُ بشکل ملحوظ عن البشرِ والحیواناتِ، مثل الملائکةِ والجنّ.
وهذه المسألةِ سَتُناقشُ فی الصفحاتِ التالیةِ.

الْمَلائِکَة أُولو أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاث وَرُبَاع

الملائکة کائناتَ دائمة الطاعة لأوامرَاللهِ.
ویَصِفُ القرآنُ خَلْقُهم – أی هذه الملائکة - کالتّالی:

"الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِکَةِ رُسُلا أُولِی أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ مَا یَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ " ( سورة فاطر ، الآیة 1)

وکما نَرى مِنْ هذا الوصفِ، فإن أشکالَ الملائکةِ تَختلفُ إلى حدٍّ کبیر عنْ تلک التی للبشرِ. یَلفتُ اللهُ الانتباه إلى الأشکالِ المختلفةِ للخَلْقِ فی الآیة أعلاهِ.
وتبین الآیات أیضاً کَیف أن الملائکة تطِیعُ الله وتمتثل لأوامره:

"وَلِلّهِ یَسْجُدُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِکَةُ وَهُمْ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ

یَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ " ( سورة النحل ، الآیة 49-50)

"لَّن یَسْتَنکِفَ الْمَسِیحُ أَن یَکُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِکَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن یَسْتَنکِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَیَسْتَکْبِرْ فَسَیَحْشُرُهُمْ إِلَیهِ جَمِیعًا " ( سورة النساء ، الآیة 172)

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَیْهَا مَلائِکَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا یَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ " ( سورة التحریم ، الآیة 6)

وبالإضافة إلى ذلک ، فلقد خُلِقتْ الملائکة  قبل بنی آدم.
وفی حقیقة الأمر فلقد أخبرَ اللهَ الملائکةَ عند خلقه آدم - الإنسان الأول -  وأَمرهم بالسجود له.

وفی الوقت نفسه ، فلقد آتى اللهَ النبی آدم، علیه السلام ، علما یختلف عن ذلک الذى آتاه الملائکةِ ، حیث علّمه الأسماءَ کلها.

والملائکة لا تَمتلکُ مثل هذا العلمِ.
وکما یَذْکرُ القرآن :

"وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلاَئِکَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِیهَا مَن یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ قَالَ إِنِّی أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء کُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِکَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِی بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن کُنتُمْ صَادِقِینَ
قَالُواْ سُبْحَانَکَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّکَ أَنتَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ
قَالَ یَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ غَیْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا کُنتُمْ تَکْتُمُونَ
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِکَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِیسَ أَبَى وَاسْتَکْبَرَ وَکَانَ مِنَ الْکَافِرِینَ"
( سورة البقرة ، الآیة 30-34 )

الجنّ مَخْلُوقات مِنْ نارِ

مثلها کمثل الملائکةِ، یَختلفُ مظهرُ الجنّ أیضاً عن بنی البشر.
الآیات التالیة تبین أن الإنسان خلقَ مِنْ طینِ، بینما الجنّ خُلِقَ مِنْ نارِ:

"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ " ( سورة الحجر ، الایة 26-27)

"خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ کَالْفَخَّارِ

وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ " ( سورة الرحمن ، الآیة 14-15)

وفی القرآنِ، یَکْشفُ اللهَ کذلک عن الغرضِ من خَلْق الإنسِ والجنّ:

"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ " ( سورة الذاریات ، الآیة 56)

ومما یتضحُ لنا مِنْ هذا ، أنه بالرغم من أن الإنس والجنّ کائناتَ مختلفةَ تمام الاختلاف ، فإن کلیهما قد خُلِق لعِبادَة اللهِ وحده بتطبیق القِیَمِ التی وَصفَها لنا سبحانه وتعالى.

فلقد کَشفَ لنا- سبحانه وتعالى - فی العدید مِنْ الآیات أنّ الملائکة والجنّ کلیهما لَهُما بَعْض الخصائصِ التی تَختلفُ عن الخصائصِ الإنسانیةِ.
فعلى سبیل المثال، کلاهما یمکنه نقل المادة:

"قَالَ یَا أَیُّهَا المَلأُ أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ
قَالَ عِفْریتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِکَ وَإِنِّی عَلَیْهِ لَقَوِیٌّ أَمِینٌ " ( سورة النمل ، الآیة 38-39)

ویَذکر القرآن کذلک أنّ الجنّ - مثل الملائکة - قد خُلِقَت قبل الانسان.
فعندما خَلقَ الله النبی آدم، علیه السلام، أَمرَ اللهَ الملائکةَ والجنّ أن یسجدوا له.
وبعد ذلک، یذکر أنّ الشیطان من الجنّ:

"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِیسَ کَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّیَّتَهُ أَوْلِیَاء مِن دُونِی وَهُمْ لَکُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلا " ( سورة الکهف ، الآیة 18)

الخَلْق مسألة یسیرة على الله ، فهو القادر على أن یخلق مِنْ لا شیءِ وبدون سببِ مسبقِ. فکما خَلقَ الملائکةَ والجنّ على هیئات مختلفةِ ومِنْ عدم ، فلقد خَلقَ الإنسان أیضا من عدم خلقا منفصلا مستقلا ودون الحاجةِ للتطورِ.

والشىء نفسه یمکن تطبیقُه على الکائناتِ الحیّةِ الأخرى، مثل الحیواناتِ والنباتاتِ.
الله خَلقَ کُلّ هذه الکائنات آنیاً ومن لا شیء ودون إخضاعهم لعملیة التطور, بمعنى آخر، بدون تَحویل سلالة إلى أخرى.

وکما قد رَأینَا سابقا،َ فإن المراحلَ التی یَستعملُها الله فی هذا الخَلْقِ المذَکور سابقا ، لا علاقة لها بصدفةِ النمو والارتقاء أَو الأحداثِ العشوائیةِ، حیث أن کلا منها إنما هی ناتجة عن الأنظمة التی لا خلل بها والتی أنشأها الله - مالک الملک - بقدرته.

کَیف أن الطین المخلقَة کهیئة الطیر قد بث فیها نبی الله عیسى الحیاة بأمر الله

وَهبَ اللهُ نبیه عیسى- علیه السلام - قدرات تفوق قدرات البشر الطبیعیة فی هذه الحیاة الدنیاِ، کما یرَى فی:

"إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِکَةُ یَا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ یُبَشِّرُکِ بِکَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِیحُ عِیسَى ابْنُ مَرْیَمَ وَجِیهًا فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ " (سورة آل عمران ، الآیة 45)

فلقد جاءَ إلى هذا العالمِ بدون أبِّ ، وکان یکلّم الناس فی المهدِ ، وکان یشفی المرضى بشکل عجیب معجز.
وعلاوة على ذلک ، فعندما خلق النبی عیسى، علیه السلام ، من الطین کهیئة الطیرونفخ  فیه ، دبت الحیاة فی هذا الطیر بإذن اللهِ.
وهذه الحقیقةِ مذکورة فی القرآنِ:

"وَرَسُولاً إِلَى بَنِی إِسْرَائِیلَ أَنِّی قَدْ جِئْتُکُم بِآیَةٍ مِّن رَّبِّکُمْ أَنِّی أَخْلُقُ لَکُم مِّنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأکْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْیِـی الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُکُم بِمَا تَأْکُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَةً لَّکُمْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ " (سورة آل عمران ، الآیة 49)

"إِذْ قَالَ اللّهُ یَا عِیسى ابْنَ مَرْیَمَ اذْکُرْ نِعْمَتِی عَلَیْکَ وَعَلَى وَالِدَتِکَ إِذْ أَیَّدتُّکَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُکَلِّمُ النَّاسَ فِی الْمَهْدِ وَکَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُکَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِیلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ بِإِذْنِی فَتَنفُخُ فِیهَا فَتَکُونُ طَیْرًا بِإِذْنِی وَتُبْرِىءُ الأَکْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِی وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِی وَإِذْ کَفَفْتُ بَنِی إِسْرَائِیلَ عَنکَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَیِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِینٌ " (سورة المائدة ، الآیة 110)

فالله قادر على أَنْ یَخْلقَ أیما شىء بشکل تلقائی - إن صح التعبیر- وفی التو و اللحظة ، على النحوِ نفسه .
فهذه إحدى معجزاتِه - جل فی علاه-  وحقیقة غایة فی الأهمیة لا یجب على التطوریین المسلمین إهمالها.
مثال آخر شبیه یَذْکرُالنبی إبراهیم - علیه السلام - ویبین کَیفَ أن اللهَ یهب للکائنات غیر الحیة الحیاة:

"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِـی الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـکِن لِّیَطْمَئِنَّ قَلْبِی قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى کُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَأْتِینَکَ سَعْیًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ" (سورة البقرة ، الآیة 260)

کَیف أن امرأة النبی زکریا العاقر قد أنجبت 

مثال آخر على الخَلْقِ الأعجوبیِ یتعلّقُ بالبشرى التی بشر بها الله نبیه زکریا ، علیه السلام ، إنجاب امرأته غلاما :

"یَا زَکَرِیَّا إِنَّا نُبَشِّرُکَ بِغُلامٍ اسْمُهُ یَحْیَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِیًّا
قَالَ رَبِّ أَنَّى یَکُونُ لِی غُلامٌ وَکَانَتِ امْرَأَتِی عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْکِبَرِ عِتِیًّا
قَالَ کَذَلِکَ قَالَ رَبُّکَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُکَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَکُ شَیْئًا " (سورة مریم ، الآیة 7-9)

وکما تبین لنا هذه الآیات السابق سردها ، فإن مسألة الخَلْق مسألة هینة على الله سبحانه الذی لا یحتاج إلى مسببات لإتمام خلقه .
فلقد وَهبَ هذا النبی طفلا ، و بأَمْره " کُن! "  صارت زوجة هذا النبی حاملاً وبشکل تلقائی.
یقول الله  فی تکملة الآیة:

"قَالَ کَذَلِکَ قَالَ رَبُّکَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُکَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَکُ شَیْئًا " (سورة مریم ، الآیة 9)

أمثلة على البعث بعد الموت فی القرآن

الخَلْق والبعث کلیَّاً بید اللهِ ، وکما هو الحالُ بالنسبة للخَلْقِ ، فالله لَیْسَ بحاجة إلى أیة مسبباتِ خارجیةِ عندما یتعلق الأمر بالبعث.
وهناک العدید مِنْ الأمثلةِ فی القرآنِ الکریم والتی تشیر إلى هذا الموضوع.

یَکْشفُ القرآنَ عنّ أَنْ الناسَ سیبعثون من مرقدهم تارة أخرى یوم القیامة وذلک بعد موتهم ودفنهم فی هذه الحیاة الدنیا:

"ذَلِکَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ کَفَرُواْ بِآیَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا کُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِیدًا
أَوَلَمْ یَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَیْبَ فِیهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ کُفُورًا " ( سورة الإسراء ، الآیة 98-99 )

وکما رَأینَا ، فإن الکفار لا یَعتقدونَ بأنّ الناسِ سَیُعاد خلقهم مرة أخرى بعد مَوتهم وبعد أن صاروا ترابا.
ویُلخّصُ هذا المثالِ الحالةَ بالنسبة إلى نظریةَ التطورِ.

ربنا الله، الذی سَیُعیدُ تکوین أجسامَ الناسِ مِنْ العدم یوم الحسابِ ، قد سبق وأن خَلقَ الإنسان الأولَ أیضاً ، النبی آدم ، مِنْ لا شیءِ.
هذه الآیات مهمة جداً لأولئک الذین یُؤمنونَ بالقرآنِ إلا أنهم وفی الوقت ذاته یصرّونَ -على الرغم من هذا- على الإیمان بأفکارِ التطوریین.

یقول الله عزوجل:

"وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى کَمَا خَلَقْنَاکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَکْتُم مَّا خَوَّلْنَاکُمْ وَرَاء ظُهُورِکُمْ وَمَا نَرَى مَعَکُمْ شُفَعَاءکُمُ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِیکُمْ شُرَکَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَیْنَکُمْ وَضَلَّ عَنکُم مَّا کُنتُمْ تَزْعُمُونَ" ( سورة الأنعام ، الآیة 94)

یُشیرُ القرآنُ إلى بعث الإنسان بعد الموت یوم الحسابِ.
ویُوضحُ بأنّ هذا الخَلْق سَیَکُونُ مثل "الخَلْق الأول".
وکُلّ شخص وبعد أن یکون قد مات و صار ترابا ، سیولد مرة أخرى یم القیامة من خلال إعادة خلقه کهیئة الإنسان .

ولِهذا السبب نفسه فإن عملیة الخَلْق الأول للإنسان تشْبهُ عملیة إعادة الخلق الإنسانی هذه ولا تَتم بشکل مرحلی ، بل تتم بشکل لحظی معجز.
ونجد فی القرآنِ العدید مِنْ الأمثلةِ على البعث بعد الموت .

وعلى سبیل المثال ، فلقد شاء اللهُ لقوم النبی موسى، علیه السلام ، أن یمروا بمثل هذه التجربة ، حیث أماتهم الله ثم أحیاهم.
وهذا الموقف مَوْصُوفُ فی القرآنِ کالتّالی:

"وَإِذْ قُلْتُمْ یَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَکَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ
ثُمَّ بَعَثْنَاکُم مِّن بَعْدِ مَوْتِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ" (سورة البقرة ، الآیة 55-56)

والقرآن یَحتوی على مثال آخریَتضمّنُ قوم النبی موسى ، علیه السلام.
فلقد أمرهم الله أن یضَرْبوا جثّة أحد موتاهم بقطعة لحمِ من بقرة کانوا قد ذبحوها من قبل.
وکما یبین اللهَ لنا فی هذه الآیة ، فالغرض من مثل هذا الموقف هو إثبات حقیقة البعث لهم وللتأکد من إیمانهم  .

وهذا الأمر- وبکل المقاییس - أمرمعجز.
على أیة حال، وکما سَنَرى فی جزءِ الآیة الآتی ذکره ، فلقد ازدادت قلوب هؤلاء القوم قسوة بَعْدَ أَنْ حَدثتْ هذه المعجزةَ:

"وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِیهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا کُنتُمْ تَکْتُمُونَ
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا کَذَلِکَ یُحْیِی اللّهُ الْمَوْتَى وَیُرِیکُمْ آیَاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُکُم مِّن بَعْدِ ذَلِکَ فَهِیَ کَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا یَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا یَشَّقَّقُ فَیَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا یَهْبِطُ مِنْ خَشْیَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"
( سورة البقرة ، الآیة 72-74)

یضرب اللهُ مثالاً آخر:

"کَذَلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمْ آیَاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ خَرَجُواْ مِن دِیَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْیَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَشْکُرُونَ" ( سورة البقرة ، الآیة 242-243 )

ویُورد لنا القرآنُ مثالا آخرا : موقف قد واجهُه شخص لم یُؤمنْ بالبعثِ بعد الموتِ.
وطبقاً للآیات ، فلقد أمات اللهَ شخصَا 100 سنةِ وبعد ذلک أحیاه بعد الموت.

على أیة حال، و بالرغم من مرور کل تلک الفترة الزمنیة ، فلقد اعتقد الشخص بأنّه کَانَ میتَا لیومِ واحد فقط بل ولأقل من ذلک .

وعندما أُخبرَ بالحقیقةَ ، آمن أخیراً، کما نَرى فی الآیة التالیِة:

"أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلَى قَرْیَةٍ وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ یُحْیِـی هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ کَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ یَوْمًا أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِکَ وَشَرَابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِکَ وَلِنَجْعَلَکَ آیَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ کَیْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَکْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ" ( سورة البقرة ، الآیة 259 )

یَتعلّقُ المثالُ الآخر بأصحابِ الکهفِ .
والذی یُمیّزُ هذه القصّةِ عن غیرها من القصص بأنّ فی هذه الحالةِ، فالمجموعة المشار إلیها لَمْ تُقْتَل ، بل ظلت نائمة لفترة أطولِ مِنْ  الفترة الطبیعیة المعتادة لحیاة أی إنسان .

ولقد اشتملت هذه المجموعة على شبابِ مؤمنِ کان قد هجر قومه مریدا مأوى فی کهف وذلک لأن قومه کان قد اتّجهَ إلى الشرک باللهِ وإلى عبادةِ الأصنام.

على أیة حال، فلقد أنامهم الله  بشکل أعجوبی معجزلأکثر مِنْ 300 سنة بداخل الکهفِ ،  وکان ذلک على النحوالتّالی:

" فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَدًا " ( سورة الکهف ، الآیة 11)

" وَلَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِینَ وَازْدَادُوا تِسْعًا
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَیْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِیٍّ وَلا یُشْرِکُ فِی حُکْمِهِ أَحَدًا " ( سورة الکهف ، الآیة 25-26)

على أیة حال، فلقد أیقظهم الله بعد فترة من الزمن .
والوصف یَستمرُّ: 

"ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى " ( سورة الکهف ، الآیة 12-13)

وهم لَمْ یُدرکوا بأنّهم کَانوا نائمین کل هذه الفترة الزمنیة الطویلة.
وظنوا أنّهم کَانوا نائمینَ لمدّة یوم ، أَو لبضعة ساعات ، لیس إلا ، بینما کَانوا فی الحقیقة نیاما حوالی ثلاثمائة سنة و ازدادوا تسعا.
الآیة موضع السّؤال تقول:

"وَکَذَلِکَ بَعَثْنَاهُمْ لِیَتَسَاءلُوا بَیْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا یَوْمًا أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قَالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَکُم بِوَرِقِکُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِینَةِ فَلْیَنظُرْ أَیُّهَا أَزْکَى طَعَامًا فَلْیَأْتِکُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْیَتَلَطَّفْ وَلَا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَدًا " ( سورة الکهف ، الآیة 19)

مثل هذه الأمثلةِ المذکورة فی القرآنِ تبین و بشکل واضح  بأنّ اللهِ لا حاجةُ له فی أیّة مسببات للخَلْقِ.

سلوک النحل ِ: معضلة لا حل لها بالنسبة للتطوریین

 یَکْشفُ الله لنا ومن خلال القرآنِ بأنّه أوحى إلى النحل وأخبرَه بما یَجِبُ علیه عمَله: 

"وَأَوْحَى رَبُّکَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِی مِنَ الْجِبَالِ بُیُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا یَعْرِشُونَ

ثُمَّ کُلِی مِن کُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُکِی سُبُلَ رَبِّکِ ذُلُلاً یَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِیهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَةً لِّقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ" ( سورة النحل ، الآیة 68-69)

وکما نَعْرفُ ، فإن النحلَ یَجْمعُ اللقاح ویصنع منه عسلاً بخَلْطه – أی اللقاح - بإفرازاتِ تفرزها أجسامهِ. وحتى یتمکن من اخْتزان العسل وتربیة صغاره ، فالنحل یصنع خلایا شمعِیة سداسیةِ الشکل مرتبة ترتیب غایة فی الدقة ، ولزوایاها نفس القیاس ، ومتماثلة بشکل عام.
و یَصنعون أقراصَ العسل باستخدام هذه الخلایا.
وعلاوة على ذلک، فإن النحل الذی یَتْرکُ الخلیةَ بحثا عن الغذاءِ ویرجعُ إلیها مرة أخرى إنما قد أمده اللهَ بأنظمةِ خاصِّة تُمْکِنُه من إیجاد طریق العودة.
وحتى تمتلک حشرة کالنحلة – من تلقاء نفسها - مثل هذه المعرفة بخصوص زوایا المسدسات ، وتکتشف صیغةَ تصنیع الشمعِ ، وتُصمّم الأنظمةَ الضروریةَ لتَصنیعه بداخل جسمِها ، وبعد ذلک تضع مثل هذه المعلوماتِ فی حمضها النووی الخاص حتى یتسنى لأعضاء هذه السلالة مستقبلا أن یَمتلکُوا نفس القدراتِ ، بالطبع أمر مستحیل.
وإنه لمن الواضح أن النحل قد عُلّمَ کُلّ هذه الأشیاءِ مِن قِبل قوَّة علیا.
بمعنى آخر، فإن مثل هذه المعرفةِ قد أوحى الله بها للنحل ، کما تکشف لنا هذه الآیات.
الله ، الذی وسع کُلّ شىء علما ، یَصِفُ للنحلةِ ما تحتاجُ عمله ، والنحلة بعد ذلک تَتصرّفُ بشکل کامل من وحی هذا الوصف وعلى ضوءِ هذا الإلهامِ الآلهی.
مثل هذا السلوکِ الواعیِ دلیلُ واضحُ على الخَلْقِ.
ودراسة مثل هذه الخصائص فی الحیواناتِ تَکْشفُ التصمیمَ المنزه عن أیما عیب وکذلک عن الوعی الکامل المتأصّلَ فی الکائنات الحیة.
 فإن مثل هذه الأمور- مرةً أخرى -  تتیحُ للفرد فرصة فهم أن الله لا یضاهى قدرته شىء.


Your lord revealed to the bees: "Build dwellings in themountains and the trees, and also in the structures which men erect.Then eat from every kind of fruit and travel the paths of your Lord, which have been made easy for you to follow." From inside them comes a drink of varying colours, containing healing for mankind. There is certainly a Sign in that for people who reflect. (Qur'an, 16:68-69)

فاللهُ قادر على أن یخلق أیما مخلوق شاء ، و بأیة خصائص کانت ، وهو القادر على کل شىء ، و ملیک کل شىء.
على أیة حال ، فإن التطوریین یعتقدون فی أنّ مثل هذه الممیزّاتِ والخصائص الإستثنائیةِ التی اختص بها الله بعض مخلوقاته إنما ترجع إلى الصُّدفَة.
وطبقاً لهذا الإدّعاءِ الغیرمنطقیِ ، فإن النحل قد تَعلّمَ حِساب الزوایا بل واستطاعَ أن ینقل هذا العلم إلى غیره من النحلِ من خلال الصُّدفَة.

وطبقاً لهذا الإدّعاء فإن الصدفةُ قد أدت کذلک إلى ظهورِ أنظمةِ جسمانیةِ قادرة على انتاج الشمعِ والعسلِ .
وبمجرد التفکر لثوان قلیلة فقط ، یصبح من الممکن رُؤیة أن مثل هذه السیناریوهات الخیالیةِ أبعد ما تکون عنْ المنطق والحجة والعِلْمِ.
فاللهُ یَخْلقُ النحلَ ویَهبه الوعی.

ومثل هذه المعجزاتِ فی الخَلْقِ تَضِعُ التطوریین فی موقف محیّر لا یُمْکِنُهُم أبَداً الفرار منه.

النبی سلیمان کان یفَهمَ لغة النمل

کما أشیر إلیه فی القسمِ السابقِ، فإن التطوریین یَزْعمُون بأنّ الکائنات الحیّةِ إنما هی من عمل الصدفة البحتة والأحداثِ العشوائیةِ.
ففی رأیهم، وعلى الرغم مِنْ حقیقة عدم وجود أی برهان یؤکد هذه الإطروحةِ الخیالیةِ، فإن الحیوانات لا تَمتلکَ أی وعی.
وعلى الصعید الآخر فإنه یوجد الکثیر مِنْ الدلائلِ التی تفند إدّعاءاتِهم وتدحضها.

فبالأخذ فی الاعتبار الوصف القرآنی لما جرى بین النبی سلیمان، علیه السلام، و بین نملة .
فطبقاً للآیات ، فالنبی سلیمان قد سَمعَ و فَهمَ کلام النملةَ، کما ترُوِی الآیات التالیةِ:

"حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِی النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ یَا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاکِنَکُمْ لا یَحْطِمَنَّکُمْ سُلَیْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ* فَتَبَسَّمَ ضَاحِکًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَعَلَى وَالِدَیَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِی بِرَحْمَتِکَ فِی عِبَادِکَ الصَّالِحِینَ " (سورة النمل الآیة 18-19)

فکما تُوضحُ هذه الآیات ،  فلقد خاطبتْ نملة من النمل باقی النمل .
وبالطبع ، وبافتراض أن هذه النملة ما هی إلا مخلوق "خلق" بمحض الصُّدفَة فإنه لمن المستبعد أَنْ یَکُونَ لدَى هذا الکائن نظام اتصالِ خاص یَسْمحُ له بمُخَاطَبَة عشیرته الخاصةِ أَو إظهار سلوک ما قد یشیر إلى امتلاک وعی أو منطقِ.


As revealed in the Qur'an, Allah enabled Prophet Sulayman, peace be upon him, to understand the language of the ants.

فالمخلوق الذی یوجده الله فی هذا الوجود بمشیئته سبحانه وتعالى سوف یظهر سلوکاً واعیاً على النحو وإلى الحدّ الذی یریده الله.
وإنه لمن المحتمل أیضا التواصل و التخاطب مَع مثل هذا المخلوقِ، إذا ما أراد الله ذلک.

فالحیوانات ، و التی طبقاً لنظریةِ التطورِ، یفترضُ افتِقارها إلى الوعی إنما تکشف سلوکیتها فی الحقیقة عن قدر کبیرِ من المنطق والسببیة ، کما رَأینَا فی هذین المثالین. ونحن َرُبَّمَا لا نَستطیعُ أن نتَوَقُّع أن یدرک الداروینیون طبیعة مثل هذا الموقف الإستثنائی ،
( وَیُنَجِّی اللَّهُ الَّذِینَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا یَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ )

على أیة حال، فإن أولئک الذین یَقُولونَ بأنّهم یُؤمنونَ بوجودِ الله وقدرته یجب علیهم أَنْ یُفکّروا حقا بشأن مثل هذه الإشاراتِ، حیث أنها وبکل حزم و وضوح تثبت عدم صحة نظریة النمو و الارتقاء.

هذا و من ثم یبین أنه لا مجال على الإطلاق للدفاع عن النمو و الارتقاء .

معجزة الخَلْق

إن إهْمال حقیقة قدرة الله على الخلق والتدمیر یلعب دورا هاما فی إیمان بعض المسلمین بالتطورِ.
مثل هؤلاء التطوریین المسلمین متأثرون بالاتجاه الطبیعی ، الذی یزعم بأنّ قوانینَ الطبیعةِ ثابتة وغیر قابلة للتغییر ، وبأنّ لا شیءِ یُمْکِنُ أَنْ یَحْدثَ خارج إطار هذه القوانین.

إلا أن هذا یعتبر خطأ جسیم.
والذی نشیر إلیه بلفظ "قوانین الطبیعةِ" إنما أساسه خَلْق اللهِ وإبْقاؤه المادة فی شکل معیّن.

وإنه لمن المستحیل أَنْ تَکُون هذه الخصائص قد انبثقت من تطور المادة من تلقاء نفسها.
وکما قد أوضحَ الله ، فإنه سبحانه وتعالى یُمْکِنُ أَنْ یُعدّلَ هذه القوانینِ فی أی وقت کان،  بل ومن الممکن له جل وعلا أن یَتصرّف خارج نطاق هذه القوانین.

ونسمی مثل هذه الأحداث بالمعجزاتِ .

وکون بقاء أهل الکهف على قید الحیاة لأکثر مِنْ 300 سنة یعتبر معجزة خارقة لقوانینِ الطبیعةِ.
ویعتبر من المعجزات أیضا ، أولئک الذین أماتهم الله ثم أحیاهم بعد ذلک .
یَحْدثُ کُلّ حدث لأن الله أراد له الحدوث.

تلک التی تَحْدثُ فی إطار بَعْض القوانینِ الطبیعیة أحداث طبیعیة ، بینما الأخرى تعتبر معجزاتَ.
والنقطة التی مَنْ الضَّرُوری أَنْ تُفْهَمَ هنا بأنّ قدرة اللهِ لا یحدها تلک القوانین التی خَلقَها الله سبحانه وتعالى بقدرته و مشیئته.

فإذا ما أراد الله فإنه یمکنه أَنْ یَعْکسَ کُلّ قوانین الطبیعةِ تماما.
فإن ذلک على الله یَسیر.

وبما أن التطوریین المسلمین قد وقعوا تحت تأثیرالاتجاه الطبیعی ، والذی یعتبر أساس الدارونیةِ ، فإنهم من ثم یُحاولونَ تَفسیر أصلِ الحیاةِ الإنسانیةِ وغیرها من الحیوات من خلال القوانینِ الطبیعیةِ.
هؤلاء التطوریون المسلمون یَعتقدونَ فی أنّ اللهِ قد أوجد الکائنات الحیة فی هذا الوجود بواسطة خَلْق تحده و تحکمه القوانینِ الطبیعیةِ ، ومن ثم یَتخیّلُون بأنّ الخَلْقِ قد أوجد من خلال التحولِ ، والانتخاب الطبیعی ، والتغیر ، وتحول سلالة إلى أخرى.
وعلى أیة حال ، فإنه لخطأ فادح أن یتقبل المسلمون مثل هذا المنطقِ "الطبیعتی" ، حیث أن المعجزاتِ التی یصفها القرآنِ بشکل واضح تَکْشفُ أنّ مثل هذا المنطقِ لا أساس له من الصحة.

وبالنظر إلى تلک الآیاتِ التی تُناقشُ خَلْقَ الإنسان وغیره من الکائنات الحیة ، نَرى بِأَنَّ هذا الخَلْقِ قد تم عَلى نَحوٍ أعجوبی معجزوخارق لقوانینِ الطبیعةِ.
وهکذا یبین الله کیفیة خَلْقَ الکائنات الحیة :

"وَاللَّهُ خَلَقَ کُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن یَمْشِی عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن یَمْشِی عَلَى رِجْلَیْنِ وَمِنْهُم مَّن یَمْشِی عَلَى أَرْبَعٍ یَخْلُقُ اللَّهُ مَا یَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ " ( سورة النور، الآیة 45)

تُشیرُ هذه الآیة إلى مجموعاتِ الکائنات الحیّةِ الأساسیة على الکرة الأرضِیة - الزواحف، والطیور، والثدییات - وتَقُولُ بأنّ الله قد خَلقَ کلّ هذه الکائنات مِنْ الماءِ .

وبنظرة أقربِ ، فإن هذه المجموعاتِ لَمْ تُخْلَقُ " من بعضها البعض" کما " یستنبط " النمو و الارتقاء ، بل "مِنْ الماءِ."
بأسلوب آخر، فإن هذه الکائنات قد خلقها الله مُنفصلة من مادة مشترکة الله خالقها.
ولقدأوضحَ العِلْمُ الحدیث بأنّ هذه المادّةِ المشترکةِ هی الماء ، المکوّن الأساسی للأجسام الحیّة کلها.
وأجسام الثدییاتِ حوالی 70 بالمائة منها ماء .

والماء الجسمانیِ لکل کائن حی یمکن الاتصال بین الخلایا بعضها البعض ، بالإضافة إلى الاتصالِ بینِ الخلایا وبینَ الأنسجَة المختلفة .
وإنها حقیقةُ مقبولةُ أنه لا شیء یُمْکِنُ أَنْ یَعِیشَ دون ماءِ.

وعلى الرغم من ذلک فإن بَعْض المسلمین یسیؤونَ فهم الآیة أعلاهَ ویُحاولون إعْطائها من المعنى ما یجعلها أکثرَ توافقا مع التطورِ.
وعلى أیة حال، فإنه من الواضح أن حقیقةِ الخَلْقِ مِنْ الماءِ لَیْسَت لَها علاقة بالتطورُ، حیث أن تلک النظریة لا تَدّعی بأنّ کُلّ کائن حیّ أساس نشأته الماء.

بل على العکس، فإن نظریة النمو والارتقاء تزْعمُ بأنّ السلالات المختلفة للکائنات الحیِّة قد تَطوّرَت مِنْ بعضها البعض، وهذا تناقض واضح لحقیقة أنّ کُلّ الکائنات الحیّة قد خُلِقتْ مِنْ الماءِ (بأسلوب آخر، أنّها خُلِقت بشکل مستقل).

خَلْق الإنسان مِنْ طین

فی القرآنِ، یَکْشفُ لنا اللهَ أنّ الإنسان قد خُلِقَ بطریقةٍ أعجوبیة معجزة.
فلکی یخَلق الله الإنسانِ الأولِ، شکّلَ سبحانه وتعالى طیناً، وبعد ذلک نفخ فیه من روحه:

"إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِینٍ* فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِینَ " ( سورة ص ، الآیة 71-72)

"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِینٍ " ( سورة المؤمنون ، الآیة 12)

"فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِینٍ لازِبٍ " ( سورة الصافات ، الآیة11)

ومن هنا یُمْکِنُ أَنْ یُرى بأنّ الإنسان لَمْ یُخْلَق مِنْ أصل قردِ أَو من أی نوعِ آخرِ، کما یحاول المسلمون التطوریون أن یحملونا على الاعتقاد ، بل خلقه الله من طین , وهی مادة لا  حیاة فیها.

فلقد أحال الله بشکل أعجوبی تلک المادة الغیر حیة إلى کائن بشری ونفخ فیه من روحه.
فلیست هناک "عملیة تطوّریة طبیعیة" تعمل هنا، بل هی قدرة الله على الخَلْق الأعجوبیِ المباشرِ.
وفی حقیقة الأمر ، فإن کلمات الله المذکورة أدناه تبین أن الإنسان قد خُلِقَ مباشرة بقدرةِ اللهِ:

"قَالَ یَا إِبْلِیسُ مَا مَنَعَکَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أَسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنتَ مِنَ الْعَالِینَ " ( سورة ص ، الآیة 75)

وباختصار فإن القرآن لا یَحتوی علی أی تفسیرِ " لخَلْقِ تطوّریِ " للإنسان أولغیره من الکائنات الحیة.
بل على العکس، فالقرآن یُصرّحُ بأنّ اللهِ قد خَلقَ کل هذه المخلوقات بشکل إعجوبی مِنْ مثل هذه الموادِ الغیر عاقلةِ کالماء والطین.
على الرغم مِنْ هذا، فإن التاریخَ الإسلامِی یکشف عن أن بَعْض المسلمین قد تُأثّروا بالفلسفةِ الإغریقیة القدِیمَةِ ، وکذلک ببعض العناصر المادّیة والتطوّریة الدخیلة ، وبعد ذلک حاولَ هؤلاء أَنْ یُوفقوا ما بین تلک الفلسفةِ وما بین القرآنِ.

ولقد رَدَّ العالم والمفکر الإسلامی الجلیل الإمامِ الغزالی على هذه التیاراتِ والتی بدأت فی الظَهور فی عصره ، من خلال کتابه
( تهافت الفلاسفة ِ) ومن خلال غیره من الأعمال الأخرى.

على أیة حال ، فبانتشارِ نظریةِ التطورِ أثناء القرنینِ التاسع عشر والعشرینِ ، بَدأتْ افتراضات "الخَلْق بالتطورِ" فی الظُهُور ثانیة فی العالمِ الإسلامیِ.

ویعمل الفصلُ القادمُ على تناول الأخطاء التی ارتکبها أولئک المسلمون الذین یُدافعونَ عن مثل هذه الافتراضات ، وکذلک تُحلّیل تعلیقاتَهم على الآیات القرآنیة التی یَستعملونَها لتَبریر موقفِهم.

أبحاث الحفریات تثبت الخلق

أبحاث الحفریات تثبت الخلق

إنطلاقا مما قد سبق ذکره من حقائق بخصوص نظریتی التحول والانتقاءالطبیعی، فإن التقدم العلمی قد أثبت عدم إمتلاکهما لأیة قوی مؤثرة على تطور أو نمو الکائنات الحیة.

وبما أن الآلیة التطوریة لا وجود لها، فمن ثم لا یمکن وأن یکون قد حدث تطور للکائنات فی الماضی.
إلا أن النشؤیین مصرون على کون الکائنات الحیة قد تطورت على مر ملایین السنین عن طریق عملیة تدریجیة.
فخطأهم منحصر بین طیات هذا المنطق، فبافتراض صحة ما یدعون إلیه، لظهرت لنا العدید من الأشکال الإنتقالیة لکثیر من الکائنات الحیة خلال الإطار الزمنی المطروح ، لیس هذا فقط، ولکن لظهر لنا ما یثبت تلک الأشکال المرحلیة من خلال الحفریات المعنیة بتلک الحقبة الزمنیة.


For example, evolutionists claim that starfish evolved into real fish over millions of years. According to that claim, there must exist many transitional forms between the two species. However, not one fossil belonging to any such transitional form has ever been found. There are starfish and fish in the fossil record, but no forms between the two.

وتعد إدعاءات النشؤیین - غیر المنطقیة - جلیة الوضوح فی جمیع الأحوال.
فلنأخذ فی الاعتبار تطور الکائنات البحریة - کالأسماک على سبیل المثال - والتی یدعی النشؤیون تطورها من کائنات لا فقاریة کنجم البحر أو الدیدان البحریة.
فإن کان هذا الفرض صحیحا لوجدنا حفریات تدل على وجود کائنات تمثل مرحلة إنتقالیة ما بین اللافقاریة والفقاریة، والتی تعد وبلا جدال ضرورة لحدوث مثل هذا التحول من الصورة اللافقاریة الأولى ووصولاً إلی الصورة الفقاریة النهائیة التی نراها الیوم.
إلا أنه وبالرغم من عثور العلماء على العدید من الحفریات لکائنات فقاریة وأخرى لکائنات لا فقاریة، فإنه لم یتم العثور أبدا على حفریات لکائنات إنتقالیة ما بین النوعین.
وهذا الإنعدام لمثل هذه الحفریات، إنما یثبت أن التطور لم یحدث على الإطلاق.
( فی الحقیقة، فإن ظهور أولى الأسماک على الکرة الأرضیة إنما کان فی نفس الحقبة الجیولوجیة لتلک التی ظهرت فیها الکائنات اللافقاریة المرکبة، فحفریات الأسماک تعود إلى 530 ملیون سنة مضت، فخلال هذه الحقبة الزمنیة المعروفة بالعصر الکامبری "Cambrian Age " ، ظهرت أکبر مجموعات الکائنات اللافقاریة بشکل عشوائی فی الکرة الأرضیة).
فعلى الرغم من کون النشؤیین ذوی درایة تامة بذلک، إلا أنهم یلجأون إلى أسالیب الخطاب الشعبی والدلائل المزیفة لجعل العامة یؤمنون بنظریتهم.
وحتى داروین نفسه، فلقد علم ان سجل الحفریات لا یؤید نظریته، فلم یکن باستطاعته سوى أن یأمل فی ان تقوى شوکة نظریته، وان تظهر حفریات تلک المراحل الانتقالیة المفقودة.

إلا أن أتباع داروین فی یومنا هذا یفتقدون إلى ذلک الأمل، وذلک لأنهم قد اعترفوا بکون سجلات الحفریات زاخرة بالقدر الکافی والذی یمکن الإستناد إلیه لإثبات عدم صحة نظریتهم، فهذه الحفریات تصف بدقة متناهیة مراحل الخلق وبالتفصیل.

و یقوم الأستاذ نیلسون،- احد أشهر علماء النباتات النشؤیین السویدیین من جامعة لوند- بالتعلیق على سجل الحفریات، حیث یقول:
" لقد باءت محاولاتی لإظهار کیفیة حدوث النمو والإرتقاء، والتی استمرت لأکثر من 40 عاماً بالفشل...

إن المواد الحفریة فی وقتنا هذا قد صارت مکتملة تماما حتى أنه أصبح من الممکن إنشاء فصائل جدیدة من الکائنات، ولذلک فإن إنعدام السلاسل الإنتقالیة ما بین الأجیال المختلفة لبعض الکائنات، لا یمکن إرجاعه إلى ندرة المواد الحفریة، فالعجز حقیقی، ولن یمکن معالجته".

کما ینوه الأستاذ (ت. نیفیل جورج)، أستاذ البالیونتولوجی بجامعة جلاسکو عن عدم التوصل بعد لأشکال الحیاة الإنتقالیة التی طالما ظل البحث عنها قائما، یقول نیفیل:

" لا حاجة لنا الآن فی الإعتذار عن افتقار السجلات الحفریة لما نحتاجه من معلومات.
فلقد أصبحت هذه السجلات زاخرة بالمعلومات بطریقة لا یمکن التحکم فیها فی بعض الأحیان، فلقد تخطت الإستکشافات مرحلة التوحد والتکامل وذلک لکثرة هذه الاستکشافات،  إلا أن السجلات الحفریة، بالرغم من ذلک، مستمرة فی کونها مکونة أساساً من فجوات."

و لقد وصل النشؤیون الى حد الاعتراف بلیس فقط کون السجلات الحفریة تعارض نظریة داروین، بل و أنها تؤید خلق الله سبحانه و تعالى لهذا الکون.


Not one fossil of any transitional forms posited by evolutionists has ever been found. Throughout history, fish have always existed as fish, birds as birds, and human beings as human beings.

فعلى سبیل المثال نجد عالم البالیونتولوجی (Mark Czarnecki) یعترف بالأتی:

"من العقبات الأساسیة التی تقف أمام لإثبات صحة نظریة النمو و الأرتقاء، عقبة السجلات الحفریة ، و هی البصمات التی ترکتها الکائنات المنقرضة فی التکوینات الجیولوجیة للکرة الأرضیة".

فهذه السجلات، لم تکشف أبدا عن آثار الأشکال الإفتراضیة الوسطیة التی تمثل المراحل الأنتقالیة ما بین صور الخلق المختلفة، بل على العکس فإن الفصائل المختلفة للکائنات تظهر و تختفی بشکل مفاجئ و بدون ترابط، و هذا الشذوذ فی السجلات الحفریة قد ساند بقوة حجة من یؤمنون بأن الله هو خالق هذه الأنواع کلها...

و کما نرى، فإن أنصار نظریة النمو و الأرتقاء یعانون من حالة من الإحباط الرهیب بخصوص موضوع الصور الأنتقالیة للکائنات الحیة المختلفة. حیث لم تکشف أیة عملیة تنقیب عن حفریات فی أی بقعة من بقاع الأرض عن أدنى أثر لأی شکل من الأشکال الأنتقالیة التی أدعى وجودها داروین.

فکل هذه الکشوفات، لإنما تحطم آمال النشؤیین، و تبین کیف أن الکائنات الحیة على کرتنا الأرضیة قد نشأت فجأة دون تطور، و لا یعتریها أی قصور أو خلل.

و على الرغم من معرفة أنصار داروین أن الأشکال الانتقالیة لم تکن أبدا موجودة، إلا أنهم یکابرون و یرفضون أن یتخلوا عن نظریتهم.
کما أنهم یقدمون تفسیرات خاطئة متحاملین على هذه السجلات الحفریة.

فی عملِه بحثِا عن زمن سحیق ، هنری جی ، محرّر مجلةِ الطبیعةِ صاحبة الشهرة العالمیة ، یَصِفُ کَیف أن تفسیرات السجلات الحفریة هذه إنما هی - فی حقیقة الأمر - على درجة عالیة من المصداقیة العلمیة :

" . . نحن نُرتّبُ الحفریاتَ ترتیبا یعکس اکتسابا تدریجیا لما نراه فی أنفسنا من خصائص . فنحن لا نبحث عن الحقیقةَ، إنما نَخْلقُها تبعا للواقع ، حتى تتفق مع ادعائاتنا الخاطئة الخاصة . . .
فبأخْذ خَط حفریات معین والادّعاء بأنّها تمثل نسبا ، لَیسَ بفرضیة علمیة من الممکن أَنْ تُختَبرَ، وإنما هو زعم یحمل نفس مصداقیة قصص ما قبل النوم .
مسلیة هذه القصص ، بل وربما تعلیمیة ، إلا أنها لَیسَت بعلمیة".20  

ولِهذا فإن المؤمنین بالله لا یَجِبُ أنْ ینخدعوا بذلک العبث الکلامی و بذاک البطلانِ المرتدی عباءة العلمِ .

وإنه لخطأ عظیم الاعتِقاد فی أنه لمجرد کون بعض الناسِ علماءَ ، أنهم یتفوهون بالحقیقةَ وبأنّه یَجِبُ أَن نصدقهم .

إن علماءِ التطور لَیْسَ لدیهم أدنى شعور بتأنیب الضمیر تجاه ما یخفونه من وقائع ، وما یُحرّفُونه من حقائقَ علمیةَ ، وما یصوغونه من دلائل مزوّرة لخدمة أیدیولوجیتهم الخاصة .

إنّ تاریخَ الدارونیةِ ملئ بمثل هذه الأمثلةِ .
وبالأخذ فی الاعتبار أکثر الخطوطَ الرئیسیةَ الأساسیةَ للداروینیةِ ، فسیظهر لنا فورا بطلانها وأساسها الفاسد کلیاً .

و بتفحص التفاصیلِ ، فسیصیر الموقف أکثر وضوحا .
)لمزید من المعلومات ، برجاء مراجعة "خداع التطور" ، "طه" للنشر ، لندن، 1999 و"دحض الدارونیة" ، "جود وورد" للنشر، نیودلهی، 2003   (.

وعلى عکس ما یَدّعیه التطوریون ، فأینما ننظر نَرى عظمة فی تصمیم وتخطیط کل ما للکائنات الحیّة وغیر الحیة من خصائص .

وهذه إشارة إلى أن الله قد خَلقَهم أجمعین .

یُواصل التطوریون شَنّ کفاحِهم الیائسِ لأنهم لا یُریدونَ أَنْ یَقْبلوا هذه الحقیقةِ .

کمادّیین ملتزمین بحق، فإنهم یُحاولونَ بث الحیاة فی جثّة هامدة .

کُلّ هذا یُؤدّی إلى استنتاج واحد فقط : تعمل الداروینیة على ابعاد الناسَ عن المنطق ، والعِلْم، والحقیقة وتوجّههم نحو اللا عقلانیةِ .
 الذین یُؤمنونَ بالتطورِ یرفضون اتباع سبیل المنطق والعِلْمِ ، وینخدعون بتلک الهراءات الخرافیة التی بدأت بالظهور مع بدایة القرن التاسع عشر( عام 1800 ) عندما کان  داروین حیَّا.

وفی نهایة الأمر ، یَبْدأونَ فی الاعتِقاد أن الصدفة یُمْکِنُ أَنْ تَلْعبَ دور الإله، بالرغم من أنَّ الکون کله ملىء بالإشاراتِ الدالة على الخَلْقِ.
وإنه لیکفی أَنْ نتأمل آلیة واحدة فقط من الآلیاتِ الغیر منقوصة الموجودة فی السماءِ والبحرِ، فی الحیواناتِ والنباتاتِ ، حتى یتسنى لنا رؤیة هذه الإشارات.

وللقَول بِأَنَّ کُلّ هذه الإشارات من عمل الصدفة إنما هو إهانةُ للتَفکیر، والمنطق، والعِلْم.

المطلوب هوالاعتراف بقدرة الله وعظمته ، ومن ثم الإسلام له سبحانه وتعالى .

إنه لخطأ الاعتقاد فی أن تشارلز داروین کَانَ متدینا

جزء کبیر من أولئک المتدینین - أصحاب الاتجاه دینی -  ممن یَدْعمونَ نظریةَ التطورِ یَقترحُ بأنّ تشارلز داروین کَانَ ذا اتجاه دینی.
إلا أنهم - ومما لا شک فیه - مخطئون ، حیث أن داروین  - خلال حیاته - قد کَشفَ عن وجهاتَ نظره السلبیة تجاه الله وتجاه الدین.
لقد کان داروین بالفعل مؤمنا بالله فی فترة شبابِه، إلا أن إیمانه هذا قد بَهتَ وضعف بشکل تدریجی إلى أن حل محله الإلحادِ أثناء فترة أوسّطِ العُمرِ.


Darwin and the Darwinian Revolution, by the Darwinist historian Gertrude Himmelfarb.

إلا أنه لم یذع هذه الحقیقةِ ، فهو لَمْ یرغب-على وجه الخصوص- فی استثارة معارضة زوجتِه المؤمنةِ ، وکذلک أقربائه المقرّبین ، بل والمؤسسةِ الدینیةِ ککل.
فی کتابِها "داروین والثورة الدارونیة"، تَکْتبُ المؤرخة الداروینیة
Gertrude Himmelfarb :

"إن المدى الکامل لعدم إیمان داروین، من ثم ، لا یُمْکِنُ رؤیته من خلال أعماله المَنْشُورِة ولا من خلال سیرته الذاتیةِ المَنْشُورةِ ، ولکن فقط من خلال النسخةِ الأصلیةِ لتلک السیرة الذاتیةِ "21

یَکْشفُ کتابَها أیضاً بأنّه عندما کان إبنَ داروین - فرانسیز-عَلى وَشَکِ أَنْ یَنْشرَ کتابه
 "حیاة ورسائل تشارلز داروین" ، عارضتْ زوجةَ داروین- إیما- المشروع بعنف ولَمْ ترغب فی التصدیق أوالموافقة علیه ؛ َخوفا من أن هذه الرسائلَ قَدْ تُسبّبُ فضیحة له بعد موتِه.
حذّرَت إیما إبنها مطالبة إیاه أن یتخلص من تلک الجزئیات التی تحتوی على إشاراتَ صریحة عن الإلحادِ.
العائلة بأکملها کانت تخشى أن تؤدی إشاعة مثل هذه البیاناتِ إلى تلف سمعة داروین 22
طبقاً لعالم الأحیاء Ernst Mayr ، أحد مؤسسی الدارونیة الحدیثة؛

" من الواضح أن داروین قد فقد إیمانه فی الفترة ما بین عامی 1836-1839 قبل قراءته لمالثوس.
وحتى لا یؤذی مشاعرَ أصدقائِه وزوجتِه، استعملَ داروین أسلوبا لغویا ربانیا - دون الانتماء لدین معین - فی أغلب الأحیان فی منشوراتِه، إلا أنه یوجد الکثیرَ فی دفاترِ ملاحظاته ما یُشیرُ بأنّه کَانَ قَدْ أَصْبَحَ 'مادّیا' فی ذاک الوقت "23


Ernst Mayr

لقد کان داروین دائماً آخذا فی الاعتبار ردود أفعال عائلته، وعلى مدى حیاته کان یخفی وبکل حرص و عنایة أفکارَه عن الدینِ.
ونقلا عن داروین نفسه، أن سبب هذا هو أن :

"منذ سَنَوات عدیدة مضت کان قد نصِحنی بقوة أحد الأصدقاء بعدم تقدیم أیّ شئَ خاص بالدینِ فی أعمالِی؛ و ذلک إذا ما رغبت فی تَقَدُّم العِلْمِ فی إنجلترا ؛ ولقد أدى هذا إلى أننی قد أغفلت الصلاتَ المتبادلةَ بین الموضوعین.
ولربما تَصرّفتُ بشکل مختلف ، إذا ماکانت لدی القدرة على الرؤیة المستقبلیة لما کان سیؤول له العالم من تحرر."24

وکما یُمْکِنُ أَنْ نَرى مِنْ الجملةِ الأخیرة ، فلو کان داروین واثقا من أنه لَنْ یَجْذبَ أی ردِّ فعل، لَرُبَّمَا کان أقل حذرا ً.
عندما اقترح کارل مارکس (1818-1883) أن یهدی کتابه Das Kapital   ( العاصمة ) إلى داروین، رَفضَ داروین هذا الشرف بکل حزم على أساس أنَّ هذا سیَؤذی بَعْض أفرادِ عائلتِه إذا ما ارتبطَ إسم داروین بمثل هذا الکتابِ الإلحادیِ 25

على أیة حال، فإنه ما زال من الممکن أن نفهم موقفَ داروین من المفاهیمِ والاعتقاداتِ الروحانیةِ من خلال کلماتِه هذه إلى ابنِ عمه:

"بالنسبة إلی ، فإن المشاعر الإنسانیة فی نفس ضآلة بعض الجراثیم الموجودة فی أجساد الحیوانات"26

عارضَ داروین أیضاً التوجیه الدینی للأطفالِ من منطلق ضرورة تحریرهم من الإیمان النابع من الدین 27
یعتبر التطوریون المعاصرون ِوجهاتِ النظر المعادیة للدین هذه نوعا مِن التراثِ.

کما یعارض التطوریون الجدد بکل عنف تدریس المفاهیم الخلقیة creationism   فی المَدارِسِ ، تماما کما کان داروین یرغب فی عدم تعرف الأطفال على الله - الإله - أثناء فترة التعلیم.

فهم یحاولون بکل نشاط کسب التأیید العالمی لهم حتى یمکن إزالة فکرة الخلق من المناهج التعلیمیة .

إلحاد داروین وجُهود إخْفائه

یقول داروین عن نفسه فی إشارة منه إلى ما یعانیه من نقص إیمانی ،

"بدأ الکفر بالله فی الزَحف علی بمعدل جد بطىء ، إلا أنه اکتمل أخیراً "28

یَصِفُ الکتاب نفسه کَیف أن والد تشارلز داروین قد خلا به نجیا عندما کان - أی تشارلز داروین - عَلى وَشَکِ أَنْ یَتزوّجَ وأوصاه بإخفاء شَکَّه الدینیَ عنْ زوجتِه.

على أیة حال، فإن إیما کَانتْ مدرکة لحقیقة إیمانِه المستمر التّناقصِ منذ البدایة.
عندما تم طرح کتابه " انحدار الإنسان " ، اعترفتْ إیما إلى إبنتِها بخصوص مشاعرِها تجاه الکتاب معاداته للدین:

"سأکره هذا الکتاب کثیرا حیث أنه ثانیةً ینحی الله بعیدا أکثر"29

وفی رسالة کَتبَها سنة 1876، ذکر داروین کیف أن إیمانه قد صارأضعفَ:

"…  هذا الاستنتاج (الإیمان بالله ) کَان قویا لدی - بقدر ما أَتذکّرَ - عندما کنت أکتب
"أصل الأنواعِ" ؛ وإنه - ومنذ ذلک الحین - قد بدأت هذه الفکرة فی الاضمحلال التدریجی جداً، والمصحوب بالعدید من التقلّباتِ..."30

وفی الوقت نفسه ، وَجدَ أن ضرورة امتلاک أی شخص آخر معتقدات ذات طابع دینی یعتبر أمر شاذ ، وقال أن هؤلاء الناسِ، والذین یعتقد أنهم قد تطوّروا مِنْ حیواناتِ بدائیةِ، لا یَستطیعونَ أَنْ یثقوا بتلک الإعتقاداتِ:

"هل یمکن لعقل بهذا الانحطاط کالذی یمتلکه الإنسان و الذی - کما أعتقد تماما - قد انحدر من ذلک العقل الذی تمتلکه أکثر الحیوانات انحطاطا، أن یوثق به عندما یتعلق الأمر بالتوصل لمثل هذه الإستنتاجاتِ الکبیرةِ ?"31

السبب الأساسی وراء إلحاد داروین , وإنکاره وجود الله هو الکبر والتفاخر.
و یُمْکِنُ رؤیة ذلک من خلال البیان أدناه :


Charles Darwin's wife Emma

"من منطلق وجود إله واحد عالم لکل شىء و قادر على کل شىء وهو الذی یأمر وینهى ، فإنه أمر مسلم به ، إلا أننی - وبکل صدق - أجد صعوبة فی التسلیم بمثل هذا الأمر."32

فی مخطوط یدوی قصیر ملحق بقصّةِ حیاتِه ، کَتبَ:

"لاأَشْعرَ بأی ندمِ لارتکابی أیّ ذنب عظیم"33

تصریحات داروین الإلحادیة المنکرة لوجود الله ودینه إنما تتبع فی الحقیقة منطقا إلحادیا کلاسیکیا.
تصِفُ إحدى الآیات القرآنیة کیف أن أولئک الذین یُنکرونَ اللهَ إنما یُدرکُون فی الحقیقة بأنّه موجود إلا أنهم له ناکرون تکبّرا:

"وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ " (سورة النمل ، الآیة 14)

إنّ أکثرالنقاط أهمیةً هنا هی: کَانَ لإلحاد داروین الأثرُ الأعظمُ فی تَشکیل نظریتِه. 

فلقد زور الحقائقَ، والملاحظات، والبراهین حتى یبقی على ادعائه بأنّ الحیاةِ لَمْ تُخْلَقُ. عند قرأُة "أصلَ الأنواعِ" ، نجد وبشکل واضح کَمْ أن داروین قد استعصى علیه إنکار کُلّ دلیل على الخَلْقِ.

(وعلى سبیل المثال : -، التراکیب المعقّدة فی الکائنات الحیة ، وکَیف أن السجلات الحفریة تشیر إلى الظهورِالمفاجئِ للحیاة ، والحقائق التی تُشیرُ إلى حدود التباین الکبیرالذی یمکن أن یکون فی الکائنات الحیة فی الطبیعة) ، وطریقة تأجیله تفسیر تلک الأشیاءِ التی لم یتمکن من تفسیرها آنذاک قائلاً :

"ربما ستفسر هذه المسألةِ یوما ما فی المستقبلِ."

فلو کان داروین عالما محایدا ، لما أظهر مثل هذا الاستبداد.

وأسلوب داروین الخاص ومناهجه تبین أنّ داروین کَانَ مُلحداً وأنه قد أسس نظریتَه على الإلحادِ.

وفی الحقیقة ، فعلى مدى ال150 سنة الماضیة ، أید الملحدون داروین ودعمته عقائد غیر متدینة تحدیدا بسبب إلحادِه .

ومن ثم فباعتبار حقیقة إلحادِ داروین ، فالمسلمون لا یَجِبُ أنْ یرتکبوا خطأ الاعتقاد فی کونه متدینا، أَوحتى الاعتقاد فی عدم کونه معارضا للدینِ ، ومواصة دَعْمه ، نظریته ، وأولئک الذین یفکرون بنفس أسلوبه.

فهم إذا ما فعلوا هذا ، یکونون قد حذوا حذو الملحدین.

Darwin admitted to being an atheist in his letters and autobiography.

قادتْ الدارونیةُ الإنسانیةً مِنْ کارثةِ إلى کارثةِ

فی بِدایة هذا الکتابِ، رَأینَا کَیفَ أن التطوریین المسلمین قد صوّرُوا الدارونیةً على أنها حقیقةَ علمیة مثبتة مُهملینَ بذلک وجهَها الحقیقیَ.

الدارونیة، والتی منحت الفاشیة والشیوعیة- أکثر أیدولوجیات القرنِ العشرینِ دمویة - دعما "علمیاً" ، لَها کذلک وجهُ "حقیقیُ" آخر أکثر ظلمة.

هذه  الأیدولوجیات، التی وَصلتْ إلى أعنف قُمَمها أثناء القرن السابق - القرن العشرین- ، کَانتْ مسؤولة عن الثوراتِ الشیوعیةِ والإنقلابات العسکریة الفاشیةِ المعروفة باسم Coups D'etat   ، أضف إلى ذلک القتال ، والنزاعات، والحروب الأهلیة ، وتقسیم العالمِ إلى کتلتین.
مثل هؤلاء الدکتاتوریین الدمویِن أمثال "لینین" ، و"ستالین" ، و"ماو"، و" بول بوت"، و"هتلر" ، و"موسولینی"، و"فرانکُو" قد ترک کل بصمته الدمویة.

حوالی 120 ملیون نسمة ماتوا کنتیجة لوَحْشیَّةِ الأنظمةِ الشیوعیةِ وحدها، ونجد کذلک أن الحربین العالمیتین وحدهما قد کلّفتَا البشریة حوالی 65 ملیون روح.
کَانتْ الحرب العالمیة الثانیة، التی بَدأتْ بإحتلالِ هتلر لبولندا فی 1939،  کارثة حقیقیة للإنسانیةِ. ( لمزید من التفاصیل برجاء مراجعة " الکوارث التی جلبتها الداروینیة للبشریة"Al-Attique Publishers Inc., Ontario, 2001
 و " الفاشیة : أیدیولوجیة الداروینیة الدمویة " Arastirma Publishing, Istanbul, 2002
، هارون یحیى )

و یُمْکِنُ العثورعلی الدارونیة فی الجذورِ الأیدیولوجیِة لکُلّ هذه الکوارثِ الأخلاقیةِ والإقتصادیةِ والسیاسیةِ ، حیث أنها تغذّی وتقوّی کلّ واحدة منها.

الشیوعیة، والفاشیة، والدارونیة

ذَکر َکارل مارکس وفریدریک إنجیلز-الآباء الروحیون للشیوعیةِ- فی أعمالِهم کَمْ أن الدارونیةِ أَثّرتْ علیهم.

أظهرمارکس تعاطفه تجاه داروین بأن قدم إلیه نسخة من کتابِه Das Kapital ، الذی کَتبَ فیه مُلاحظة شخصیة. حَملتْ الطبعةُ الألمانیةُ کذلک الرسالةُ التالیةُ والتی کتبها مارکس بنفسه ؛

"إلى تشارلز داروین، مِنْ معجب حقیقی، مِنْ کارل مارکس."

کَانتْ للدارونیة من الأهمیةِ بالنسبة للشیوعیةِ أنه بمجرد أن نُشِرَ کتاب داروین، کَتبَ  إنجیلز إلى مارکس قائلا :

" إن داروین ، الذی أَقْرأُه الآن ، ببساطة، رائع "34

اعتبرَ  الشیوعی الروسی البارز Georgi Valentinovich Plekhanov المارکسیةً " تطبیق الدارونیة فی العلومِ الاجتماعیة "35

Lenin
Stalin
Mao
Mussolini
Franco
Hitler


Hitler's Mein Kampf.

یقول Heinrich von Treitschke ، المؤرخ الألمانی العنصری ، و مستشار هتلر الأیدیولوجی الأکثر أهمیةً :

"إن الأمم لا یمکن أَنْ تَزْدهر بدون منافسةِ حادّةِ ، مثل صراع داروین من أجل البقاءِ  "36

وهکذا یُشیرُ إلى أصلِ العنفِ فی جذورِ النازیةِ.
هتلر نفسه کَانَ داروینیا .

َومن وحی مفهومِ "الصراع من أجل البقاء" المستخدمَ مِن قِبل داروین ، سمى هتلرعملَه الخاصَ الشهیر َ، Mein Kampf
( صراعی ).

فی عام 1933 و فی أحد التجمعات الحزبِیة الاحتفالیة بنوریمبیرج، أعلنَ هتلر الآتی:

" إن الجنس الأعلى من حقه أن یُخضع لنفسه جنساً أدنى منه …  وهذا حقّ نَرى ممارسته فی الطبیعةِ المحیطة بنا والذی یُمْکِنُ إعتباره الحقَّ المعقولََ الوحید ، وذلک لأنه قد أُسّسَ على العِلْمِ "37

وهذا یظهر مدى تُأثّره - أی هتلر - بداروین.

وکذلک موسولینی، زعیم الفاشیةِ الإیطالیةِ ، کان یفَضَّل الداروینیة نظرا لما تحویه من مبادیء ومعتقدات وحاولَ استعمالها لتَبریر إحتلالِ إیطالیا لإثیوبیا.

فرانکُو، الدکتاتورالإسبانی فی ذَلِک الوَقت، نجده قد طبق مبادىء الداروینیة نظریا و عملیا کلیهما.
( راجع "الفاشیة : أیدیولوجیة داروینیة دمویة"  Arastirma Publishing, Istanbul, 2002 ، هارون یحیى )
وبالقول بأنّ الحیاةِ معرکة وبأنّ الأقویاء قد قُدّر لهم أن ینتصروا فی تلک المعرکة وأن الضعفاء قد حکم علیهم بالخسارة ،  فَتحَ داروین بذلک الطریق إلى استخدام القوةِ الوحشیة ، والعنف، وإلى اندلاع الحروب، ونشوب النزاعات ، وانتشار المذابح على نطاق واسع.
والدکتاتوریون الذین اضطهدوا الناسَ ، سواء فی داخل البلاد أو فی خارجها ، کَانوا مُلهَمین جداً بالدارونیةِ إلى درجة أنهم قد ارتدوا عباءة تعالیمها .

من وجهة نظرهم ، فإن قانونَ الطبیعةِ یَتطْلبُ أنّ یسحق الضعیف ویحطم ، وأنه بما أن الناس قد تطورت من الحیوانات فإنهم لا یجب أن یتوارثوا أی مبادىء أخلاقیة إیجابیة.

عنصریة داروین

تعتبر عنصریة داروین إحدى أهم الصفات - وفی الوقت نفسه أقلها شیوعا بین الناس - التی یتسم بها داروین : اعتبرَ داروین الأوروبیین البیض أکثر "تقدماً" مِنْ الأجناس البشریة الأخرى.

بافتراض أن الإنسان قد تَطوّرَ مِنْ مخلوقات أشباهِ قرود ، فلقد افترض داروین بأنّ بَعْض الأجناسِ قد تطوّرتْ أکثر مِنْ غیرها ، وأنّ هذه الأخیرة  ما زالَتْ تحملُ بعض صفات القرود.

فی کتابِه، "أصل الإنسانِ" ، الذی نَشرَ بعد " أصلِ الأنواعِ "، علّقَ - أی داروین - بکل جرأة على "الاختلافات الأعظم بین رجالِ الأجناسِ المُختلفةِ"41


Racist neo-Nazi movements are spreading to many countries. At the root of such movements is a fascistic hatred of peoples of other nations. Behind this idea lies Darwinism, according to which, the inferiority of some races in comparison to others is very natural.

وفی کتابِه هذا - " أصل الإنسان " - ساوى داروین ما بین الأجناس أصحاب البشرة السمراء وسکّان أسترالیا الأصلیین وما بین الغوریلات ، ثم افترض بعد ذلک أَنَّ هذه الأجناس سیتم " التخلص منها " مِن قِبل " الأجناس المتحضرة " - على حد تعبیره -بمرور الوقت.
یقول:

"فی فترةِ مستقبلیةِ ما ، لَیسَت ببعیدَة إذا ما قیست بالقرون ، سنجد أن الأجناس المُتَحضّرة للإنسان  - وبشکل شبه مؤکد - سَتُبیدُ وتَستبدلُ الأجناسَ الوحشیةَ فی کافة أنحاء العالم.
فی الوقت نفسه ، ستباد بلا شَکَّ الکائنات الأشباه آدمیة.
ومن ثم ستزداد الفجوة ما بین الإنسانِ وما بین أقربِ حلفائه اتساعا ، حیث سَیَنتقلُ إلى حالةٍ أکثر تَحَضّراً ، کما نَتمنّى، بل وستکون اکثر اتساعا إذا ما حتى قورنت - أی هذه الفجوة - بالتی بین القوقازیینِ وبین قرد منحط کالبابون ، بدلاً مِنْ تلک الموجودة الآن بین الزنجی أَو الإسترالی وما بین الغوریللا"42

ولم تقف أفکار داروین الحمقاء عند حد أنها قد صیغت فی صورة نظریات ، بل تجاوزت هذا الحد إلى أنها وبالإضافة إلى ذلک قد حازت على درجة من الاحترامِ العلمیِ والاجتماعیِ مما مَکّنَها من توفیر أهم " أساس علمی " على الإطلاق للتمییز العنصری.

وبافتِراض أنّ الکائناتِ الحیّة قد تَطوّرتْ نتیجة الصراعِ من أجل البقاء ، فسرعان ما تم تطبیق الدارونیة فی العلومِ الاجتماعیة.
تُؤکّدُ هذه العقیدةِ الجدیدةِ والمعروفة باسم " الدارونیةِ الإجتماعیة " بأنّ الجنس البشری الحالیِ یقع على درجاتِ مختلفةِ من " السلّم التطوّری " ، وأن الأجناس الأوروبیة هی الأکثر " تقدماً " على الإطلاق ، وأن العدید مِنْ الأجناسِ الأخرى ما زالَتْ لها صفات القردة.
علاوة على ذلک ، فالدارونیة لیس فقط تمهد للهجماتِ العنصریةِ ، بل أنها تَسْمحُ بحدوث کُلّ أنواع الأعمالِ الإنفصالیةِ والتدمیریةِ کذلک.
ومبدأ " الحیاة صراع " هذا نجده قد خلق حجّةً تستغل فی تبریر وَضْع الأناسِ الآخرینِ الذین یَعِیشونَ بسلام فی نفس البلدِ فی معسکراتِ الاعتقال ، بالإضافة إلى استعمالِ العنفِ والقوةِ الوحشیة ، ونشوب الحروب ، والموت ، والقتل.
على أیة حال، فالمسلمون الذین یُدرکونَ بأنّ اللهِ قد خَلقَهم جمیعا وخلق کُلّ شیء آخر، و أن الله قد نفخ فیهم جمیعا من روحه ، وأن العالم مکان سلامِ وأخوّةِ ، و أن الناس کلهم سواسیة ، وأن کُلّ شخص سَیُعاقبُ فی الآخرة عما اقترف فی هذه الدنیا من ذنوب ، لا یمکن لهم أن یؤذوا غیرهم من الناس.

فقط أولئک الذین یَعتقدونَ بأنّهم جاؤوا إلى هذا الوجود بِمحض الصُّدفَة ، ویؤمنون بأنّ العالمَ مکان نزاعِ ، لن یشعروا بالمسؤولیة تجاه الغیر ، و لَنْ یُبالوا بما یعملون ، و یُمْکِنُ أَنْ ینشغل فی مثل هذه النشاطاتِ.

ولِهذا فإن المسلمین یَجِبُ أَنْ یحتکموا إلى ضمائرِهم قبل قُبُول الدارونیةِ ، ولِماذا یَجِبُ أَنْ یَفْهموا الثمن الحقیقی لتأیید نظریة العِلْم نفسه یُکذبها.
الضررَ الذی ألحقته الدارونیةُ بالإنسانیةِ جلی الوضوح.

فالمآسی، والمعاناة ، والنزاعات التی تُؤدّی إلیها هی أیضا غنیة عن التعریف.
کما رَأینَا فی من خلال هذا الباب ، فإن الأسلوب المتبع لإقناع الناس بأفکارِ ومفاهیمِ  غیرعقلانیةِ وغیر منطقیةِ یَجِبُ أَنْ یقنعَنا أن تلک الدارونیةِ خطر بالغ.




15. In 1999, Chinese paleontologists, at the Chengjiang fauna, discovered the fossils of two fish species that were about 530 million years old. This period is known as the Lower Cambrian. See, BBC News Online, November 4, 1999

16. The History of Darwinism includes some notorious examples of faked evidence. The "Piltdown Man," displayed in the British Museum for nearly half a century as "man's primitive ancestor," turned out to be a hoax perpetrated by joining an orang-utan's jaw to a human skull. German biologist Ernst Haeckel faked the drawings of human and animal embryos to make them look similar, and his false drawings mislead academia for many decades. Ketllewells' famous photographs of "industrial melanism", showing the peppered moths of Britain, was recently exposed as made-up scenes in which dead specimens were glued to tree trunks. The stunning "dino-bird," given the scientific name of Archaeoraptor and which shook the world in 1998, turned out to be a hoax fabricated by sticking together five different fossils from different species. For details, see Harun Yahya, Darwinism Refuted, Goodword Books, New Delhi, 2003.

17. Prof. N. Heribert Nilsson, Lund University, Sweden. Famous botanist and evolutionist, as quoted in: The Earth Before Man, p.51, (http://www.netcentro.co.uk/steveb/penkhull/create3.htm)(Emphasis added)

18. T. Neville George, "Fossils in Evolutionary Perspective", Science Progress, vol 48, January 1960, pp. 1,3 (Emphasis added)

19. Mark Czarnecki, "The Revival of the Creationist Crusade", MacLean's, January 19, 1981, p. 56

20. Henry Gee, In Search of Deep Time, New York, The Free Press, 1999, pp.116-117.

21. Gertrude Hommerfarb, Darwin and the Darwinian Revolution, Elephant Paperbacks, Chicago, 1962, p. 384 (Emphasis added)

22. Gertrude Himmerfarb, Darwin and the Darwinian Revolution, Elephant Paperbacks, Chicago, 1962, p. 383

23. Mayr, Ernst, "Darwin and Natural Selection", American Scientist, vol.65 (May/June, 1977) p. 323 (Emphasis added)

24. Gertrude Himmerfarb, Darwin and the Darwinian Revolution, Elephant Paperbacks, Chicago, 1962, p. 383

25. Gertrude Himmerfarb, Darwin and the Darwinian Revolution, Elephant Paperbacks, Chicago, 1962, p. 383

26. Gertrude Himmerfarb, Darwin and the Darwinian Revolution, Elephant Paperbacks, Chicago, 1962, p. 384

27. Gertrude Himmerfarb, Darwin and the Darwinian Revolution, Elephant Paperbacks, Chicago, 1962, p. 385

28. Gertrude Himmerfarb, Darwin and the Darwinian Revolution, Elephant Paperbacks, Chicago, 1962, p. 381 (Emphasis added)

29. Gertrude Himmerfarb, Darwin and the Darwinian Revolution, Elephant Paperbacks, Chicago, 1962, p. 382

30. Francis Darwin, The Life and Letters of Charles Darwin, D. Appleton and Co., 1896, Chapter 1.VIII., Religion.

31. Francis Darwin, The Life and Letters of Charles Darwin, D. Appleton and Co., 1896, Chapter 1.VIII., Religion.

32. Francis Darwin, The Life and Letters of Charles Darwin, Charles Darwin to C. Lyell, D. Appleton and Co., 1896, Down, April [1860].

33. Francis Darwin, The Life and Letters of Charles Darwin, D. Appleton and Co., 1896, CHAPTER 2.XVI.

34. Conway Zirkle, Evolution, Marxian Biology and the Social Scene, Philadelphia; the University of Pennsylvania Press, 1959, p. 527 (Emphasis added)

35. Robert M. Young, Darwinian Evolution and Human History, Radio talk given in an Open University course on Darwin to Einstein: Historical Studies on Science and Belief, 1980 (Emphasis added)

36. L. Poliakov, Le Mythe Aryen, Editions Complexe, Calmann Lévy, Bruxelles, 1987, p. 343 (Emphasis added)

37. Carl Cohen, Communism, Fascism and Democracy, New York: Random House Publishing, 1967, pp. 408-409 (Emphasis added)

38. Fredrick Engels, Socialism: Utopian and Scientific, Part II: Science of Dialectics, (http://www.marxists.org/archive/marx/works/1880/soc-utop/ch02.htm)

39. P. J. Darlington, Evolution for Naturalists, NY: Wiley, 1980, pp. 243-244
40. Robert Shapiro, Origins: A Sceptic's Guide to the Creation of Life on Earth, Summit Books, New York, 1986, p. 207. (Emphasis added)

41. Benjamin Farrington, What Darwin Really Said, London: Sphere Books, 1971, pp. 54-56

42. Charles Darwin, The Descent of Man, 2nd ed., New York: A.L. Burt Co., 1874, p. 178

الباب الثانى حقائق مهمة مهملة من قبل المسلمین النشؤیین

الباب الثانى
حقائق مهمة مهملة من قبل المسلمین النشؤیین


Charles Darwin

فى الفصل السابق من هذا الکتاب، تعرضنا لحقیقة اعتقاد بعض المسلمین فى صحة نظریة داروین، و کیف أن هذا قد یکون نتیجة قلة الوعى بآخر التطورات العلمیة التى تثبت عدم صحة هذه النظریة.

فإن هذا النقص فى الوعى یؤدى إلى استمراریة اعتقاد هؤلاء المسلمین فى صحة هذه النظریة و ذلک من خلال قبول الأفکار و المعتقدات التى ینفیها العلم.

علاوة على ذلک، فإن الاعتقاد فى صحة ما تروج له هذه النظریة، یتضمن بداخله تجاهل العدید من الحقائق الخطیرة، و من هذه الحقائق المهملة، کون البنیة التحتیة لنظریة النشوء تعکس عقلیة وثنیة تعزى الألوهیة إلى الصدفة والحوادث الطبیعیة و تولد الکثیر من الکوارث، کالاضطهادات و النزاعات و الحروب و غیر ذلک مما لا یحمد عقباه من الصراعات.

فإن هذا الفصل من الکتاب سیرکز – بمشیئة الله – على الحقائق التى قد تجاهلها المسلمون المؤمنون بنظریة داروین، و کذلک على دعوتهم إلى التوقف عن تأیید هذه العقلیة الوثنیة التى تزود الفکر المادى الإلحادى بالأساس اللازم لقیامه.

نظریة النشوء إحدى الأفکار الوثنیة القدیمة


A picture showing Thales' (d. 546 bce) idea of a flat Earth floating on water. The picture shows air and fire, two of Earth's four basic elements.

على عکس ما یدعیه مؤیدو نظریة داروین، فإن النشوء و الارتقاء ما هى إلا عقیدة وثنیة لا نظریة علمیة.
 
فإن فکرة النمو و الارتقاء هذه ظهرت أولا فى المجتمعات القدیمة کتلک التى کانت فى مصر القدیمة و بابل، ثم انتقلت إلى الفلاسفة الیونانیین القدماء.

فسنجد أن الأوثان السومریة تحتوى على عبارات منکرة للخلق و تدعى أن الکائنات الحیة قد انبثقت دون أى تدخل کنتیجة لإحدى عملیات التطور التدریجى ، فتبعا للمعتقدات السومریة، فإن الحیاة نفسها قد نشأت من اضطراب وتهیج المیاه.


و نجد أن المصریین القدماء فى إحدى عصورهم – مثلهم کمثل السومریین – قد اعتقدوا فى کون المخلوقات کلها قد نشأت من الطین، و کان ذلک یعد جزءا هاما من دیانتهم الخرافیة أنذاک، و التى کانت تنکر بالطبع وجود
الله الخالق.

و نجد أن أهم ما یدعیه الفلاسفة الیونانیون: إمبیدوکلیس (القرن الخامس قبل المیلاد) و طالیس ( 546 ق.م.)

و أناکسیماندیر (من بلدة میلیتاس) أن أولى الکائنات الحیة قد نشأت من تلک غیر الحیة کالهواء و النار و الماء.

فتلک النظریة قد افترضت أن الکائنات الحیة الأولى قد نشأت فجأة فى الماء، و أنه بعد ذلک، ترکت بعض هذه الکائنات سکنى الماء و سکنت الأرض.

Some philosophers, such as Empedocles (d. fifth century bce), believed that Earth was composed of four elements: earth, air, fire, and water. In this seventeenth-century illustration, the four elements are symbolized as rings around the sun.

و یؤمن طالیس أن المیاه هى مصدر کل حیاة، و أن النبات و کذلک الحیوان بدأت من تطورالماء، و أن البشریة کانت هى الناتج النهائى لهذه العملیة.

و یرى أناکسیماندیر و هو أحد الفلاسفة المعاصرین لطالیس - وفىالوقت نفسه یصغره سنا - ، أن الإنسان قد نشأ من الأسماک، و أن مصدر الحیاة قد نشأ بما أسماه "الکتلة الأساسیة".

و تعتبر قصیدة أناکسمیندیر عن الطبیعة أولى الأعمال الفکریة المتاحة والمبنیة على نظریة النشوء و الارتقاء.
 ففى هذه القصیدة الشعریة یصف أناکسیماندیر کیفیة نشوء المخلوقات من مادة طینیة لزجة قد جففتها الشمس. و لقد اعتقد أن الحیوانات الأولى کانت مغطاة بالقشور الشائکة و أنهم کانوا یعیشون فى البحار.

و کیف أن هذه الحیوانات الشبیهة بالأسماک قد تطورت بالتدریج، حیث انتقلت إلى العیش على الیابس بدلا من البحار، و سقطت قشورها، و صارت بشرا فى نهایة الأمر.
(لمزید من التفاصیل انظر " دیانة نظریة داروین " لهارون یحیى, مطابع أبو القاسم , جدة , 2003).
و تعد نظریة أناکسیماندیر اللبنة الأولى فی البناء الحالی لنظریة داروین, لما فیها من متشابهات کثیرة مع نظریة داروین.

أما عن إمبیدوکلیس , فلقد عمل على تجمیع الآراء التی سبقته, و قدم اقتراحا مضمونه أن العناصر الأولیة کالماء و الهواء و النار قد تجمعت مع بعضها البعض لتکوین أجسام.

کما أنه اعتقد فی کون الإنسان قد تطورمن أصل نباتی, و أن الصدفة وحدها قد لعبت دورا فی هذه العملیة.

وکما قد تم ذکره من قبل, فإن هذه المبادىء هی الأساس الأولی الذی بنیت علیه نظریة داروین.

و لقد ادعى هراقلیطس Heraclites (القرن الخامس ق.م.) أن هذا الکون کان فی حالة تغیر دائم, و لذلک فهو لا یرى أیة أهمیة للسؤال- و الذی وصفه بالخرافی- عن کیفیة نشأةهذا الکون و رجح کون هذا الکون لا بدایة له ولا نهایة.

و بدلا من کل ذلک فإنه- و ببساطة- یرى أن هذا الکون کان موجودا وبدون مسبب.

و باختصار, فإنه أضحى واضحا أن المذهب المادی و الذی یعتبر من الدعائم الأساسیة لنظریة النشوء قد کان موجودا فی الحضارة الیونانیة القدیمة.
و من الحقائق التاریخیة أیضا, أن فکرة التطور التلقائی کانت مؤیدة من قبل الکثیر من الفلاسفة الإغریق الآخرین,
و على وجه الخصوص- Aristotle  ( 22-384 B.C ).

و مضمون هذه الفکرة, أن بعض الکائنات و خاصة بعض الدیدان و الحشرات و کذلک النباتات قد وجدت من تلقاء نفسها فی الطبیعة, و من ثم لم تکن فی حاجة الى المرور بأیة مرحلة من مراحل التخصیب أو التلقیح.

و لقد قام Maurice Manqua و الذی اشتهر بدراسته لأفکار Aristotle عن التاریخ الطبیعی, بتحلیل بعض معتقدات و أفکار Aristotle فی هذا المجال, حیث قال( Maurice ):


Heraclitus

" إن اهتمام Aristotle الشدید بأصل هذه الحیاة قد أدى به الى الإیمان بالتطور التلقائی للکائنات غیر الحیة حتى أصبحت کائنات حیة, و ذلک حتى یکون بإمکانه تبریر العدید من الوقائع التی لم یکن بمقدوره تبریرها بأیة طریقة أخرى".

من خلال الملاحظة الدقیقة, فمن الممکن رؤیة تشابهات کبیرة ما بین أفکار المفکرین النشؤیین القدماء و ما بین أقرانهم من المعاصرین.

و تعتبر جذور المبدأ المادی التی نجدها جلیة الوضوح فی الحضارة السومریة الوثنیة, أن هذا الکون لا بدایة له و لا نهایة , و أن هذه الحیاة قد انبثقت من اللا حیاة و بمحض الصدفة, کما أنها کانت شائعة ما بین المفکرین الإغریق المادیین, و نجد کذلک أن هاتین الفکرتین النشؤیتین- القدیمة و المعاصرة- لهما نفس الأسس على الرغم من البعد الزمنی, و هذه الأسس تنحصرفی الإدعاء بأن هذه الحیاة قد نشأت من الماء و "الکتلة الأساسیة", و أن الکائنات الحیة إنما تنشأ نتیجة الصدفة فقط.


The Greek philosopher Aristotle

و من هنا نجد أن النظریة التی یؤیدها المسلمون, إنما هی نظریة قدیمة مهجورة, تمتد جذورها الى أفکار عتیقة قد تم إثبات عدم صحتها من جمیع النواحی, لاسیما الناحیة العلمیة.

وعلاوة على ذلک, فإن هذه الأفکار تحتوی علی معانی وثنیة وأخری إلحادیة قد تم طرحها فی بادئ الأمر من قبل مفکرین مادیین یؤمنون بالمذهب المادی.

فی حقیقة الأمر, فإن مبدأ النمو و الإرتقاء لا یقتصر على الحضارات السومریة القدیمة أو الفلاسفة الإغریق وحدهم, بل إنه قد امتد الى بعض المعتقدات الدینیة المعاصرة کالکنفوشیة, و البوذیة و الTaoism .

بمعنى أخر, فإن نظریة النمو و الإرتقاء, إنما هی نظریة معادیة للعقیدة الإسلامیة.

فبعض المسلمین النشؤیین وعلى الرغم من تعارض النمو و الإرتقاء مع العلم یزعمون تأیید القرآن الکریم لنظریة داروین, و یستندون استنادا خاطئا لبعض الآیات القرآنیة لإثبات ما یدعون, کما أنهم یدعون کذبا أن نظریة النمو
و الإرتفاء على صورتها التی نعرفها الیوم, إنما کان أساسها علماء و مفکرون مسلمون یؤمنون بما یسمى " بنظریة النشوء الخلقیة" و عندما ترجمت أعمالهم إلى اللغات الأخرى من اللغة العربیة, ظهرت فکرة النمو و الإرتقاء فی الحضارات الغربیة, محاولین إیجاد مصدر لهذه النظریة فی الإسلام.
إلا أنه و من الأمثلة القلیلة التی سبق ذکرها, یتضح لنا أن نظریة النمو و الإرتقاء لا یصح أن تنتسب الى الفکر الأسلامی بأی شکل من الأشکال, فهی لا تتعدى کونها فکرة بدائیة یرجع أصلها إلى مجتمعات وثنیة قدیمة.

و هی نظریة مبنیة على أسس و مبادئ مادیة, لا أساس لها من الصحة سواء من الناحیة العلمیة أو الناحیة التاریخیة.

مبدأ الصدفة یتعارض مع حقیقة الخلق

إن من یدعون عدم وجود أی تناقض ما بین نظریة النمو و الإرتقاء و ما بین العقیدة الإسلامیة, إنما قد أغفلوا نقطة فی غایة الأهمیة, فهم یعتقدون على وجه الخطأ, أن نظریة النمو و الإرتقاء تقوم أساسا على الادعاء بأن الکائنات الحیة قد نشأت و تطورت من بعضها البعض.
إلا أن هذا الاعتقاد لیس بصحیح, حیث أن نظریة النمو و الإرتقاء تدعی نشأة هذه الحیاة بمحض الصدفة, و عن طریق آلیة غیر عاقلة.

بمعنى أخر فهم یدعون أن الحیاة على  کرتنا الأرضیة قد نشأت دون خالق و من تلقاء نفسها من مواد غیر حیة.
فإن مثل هذا الادعاء,  ینفی وجود الخالق سبحانه و تعالى منذ البدایة, و لذلک فإنه لا یصح على الإطلاق قبول مثل هذا الرأی لأی مسلم موحد.


Prof. Fred Hoyle

إلا أن بعض المسلمین ممن یجهلون هذه الحقیقة لا یرون أى ضرر فى الإعتقاد فى صحة هذه النظریة، إعتقاداً منهم فى إمکانیة کون الله سبحانه وتعالی قد خلق هذا الکون بتطبیق مبادئ النمو والإرتقاء.

وکذلک فهم قد أهملوا حقیقة أخرى غایة فى الخطورة، وهى انه علی الرغم من محاولتهم إثبات اتفاق نظریة النمو والإرتقاء مع الدین وعدم تعارضهما، إلا أنهم فى حقیقة الأمرإنما یؤیدون ما تدعو إلیه هذه النظریة دون غیرها.
وفى الوقت ذاته، فلأن النشؤیین أنفسهم یتجاهلون هذا الأمر تماماً، وذلک خوفاً لما قد یسببه هذا الأمر من رفض المجتمع لنظریتهم، فهم یرون إعتقاد بعض الناس فى کونها ذات صلة بالدین فى صالحهم.

وبالنظر لهذا الأمر کمسلم ورع، وبالتفکر فیه فی ظلال القرآن، فسنجد ان مثل هذه النظریة بکل ما تحمله من معان مغالطة لدیننا الإسلامی، منافیة لتعالیمه، وکل ما هى مبنیة علیه من أفکار الحادیة، وکونها مبنیة أساساً على مبدأ الصدفة، فإنه من المستحیل أن یکون لها أی صلة بالإسلام.

فإن نظریة النمو و الإرتقاء تعتقد-والعیاذ بالله- فی ألوهیة الصدفة و الوقت و المواد غیر الحیة، و تنسب لقب 
" الخالق" لمثل هذه المخلوقات الضعیفة غیر العاقلة .

فلا یوجد أی مسلم یمکن أن یؤمن بصحة هذه النظریة المبنیة على الأساس الوثنی الإلحادی، حیث أن کل مسلم یعلم أن الله - سبحانه و تعالى – هو الخالق الأوحد لهذا الکون، لا شریک له، و أنه جل وعلا قد خلق هذا الکون من عدم، ولذلک فهو یستعین بالعلم و الحجة لیحارب کل المعتقدات و الأفکار التی تتعارض مع هذه الحقیقة.

إن النمو و الإرتقاء عنصر من عناصر المذهب المادی و الذی تبعاً لأفکاره، فإن الکون لا بدایة له ولا نهایة، ومن ثم فلا حاجة للإیمان بوجود الخالق سبحانه وتعالی.

فهذه الأبدیولوجیة المارقة ،تقترح ان هذا الکون وهذه المجرات وهذه النجوم وهذه الکواکب وکل تلک الأجسام السماویة، بما فیها من أنظمة لا یعتریها ای خلل،ولا تشوب توازنها المتکامل شائبة،إنما ناتج عن الصدفة.

وإنطلاقاً من نفس المبدأ، فإن نظریة النمو والإرتقاء تدعی نشأة البروتینات والخلایا فی بادئ الأمر- مکونات الحیاة الأساسیة- من خلال التطور لیس إلا،هذا التطورالذی قد نتج عن سلسلة من المصادفات البحتة.

وهی کذلک تدعی انتساب کل هذه العجائب فی الخلق إلی الصدفة، سواءً کانت هذه العجائب تتجلی فى الأرض أو البحر أو السماء.
وعلی الرغم من أن هؤلاء النشؤیین محاطون بکل الدلائل التی تبین وتثبت وجود الخالق سبحانه، بدءاً من أجسامهم التی یعیشون فیها فی هذا الکون، فإنهم ینسبون کل هذا الکمال إلی الصدفة والعملیات غیر العاقلة.

وبمعنی آخر فإنهم یلجأون إلی تألیه الصدفة بدلاً من الله – جلا وعلا- قاصدین نفی وجوده سبحانه والعیاذ بالله، إلا أن هذا لایغیر من الواقع شئ، فالله هو خالق کل شئ ومالک کل شئ، وهو أول کل شئ، وآخر کل شئ، سبحانه وتعالی عما یصفون فإن علم الله الذی لا حدود له، وإبداعه الذی لا مثیل له إنما یتجلی وبکل وضوح فی کل خلقه.

وفی حقیقة الأمر، فإن التقدمات العلمیة الحدیثة، إنما تعارض وبکل حسم، إدعاءات النشؤیین التی لا اساس لها، بأن الحیاة قد نشات من تلقاء نفسها ومن خلال عملیات مصدرها الطبیعة.

فإن التصمیم الرفیع فی هذه الحیاة إنما یظهر وجود خالق ذی حکمة وعلم عظیمین، وهو رب السموات والأ رض وما بینهما.
فحقیقة کون حتی ادق الکائنات الحیة علی درجة عالیة من التعقید، یضع أصحاب الفکر الإرتقائی فی مأزق، وهی حقیقة کثیراً ما هم انفسهم یقرون بها.
فعلی سبیل المثال، فإن عالم الریاضات والفلک البریطانی الشهیر،فرید هویل یعترف بإستحالة کون الصدفة سبباً فی نشاة هذه الحیاة، حیث یقول:
"فإن إحتمالیة کون هذه الحیاة قد نشأت بطریقة عشوائیة، إنما متناهیة الضآلة - بکل ما تحمله هذه الکلمة من معنی- إلی الحد الذی یرجح سخافة ومنافاة هذه الإحتمالیة للعقل البشری."


Evolutionists claim that the first living cell came about in the conditions of the primitive Earth, from inanimate substances and the chance effects of natural events.

ونجد أیضاً أن النشؤی Pierre-Paul Grasse یعترف بأن إیعاز هذه القوة الإبداعیة إلی الصدفة یعتبر وهما ما بعده وهم, یقول:

"ومع ذلک فإن نظریة داروین أکثر صعوبة وتعقیداً، فإن نباتا واحدا وکذلک حیوانا واحدا قد یحتاج إلی الآلاف والآلاف من الأحداث المواتیة حتی یصبح کائناً ذا وجود،ومن ثم فإن حدوث المعجزات سیصبح هو القاعدة، فالأحداث متناهیة الصغر من حیث احتمالیة الحدوث لن یحول هذا دون حدوثها،فعلی الرغم من عدم وجود قانون معارض لأحلام الیقظة، إلا أن العلم لا یجب أن ینغمس فی مثل هذه الأحلام."

فإن هذه الکلمات التی سبق ذکرها، تظهر وبکل وضوح الورطة الفکریة التی وقع فیها أصحاب نظریة داروین، فعلی الرغم من أنهم قد اقتنعوا باستحالة الدفاع عن صحة نظریتهم، وکذلک بعدم مصداقیتها العلمیة، إلا أنهم قد رفضوا أیضا ًالتخلی عن نظریتهم، ویرجع ذلک إلی الهوس الأیدیولوجی بهذه النظریة.

بعبارة أخری، فإن هویل یکشف عن سبب إیمان النشؤیین بالصدفة، یقول هویل:

"بالفعل، فإن مثل هذه النظریة - کون أن الحیاة قد تجمعت بقوی ذکیة علیا – شدیدة الوضوح، إلی الحد الذی یجعل المرء یتساءل عن أسباب عدم تقبل کون هذه النظریة تثبت نفسها.
فهذه الأسباب نفسیة فضلاً عن کونها علمیة."

وما یصفه هویل بکونه سبب او دافع نفسی، قد أوجب علی النشؤیین إنکار الخلق.

فکل هذه الأسباب التی تم سردها،ألا تکفی لأن تظهر للنشؤیین المسلمین أن نظریة النمو والإرتقاء ما هی إلا نظریة قد تم تصمیمها لإنکار وجود الله سبحانه وتعالی.


Evolutionists' claim that life formed by itself by chance from inanimate substances is as irrational and illogical as claiming that America's Statue of Liberty was formed by the coincidental coming together of sand and rocks when lightning struck the sea.

الانتقاء الطبیعی والتحول لیس لدیهما القوة الکافیة لإحداث التطور

إن المسلمین الذین یتجاهلون حقیقة أن نظریة النمو والإرتقاء قد تم إثبات عدم صحتها من الناحیة العلمیة، یواجهون ورطة أخری، وهی الإدعاء ان الملیون ونصف الملیون فصیلة من الکائنات الحیة قد نشأت نتیجة لأحداث طبیعیة غیر عاقلة.
طبقاً لما یدعیه النشؤیون، فإن الخلیة الأولی قد نشات نتیجة تفاعلات کیماویة فی مواد غیر حیة.

ومن الجدیر بالذکر فی هذا المقام أن هذا الإدعاء قد ثبت إستحالته علمیاً، وبالإضافة إلی ذلک، فقد فشل بعض الباحثین ممن حاولوا تخلیق اللبنة الأولی لهذا الکون وهی البروتین فی محاولاتهم، حیث قاموا بتحضیر خلیط من الغازات مماثل لذلک المکون للغلاف الجوی الأولی للکرة الأرضیة، إلا أنهم فشلوا علی الرغم من إجراء هذه المحاولات والتجارب تحت نفس الظروف المناخیة.

وبما أنهم قد فشلوا علی الرغم من کل تلک الإمکانات التکنولوجیة والعلمیة المتوفرة لدیهم، فمن اللامعقول واللا منطقی کون هذه التطورات قد نشأت بمحض الصدفة.

ونظریة النمو والإرتقاء تدعی أیضاً أن الحیاة قد بدأت بهذه الخلیة الأولی والتی إزدادت تعقیداً مع مرور الوقت، وکذلک إشتمل تطورها هذا علی تنوع هذه الخلایا، والتی انتهی بها المطاف إلی تکون الجنس البشرى.

باختصار، فالنظریة تقول أن بعض الآلیات غیرالعاقلة لابد وأنها کانت السبب فی تطور الکائنات الحیة ونشأتها.
فعلی سبیل المثال، فإن الجرثومة الواحدة تحتوی علی ما یقرب من حوالی 2000 نوع من البروتینات، فی حین أن الإنسان یحتوی علی تلک التی تخص حوالی 200,000 نوع من البروتینات.

بمعنی أخر، فإن عملیة أو آلیة غیر عاقلة واحدة لابد وأنها قد أنتجت الخصائص الجینیة اللازمة لحوالی 198,000 نوع جدید من البروتینات بمرور الوقت.
A CELL'S FLAWLESS CREATION
DISPROVES EVOLUTION


Even a single cell, the building block of life, possesses an enormously complex structure. The above picture shows just some of the parts that go into making up a cell. There is an extraordinarily complex and flawlessly planned organization between all of these components. To claim that all of this could have come about by chance flies in the face of logic and scientific discoveries.

فهذا هو ما تدعیه نظریة النمو والإرتقاء، ولکن هل تحتوی الطبیعة فعلاً علی آلیة یمکن لها أن تصنع وتطور الخصائص الجینیة لأی من الکائنات الحیة؟

إلا أن النسخة المستحدثة من نظریة داروین، تأخذ فى إعتبارها عملیتین طبیعیتین أخرتین، وهما الانتقاء الطبیعی والتحول، وذلک بإعتبار آخر ما توصلت إلیه الکشوفات العلمیة فی مجال الجینات.


The evolutionists' imaginary tree of life

فمعنی الانتقاء الطبیعی، وباختصار شدید، هو أن البقاء للأقوی الذی یمکنه مجاراة التغیرات فی البیئة المحیطة، والفناء للأضعف الذی لا یمکن له التکیف مع البیئة المحیطة.

فعلی سبیل المثال، فإن الانخفاض المستمر فی درجة حرارة منطقة معینة علی المدى البعید نتیحة التغیرات المناخیة الطبیعیة سیؤدی بالضرورة إلی فناء تلک الکائنات التی لا تستطیع تحمل درجات الحرارة المنخفضة، وبقاء تلک التی تتحمل مثل ذلک التغیر المناخی.
وکذلک فی حالة الأرانب، نجد أن عامل السرعة هو الذی سیؤدی إلی البقاء، فهی تعیش دوماً تحت تهدید الافتراس
- الحیوانات المفترسة - ولذلک فإن البقاء سیکون للأسرع، ومن ثم ستورث هذه الصفات لما یلیها من أجیال.


There is enough information in one human DNA molecule to fill 1,000 books. This giant encyclopedia has been shown to consist of 3 million letters. The flawless creation in DNA is proof of Allah's infinite power and might.

إلا أنه، وبالتحلیل الدقیق لهذه الحالة - حالة الأرانب - نجد أنه لم تتم نشأة أی صفة جدیدة فی تلک الکائنات الحیة، فهؤلاء الأرانب لم یتطوروا إلى صنف آخر من المخلوقات، کما أنهم لم یکتسبوا خاصیة جدیدة، لذلک لا یمکن القول أن الانتقاء الطبیعی یؤدی إلى النمو والإرتقاء.
ومن ثم، فلا یبقی لأصحاب نظریة داروین المستحدثة سوى ظاهرة التحول، وحتی یمکن قبول إدعاءاتهم، فإن مثل هذه التحولات الخلقیة لابد وأن تطور الخصائص الجینیة للکائنات الحیة التی تخضع لمثل هذه التحولات.

والتحولات، تعرف علی أنها أخطاء فی جینات الکائن الحی، نتجت عن التعرض لبعض المؤثرات الخارجیة کالإشعاع، أو عن عیوب فی الحمض النووی.

وبالطبع فإن مثل هذه التحولات سیؤدی إلی تغیرات فی هذا الکائن الحی، إلا أن مثل هذه التغیرات دوماً ما تکون مدمرة.

أو یمکن القول،- من خلال تعریف التحول -، أن التحول لا یطور الکائنات الحیة، إنما یضرها.
فإن علم الجینات قد أحدث طفرة غیر مسبوقة فی کثیر من العلوم وذلک فی خلال القرن العشرین.

فلقد أثبت العلماء أن التحول، لا یعتبر تغیر بیولوجی یمکن الإستناد إلیه لإثبات النمو والإرتقاء، حیث تم التوصل لهذه الحقیقة من خلال الفحص الدقیق لبعض الأمراض الناتجة عن الخلل الجینی وذلک فی ضوء العلوم سریعة التطور، وهذا بالطبع یتعارض مع إدعاء النشؤیین.

According to natural selection, the strong and those able to adapt to their surroundings survive, while the rest disappear. Evolutionists propose that natural selection caused living things to evolve and resulted in new species. However, natural selection has no such effect; all of the supposed "evidence" presented so far confirms this.

فالتطور فی علم الجینات علی وجه الخصوص قد تسبب فی الاعتراف بکون التحول سبباً فی حوالی 4,500 مرض من الأمراض التی کان من المفترض کونها أمراض جینیة وراثیة.

وحتی یمکن الجزم بأن التحولات هذه عوامل وراثیة، فیجب أن یکون  حدوث مثل هذه التحولات فی الحیوانات المنویة التی ینتجها الذکور، أو فی البویضات التی تنتج عن الإناث، فهذا النوع  من التغیرات الوراثیة هو الذی یمکن تمریره إلی الأجیال التالیة.

فالکثیر من الأمراض الوراثیة تنتج عن التحولات الخلقیة فی هذه الخلایا بالذات – المنی والبویضات- أما بالنسبة للتحول فإنما یحدث فی الأعضاء الأخری کالکبد والمخ وذلک خلال إحدى مراحل النمو، ومن ثم لا یمکن تمریره لما یلی من الأجیال بالوراثة.

ومثل هذه التحولات الخلقیة او التحولات المعروفة باسم "البدنیة" تسبب العدید من الأمراض السرطانیة وذلک من خلال إصابة خلایا الحمض النووی (DNA ) بالتشوه ومن ثم الخلل، ویعتبر السرطان من أحسن الأمثلة التی یمکن ذکرها عند الحدیث عن الضرر الذی تسببه التحولات الخلقیة أو التحولات الخلقیة.


Chance mutations are always harmful to humans and all other living things. The horrifying results of the 1986 nuclear accident at Chernobyl show the effect of mutations.
http://www.ecn.cz/private/c10/tmi.jpg
http://www.ecn.cz/private/c10/child.jpg
http://www.adiccp.org/imagery/medical-aid.html

فالعدید من العوامل المسببة للسرطان، کالمواد الکیماویة وکذلک الأشعة فوق البنفسجیة ینتج عن التعرض لها الإصابة بمثل هذه التحولات الخلقیة.
ولقد استطاع الباحثون مؤخراً التوصل إلی کیفیة حدوث مثل هٍذه التحولات الخلقیة وذلک بعد الکشف مؤخراً عن نوعین من الجینات التی لها علاقة وطیدة بظهور الأورام السرطانیة علی وجه الخصوص، إذا ما حدث أی خلل فی وظائفها،
وهذه الجینات بنوعیها ضروریة حتی یمکن للخلایا أن تتکاثر وللجسد أن یجدد خلایاه.


Just as an earthquake destroys a city instead of developing it, chance mutations lead to sickness, deformity, and handicaps in living things.

فإذا ما تشوهت أو أصیبت إحداهما بخلل ما، تبدأ الخلایا فی النمو بدون أی تحکم وتبدأ الخلایا السرطانیة فی التکون.
ولمزید من التوضیح، فیمکن مقارنة مثل هذا الموقف بما سیکون علیه الحال إذا ما انکسرت دواسة الوقود أثناء القیادة وکأن السائق مستمر فی الضغط علیها إلی أسفل، دافعاً السیارة إلی مزید من التسارع، وکذلک إذا ما تعطلت الکوابح أثناء سیر السیارة، فالنتیجة واحدة، وهی حدوث الإرتطام ودمار السیارة.

وکذلک الحال فی الإصابة بالسرطان، فالنمو غیر المحکوم للخلایا یؤدی إلی الإصابة بالسرطان ثم إلی الوفاة.
فعندما تتشوه هذه الجینات عند الولادة، کما هو الحال فی حالة الإصابة بسرطان شبکیة العین، فإن الأطفال المصابة سریعا ما تموت.
إن الضرر الناتج عن مثل هذه التحولات الخلقیة لا ینحصر فی مثل هذه الأمثلة فقط، فإن الغالبیة العظمی لما تم الکشف عنه من إصابات نتیجة مثل هذه التحولات الخلقیة الخلقیة إنما هی ضارة، والقلیل منها فقط المحاید من حیث الأذی أوالنفع.

وعلی الرغم من کل هذا، فإن المؤمنین بصحة نظریة داروین - مشتملاً علی ذلک من هم من المسلمین- إنما یرون فی مثل هذه التحولات التی قد تصل إلی حد التشوه، آلیة لإحداث التطور فی الخلائق.

فإن کانت الفصائل المختلفة قد تطورت من بعضها البعض کما یدعی النشؤیون فکان لابد من ظهور ملایین التحولات غیرالضارة ولأمکن تواجدها فی کل الخلایا التناسلیة.

فإن العلم ومن خلال إستمراره فی التطور والتقدم قد کشف عن ملایین التحولات الخلقیة أو التحولات المضرة وما ینتج عنها من أمراض.
وعلی الرغم من ذلک، فإن نظریة داروین إنما تواجه مأزقاً رهیباً، وهی عجز علماء النمو والإرتقاء عن الإستشهاد بأیة حالة من حالات التحول أو التشوه والتى قد زودت ما تحتویه الجینات من خصائص جینیة وراثیة  لأی خلق من المخلوقات.

فها هو Pierre-Paul Grasse أحد أشهر علماء الحیوان الفرنسیین بأکادیمیة العلوم الفرنسیة، یقارن التحول أو التشوه بالأخطاء الإملائیة المحتمل حدوثها عند نسخ إحدی الکتابات الخطیة.

فمثلها کمثل الحروف المغلوطة، فإن التحولات الخلقیة إنما تقلل من  المعلومات الوراثیة و لا تزیدها، فهی تضر بتلک الموجودة أساسا.
و یذکر "جراسیه" هذه الحقیقة بالطریقة التالیة:

"إن حدوث التحولات الخلقیة مع مرور الوقت إنما یحدث دون أدنى انسجام أو ترابط.
فهذه التحولات الخلقیة لا تکمل بعضها البعض، کما أنها لیست ذات أثر تراکمی ظاهر عبر الأجیال تجاه اتجاه معین.
فهی تعدل مایستمرفی البقاء، ولکن بدون أدنى نظام بغض النظر عن الکیفیة.
فحالما یحدث مثل هذا الخلل أو الإضطراب- و لو کان بسیطا - فی کائن منظم، ینتج عنه المرض ثم یعقبه الموت.
فلیس هناک أی احتمال لأیة تسویة أو أی حل وسط ما بین ظاهرة الحیاة و ما بین الفوضى."
فإنطلاقا من هذه الحقیقة، و تبعا لما یقوله جراسیه عن هذه التحولات أو التحولات الخلقیة، فعلى الرغم من کثرتها، فهی لا تؤدی الى أی نوع من أنواع التطور".

و یمکن مقارنة النتائج المترتبة عن مثل هذه التحولات الخلقیة، بتلک الناتجة عن الزلازل، فکما أن الزلازل تدمر المدن، فإن للتحولات دوما تأثیرا سلبیا على النحو ذاته.

وبناء علی وجهة النظر هذه، فإن إدعاءات النشؤیین فی شأن التحولات الخلقیة أو التحولات الخلقیة وماینتج عنها من تطور، لا أساس له من الصحة (لمزید من التفاصیل، راجع "خداع النمو والإرتقاء" لهارون یحیی، مطابع طه، لندن 1999)




4. David Skjaerlund, Philosophical Origins of Evolution, (http://www.forerunner.com/forerunner/x0742-philosophical-origin.html)

5. http://www.candleinthedark.com/anaximander.html

6. http://buglady.clc.uc.edu/biology/bio106/earlymod.htm

7. David Skjaerlund, Philosophical Origins of Evolution, (http://www.forerunner.com/forerunner/x0742-philosophical-origin.html)

8. http://buglady.clc.uc.edu/biology/bio106/earlymod.htm

9. Maurice Manquat, Aristote naturaliste, Paris: Librairie Philosophique, J. Vrin, 1932, p. 113

10. Sir Fred Hoyle & Chandra Wickramasinghe Prof of Astronomy, Cambridge University Prof of Astronomy and Applied Mathematics University College, Cardiff Evolution from Space, J. M. Dent, 1981, pp.141, 144

11. Pierre-Paul Grasse, Evolution of Living Organisms, Academic Press, New York, 1977, p.103

12. Fred Hoyle, Chandra Wickramasinghe, Evolution from Space, Dent, London, 1981, p.130

13. The evolutionary scenario related to the origin of life is called the theory of chemical evolution. Countless experiments conducted during the twentieth century failed to support this theory. Stanley Miller's experiment, the most famous case, consisted of his alleged "creation" of a primitive atmosphere and the subsequent synthesis of a few amino acids. However it was later recognized that the primitive atmosphere was far more hostile to organic compounds than Miller had assumed. No one has ever been able to duplicate the assembling of proteins, the real building bock of life, in any "chemical evolution" experiment. For details, see Harun Yahya, Darwinism Refuted, Goodword Books, New Delhi, 2003.

14. Pierre-Paul Grasse, Evolution of Living Organisms, Academic Press, New York, 1977, p.97

الباب الأول سبب تأیید بعض المسلمین لنظریة داروین

الباب الأول
سبب تأیید بعض المسلمین لنظریة داروین


Charles Darwin

<<لمادى، و ذلک بغض النظر عن کونها ذات مشروعیة علمیة أولا، فلقد تم تبنیها فى الحال من قبل هؤلاء المادیین.

أما بالنسبة لحقیقة الخلق الذى و بکل تأکید ینتسب إلى الله جل و علا، فنجد أنها تقف- و بکل قوة - معارضة لنظریة النشوء.

فطبقا لهذا الرأى المعارض لنظریة النشوء، و هو الرأى الخلقى، فالمادة لم تکن موجودة فى کل وقت و بدون بدایة، و من ثم، یتم التحکم فیها من قبل قوى أخرى، و هذه القوى و بالطبع إنما هى الله سبحانه و تعالى.

فالله قد خلق المادة من عدم و نظمها تنظیما دقیقا بقدرته جل وعلا، فکل شئ، سواء کان حیا أو دون ذلک، إنما أوجده الله سبحانه و تعالى.
فالتصمیم المدهش و المذهل، و کذلک الحسابات و التوازن و النظام البین الذى نراه فى حرکة هذا الکون و فى المخلوقات کلها ما هى إلا دلائل جلیة الوضوح على أن کل هذا لابد من انتمائه إلى الخالق الواحد، الله سبحانه و تعالى.
فالدین قد علمنا حقیقة هذا الخلق، التى یمکن أن تفهم من خلال التفکیر و الحجة و الفهم السلیم، و أیضا من خلال الملاحظة الشخصیة لظواهر هذا الکون من قدیم الأزل وعلى مر الزمان.

فکل الشرائع السماویة تدعو إلى وحدانیة الخالق سبحانه و تعالى، فهو قد خلق الکون کله بأمره سبحانه "کن ..."، کما علمتنا کذلک هذه الشرائع السماویة العظیمة مدى عظمته سبحانه و تعالى و ذلک من خلال هذا النظام الکونى الدقیق الذى لا یعتریه أى قصور أو نقص أو عیب أو خلل.

فالکثیر من الآیات القرآنیة تکشف عن هذه الحقیقة، فعلى سبیل المثال و لیس الحصر، نجد کیفیة کشفه سبحانه و تعالى عن إعجازه فى خلق هذا الکون الممتد الذى لا حدود له- من عدم - ، و ذلک من خلال قوله سبحانه و تعالى:

"بَدِیعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُ کُن فَیَکُونُ" (سورة البقرة ، الآیة 117 )

کما یکشف عز و جل فی کتابه العزیز؛

"وَهُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَیَوْمَ یَقُولُ کُن فَیَکُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْکُ یَوْمَ یُنفَخُ فِی الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَکِیمُ الْخَبِیر"ُ (سورة الأنعام ، الآیة 73 )

و نجد العلم الحدیث یحذو حذو ما تدعو إلیه الشرائع السماویة المقدسة، و ذلک من خلال التأکید على عدم صحة إدعاءات هذه النظریة المضللة و التأکید فى الوقت ذاته على کون الله سبحانه هو خالق کل شئ .

کما نجد- بقلیل من التفکر- مدى التناقض ما بین حیثیات هذه النظریة، و ما بین الظواهر الکونیة المختلفة المحیطة بنا، و التى توضح کیف أن الحظ أو الصدفة لم یکن لهما أى دور فى نشأة هذا الکون.

فکل دلیل قد ینشأ عن التفکر فی هذا الکون, و ما یحتویه هذا الکون من سماء و أرض و مخلوقات ، إنما المراد منه التأکید على قوة وحکمة الله سبحانه و تعالى.

فمن هنا, یمکن القول بأن الفرق الأساسی أو الأولی ما بین الدین و الإلحاد, أن الأول یدعو الى الإیمان بالله, و الأخیر إنما یدعو الى الإیمان بالمذهب المادی دون غیره و العیاذ بالله.

فنجد الله سبحانه و تعالى عندما یخاطب أولئک الذین یجحدون بآیاته , إنما یلفت نظرهم إلى الإدعاءات التی یجزمون بها لمعارضة خلقه سبحانه لهذ الکون.

"أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَیْرِ شَیْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ " (سورة الطور ، الآیة 35)

فمنذ فجر التاریخ نجد أن کل من عارض خلق الله لهذا الکون قام بالإدعاء بأن الکون و البشریة جمعاء لم یخلقا، لیس هذا فقط , بل أنهم قد حاولوا تبریر هذا الإدعاء الغیر منطقی بل و الغیر معقول .

و بحلول القرن 19 و بفضل نظریة داروین للنشوء نجد أن هؤلاء ممن ادعوا هذا الإدعاء الباطل قد حظوا على أعظم و أقوى مساندة لإثبات صحة نظریتهم, نتیجة ما تدعیه هذه النظریة المضللة من ادعاءات خاطئة و فی الوقت نفسه مکملة و مساندة لما یدعون هم أنفسهم.
فالمسلمون لا یمکن لهم أن یحاولوا التوصل إلى تسویة أو حل وسط بصدد هذا الموضوع.

وإن کان ذلک لا یتعارض مع کون حریة التفکیر مکفولة للجمیع, و کذلک حریة الإیمان بأیة نظریة کانت, و لکن باستثناء تلک النظریات التی تنکر وجود الله سبحانه و تعالى أوخلقه هذا الکون, حیث أن هذا سیتضمن أیضا محاولة التوصل إلى تسویة فی عنصر أساسی من عناصر دیننا الحنیف التی لا تقبل أیة صورة من صور التحریف أو التسویة, فذلک غیر مقبول على الإطلاق.

فالنشؤیون و على الرغم من علمهم بمدى الأثر الهدام الذی سوف تخلفه هذه النوعیة من التسویة على الدین, فإنهم یحثون رجال الدین على المحاولة لإیجاد هذا الحل الوسط.

لداروینیون یشجعون نظریة الخلق بالتطور

نتیجة التسارع الملحوظ فى الکشوفات العلمیة المعارضة لنظریة التطور و النشوء، و کذلک سرعة انتشارها بین العامة، فقد تم و بعون الله و حمده تضییق الخناق على هؤلاء العلماء الذین یؤیدون هذه النظریة بدون وعى.

"THE THOUGHT OF THE EYE MADE ME COLD ALL OVER!"
Charles Darwin
One of the most insoluble dilemmas for the theory of evolution is the complex structures in living things. For instance, evolutionists claim that the eye, made up of some 40 different parts, came about by chance. Yet they cannot explain how it did so. In fact, it is impossible that blind chance should have "created" such a magnificent structure. The diagram below shows some of the eye's components.
فى حین أن کل کشف علمى جدید یعمل على معارضة نظریة داروین ، نجد فى الوقت ذاته أنه لا یؤیدها سوى التهییج والخطاب المزیف الموجه للعامة، و بدون أی دلیل- قوى کان أو ضعیف - على صحتها ، فالفلسفة النشؤیة إنما تعتمد على الدعایة الکاذبة.

و على صعید آخر، فإن أکثر المجلات المؤیدة لنظریة داروین بروزا وشهرة مثل مجلة "العلم"، ومجلة "الطبیعة" ، ومجلة "الأمریکى العلمى" ، ومجلة " العالم الجدید " ، أصبحت- عن اقتناع - مجبرة على الاعتراف بأن الکثیر من المظاهر المقترنة بنظریة داروین قد وصلت إلى طریق مسدود.

فالعلماء الذین یدافعون عن نظریة الخلق الإلهى یتفوقون و ترجح کفتهم فى المناظرات العلمیة التى تتم بینهم و بین أقرانهم ممن یؤیدون نظریة داروین، و بذلک یتم کشف ادعاءات النشؤیین الواهیة التى لا أساس لها من الصحة على الإطلاق.

و عند هذه النقطة، نجد أن نظریة الخلق بالتطور تعد فى صالح المادیین.
و هذه إحدى الطرق التى یلجأ إلیها النشؤیون لإضعاف شوکة مؤیدى معارضیهم من المؤمنین بالله و بخلقه سبحانه لهذا الکون و کذلک لإضعاف موقفهم الفکرى المضاد للعقیدة الداروینیة.

و على الرغم من أن النشؤیین لا یؤمنون بالله، و ذلک لأنهم قد جعلوا من الصدفة إلهاوالعیاذ بالله ، و أنهم یعارضون و بشکل کامل حقیقة وجود هذا الخلق على یده سبحانه و تعالى، فهم یعتقدون أن نظریتهم ستلقى رواجا أکثر إذا ما تجاهلوا أصحاب الفکر الدینى منهم، و الذین یعتقدون فى أن الله هو خالق هذا الکون و لکن عن طریق نظریة داروین.

ففى حقیقة الأمر، نجد أنهم یحاولون الترویج إلى التوصل إلى حل وسط ما بین نظریتهم و بین الدین، حیث أنهم یعتقدون أن ذلک سیؤدى إلى أن تصبح نظریتهم أکثر قبولا، و أن یصبح الإیمان بالله أکثر هوانا وضعفا.

إنطلاقا مما قد سبق التعرض إلیه من فلسفة معارضة لجمیع الشرائع السماویة، و خاصة الإسلام، نجد أنه من الخطأ الغیر مقبول الجمع مابین الاعتقاد فى أن الله قد خلق هذا الکون و فى الوقت ذاته الاعتقاد فى نظریة النشوء و تأییدها على الرغم مما تفتقده من أدلة علمیة تؤیدها.
وعلاوة على ذلک، فإنه لمن الخطأ أیضا الادعاء أن النشوء یتطابق مع القرآن العظیم، و ذلک بتجاهل جمیع التحذیرات فى هذا الکتاب المقدس – القرآن الکریم – نفسه.

و بناء على ذلک، فیجب على کل مسلم ممن یؤیدون هذه النظریة الرجوع عن هذا الباطل و التوبة إلى الله.

نبذ نظریة النشوء لا یعنى نبذ العلم

إنه لمن الخطأ أن نستخف بعدد المسلمین الذین یؤمنون بأن جمیع المخلوقات قد نشأت عن طریق التطور أو النشوء. فخطأهم الفادح هذا إنما یرجع أساسا إلى قلة المعرفة و وجهات النظر الخاطئة، والتى على رأس قائمتها نجد اعتقادهم بأن نظریة النشوء حقیقة علمیة مثبتة.
فهؤلاء لا یدرکون أن العلم قد قضى تماما على أیة مصداقیة کانت لهذه النظریة – نظریة النشوء – و ذلک على مختلف المستویات، فبغض النظر عن کون ذلک على المستوى  الجزیئى، أو علم الحفریات، أو علم الأحیاء ، فلقد أثبتت الأبحاث العلمیة عدم صحة الادعاءات المقترنة بنظریة النشوء.

و على الرغم من کل ذلک، نجد أن نظریة داروین باقیة حتى یومنا هذا، و یؤمن بها الکثیرون، و ذلک یرجع إلى المجهود الضخم الذى یبذله مؤیدو هذه النظریة لإبقائها على قید الحیاة، فبغض النظر عن کل الحقائق العلمیة التى تثبت عدم صحتها، نجد هؤلاء یبذلون کل ما فى وسعهم للترویج لها و إن کان ذلک بتضلیل العامة عن عمد.

فالکثیر من خطبهم و کتاباتهم تحتوی على مصطلحات علمیة قد تبدو للوهلة الأولى معقدة, إلا أنه و مع القلیل من الفهم و التحلیل, یمکن التوصل إلى انعدام أی دلیل مؤید لنظریتهم هذه , وذلک أیضا یمکن استنباطه بوضوح أکثر من خلال الفحص الدقیق لإصداراتهم.

فنجد أن تفسیراتهم قلیلا ما تستند إلى دلیل علمی قوی ثابت.

و نجد أیضا أن الکثیر من السیناریوهات المدهشة التى یستندون إلیها مکتوبةعن التاریخ الطبیعی , و لا تحتوی على أی نسق یمکن من خلاله التأکید على صحة نظریتهم, و من ثم فإن المناطق الأولیة التی تبدأ عندها التصدعات فی الظهور فی الأسس المبنیة علیها هذه النظریة تکون جلیة الوضوح، فهم لا یعتمدون على تفسیر الکثیر من الأمور الجوهریة مثل کیفیة النشوء الحقیقی للکائنات الحیة من تلک التی لا حیاة لها, و کذلک إهمالهم الفجوات العمیقة فی سجلات الحفریات, والنظم المعقدة فی الکائنات الحیة و کیفیة عملها بالتحدید.


فهم یخشون أن تکشف هذه الأمور مدى الضعف الذی تتصف به نظریتهم, فأیما شئ قد یقولونه فی هذا الصدد, قد یتعارض مع أهدافهم, و کذلک قد یبرز مدى الفراغ الذی تحتوی علیه نظریتهم فی مضمونها.

و لقد قام تشارلز داروین(1882-1809), مؤسس هذه النظریة, بالتعرض إلى أحد النظم المعقدة فی الکائنات الحیة, و هی العین, و لقد أدرک حینئذ مدى الخطورة التی یمکن أن تتعرض لها نظریته إذا ما حاول دراسة هذا النظام إلاعجازی المقعد-العین- استنادا إلى نظریته الواهیة, و لقد اعترف أن مجرد التفکیر فی مثل هذا الإعجاز الإلهی قد أصابه بالقشعریرة فی جسده کله.

فالعلماء النشوئیون فی یومنا هذا, مثلهم کمثل داروین, یعلمون أن نظریتهم لا یمکن بأی حال من الأحوال أن تفسر کینونة مثل هذا النظام المعقد.

فبدلا من أن یعترفوا بعجزهم, فهم یحاولون التغلب على هذا العجز العلمی بکتابة سیناریوهات تخیلیة, و کذلک یعملون على خداع الناس بفرض طابع علمی کاذب على نظریتهم, أو بمعنى أخر یلبسون نظریتهم قناعا علمیا مزیفا.

ولحسن الحظ, فإن هذه الأسالیب تتجلى أیما تجل أثناء المناظرات التی تکون وجها لوجه ما بین النشوئیین و ما بین أولئک الذین یؤمنون بالله و خلقه لهذا الکون, و کذلک تتجلى هذه الألاعیب من خلال کتابات هؤلاء النشوئیین و وثائقهم.

إلا أن هؤلاء النشوئیین فی حقیقة الأمر لا یبالون ببعض الأمور الهامة کالمصداقیة العلمیة و المنطق, حیث أن هدفهم الأوحد هو جعل الناس یعتقدون فی صحة هذه النظریة وفی کونها حقیقة علمیة بغض النظر عن الکیفیة.

فبهذه الطریقة, نجد أن المسلمین الذین یعتقدون فی صحة هذه النظریة یتأثرون بما تظهره هذه النظریة من مظهر علمی کاذب مخادع.
فهم على الأخص تؤرقهم الشعارات الداروینیة کتلک التی تقول: إن أی شخص لا یؤمن بنظریة داروین إنما هو شخص منساق مأمور دون اقتناع أو دلیل, و کذلک شخص غیر علمی.

فمن خلال التأثر بالمعلومات القدیمة المهجورة أو من خلال کتابات و مناقشات النشوئیین, اعتقد هؤلاء المسلمون فی إمکانیة کون نظریة النشوء السبب الأوحد وراء نشأة هذا الکون.

و بعد ذلک یحاولون التوفیق بین الدین و بین نظریة النشوء، و ذلک لکونهم غافلین عن آخر ما توصلت إلیه التطورات العلمیة، لیس هذا فقط، بل نتیجة کونهم غیر مدرکین کذلک لما تحتویه هذه النظریة من تناقضات داخلیة و فقدان تام و کامل للمصداقیة العلمیة.

و على الرغم من ذلک، و بکون النشوء و الخلق متعارضین تماما و بکل معنى الکلمة، إلا أن إثبات صحة إحدىالنظریتین یعتبر و بکل تأکید إثباتا لبطلان الأخرى، أو بمعنى أدق، فإن إثبات بطلان ما تدعیه نظریة داروین ما هو إلا إثبات لصحة ما تدعیه نظریة الخلق التى علمنا إیاها الله سبحانه و تعالى.

و لهذه الأسباب فإن المادیین یرون من هذه المناظرات التى تهدف إلى محاربة نظریتهم، نوعا من ساحات القتال، فهى بالنسبة إلیهم صراع فکرى أیدیولوجى مباشر لا علاقة له بالعلم.

و من ثم فهم یلجأون إلى کل الوسائل الممکنة التى قد تعینهم على معارضة بل و اعتراض طریق من یدعون إلى الحق ممن یؤمنون بخلق الله لهذا الکون.

فعلى سبیل المثال، نجد أن النشؤى "لیرى فلانک" ینصح باتباع الأسالیب الآتیة لمحاربة حقیقة هذا الخلق:

"یجب على متابعى أنصار نظریة الخلق الإلهیة أن یراقبوا عن قرب تکوین مجالس التعلیم بالولایات المختلفة.
فعلى أولئک المهتمین بتحسین مستوى التعلیم و الحریصین على منع السلفیین من استغلال المدارس العامة فى نشر المواعظ، أن یصبحوا المکون الرئیسى لهذه المجالس.
فإذا فشل هذا الأسلوب، و تم تبنى الکتب التى تنتمى إلى هؤلاء الخلقیین و نشرها بین الطلبة، فیجب اللجوء إلى القضاء، من خلال دعاوى قانونیة أمام المحاکم."

فمما لا شک فیه، و استشهادا بما سبق عرضه من کلمات على لسان هذا النشؤى المعروف، فإننا لا نتحدث عن مناظرة علمیة، بل حرب فکریة شعواء یشنها النشؤیون من خلال هیکل من الاستراتیجیات السابق تعیینها.

فالمسلمون الذین یدافعون عن نظریة النشوء هذه یجب علیهم أن یتوخوا الحذر من تلک الحرب الأیدیولوجیة، فالداروینیة لیست رأیا علمیا، و لکنها على النقیض تماما، فهى نظام فکرى مصمم خصیصا لیقود الناس إلى إنکار و جود الله سبحانه و تعالى و العیاذ بالله.

و بما أن هذه النظریة لیس لها أى أساس علمى تقوم علیه، فإنه یجب على المسلمین ألا یسمحوا لأنفسهم أن یضلوا باتباع حججها الواهیة، مما قد یؤدى بهم إلى تأییدها، مهما کانت نوایاهم حسنة.

النتائج المترتبة على کون النشوؤیین ضمن فئات الأغلبیة


Prof. Arda Denkel

یلجأ النشؤیون إلى الزعم بکون نظریتهم ذات رواج کبیر فی المجتمع العلمی, و یمکن اعتبار هذا الزعم الخدعة
الکبرى التی یعتمد علیها النشؤیون فی دعوتهم المضلة.

باختصار، فهم یزعمون أنه لمجرد کونهم قد کسبوا تأیید الأغلبیة من الناس, فذلک یکفیهم لإثبات صحة ما یزعمون من کون نظریة النشوء التفسیر الوحید لکیفیة خلق هذا الکون.

و بتطبیق هذا المنطق, بالإضافة الى الإعتماد أیضا فی هذه الدعایة الکاذبة على الإدعاء بقبول الکثیر من الجامعات لنظریة داروین, فهم بذلک یمارسون ضغوط شدیدة ذات طابع نفسی على الناس جمیعا و بلا أیة استثنائات, فحتى الذین یؤمنون بالله قد أصبحوا عرضة لهذه الضغوط التی ترمی الى اجبارهم على قبول هذه النظریة و التسلیم بکونها صحیحة.
و من الجدیر بالذکر, أن الأستاذ أردا دنکل, و الذی یعتبر من أکثر أساتذة الفلسفة -الذین یؤمنون بنظریة داروین- شهرة و احتراما بجامعة البسفور بل و فی ترکیا کلها قد أقر بخطأ ما سبق ذکره من أسالیب ملتویة یلجأ إلیها النشؤیون للإیهام بصحة نظریتهم و الترویج لها.
و نقلا عن دنکل:

"- هل تأیید العدید من الناس أولی الشأن و الإحترام أو المؤسسات أو الهیئات على مختلف أشکالها یعد سببا کافیا للجزم بصحة نظریة النشوء؟
- هل یمکن إثبات صحة هذه النظریة بإصدار حکم من إحدى المحاکم؟
- هل إعتقاد بعض الناس أولی الشأن الرفیع فی أی شئ کان، یعنی بالضرورة کونه صحیحا؟"

و أرید التذکرة بإحدى الحقائق التاریخیة- محاکمة جالیلیو- ألم یقف جالیلیو وحده مدافعاعن نظریته وبدون أی تأیید من أی شخص کان فی وجه کل من عارضوه من مترفی عصره ومن محامین و من علماء عصره الذین – على وجه الخصوص – قد عارضوه بشراسة؟
- ألم تکشف الکثیر من نتائج التحقیق الصادرة عن العدید من المحاکمات عن مواقف أخرى مشابهة لمواقف جالیلیو؟
و استنباطا لموقف جالیلیو هذا فإنه یحق لنا القول بأن تأیید الدوائر المؤثرة أو ذات النفوذ لا یجعل الباطل حقا و لا یمت بأیة صلة إلى الطرق السلیمة التی یمکن من خلالها إثبات الحقائق العلمیة.

باختصار فإن تأیید الکم للکیف لا یعنی بالضرورة کون هذا الکیف على  حق.
و هناک العدید من الأمثلة عبر التاریخ البشری الزاخر و التی تظهر مدى التباین فی مستوى التأیید الذی حظت به بعض النظریات العلمیة فی مهدها و التی أصبحت بعد ذلک من المسلمات .

فبعد أن کانت هذه النظریات تحظى بتأیید الأقلیة, أصبحت بعد ذلک ذات تأیید واسع من قبل الأغلبیة العظمى من الناس لما أظهرت من المصداقیة.
علاوة على کل ذلک فإن نظریة داروین- ومن الأساس- لا تحظى بکل ذلک التأیید الذی یدعیه مؤیدوها ویوهمون الناس به.
و من أکبر الدلائل على ذلک أنه ما بین ال 20 و ال30  عاما الماضیین, فإن عدد العلماء المعارضین لداروین قد ارتفع بشکل هائل لا یمکن إغفاله.

فمعظم هؤلاء العلماء الذین تحروا رشدا قد تخلوا عن إیمانهم- و الذی کان ینبع عن عقیدة- بنظریة داروین وذلک بعد ما أکرمهم الله برؤیة ما فی هذا ا لکون من إبداع لا یعتریه أی قصور أو خلل, و کذلک بعد ما تجلت لهم عظمة الخالق – الله سبحانه و تعالى- من خلال مخلوقاته التی لا حصر لها.

ونتیجة ذلک فلقد طبعت أعداد لا تعد و لا تحصى من الأعمال التی تثبت عدم صحتها و تقر بذلک.
بل و الأهم من ذلک, أن هؤلاء العلماء المشار إلیهم إنما ینتمون الى جامعات مرموقة من کل بقاع العالم, و لاسیما من الولایات المتحدة و أوروبا.

فمنهم من هم خبراء أکادیمیون فی مجالات عدة کعلم الأحیاء, و الکیمیاء الحیویة, و الأحیاء الدقیقة و علوم التشریح و الحفریات و غیرها من المجالات العلمیة المختلفة.

و من ثم فإنه لمن الخطأ الفادح التصریح بکون هذه النظریة تحظى بتأیید أغلبیة المجتمع العلمی, فهذا قول لیس بصحیح.
و لذلک, حتى و إن کان ا لنشؤیون أغلبیة من حیث ا لعدد فهذا لا یعنی بالحتمیة کونهم على حق.

فالحکم على مدى صحة الأمور من عدمه لا یجب الإعتماد فیه على مثل هذه النظرة الکمیة البحتة المجردة من المنطق, فعلى المسلمین النشوئیین أن یدرکوا ان القرآن الکریم قد ناقش هذا الأمر و بوضوح و ذلک حینما تعرض للکثیر من المجتمعات عبر العصور المختلفة و التی بنت آراءها تبعا لهذا المبدأ لفکری الخاطئ فی الحکم على مصداقیة الأمور, مما أدى بهم إلى الضلالة
و إنکار الله – سبحانه و تعالى – و کتبه و رسله.

Prof. Owen Gingerich
Prof. Carl Friedrich von Weizsacker
Prof. Dr. Donald Chittick
Prof.Robert Matthews
Prof.Michael J.Behe

  Prof. David Menton
 

S. Jocelyn Bell Burnell
William Dembski

Many contemporary scientists reject evolution and accept that God, the Lord of Infinite Intelligence and Might, created the universe. Some of the scientists who accept the truth of creation are, from left to right, Owen Gingerich, professor of astronomy and history of science at Harvard University; Carl Friedrich von Weizsacker, professor of physics at Germany's Max-Planck-Gesellschaft University; Donald Chittick, professor of chemistry at Oregon State University; Robert Matthews, professor of physics at Oxford University; Michael J. Behe, professor of biology at Lehigh University; David Menton, professor of anatomy at Washington University; S. Jocelyn Bell Burnell, professor of physics at the Open University in England; and William Dembski, associate professor in the conceptual foundations of science at Baylor University.

فالله یحذر کل من تسول له نفسه من اتباع الباطل متعمدا خوفا من البطش و لمجرد کون هذا الباطل ضمن ما تؤمن به الأغلبیة, فعلى المسلمین حقا ان یأخذوا حذرهم من هؤلاء المضلیین الذین – و بلا أدنى شک- یبغونها عوجا.
یقول الله تعالى؛

"وَإِن تُطِعْ أَکْثَرَ مَن فِی الأَرْضِ یُضِلُّوکَ عَن سَبِیلِ اللّهِ إِن یَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ یَخْرُصُونَ " (سورة الأنعام ، الآیة 116 )




1. Lester J. McCann, Blowing the Whistle on Dawinism (1986), p. 99 (quotation from Randy Wysong, The Creation-Evolution Controversy (1976), pp. 28-29)

2. Arda Denkel, Cumhuriyet Bilim Teknik Eki (Cumhuriyet Science and Technology Supplement), February 27, 1999, p.15 (Emphasis added)

3. Some of the most prominent contemporary critics of Darwinism are Michael Behe (biochemist), Michael Denton (biochemist), Jonathan Wells (biologist), William Dembski (mathematician), Charles Taxton (biochemist), and Dean Kenyon (molecular biologist). Many other scientists arguing against Darwinism can be reached through institutions like The Discovery Institute, The Intelligent Design Network, or The Institution for Creation Research.(For further details, see Harun Yahya's The Qur'an Leads the Way to Science, Nickleodeon Books, Singapore, 2002


مقدمة

مقدمة

إن العدید من المفاهیم لتتبادر إلى الذهن عندما تذکر نظریة داروین للنشوء. فهناک بعض الناس ممن یؤمنون بالمذهب المادى یعتقدون فى کون هذه النظریة حقیقة علمیة مثبتة، بل و یؤیدونها بقوة و کذلک یعارضون کل الأفکار التى تعارضها و بنفس القوة.

و فى الوقت ذاته فهناک مجموعة أخرى من الناس ممن لا تتعدى معرفتهم بهذه النظریة و ما تدّعیه من خرافات کونها معرفة سطحیة، فهم غیر مهتمین بها على الإطلاق، و یرجع ذلک إلى قلة معرفتهم بها، و کذلک لعدم إدراکهم لمدى الأذى الذى تسببت هذه النظریة فى حدوثه للبشریة على مدى القرن و نصف القرن الماضیین.

فهم لا یرون فى کیفیة فرض هذه النظریة على العامة أیة مشکلة، بغض النظر عن عدم صحتها على الإطلاق بجمیع المقاییس، لا سیما العلمیة، و لعل ذلک راجع إلى عدم مبالاتهم بمثل هذه الأمور.


و حتى و إن کانوا یعلمون أن هذه النظریة قد فقدت کل المصداقیة العلمیة، إلا أنهم لا یستطیعون أن یولوا أولئک الذین یعتقدون فى أهمیتها أدنى اهتمام، فهم أنفسهم لا یعتقدون فى أهمیتها.

فمن وجهة نظر هؤلاء، یعتبر تفسیر عدم صحة هذه النظریة، أو نشر الکتب أو عقد المؤتمرات، شیئا ثانویا لا ضرورة ولا حاجة له، فهم یرون أنها نظریة قدیمة قدم الأزل.

و هناک کذلک مجموعة ثالثة من الناس، تختلف عما سبقها، فهذه المجموعة قد تأثرت بالفعل بهذه النظریة بشکل سلبى - إن صح القول - ، فلقد خدعتهم الدعایة الکاذبة التى یتباناها أصحاب المذهب المادى، حتى أنهم قد اطمأنوا إلى صحة هذه النظریة، و اعتبروها حقیقة علمیة ثابتة، و لیس هذا فحسب، فهم یحاولون أیضا إیجاد علاقة ما بین هذه النظریة الملحدة فى ذاتها، و ما بین الإیمان بنظریة خلق الله سبحانه و تعالى لهذا الکون.
و فى حقیقة الأمر، فإن کل ما سبق عرضه فى السطور القلیلة السابقة لا یمت إلى الصواب بأى صلة، فنظریة النشوء هذه لیست بحقیقة علمیة مثبتة، و لیست أمرا یمکن التهاون فى التعامل معه لعدم أهمیته، و لیست کذلک ذات أیة صلة بالعقیدة أو الدین.

فمن خلال هذا الکتاب، سنرى ما تحتویه أیدیولوجیة هذه النظریة من فکر غیردینی ، یؤدى بدوره إلى تفشى الإلحاد وإنکار وجود الله جل وعلا.
فهذه الأیدیولوجیة تعمل بدورها عندئذ على توطید هذا الفکر الإلحادى بمجرد تفشیه.

فأصحاب المذهب المادى یعدون الدعامة الأساسیة لهذه النظریة التى تؤمن و تضمن لهذه النظریة البقاء و ذلک عن طریق الدفاع – عن اقتناع – و بکل قوة عن مبادئها.

فنظریة داروین، و بکل تأکید، مبنیة على الأیدیولوجیة و الفلسفة المادیة دون غیرها.

فمنذ اللحظة الأولى لولادة هذه النظریة على ید تشارلز داروین (1882 – 1809) و إلى یومنا هذا، فإنها لم تقدم للبشریة سوى النزاعات الفکریة، و صور الاستغلال المختلفة، و الحروب، بل و کذلک تسببت فى انحطاط الفکر و الأخلاق.

فمن ثمَ، و بناء على ما سبق من المعطیات، ظهرت الحاجة الملحة للمعرفة السلیمة ذات الأساس الصلب لما تدعو إلیه هذه النظریة، و ذلک بهدف التصدى لهذه الخرافات التى تروج لها نظریة داروین، و حتى یکون هذا التصدى فعالا على مختلف المستویات، سواء أکان فکریا أو غیر ذلک.
یقوم هذا الکتاب بالرد على الأخطاء التى تنتسب إلى الذین یؤمنون بصحة هذه النظریة و ذلک من وجهة نظر مختلفة تماما عما سبقها من قبل.
حیث أن هذا الکتاب یقوم بالرد على أولئک المسلمین الذین یحاولون إیجاد عامل مشترک ما بین نظریة النشوء و نظریة خلق الله سبحانه و تعالى للکون، و کذلک أولئک الذین یحاولون إثبات صحة هذه النظریة استنادا للقران. فالهدف لیس توجیه أصابع الاتهام للمسلمین المادیین، و کذلک لیس الهدف منه الانتقاد اللاذع لإخواننا المسلمین، و إنما الهدف الحقیقى من وراء هذا الکتاب هو التوضیح، و الشرح لمدىالخطأ الذى یرتکبه أی مسلم بإیمانه بهذه النظریة، و کذلک تقدیم المعونة لهؤلاء المسلمین على المستوى الفکرى، و لکى یصبح و بعون الله وسیلة لتبنى وجهة نظر أکثر صحة تجاه هذا الموضوع الذى یختلط على بعض المسلمین خاصة و الناس عامة نتیجة ما قد سبق سرده من أسباب واهیة فى حقیقة أمرها، و إن بدت فى ظاهرها واقعیة مقنعة.

و حتى یکون بالإمکان التأکید على مدى الخطأ الذى قد یقع فیه بعض المسلمین بالاستهانة بهذه النظریة، و اعتقاد البعض منهم بعدم الحاجة إلى شن حرب لمکافحة هذه النظریة، وسیتم نقاش حقیقتین أخرتین فى هذا الکتاب فضلا عما سبق الإشارة إلیه من أسباب دعت إلى ظهور الحاجة إلى مثل هذا الکتاب.

 و الحقیقة الأولى هى أن نظریة داروین للنشوء تفتقد إلى أى أساس علمى مؤید لها، و الحقیقة الثانیة هى أن الهدف الحقیقى لمؤیدى هذه النظریة هومحاربة الدین.

فعلى المؤمنین حقا أن یتجنبوا الدفاع عن هذه النظریة و کذلک عن المعنى الذى یدعو إلیه مذهبها الفکرى

-أیدولوجیتها- حیث أن کلیهما إنما یتناقض مع الحقائق التى یدعوالإسلام إلى تبنیها. فبعض الذین یدافعون عن هذه النظریة إنما یدافعون عن جهل ، جهل بما سببته هذه النظریة للبشریة من دمار، و ذلک بدعوتها إلى إنکار حقیقة الخلق، کما أن المؤیدین لهذه النظریة ما هم إلا کارهون لهذا الدین الحنیف.

 و من ثم، فعلى المسلمین الذین لا تتعدى معرفتهم بهذه النظریة کونها معرفة طفیفة، أن یتجنبوا الخوض فیها بغیر علم، و ذلک اتباعا لقول الله تعالى فى القرآن العظیم:

"وَلاَ تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ کُلُّ أُولـئِکَ کَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" ( سورة الإسراء ، الآیة 17)

 و بناء على ذلک فإن السلوک النموذجى لأى مسلم تجاه هذا الموضوع هو ضرورة  البحث بکل صدق و اخلاص وتمحیص ، ولیس هذا فحسب بل یجب علیه أیضا التصرف بناء على إدراکه أنه طبقا لقول الله تعالى:

"وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِکَ تَحَرَّوْا رَشَدًا" (سورة الجن ، الآیة 14)

فمن تفسیر ما تأمرنا به هذه الآیة الأخیرة، یتبین لنا أنه یجب على أولئک المسلمین ممن یؤمنون بصحة هذه النظریة، أن یتحروا الصدق قبل اتخاذهم هذا القرار الخطیر و الخاطئ فى الوقت ذاته، فعلیهم أن یبحثوا و بکل عمق فى هذا الصدد، و أن یتخذوا قرارهم بناء على ما تملیه علیهم ضمائرهم.

فإن هذا الکتاب ما هو إلا مصباح ینیر لهم هذا الطریق، داعین الله العون و الهدایة.