الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الباب الثالث علم خلق الله

الباب الثالث
علم خلق الله

حتى الآن ، فقد قمنا بفَحص الخطأَ الخطیر الذی یرتکبه التطوریون المسلمونِ الذین یَقْبلونَ الزعمَ بأنّ اللهِ- من خلال النمووالارتقاء- قد خَلْق الکائناتِ الحیّةِ.

وعلى خلاف التطوریین الآخرینِ، فمثل هؤلاء الناسِ لا یَدعونَ بشکل مباشر أنّ الحیاة قد ظَهرتْ بمحض الصُّدفَة.

على أیة حال، فبالزعم أن الله قد استعملَ التطور فی خَلْقِه، فهم بذلک وبشکل إرادی أو غیر إرادی ، یَدْعمُون الدارونیةَ فی بَعْض النقاطِ.

طبقاً لمنظورِهم الخاطئِ، فإن الله لا بدَّ وقد استعملَ آلیاتِ تطوّریة کالتحول والانتخاب الطبیعی.
إلا أن العِلْم قد بَیّنَ أنَّ لا الانتخاب الطبیعی ولا التحول یُمْکِنُ له أَنْ یَخْلقَ نوعا جدیدا.
بمعنى آخر، فهاتان الآلیاتان لا تمتلکان خواص تطوّریةُ.

أولئک الذین یَدْعمونَ فکرةَ الخَلْقِ التطوّریِ یَزْعمُون بأنّ اللهِ یَستعملُ آلیة التحول لتَغْییرالخصائص الجینیة الوراثیة للکائنِ الحیِّ ومن ثم یتمْکن – أی هذا الکائن الحی -  من اکتساب أعضاء ذات وظائف معینة ، أَو بأنه - سبحانه و تعالى -  یَخْلقُ مخلوقات فی صورة بدائیةَ أولاً وبعد ذلک یطبق الانتخاب الطبیعی لتَحویل تلک المخلوقات إلى مخلوقات أخرى أکثر تعقیداً واکتمالا.

أو بمعنى آخر، أن الله - جل و علا - یطبقُ الانتخاب الطبیعی على الکائن الحی إذا ما أراد أن یخلق لهذا الکائن الحی المشار إلیه عضوا جدیدا ، أوإذا ما أراد لعضو آخر موجود بالفعل أن یضمر ، أَو إذا ما أراد التخلّصُ مِنْ هذا الکائن الحی برمته للتحول من سلالة إلى أخرىِ.
وإنه لمن الطبیعیُ جداً لمن هم غافلون عن آخر التَطَوّراتِ العلمیةِ أن یفترضوا مثل هذه الافتراضاتِ ، وخصوصاً إذا ما رغبوا فی دَعْم النمو و الارتقاء.

على أیة حال، فإن مثل هذه الإدّعاءات تصیرهباء منثورا إذا ما ووجهت بالحقائق العلمیة.

علاوة على ذلک، وکما سَنَرى لاحقاً، فإن القرآن لا یَذْکرُ شیئا من هذا القبیل.

وهناک أمر بحاجة إلى توضیح ، وهو أن الله- بالطبع ومما لا شک فیه-  کان یُمکنُ له أنْ یطبق النمو و الارتقاء فی خَلْقه إذا ما أراد ذلک ، فهو القادر على کل شىء.

إلا أن القرآن - وفی الوقت نفسه - لا یَحوی أی إشارةِ عن التطورِ؛ حیث لا توجد ولو حتى آیة واحدة تَدْعمُ إدّعاءَ التطوریین بالظهورِ المرحلیِ للسلالات والأنواع المختلفةِ.

والعِلْمُ کذلک یَکْشفُ زیفَ مثل هذا الإدّعاءِ.

وبما أن الموقف فی غایة الوضوح ، فإنه لا یمکن لأی مسلم أومسلمة أن یبرر تأیید مثل هذه النظریة.

فالأسباب الوحیدة المحتمل تسببها فی الوقوع فی مثل هذه الأخطاءِ هی قلة المعلوماتِ،  وعقدة النقص عند التعامل مع التطوریین، والاعتقاد فی کون التطوریین على حق لمجرد کونهم أغلبیة .

اللهُ خَلقَ الکونَ مِنْ عدم

یخلق الله کل شىء کیفما شاء ، وقتما شاء ، دون الحاجة إلى التقید بأیّ نموذج معین .
 فالله قادر على أن یخلق ما یشاء ومن العدم.
وذلک لکونه سبحانه المنزه عن أیما عیب والغنی عن أیّ حاجة.
فهو لا یحتاج لأیّ سبب، أو أداة ، أَو مراحل لإتمام خَلْقِه.
لا أحد یَجِبُ أَنْ یُخْدَعَ  بحقیقة کون کُلّ شیءِ مُرْتبط بأسباب معینة وبقوانین طبیعیةِ.
فاللهَ فوق کُلّ هذه الأسبابِ والقوانینِ، فهو موجدها و خَالقها.

فالله، رب السماواتِ و الأرضِ ، یُمْکِنُ له کذلک أَنْ یذهب بکل هذه الأسبابِ إذا ما أراد ذلک.
فعلى سبیل المثال، فالله قادر على خلق أناسَ لَیسوا بِحاجةٍ إلى الأوکسجینِ للبَقاء، ومن ثم لَیسوا بِحاجةٍ إلى رئتین.
وبأخذ هذا فی الاعتبار، فلماذا "یَحتاجُ" الله إذن لتطویرالرئةِ بمرور الوقت من خلال آلیة النمو و الارتقاء أَو من خلال أیّ آلیة أخرى؟!
ومن ثم ؛ فإن وضع قیود لقدرة الله تبعا لأحاسیس وأفکار البشر إنما هو خطأ فادح.

فنحن لا نحیط بشىء من علمه إلا بما شاء .
فالله قادر على جعل عملیة الخلق عملیة مرحلیة إذا ما شاء ذلک .
فعلى سبیل المثال، فالله یخلق النبات من فلقه الحب والنوى والإنسان من اتحاد الحیوان المنوی مع البویضة.

إلا أن مراحل الخلق هذه ، کما سَنَرى لاحقاً، لَیْسَ لها - على الإطلاق - أی علاقة بالنمو والارتقاء أَو بعامل الصدفةِ.
فکُلّ مرحلة من مراحل نموالنبات ، أَو تحول الخلیة الواحدة إلى کائن بشری "فی أحسن تقویم" إنما هو بفضل المنظوماتِ المثالیةِ التی خلقها الله القادر على کل شىء.

فلقد شاء الله أن یخَلقَ السماوات و الأرضَ ، وما بینهما،  وکُلّ الکائنات الحیّة وغیر الحیة.


There are signs of Allah's infinite power and intelligence at every stage of a flower's development. It is Allah, the Lord of all the worlds, Who turns a seed into a beautifully colored flower.

فإن ذلک على الله یسیر ، حیث یشیر القرآن إلى ذلک من خلال الآیات التالیة:

"وَهُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَیَوْمَ یَقُولُ کُن فَیَکُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْکُ یَوْمَ یُنفَخُ فِی الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَکِیمُ الْخَبِیرُ " (سورة الأنعام ، الآیة73)

"إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَیْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ کُن فَیَکُونُ " (سورة النحل ، الآیة 40)

"هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُ کُن فَیَکُونُ " (سورة غافر ، الآیة 68)


It is Allah's infinite might and wisdom that turns a cell, invisible to the naked eye, into a thinking, speaking, and breathing human being.


فإن الخَلْق على الله یسیر.
فکما تبین لنا هذه الآیات فما على الله إذا قضى أمرا إلا أن یقول له کن فیکون .

فالعدید مِنْ الآیات تَکْشفُ لنا أنّ الله قد خَلقَ هذا الکونَ وخلق الکائنات الحیة کلها فی أحسن تقویم.
وإنه لخطأ غایة فی الفداحة والخطورة أن یلجأ بعض المسلمین إلى التفسیرات الملتویة فی مواجهة هذه الحقیقة الواضحة -الله سبحانه وتعالى خالق کل شىء فی أحسن تقویم - وکذلک أن یدعوا مثل هذه الادعاءات الزائفة الخادعة والتی تحتوی فی طیاتها على ما یؤول إلى أن الله سبحانه وتعالى قد خلق هذا الکون بتطبیق مبادىء النمو و الارتقاء من تحول وانتخاب طبیعی ومراحل انتقالیة ما بین القردة والبشر.

وإنه لمن الخطأ تَقدیم مثل هذه التفسیراتِ والتی لیس لها أی دلیل فی القرآن أَو فی العِلْم ، على أمل أَنْ یتقبلنا التطوریون من أنصار داروین.
 فاللهُ هو واضع ومصدر کُلّ القوانین فی هذا الکونِ وهو الذی یعطیها الشکلَ الذی یَختارُه، وهوالذی یخلق ما یشاء متى یشاء ، وسع کرسیه السماواتِ و الأرضِ ، وهو العلی العظیم المتحکم فی کل شىء.

وبالرغم من کل ذلک فإن بَعْض الناسِ لا یدرکون قدرة الله بشکل کامل ومن ثم یصدرون أَحْکاما بخصوص الله سبحانه استنادا إلى قدراتهم المحدودةِ .

یَکْشفُ اللهُ لنا عن وجود هذه الفئة من خلال الآیات القرآنِیة التالیة:

"وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَیْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْکِتَابَ الَّذِی جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِیسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ کَثِیرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُکُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِی خَوْضِهِمْ یَلْعَبُونَ " (سورة الأنعام ، الآیة 91)

"مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ " (سورة الحج ، الآیة 74)

"وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِیعًا قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ " (سورة الزمر ، الآیة 67)

وعلى عکس ذلک الذی  یقترحه الذین یعتقدون فی الخلق التطوری ، فالله جل فی علاه لَمْ یَخْلقْ فی بادىء الأمر قرودا  ثم جعل هذه القرود بشرا من خلال أشکالِ انتقالیةِ تفتقد إلى بعض الأعضاء البشریة  .

بل بالأحرى، وکما یَکْشفُ القرآن ، خَلقَ اللهَ الإنسان فی أحسن تقویم:

"لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ " (سورة التین ، الآیة 4)

"خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَکُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَکُمْ وَإِلَیْهِ الْمَصِیرُ " (سورة التغابن ، الآیة 3)



Ever since the first man, all human beings have been the result of Allah's flawless creation. Throughout history, all human beings have come into being through the stages Allah commanded.


تعتبرالآیات أعلاه جزءا مِنْ البراهینِ على أن اللهِ خَلقَ الإنسان فی أحسن تقویم ، أی الشکل الذی هو علیه الآن.
وبالطبع، فإن لدى الإنسان العدید من نقاط الضعف ، والتی جمیعها تُذکّره بافتقاره إلى ربه.

وتعتبرالعاهات وحالات العجز  نَتائِجَا لخَلْق هادف، حیث تعمل کتذکرة لأولئک الذین یَرونَها وکإختبار لأولئک الذین ابتلاهم الله بها.

کسلالات وأنواع، خَلقَ اللهَ کُلّ الکائنات الحیّة بشکل آنی وفی أحسن تقویم ، دون الحاجةِ للتطورِ مطلقاً.
وتلک الحقیقةِ الواضحة یکشف عنها القرآن:

"هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى یُسَبِّحُ لَهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ " ( سورة الحشر ، الآیة 24)

ویَصِفُ القرآنُ کیف أن الخَلْق على الله یسیر:

"أَوَلَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِیم" ( سورة یس ، الآیة 81)

"مَّا خَلْقُکُمْ وَلا بَعْثُکُمْ إِلا کَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ " ( سورة لقمان ، الآیة 28)

أشکال اللهِ المختلفةِ للخَلْقِ

نقطة أخرى مهمة أهملتْ مِن قِبل أولئک الذین یُؤمنونَ بالخَلْقِ التطوّریِ وهی أشکالُ اللهِ المختلفةِ للخَلْقِ.
فلقد خلق اللهُ کائنات حیّةَ تَختلفُ بشکل ملحوظ عن البشرِ والحیواناتِ، مثل الملائکةِ والجنّ.
وهذه المسألةِ سَتُناقشُ فی الصفحاتِ التالیةِ.

الْمَلائِکَة أُولو أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاث وَرُبَاع

الملائکة کائناتَ دائمة الطاعة لأوامرَاللهِ.
ویَصِفُ القرآنُ خَلْقُهم – أی هذه الملائکة - کالتّالی:

"الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِکَةِ رُسُلا أُولِی أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ مَا یَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ " ( سورة فاطر ، الآیة 1)

وکما نَرى مِنْ هذا الوصفِ، فإن أشکالَ الملائکةِ تَختلفُ إلى حدٍّ کبیر عنْ تلک التی للبشرِ. یَلفتُ اللهُ الانتباه إلى الأشکالِ المختلفةِ للخَلْقِ فی الآیة أعلاهِ.
وتبین الآیات أیضاً کَیف أن الملائکة تطِیعُ الله وتمتثل لأوامره:

"وَلِلّهِ یَسْجُدُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِکَةُ وَهُمْ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ

یَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ " ( سورة النحل ، الآیة 49-50)

"لَّن یَسْتَنکِفَ الْمَسِیحُ أَن یَکُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِکَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن یَسْتَنکِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَیَسْتَکْبِرْ فَسَیَحْشُرُهُمْ إِلَیهِ جَمِیعًا " ( سورة النساء ، الآیة 172)

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَیْهَا مَلائِکَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا یَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ " ( سورة التحریم ، الآیة 6)

وبالإضافة إلى ذلک ، فلقد خُلِقتْ الملائکة  قبل بنی آدم.
وفی حقیقة الأمر فلقد أخبرَ اللهَ الملائکةَ عند خلقه آدم - الإنسان الأول -  وأَمرهم بالسجود له.

وفی الوقت نفسه ، فلقد آتى اللهَ النبی آدم، علیه السلام ، علما یختلف عن ذلک الذى آتاه الملائکةِ ، حیث علّمه الأسماءَ کلها.

والملائکة لا تَمتلکُ مثل هذا العلمِ.
وکما یَذْکرُ القرآن :

"وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلاَئِکَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِیهَا مَن یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ قَالَ إِنِّی أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء کُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِکَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِی بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن کُنتُمْ صَادِقِینَ
قَالُواْ سُبْحَانَکَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّکَ أَنتَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ
قَالَ یَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ غَیْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا کُنتُمْ تَکْتُمُونَ
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِکَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِیسَ أَبَى وَاسْتَکْبَرَ وَکَانَ مِنَ الْکَافِرِینَ"
( سورة البقرة ، الآیة 30-34 )

الجنّ مَخْلُوقات مِنْ نارِ

مثلها کمثل الملائکةِ، یَختلفُ مظهرُ الجنّ أیضاً عن بنی البشر.
الآیات التالیة تبین أن الإنسان خلقَ مِنْ طینِ، بینما الجنّ خُلِقَ مِنْ نارِ:

"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ " ( سورة الحجر ، الایة 26-27)

"خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ کَالْفَخَّارِ

وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ " ( سورة الرحمن ، الآیة 14-15)

وفی القرآنِ، یَکْشفُ اللهَ کذلک عن الغرضِ من خَلْق الإنسِ والجنّ:

"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ " ( سورة الذاریات ، الآیة 56)

ومما یتضحُ لنا مِنْ هذا ، أنه بالرغم من أن الإنس والجنّ کائناتَ مختلفةَ تمام الاختلاف ، فإن کلیهما قد خُلِق لعِبادَة اللهِ وحده بتطبیق القِیَمِ التی وَصفَها لنا سبحانه وتعالى.

فلقد کَشفَ لنا- سبحانه وتعالى - فی العدید مِنْ الآیات أنّ الملائکة والجنّ کلیهما لَهُما بَعْض الخصائصِ التی تَختلفُ عن الخصائصِ الإنسانیةِ.
فعلى سبیل المثال، کلاهما یمکنه نقل المادة:

"قَالَ یَا أَیُّهَا المَلأُ أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ
قَالَ عِفْریتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِکَ وَإِنِّی عَلَیْهِ لَقَوِیٌّ أَمِینٌ " ( سورة النمل ، الآیة 38-39)

ویَذکر القرآن کذلک أنّ الجنّ - مثل الملائکة - قد خُلِقَت قبل الانسان.
فعندما خَلقَ الله النبی آدم، علیه السلام، أَمرَ اللهَ الملائکةَ والجنّ أن یسجدوا له.
وبعد ذلک، یذکر أنّ الشیطان من الجنّ:

"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِیسَ کَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّیَّتَهُ أَوْلِیَاء مِن دُونِی وَهُمْ لَکُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلا " ( سورة الکهف ، الآیة 18)

الخَلْق مسألة یسیرة على الله ، فهو القادر على أن یخلق مِنْ لا شیءِ وبدون سببِ مسبقِ. فکما خَلقَ الملائکةَ والجنّ على هیئات مختلفةِ ومِنْ عدم ، فلقد خَلقَ الإنسان أیضا من عدم خلقا منفصلا مستقلا ودون الحاجةِ للتطورِ.

والشىء نفسه یمکن تطبیقُه على الکائناتِ الحیّةِ الأخرى، مثل الحیواناتِ والنباتاتِ.
الله خَلقَ کُلّ هذه الکائنات آنیاً ومن لا شیء ودون إخضاعهم لعملیة التطور, بمعنى آخر، بدون تَحویل سلالة إلى أخرى.

وکما قد رَأینَا سابقا،َ فإن المراحلَ التی یَستعملُها الله فی هذا الخَلْقِ المذَکور سابقا ، لا علاقة لها بصدفةِ النمو والارتقاء أَو الأحداثِ العشوائیةِ، حیث أن کلا منها إنما هی ناتجة عن الأنظمة التی لا خلل بها والتی أنشأها الله - مالک الملک - بقدرته.

کَیف أن الطین المخلقَة کهیئة الطیر قد بث فیها نبی الله عیسى الحیاة بأمر الله

وَهبَ اللهُ نبیه عیسى- علیه السلام - قدرات تفوق قدرات البشر الطبیعیة فی هذه الحیاة الدنیاِ، کما یرَى فی:

"إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِکَةُ یَا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ یُبَشِّرُکِ بِکَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِیحُ عِیسَى ابْنُ مَرْیَمَ وَجِیهًا فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ " (سورة آل عمران ، الآیة 45)

فلقد جاءَ إلى هذا العالمِ بدون أبِّ ، وکان یکلّم الناس فی المهدِ ، وکان یشفی المرضى بشکل عجیب معجز.
وعلاوة على ذلک ، فعندما خلق النبی عیسى، علیه السلام ، من الطین کهیئة الطیرونفخ  فیه ، دبت الحیاة فی هذا الطیر بإذن اللهِ.
وهذه الحقیقةِ مذکورة فی القرآنِ:

"وَرَسُولاً إِلَى بَنِی إِسْرَائِیلَ أَنِّی قَدْ جِئْتُکُم بِآیَةٍ مِّن رَّبِّکُمْ أَنِّی أَخْلُقُ لَکُم مِّنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأکْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْیِـی الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُکُم بِمَا تَأْکُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَةً لَّکُمْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ " (سورة آل عمران ، الآیة 49)

"إِذْ قَالَ اللّهُ یَا عِیسى ابْنَ مَرْیَمَ اذْکُرْ نِعْمَتِی عَلَیْکَ وَعَلَى وَالِدَتِکَ إِذْ أَیَّدتُّکَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُکَلِّمُ النَّاسَ فِی الْمَهْدِ وَکَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُکَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِیلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ بِإِذْنِی فَتَنفُخُ فِیهَا فَتَکُونُ طَیْرًا بِإِذْنِی وَتُبْرِىءُ الأَکْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِی وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِی وَإِذْ کَفَفْتُ بَنِی إِسْرَائِیلَ عَنکَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَیِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِینٌ " (سورة المائدة ، الآیة 110)

فالله قادر على أَنْ یَخْلقَ أیما شىء بشکل تلقائی - إن صح التعبیر- وفی التو و اللحظة ، على النحوِ نفسه .
فهذه إحدى معجزاتِه - جل فی علاه-  وحقیقة غایة فی الأهمیة لا یجب على التطوریین المسلمین إهمالها.
مثال آخر شبیه یَذْکرُالنبی إبراهیم - علیه السلام - ویبین کَیفَ أن اللهَ یهب للکائنات غیر الحیة الحیاة:

"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِـی الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـکِن لِّیَطْمَئِنَّ قَلْبِی قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى کُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَأْتِینَکَ سَعْیًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ" (سورة البقرة ، الآیة 260)

کَیف أن امرأة النبی زکریا العاقر قد أنجبت 

مثال آخر على الخَلْقِ الأعجوبیِ یتعلّقُ بالبشرى التی بشر بها الله نبیه زکریا ، علیه السلام ، إنجاب امرأته غلاما :

"یَا زَکَرِیَّا إِنَّا نُبَشِّرُکَ بِغُلامٍ اسْمُهُ یَحْیَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِیًّا
قَالَ رَبِّ أَنَّى یَکُونُ لِی غُلامٌ وَکَانَتِ امْرَأَتِی عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْکِبَرِ عِتِیًّا
قَالَ کَذَلِکَ قَالَ رَبُّکَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُکَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَکُ شَیْئًا " (سورة مریم ، الآیة 7-9)

وکما تبین لنا هذه الآیات السابق سردها ، فإن مسألة الخَلْق مسألة هینة على الله سبحانه الذی لا یحتاج إلى مسببات لإتمام خلقه .
فلقد وَهبَ هذا النبی طفلا ، و بأَمْره " کُن! "  صارت زوجة هذا النبی حاملاً وبشکل تلقائی.
یقول الله  فی تکملة الآیة:

"قَالَ کَذَلِکَ قَالَ رَبُّکَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُکَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَکُ شَیْئًا " (سورة مریم ، الآیة 9)

أمثلة على البعث بعد الموت فی القرآن

الخَلْق والبعث کلیَّاً بید اللهِ ، وکما هو الحالُ بالنسبة للخَلْقِ ، فالله لَیْسَ بحاجة إلى أیة مسبباتِ خارجیةِ عندما یتعلق الأمر بالبعث.
وهناک العدید مِنْ الأمثلةِ فی القرآنِ الکریم والتی تشیر إلى هذا الموضوع.

یَکْشفُ القرآنَ عنّ أَنْ الناسَ سیبعثون من مرقدهم تارة أخرى یوم القیامة وذلک بعد موتهم ودفنهم فی هذه الحیاة الدنیا:

"ذَلِکَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ کَفَرُواْ بِآیَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا کُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِیدًا
أَوَلَمْ یَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَیْبَ فِیهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ کُفُورًا " ( سورة الإسراء ، الآیة 98-99 )

وکما رَأینَا ، فإن الکفار لا یَعتقدونَ بأنّ الناسِ سَیُعاد خلقهم مرة أخرى بعد مَوتهم وبعد أن صاروا ترابا.
ویُلخّصُ هذا المثالِ الحالةَ بالنسبة إلى نظریةَ التطورِ.

ربنا الله، الذی سَیُعیدُ تکوین أجسامَ الناسِ مِنْ العدم یوم الحسابِ ، قد سبق وأن خَلقَ الإنسان الأولَ أیضاً ، النبی آدم ، مِنْ لا شیءِ.
هذه الآیات مهمة جداً لأولئک الذین یُؤمنونَ بالقرآنِ إلا أنهم وفی الوقت ذاته یصرّونَ -على الرغم من هذا- على الإیمان بأفکارِ التطوریین.

یقول الله عزوجل:

"وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى کَمَا خَلَقْنَاکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَکْتُم مَّا خَوَّلْنَاکُمْ وَرَاء ظُهُورِکُمْ وَمَا نَرَى مَعَکُمْ شُفَعَاءکُمُ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِیکُمْ شُرَکَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَیْنَکُمْ وَضَلَّ عَنکُم مَّا کُنتُمْ تَزْعُمُونَ" ( سورة الأنعام ، الآیة 94)

یُشیرُ القرآنُ إلى بعث الإنسان بعد الموت یوم الحسابِ.
ویُوضحُ بأنّ هذا الخَلْق سَیَکُونُ مثل "الخَلْق الأول".
وکُلّ شخص وبعد أن یکون قد مات و صار ترابا ، سیولد مرة أخرى یم القیامة من خلال إعادة خلقه کهیئة الإنسان .

ولِهذا السبب نفسه فإن عملیة الخَلْق الأول للإنسان تشْبهُ عملیة إعادة الخلق الإنسانی هذه ولا تَتم بشکل مرحلی ، بل تتم بشکل لحظی معجز.
ونجد فی القرآنِ العدید مِنْ الأمثلةِ على البعث بعد الموت .

وعلى سبیل المثال ، فلقد شاء اللهُ لقوم النبی موسى، علیه السلام ، أن یمروا بمثل هذه التجربة ، حیث أماتهم الله ثم أحیاهم.
وهذا الموقف مَوْصُوفُ فی القرآنِ کالتّالی:

"وَإِذْ قُلْتُمْ یَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَکَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ
ثُمَّ بَعَثْنَاکُم مِّن بَعْدِ مَوْتِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ" (سورة البقرة ، الآیة 55-56)

والقرآن یَحتوی على مثال آخریَتضمّنُ قوم النبی موسى ، علیه السلام.
فلقد أمرهم الله أن یضَرْبوا جثّة أحد موتاهم بقطعة لحمِ من بقرة کانوا قد ذبحوها من قبل.
وکما یبین اللهَ لنا فی هذه الآیة ، فالغرض من مثل هذا الموقف هو إثبات حقیقة البعث لهم وللتأکد من إیمانهم  .

وهذا الأمر- وبکل المقاییس - أمرمعجز.
على أیة حال، وکما سَنَرى فی جزءِ الآیة الآتی ذکره ، فلقد ازدادت قلوب هؤلاء القوم قسوة بَعْدَ أَنْ حَدثتْ هذه المعجزةَ:

"وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِیهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا کُنتُمْ تَکْتُمُونَ
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا کَذَلِکَ یُحْیِی اللّهُ الْمَوْتَى وَیُرِیکُمْ آیَاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُکُم مِّن بَعْدِ ذَلِکَ فَهِیَ کَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا یَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا یَشَّقَّقُ فَیَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا یَهْبِطُ مِنْ خَشْیَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"
( سورة البقرة ، الآیة 72-74)

یضرب اللهُ مثالاً آخر:

"کَذَلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمْ آیَاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ خَرَجُواْ مِن دِیَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْیَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَشْکُرُونَ" ( سورة البقرة ، الآیة 242-243 )

ویُورد لنا القرآنُ مثالا آخرا : موقف قد واجهُه شخص لم یُؤمنْ بالبعثِ بعد الموتِ.
وطبقاً للآیات ، فلقد أمات اللهَ شخصَا 100 سنةِ وبعد ذلک أحیاه بعد الموت.

على أیة حال، و بالرغم من مرور کل تلک الفترة الزمنیة ، فلقد اعتقد الشخص بأنّه کَانَ میتَا لیومِ واحد فقط بل ولأقل من ذلک .

وعندما أُخبرَ بالحقیقةَ ، آمن أخیراً، کما نَرى فی الآیة التالیِة:

"أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلَى قَرْیَةٍ وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ یُحْیِـی هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ کَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ یَوْمًا أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِکَ وَشَرَابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِکَ وَلِنَجْعَلَکَ آیَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ کَیْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَکْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ" ( سورة البقرة ، الآیة 259 )

یَتعلّقُ المثالُ الآخر بأصحابِ الکهفِ .
والذی یُمیّزُ هذه القصّةِ عن غیرها من القصص بأنّ فی هذه الحالةِ، فالمجموعة المشار إلیها لَمْ تُقْتَل ، بل ظلت نائمة لفترة أطولِ مِنْ  الفترة الطبیعیة المعتادة لحیاة أی إنسان .

ولقد اشتملت هذه المجموعة على شبابِ مؤمنِ کان قد هجر قومه مریدا مأوى فی کهف وذلک لأن قومه کان قد اتّجهَ إلى الشرک باللهِ وإلى عبادةِ الأصنام.

على أیة حال، فلقد أنامهم الله  بشکل أعجوبی معجزلأکثر مِنْ 300 سنة بداخل الکهفِ ،  وکان ذلک على النحوالتّالی:

" فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَدًا " ( سورة الکهف ، الآیة 11)

" وَلَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِینَ وَازْدَادُوا تِسْعًا
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَیْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِیٍّ وَلا یُشْرِکُ فِی حُکْمِهِ أَحَدًا " ( سورة الکهف ، الآیة 25-26)

على أیة حال، فلقد أیقظهم الله بعد فترة من الزمن .
والوصف یَستمرُّ: 

"ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى " ( سورة الکهف ، الآیة 12-13)

وهم لَمْ یُدرکوا بأنّهم کَانوا نائمین کل هذه الفترة الزمنیة الطویلة.
وظنوا أنّهم کَانوا نائمینَ لمدّة یوم ، أَو لبضعة ساعات ، لیس إلا ، بینما کَانوا فی الحقیقة نیاما حوالی ثلاثمائة سنة و ازدادوا تسعا.
الآیة موضع السّؤال تقول:

"وَکَذَلِکَ بَعَثْنَاهُمْ لِیَتَسَاءلُوا بَیْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا یَوْمًا أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قَالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَکُم بِوَرِقِکُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِینَةِ فَلْیَنظُرْ أَیُّهَا أَزْکَى طَعَامًا فَلْیَأْتِکُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْیَتَلَطَّفْ وَلَا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَدًا " ( سورة الکهف ، الآیة 19)

مثل هذه الأمثلةِ المذکورة فی القرآنِ تبین و بشکل واضح  بأنّ اللهِ لا حاجةُ له فی أیّة مسببات للخَلْقِ.

سلوک النحل ِ: معضلة لا حل لها بالنسبة للتطوریین

 یَکْشفُ الله لنا ومن خلال القرآنِ بأنّه أوحى إلى النحل وأخبرَه بما یَجِبُ علیه عمَله: 

"وَأَوْحَى رَبُّکَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِی مِنَ الْجِبَالِ بُیُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا یَعْرِشُونَ

ثُمَّ کُلِی مِن کُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُکِی سُبُلَ رَبِّکِ ذُلُلاً یَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِیهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَةً لِّقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ" ( سورة النحل ، الآیة 68-69)

وکما نَعْرفُ ، فإن النحلَ یَجْمعُ اللقاح ویصنع منه عسلاً بخَلْطه – أی اللقاح - بإفرازاتِ تفرزها أجسامهِ. وحتى یتمکن من اخْتزان العسل وتربیة صغاره ، فالنحل یصنع خلایا شمعِیة سداسیةِ الشکل مرتبة ترتیب غایة فی الدقة ، ولزوایاها نفس القیاس ، ومتماثلة بشکل عام.
و یَصنعون أقراصَ العسل باستخدام هذه الخلایا.
وعلاوة على ذلک، فإن النحل الذی یَتْرکُ الخلیةَ بحثا عن الغذاءِ ویرجعُ إلیها مرة أخرى إنما قد أمده اللهَ بأنظمةِ خاصِّة تُمْکِنُه من إیجاد طریق العودة.
وحتى تمتلک حشرة کالنحلة – من تلقاء نفسها - مثل هذه المعرفة بخصوص زوایا المسدسات ، وتکتشف صیغةَ تصنیع الشمعِ ، وتُصمّم الأنظمةَ الضروریةَ لتَصنیعه بداخل جسمِها ، وبعد ذلک تضع مثل هذه المعلوماتِ فی حمضها النووی الخاص حتى یتسنى لأعضاء هذه السلالة مستقبلا أن یَمتلکُوا نفس القدراتِ ، بالطبع أمر مستحیل.
وإنه لمن الواضح أن النحل قد عُلّمَ کُلّ هذه الأشیاءِ مِن قِبل قوَّة علیا.
بمعنى آخر، فإن مثل هذه المعرفةِ قد أوحى الله بها للنحل ، کما تکشف لنا هذه الآیات.
الله ، الذی وسع کُلّ شىء علما ، یَصِفُ للنحلةِ ما تحتاجُ عمله ، والنحلة بعد ذلک تَتصرّفُ بشکل کامل من وحی هذا الوصف وعلى ضوءِ هذا الإلهامِ الآلهی.
مثل هذا السلوکِ الواعیِ دلیلُ واضحُ على الخَلْقِ.
ودراسة مثل هذه الخصائص فی الحیواناتِ تَکْشفُ التصمیمَ المنزه عن أیما عیب وکذلک عن الوعی الکامل المتأصّلَ فی الکائنات الحیة.
 فإن مثل هذه الأمور- مرةً أخرى -  تتیحُ للفرد فرصة فهم أن الله لا یضاهى قدرته شىء.


Your lord revealed to the bees: "Build dwellings in themountains and the trees, and also in the structures which men erect.Then eat from every kind of fruit and travel the paths of your Lord, which have been made easy for you to follow." From inside them comes a drink of varying colours, containing healing for mankind. There is certainly a Sign in that for people who reflect. (Qur'an, 16:68-69)

فاللهُ قادر على أن یخلق أیما مخلوق شاء ، و بأیة خصائص کانت ، وهو القادر على کل شىء ، و ملیک کل شىء.
على أیة حال ، فإن التطوریین یعتقدون فی أنّ مثل هذه الممیزّاتِ والخصائص الإستثنائیةِ التی اختص بها الله بعض مخلوقاته إنما ترجع إلى الصُّدفَة.
وطبقاً لهذا الإدّعاءِ الغیرمنطقیِ ، فإن النحل قد تَعلّمَ حِساب الزوایا بل واستطاعَ أن ینقل هذا العلم إلى غیره من النحلِ من خلال الصُّدفَة.

وطبقاً لهذا الإدّعاء فإن الصدفةُ قد أدت کذلک إلى ظهورِ أنظمةِ جسمانیةِ قادرة على انتاج الشمعِ والعسلِ .
وبمجرد التفکر لثوان قلیلة فقط ، یصبح من الممکن رُؤیة أن مثل هذه السیناریوهات الخیالیةِ أبعد ما تکون عنْ المنطق والحجة والعِلْمِ.
فاللهُ یَخْلقُ النحلَ ویَهبه الوعی.

ومثل هذه المعجزاتِ فی الخَلْقِ تَضِعُ التطوریین فی موقف محیّر لا یُمْکِنُهُم أبَداً الفرار منه.

النبی سلیمان کان یفَهمَ لغة النمل

کما أشیر إلیه فی القسمِ السابقِ، فإن التطوریین یَزْعمُون بأنّ الکائنات الحیّةِ إنما هی من عمل الصدفة البحتة والأحداثِ العشوائیةِ.
ففی رأیهم، وعلى الرغم مِنْ حقیقة عدم وجود أی برهان یؤکد هذه الإطروحةِ الخیالیةِ، فإن الحیوانات لا تَمتلکَ أی وعی.
وعلى الصعید الآخر فإنه یوجد الکثیر مِنْ الدلائلِ التی تفند إدّعاءاتِهم وتدحضها.

فبالأخذ فی الاعتبار الوصف القرآنی لما جرى بین النبی سلیمان، علیه السلام، و بین نملة .
فطبقاً للآیات ، فالنبی سلیمان قد سَمعَ و فَهمَ کلام النملةَ، کما ترُوِی الآیات التالیةِ:

"حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِی النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ یَا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاکِنَکُمْ لا یَحْطِمَنَّکُمْ سُلَیْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ* فَتَبَسَّمَ ضَاحِکًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَعَلَى وَالِدَیَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِی بِرَحْمَتِکَ فِی عِبَادِکَ الصَّالِحِینَ " (سورة النمل الآیة 18-19)

فکما تُوضحُ هذه الآیات ،  فلقد خاطبتْ نملة من النمل باقی النمل .
وبالطبع ، وبافتراض أن هذه النملة ما هی إلا مخلوق "خلق" بمحض الصُّدفَة فإنه لمن المستبعد أَنْ یَکُونَ لدَى هذا الکائن نظام اتصالِ خاص یَسْمحُ له بمُخَاطَبَة عشیرته الخاصةِ أَو إظهار سلوک ما قد یشیر إلى امتلاک وعی أو منطقِ.


As revealed in the Qur'an, Allah enabled Prophet Sulayman, peace be upon him, to understand the language of the ants.

فالمخلوق الذی یوجده الله فی هذا الوجود بمشیئته سبحانه وتعالى سوف یظهر سلوکاً واعیاً على النحو وإلى الحدّ الذی یریده الله.
وإنه لمن المحتمل أیضا التواصل و التخاطب مَع مثل هذا المخلوقِ، إذا ما أراد الله ذلک.

فالحیوانات ، و التی طبقاً لنظریةِ التطورِ، یفترضُ افتِقارها إلى الوعی إنما تکشف سلوکیتها فی الحقیقة عن قدر کبیرِ من المنطق والسببیة ، کما رَأینَا فی هذین المثالین. ونحن َرُبَّمَا لا نَستطیعُ أن نتَوَقُّع أن یدرک الداروینیون طبیعة مثل هذا الموقف الإستثنائی ،
( وَیُنَجِّی اللَّهُ الَّذِینَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا یَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ )

على أیة حال، فإن أولئک الذین یَقُولونَ بأنّهم یُؤمنونَ بوجودِ الله وقدرته یجب علیهم أَنْ یُفکّروا حقا بشأن مثل هذه الإشاراتِ، حیث أنها وبکل حزم و وضوح تثبت عدم صحة نظریة النمو و الارتقاء.

هذا و من ثم یبین أنه لا مجال على الإطلاق للدفاع عن النمو و الارتقاء .

معجزة الخَلْق

إن إهْمال حقیقة قدرة الله على الخلق والتدمیر یلعب دورا هاما فی إیمان بعض المسلمین بالتطورِ.
مثل هؤلاء التطوریین المسلمین متأثرون بالاتجاه الطبیعی ، الذی یزعم بأنّ قوانینَ الطبیعةِ ثابتة وغیر قابلة للتغییر ، وبأنّ لا شیءِ یُمْکِنُ أَنْ یَحْدثَ خارج إطار هذه القوانین.

إلا أن هذا یعتبر خطأ جسیم.
والذی نشیر إلیه بلفظ "قوانین الطبیعةِ" إنما أساسه خَلْق اللهِ وإبْقاؤه المادة فی شکل معیّن.

وإنه لمن المستحیل أَنْ تَکُون هذه الخصائص قد انبثقت من تطور المادة من تلقاء نفسها.
وکما قد أوضحَ الله ، فإنه سبحانه وتعالى یُمْکِنُ أَنْ یُعدّلَ هذه القوانینِ فی أی وقت کان،  بل ومن الممکن له جل وعلا أن یَتصرّف خارج نطاق هذه القوانین.

ونسمی مثل هذه الأحداث بالمعجزاتِ .

وکون بقاء أهل الکهف على قید الحیاة لأکثر مِنْ 300 سنة یعتبر معجزة خارقة لقوانینِ الطبیعةِ.
ویعتبر من المعجزات أیضا ، أولئک الذین أماتهم الله ثم أحیاهم بعد ذلک .
یَحْدثُ کُلّ حدث لأن الله أراد له الحدوث.

تلک التی تَحْدثُ فی إطار بَعْض القوانینِ الطبیعیة أحداث طبیعیة ، بینما الأخرى تعتبر معجزاتَ.
والنقطة التی مَنْ الضَّرُوری أَنْ تُفْهَمَ هنا بأنّ قدرة اللهِ لا یحدها تلک القوانین التی خَلقَها الله سبحانه وتعالى بقدرته و مشیئته.

فإذا ما أراد الله فإنه یمکنه أَنْ یَعْکسَ کُلّ قوانین الطبیعةِ تماما.
فإن ذلک على الله یَسیر.

وبما أن التطوریین المسلمین قد وقعوا تحت تأثیرالاتجاه الطبیعی ، والذی یعتبر أساس الدارونیةِ ، فإنهم من ثم یُحاولونَ تَفسیر أصلِ الحیاةِ الإنسانیةِ وغیرها من الحیوات من خلال القوانینِ الطبیعیةِ.
هؤلاء التطوریون المسلمون یَعتقدونَ فی أنّ اللهِ قد أوجد الکائنات الحیة فی هذا الوجود بواسطة خَلْق تحده و تحکمه القوانینِ الطبیعیةِ ، ومن ثم یَتخیّلُون بأنّ الخَلْقِ قد أوجد من خلال التحولِ ، والانتخاب الطبیعی ، والتغیر ، وتحول سلالة إلى أخرى.
وعلى أیة حال ، فإنه لخطأ فادح أن یتقبل المسلمون مثل هذا المنطقِ "الطبیعتی" ، حیث أن المعجزاتِ التی یصفها القرآنِ بشکل واضح تَکْشفُ أنّ مثل هذا المنطقِ لا أساس له من الصحة.

وبالنظر إلى تلک الآیاتِ التی تُناقشُ خَلْقَ الإنسان وغیره من الکائنات الحیة ، نَرى بِأَنَّ هذا الخَلْقِ قد تم عَلى نَحوٍ أعجوبی معجزوخارق لقوانینِ الطبیعةِ.
وهکذا یبین الله کیفیة خَلْقَ الکائنات الحیة :

"وَاللَّهُ خَلَقَ کُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن یَمْشِی عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن یَمْشِی عَلَى رِجْلَیْنِ وَمِنْهُم مَّن یَمْشِی عَلَى أَرْبَعٍ یَخْلُقُ اللَّهُ مَا یَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ " ( سورة النور، الآیة 45)

تُشیرُ هذه الآیة إلى مجموعاتِ الکائنات الحیّةِ الأساسیة على الکرة الأرضِیة - الزواحف، والطیور، والثدییات - وتَقُولُ بأنّ الله قد خَلقَ کلّ هذه الکائنات مِنْ الماءِ .

وبنظرة أقربِ ، فإن هذه المجموعاتِ لَمْ تُخْلَقُ " من بعضها البعض" کما " یستنبط " النمو و الارتقاء ، بل "مِنْ الماءِ."
بأسلوب آخر، فإن هذه الکائنات قد خلقها الله مُنفصلة من مادة مشترکة الله خالقها.
ولقدأوضحَ العِلْمُ الحدیث بأنّ هذه المادّةِ المشترکةِ هی الماء ، المکوّن الأساسی للأجسام الحیّة کلها.
وأجسام الثدییاتِ حوالی 70 بالمائة منها ماء .

والماء الجسمانیِ لکل کائن حی یمکن الاتصال بین الخلایا بعضها البعض ، بالإضافة إلى الاتصالِ بینِ الخلایا وبینَ الأنسجَة المختلفة .
وإنها حقیقةُ مقبولةُ أنه لا شیء یُمْکِنُ أَنْ یَعِیشَ دون ماءِ.

وعلى الرغم من ذلک فإن بَعْض المسلمین یسیؤونَ فهم الآیة أعلاهَ ویُحاولون إعْطائها من المعنى ما یجعلها أکثرَ توافقا مع التطورِ.
وعلى أیة حال، فإنه من الواضح أن حقیقةِ الخَلْقِ مِنْ الماءِ لَیْسَت لَها علاقة بالتطورُ، حیث أن تلک النظریة لا تَدّعی بأنّ کُلّ کائن حیّ أساس نشأته الماء.

بل على العکس، فإن نظریة النمو والارتقاء تزْعمُ بأنّ السلالات المختلفة للکائنات الحیِّة قد تَطوّرَت مِنْ بعضها البعض، وهذا تناقض واضح لحقیقة أنّ کُلّ الکائنات الحیّة قد خُلِقتْ مِنْ الماءِ (بأسلوب آخر، أنّها خُلِقت بشکل مستقل).

خَلْق الإنسان مِنْ طین

فی القرآنِ، یَکْشفُ لنا اللهَ أنّ الإنسان قد خُلِقَ بطریقةٍ أعجوبیة معجزة.
فلکی یخَلق الله الإنسانِ الأولِ، شکّلَ سبحانه وتعالى طیناً، وبعد ذلک نفخ فیه من روحه:

"إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِینٍ* فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِینَ " ( سورة ص ، الآیة 71-72)

"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِینٍ " ( سورة المؤمنون ، الآیة 12)

"فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِینٍ لازِبٍ " ( سورة الصافات ، الآیة11)

ومن هنا یُمْکِنُ أَنْ یُرى بأنّ الإنسان لَمْ یُخْلَق مِنْ أصل قردِ أَو من أی نوعِ آخرِ، کما یحاول المسلمون التطوریون أن یحملونا على الاعتقاد ، بل خلقه الله من طین , وهی مادة لا  حیاة فیها.

فلقد أحال الله بشکل أعجوبی تلک المادة الغیر حیة إلى کائن بشری ونفخ فیه من روحه.
فلیست هناک "عملیة تطوّریة طبیعیة" تعمل هنا، بل هی قدرة الله على الخَلْق الأعجوبیِ المباشرِ.
وفی حقیقة الأمر ، فإن کلمات الله المذکورة أدناه تبین أن الإنسان قد خُلِقَ مباشرة بقدرةِ اللهِ:

"قَالَ یَا إِبْلِیسُ مَا مَنَعَکَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أَسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنتَ مِنَ الْعَالِینَ " ( سورة ص ، الآیة 75)

وباختصار فإن القرآن لا یَحتوی علی أی تفسیرِ " لخَلْقِ تطوّریِ " للإنسان أولغیره من الکائنات الحیة.
بل على العکس، فالقرآن یُصرّحُ بأنّ اللهِ قد خَلقَ کل هذه المخلوقات بشکل إعجوبی مِنْ مثل هذه الموادِ الغیر عاقلةِ کالماء والطین.
على الرغم مِنْ هذا، فإن التاریخَ الإسلامِی یکشف عن أن بَعْض المسلمین قد تُأثّروا بالفلسفةِ الإغریقیة القدِیمَةِ ، وکذلک ببعض العناصر المادّیة والتطوّریة الدخیلة ، وبعد ذلک حاولَ هؤلاء أَنْ یُوفقوا ما بین تلک الفلسفةِ وما بین القرآنِ.

ولقد رَدَّ العالم والمفکر الإسلامی الجلیل الإمامِ الغزالی على هذه التیاراتِ والتی بدأت فی الظَهور فی عصره ، من خلال کتابه
( تهافت الفلاسفة ِ) ومن خلال غیره من الأعمال الأخرى.

على أیة حال ، فبانتشارِ نظریةِ التطورِ أثناء القرنینِ التاسع عشر والعشرینِ ، بَدأتْ افتراضات "الخَلْق بالتطورِ" فی الظُهُور ثانیة فی العالمِ الإسلامیِ.

ویعمل الفصلُ القادمُ على تناول الأخطاء التی ارتکبها أولئک المسلمون الذین یُدافعونَ عن مثل هذه الافتراضات ، وکذلک تُحلّیل تعلیقاتَهم على الآیات القرآنیة التی یَستعملونَها لتَبریر موقفِهم.

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد