الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

وسائل مکافحة أدیان الکفر

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)

(سورة الأنبیاء: 18)



وسائل مکافحة أدیان الکفر

 

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَیْهَا مَلاَئِکَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لاَ یَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ" (التحریم: 66)
عن أنس بن مالک رضی الله عنه عن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: "انصر أخاک ظالماً او مظلوماً" فقال رجل: یا رسول الله أنصره إذا کان مظلوما أرأیت إن کان ظالما کیف أنصره؟ قال: "تحجزه – أو تمنعه – من الظلم فإن ذلک نصره" .
         تتعلق الموضوعات التّالیة بهذا الواجب المهمّ والطریقة التی یجب أن تتبع فی ضوء الآیات القرآنیة.
القضاء على أصنام الکفر
"قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا یَا إِبْرَاهِیمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن کَانُوا یَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّکُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُکِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء یَنطِقُونَ" (الأنبیاء: 62- 65)
اعترف قوم إبراهیم أنهم مُدرکون لهذه الحقیقة (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤلاءِ یَنْطِقُونَ)، فهم یعرفون جیداً بأن هذه الأصنام غیر قادرة على فعل شیء وأنها لا تستطیع خلق هذا النظام الکامل الذی یتمیز به الکون کله. ولکنهم ظلوا عندما اتخذوا تلک الأصنام آلهة یعبدونها من دون الله تعالى التزاما بمعتقدات أجدادهم الأقدمین.
"لیست المناهج والمؤسسات العلمیة هی التی ترغمنا فی بعض الأحیان لقبول التفسیر المادی للعالم، بل على العکس من ذلک فنحن مضطرون، وفقاً لالتزامنا بالنظرة المادیة إلى العالم لخلق أدوات للبحث ومجموعة من المفاهیم التی تعمل على تقدیم التفسیرات المادیة، بغض النظر عن مدى مطابقتها للحقیقة، وبغض النظر عن التشویش الذی یمکن أن تحدثه فی الأذهان. فالمادیة تمثل شیئا مطلقا، ولا یمکن أن نسمح بالتفسیرات الإلهیة للعالم".
"إذا کان الأمر کذلک، فهی ستکون خطاً موازیاً لنظریة التطور فی حد ذاتها، وهی نظریة مقبولة بصورة آلیة، لیس لأنه بالإمکان إثبات صحتها بالدلائل المنطقیة والعلمیة، وإنما لأنّ البدیل الوحید وهو الخلق یجب أن یبقى مستبعدا".
وتوضح العالمة البریطانیة المعروفة "شندرا ویکراماسینغا" کیف یُشترط على الشخص الشّرک بالله تعالى:
"تعرضت لغسیل مخ حاد منذ بدایة تدریبی کعالمة للاعتقاد بأن العلم لا یمکن أن یکون متوافقا مع أیّ نوع من أنواع الخلق، ولقد نسفت هذا التّصور بکل ألم. و فی هذه اللحظة، لا أستطیع أن أجد أیّ جدل عقلی یعارض الرّأی الذی ینادی بالاعتراف بالله. فنحن تعودنا على أن نتعامل بعقول مفتوحة، والآن نحن ندرک أن الخلق هو الجواب المنطقی الوحید للحیاة، ولیس التخبط العشوائی المبنی على المصادفة، والذی لا یحتوی على أیّ إتقان".
تبین الأمثلة المذکورة سابقا بوضوح أنه یتعین على علماء نظریة التطور الالتزام من حیث الاعتقاد بنظریة التطور التی أساسها "النظرة المادیة" وذلک من أجل رفض فکرة الوجود الإلهیّ، رغم إدراکهم ببطلان هذه النظریة. وهؤلاء الأفراد هم الذین یقودون العالم الیوم.
"قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ یَنفَعُکُمْ شَیْئاً وَلاَ یَضُرُّکُمْ أُفٍّ لَّکُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" (الأنبیاء: 66- 67)

  1. الوعی بالأفکار التی تدعو لها الحرکات الإلحادیة

من الضّروری على کل شخص أن یعرف حقیقة الحرکات اللاإیمانیة وحقیقة منهجیاتها ومفاهیمها التی تهدف إلى القضاء على القیم الأخلاقیة، وهذا یمکِّن الإنسان من إظهار المنطق الخاطئ والأساس العقلی المنحرف الذی یتناقض مع العلم والعقل. ویمکن بسهولة کشف الأساس الواهن الذی ترتکز علیه تلک المنهجیات مع خروجها عن التناسق المنطقی فکراً وعملاً، کما یمکن لذوی الوعی والإدراک الذین لدیهم معرفة عمیقة  بشأن المنهجیات الإلحادلة توقّع الأضرار المحتملة التی یمکن أن تحلّ بالأمم، وبذلک یتسنى لهم اتخاذ الإجراءات الوقائیة اللازمة.

 

  1. إثبات عدم صحة نظرتی التطوّر والمادیة بالأدلة العلمیة

فی بدایة هذا الکتاب تمّت الإشارة إلى أن المادیة هی من أشدّ المناهج خطورة على العقائد، وما جعلها أکثر تمیزاً وأکثر فاعلیة عن المناهج الباطلة الأخرى هو تقدیمها تحت غطاء "العلم". وبینما تعتبر الوثنیة بأنّها بدائیة، نجد أنّ نظریتی المادیة والتّطور (رغم عدم وجود فرق جوهری بینهما) قد اکتسبا هالة علمیة باطلة. وبالتالی، فإنه من الضروری کشف حقیقة أن هاتین النظریتین تتناقضان بالفعل مع العلم والمنطق.
کما إنه من الضروری بیان أنّ الحجج التی تقدمها نظریة التّطور قد تم تصمیمها من أجل خداع عقول النّاس. و لتحقیق هذا الأمر، یجب أن یتابع المرء نتائج الأبحاث العلمیة الحدیثة بدقة ویدحض، على أسس علمیة، الأدلة التی تعتمد علیها نظریة التطور فی کل جانب من جوانب العلم، وذلک بتقدیم الأدله المقنعة. والأجزاء الأخیرة من هذا الکتاب تقدم أمثلة عن هذه الأدلة.
وفی الواقع، هناک عدد محدود من الحجج التی یستند إلیها أصحاب نظریة التطور، وهی حجج باطلة، ویظهر ذلک منذ الوهلة الأولى. وهذه الحجج غالباً ما یتمّ شرحها بواسطة أناس یستخدمون المصطلحات العلمیة، ویتم تقدیمها إلى عامة الناس تحت ستار "العلم"، وبذلک ینخدع البعض بهذه الدلائل. بید أنّ جمیع هذه الطروحات تکون ملیئة بالعبارات غیر المفهومة والمصطلحات الغامضة التی لا تستند إلى أیة أسس علمیة. والعالم کله الیوم مقتنع بعدم منطقیة الدّاروینیة، ومن الضّروری إعلام الناس بهذه الحجج وتعلیمهم إیاها وتحذیرهم من هذا الخطر. ومن الواضح أنّ هذا العمل یتطلب جهدا کبیرا، فیجب على کل مؤمن الجهاد للمشارکة فی هذه المسئولیة العظیمة.

 

  1. إبلاغ الدین الحق المعروض فی القرآن

الدّین الحق یختلف تماماً عن المفاهیم السیئة التی روجتها بعض الدوائر عن الدّین، ولذلک فإن رسالة الدین الحق التی جاءت فی القرآن لابدّ من توصیلها إلى الناس بحماس وشرحها لهم شرحا مفصّلا. وقد ذکرنا رسولنا محمد صلى الله علیه وسلم بالنفع الذی یعود على المؤمنین من هذه المعرفة بقوله صلى الله علیه وسلم "من یرد الله به خیراً یفقهه فی الدین"
إن العلاج الوحید للتهدیدات والمخاطر المترتبة عن الإنکار والإلحاد والفوضویة والمادیة: هو الالتزام بحقائق القرآن الکریم. غیر أنّ اللعنة التی حولت دولة عظمى مثل الصین إلى الشیوعیة فی فترة وجیزة من الزّمن لن تستطیع المعاییر السیاسیة والمادیة وحدها التغلب علیها، ولا یمکن القضاء علیها سوى  بواسطة حقائق القرآن الإیمانیة.
فهؤلاء الذین یلتمسون الإیمان الراسخ ویبحثون عن السّیف الذی لا یُکسر والذی بواسطته یمکن مواجهة الإلحاد مهاجمة الکفر والفوضویة یجب الرجوع إلی " العلامه العلیا"
إن الفوضویة هی النتیجة المباشرة للنزعات اللاإیمانیة والتیارات الشیوعیة والإلحادیة، وإنّ الشیء الوحید الذی یمکن أن یقف ثابتاًً صامدا أمام هذه التیارات المخیقة هو الإسلام فی تکامله ووضوح حقائقه.

  1. شرح الدلائل التی تثبت وجود الله

وجود الله تعالى أمر لا شک فیه لمن أعمل عقله، فدلائل وجوده تعالى لا تحصى ولا تعد، وهی موجودة فی جمیع المخلوقات، وقدرته وحکمته واضحتان لا تخفى على ذی إدراک سلیم. ورغم ذلک ولسنوات عدیدة اتجه کثیر من الناس نحو مذهب إنکار الوجود الإلهی وبثّ العدید من الشکوک. لذا، ومن أجل نزع الکبر الراسخ فی عقول الناس من الضّروری بیان الدلائل العلمیة على الوجود الإلهی. وعندما یتأمل کلّ إنسان فی أدقّ عناصر ترکیبة جسمه یمکن أن یشهد الخلق المُبدع لله عز وجل. ولذا یجب بذل أکبر الجهود من أجل بیان هذه الحقائق وتوضیحها للآخرین وإثبات أن هذا التصمیم الدقیق لا یمکن أن یکون نتیجة للمصادفة، ویمکن أن یتمّ ذلک عن طریق المنشورات والوسائل المرئیة.
وهناک العدید من الأفراد الذین أصابهم ضعفٌ روحیّ شدید لدرجة أنهم فشلوا فی رؤیة أشد الحقائق وُضوحًا، ویمکن إیقاظهم من غفلتهم عن طریق الجهود الجادة. فالشخص الذی لا یصدق أنّ الخلق الکامل للکائنات التی توجد فی کل مکان هی من قبل المصادفة لا خطر علیه من الإلحاد والإنکار، وعندما یؤمن بالله سوف یتفهم أنه مسئولٌ أمامه فی کل صغیرة وکییرة وأن علیه العیش وفق ما یرضیه سبحانه وتعالى.
وفی العدید من آیات القرآن، یدعو الله الإنسان للتفکر والتأمل فی مخلوقاته التی خلقها وأن یستخلص الدروس من ذلک، یقول تعالى:
"أَفَلَمْ یَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ کَیْفَ بَنَیْنَاهَا وَزَیَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَیْنَا فِیهَا رَوَاسِیَ وَأَنبَتْنَا فِیهَا مِن کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ تَبْصِرَةً وَذِکْرَى لِکُلِّ عَبْدٍ مُّنِیبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَکاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِیدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِیدٌ رِزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْیَیْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّیْتاً کَذَلِکَ الْخُرُوجُ" (ق: 6- 11)
"وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ" (الضحى: 11)
وفقاً لهذه الآیة، یجب على المؤمنین باستمرار شرح وتفسیر النعم التی أنعم الله بها على الإنسان، وذلک عن طریق أکثر طرق الاتصال فعالیة. ولقد شجع الرسول صلى الله علیه وسلم المسلمین على حمل هذه الرسالة وتبلیغها بقوله: "إن الله وملائکته یصلون على معلمی الناس الخیر"

  1.  الأخلاق التی بینها لنا القرآن

القرآن الکریم یحثّ الإنسان على الاتصاف بجملة من الأخلاق مثل العدل وحب الخیر والعطف والرحمة بالآخرین، وأمره بأن یهتم بشئون غیره والإحسان لهم وتقدیمهم على نفسه فی قضاء مصالحهم، و أمر کذلک بضرورة الاحترام وإبداء الولاء للوطن والمحافظة الأمن والسلام وفض النزاعات بین الناس بالتی هی أحسن والإحسان إلى الفقراء والمستضعفین والتفانی فی القیام بالعمل و بذل الوسع فی سبیل کسب رضا الله عزوجل. ولیس من شک فی أن المجتمع الذی یلتزم بهذه القواعد والمبادئ ینال السعادة فی الدنیا والآخرة.
إنّ أکثر الناس لا یفهمون الدّین الحق الذی یعلمنا إیاه القرآن الکریم، ولذلک فهم فی حاجة إلى معرفة الخیر العمیم الذی یضفیه هذا الدین على للحیاة. و یجب على المؤمنین أن یعلّموا الناس أنّ العیش فی رحاب الدین الحق هو أسهل الطرق لنیل السعادة وأن أخلاق الدین هی الأکثر ملاءمة لمیول الإنسان الطبیعیة. فالقرآن الکریم یقدّم حلولاً لجمیع مشاکل العالم، فالله عزوجل یوضح لنا سبب نزول القرآن الکریم:
"وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَاناً لِّکُلِّ شَیْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِینَ" (النحل: 89)

اتحاد أصحاب الوعی والإدراک
یجب على المؤمنین أن لا یکتفوا ببذل الجهود المستمرة لمکافحة الإلحاد بل علیهم أیضا أن یتحدوا لحمایة دولهم وشعوبهم من المخاطر الناتجة عنه. فکلما کثر عدد الملتزمین بخدمة هذه القضیة کان القضاء على الإلحاد أسرع، فالوحدة تجلب القوة المادیة والروحیّة لأصحاب الإیمان. وهناک العدید من الآیات التی یأمر فیها الله تعالى المؤمنین بالاتحاد ونبذ الشقاق:
"وَأَطِیعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ" (الأنفال: 46)
وفی آیة أخرى یحذر الله تعالى المؤمنین بأن النزاع بینهم سبب لوقوع الفتن والضعف فی صفوفهم:
"وَالَّذینَ کَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَکُن فِتْنَةٌ فِی الأَرْضِ وَفَسَادٌ کَبِیرٌ" (الأنفال: 73)
وکما هو مذکور فی هذه الآیة، سوف یُحاسب المُسلمون الذین ینشغلون فی النزاعات والخصامات، وبالتالی یعوقون الآخرین عن القیام بالأعمال الحسنة. فصراعهم لا ینصبّ ضدّ الظالمین والمستکبرین الذین ینکرون دین الله والذین یسعون إلى تحطیم المجتمعات ودمارها. ولقد نبه الرسول صلى الله علیه وسلم إلى أهمیة الوحدة فی کثیر من الأحادیث من ذلک قوله:
عن أبی موسى الأشعاری رضی الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: "المؤمن للمؤمن کالبنیان یشد بعضه بعضا" وشبک بین أصابعه.
على المؤمنین أن یدعموا بعضهم البعض ویحثوا بعضهم البعض من أجل تقدیم الخدمات المفیدة للمجتمع. ومثلما بین بدیع الزمان سعید النورسی یجب على المؤمنین التضامن بواسطة المشاعر الأخویة:
"أیها المؤمنون، إذا لم تکن لدیکم الرغبة فی دخول ظلمات العبودیة المذلة فاستعیدوا مشاعرکم المُتوقدة واتخذوا من قول الله عز وجلّ حصناً لکم فی قوله تعالى: "إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (الحجرات: 10) من أجل الدّفاع عن أنفسکم أمام هؤلاء المعتدین الذین یستغلون فرقتکم،  وإلا لن تستطیعوا حمایة حیاتکم ولا الدفاع عن حقوقکم. من الواضح أنه إذا تصارع بطلان فکلاهما یصبح ضعیفًا لأن قواهما سوف تُنهک. ولو وُضع جبلان على میزان، ثم أضیفت حجرة صغیرة لأحد الکفین فلا بد أن یرجح على الکفة الأخرى. إذن، أیّها المؤمنون، یمکن أن تضعف قواکم ضعفا شدیدا نتیجة التخاذل الذی یعتری عزائمکم، وبالتالی تکون هزیمتکم بواسطة أضعف القوى. فإذا کان لدیک اهتمام بالتکافل الإجتماعی، فاجعل مبدءک فی الحیاة هو ذلک المبدأ السامی الذی یقول: "المؤمن للمؤمن کالبنیان یشد بعضه بعضا". وحینئذٍ، سوف تنجو من الذل فی هذه الدنیا ومن الشقاء فی الآخرة".

الوسیلة التی نصح بها بدیع الزمان لمقاومة الإلحاد
کان بدیع الزمان سعید النورسی یخبر المؤمنین فی العدید من کتاباته عن الطرق التی یتعین اتباعها عند مقاومة الإلحاد ةالإنکار، وفی هذا المجال یقول  رحمه الله تعالى:
"إن عدوّنا هو الجهل وفرض المفاهیم الخاطئة والشقاق. وسوف نتصدى لهؤلاء الأعداء بالجدّ والعمل والتعاون".
فالعدو الأوّل هو الجهل، ومن الضّروری التأکد أنّ الناس أصبحوا مدرکین لحقیقة التهدیدات التی تحیط بِهم، ففی المجتمع الإسلامی نجد أنّ أغلب النّاس متدیّنون، فهم یؤمنون بالله تعالى وبدینه. غیر أنّ العدید من المسلمین غیر مدرکین للتهدیدات التی تتربّص بالدّین وبالقیم الرّوحیة. فعلى سبیل المثال، کثیر من الناس یجهلون نظریة التّطور وأهدافها لدرجة أن بعضهم یمکن أن یقول: "أنا متدیّن، وفی الوقت نفسه أعتقد فی نظریة التطور". وهناک من لدیه إیمان مخلوط بالخرافات والمعتقدات الباطلة مثل تناسخ الأروح وانتقالها من جسد إلى آخر. فیجب القضاء على هذه المعتقدات الباطلة ونشر المعرفة والوعی فی أسرع وقت.
أما العدو الثانی الذی شخّصه بدیع الزمان فهو فرض المفاهیم الخاطئة؛ بمعنى ترویج الأفکار الغریبة وأسالیب الحیاة المغلوطة التی لا علاقة لها بالدین على الناس واعتبارها خیارا لا بدیل عنه. فعلى سبیل المثال، یتم فرضُ نظریّة التّطور من خلال وسائل الإعلام والکتب المدرسیة ومن خلال المدارس، وتُعرض باعتبارها حقائق ثابتة. ویبیّن بدیع الزمان أنّ نظریة التطور قد أنشئت على أساس افتراض شروط خطیرة، ویتم الترویج لها بواسطة عبارة مفادها أن "نظریة التطور هی العلم". و قد تم بالفعل تلقین هذا المذهب بصورة کبیرة وأصبح إنکار نظریة التطور إنکارًا للعلم نفسه. و فی مواجهة هذه المزاعم والتلفیقات من قبل أنصار نظریة التطوّر ودوائر المادیین من الضّروری إفهام الناس عدم صحة هذا المنهج الخطیر. ویمکن تحقیق ذلک عن طریق نشر الکتب والإصدارات المختلفة، وعن طریق وسائل الإعلام المختلفة.
وآخر عدو ذکره النورسی هو الشقاق، وهو یمثل تهدیداً خطیرًا فی عصرنا الحاضر، والأمر لیس هینا عندما تنشأ الخلافات بین المسلمین فی العدید من القضایا. فعندما یفشل الناس فی الوصول إلى حلول لتلک المشاکل تتحوّل تدریجیاً لتصبح سببا فی نزاعات مستفحلة. فیجب بیان الحقیقة فی ضوء الدلائل العلمیة للوقوف ضد هذه المخاطر، کما یجب شرح الحقائق المتعلقة بأصل الحیاة بصورة واضحة. ویمکن أن یقود ذلک العدید من أتباع التیارات المادیة ودعاة نظریة التطور إلى تغییر وجهتهم فی الحیاة والاهتداء إلى الحقیقة وبالتالی سلوک الصّراط المستقیم.
وفی الوقت الذی یوصی فیه بدیع الزمان باتباع تلک التدابیر إزاء هذه التهدیدات، یؤکد أیضاً على بعض العوامل المساهمة فی النجاح. وأوّل هذه العوامل هو الإبدع، والذی یلعب دوراً مهما فی مکافحة الإلحاد. وفی هذا السیاق فإن کلمة "إبداع" لها مدلولات کثیرة، فإنّ القدرة على کشف خلق الله البدیع هو من أهمّ الواجبات التی یتعین القیام بها. إذن، فالوضوح وبساطة الأسلوب وکذلک استخدام الصّور فی المنشورات المختلفة أمر ضروری لبیان الحس الرفیع لدى المؤمنین.
إن اعتماد الحکمة فی التفسیرات الشفاهیة هی مظهر من مظاهر الإبداع فی تبلیغ الحقیقة. فالاستخدام الفعال للغة أمر مهمّ للتأثیر فی المتقبّل، وهذا على نقیض ما نجده لدى أنصار نظریة التطور، فهم یقومون بتوظیف المصطلحات شدیدة التعقید والغموض عند شرح ما یسمونه بنظریة التطور "العلمیة". فالبساطة فی استعمال اللغة عامل یساعد الناس على فهم القضایا المتعلقة بالإیمان وتقبل الحقائق بسهولة. فالبساطة التی ذکرها بدیع الزّمان صفة امتدحها الله تعالى واعتبرها صفة من صفات عباده المخلصین والتی تتجلّى فیها أمانتهم وإخلاصهم. فتحدید المواضیع التی یجب شرحها للناس وفقاً لاحتیاجتهم والسّبل التی من خلالها یتم إطلاعهم علیها تمثل أمورًا مهمّة وسمات راقیة لذوی الوعی والإدراک.
وکان آخر نصیحة قدمها بدیع الزمان تتمثل فی الوحدة، فالوحدة ضروریّة من أجل توفیر الأمن الاجتماعی والاستقرار للبلاد والعباد. ومن الضرورة کذلک أن یتّحد المؤمنون ضدّ هؤلاء الذین ینکرون الوجود الإلهی ویناضلون من أجل هدم القیم الروحیة. ولا شک أن التعاون والتکافل یساعد على عدم تحقیق الأهداف التی یسعى إلیها أنصار الإلحاد والإنکار. والقول بأنه "لم یعد للداروینیة أی تأثیر" أو "هل مازالت هناک حاجة للرد على الداروینیة" أمر یحتوی على مضار کثیرة، بل إن هذه الأقوال قد تتسبب فی خلق نزاعات عن غیر قصد.
فلابد أن یستمر المخلصون من الناس الذین یتمنون الخیر لبلادهم ولإخوانهم فی الکفاح حتى یتم القضاء بشکل نهائیّ على الداروینیة إذ أنها مازالت إلى حد الآن منتشرة على نطاق واسع فی الأوساط العلمیة. ورغم أنّ أتباع نظریة التطور یقدمون حججهم بعنایة کبیرة إلا أنها لیست مقنعة بالمرّة. وعندما یتم القضاء تماماً على العداء ضدّ الدین، فحینذاک یمکن القول بأنه تم التخلص من تلک المعتقدات الخاطئةً. یأمر الله عز وجل فی القرآن الکریم المؤمنین بمواجهة الإلحاد والإنکار:
"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا یَعْمَلُونَ بَصِیرٌ" (الأنفال: 39)

الحقیقة التی تهزم أدیان الإلحاد
یوضح هذا الفصل سرًّا مهمّا فی الحیاة، ولذا یجب قراءته قراءة متأنّیة، فهو موضوع یهدف إلى إحداث تغییر جوهری فی نظرة الشخص إلى العالم من حوله. إنّ موضوع هذا الفصل لا یمثل مجرّد وجهة نظر أو مجرّد نظرة فلسفیة تقلیدیة، إنّها حقیقة یجب على کلّ شخص أن یدرکها ویعترف بها، سواء کان مؤمنا أو غیر مؤمن، وهی حقیقه أثبتها وأکدها العلم الیوم.
وکما تم بیان ذلک سابقاً، فإنّ أحد الأسباب المهمّة التی جعلت المُنکرین ینظرون إلى الدّین نظرة سلبیّة هو تقیمهم القائم على المعاییر المادیة البحتة، والافتراض بأنّ الحیاة محدودة بهذا العالم، وهذا سبب تعلقهم الشدید بها، کما هو موضح فی القرآن الکریم:
"إِنْ هِیَ إِلاَّ حَیَاتُنَا الدُّنْیَا نَمُوتُ وَنَحْیَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِینَ" (المؤمنون: 37)
ونتیجة سیطرة المعاییر الدنیویة یفشل أتباع التیار الإلحادی فی أن یکون لدیهم إدراک صحیح للأشیاء من حولهم، فهم ینظرون إلى الأشیاء دون ربطها بالله عز وجلّ ولا یستطیعون فهم أن جمیع الأشیاء موجودة بإرادته وقدرته  سبحانه وتعالى. ویصف الله عزوجل النظرة الدنیویة للملحدین على النحو التالی:
"یَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ" (الروم: 7)
وهناک حقیقة أخرى مهمة یفشل المنکرون فی فهمها، وهم بسبب ذلک یرتکبون جمیع أنواع الأعمال اللاأخلاقیة من أجل تحقیق المنافع الشخصیة وتلبیة شهوات النفس ورغباتها: فهم یفترون الکذب ویستهینون بالدین وینشرون الافتراءات ضدّ المؤمنین ویحاولون إلحاق الأذى بهم ... ، وهم لا یدرکون أنّهم فی حالة من الجهل الشدید حقاً، کما سیتبین فی الصّفحات التالیة.

لا نجاة لأمة بدون دین

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)

(سورة الأنبیاء: 18)




لا نجاة لأمة بدون دین

الکثیر من الناس یعتبرون خطأً أن الدین لیس سوى عبارة عن مجموعة من الطقوس. فبعیدا عن مجرّد الطقوس یتناول الإسلام جمیع نواحی الحیاة. فالمؤمن المخلص الملتزم بدینه یجاهد لکسب رضا الله تعالى ویسعى للنجاة من الزیغ والضلال وذلک من خلال الالتزام بالعیش وفق القیم الأخلاقیة القرآنیة فی کل لحظة من لحظات حیاته. والمؤمن إذا أراد بلوغ هذه الدرجة علیه أن لا یحید أبداً عن اتباع السلوک الذی یتسم بالحق والإخلاص والعدل والاحترام والرحمة، وباختصار علیه الثبات على قیم الحق. ولذلک فالمجتمعات التی تطبق القیم الأخلاقیة للقرآن الکریم تتمتع بنعم کثیرة لا توجد عند غیرها.

فعلى سبیل المثال، لن تعانی الأسرة التی تعیش وفق القیم الأخلاقیة للقرآن من المشاکل التی تتخبط فیها مجتمعاتنا الیوم. فالأطفال فی عصرنا هذا غالباً ما یتمردون على آبائهم ویفشلون فی التفریق بین الصواب والخطأ، ویقومون بأعمال عدوانیة. و فی الوقت نفسه هناک آباء لا یرون من الضرورة تعلیم أبنائهم الخیر، وهم لا یمدّون أبنائهم بالإرشادات والتوجیهات الصحیحة. وهؤلاء الآباء لا یستطیعون العیش بصورة سویة ومستقرة مع أبنائهم فتکثر المشاجرات والنزاعات وتغیب مشاعر الحب والاحترام وینعدم التفاهم.
وعلى النقیض من ذلک، تکون الأسرة التی تعیش ملتزمة بأحکام القرآن الکریم مترابطة مستقرة، فالأطفال یطیعون آباءهم ویبرونهم ویتجنبون نهرهم أو الإساءة لهم. و منذ الصغر یتعلمون اتباع أحکام الدین فی کل صغیرة وکبیرة. کما یعمل الآباء جاهدین من أجل تربیة أبنائهم وفقاً للقیم الإیمانیة ومنحهم الإحساس بالمسئولیة تجاه الناس والوطن. وعلى هذا النحو یصبح هؤلاء الأباء هم النماذج المثالیة التی یقتدی بها أبناؤهم. وبکلمة جامعة تعیش جمیع الأسرة فی جو من الحب والاحترام والتّضامن.
الأسرة هی الوحدة الأساسیة فی بناء المجتمع، فالأسرة القویة المترابطة یقوى بها المجتمع، بینما الأسرة الضعیفة المحرومة من القیم الروحیة مثل الحب و الاحترام والتضامن والولاء تکون نقطة ضعف فی بناء الأمة. وهذا بصفة خاصة فی بعض المجتمعات التی تنشط فیها دوائر الشرّ، وتسعى إلى إقامة مجتمع خال من أی عقیدة، فتتزاید عملیة الإفساد الروحی ویظهر الانحدار الأخلاقی على جمیع المستویات. ففی مثل هذه المجتمعات تقام العلاقات أساساً على المنافع المادیة.
وعندما تطغى الاعتبارات المادیة على أهمیة القیم الرّوحیة مثل الحب والأخوة و التضامن و التضحیة والولاء یصبح تکوین أمة سلیمة أمرا صعب التحقیق، ذلک لأن هذا الخراب لا یتوقف عند حدود الأسرة بل یتعداه إلى المجتمع بأکمله. فقیم الشر هی التی تسود مناحی المجتمع ومؤسساته المختلفة فینتشر الحسد والخداع و السخریة والنمیمة بدل الحبّ والاحترام والتکافل. وبالتالی یکون من الصعب الدفاع عن حقوق المظلومین وإظهار العدل ونشر الرحمة بین الناس. وباختصار، فإن العیش فی انسجام وسلام یصبح أمرا صعب المنال لأبناء هذا المجتمع.
ولهذا فمسئولیة إلحاق الهزیمة بالتیارات اللادینیة من الناحیة الفکریة تقع على عاتق المؤمنین. فبالإضافة إلى تحطیم القیم الأسریة والعلاقات الإجتماعیة هناک تأثیرات خطیرة أخرى نتجت عن التیارات اللادینیة فی کافة المجتمعات. ولهذا یجب على کل فرد أن یظهر معارضة جادة لتیارات الکفر والإلحاد إذا کان صادق الحب لبلاده وشعبه.

 

                                                                                  
الأرهابیون هم نتاج الداروینیة
تنتشر الیوم فی جمیع أنحاء العالم عملیات الإرهاب والمذابح والإبادات الجماعیة، فیُقتل الأبریاء بوحشیة کبیرة، وتتآمر البلدان على بعضها البعض، وینتج عن ذلک إشعال الحروب المدمّرة. وهناک العدید من الأسباب التی یمکن أن تکون دافعًا لما یحدُث داخل الدول ذات التاریخ والثقافات والهیاکل الاجتماعیة المختلفة، والبحث الدقیق یبین أن هذه المجتمعات تعانی من انحدار روحی وقیمی کبیر أحدثه الاعتقاد الخاطئ داخل هذه المجتمعات.
من الأسالیب المهمة التی یعتمدها أصحاب نظریة التطور تدریب أعضائهم وفقاَ للآراء الداروینیة. ومثلما مر بنا سابقا، فنظریة التطور تنکر الوجود الإلهی، ولا ترى ضرورة استشعار الشخص لأی مسئولیة أو أیّ حساب أمام الله عز وجل یوم القیامة. فالشخص الذی یتشبع بآراء الداروینیة یعتقد أنه حرّ بالکامل، وهذا ما یجعله ینحرف تماماً نحو أشکال مختلفة من سوء الأخلاق والقسوة وانعدام الضمیر.
کما تساهم نظریة التطور فی دعم الفوضى وإنعدام النظام، وتقدم الإنسان على أنه لیس سوى عبارة عن سلالة مقدمة من سلالات الحیوان، وبالتالی فإن الذین یعتقدون فی الداروینیة یرون أن فکرة قتل الإنسان مسألة بسیطة بساطة قتل أی حیوان آخر.
ولکن عندما یقتنع الناس بالشواهد الدالة على قدرة الله تعالى من القرآن الکریم وهیمنته على کل شیء سوف یکون من المستحیل عندئذٍ أن یخضعوا لتلک المناهج التی تنشر الشر والعداء فی العالم وتزرع الحروب والفوضى و الکراهیة. فالإنسان الذی یؤمن بالله ویعلم أنه سوف یحاسب یوماً ما على أعماله أمام الله عزوجل لا یمکن أن یلحق الضرر بشعبه وبلده. والإنسان الذی یخاف الله تعالى إلى حد الاعتناء بدقائق الأمور یتجنب کل عمل یغضبه سبحانه، کما یتجنّب کل فعل یمکن أن یقوده إلى العذاب فی الآخرة. أما الإنسان الذی لا یؤمن بالله ولا بالیوم الآخر ویرى أنه غیر مسئول أمام أحد فیمکن أن یفعل الشر دون تردّد. یقول بدیع الزمان سعید النورسی واصفا أثر الأیدولوجیات والأفکار الإلحادیة، وخاصة منها الشیوعیة:
"نعم، إن الإشتراکیة قد ظهرت عقب الثورة الفرنسیة، وهی من ثمار اللیبرالیة. ثم بعد أن قامت الإشتراکیة بالقضاء على بعض الأمور المقدسة بعینها، تحولت الأفکار التی رسختها إلى البلشفیة. وبما أن البلشفیة قد أفسدت الکثیر من القیم الإنسانیة والأخلاقیة، فبطبیعة الأمر هی التی بذرت بذور الفوضویة التی لا تعترف بأی حدود ولا تحترم أیة مقدسات. فإذا خلا القلب من الرحمة والعطف یصبح البشر عبارة عن وحوش شرسة ولا یمکن أبدا حکمهم بواسطة علم السیاسات".
یحتاج المرء دائماً إلى أن یتذکر أنّ هؤلاء الذین یحرضون على قیام الثورات ضد بلدانهم وشعوبهم لا یختلفون کثیرا عن أولئک الذین یظلون صامتین أمام حرکات الإفساد وبث الفرقة والشقاق ولا یفعلون شیئاً للمساهمة مع أوطانهم. فهدفهم الوحید هو الحصول على أکثر المکاسب نفعاً، فهم لا یتضایقون ما دامت الأحداث الحاصلة حولهم لا تؤثر على مصالحهم الخاصة. هؤلاء أناس مجردون من تلک القیم مثل الأمانة والأخوة و التضحیة والفضیلة. فسعیهم منصب من أجل تحقیق مکاسبهم وتلبیة رغباتهم الذاتیة. ویقول الله عزوجل عن هؤلاء الناس: (......................)
وکما ورد فی الآیة السابقة فإنّ الإنسان الصالح الذی یسیر وفق النهج الذی رسمه الله تعالى ویخاف ربه ویولی القیم الإیمانیة مکانة مهمة ویکون متحمساً لخدمة وطنه، فإنه بالتأکید سوف ینعم بالخیر ویسود الرخاء فی جتمعه. ولهذا السبب من الضروری أن یتعلم الناس الدین الحقّ و یعیشوا فی ظلال القرآن. ویصف الله تعالى هؤلاء الناس أصحاب الأخلاق الحمیدة: (...............)
إن القضاء الکامل على مذاهب الإنکار أمر حتمیّ من أجل إنقاذ شعوب العالم من ضنک الدنیا وعذاب الآخرة. ویتعین التأکید أنه على جمیع المؤمنین مسئولیة القضاء على الإلحاد عن طریق توصیل رسالة القرآن إلى جمیع الناس. فمن یقول مثلا "ما دمت مؤمنا لا یهمنی فی الآخرین وعلیهم إنقاذ أنفسهم"،  هذا الأسلوب لیس هو الأسلوب الأمثل الذی یتعین على المؤمن الصادق اتباعه. والآیة التالیة تحمل جمیع المؤمنین المسئولیة کاملة من أجل إنقاذ أنفسهم و أهلیهم وذویهم والناس الآخرین لأن ذلک أمر من عند الله عزوجل:
وقد یطرح بعض الناس على أنفسهم أسئلة من قبیل" تُرى هل لدیّ القدرة الکافیة حتى أقاوم الإلحاد ؟" وهذا التساؤل فیه استنقاص للنفس من جانب، وهو من جانب آخر من وساوس الشیطان التی تدفع المؤمن إلى تضییع الوقت وتعیقه عن نشر رسالة القرآن. وکما سبق شرح ذلک، فإن محاربة الإلحاد تتطلب عرض بطلان فلسفات الإنکار والإلحاد وذلک بتقدیم الدلائل العلمیة القاطعة التی تفند مزاعم أهل الإنکار. و فی مثل هذه الجهود المهمة یمکن لکل شخص أن یقدم شکلا معینا من الخدمات. والذین یکونون غیر قادرین على المشارکة بصورة فعالة یجب علیهم على الأقل دعم الأفراد الذین عاهدوا أنفسهم على القیام بهذا العمل. فعلى سبیل المثال؛ إنّ توفیر السبل الکفیلة بنشر الکتب و المقالات التی تتناول موضوع النضال ضد التیارات اللاإیمانیة و شرح الأفکار الواردة فی هذه الکتب ونشر الحقائق التی تفند هذه الاعتقادات الباطلة تُعتبر من بین الطرق لمکافحة تیارات الإلحاد والإنکار.
ویجب أن نتذکر، کما بین بدیع الزمان سعید النّورسی " أنّ قبول الجهل لا یختلف عن الجهل ذاته، وقبول الخطأ والجهل والشر هو خطأ وجهل وشر" ولذلک فهؤلاء الذین یلتزمون الصمت ولا یکافحون التیارات اللاإیمانیة رغم توفر الوسائل من أجل القیام بذلک بل ویعیقون، سواء بعلم أو بغیر علم جهود الآخرین الذین یتصدّون لتیارات الإنکار بدلاً من دعمهم، إنهم بذلک یساعدون أعداء الإیمان وییسرون تحقیق أهداف الشّر.
إن المؤمن الصادق لا یمکن أبدا أن یقف على الحیاد فی مثل هذه الأمورالخطیرة. ففی ضوء تعالیم القرآن الکریم یظل المؤمن المخلص على درجة کبیرة من الحذر والقوة والعزیمة. إن المؤمن لا یمکن أن یتحمل مشاهد الظلم التی یشاهدها کل یوم فی العالم؛ جوع وفقر وتشرد وبؤس لا حدود له وخاصة فی بلاد المسلمین. هذه الأوضاع لا بد أن تستثیر ضمیر الإنسان المؤمن وتحفزه على التحرک الفاعل. فعلى سبیل المثال هناک ملایین المسلمین الذین یعانون من الظلم فی کشمیر وترکستان الشرقیة وفلسطین، وما نقموا منهم إلا لأنهم مؤمنون موحدون.
وفی السنوات الأخیرة تعرض المسلمون فی کوسفو والبوسنة لاضطهاد شدید، وقتل مئات الآلاف من الناس بوحشیة أمام أنظار العالم، وطرد کثیرون أخرون من بیوتهم وأراضیهم. ولم یقتصر هذا الظلم على بلاد المسلمین بل کان ذلک فی أجزاء أخرى مختلفة من العالم، فهناک مجتمعات تعانی أیضا من ظلم التیارات الإلحادیة. ففی روسیا نشأت أجیال من الملحدین عبر السنین، وسرعان ما انتشر الکفر والإلحاد. فصاحب الضمیر الحی لا یمکن أن یتغافل عن الحقائق المفزعة التی یراها من حوله، بل علیه أن یکون مستعدّا من أجل الدفاع عن حقائق الدین والإیمان والوقوف فی وجه تیارات الإلحاد والإنکار.
إن الطریقة الأکثر فاعلیة للقضاء على الإلحاد، بدون شک، هی الطریقة التی اتبعها نبی الله إبراهیم علیه السلام حیث کان الناس یعبدون الأصنام. کان الناس فی عهده یصنعون أصناما بأیدیهم ویعبدونها ویلتمسون العون منها، وقد مارست العدید من المجتمعات هذه الأعمال عبر التاریخ. ولقد ذکر نبی الله إبراهیم علیه السلام الناس بأن هذه الآلهة التی یسجدون لها لا تغنی عنهم شیئا، بل هی لا تستطیع أن تمنع عن نفسها الأذى إذا حل بها. وملاحدة عصرنا أیضا یتخذون الذرات غیر الحیة والطبیعة الجامدة فاقدة الإدراک والوعی آلهة لهم یعبدونها من دون الله، فهم یعتقدون أن تلک الذرات تلتقی مع بعضها البعض وتقوم بتنظیم نفسها بنفسها فی نظام تام محکم غایة الإحکام.
إنّ الطریقة التی اتبعها إبراهیم علیه السلام لإنقاذ قومه وتخلیصهم من معتقداتهم الباطلة وتنبیههم من غفلتهم قد قصها علینا القرآن الکریم فی أسلوب بدیع: "إِذْ قَالَ لِأَبِیهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِیلُ الَّتِی أَنتُمْ لَهَا عَاکِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِینَ قَالَ لَقَدْ کُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُکُمْ فِی ضَلاَلٍ مُّبِینٍ" (الأنبیاء: 52- 54)
وعندما رأى إبراهیم علیه السلام أن أباه وقومه کانوا یجهلون الحقیقة قام بوضع خطة للقضاء على آلهتهم کما هو مبین فی الآیة السابقة. فعندما کان الناس بعیدین حطم إبراهیم علیه السلام الأصنام التی یعبدونها وشرح لهم الحقیقة بأن تلک التماثیل التی لا حیاة فیها غیر قادرة على فعل أیّ شیء على الإطلاق و لا طاقة لها على خلق شیء.
وبعدما رجع الناس، سألوا إبراهیم علیه السلام، وکانت إجابته فی غایة الأهمیة وقد کشفت التناقض الموجود فی مواقفهم: "وَتَاللَّهِ لَأَکِیدَنَّ أَصْنَامَکُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِینَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا کَبِیراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَیْهِ یَرْجِعُونَ" (الأنبیاء: 57- 58)
ویملک أنصار نظریّة التطور وأنصار النظریة المادیة فی یومنا هذا عقلیة مشابهة تماما لتلک العقلیات القدیمة. فعندما نتأمل فی ذلک بعقل متفتح، نجد أن جمیع أتباع نظریة التطور متفقون على أن الحیاة أکثر تعقیداً من القول بأنها وجدت بطریقة المصادفة. کما یتفق هؤلاء العلماء على حقیقة أن الحیاة لا بد وأن یکون لها بدایة، بمعنى أنها لم توجد منذ الأزل. ولکن رغم هذه الحقائق، فهم یحتفظون بموقفهم المعاند للحق، مثل عبدة الأوثان فی عهد نبی الله إبراهیم علیه السلام، وعدم ترکههم لآلهتهم رغم کونها آلهة باطلة. ولفهم هذه المسألة یکفی الإشارة إلى بعض اعترافات أتباع نظریة التّطور. ریتشارد لونتین، وهو اختصاصی فی علم النسل الوراثی من جامعة هارفارد، وأحد أنصار نظریتی التطور والمادیة یشرح لنا موقفه وموقف آخرین معه من أنصار المذهب المادی کما یلی: (.........)
مثلما یوضح د. م. س. واتسون العالم فی علم الحیوان والبریطانی الجنسیة وأحد أنصار نظریة التطور لماذا لایزال أتباع نظریة التطور یدافعون عن تلک النظریة رغم فقدانها الدلائل العلمیة التى تدعمها: (.........)
وتکون الإجابة على هؤلاء هی نفسها الإجابة التی رد بها نبی الله إبراهیم علیه السلام على قومه والتی وصفها لنا القرآن الکریم، فقد کان رده علیهم مفاجئا لعقولهم ودافعا لهم من أجل التأمل والتفکیر: قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا یَا إِبْرَاهِیمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن کَانُوا یَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّکُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُکِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء یَنطِقُونَ" (الأنبیاء: 62- 65)

فإبراهیم علیه السلام حطم أصنام الوثنیین وقضى على أساس الکفر بإظهار غبائهم، والمؤمنون فی عصرنا کذلک علیهم أن یعملوا على کسر أصنام العصر وإبطال مفعول الإلحاد، وسوف یتم بیان الطرق التی بواسطتها تحارب تیارات الإنکار.
تفرض الدوائر المادیة أفکارها على المجتمع، وفی الوقت نفسه تفترض موقفاً معادیا للدّین. ولإضعاف الثقه به تقوم ببث المفاهیم المشوهة فیما یتعلق بالإسلام، وهی مفاهیم بعیدة کل البعد عن التعالیم الحقیقیة للدین، فقد أدخلوا فیها الشرک  والخرافات.
إن القرآن الکریم هو وحی الله تعالى لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه، وهو لا یحتوی على أیّ تناقضات أو أخطاء، وهی حقیقة لابد من تبلیغها للناس بوضوح وبواسطة الدلائل القاطعة. ومن الضروری أیضاً أن یعرف الناس الحقائق المتعلقة بالوحی. وقد أکد النورسی أن أفضل الطرق فی مجابهة الفلسفات المادیة والرد على المذهب الطبیعی هو شرح حقائق القرآن الکریم.
ومن هنا یصبح من الضروری إطلاع الناس على حقائق الداروینیة وتوعیتهم بمخاطر هذا الفکر، وبمخاطر الذین یعتقدون أنّ الدّاروینیة تمثل حقیقة علمیّة، والذین ینکرون القیم الدینیة ولا یعترفون بالله تعالى. فهؤلاء یمکن أن یقبلوا المعتقدات الدّاروینیة التی تصنع أشخاصًا من السّهل علیهم قتل الأبریاء أو الثورة ضدّ بلادهم رغم أنهم کانوا مواطنین مسالمین. فتوقیرهم لقادة أمثال لینین وستالین وماو تسی تونغ، وهم قادة اشتهروا بارتکاب المذابح الدّامیة، واحترامهم لنظریة دارون التی ترى أنّ أصل الإنسان حیوان یمثل انحرافا عن الاعتقاد الصحیح واتخاذا لآلهة أخرى من دون الله، یقول تعالى:
"وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِی الأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیِهَا وَیُهْلِکَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ یُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ" (البقرة: 205- 206)

"وَالَّذِینَ یَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِیثَاقِهِ وَیَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن یُوصَلَ وَیُفْسِدُونَ فِی الأَرْضِ أُوْلَئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (الرعد: 25)

"وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَیْنِ أَحَدُهُمَا أَبْکَمُ لاَ یَقْدِرُ عَلَىَ شَیْءٍ وَهُوَ کَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَیْنَمَا یُوَجِّههُّ لاَ یَأْتِ بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَمَن یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیمٍ" (النحل: 76)

"الَّذِینَ إِن مَّکَّنَّاهُمْ فِی الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّکَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنکَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" (الحج: 41)

قادة الکفر الذین یدعون الناس إلى النّار

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)

(سورة الأنبیاء: 18)



قادة الکفر الذین یدعون الناس إلى النّار

یذکر الله عزَّ وجل فی القرآن الکریم أنه کان هناک قادة أشرار طغاة یُغرون الناس لإبعادهم عن طریق الله ویأمرونهم برفض دینه. ولقد عرّفهم الله فی إحدى آیاته بأنهم "أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَى النَّارِ" (القصص: 41). ولقد مثلت شخصیة فرعون هذا النوع من القادة وتم بیان ذلک فی قصة موسى علیه السلام. کما أن هناک أشکالا مشابهة لهؤلاء ظهرت عبر التاریخ. وجاء هؤلاء القادة مستخدمین نفس الوسائل من الظلم ضدّ شعوبهم لإبعادهم عن الدین الحق ودفعهم للتفریط فی الدار الآخرة.
ففی عصرنا الحالی هناک قادة لا یختلفون کثیرا عن فرعون فی ظلمهم مثل أدولف هتلر الذی عرف بقسوته وارتکابه لمذابح دمویة فی جمیع أنحاء أوروبا، وفلادیمیر لینین و جوزیف ستلالین و ماو تسی تونغ وأتباعهم أمثال کارل مارکس و فریدیریک أنجلز. کما أن شارلز داروین  قد غذى الآراء الشریرة لهؤلاء القادة وأید اتجاهات الکفر بنظریته المسماة بـ"نظریة التطور".  
وکما جاء فی القرآن الکریم فإن رسل الله والمؤمنین الصالحین هم الذین یواجهون القادة الأشرار وینبهون المجتمع من مکائدهم. ولأجل ذلک یقدم لنا القرآن الکریم أشکالا من الحوارات التی کان هؤلاء الرسل یجرونها مع العتاة من المنکرین والجاحدین لأن کسبهم واستمالتهم هو کسب للشعوب التی تقع تحت سلطتهم. ففی البدایة یکلم الرسل قادة الشعوب ویعملون على إیصال الحق إلیهم. ویخبرنا القرآن الکریم أن موسى علیه السلام بعث أولاً إلى فرعون:
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآیَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِینٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ" (هود: 96-97)
"ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآیَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ" (الأعراف: 103)
وفی عصرنا الحاضر تعتبر الشیوعیة والفوضویة من أهم الاتجاهات التی تتبنى الإنکار وتدافع عن المذهب اللادینی، فهما یرتکزان على المادیة ونظریة التّطور. ومؤسسا هذین المذهبین یعتبران من أبرز زعماء الاتجاه اللادینی فی عصرنا، بید أن رحیلهما عن العالم لم یقلل من تأثیرهما، بل مازال هذا التأثیر مستمرّا ویلقى دعما قویا من قبل العدید من الدوائر فی العالم. وعندما یکون الصّراع ضدّ أدیان الکفر فمن الضروری توضیح الوجه الحقیقی لهؤلاء القادة وفضح الأهداف التی یریدون تحقیقها. ومن أجل الوصول إلى فهم سلیم لهذه الأهداف من المفید لنا النظر فی مناهج وأسالیب هؤلاء القادة الذین "یدعون الناس إلى النّار".

  1. أعداء الدین الذین یصدون الناس عن الإیمان بواسطة الظلم

کان الدافع الرئیسی لقادة أمثال لینین وستالین وستروتسکی وماو تسی تونغ الذین تبنوا المادیة وطبقوها على أنظمتهم السیاسیة هو القضاء على الدین. ویوضح کارل مارکس کبیر الشیوعیین کیف یرى الدین من وجهة النظر الشیوعیة المادیة:
"یعتبر الدین مخدرا للشّعوب، فالسعادة الزائفة هی الغایة الحقیقیة لهذه الشعوب".
و فی مقال له بعنوان "موقف حزب العمال إزاء الدّین" یقول لینین فی هذا الموضوع:
"إنّ المارکسیة تماما مثل المادیة، فهی کذلک معادیة للدین دون هوادة، تماما مثل ما کان الأمر مع مادیة موسوعیة القرن الثامن عشر أو مادیة فیورباخ. غیر أنّ الجدلیة المادیة فی نظریة مارکس وإنجلز ذات عمق أبعد من مؤلفی الموسوعیة ومادیة فیورباخ، فقد قامت بتطبیق الفلسفة المادیة فی مجالی التاریخ والعلوم الإجتماعیة. کانت المادیة تقوم على أساس مهم یتمثل فی مکافحة الدّین. غیر أن المارکسیة لم تقف عند حدود مادیتها بل ذهبت إلى أبعد من ذلک، فهی تدعو إلى ضرورة معرفة الطرق والأسالیب التی یمکن بواسطتها مکافحة الدین، ومن أجل تحقیق ذلک لا بدّ من شرح مصدر الإیمان والدّین للشعوب بطریقة مادیة.
ونجد أنّ العداء إزاء الدین، والذی یتوضح من خلال العبارات السابقة قد کان لمارکس دور فاعل فیه حتى أصبح هوالمنهج الشائع فی جمیع الأنظمة الشیوعیة. ورغم أن مارکس لم یعش طویلاَ حتى یدرک طموحه فإن لینین قد ورث عنه میراثه الشریر وأقام نظاما أساسه إنکار الدین، ثم جاء بعده ستالین وطبق هذا النظام بقسوة لا حدود لها.

خلال السنوات التی شهدت قیام ثورات شیوعیة فی روسیا والصین وغیرهما، تم إغلاق المساجد وبیوت العبادة، وکان یتم القضاء بکل قسوة وبشاعة على کل من یعارض هذه الثورات. فلقد قام جوزیف ستالین بارتکاب أکبر المذابح فی تاریخ العالم دمویة، حیث أمر بإعدام أکثر من 20 ملیون شخص. وکذلک الأمر مع "بول بوت" الشیوعی الدکتاتوری فی کامبودیا، فقد کان مسئولاَ عن ذبح نحو ثلاثة ملایین شخص  من بین السکان البالغ عددهم تسعة ملایین نسمة. ومن أشهر هؤلاء کذلک أنور خوجه الزعیم الألبانی الشیوعی الذی أمر بإنزال أقسى العقوبات على کل من یعتنق أی اعتقاد دینی أو یمارس أی نوع من أنواع العبادة، وصرح بالقول أنه "أول من أنشأ أول دولة ملحدة فی العالم".

فهؤلاء هم "فراعنة القرن العشرین" عدیمو الرحمة وفاقدو أی عاطفة أو حبّ، مارسوا العداء الشدید ضد الدین وعذبوا الذین آمنوا من الناس تماما مثلما فعل فرعون من قبل فی قومه. ولقد حدثنا القرآن الکریم عن ظلمه فقال:
"فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّیَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن یَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍِ فِی الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِینَ" )یونس: 83 (

"قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَأَرْجُلَکُم مِّنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّکُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَیُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى" )طه: (71

" قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَأَرْجُلَکُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّکُمْ أَجْمَعِینَ" )الشورى: (49
  

  1. أنصار الإلحاد یتبعون دین آبائهم

 یبدو الأمر غیر مفهوم حینما یتبع العدید من الناس طغاة یرتکبون المذابح دون رحمة ضد آلاف الناس من النساء والأطفال، بید أن ذلک لا ینطبق فقط على عصرنا. فلقد تحدث القرآن الکریم عن مجتمعات رفضت التخلی عن معتقداتها المنحرفة التی یقولون إنّها "دین أسلافهم". ففی کل مرة یعرض الإیمان بدین الله على الکفار تکون إجابتهم للرسل قائلین إنهم لا یستطیعون التخلی عن عاداتهم السابقة حیث إنها أدیان أجدادهم وآبائهم، یقول تعالى:
"وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَیْنَا عَلَیْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ کَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ یَعْقِلُونَ شَیْئاً وَلاَ یَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُواْ کَمَثَلِ الَّذِی یَنْعِقُ بِمَا لاَ یَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُکْمٌ عُمْیٌ فَهُمْ لاَ یَعْقِلُونَ" البقرة: (171- 170)

ولقد وصفت الآیات المذکورة بوضوح وضع غیر المؤمنین الذین یرفضون أی نوع من أنواع الإیمان الدینی وأی شکل من أشکال القیم الأخلاقیة. فما یفعلونه هو فی الواقع محاربة للدین. وقد عزم أعداء الدین هؤلاء فی وقتنا الحاضر على عدم ترک "دین" أجدادهم داروین و لینین و ستالین وماو تسی تونغ الذین آمنوا بهم واتبعوا ما جاؤوا به. فأجدادهم یؤمنون بأن الحیاة وجدت من مادة غیر حیة، وأن الکائنات الحیة نشأ بعضها من بعض نتیجة التزاوج، وأنه لا یوجد خالق خلق کل شیء من العدم. وأصحاب هذا الفکر لا یملکون سوى بعض المعتقدات الخرافیة؛ مثل أن المصادفة والطبیعة هما الخالق، فهاتان القوتان (رغم انعدام الإدراک والحکمة لدیهما) بإمکانهما خلق کائنات ذکیة، والمادة هی الشیء الوحید المطلق والخالد.
والیوم، لازال هناک الکثیرون الذین یؤمنون "بدین أسلافهم"، ویعتقدون اعتقادا أعمى فی هذه الخرافات التی أثبت العلم خطئها مرة بعد أخرى. والغریب أنهم مصرون على الدفاع عنها فی المجلات والجرائد والمؤتمرات دون فهم للمعنى الحقیقی لادعاءاتهم، والسبب فی ذلک أنهم ورثوها  عن أجدادهم. ولقد وضح الله سبحانه وتعالى أن الإنکار أیضا تتوارثه الأجیال جیلا بعد جیل:
"کَذَلِکَ مَا أَتَى الَّذِینَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ" الذاریات: (53- 52)

ولن یهجر هؤلاء الناس أدیانهم الباطلة حتى ولو عرضت علیهم قناطیر من الکتب التی تفند بالدلائل العلمیة والتفسیرات المقنعة ما یوجد فی عقولهم من خرافات. ونتیجة ارتباطهم الأعمى بدین أجدادهم تجدهم فقدوا القدرة على التفکیر والعقل والحکمة وفشلوا فی رؤیة الحقائق الواضحة التی یمکن أن یفهمها حتى الأطفال الصغار. ولقد وصف لنا القرآن الکریم فقدآن الإنسان قدرته على الإدراک والفهم على النحو التالی:
"وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ یَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْیُنٌ لاَّ یُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ یَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِکَ کَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِکَ هُمُ الْغَافِلُونَ" (الأعراف: 179)

 

توضیح للباطل الذی کان علیه أجدادهم

ولکی نحرر المادیین وأنصار نظریة التطور من أفکارهم المعاندة للحق وکسر ارتباطهم "بدین أجدادهم " ومناقشة تأثیر هذه الأفکار الخاطئة على الشعوب، یجب کشف حقیقة هویة زعمائهم وحقیقة أهدافهم. وأکثر الطرق فاعلیة لتحقیق هذه الغایة هو توفیر جمیع الأدلة وإثبات أن الأفکار التی دعا إلیها هؤلاء القادة لیس لها أیّ أساس علمی. کما یجب مواجهة الحقیقة التی تقول بأن هؤلاء القادة کانوا یمثلون نماذج رئیسیة، بید أنهم لم یکونوا المفکرین المثالیین أو الأبطال الذین ینبغی أن یوجدوا فی الساحة، بل إنهم هم الذین أدخلوا الفساد على أخلاق المجتمع، وکل من یملک عقلا راجحا لن یقع أبدا فریسة لهذه الأفکار المنحرفة.
فینبغی على أتباع هؤلاء القادة الضّالین الذین "یدعون الشعوب إلى النّار" عدم نسیان حقیقة مهمة وهی أنّ  لینین و ستالین و داروین و ماو تسی تونغ و أنجلز وغیرهم قد تأکدوا من هذه الحقیقة عند رؤیة ملائکة الموت، فشهدوا أن القوة لله عزَّ وجل، وأن الإنسان لم یُترک سدى، وأن جمیع المخلوقات تخضع لقدرة الله وحده، الله الذی خلقهم من عدم، وتأکدوا کذلک أن الموت لیس هو النهایة وإنما هو بدایة حساب صعب وعقاب عسیر یستمر إلى الأبد وأنهم لن یهربوا أبدًا مما کسبت أیدیهم.
قد لا تجد هذه الحقائق القبول لدى هؤلاء الذین اتبعوا قادتهم و زعماءهم، ولکن عندما تأخذ ملائکة الموت أرواحهم وتضرب ظهورهم ووجوههم سوف یدرکون حینئذ الحقیقة العظیمة بوضوح کما أدرکها من قبل فرعون والذین معه. غیر أنّ إدراکهم للحقیقة سوف یکون متأخراً، وسیکون طلبهم الرّجوع إلى الدنیا لتصحیح أخطائهم وذنوبهم دون جدوى، وحینئذٍ سوف یلومون هؤلاء الذین قادوهم إلى جهنم ویدعون الله أن یذیقهم العذاب الألیم، وسیندمون أشدّ النّدم لأنهم لم یسمعوا تحذیرات رسل الله تعالى. و یبین الله لنا فی القرآن الکریم الحساب الذی سوف یتلقاه هؤلاء فی الدار الآخرة إلا إذا تابوا واعترفوا بذنوبهم:
"وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلاَ بِالَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ یَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ یَقُولُ الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا لَوْلاَ أَنتُمْ لَکُنَّا مُؤْمِنِینَ قَالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا لِلَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاکُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءکُم بَلْ کُنتُم مُّجْرِمِینَ وَقَالَ الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا بَلْ مَکْرُ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّکْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلاَلَ فِی أَعْنَاقِ الَّذِینَ کَفَرُوا هَلْ یُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ" (سبأ: 31-33)

"هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَکُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِکُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِی النَّارِ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً کُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِیّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ إِنَّ ذَلِکَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ" (ص: 59- 64)

"وَقَیَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَیَّنُوا لَهُم مَّا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ فِی أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ کَانُوا خَاسِرِینَ وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِیهِ لَعَلَّکُمْ تَغْلِبُونَ  فَلَنُذِیقَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا عَذَاباً شَدِیداً وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِی کَانُوا یَعْمَلُونَ ذَلِکَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِیهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا کَانُوا بِآیَاتِنَا یَجْحَدُونَ وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَیْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِیَکُونَا مِنَ الْأَسْفَلِینَ" (فصلت: 25- 29)

ویبشر الله عزَّ وجل المؤمنین الذین آمنوا به وکرسوا حیاتهم لإبلاغ رسالة الإسلام وعاشوا وفق أحکام القرآن:
"إِنَّ الَّذِینَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلَائِکَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِی کُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِیَاؤُکُمْ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الْآخِرَةِ وَلَکُمْ فِیهَا مَا تَشْتَهِی أَنفُسُکُمْ وَلَکُمْ فِیهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِیمٍ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِی مِنَ الْمُسْلِمِینَ" (فصلت: 30-33).

الخاتمة
قد یقضی الإنسان فترة طویلة من حیاته أو حیاته کلها منکرًا للدین، أو ربما یسعى إلى القیام بأعمال هدفها تخریب الدین، غیر أنه إذا تأمل تأمّلا صادقا وتبع فطرته سوف یدرک مدى صحة أساسیات الدین الحق وبساطتها، وإذا تاب سوف ینال رحمة الله ومغفرته. ویجب على کل إنسان أن یعلم أن أحدا من زعماء الکفر وقادته لا یمکن أبدا أن یکون شفیعا له عند الله یوم القیامة، والله عزَّ وجل ربّ العالمین هو ولی الذین آمنوا وکفیلهم الحقیقی. ویذکر القرآن الکریم الکلمات التی یقولها الإنسان المؤمن:
"تَدْعُونَنِی لِأَکْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِکَ بِهِ مَا لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوکُمْ إِلَى الْعَزِیزِ الْغَفَّارِ لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِی إِلَیْهِ لَیْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِی الدُّنْیَا وَلاَ فِی الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِینَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ" (غافر: 42- 43)

الأدیان المزیفة التی صنعتها المادیة

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)

(سورة الأنبیاء: 18)



الأدیان المزیفة التی صنعتها المادیة

مثلما ذکرنا من قبل، فالمادیة حرکة فکریة خطیرة تعمل على تحطیم القیم الروحیّة وإبعاد الشّعوب عن الدّین. ولا زالت غالبیة کبیرة من مجتمعاتنا الیوم تحت تأثیر التفکیر المادی، سواء کان ذلک عن وعی ودرایة أم عن غفلة وجهل. غیر أن هناک مسألة أخرى تستحق الذّکر، وهی أن التمسک بالنظرة المادیة لا تعنی بالضرورة أنها تحمل فی طیها الرّفض للوجود الإلهی. فهناک عدد کبیر من الناس یؤمنون بالوجود الإلهی ولکنهم لازالوا متمسکین بالنظرة المادیة. ولقد وردت فی القرآن العدید من الآیات تحدثنا عن مثل هؤلاء الناس:
(قُلْ مَن یَرْزُقُکُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن یَمْلِکُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَیُخْرِجُ الْمَیَّتَ مِنَ الْحَیِّ وَمَن یُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَیَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ فَذَلِکُمُ اللّهُ رَبُّکُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) (سورة یونس: 31-32).
(قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِیهَا إِن کُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَکَّرُونَ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ  سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْءٍ وَهُوَ یُجِیرُ وَلَا یُجَارُ عَلَیْهِ إِن کُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ بَلْ أَتَیْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَکَاذِبُونَ) (سورة المؤمنون: 84-90).

(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَیْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِیَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ کَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِی بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِکَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ عَلَیْهِ یَتَوَکَّلُ الْمُتَوَکِّلُونَ) (سورة الزمر: 38)
وکما هو وارد فی الآیات السابقة، فهؤلاء الناس یدّعون أنهم یؤمنون بالله وبدینه، غیر أنهم فشلوا فی إظهار التعظیم الذی یستحقه الله عز وجل لما له من نعم، بل وجعلوا له أندادًا. وهؤلاء هم أتباع الأدیان الباطلة التی تکونت بسبب التمسک بآراء بعیدة کل البعد عن الدین الحقّ. وکما کان الأمر فی الماضی، فهناک الیوم العدید ممن یتمسکون بالدّیانات الموضوعة ویبتعدون عن الدّین الحق الذی أساسه الوحی الإلهی.
وبعیداً عن هذه الفئة، فهناک أیضاً بعض الناس الذین ینکرون بصراحة الوجود الإلهی ویرفضون الاعتراف بالآخرة. وهم یبذلون قصارى جهدهم للتأثیر على الآخرین وضمّهم إلى صفوفهم. وهذه الوسائل التی وظّفها المادیون فی المجتمعات التی یعترف فیها الناس بالوجود الإلهی ولکنّهم یقصّرون فی تقدیر الله حق قدره، تتضمن مفهوماً تقلیدیاً للدّین یختلف عن تلک الوسائل التی یوظّفونها فی المجتمعات التی هی أکثر میلاً للإلحاد. فالمادیون یجرّون النّاس بعیداً عن الدّین الموحى به لرسل الله تعالى عن طریق ابتداع أدیان أخرى، وهی أدیان تُکیّف وفقًا لکلّ مجتمع وتُمزج بالإیحاءات المنبثقة من الاعتقاد بأنّ المادة هی الحقیقه المجردة.
وبالطبع فلیس من المتوقع أن یناضلَ هؤلاء الذین یتمسکون بالدّین، بعیداً عن تعالیمه الأصلیة، ضدّ مذاهب الإنکار، ولن یکون بوسعهم وصفها بأنها باطلة وغیر مجدیة، فالاعتقاد الدّینی الخاطئ، سواء کان عن قصد عن غیر قصد، سوف یوفّر المزید من الدّعم لمذاهب الإنکار والإلحاد. ولهذا السّبب، إذا أراد أحد ما الدّخول فی مناظرة جدّیة مع اللادینیین فیجب علیه التزود بالمعرفة الدقیقة عن دین الله عز وجلّ والفهم الصحیح لجمیع جوانب الأدیان الباطلة المقامة على أسس مادّیة حتى یستطیع تقویضها عن علم.
وفی الصّفحات القادمة سوف نتوقف عند بعض خصائص دینین من الأدیان الکافرة، ونعنی بهما المادیة والداروینیة، کما سوف ندرس الفوارق الموجودة بین هذین الدینین وبین العقائد الوثنیة التی تحدث عنها القرآن الکریم.

أصنام القرن العشرین
یخبرنا الله عز وجل فی القرآن الکریم عن هؤلاء النّاس الذین یعبدون غیر الله عزّ وجل ویتخذون من الأوثان آلهة، ویبین لنا الله عزّ وجل بالتفصیل جهاد رسله مع هؤلاء الناس. وهناک العدید من الناس یظنون أن المجتمعات فی الماضی کانت تعبد الأوثان نظراً إلى بدائیة أسلوبها فی الحیاة، ومن هنا کانت لدیهم هذه النظرة الدّینیة. بل هم یفسرون عکوف بعض القبائل الإفریقیة على عبادة الطواطم على أنه دلیل على بدائیّتها.
غیر أنه عند التأمل فی عقائد المجتمعات التی تعبد الأصنام والتی ذکرها القرآن الکریم، وعند النظر فی تفکیرها یتضح أ ثمة تشابها کبیرا بین هذه المجتمعات وبین قسم کبیر من المجتمعات الموجودة الیوم. فمثلما اتخذت هذه المجتمعات لنفسها آلهة من الجماد تعبدها مثل الخشب أو الحجر أو غیر ذلک، فهناک فی عصرنا الیوم أیضا أناس جعلوا لأنفسهم آلهة من الجمادات یعبدونها. وقبل أن نمر إلى عقد مقارنة بین عبادة الأصنام فی الماضی وبین عدد من المفاهیم الموجودة الیوم نعرض بعض المعلومات التی ذکرها القرآن الکریم عن مجتمعات عبادة الأوثان.
ومن بین المجتمعات الوثنیة التی تحدث عنها القرآن الکریم نجد قوم النبی إبراهیم علیه السلام:
(إِذْ قَالَ لِأَبِیهِ یَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ یَسْمَعُ وَلاَ یُبْصِرُ وَلاَ یُغْنِی عَنکَ شَیْئاً) (سورة مریم: 42)
(إِذْ قَالَ لأَِبِیهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِیلُ الَّتِی أَنتُمْ لَهَا عَاکِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِینَ قَالَ لَقَدْ کُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُکُمْ فِی ضَلَالٍ مُّبِینٍ) (سورة الأنبیاء: 52-54)
مثلما بینت الآیة الکریم، فقد عکف والد نبی الله إبراهیم وقومه على عبادة تماثیل صنعوها بأیدیهم، لا تنفع ولا تضر ولا قدرة لها على فعل شیء. فاعتبار شیء ما إلها یعنی أنه قادر على الخلق والرزق والشفاء وقادر على إنزال العقاب وقادر على إیجاد ما لم یکن موجودا، فهذه هی خصائص الإله المعبود. وقد کان عبدة الأوثان فی عهد سیدنا إبراهیم علیه السلام یعتقدون أن التماثیل التی صنعوها بأیدیهم تمتلک مثل هذه الخصائص، ولذلک کانوا یقدمون لها القرابین ویعبدونها. وفی الأسطر اللاحقة سوف نبین التشابه الغریب الذی یوجد بین تماثیل هذه الأقوام وبین بعض أنظمة التفکیر فی عصرنا الحاضر. 

العقائد الوثنیة المسیطرة على المجتمعات المعاصرة
لقد ادعى الوثنیون فی الماضی أن التماثیل الخرساء المنحوتة من الحجر أو الشجر والعاجزة عن فعل أی شیء تمتلک قوة خاصة. بل إنهم زعموا أن هذه التماثیل هی التی خلقت الکون کله، وأن حرکة الکون تتم وفقا لإرادتها. ولهذا السبب قدموا لها القرابین والتمسوا منها أن تمدهم بالصحة والرزق.
وفی ضوء هذه الحقائق، فمن الواضح أن بعض الناس فی أیامنا هذه یمتلکون خصائص هذا التفکیر الوثنی نفسه. فالمادیون والتطوریّون شأنهم شأن عبدة الأوثان فی الماضی، فإذا کان عبدة التماثیل یرون أن هذه المعبودات قادرة على خلق الکون وخلق الموجودات، فإن المادیین والوثنیین یعتقدون أن المواد غیر الحیة المتکونة من ذرات غیر عاقلة تمتلک إرادة وقدرة على الفعل. وهم یدّعون أن هذه المواد غیر الحیة اجتمعت عن طریق المصادفة ونظمت نفسها بنفسها، وفی النهایة استطاعت أن توجد هذه الکائنات الحیة التی هی غایة فی التعقید والکمال.
وبالإضافة إلى ذلک، هم یرون أن جمیع الحوادث فی الکون مرجعها إلى "الطبیعة" المتکونة من ذرات غیر حیة وغیر واعیة. وکمثال على ذلک، فالمادیون أو التطوریون یرون أن الأعاصیر والزلازل تحدث بقرار تتخذه "الطبیعة". وعند تفسیرهم لهذه الظواهر یستخدمون مفاهیم مثل "غضب الطبیعة" أو " معجزة الطبیعة". غیر أنهم لم یستطیعوا أن یبیّنوا ما هی هذه القوة التی یطلقون علیها اسم "الطبیعة" ولم یستطیعوا أیضا أن یبینوا مصدر هذه القوة التی یتحدثون عنها. فالعناصر التی یسمّونها " الطبیعة الأم" أو"الطبیعة" فی حقیقة الأمر لا تختلف عن آلهة المجتمعات الوثنیة فی الماضی والتی کانت تسمى "الأرض الأم" أو"آلهة الخصب". فلم تتغیر سوى الرموز، وقد اتخذوا المواد غیر الحیة التی لا ترى بالعین المجردة والمصادفات إلها وظنوا أنها قادرة على الخلق. 
ویشرح بییر بول جراسییه (Pierre Paul Grasse )، وهو فرنسی الأصل متخصص فی علم الحیوان ومؤید حمیم لنظریة التطور، الآلهة الخفیة للمادّیین ومعتقدی نظریة التطور کالآتی:
"... لقد أصبحت المصادفة إلها یعبد سرًّا تحت غطاء الإلحاد".
إنّ إسناد القدرة على الخلق لمواد غیرحیة وذرات غیر واعیه هو بالتأکید قصور خطیر فی المنطق. ومثلما اعتقد عبدة الأوثان أنّ الأوثان غیر الحیة أوجدت جمیع الکائنات الحیة، فإنّ المادیین ومعتنقی نظریة التطور الیوم یعتقدون بأنّ ا لمادة غیر الحیة نشأت عنها بشکل تصادفی کائنات حیة. وذلک یعنی أنّ المواد غیر الحیة هی کائنات لها عقل وإدراک وأنه یمکنها اتخاذ القرار والعمل وفقًا  لهذا القرار. ومن هذا المنطلق، اعتبروا أنّ کل شئ إله.
وعلى سبیل المثال، یعتبر أنصار نظریة التطور أنّ الوردة التی تزهر بلونها الأحمر بعد أن کانت فی تربه طینیة إله، فهم یرون أنّ الوردة جاءت إلى الحیاه بإرادتها أو أنّ العناصر غیر الحیة التی تُکوّن الوردة قامت عفویّا بشکل عفوی بتصمیم الوردة. وقس على ذلک جمیع الکائنات الحیة الأخرى والنباتات مثل البرتقال والتفاح والفراولة والموز وشجرة العنب والورد والبطیخ والبقدونس والغزلان والأسود والفیلة والنمل والنحل والذباب والحیوانات المائیة إلى غیر ذلک...  وباختصار، جمیع الکائنات لها القدرة على خلق أنفسها بأنفسها. فهم یدعون أنّ جمیع هذه الکائنات وملایین الکائنات الأخرى قد تطورت إلى ما هی علیه فی الوقت الحاضر بإرادتها الخاصة ومن تلقاء نفسها.
وفی مثال آخر یدّعی أنصار التطور أنّ نحلة العسل، التی کانت من قبل کائنا حیّا آخر، قررت أن تصبح نحلة عسل فی وقت ما من الزمن، ومن هنا بدأت فی تشکیل تقنیات خاصة فی جسمها قادرة على إنتاج العسل. کما أدّعوا أنّ الذباب کان فی البدایة لا یستطیع الطیران، ولکنّه بعد ذلک کوّن أجنحته بقدراته الذاتیة ثم بدأ بعد ذلک فی الطیران. کما أن هذا الذباب جهز نفسه بتقنیات الطیران الدّقیقة التی تعتبر أدق من التکنولوجیا الحدیثة الموجودة فی الطائرات وطائرات الهیلوکبتر الیوم.
ویمکن لأنصار نظریة التطور أن یقصّوا علینا عددا لا نهایة له من القصص المشابهة عن بلایین الکائنات الحیة التی تعیش على الأرض، وکلها تشترک فی نقطة واحدة مثیرة: وهی أنّ الذرات غیر الحیة التی تکّون الکائنات الحیة أو "الطبیعة" لدیها وعی وحکمة. فالمصطلحات مثل "الانتخاب الطبیعی" و"التزاوج العشوائی" و "العزلة الجغرافیة" التی تضفی شیئا من المسحة العلمیة  تجمل العقیدة التی وضعها أنصار نظریّة التطور. فهم یزعمون أنّ المادة غیر الحیّة فی الطبیعة یمکن أن تشکّل بشکل عفویّ کائنات حیة متقنة مثل: الموز والبرتقال والذباب والبقدونس والقطط والقرنفل والحوت والزرافات والنعامة والفراشة والعنکبوت والصبار والیوسفی والنملة والفیل ووردة البنفسج وغیر ذلک من الکائنات الحیة.
ووفقاً لعقیدة هؤلاء التطوریین فإنّ الذّرات غیر الواعیة قامت بتصنیع عناصر متعددة أدّت إلى تصمیم وتنظیم وعمل المجال الجوی المتقن. ولذا فإن المجال الجوی أصبح قادراً على أن یکون سقفاً حامیاً للعالم، وقام بتکوین کلّ ما هو ضروری للعیش على سطح الأرض. فیمکن القول بأنّ هؤلاء الذین یعبدون المادة ینسبون إلیها قدرات خاصة. فالکربون والهیدروجین والنیتروجین والحدید تعتبر کلها آلهة بالنسبة إلى هؤلاء الوثنیین.
وکذلک، ووفقاً لهذا الاعتقاد السخیف، فإنّ الذرات العمیاء تتقابل أولاً سویاً ثم بصوره أو بأخرى تنظم نفسها لتکون العین التی ترى. ویعتبر النظام السلوکی لهم محسوباً ومدرکاً تماماً حتى یکفل النظام للذرات الأخرى، والتی ستقوم بتکوین قاع العین وتنتظر صابرة حتى تحدث المصادفة التی ستشکل قاع العین قبل تکوین العین ذاتها. ویرى معتنقو نظریة التطور أنّ هذه الذّرات التی تکوّن العین هی آلهة على افتراض أنها "قادرة" على خلق مثل هذا العضو المتکامل. فمثلما  اتخذت الشعوب فی الماضی آلهه الأمطار، فإنّ أنصار نظریة التطور اتخذوا الذّرات التی تقوم بصناعة العین آلهة أیضا.
ومن هنا یمکن أن نستنتج أنّ دین المادیین وأتباع نظریة التطور لدیه أکثر من بلیون من الألهة التى تعظّم. فالادعاء بأنّ کلّ کائن حی فی العالم جاء إلى الوجود تلقائیا عن طریق المصادفة یعنی اعتبار کلّ واحد من هذه الکائنات والقوى إلها قائما بذاته. فهذا لا یختلف عن الفشل المنطقی الذی جعل الإنسان یسجد أمام الطوطم أو یدعو التماثیل الخشبیة أن تمنحه الصحة والرخاء، غیر أن هناک اختلافا واحدا فقط، وهو العصر الذی عاش فیه عبدة الأوثان عن عصرنا الحاضر.

 

الآلهة المزیفة عند التطوریین: الذرات غیر الواعیة
کل شیء نقف علیه سواء کان صخرة، أو تربة أو کرسیّا ، الهواء الذی نتنفسه، الطعام الذی نأکله لنحیا، المیاه التی تُکوّن ثلثی أجسامنا، وکذا جمیع الأشیاء داخل و خارج أجسامنا، حیة کانت أو میتة، کل ذلک مکوّن من ذرات. کذلک المجرات فی الفضاء والنجوم والشموس والأرض التی نعیش علیها، کلها مکونة من ذرات، وحتى أجسامنا کذلک. فالذرات فی کل مکان نوجد فیه، حتى الهواء الذی نتنفسه ملیء بالذرات.
الکائنات الحیة ومن ضمنها الإنسان مکونة من ذرات من عناصر مختلفة مثل الکربون والهیدروجین والأوکسیجین والکالسیوم والمغنسیوم والحدید. وتؤکد الداروینیة أن تلک الذرات تجتمع معاً نتیجة المصادفات غیر الواعیة. فمنطق أصحاب نظریة التطور یقبلون بأن مجموعات حاشدة من الذرات غیر المدرکة تمارس میکانیکیة اتخاذ القرار وتکوّن، على سبیل المثال، مهندسا نوویا متخصصا فی علم الذّرات.

ویأخذنا البحث الدقیق لهذا المنطق الذی لا معنى له إلى النتیجة الآتیة: تجتمع الذّرات المختلفة تحت تأثیر قویّ لشیء غیر معلوم بالمصادفة مع بعضها البعض لتُکوّن النجوم والکواکب... وباختصار، جمیع الأجرام السّماویة. ثم عن طریق التجمع غیر الواعی من قبل تلک الذرات، ینتج عنه خلیة حیة ذات هیکل فائق الترکیب. ثم تمر هذه الخلیة الحیة بمرحلة التطور وتقوم بتشکیل العدید من الکائنات الحیة التی بها أنظمة فائقه الترکیب، وفی النهایة تستوی إنسانا له وعی وإدراک. بهذا المعنى، فالإنسان یدین بوجوده فقط للمصادفات، ویقوم أیضاَ باکتشاف الذّرات التی کانت السّبب فی صنع جسمه وذلک عن طریق الآلات، مثل المیکروسکوب الذی اکتشف أیضاَ عن طریق المصادفة. وهذا بالضبط ما تأکده الداروینیة کنظریة علمیة، وبالتالی فالواضح أن هذه النظریة تعتبر کل ذرة "إلها" قائما بذاته.
فالذرات التی تصنع الإنسان الذی یتمیز بالحکمة والذکاء لیس لها وعی أو إرادة فی ذاتها. غیرأن معتقدی نظریة التطور بطریقة ما یؤکدون أن هذه الذرات غیر الحیة تلتقی ببعضها البعض لتُکوّن الإنسان، ثم تقرر هذه "التجمعات الذریة" أن تذهب إلى المدرسة أو تتخرج من الجامعة. ووفقاَ لنفس المنطق، تمتلک أیضاً تلک الذرات مهارات مثیرة للغایة؛ فتلک الذرات تأکل الطعام الذی هو مُکوّن أیضاَ من ذرات وتتذوقه، وهی تشم رائحة الورود المکونة من الذرات وتتمتع برائحتها الزکیة، ونفس الذرة أیضاَ یمکن لها أن تشعر بدفئ الهواء المحیط بها. وفی ذات الوقت، تستمع الذرات لموجات الصوت المرسلة من شریط صوتی وتتفاعل مع الترانیم الموسیقیة. ووفقاَ لمعتقدی نظریة التطور، فإن الکثیر من الذرات تتقابل عشوائیاًّ مع بعضها البعض ویمکنها التفکیر والإحساس بفقدان شخص ما، والشعور بالسعادة أو الحزن، والضحک عند مشاهدة فیلم کومیدی. فلقد إدعى عبدة الأصنام فی الماضی أن قطع الخشب تمتلک قدرات خاصة بها، وهو المنطق نفسه الذی یستخدمه أصحاب نظریة التطور الیوم عندما ینسبون القدرة لذرات غیر واعیة.
ومهما یکن من أمر، فمن الواضح أنه لا یوجد شیء فی العالم کله یمکن نسبته إلى المصادفات، إنّ هناک إرادة ووعیا لخالق عظیم هو المتصرف فی هذه لحیاة على الأرض وفی الکون کلّه. والطبیعة وجمیع تفاصیل جسم تحتوی على آثار صنعة عظیمة لإله حکیم، إنه الله عز وجل مالک هذه الحکمة، مالک السّموات والأرض .
ویخبرنا الله عز وجل أنه سوف یرد أفعال مثل هؤلاء الکفار العاکفین على عبادة الأصنام ویبطل أعمالهم الملوثة بالشرک:
"وَجَاوَزْنَا بِبَنِی إِسْرَائِیلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ یَعْکُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ یَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً کَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِیهِ وَبَاطِلٌ مَّا کَانُواْ یَعْمَلُونَ قَالَ أَغَیْرَ اللّهِ أَبْغِیکُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَکُمْ عَلَى الْعَالَمِینَ" (الأعراف: 138-140).

عبادة الشمس
یوجد کذلک تشابه بین المذهب الذی یقوم على أساس عبادة الشمس، والذی وُجد منذ قدیم الزمان، وبین معتقدات المادیین من أصحاب نظریة التطور الیوم. فالشمس باعتبارها مصدر الضوء والطاقة غالباَ ما یفترض الناس أنهم یدینون لوجودهم للشمس وبالتالی یتخذونها إلها یعبد. ولقد حجب هذا الاعتقاد الفاسد، عبر التاریخ، العدید من  المجتمعات عن دین الله الحق. ویشیر القرآن الکریم إلى هذا الأمر ویحدثنا عن أهل سبأ الذین کانوا یعبدون الشمس فی عهد رسولنا سلیمان:
"وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لاَ یَهْتَدُونَ أَلاَّ یَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی یُخْرِجُ الْخَبْءَ فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَیَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ" (النمل: 24-25).
وکما نرى فإن عبادة الشمس هی نتیجة الجهل وعدم التفکر. فصحیح أن الشمس ترسل الحرارة و الضوء للأرض، ولکن یجب على الإنسان أن یشکر الله الذی خلقها لا أن یعبدها هی. فالشمس لیست سوى عبارة عن کتلة کبیرة من المادة لا تملک أیّ وعی خلقها الله عز وجل من العدم. وسوف یأتی الیوم التی تستنزف فیه طاقتها وتنتهی. فبما أن الله عزوجل هو الذی خلق الشمس وخلق جمیع الأجرام السماویة من العدم فهو سبحانه المستحق للشکر لأنه سخر لنا هذه الکائنات. وهذا ما تذکرنا به الآیات التالیة:
"وَمِنْ آیَاتِهِ اللَّیْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَهُنَّ إِن کُنتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ" (فصلت: 37)
والجدیر بالذّکر، أن معتنقی نظریة التطور الیوم یؤمنون بنفس الأفکار التی کانت موجودة لدى عبدة الشمس القدماء بادعائهم أننا ندین بوجودنا للشمس. فطبقاً لمصادر أصحاب نظریة التطور، فإن أصل الحیاة على الأرض ترجع إلى الشمس وأن الأشعة الصادرة من الشمس تبعث الحیاة للأرض. کما ادعوا أیضاً أن الطاقة الشمسیة مسئولة عن توالد فصائل حیة أخرى وکذلک الأشعة الشمسیة مسئولة عن الاختلاف فی الکائنات الحیة. وهذا ما جاء فی کتاب لـ"کارل ساجان"  وهو عالم فلکی أمریکی ملحد، فقد ورد فی کتابه "النظام الکونی " ما یلی:
"عبد أجدادنا الشمس، وکانوا بعیدین کل البعد عن الحماقة ...  فإذا کان من الضروری عبادة قوة أکبر من أنفسنا، ألیس من المنطقی أن نرجع إلى الشمس والنجوم ؟"
هارلو شابلی وهو عالم فلکی یؤمن بنظریة التطور، وکان على منهج کارل سیجان ویوضح موقفه على النحو التالی: "یرى بعض المتدینین "أن البدایة هو الله"، ولکنی أقول "إنّ الهیدروجین هو الذی یأتی فی البدایة". وهکذا کان اعتقاد شابلی فی الوقت الذی یتطور فیه غاز الهیدروجین إلى الحیوانات، الأشجار والإنسان. وکما هو ملاحظ فإنّ عبودیة المادة والطبیعة تتضمن جمیع الآراء غیر المنطقیة التی وضعها أصحاب نظریة التطور. فإن "دین" معتنقی نظریة التطور یعتمد على عبادة المادة والطبیعة.
وعلى الصعید الآخر، یدرک الإنسان ذو الحکمة أن العالم والطبیعة لا یمکن أن یکونا نتاج أعمال مواد غیر حیة وغیر مدرکة. فعلى النقیض، ذو الحکمة ینبغی له أن یرى الإدراک المبدع، والتخطیط المتقن، والفن فی کل التفاصیل ویدرک عظمة الله عز وجل فی خلقه. ولکن لازال العدید من الناس فی یومنا هذا عمیان عن هذه الحقیقة ویستمرون فی عبادة الأشیاء. وهؤلاء مثل قوم سبأ: "وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لاَ یَهْتَدُونَ" (النمل: 24).
مرض المادیین وأصحاب المذهب الطبیعی
ناضل بدیع الزمان سعید النورسی طوال حیاته بشراسه ضد أدیان الکفر، وفی مواضع کثیرة من تفسیره للقرآن الکریم والمسمى "رسائل النور" تحدث عن مرض (طاعون) المادیین والطبیعیین. وذکر أنه یمکننا تعریف المذهب الطبیعی على النحو التالی: " المذهب الطبیعی، بمعنى مذهب عبادة الطبیعة والمذهب المادی بمعنى الفکر الذی لا یؤمن سوى بالمادة هما عبارة عن مرض لا غیر". وبالإضافة إلى ذلک ینبه بدیع الزمان إلى مذهبی المادیة والداروینیة القائمین على إنکار الإیمان والغیب، ویقدم تحلیلا مفصلاً بطریقة منطقیة لقصور منطقیة هاتین الحرکتین اللتین تنکران الدین:
"یحسب المادیون المتفرعنون (نسبة إلى فرعون) "أنهم أوجدوا أنفسهم وجدوا فی هذه الحیاة من تلقاء أنفسهم، وأنهم یخلقون کل شیء یحتاجونه"، ولذلک فهم لا یعترفون بالإیمان ولا بالعبودیة. وهذا یعنی افتراضهم بأنهم هم من خلقوا أنفسهم، والحال أن خالق شیء واحد ینبغی أن یکون هو خالق کل شیء. فکبریاؤهم وخداعهم لأنفسهم أوقعهم فی الحمق لأنهم اعتقدوا أن قدرة الواحد منهم تکفیه کل شیء بینما هو لا یستطیع أن یدفع عن نفسه شر ذبابة أو میکروب صغیر.
إن المادیّین الذین قصروا استخدامهم للمنطق على ماهو ظاهر أمامهم فی التو واللحظة یعتقدون وفقاً لفلسفاتهم غیر المنطقیة والتی أساسها العبث أن المصادفة هی التی تتحکم فی الذرات، والمصادفة تقوم علیها جمیع الأسس الرئیسیة المکونة لمبادئهم واعتقاداتهم، بل وأکدوا أن الأعمال الإلهیة کانت نتیجة لتلک التحوّلات. فهذا الکون الذی تملأ الروعة جمیع أرکانه جعلوه معتمدا على العبث والفوضى واللامعنى. وحتى من له ذرة من إیمان یدرک مدى مخالفة هذا الکلام للعقل".
ینبه بدیع الزمان فی کلامه السابق إلى حقیقة أنه لیس من المنطق إطلاقاً أن ینسب الشخص الأولوهیة لذاته. کما یؤکد أن الإنسان کائن مخلوق ضعیف لاحول له ولاقوة، وهو عندما ینسب وجوده وکمال الکون "للمصادفات" وینکر خالقه إنما یلقی بنفسه فی الجحیم. کما حذر من أن تیارات الإنکار والإلحاد سوف تکتسح العالم فی وقتنا الراهن وأنه یجب إنقاذ الشعوب من تلک المذاهب الإلحادیة:
"فإن الظهور الکبیر لتیارات الفلسفة المادیة والطبیعیة سوف یقوى شیئاً فشیئاً وینتشر ویعم فی نهایة الزمان ... لیبلغ الدرجة التی یتم فیها إنکار الوجود الإلهی... وإنه لمن الواضح مدى التهریج الأحمق لدى الإنسان الضعیف، الذی یمکن أن تقضی علیه ذبابة بینما هو غیر قادر حتى على خلق جناحها، فکی یدعی الألوهیة بعد ذلک؟
وکما أکد بدیع الزمان فمن غیر المعقول ولا المنطقی الاعتقاد بأنّ المادة غیر الحیة هی التی خلقت الکون والحیاة بذاتها. فهذا الإنسان الذی یحمل مثل هذا الاعتقاد من المستحیل أن نقول أن لدیه قدرًا من الحکمة والعقل. ولقد ذکر لنا نبینا إبراهیم علیه السلام ما کان یفعله قومه من حمق عندما کانوا ینحنون أمام أصنامهم المنحوتة من الخشب:
"قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ یَنفَعُکُمْ شَیْئاً وَلاَ یَضُرُّکُمْ أُفٍّ لَّکُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" (الأنبیاء: 65-66)
الأدیان الباطلة التی نشأت نتیجة النظرة المادیة
ونظریة التطور عن الحیاة
لعل العرض القادم یعطی صورة واضحة عن حرص المادیین على زیادة أعداد الناس الذین ینکرون الوجود الإلهی ودین الله ویعملون على کسب فئة من الناس لا یکونون مسؤولین إلا أمام أنفسهم فحسب. وتحتوی الفلسفة المادیة على إفکار تسعى إلى إیجاد مجتمع یرفض لیس فقط الوجود الإلهی بل والقیم الروحانیة والأخلاقیة على حد سواء، ولذا کان یتعین على أصحاب هذه الفلسفة زرع الفکر الملحد فی عقول الناس ونشره داخل المجتمع. وبینما یرفضون دین الله عزوجل، لازالوا یقبلون صورًا بدیلة للدین تتفق مع نظرتهم المادیة. جورج کایلور سیمبسون George Gaylord Simpson أحد الأسماء الرائدة فی الحرکة الداروینیة الحدیثة، وهو یصف طبیعة الدین المقبول لدى أصحاب نظریة التطور قائلاً:
"بالطبع فإن هناک بعض المعتقدات التی مازالت موجودة، وهی مرتبطة بالدین وبالمشاعر الدینیة التی لا تتلاءم ظاهریا مع نظریة التطور، وبالتالی لا یمکن الاحتفاظ بها فکریاً رغم جوانبها العاطفیة. غیر أن ما أجده الآن واضحاً ولا یتطلب المزید من المناقشات الخاصة، هو الانسجام بین نظریة التطور والدین الحق".
یذکر سیمبسون Simpson أحد أنصار نظریة التطور أن الدین یمکن أن یتصالح مع آراء المادیین فی الحیاه طالما ینسجم مع مفاهیمهم. غیر أنه جدیر بالذکر أن ما یشار إلیه "بالدین الحق" بالتأکید لیس الدین الذی أساسه الوحی الإلهی وإنما هو شیء بعید کل البعد عن الحق المنزل من السماء. إنه دین آخر أساسه الفکر المادی وإشباع الناس عاطفیاً. فغالبیة الناس الذین یدعون الإیمان فی عصرنا هذا، هم فی واقع الأمر یعتنقون الدین الباطل الذی زعم المادیّون أنّه "الدین الحق".
وفی الجزء التالی سیتم بإیجاز عرض بعض خصائص الأدیان الباطلة، وسوف یتضح أنها جامعة لمعتقدات مشوهة تمارس باسم الدین. وباعتبار أنّ الإنسان غیر معتاد على التفکر العمیق فغالباً ما یفشل فی ملاحظة الأخطاء الموروثة الحاصلة فی تلک المعتقدات. وکشف هذه الأمور من المسؤولیات المهمة الملقاة على عاتق المؤمنین المخلصین للإسلام، ومن واجبهم أیضا تحذیرالشعوب ضدّ الأدیان الباطلة التی صنعها الإنسان وإیصال رسالة القرآن إلى کل مکان، فالقرآن الکریم هو مصدر الحکمة ومصدر النور الذی جاء من عند الله تعالى لعباده من أجل هدایتهم.


1. الدین الباطل یظن أن الله موجود فی السماء
رغم الاعتقاد بوجود الله عزوجل، غیر أن الکثیرین یحملون معتقدات خاطئة عن مکان وجود الله تعالى. وترجع تلک المعتقدات أساساً إلى النظرة المادیة للحیاة، فالمادیون یرون أنه لا یوجد شیء فی الواقع غیر المادة، فهم یفترضون بصورة حتمیة أن الله عز وجل لابد وأن یکون داخل هذا الکون المادی ولکنهم فشلوا فی تخیل نوع المجال الذی یجوز أن یسکنه.
ویذکر لنا القرآن الکریم بعض الشعوب التی کانت تملک مثل هذه النظرة وهذا الفهم فی الماضی. ففرعون أمر ببناء برج یصل إلى السماء حتى یصعد ویرى الله عزوجل. وکان اعتقاده الخاطئ هذا نتیجة فشل فی فهم صفات الله عزوجل وافتراضه أن المادة هی الحقیقة:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ یَا أَیُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَکُم مِّنْ إِلَهٍ غَیْرِی فَأَوْقِدْ لِی یَا هَامَانُ عَلَى الطِّینِ فَاجْعَل لِّی صَرْحاً لَّعَلِّی أَطَّلِعُ إِلَى
إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّی لأَظُنُّهُ مِنَ الْکَاذِبِینَ" (القصص: 38)
ولکن الله هو خالق الفضاء وهو غیر محکوم به. الله عزوجل خالق الکائنات المحدودة بالفضاء، أما هو فهو منزه فوق کل المخلوقات فهو عالم بکل شیء.
ویفشل هؤلاء الناس تحت تأثیر النظرة المادیة للحیاة فی فهم هذه الحقیقة الواضحة مفترضین أن الله یسکن السّماوات. فهناک بعض الناس ینظرون إلى السماء أثناء صلواتهم، ولکن الإنسان الذی یعلم أن الله عزوجل موجود فی کل مکان یستشعر وجوده حیثما یکون. ویخبرنا الله سبحانه وتعالى عن هذه الحقیقة:
" وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَیْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِیمٌ" (البقرة: 115)
"لاَّ تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ" (الأنعام: 103)


2. الدین الباطل یرى أن الله خلق الکون والإنسان ثم ترکهما
یرى الدین الباطل أن الله عزَّ وجل خلق الکون بأکمله فی البدایة بجمیع الکائنات الحیة ثم ترکه وشأنه، وهو یکتفی بملاحظته من بعید ولا یتدخل فیه. وطبقاً لهذا المفهوم، فإن الإنسان هو وحده الذی یحدد مصیره بنفسه. ولکن الله سبحانه وتعالى لیس محددا لا بمکان ولا بزمان، ولذلک فهو عندما خلق الکون والإنسان خلقهما معاً بماضیهما وبمستقبلهما، کأنهما لحظة واحدة. فیمکن القول بأن الله عزَّ وجل خلق کل شیء وقدر لکل شیء مصیره الخاص به. ولایمکن للإنسان معرفة مستقبله حتى یخوضه بنفسه. والله یعلم مستقبل کل إنسان ویعلم کل لحظة سوف یمر بها فی حیاته. فالله خلق کل لحظة سنعیشها، وکل کلمة سنتلفظ بها، وکل حرکة نقوم بها. فبالتأکید لم یخلق الله الکون بأکمله ثم ترکه لقوانینه المجردة بل خلق کل لحظة فی حیاة جمیع الکائنات الحیة منذ البدایة وحتى النهایة. کل شیء، سواء سقوط ورقة الشجر أو حدث من الأحداث التی یمر بها الإنسان خلال حیاته، والتی تحدث وفقاً للقدر الذی حدده الله مسبقاَ. و یذکر الله سبحانه وتعالى هذه الحقیقة للإنسان فی العدید من الآیات:
" وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَیْبِ لاَ یَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَیَعْلَمُ مَا فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ یَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِی ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ یَابِسٍ إِلاَّ فِی کِتَابٍ مُّبِینٍ" (الأنعام: 59)  
"وَاللَّهُ خَلَقَکُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" (الصافات: 96)

3. الدین الباطل لا یؤمن بالجنة والنّار

هناک بعض الناس تأثروا بالفکر المادی فأصبحوا لا یؤمنون بوجود الجنة والنار رغم إیمانهم بالله تعالى، والسبب الأساسی لذلک هو زعمهم أنهم لا یستطیعون التأکد من وجود شیء دون رؤیته بأعینهم أو تحسسه بأیدیهم. والحقیقة أنّ هناک دلائل لا حصر لها لذوی العقل والحکمة، تشیر إلى وجود الله والدار الآخرة، مثل السموات والأرض اللتین خلقتا بتصمیمٍ دقیقٍ وإنسجامٍ مدهش. ومن ذلک أیضا خلق الخلیة، وهی الوحدة البنائیة لجمیع الکائنات الحیة وهی فی غایة التعقید، ومن ذلک الألوان والروائح والکائنات الحیة المختلفة التی تعیش بیننا. فالله تعالى الذی خلق جمیع هذه الکائنات ولم تکن شیئا مذکورا قادر، بلا أدنى شک، على إحیائها وبعثها من جدید. بید أنه بالرغم من کل ذلک، فالإنسان یصر على الجحود والإنکار. وهؤلاء الذین رفضوا تفهم هذه الحقیقة وصفهم القرآن فقال:
"وَقَالُواْ أَئِذَا کُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً قُل کُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِیداً أَوْ خَلْقاً مِّمَّا یَکْبُرُ فِی صُدُورِکُمْ فَسَیَقُولُونَ مَن یُعِیدُنَا قُلِ الَّذِی فَطَرَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْکَ رُؤُوسَهُمْ وَیَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن یَکُونَ قَرِیباً یَوْمَ یَدْعُوکُمْ فَتَسْتَجِیبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِیلاً" ( الإسراء: 49-52)
إن فشل غیر المنکرین لله تعالى فی إدراک البعث بعد الموت والشکوک التى یکنوها فی أنفسهم حول هذه الحقیقة هی أیضاً نتیجة لمعتقداتهم المادیة. فالمادی یرى أن التکوین الممیز للإنسان الحی هو نتیجة تفاعل بین العناصر. ویؤکد أن جوانب الإنسان الغیبیه (عقله وعواطفه) یتم خلقها أیضاَ عن طریق مثل هذه التفاعلات. وبالتالی، یفسر هؤلاء الناس البعث بأنه إعادة البناء الذاتیة للمادة، ولذا لا یمکن تخیل إمکانیة حدوث هذه العملیة. ومن هنا یمکن القول إنهم لا یستطیعون تقبل أن المادة التی تفنى یمکن أن تظهر مرة أخرى ویعاد ترکیبها.
ولکن، إذا کانوا لم یستطیعوا فهم کیفیة إعادة الجسم المتحلل بعد موته، فمن المفروض أن یکون إیجاد الجسم الحی من العدم أول مرة أکثر صعوبة وأشد تعقیدا. وهنا تکمن القضیة الکبرى، فلو تأملوا بتفکر لأزاحوا عن  أنفسهم هذه الشکوک ولعلموا أن الذی خلق من العدم قادر على البعث من جدید. یقول تعالى مذکرا بالخلق الأول:
"أَفَعَیِینَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِی لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِیدٍ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ" (ق: 15-16)

إن ما یصنع الإنسان حقاً هی الروح ولیس الجسد، فالإنسان لیس عبارة عن لحم وعظم وشحم فقط، إنما الإنسان بالروح إنسان. والموت یضع نهایة للجسد، بینما الروح تستمر فی الحیاة إلى الأبد، فالموت هو مرحلة انتقال بالروح من الحیاة الدنیا إلى الحیاة الآخرة. یقول الله سبحانه وتعالى:
"ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِیهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِیلاً مَّا تَشْکُرُونَ وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِی الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ کَافِرُونَ قُلْ یَتَوَفَّاکُم مَّلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ"  (السجدة: 9-11)
الکِبر یمنع المنکرین من فهم حتى أکثر الحقائق وضوحاً، فهناک العدید من الآیات التی یذکر الله لنا فیها أن هؤلاء الذین ینکرون الحیاة الآخرة ویفترضون الموت نهایة لهم لم یستخدموا عقولهم التی منحها الله لهم:
"أَفَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن یَهْدِیهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَکَّرُونَ وَقَالُوا مَا هِیَ إِلاَّ حَیَاتُنَا الدُّنْیَا نَمُوتُ وَنَحْیَا وَمَا یُهْلِکُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ یَظُنُّونَ" (الجاثیة: 23-24)
وعلى النقیض من ذلک،  فإنه عزَّ وجل یصف المؤمنین کما یلی:
"الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ أُوْلَئِکَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" ( لقمان: 4-5)

"الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ والَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَیْکَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِکَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ" (البقرة: 3-4)
وفی مجال النضال ضد أدیان الکفر، هناک أمران مهمان یجب تناولهما؛ أحداهما إبطال نظریة التطور على أسس منطقیة وعلمیة حتى یعلم الناس أن وجودهم لم یکن نتیجة للمصادفة بل هو خلق الله عزَّ وجل. والأمر الآخر هو إفهام الناس ماهیة المادة وحقیقتها، وبالتالی مساعدتهم لإدراک الدین الحق. فالشخص الذی یستوعب أنه أکبر من مجرد مادة یستطیع کذلک فهم قدرة لله الخالق، سبحانه وتعالى.
إن الله خالق کل شیء، وهو لیس مرتبطا بمکان أو زمان محددین. وجمیع المخلوقات خلقها الله بأقدارها، والجنة والنار موجودان بالفعل ، وأعمال الإنسان مخلوقة من قبل الله عزَّ وجل، فهذه حقائق لا شک فیها ومن السهل فهمها. غیر أن هناک بعض الناس لا یرغبون فی قبول تلک الحقائق ویصفوها بأنها أمور صعبة. وهذا الفهم نابع من حقیقة أنه واقع تحت تأثیر النظرة المادیة للحیاة سواء بعلم أو بغیر علم. ومن الضروری لمن تأثروا بهذه النظرة أن یتحرروا من کبریائهم لکی یعرفوا الحقائق السلیمة عن المادة. و فی الأجزاء الأخیرة من هذا الکتاب نقرأ "الحقیقة التی هزمت دین الکفر" و "الفهم الخاطئ لنظریة التطور"، وهما یوضحان حقیقة المادة، کما یوضحان أن ما ظن سابقاً أنها أسرار معقدة هی فی واقع الأمر حقائق بسیطة وواضحة.

أدیان الکفر: المادّیة و الداروینیة

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)

(سورة الأنبیاء: 18)


أدیان الکفر: المادّیة و الداروینیة

وجدت المادیة منذ الأزل، وهی مذهب یعتبر أنّ الحقیقة الوحیدة المجردة هی المادة. ووفقاً لهذا الاعتقاد الباطل، فالمادة وجدت منذُ زمن سحیق مطلق وسوف تستمر إلى الأبد. کما أن أهم مظاهر المادیة رفضها لوجود الخالق ورفضها لوجود المعتقدات الدینیة الأخرى. وهناک العدید من الحرکات والمذاهب الفکریة فی العالم تتخذ الکفر أساساً لفکرها، وتعتبرالمادیة هی البنیة الرئیسیة للکثیر من هذه الاتجاهات. غیر أن المادیة تعتبر هی الأساس الذی قام علیه العدد الأکبر من هذه المذاهب.

فمنذ عهد السومریین والأغریق القدماء، تغلغل الاعتقاد المادی لدى الإنسان. ولکنه لم یتمکن هذا الاعتقاد الوهمی من وضع نظامه الفکری المحکم إلا فی القرن التاسع عشر. وبینما کان هذا الاتجاه الفکری المادی فی محاولة لجمع  قواه، کان لا یزال هناک أمر واحد یعوقه وهو إیجاد الإجابة على السؤال "کیف وجد العالم، وکیف وجدت الکائنات الحیة ؟ ".

وجاء ذلک خلال القرن نفسه الذی ظهرت فیه نظریة التطور التی قدمها شارلز دارون والتی قدمت الإجابة، (وهی إجابة لیس لها أیة صحة علمیة فی واقع الأمر)، ولکنها ما طال البحث عنها من قبل المادیین. وطبقا لهذه النظریة التی لا أصل من العالم، فإنّ المواد غیر الحیة، ونتیجة لقوى عشوائیة متزامنة، تقابل بعضها مع بعض وکوّنت أول خلیة.  وبالتالی، وطبقاً لنظریة دارون هذه، فإنّ جمیع الکائنات الحیة على الأرض تدین بالشّکر لنشوء تلک الخلیة الحیة الأولى.

وسرعان ما أصبح دارون، عن طریق هذه الادعاءات أکبر مزیّف فی تاریخ العلم. ولقد اعترف بنفسه أنّ نظریته ماهی إلا فکر خاطئ لا یرتکز على ذرة من النتائج العلمیة. کما اعترف دارون بالفعل فی کتابه "أصل الأنواع"The origin of Species) )  أن نظریة التّطور تعجز أمام العدید من التساؤلات المحیرة.

ولکنه لازال یتوقع إمکانیة التغلب على هذه الصّعاب بواسطة التقدم العلمی، ویأمل أن  تکون النتائج العلمیة الحدیثة دعمة لنظریته. وکان دوماً یذکر ذلک فی کتابه. ولکن على على نقیض ما کان یأمل دارون تحقیقه، فلقد جاء التقدم العلمی لیبرهن على عکس الافتراضات الجوهریة لنظریته، الواحده تلو الأخرى.  وفی الواقع، ورغم الدعایة التی جاءت من قبل مؤیدی نظریة التطور، فلقد صرح  مایکل دانتون، وهو عالم بیولوجی أسترالی،  أن نظریة التطور " هی نظریة فی أزمة" على حد قوله. 

وعلى مدى القرن التاسع عشر، کانت الحقائق العلمیة المطروحة من قبل نظریة التطور غیر معروفة على الإطلاق لدى الأوساط العلمیة. وفی ذات الوقت، کان المادیون الذین یبحثون عن دعم علمی لمذهبهم یعتبرون أن النظریة التی طرحها شارلز دارون فرصة لیس لها مثیل باعتبارها تقوم على نکران وجود الخالق، ففی ذلک الوقت کان التأکید على فکرة أن الإنسان یتطورمن مواد غیر حیة عن طریق المصادفة البحتة هو تماماً ما یرغب المادّیون فی سماعه.

وأما البروفیسور فلیب جونسون، الأستاذ بجامعة شیکاغو، وهو رجل مشهور وله ثقله فی الدوائر الأکادیمیة لکثرة کتبه ومقالاته التی کتبها عن نظریة التطور، فهو یوضح ما تمثله هذه النظریة من أهمیة بالنسبة إلى الأنظمة الفکریة التی تنکر الدین:

"... یکمن نجاح النظریة الداروینیة فی رفض الوجود الإلهی وتهیئة المجال لإستبدال الدّین المقدس باعتقاد جدید یعتمد على المذهب الطبیعی النشوئی، وهذا الاعتقاد الجدید لن یکون أساساً للعلم فحسب بل أساساً أیضاً للحکومات، والقوانین والأخلاق. وبذلک یکون قد تم صیاغة الفلسفة الدّینیة العصریة ".

 

وتبین کلمات فلیب جونسون الهدف الحقیقی لداعمی فلسفة الکفر. فهؤلاء المادیون الذین عملوا على تشکیل مجتمع لادینی یرفض الوجود الإلهی وتعالیمه، ادعوا أنه لا وجود لخالق یشعر إزاءه الکائن البشری بأیة مسؤولیة. ولقد أشبع هذا الفکر المضلل رغباتهم بحیث یمکنهم بذلک أن یصنعوا أشکالا من الناس غیر مشؤول إزاء أی أحد. ویلخص أحد علمائهم طموحاتهم کما یلی:
"إن الإنسان هو الکائن الوحید فی هذا العالم الذی یملک الإرادة والقدرة، ولکنه نتاج لمادة غیر واعیة وغیر عاقلة. وهذا الإنسان الذی نجح بمفرده فی القدوم إلى هذا العالم لن یکون مسؤولا سوى عن نفسه فقط"

ویمکن لکل شخص یتمتع بالعقل الراجح والتفکیر السلیم أن یدرک، دون صعوبة أن هذه الدلائل المذکورة فارغة ولا قیمة لها. فکاتب هذه العبارات، وبالرغم من کونه عالما له نظریة مادیة فی الحیاة، یعتقد أن الفضل فی وجود الإنسان هو الغنسان ذاته، لکن من الواضح أن هذا الإنسان لا یستطیع فی أیة مرحلة من هذه المراحل أن یمارس سلطته أو قدرته فی صنع القرار. فالله سبحانه وتعالى، هو الذی خلق الإنسان على الأرض فی أحسن صورة. ولکن رغبة المادّیین فی أن یکونوا  "غیر مسئولین تجاه خالق" جعلتهم یزعمون أن المادة، غیر المدرکة وغیر العاقلة یمکن أن توجد کائنات مدرکة وذکیّة.

وینبغی أن نتذکر أنّ رغبة الکافرین فی التحرّر من المسئولیة لیست خاصة فقط بأنصار المادیة وأتباع نظریة التطوّر فی القرن التاسع عشر والعشرین ،  فلقد أخبرنا الله عز وجلّ فی القرآن الکریم عن أناس سابقین کان لدیهم التفکیر نفسه: (أَیَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن یُتْرَکَ سُدًى أَلَمْ یَکُ نُطْفَةً مِّن مَّنِیٍّ یُمْنَى ثُمَّ کَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَیْنِ الذَّکَرَ وَالْأُنثَى أَلَیْسَ ذَلِکَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن یُحْیِیَ الْمَوْتَى) (سورة القیامة: 36- 40)

وکما تشیر الآیة، فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من منیّ واحد ثم "سواه فعدّله". فلا توجد أیة وسیلة یستطیع بها الإنسان أن یکتسب سلطة على خلقه، إذ هو نفسه مخلوق. ورغم أن الله سبحانه وتعالى بین لنا حقیقة الإنسان ووصفه وصفا واضحا فمازال هناک بعض الناس یمارون ویتجرأون على نسب خلقهم لأنفسهم والادّعاء بأنهم کائنات "غیر مسئولة".

ووالیوم، یسود مفهوم عدم مسئولیة الإنسان على المستوى الاجتماعی والعلمی والإیدیولوجی. وهذا المفهوم شجّعه الفکر المادّی ودعمته نظریة التّطور. و هذا المفهوم المنحرف الذی یشنّ الحرب ضدّ قیم المجتمع الأخلاقیة- هذه القیم التی کانت تمثل رکائز النظام والوحدة للمجتمع- أنتج  أجیالا تتعرض باستمرار لمزید من المسخ القیمی والأخلاقی.

والیوم أثبت العلم أن المفاهیم المادیة ونظریة التطور مفاهیم باطلة، وأن کلاهما لا یستند على الإطلاق إلى دلائل علمیة، وذلک بالإضافة إلى أن النتائج العلمیة لازالت تکذبهما. غیرأنه نتیجة الترسیخ الاجتماعی المتواصل على مدى المائة والخمسین عاماً الأخیرة، لازال هناک الکثیرمن الناس یدعون إلى المادیة ونظریة التطور کأنما هی حقائق مثبتة بالعلم. ویرجع ذلک إلى أن داعمی مذاهب الکفر یحتاجون بإلحاح إلى المادیة ونظریة التّطور لأن کلیهما ینکر الوجود الإلهی، وبذلک یستطیعان إبعاد الناس عن الدّین والقیم الأخلاقیة، وإلا فإن هذه المذاهب سوف تُجرّد بعد ذلک من الأسباب التی تمثل مبررًا لوجودها فی الأصل.

الدفاع عن نظریة تنازل العلم عنها

یعترف العدید من العلماء فی الوقت الحاضر، بوضوح، بالسّبب الذ یدفعهم إلى الإستمرار فی الدّفاع عن نظریة التطور وعن النظریة المادّیة رغم ظهورالمزید من الحقائق العلمیة الحدیثة. فعلى سبیل المثال، ینقل فلیب جونسون کلمات، قالها  ریتشارد لیونتن، وهو متخصص فی علم الجینات من جامعة هارفرد وأحد المتحمسین لنظریة التطور ویؤمن إیما أعمى بالنظریة المادیة، ویعلق فلیب جونسون على تلک العبارات قائلاً:

"المشکلة الرئیسیة لا تکمن فی توفیر المعرفة للناس؛ کم نبعد عن أقرب نجم إلینا أو ما هی الجینات التی تکونّا منها ... إنّما المشکلة أن تجعل هؤلاء الناس یرفضون تلک التفسیرات غیر المنطقیة والخرافیة  للعالم ... فما یحتاج الناس تعلمه، بغض النظر عن الموافقة على ذلک أم لا،  أنّنا کائنات مادیة نوجد فی عالم مادّی، وجمیع الظواهر هی نتائج عن علاقات مادیة بین موجودات مادیة، وبإیجاز  یحتاج الناس قبول مفهوم المادّیة الذی یعنی وجوب رفضهم للإله..."
وتبین هذه العبارات بوضوح النظرة المادیة للحیاة والتی تعتمد على تعلیل عقلی مضلل. والحقائق التی یقدمها العلم الیوم توضح أن هذه الإدعاءات تناقض المنطق والعقل. ولکن رغم جمیع الحقائق العلمیة تجدهم متشبثین تشبثًا أعمى بمعتقداتهم ومستمرین بإصرار فی الدفاع عن مزاعمهم. ویشرح د. مایکل واکر، وهو متخصص فی الانتروبولوجیا من جامعة سدنی، الأسباب التی ما زالت تدفع إلى التعلق بنظریة التّطور: "نحن مضطرون للاعتقاد بأن السبب الوحید الذی یجعل الکثیر من رجال العلم والکثیر من المتخصصین فی الالتکنولوجیا یصرّون على التمسک بنظریة دارون هو إنکار هذه النظریة لوجود الخالق " .

ویوضح فلیب جونسون، وهو الذی یرفض الادعاءات العلمیة غیر المبررة للنظریة الداروینیة، سبب تمتع تلک النظریة بهذه الأهمیة  "فلا یمکن استبدالها " لقادة العلم غیرالمعتقدین وسبب حرصهم على الحفاظ علیها مهما بلغت التکلفه: 

"یری قادة العلم أنفسهم محصورون فی حرب یائسه ضد المعتقدین المتدینین، شعاریودوا تطبیقه بصوره موسعة على کل شخص یعتقد فی وجود خالق له دور فعّال فی شئون العالم ... ثم جاءت نظریة داروین لتلعب دوراً فکریاً هاماً فی الحرب ضد هؤلاء المعتقدین المتدینین. ولذا تکرس المنظمات العلمیة عملها لحمایة المذهب الداروینی فضلاً عن بحثه ودراسته. وقد جاءت قوانین البحث العلمی مساعدة لهم فی الاستمرار".

وکما ذکر جونسون فإنّ دعاة المادیة وفلاسفة الکفر البارزین والحریصین على دعم تلک الأفکار فی جمیع أنحاء العالم، تمسکوا بنظریة التطور لدارون لا لشیء إلاّ لأنها توفر لهم ما یسمّى بالأسس العلمیة لمذاهبهم. وکان هذا ملاحظاً منذ أن ظهرت نظریة التطور. وقد کان کارل مارکس، مؤسس المادیة الجدلیة وکذلک العدو اللدود للدین، یؤکّد على الأهمیة  البالغة للنظریة الدارونیه بالنسبة إلى فکره. وقد أوضح أفکاره عن نظریة دارون فی خطابه الذی کتبه لصدیقه الحمیم فریدریک أنکلز قائلاً :

"هذا هو الکتاب الذی یحتوی على أسس التاریخ الطبیعی لآرائنا".

کما أدلى فریدریک إنکلز بتعلیقه عقب قراءته لکتاب دارون "أصل الأجناس" قائلاً:

" إن نظریتنا هی نظریة التطور، وهی لیست عقیدة إیمانیة یجب حفظها عن ظهر قلب وتکرارها بشکل آلیّ".

و یوضح  کونوای زرکل، وهو أستاذ من أصل أمریکی متخصص فی علم النبات، أسباب تبنی مؤسّسی الشیوعیة مارکس وإنکلز للنظریة الدّاروینیة:

"قبل کلّ من مارکس وإنکلز نظریة التطور عقب نشر دارون لکتابه "أصل الأجناس" على الفور. وبالطبع، فإنّ نظریة التطورکانت بالضبط ما یبحث عنه مؤسسو الشیوعیة لشرح کیفیة ظهور البشر دون تدخل قوى خارقة، وبالتالی کان من الممکن استخدامها لدعم أسس فلسفاتهم المادیة. وما جاء به دارون فی تفسیره للتطور-  باعتباره عملیة حدثت من خلال الانتقاء الطبیعی –أعطاهما افتراضا بدیلا للتّفسیرات الغائیة السائدة للحقیقة المدرکة، وهی أن جمیع أسالیب الحیاة مکیـّفة بناء على ظروفها المعیشیة. وبالفعل، تمکنت عملیة الانتقاء الطبیعی من إسقاط الغائیة بالکامل، ونتیجة لذلک استطاع العلماء تفسیر العالم الحیوی تفسیرا مادیا".

وکما أوضحت لنا هذه العبارات، فإنّ السبب الوحید الذی جعل کلا من مارکس وأنکلز یدعمان دارون هو الکره الذی یشعران به تجاه الدّین. ولذا ارتکزا على المیکانیکیة التی لیس لها قیمة علمیة،بل هی مجرد أوهام من الخیال. وبالفعل، أوضح فریدریک إنکلز فی کتابه السّبب الذی جعله یعتبر نظریة التطور تکتسی أهمیة کبیرة بالنسبة إلیه: فدارون تناول مفهوم ما وراء الطبیعة، الذی یعتبر الأمر الحاسم فی إثباته أنّ الحیوی العضوی-  والذی یتکون من نبات وحیوانات، وبالتالی الإنسان – هو نتاج لعملیة  تطور مستمرة منذ ملایین السنین.

ومن الواضح أن إنکلز أخطأ أیضاً عند افتراضه أنّ نظریة التطور جاءت بشرح کیفیة ظهور ملایین الأنواع المختلفة من الکائنات الحیة على الأرض. ولم یکن إنکلز هوالوحید الذی ذکر أنّ نظریة دارون حقیقة ثابتة، إذ أنّ جوزف ستالین، القائد الشیوعی المعروف باعتباره من أکثر القادة دمویة فی التّاریخ، أکد فی مذکراته الخاصة على أهمیة هذه النظریة:

"حتى لا نخدع عقول طلابنا بالأسطوره القائلة أنّ العالم قد تم خلقه فی ستة أیام، یجب أن نتعرف على أصل جیولوجیة الأرض وعمرها، وتکون لدینا القدرة على إثبات ذلک فی مناقشاتنا، ولذا یجب إعداد أنفسنا بالتّعالیم الداروینیة".

وبوضوح، فإن النقطة المشترکة بین الأنظمة الفکریة للمادیین ونظریة التطور الداروینیة – دون شک – هو إنکار الدّین، والغرض الوحید لداعمیهما هو دفع الناس لإنکار الوجود الإلهی.  ویخبرنا الله عزوجل فی القرآن الکریم عن سعی هؤلاء الّذین اجتهدوا فی الماضی لصدّ الناس عن الدین وإبعادهم عن الإیمان بالله تعالى:

(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ لاَ یُنصَرُونَ) (سورة القصص: 41)

وفی آیات أخرى یشیر الله عز وجل إلى نهایة هؤلاء الّذین ینکرون الوجود الإلهی ویدعون الناس للکفر:

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن کَذَّبَ بِآیَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِی الَّذِینَ یَصْدِفُونَ عَنْ آیَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا کَانُواْ یَصْدِفُونَ) سورة (الأنعام: 157)

فإذا تم دحض المادیة، فإن ذلک سوف یضع نهایة للمذاهب التی تنکر الدین ولا تعترف بالخالق، هذه المذاهب التی تجد الیوم صدى واسعا واستجابة قویة من فئات اجتماعیة کثیرة. ومن أجل تحقیق هذه الغایة، من الضّروری توعیة الناس بحقیقة أن المادة لیست ذات طبیعة خالدة، ویتعین إقناعهم بالأدلة العلمیة أنّ نظریة التّطور لا تقوم على أیّ أساس علمی بالمرة. وبالتالی یمکن القضاء على جمیع المذاهب والأفکار التی ترفض الوجود الإلهی، ولا شک أن ذلک سوف یمثل النهایة الحتمیّة للفکر المادّی. وکما قال الله تعالى: (إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِیهِ وَبَاطِلٌ مَّا کَانُواْ یَعْمَلُونَ) (سورة الاعراف: 139)

أهمیة الدّاروینیة للمذاهب اللاّدینیّة

قد یعتبر البعض أن الداروینیة والمذهب المادی لا یمکن أن یکونا هما أساس اللاّدینیّة، ویرجع ذلک إلى أنّ الأغلبیة الساحقة من الناس تعتبر أن هذه المفاهیم لا تنکر الدین، وأنّ صلتها بالدّین لم   تنقطع. وللوهلة الأولى، تبدو هذه العبارة مقبولة، ففی عصرنا الحاضر لا یمیل النّاس لتسییر حیاتهم على أسس فکریة، فأکبر الأهداف التی تشغلهم تتمثل فی جمع الأموال وتلبیة أقصى حد ممکن من الشهوات بمعانیها المختلفة، والاهتمام بالثقافات التافهة السائدة. وهذه الثقافة التافهة لا تترک سوى مجال ضیق جدّا لتساؤلات مثل "کیف وجِدتُ ؟" أو "من خلقنی؟". فلا یشغل النّاس تفکیرهم بتساؤلات کبیرة من هذا النوع، کما أنهم لا یفکرون کثیرًا فی نظریة التّطور مثلا ولا فی ما تجلبه من خدیعة.فالغالبیة العظمى من الناس أکثر إنشغالاً بالقضایا التافهة مثل حیاة الشهرة وقضایا المشاهیر والنجوم وفضائحهم، الشیء الذی یجعلهم غیر عابئین بالمواضیع الأکثر عمقاً مثل طبیعة خلقهم والهدف من وجودهم. فالاهتمامات المألوفة، مثل الأعمال الیومیة والمشاکل المعیشیة تشغل عقولهم بالکامل.

وبالتالی، فهؤلاء الذین یعتنقون الدّاروینیة ویدافعون عنها عن علم ودرایة، وهؤلاء الذین یدافعون عن الفلسفة المادیة لا یمثلون سوى نسبة قلیلة جدا فی المجتمع، أی أنّ غالبیة الناس یعیشون فی معزل عن الدّین بسبب أنهم لا یفکرون فی قضایاهم الوجودیة. وعند هذه النقطة یطرح السؤال التالی: "هل الدّاروینیة والمادیة تشکلان بالفعل أهمیة خاصة"؟

هناک أبحاث دقیقة أجریت فی الغرب وأوضحت أنّ الداروینیة هی أهم القوى التی تساند أدیان الکفر، وبالرغم من قلة من یعتنقونها فی المجتمع، إلا أنهم الفئة الأکثر تأثیرًا فیه، وهم الفئة المفکرة لهذا المجتمع. فعلى سبیل المثال، أجری فی الولایات المتحدة الأمریکیة أحد الأبحاث الإجتماعیة، واتضح أن تسعة بالمائة ( 9% ) فقط من المجتمع ذکروا أنهم  ملحدون من معتنقی نظریة التّطور. غیر أن هذا الجزء من المجتمع یؤثر فی الجامعات، وفی الإعلام وفی المؤسسات العلمیة الرسمیة وفی صناعة الأفلام.  فهؤلاء الملحدون من معتنقی نظریة التطور هم الذین یقومون بتوجیه المجتمع بالکامل، ویضعون السیاسة التعلیمیة ویشکّلون عقول الناس من خلال الإعلام.

وإذا نظرت فی الأمر على النطاق العالمی ستلاحظ أنّ هذا الوضع یسود فی العدید من البلاد. فما یلفت الانتباه هنا هو الجهود الثقافیة والإیدیلوجیة التی وضعها دعاة الفکر الشّیوعی. ومن المعروف-  باستثناء عدد قلیل من البلاد-  أنّ الشیوعیة فیها  إنهارت کنظام سیاسیّ، لکن رغم ذلک ما یزال البعض یتشبثون بالشیوعیة فی بعض الدّوائر المعیّنة باعتبار أنّ الفلسفة المادیة-  التی تعتبرالأساس الفکری للشیوعیة - لازالت نشطة. وفی ذات الوقت، نجد أن الشیوعیین یؤمنون بأن "مارکس لدیه بعض الأخطاء فی نظریته الاقتصادیة غیر أنّ المادیه لازالت مجدیة". وبالفعل لازال الشیوعیون فی العدید من البلاد یتمتعون بسمعة عالیة ولدیهم التأثیر القوی فی مجال العلم وفی عالم الأدب والفلسفة. فهم یسیطرون على غالبیة دور النشر وعلى معارض الکتب حیث تسمع آراؤهم بصورة ملفتة. وعلى وجه العموم،  فإنّ أغلبیة الشیوعیین والمتنفذین فی الإعلام هم من یشار إلیهم بـ"جیل الستینات" الّذین یعتنقون المذهب المارکسی. ورغم اقتناعهم بالضعف الاقتصادی للشیوعیة لازالوا متمسکین بالفلسفة المادیة ویعتبرون الدّین مخدّرًا للشعوب.

فالداروینیة هی الدین الصحیح عند هؤلاء الناس، وهم مؤمنون بقوة بالداروینیة ویبذلون قصارى جهودهم الحثیثة من أجل الإبقاء علیها حیّة. وربما تکون هناک شریحة ذات وزن کبیر فی المجتمع لم تشغل بالها بهذه المسألة، ولم تفکر فی السؤال "کیف وجدتُ؟" ولکن أغلبیة الذین یهتمون بقضیة الداروینیة خدعوا بها، وانطلت علیهم أباطیلها، ویرجع الفضل فی ذلک إلى المنظمات الشیوعیة التی مرّ ذکرها سابقا. فالطلاب فی الجامعة یلقنون المذهب الدّاروینی عن طریق أساتذة یعتقدون فی الدّاروینیة، وهم یجدون الکتب المتعلقة بهذه النظریة فی المعارض التی تقام، کما یجدون أنفسهم أمام المفاهیم نفسها عندما یزورون صالة عرض فنی أو مسرحیّ. وهکذا تترسخ الثقافة اللاإیمانیة وتؤثر على الفئات المتعلمة فی المجتمع. وهولاء الذین یقعون تحت الداروینیة یفترضون أنها حقیقة علمیة لا تناقش، ویرون أن الدّین لا یعدو أن یکون مجرّد "اعتقاد تقلیدی عند سکان الرّیف".  والأمر نفسه قصه علینا القرآن الکریم، فعندما سؤل بعض الناس (مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ) کان جواب الکافرین ( أَسَاطِیرُ الأَوَّلِینَ) ( سورة النحل: 24)

إذن، فالدّین لا علاقة له بالتقالید، بل هو حقیقة واضحة وبینة. والدّین هوالعلاقة بین الشخص وخالقه، غیر أن هذه الحقیقة تجاهلها من انطلت علیهم أباطیل الداروینیة وخدعها. ولذا فإنه من الضروری القضاء على الفلسفات المادیة والداروینیة بالوسائل العلمیة من أجل إزالة ثقافة اللادینیة من المجتمع.

 

المقـدّمة

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)
(سورة الأنبیاء: 18)


المقـدّمة

من الوهلة الأولى، یمکن أن تتساءل عند قراءة هذا العنوان "أدیان الکفر"، فعادة ما ترافق کلمة "الدین"  الوحیَ الإلهیَّ، وهذا ما یدرکه الکثیرون. وهناک أیضا أدیان أخرى "باطلة" مثل البوذیة والهندوسیة. ولذا یقترح استخدام کلمة "الکفر" کمفهوم یرفض الدّین تماماً وینکر وجود الله.

فهناک الیوم فی أماکن کثیرة من العالم أنظمة معتقدات یتمسک بها الناس بشدّه مثل تمسکهم بالدین، ولکن لا یقال لها أدیان.. وفی هذا الکتاب،  یشار إلى تلک المذاهب بـ"أدیان الکفر" مثل المادیة، والشیوعیة، والداروینیة (التی تعتبر الأساس العلمی المزعوم لهذه المذاهب)، ویشار إلى الکثیر من الأنظمة الأخرى التی أساسها عدم االإیمان بالله. ویرجع ذلک ببساطة إلى ظهور وانتشار تلک المذاهب عبر الزمن حتى أصبحت أدیانا فی ذاتها، لدیها نظم کاملة من الاعتقادات والممارسات. فجمیعها لدیها القادة المفکرون الخاصون بها، کما أن لدیها الکتب غیر القابلة للتعدیل التی یحفظها أتباعها عن ظهر قلب. وتنتشر الدیانات الباطلة بسرعة شدیدة وتجذب العدید من الموالین لها والعاملین على سیادة  "أدیان الکفر"، وجعلها دوماً تعارض دین الإسلام دین الحق والعدل، وهی تشد أیضا العاملین على طبع ونشر العدید من الکتب والمقالات التی تنشر الدعایة لصالح هذه الأدیان والتی هی من صنع الإنسان.

ویعتبر القرآن هو أحد العوائق الکبرى التی تواجه أنصار أدیان الکفر، فالقرآن هو المرشد الوحید حالیا للطریق المستقیم الموحى به من عند الله تعالى. کما یصف القرآن الکریم بالتفصیل الثواب الذی سیناله من یجاهد ضد أدیان الکفر، وعهد للمؤمنین بهذه المسؤولیة الجلیلة. وفی وقتنا الحاضر هناک حاجة کبیرة لأشخاص مخلصین یتولون الکشف عن "أدیان الکفر" وبیان بطلانها ویبذلون الجهود الجادة لتحقیق هذا الغرض.

فخلال القرن العشرین وحتى یومنا هذا، ولعلها المرة الأولى عبرالتاریخ،  انتشرت "أدیان الکفر" انتشاراً کبیرًا. ویذکر لنا القرآن الکریم طبیعة أصحاب تلک الأدیان الباطلة بقوله: (وَیُجَادِلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) (الکهف: 56)، ولذلک، وخاصة فی عصرنا هذا،  نجد أنه من الضروری المشارکة فی هذا الجهاد الکبیر الذی ذُکر فی القرآن الکریم وإبطال جمیع مذاهب الکفر عن طریق الفکر.

ویذکر الله سبحانه وتعالى عباده الذین یحملون على عاتقهم هذا الواجب الشریف بأمور مهمّة للغایة:

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبیاء: 18)

و بناء علیه،  فنحن نهدف للحد من الباطل بعرض الحقائق ألاساسیة عن الماده ونظریة التطورالداروینیة والتی ستجدها فی الجزء الختامی لهذا الکتاب.

 


الکتابات الموجودة تحت الرسوم

الکتابات الموجودة تحت الرسوم

ص. 14

یسلک القندس سلوک مهندس بارع إذ یخطط ویقوم بحسابات دقیقة ویشتغل مثل عامل بناء ماهر لإنشا ء مسکن بمواصفات عجیبة.

فی الوسط إلى الیسار : ینشئ سدا أمام مسکنه

فی الوسط إلى الیمین : السد الذی أنشأه القندس .

إلى الأسفل : رسم تخطیطی للمسکن الذی أنشأه القندس بنجاح باهر

ص. 18

لم یجد GORDON R.TAYLER کوردون تایلر الإجابات الوافیة عن جمیع التّساؤلات المتعلقة بالترابط بین الغرائز والتّطور بالرّغم من کونه مدافعا بشراسة عن نظریّة التطور .

ص. 18

یدّعی دعاة التطور بأن الطبیعة الأم التی تتشکّل من البحیرات والجبال والأشجار … الخ لها القدرة على الخلق, ترى أیّ جزء من هذه الأجزاء لدیه القدرة على إکساب القندس غریزة إنشاء مسکنه بهذه الصورة البارعة أو إکساب الحیوانات المختلفة أنماطها السّلوکیة المختلفة؟

ص. 23

هناک تفسیر وحید لظاهرة رعایة الکائنات الحیة غیر العاقلة لصغارها بهذه الشّفقة والحنان وذودها عنها، وهو انقیادها للإلهام الإلهی ومثال على ذلک هذا الطائر الغطّاس الذی یرعى صغیره بوحی إلهام إلهی.

ص. 24

تحدث جمال یلدرمCEMAL YILDIRIM عن المأزق الفکری الذی تواجهه نظریة التطور بالرغم من کونه مؤمنا بصحتها متسائلا: کیف یمکن تفسیر اهتمام إناث الکائنات الحیة بصغارها بواسطة فرضیّة الانتخاب الطبیعی بعیدا عن أیة معانی روحیة أو شعوریة.

ص. 28

لکل نوع من أنواع الکائنات الحیة نمط سلوکی خاص یمیزه عن باقی الأنواع ، لهذا السبب فینبغی أن یتعرض للتطور کما یتعرض الکائن الحی نفسه حسب ادعاء دعاة التطور, وبالطبع هذا مناف للعقل والمنطق .

ص. 29 سورة الجاثیة - الآیة 4

ص. 33

یقف البطریق على قدمیه لمدة أشهر لحمایة صغیره من البرد.

أنثى التمساح تحمل صغارها فی فمها لحمایتهم .

ص. 34 سورة الحدید - الآیات 1-2 .

ص. 37 سورة الشعراء - الآیة 28

ص. 42

عندما تذهب البطاریق للصّید تبقى الصغار متراصّة جنبا إلى جنب, وبذلک تحافظ على أنفسها من البرد القارس، ولکن کیف تتعرف طیور البطریق على صغارها عند رجوعها من الصید؟

منح الله سبحانه وتعالى طیور البطریق القدرة على تمییز الأصوات وبهذه الوسیلة تستطیع هذه الطیور التعرف على بعضها البعض .

ص. 44

معظم اللبائن تبدأ بلحس ولیدها بعد ولادته مباشرة لتنظیفه من آثار الولادة وأثناء ذلک تتعرف الأم على رائحة ولیدها الرّضیع وبهذه الرائحة تستطیع أن تمیزه عن باقی الصّغار .

ص. 45

یجتهد طیر العنکبوت فی إنشاء عشه ذی الشکل الکرویّ و یکون معلّقا على غصن شجرة ویستخدم مواد مختلفة فی بناء عشه .

ص. 46 سورة فاطر - الآیة 6

ص. 50

الطیر الخیاط یستخدم منقاره الدقیق کإبرة خیاطة وألیاف الأوراق النباتیة کخیط أو خیوط العنکبوت لبناء عشه

و یقوم بخیاطة الأوراق النباتیة بمهارة فائقة لیحصل فی النهایة على عش أنیق .

بلبل البراری الخیاط یستخدم ورقتین نباتیتین کمواد أولیة لخیاطة عشه مستعملا منقاره الدّقیق وألیاف الأوراق النباتیة أو خیوط نسیج العنکبوت .

ص. 52

ألهم الله عز وجل الطیّر النّسّاج القدرة على بناء عش أنیق جدّا. و الشّکلان فی الأعلى و على الیمین یبینان کیفیة نسج هذا الطیر لعشه .ویبدأ بتشکیل أشرطة رفیعة من الأوراق النباتیة ثمّ یستخدم إحدى ساقیه فی تثبیت إحدى حافتی الشّریط على غصن الشجرة.

والحافة الأخرى یلتقطها بمنقاره ویبدأ فی النسج. وکما هو واضح من الأشکال یستخدم الطیر منقاره کخیاط یمرره مرة من فوق الخیوط اللیفیة ومرة من تحتها.

الرسم الأیسر: طیر نساج على وشک الانتهاء من نسج عشه.

تعیش الطیور النساجة على شکل مجموعات تبنی لها أعشاشا خاصة تقیها من الحر القائض.

ص 53

یبنی طائر خطّاف السّحاب عشّه على الصّخور الواقعة خلف مساقط المیاه وبذلک یکون بعیدا عن أعین باقی الحیوانات.

ص 55

تبنی طیور الباتروس أعشاشها بکل عنایة لحمایة صغارها وبیضها. ویأتی الذکر قبل أسابیع من تزاوجه مع الأنثى إلى مسقط رأسها الأصلی ویقوم بترمیم العش الأصلی.

ص 56

یقوم الطیر ذو المنقار القرنی بإسکان أنثاه وبیضها داخل ثقب فی شجرة ویظلّ خارجه یحارسهما من أی سوء.

ص 57

لکل نوع من أنواع الطیر شکل ممیز للعش یختلف عن باقی الأنواع. فطیر الفلامنکو مثلا یبنی عشه بالتناسب مع شکله وحجمه.

فوق: طیر الصّخور الأصلع راقد فی عشه المبنی من الطین

الیمین : العش الذی بناه طیر الأبابیل لحمایة صغاره

سورة المؤمنون { وإنَ لکم فی الأنعام لعبرة نسقیکم مما فی بطونها ولکم فیها منافع کثیرة ومنها تأکلون} صدق الله العظیم . الآیة 21

ص 58

نحل البامبوس تضحیة فریدة من نوعها

ص 60العش الذی تنشؤه أنثى التّمساح

ص62

إن الأسماک عموما لا تبنی مساکن لها ولکنّها تنشئ مساکن خاصة لوضع البیض ورعایة صغارها.

ولا تکتفی بذلک بل نظل تحرسها من الأعداء

فوق : عش سمکی مبنی من الأحجار وبقایا الکائنات البحریة وعدد من الیرقات.

ص66

أفعى البیتون مصدر خطر لمعظم الکائنات الحیة ولکنها مصدر الحنان والشفقة تجاه صغارها.

ص 67

ضفدع یلصق بیضه على ظهره ویظل هکذا لمدة أسابیع

ص 69

أسفل : تعیش معظم الطیور ضمن مستعمرات کثیرة الأفراد.

الشکل إلى الأسفل: فی هذه الصورة یوجد ما یقرب من 70 بیضة فی المتر المربع الواحد ومع هذا المعدّل تستطیع الطیور تمییز بیضها الخاص بها عند عودتها من رحلة الصید البعیدة .

فوق : طیر المطر الصغیر یقوم بتبلیل الریش الذی یغطی أسفل صدره ثم یرقد عل البیض وبذلک یقی بیضه من الحرارة الزائدة .

أعلى

على الیسار : الباتروس

تحت على الیمین : الخطاف یقوم هذا الطائران بتوفیر جمیع الشروط اللازمة لسلامة البیض .

ویتضح من هذه الأمثلة أن الطیور تهتم اهتماما کبیرا ببیضها، وتبنی أعشاشا لهذا الغرض و لا تترکها ولو للحظة واحدة، وهذا الشعور بالحنان مُلهم للطیور من قبل الغفور الرحیم .

ص 71

طیر أثینا

تختلف الطیور فی طریقة حمایتها لبیضها من الخطر، فطیر أثینا الذی هو من الطیور اللیلیة یبنی عشا تحت سطح الأرض عمقه حوالی ثلاثة أمتار ویضع من 6-12 بیضة داخله، ویعاون الذکر أنثاه أثناء رقودها على البیض وکلاهما یتناوبان فی حراسة العشّ من الخارج وإذا اقترب طیر مفترس من العش یقوم أحدهما بتقلید فحیح الأفاعی تقلیدا بارعا لترهیب هذا الزائر غیر المرغوب فیه.

ص 73

یهاجر طیر البطریق إلى مکان بعید عن مکانه الأصلی بعدة کیلومترات لغرض التزاوج.

ص 74

یبدی ذکر وأنثى البطریق تفانیا وتضحیة لا مثیل لهما تجاه صغیرهما.

ص 76

حصان البحر هو الکائن الحی الوحید الذی یکون ذکره حاملا، ویتمیز ذکر هذا الحیوان بأنه یحمل بیضه فی کیس خاص أسفل بطنه لمدة أسابیع عدیدة کما هو واضح من الشکل.

ص 78

سمک الهوروزبینا الذی یقوم لتهویة بیضه .

تضع أنثى هذا النوع من السّمک بیضها فی الشّقوق الموجودة بین الأحجار أو تلصقها فی السّطح الداخلی للقنانی الزجاجیة الموجودة فی قاع البحر، ویقوم الذکر فیما بعد بحراسة هذا البیض، ویحرک السّمک ذیله باستمرار لدفع أکبر کمیة ممکنة من ماء جدید لتوفیر أوکسیجین أکثر لازم لتنفس الأجنة.

ص 79

سمک السلمون {سلیمان} یسبح ضد تیار الماء

هرة أسماک السلمون .

الطریق الوحید الذی تتبعه أسماک السلمون لأجل التکاثر.

یقضی هذا السمک أول خمس سنوات من حیاته فی البحار المفتوحة یتغذى فیها حتى یکتمل نمو جسمه ویخزن کمیة کافیة من الطاقة على شکل دهون، وفی نهایة السنوات الخمس تبدأ فترة جدیدة یتم أثناءها استهلاک الطاقة المخزونة لأن هذه الأسماک فی هذه الفترة تبدأ رحلة العودة إلى المیاه العذبة التی قدمت منها فی البدایة.

وتقطع رحلة طویلة جدا حتى تصل إلى مکان التبییض وتقوم الأسماک بالسّباحة ضد التیار وتضطر أحیانا إلى القفز نحو الأعلى لتخطی بعض الحواجز المائیة المرتفعة، وتنقطع هذه الأسماک عن التغذیة عندما تنتقل من المیاه المالحة إلى المیاه العذبة وتصرف کل طاقتها المخزونة فی هذه الرحلة الشاقة، وعندما تنتهی عملیة وضع البیض تصبح هذه الأسماک مرهقة للغایة وذابلة الجسم من کثرة التعب وأخیرا تموت. ویمکن تفسیر سبب هذه الرحلة الشاقة التی یقوم بها هذا النوع من الأسماک بکونه یسلک سلوکا معینا نتیجة خضوعه للإرادة الإلهیة التی اختطت هذا الشکل من الحیاة لها. والعجیب أنّها تعود إلى مسقط رأسها فی المیاه العذبة وبتوقیت مضبوط لأجل التکاثر ومتحملة أثناء ذلک کل الصعوبات والعراقیل والحواجز. وهذه الخطوات جمیعها لم تتبع بإرادتها هی، و لا یوجد أی نوع من السّمک یتصرف بمحض إرادته واختیاراته الذاتیة .

ص81

فم أنثى سمک السلحید یعتبر أکثر الأماکن أمنا بالنسبة لصغارها .

ص 82

تظل أغلب أنواع الطیور على بیضها حمایة لها من قیظ الشمس وحرارتها, وهناک أمثلة عدیدة مثل هذا السّلوک یمکن رؤیتها فی هذه الصور.

الیمین والأسفل : طیور النعام التی تظل ترقد على بیضها وصغارها.

والصورة تحت : أحد أنواع اللقالق التی تکثر فی زامبیا یحاول التضلیل على صغیره .

ص 83

أنثى العنکبوت تحمل بیضها وصغارها فی کیس ذی خیوط حریریة ویمتاز هذا الکیس بأنه کبیر جدا بالنسبة لجسم الأم لذا فإنها تقف دائما على رؤوس أقدامها لیسهل علیها حمل هذا الکیس. وعندما یصبح البیض على وشک أن یفقس تبدأ الأمّ بنسج کیس آخر یغطی الأوّل لحمایة الصغار الذین یخرجون من الکیس القدیم لیجدوا أنفسهم داخل خیمة جدیدة وتحت نظرات الأم التی تحرسهم بحنان .

ص 84

یعیش نوع من الحشرات ذات الرائحة الممیزة فی قارة استرالیا, و یتمیّز هذا النوع بلصق بیضه حول غصن شجرة بشکل متراص وتظل الأنثى تحمیها من خطر الأعداء .

ص 85

یحمل ذکر حشرة { ABEDUS BERBERTI } المائیة العملاقة { والتی تکثر فی الأودیة العمیقة مثل وادی سایکمور فی ایریزونا } بیضه على ظهره والأنثى هی المسؤولة عن لصق البیض بظهر ذکرها الذی یقوم بدوره بتبلیل هذا البیض وتهویته حفاظا علیها من الاختناق والجفاف.

ص 86

یقوم النّحل الحفار البری ببناء مسکن لصغیره الذی لن یراه أبدا حتى أنه یترک فیه غذاء کافیا حتّى موعد خروجه من البیض.

ص 87

سورة الحشر - الآیة 24

قال تعالى :

هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى یسبح له ما فی السماوات والأرض وهو العزیز الحکیم صدق الله العظیم .

ص 88

یخلق صغار جمیع الکائنات الحیة بصورة تحرک مشاعر الشفقة والحنان والمودة .

وعند مقارنة صغار الکائنات الحیة مع البالغة منها من ناحیة المظهر الخارجی والسلوک یتضح مدى کونها قربها إلى النفس و کونها تحرک دوافع العطف والحنان والعامل الرئیسی الشکل الخارجی فالوجه المدور والعیون البارزة والکبیرة نسبیا والخدود المکتنزة والجبهة البارزة من المظاهر الخارجیة المحببة للبالغین، وبعض الأحیاء یتّسم صغارها بلون مختلف عن لون البالغ منا، مثلا البابون الصغیر یکون أسود مزیج بالوردی أما البابون البالغ فلونه أخضر. وعموما یمتاز الصغار وخصوصا ضمن المجامیع بأنهم محبوبون من قبل الجمیع حتى أمکن تسجیل مشاهدات عن کیفیة محاولة أنثى خطف صغیر من أمه لتربیه هی، ویختفی هذا السّلوک الملیء بالحنان عند بدء تغیر لون الصغیر.

ص 92

یرعى الذّکور والإناث الصغار بأسالیب مختلفة، فمنها من یحاول إخفاءه عن العیون ومنها ما یتصرف بشراسة لإخافة الأعداء وفی الجانب ترى زرافة وهی قریبة من صغیرها وهی لا تبتعد عنه أبدا ،و فی الصّورة { الأسفل} حیوان الیحمور صغیر وقد تمّ إخفاؤه بین الأعشاب بمهارة من قبل أمه، أمّا الصور فوق فتوضّح کیفیة حمایة البومة لفراخها .

ص 93

ألهم الله عز وجل هذه الکائنات الحیة أن تحمی صغارها وترعاها هذه الرعایة الکبیرة .

ص 94

یمثل بعض أنواع الطیور دور الجریح للفت أنظار العدو إلیه لکی یبتعد عن العش وبذلک یضرب لنا مثلا فی التضحیة.

ص 96

حشرة الدانتیلا أثناء حمایتها لیرقاتها من هجمات باقی الحشرات .

ص 97

هذان النوعان من الحشرات یعیشان فی البرازیل وغینیا الجدیدة ویتمیزان بأنهما یرقدان على صغارهما لحمایتهم من خطر الأعداء (91).

وتشکل یرقات حشرة السلحفاة ذات الأجنحة الغمدیة حلقة تحت جسد أمّها وتعیش هذه الحشرة فی البرازیل، والأم تحمی بیضها حمایة تامة وعند فقسها عن الیرقات تقوم بقیادتهم إلى مصدر الغذاء المتوفر فی المکان المناسب، وتتحرک بسرعة عندما یتباطأ صغیر من صغارها أو یحاول أن یلعب لوحده بعیدا (92).

ص 98

معظم أنواع الکائنات الحیة تتفانى وتبذل جهدا مستمیتا لتغذیة صغارها, فمثلا یقوم الطیر ذو الرأس الأصفر بمئات الرّحلات جیئة وذهابا لتوفیر الغذاء للفراخ, أما الفقمة فتفقد من وزنها الکثیر لإطعام صغیرها.

ص 99

یعد أغلب أنواع الطیور طعام صغاره فی بلعومه مثل الیلیکان و جواکرو ویرى فی الصورة طائر یحاول أن یلتقط شیئا من بلعوم أمه .

ص 102

سورة هود -الآیة 6

قال تعالى :{ وما من دابة فی الأرض إلاّ على الله رزقها ویعلم مستقرها ومستودعها کل فی کتاب مبین } صدق الله العظیم .

ص 103

الأعلى : الدجاج البری یروی نفسه أولا ثم یبلل ریشه کمخزن للماء لإرواء صغاره.

الجانب : أنثى اللقلق تحمل الماء فی بلعومها لإرواء صغارها.

ص 104

یطعم طیر النحل صغاره بالفراشات أو ما شابهها من الحشرات، ولکن لمنع أی أذى قد تسببه هذه الحشرات للصغار فقد تقوم بضربها بشدة على غصن الشجرة کی تموت ومن ثم تقوم بإطعامها للصغار .

إلى الأعلى جانبا فراخ طیر النحل فی انتظار وجبة غذاء.

إلى الأسفل جانبا الأم وقد أتت بالغذاء .

تتمیز ذکور الطیور وإناثها بأنها من أکثر الحیوانات مثابرة وتقوم بسفرات عدیدة للصید وجلب الغذاء حتى أن بعض الأنواع یقوم بـ 1000 طلعة یومیا لجلب الغذاء (104).

ص 105

یقضی ذکور الطیور وإناثها أغلب وقتها لتوفیر الغذاء للفراخ، ویرزقها الله الرزاق العلیم من سبل مختلفة، ویشاهد فی الصور مراحل مختلفة عن رعایة الطیر لصغیره من لحظة الفقس.

أ . الطیر یرعى بیضه

ب . الطیر یرعى فراخه

2-یغطس لجلب الغذاء للصغار

د .لحظة الحصول على الغذاء .

هـ . فی طریقه لحمل الغذاء إلى الفراخ الجیاع .

و . أثناء إطعامه للفراخ .

ص 107

سورة الزمر-الآیة 62

قال تعالى :{الله خالق کل شیء وهوعلى کل شیء وکیل } صدق الله العظیم

ص 108

کیف تحمل الکائنات الحیة صغارها ؟

معظم أنواع الکائنات الحیة یحمل صغیره لإبعاده عن الخطر ولکن طریقة الحمل تختلف من نوع لآخر ، فاللبؤة تحمل شبلها دون أن تصیبه بأی أذى أما الکنغر الصغیر فیختفی داخل کیس فی جسم أمه ورأسه نحو الأسفل عند شعوره بالخطر، أما الضفادع والبط والعقارب والدببة والقنادس فتحمل صغارها على ظهورها .

ص 109

وحیوان الکوالا یحمل صغیره على ظهره لمدة سنة تقریبا، أما القرود فتنتقل من شجرة إلى أخرى وهی حاملة صغارها على ظهورها أما ظهر أنثى الدب فیعتبر مکانا أمینا للصغیر .

ص 114

تعیش قطعان الحمیر الوحشیة والأیلة جنبا إلى جنب وتستطیع تمییز عددها المشترک بنجاح فائق وإذا اقترب حیوان مفترس من قطیع الأیلة وأحس به أحد الحمیر الوحشیة فیقوم من فوره بإنذار القطیع بذلک .

ص 115

تعیش بعض الطیور على ظهور بعض الحیوانات وتعتبر هذه الطیور کصفارة إنذار تقوم بتنبیه المضیف باقتراب الخطر. ولا توجد فی الطبیعة حیوانات أو کائنات حیة متحاربة کما یدعی الدّارسون بل تتمیز أغلب الأحیاء بالرأفة والرحمة والمودة الملهمة من الله تعالى .

ص 118

تمتاز الکلاب البریّة بحاسة الشعور بالخطر عن بعد وعندما تشعر بقدومه تبدأ بالنباح منذرة باقی الحیوانات .

ص 119

تقفز وتنط الأیلة والغزلان کوسیلة لتنبیه باقی أفراد القطیع بقدوم الخطر.

ص 121

تتراص ثیران المسک جنبا إلى جنب لحمایة الصغار داخل حلقة متصلة على أن وزن کل ثور یتراوح بین 350و400کغ وتتحرک هذه الثیران إلى الخلف خطوة خطوة لحمایة الصغار وتشکیل حلقة محکمة حولها .

ص 122

إن العیش ضمن قطیع یعتبر عنصر أمان للصغار لأن الکبار یقومون بالذود عن الصغار مهما کان الثمن .

ص 123

کما یرى فی الصورة تقف الطیور الإفریقیة على غصن شجرة الفاکهة التی تتغذى علیها متراصة تماما وتبدأ الفاکهة تنتقل من فم طیر إلى آخر لیحصل الجمیع على الغذاء.

ص 124

یعیش الدولفین على شکل مجامیع یذود أفرادها بعضها عن البعض وأثناء الولادة تقوم باقی الإناث بمساعدة الدولفین الحامل أثناء وضعها لولیدها.

ص 125

صغیر الفیل لا یلقى عنایة من أمه فقط بل هناک الخالة وأمّ الأم أیضا .

ص 127

تمتاز صغار إبن آوى بأنها تضل قریبة من أمها حتى بعد أن تصبح یافعة حتى أنها تصبح حاضنة جیدة لصغار أمها فی السنة التالیة، ویرى فی الصورة إلى جانب ابن آوى شاب یهتم بأشقائه .

ص 130

من الممکن ملاحظة صور مختلفة للتضحیة فی الأنواع المختلفة للنمل، فمنها من یحمی زملاءه من حملة الأوراق النباتیة ومنها من یجعل من معدته مخزنا لغذاء الآخرین .

فی أعلى الصورة : النمل القاصّ للورق النباتی ومعه حراسه

وفی وسط الصورة : نمل العسل

فی أسفل الصورة : العاملات اللواتی یهتممن بالیرقات .

ص 134

1- النحلات العاملات وهن یرعین الیرقات .

2- النحل یقوم بتهوئة الخلیة بأجنحته .

3- الحراس یقومون بمراقبة مدخل خلیة النحل

4- العاملات تنظفن الشمع

5- العاملات وضیفات الملکة

ص 143

صورة تشارلز داروین

ص 145

لویس باستیر ، أثبت بتجاربه بطلان الإدعاء الداروینی القائل بـخلق المادة الحیة من مواد غیر حیة.

ص 146

لم تجد تجارب الکسندر أوبارین نفعا فی إثبات أن التطور هو التفسیر الوحید لأصل الأنواع .

ص 147

تنص معظم المصادر التی تتحدث عن نظریة التطور بأن أصل الحیاة یعتبر معضلة کبیرة لاحلّ لها .

ص 148

الترکیب المعقد للمادة الحیة یعتبر من الأسباب الرئیسیة لفشل نظریة التطور، ومثال على ذلک الحامض النووی المسمى بـالـDNA الموجود فی نواة الخلیة، فهذا الحامض یتألف من أربعة جزئیات مختلفة مرتبة ترتیبا معینا حسب الشفرة الوراثیة لذلک یعتبر هذا الحامض بنکا لمعلومات الخلیة ویحتوی على کافة المعلومات الخاصة بالکائن الحی. ولو کتبت المعلومات الخاصة التی یحملها الـDNA الخاص بالإنسان لحصلنا على 900 مجلد ضخم، وبلا شک فإنّ الترتیب المعجز للجزئیات المختلفة یعتبر متناقضا مع فرضیة الصدفة.

ص 150

قام العلماء من دعاة التطور بجهود حثیثة وتجارب عدیدة منذ بدایة القرن العشرین على البعوض لإحداث طفرات وراثیة صناعیة تحت السیطرة یمکن تحویلها إلى مفیدة ولکن النتیجة الوحیدة التی خرجوا بها هی بعوضة معوقة ومشوهة ومریضة.

الصورة إلى الجانب : رأس بعوضة عادیة .

الصورة إلى أقصى الیمین : بعوضة تعرضت لطفرة وراثیة .

ص 151

تدعى نظریة التطور أن الأنواع نشأت عن بعضها بالتطور التدریجی، ولکن المتحجرات أثبتت عکس ذلک تماما، فالعشرات من الأنواع المختلفة للکائنات الحیة المختلفة ظهرت فجأة فی بدایة العصر الکابیری الذی بدأ قبل 530 ملیون سنة، والشکل أعلاه یصور مدى التعقید الذی کانت تتسم به أجساد تلک الأنواع.

وهذا الظهور المفاجئ للأحیاء یدعى "بالانفجار الکامبری" حسب التعبیر الجیولوجی، وهو دلیل قوی على الخلق.

ص 153

السجلات الحاویة على المتحجرات تعتبر مانعا رئیسیا أمام نظریة التطور، لأن هذه السجلات تثبت أن هذه الکائنات الحیّة ظهرت فجأة دون أن یکون هناک أیة أنواع بینیّة عانت تطورا وتغییرا، أی أن الأنواع خلقت منفصلة عن بعضها.

ص 155

الحجج الواهیة لدعاة التطور

لا توجد أیة بقایا متحجرة تدعم الوهم القائل بتطور الإنسان، و بالعکس أثبتت هذه المتحجرات أن هناک فارقا شاسعا لا یمکن تجاهله بین الإنسان والقرد. أمام هذا المأزق تمسک الداروینیون بإنجاز رسومات ونماذج تصویریة لإثبات صحة نظریتهم، فقد البسوا الهیاکل العظمیة التی وجدت الوجه الذی یناسب هواهم العلمی لإثبات وجود الوهم الذی یؤمنون به وهو کائن حی نصفه إنسان ونصفه الآخر قرد.

مجموع الصور :73

الهوامش

الهوامش

1-Cemal y?ld?r?m .جمال یلدرم، Evrim Kuram? ve Ba?nazl?k،Bilgi yay?nlar ، ص47.

2-John Sparks جون سبارکس،Little Brownand Com The Discvery of Animal behavior ، بوسطن 1982ص114-117 .

3-Horimar Von Ditfurth هوریمار فون دیفورث ، 1 ALAN YAYINCILIK,DINOZORLARIN SESSIZ GECESI نوفمبر 1996 اسطانبول .ترجمة VEYSEL ATAYMAN فیصل أتایمان ص 12-19

4 -GORDEV R .TAYLOR - کوردن تایلور HARDERAND ROW, PUBLISHERS,THE EVOLUTION MYSTERY 1983 ص. 222

5-Horimar Von Ditfurth هوریمار فون دیفورث ، 1 ALAN YAYINCILIK,DINOZORLARIN SESSIZ GECESI نوفمبر 1996 اسطانبول, ترجمة VEYSEL ATAYMAN فیصل أتایمان ص. 12-19

6-CHARLES DARWIN شارلز داروین ONUR YAYINLARI 'TURLER?N K?KES?

الطبعة الخامسة - أنقرة 1996 ص. 273

7- FRANSIS DARWIN فرانسیس داروین THE LIFE AND LETTER OF DARWIN CHARLES ,المجلد الأول, NEW YORK : D, APPELETON AND COMPANY 1988 ص. 374

7-CHARLES DARWIN شارلز داروین, TURLER?N K?KES? ص. 310

9-Cemal y?ld?r?m .جمال یلدرم،Evrim Kuram? ve Ba?nazl?k ،ص.185

10 -GORDEV R .TAYLOR - کوردن تایلور, THE GREAT EVOLUTION MYSTERY 1983 ص. 221

11 -CHARLES DARWIN شارلز داروین, TURLER?N K?KES? ص. 225

12-CHARLES DARWIN شارلز داروین, TURLER?N K?KES? ص. 225

13-Cemal y?ld?r?m .جمال یلدرم، Evrim Kurami ve Ba?nazl?k ،ص.34

14-CHARLES DARWIN شارلز داروین, TURLER?N K?KES? ص. 186

15- CHARLES DARWIN شارلز داروین, TURLER?N K?KES? ص. 302

16-Cemal y?ld?r?m .جمال یلدرم،Evrim Kuram? ve Ba?nazl?k ،ص.49

17-PETER KRAPATKAN بیترکروبوتکین، MATUAL AID A FACTOR OF EVOLUTION ،1902، الجزء الأول

(http //www,etext ,org/pal?t?cs/spunk/l?brary/wr?ters/krapatk?/sp0011503/?ndex,htm/)

18-مجلة B?L?M VE TEKN?K العلم والتکنولوجیا الترکیة , العدد 190، ص. 4

19- PETER KROPOTKIN بیتر کروبوتکین, MUTUAL AID ,A FACTORAL EVOLUTION 1902, الجزء الثانی

20- JOHN MAYNARD SMITH جون ماینارد سمیث, SCIENTIFIC AMERICAN , THE EVOLUTION OF BEHAVIOR دیسمبر 1978 المجلد 239 رقم 3 ص. 176

21- GORDON TAYLOR کوردن تایلور, THE GREAT EVOLUTION MYSTERY ص. 223

22- THE ESSENTIAL OF BIOLOGY مبادئ علوم الحیاة JANET L ,HOPSON &NORMANK WESSELLS جانیت هوبون ونورمان ویلز MC GRAW-HILL PUBLISHING COMPANY 1995, الجزء 45, ص. 837-839

23- SCIENTIFIC AMERICAN , المجلد 229 , أیلول 1978, ص. 3

24-RUSSEL FREEDMAN رَسل فریدمان, E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 4

25-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان, E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 4

26-PETER JB SLATER بیتر سلَیتر,NEW YORK FACTS ON FILE PUBLICATIONS. THE ENCYCLOPEDIA OF ANIMAL BEHAVIOR 1987 ص. 87

27-GLENN OELAND کلین اویلاند NATIONAL GEOGRAPHIC ,EMPERORS OF THE ICE المجلد 189, عدد 3, مارس 1996 ص. 64

28- GIOVANNI G.BELLANI جیوفانی بیللانی, QUAND L'OISEAU FAIT SON NID , ص. 16

29- GIOVANNI G.BELLANI جیوفانی بیللانی, QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص. 85

30-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان, E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 13- 14

31- GIOVANNI G.BELLANI جیوفانی بیللانی, QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص. 90

32- GIOVANNI G.BELLANI جیوفانی بیللانی, QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص. 86

33- DAVID ATTENBOROUGH دفید اتنبورو, NEW JERSEY.PRINCETON.THE LIFE OF BIRDS 1998 ص. 233-234

34-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان, E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 47

35- GIOVANNI G.BELLANI جیوفانی بیللانی, QUAND L'OISEANUFAIT SON NID ص. 89

36-PETER JB SLATER بیتر سلیتر, NEW YORK FACTS ON FILE PUBLICATIONS. THE ENCYCLOPEDIA OF ANIMAL BEHAVIOR ص. 42

و DAVID ATTENBOROUGH دفید اتنبورو, LIFE OF BIRDS ص.234-235

37- GIOVANNI G.BELLANI جیوفانی بیللانی, QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص.88

38- DAVID ATTENBOROUGH دفید اتنبورو, LIFE OF BIRDS ص.225

39- RUSSEL FREEDMAN رسل, HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 14

40-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان , HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 14

41-DAVID ATTENBOROUGH ,دفید اتنبورو LIFE OF BIRDS ص.149-151

42- THE MERVELS OF ANIMAL BEHAVIOR ,المعجزات فی سلوک الحیوان THE GEOGRAPHIC 1972 ص.301

DAVID ATTENBOROUGH ,دفید اتنبورو LIFE OF BIRDS ص. 228

43- C. KOSWING کوسونج GENEL ZOOLOGIE , اسطنبول 1945 ص. 145-148

44-THOR LARSEN تور لارسن NATIONAL GEOGRAPHIC.POLAR BEAR: LONELY NOMAD OF THE NORTH بیسان 1971 ص. 57

45-INTERNATIONAL WILLIFE نوفمبر- دیسمبر 1994 ص. 15

46-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 15

47-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 16

48-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 17

49-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 6

50-TONY SEDDON تونی سیدون ANIMAL PARENTING ص. 27

51-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 19

52-DAVID ATTENBOROUGH دفید اتنبوروYA?ADI?IMIZ DUNYA الأرض التی نحییى علیها ص. 105-109-106

53-TONY SEDDON تونی سیدون NEW YORK .FACTS ON FILE PUBLICATIONS . ANIMAL PARENTING 1989-ص. 31

54-DAVID ATTENBOROUGH دفید اتنبوروYA?ADI?IMIZ DUNYA ترجمه إلى الترکیة نجاة ابجی اوغلو INKILAP YAYIN EVi ص. 228 استانبول 1985 ص. 104-105

55-TONY SEDDON تونی سیدون NEW YORK .FACTS ON FILE PUBLICATIONS . ANIMAL PARENTING 1989-ص. 19

56- GIOVANNI G.BELLANI جیوفانی بیللانی QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص. 59

57- GIOVANNI G.BELLANI جیوفانی بیللانی QUAND L'OISEAN FAIT SON NID ص.72

58-ROGER B.HIRSCHLAND روجر هرکلاندNATIONAL GEOGRAPHIC ;SOCIETY , HOW ANIMALS CARE FOR THEIR BABIES ص. 6

59-JACQUES COUSTEAU جـاک کوستو THE ADVENTURE OF LIFE THE OCEAN WORD OF JACQUES COUSTEAU WORLD PUBLISHING NEWYORK 1973 ص. 44

60- GIOVANNI G.BELLANI جـیوفانی بیللانی QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص. 20

61- GIOVANNI G.BELLANI جـیوفانی بیللانی QUAND L'OISEAN FAIT SON NID ص.104-105

62-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبوروLIFE OF BIRDS ص. 288-292

63-A.VINCENT أ.فنسنت NATIONAL CEOGRAPHIC ,THE IMPROBABLE SEAHORSE أکتوبر 1994 ومجلة B?L?M VE TEKN?K الـعلم والـتکنولوجیا الـترکیة, الـعدد 356 ,تـموز 1997, ص. 34-40

64-HAYVANLAR ANS?KLOPED?S? موسوعة الحیوانات PHOEBUS PUBLISHING COMPANY ;C.B.P.C PUBSHING ص.92

65HAYVANLAR ANS?KLOPED?S? موسوعة الحیواناتPHOEBUS PUBLISHING COMPANY ;C.B.P.C PUBSHING ص. 33

66-HAYVANLAR ANSIKLOPED?S? موسوعة الحیوانات PHOEBUS PUBLISHING COMPANY ;C.B.P.C PUBSHING ص. 37

67-JACQUES COUSTEAU جـاک کوستو, THE OCEAN WORLD OF JACQUES COUSTEAU QUEST FOR FOOD ص. 32.

68-JACQUES COUSTEAU جـاک کوستو, THE OCEAN WORLD OF JACQUES COUSTEAU QUEST FOR FOOD ص.35.

69-JACQUES COUSTEAU جـاک کوستو, THE OCEAN WORLD OF JACQUES COUSTEAU , QUEST FOR FOOD ص. 53.

70-TONY SEDDON تونی سیدون, ANIMAL PARENTING ص .26.

71-TONY SEDDON تونی سیدون , ANIMAL PARENTING ص. 26

72-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبورو, LIFE OF BIRDS ص. 26

73-HAYVANLAR ANSIKLOPEDISI موسوعة الحیوانات,PHOEBUS PUBLISHING COMPANY ;C.B.P.C PUBSHING ص. 246 - 247

74-TONY SEDDON تونی سیدون. ANIMAL PARENTING ص. 26

75-SCIENTIFIC AMERICAN ;DOUGLAS W.TALLANY ینایر 1999,المجلد 280 رقم 1 ص. 53-54

76-SCIENTIFIC AMERICAN ;DOUGLAS W.TALLANY ینایر 1999,المجلد 280 رقم 1 ص. 55

77-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 34-45

78-PETER JB SLATER بیتر سلیتر NEW YORK FACTS ON FILE PUBLICATIONS. THE ENCYCLOPEDIA OF ANIMAL BEHAVIOR ص. 88

79-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 1

80-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG1978 ص. 56-58

81-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 36

82-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 47-48

83-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان E.P.DUTTON NEWYORK ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG HOW1978 ص. 258

84-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبورو LIFE OF BIRDS ص.258

85- RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 1

86-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 53

87-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان E.P.DUTTON NEWYORK HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG 1978 ص. 52

88-SCIENTIFIC AMERICAN ;DOUGLAS W.TALLANY ینایر 1999,المجلد 280 رقم 1 ص. 52

89-SCIENTIFIC AMERICAN ;DOUGLAS W.TALLANY ینایر 1999,المجلد 280 رقم 1 ص. 52-53

90-SCIENTIFIC AMERICAN ;DOUGLAS W.TALLANY ینایر 1999,المجلد 280 رقم 1 ص. 51-52

91-SCIENTIFIC AMERICAN ;DOUGLAS W.TALLANY ینایر 1999,المجلد 280 رقم 1 ص. 53

92-SCIENTIFIC AMERICAN ;DOUGLAS W.TALLANY ینایر 1999,المجلد 280 رقم 1 ص. 52

93-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبورو LIFE OF BIRDS ص. 270

94-PETER JB SLATER بیتر سلیتر . THE ENCYCLOPEDIA OF ANIMAL BEHAVIOR ص. 86

95- GIOVANNI G.BELLANI جـیوفانی بیللانی QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص.20

96- مجلة B?L?M VE TEKN?K العلم والتکنولوجیا ، نیسان 1888،عدد 356 ص.12و SCIENCE ET VIE فبرایر 1998

97-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبورو LIFE OF BIRDS ص. 256

98- GIOVANNI G.BELLANI جـیوفانی بیللانی QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص.100

99- GIOVANNI G.BELLANI جـیوفانی بیللانی QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص.123-124

100-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبوروLIFE OF BIRDS ص. 262

101-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبورو LIFE OF BIRDS ص. 263

102-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبورو LIFE OF BIRDS ص.279

103- GIOVANNI G.BELLANI جـیوفانی بیللانی QUAND L'OISEAU FAIT SON NID ص.95

104-TONY SEDDON تونی سیدون. ANIMAL PARENTING ص. 32

105-SCIENTIFIC AMERICAN ;DOUGLAS W.TALLANY ینایر 1999,المجلد 280 رقم 1 ص.53

106-TONY SEDDON تونی سیدون. ANIMAL PARENTING ص. 34

107-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 36-42

19- PETER KROPOTKIN بیتر کروبوتکین MUTUAL AID ,A FACTORAL EVOLUTION

1902 الجزء الأول

109-Cemal y?ld?r?m .جمال یلدرم، Evrim Kuram? ve Ba?nazl?k ، ص.48-49

110-TONY SEDDON تونی سیدون. ANIMAL PARENTING ص. 42

111-PETER JB SLATER بیتر سلیتر . THE ENCYCLOPEDIA OF ANIMAL BEHAVIOR

ص. 114

112-EDWORD O.WILSON ادواردویلون ، THE BELKNAP PRESS OF HARVORD UNI PRESS SOCIOBIOLOGY THE NEW SYTHENSIS ، ENGLAND1975، ص.123

113-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبوروINKILAP KITABEVI YA?ADI?IMI DUNYA 1985 ص.178 .

114-EDWORD O.WILSON ادواردویلون ، THE BELKNAP PRESS OF HARVORD UNI PRESS SOCIOBIOLOGY THE NEW SYTHENSIS ، ENGLAND1975، ص.123

115-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 69 .

116-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص.66-76 .

117-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبورو YA?ADI?IMI DUNYA ، ص.185

118-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص.66-76

119-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 77

120-HAYVANLAR ANSIKLAPEDISI موسوعة الحیوانات ص. 105 .

121-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 75

122-DAVID ATTENBOROUGH دفـید اتنبورو LIFE OF BIRDS ، ص.140 .

123-مجلة BILIM VE TEKNIK ، العلم والتکنولوجیا الترکیة, سبتمبر 1902 ص. 58 .

124-HAYVANLAR ANSIKLAPEDISI موسوعة الحیوانات, ص.29 .

125-HAYVANLAR ANSIKLAPEDISI موسوعة الحیوانات, ص.80

126-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان, HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 69

127-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان, HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 72

128-JOHN SPARKS جون سبارکس ، THE DISCOVERY OF BEHAVIOR ص. 264

129- GIOVANNI G.BELLANI جـیوفانی بیللانی, QUAND L'OISEAN FAIT SON NID ص. 20

130- PETER KROPOTKIN بیتر کروبوتکین, MUTUAL AID ,A FACTORAL EVOLUTION

1902 الجزء الأول

131- PETER KROPOTKIN بیتر کروبوتکین, MUTUAL AID ,A FACTORAL EVOLUTION

1902 الجزء الأول

132- BERT H?LLDOBLER -EDWORD O WILSON برت هولدوبلرو ادوارد ویلسون ، 1990،

ص. 330-331

133-NATIONAL GEOGRAPHIC ، تموز 1995 ص.100

134- BERT H?LLDOBLER -EDWORD O WILSON برت هولدوبلرو ادوارد ویلسون ، 1990،

ص. 71

135-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان, HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 43

136-HAYVANLAR ANSIKLAPEDISI موسوعة الحیوانات { الحشرات } ص. 97-98

137-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان, HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 22-23

138-RUSSEL FREEDMAN رسل فریدمان, HOW ANIMALS DEFEND THEIR YOUNG ص. 63

139-HUGH ROSS هوک روس ، THE FIGER PRINT OF GOD ، ص.50 .

140-KLAVS DOSE - SIDNEY FOX سیدنی فوکس و کلاوس دوس،NEW YORK MARCEL DEKKER MOLECULER EVOLUTION AND THE ORIGIN OF LIFE, 1977ص.2

141-ALEXANDER I OBARIN الکسندر اوبارین، ORIGIN OF LIFE ، (1936) NEW YORK DOVER PUPLICATIONS ، 1953 طبعة مکررة ، ص. 196

142-NEW EVIDENCE ON EVOLUTION OF EARLY ATMOSPHERE AND LIFE AMERICAN ،الأدلّة الجدیدة عن التّطور فی الغلاف الجویّ والحیاة, BULLETIN OF THE METEOROLOGICAL SOCIETY ، النشرة العلمیة الصادرة من هیئة الأرصاد الجویّة الأمیرکیّة، المجلد 63, نوفمبر 1982, ص. 1328-1330

143-STANLY MILLER ستانلی میللر MOGECULEREVOLUTION OF LIFE:CURRENT STATUS OF THE PREBIOTIC OFSMALL MOLECULES 1986ص. 7

144-JEFFRY BADA جیفری بادا EARTH فبرایر 1998 ص. 95

145-LESLIE ORGEL لیسلی اورکیل SCIENTIFIC AMERICAN ;THE ORIGIN OF LIFE ON EARTH المجلد 271 اکتوبر 1994 ص.189

146- CHARLS DARWIN شارلز داروین, HARVORD UNI.PRESS;THE ORIGIN OF SPEICIER: A FACSIMILE OF THE FIRST EDITION 1964 ص. 189

147- CHARLS DARWIN شارلز داروین, HARVORD UNI.PRESS;THE ORIGIN OF SPEICIER: A FACSIMILE OF THE FIRST EDITION 1964 ص. 184

148- B.G.RANGANATHAN بی.جی رانکاتاثان ORIGIN?

149- CHARLS DARWIN شارلز داروین, HARVARD UNI.PRESS;THE ORIGIN OF SPEICIER: A FACSIMILE OF THE FIRST EDITION 1964 ص.179

150-DEREK A.AGER درک .أ. ایجر THE NATURE OF THE FASCIL RECORD

منشورات صادرة عن الجمعیة الجیولوجیة البریطانیة 'المجلد 87، 1976،ص. 133

151-DOUGLAS J.FUTUYMA دوغلاس فوتویما ، SCIENCE TRIAL ، NEW YORK : PANTHEON BOOKS 1983 ص. 197 .

152- SOLLY ZUCKERMAN سوللی زوکرومان BEYARD THE TOWEF ، TOPLINGER PUBLICATIONS ، 1970 ص. 75-94 ، CHARLES E.OXNARD ، GROUNDS FOR DOUBT THE PLACE OF AUSTRALOPITHE IN HUMAN EVOLUTION ، المجلد 258 ، ص. 389 .

153- J.RENNIE رینیه ، ERNST MAYR : DARWIN`S CURRENT BULLDOG ، SCIENTIFIC AMERICAN ، دیسمبر 1992 .

154-ALAN WALKER ، آلان ووکر ، SCIENCE ، VOL .207 ، 1980 ، ص. 1103 A.J.KELSOI ،PHYSIOAL ANTROPOLOGY ، الطبعة الأولى ، NEW YORK : J.B.LIPINCOTTCO ، 1970 ،ص. 221 M.D.LEAKEY لیکی، OLDUVAI GORGE ، VOL . 3 ، CAMBRIDGE CAMBRIDGE. UNI PRESS ، 1971 ، ص. 272 .

155- مجلة TIME التایم ، نوفمبر 1996 .

156-S.J.GOULD ، NATINAL HISTORY ، VOL 85 ، 1976 ص. 30 .

157- SOLLY ZUCKERMAN سوللی زکرمان ، BEYAN OF THE IVERY TOWER ،

TOPLINGER PUBLICATIONS : NEW YORK ، 1970 ص. 19 .

158- RICHARD LEWONTIN ریتشارد لیونتن ، THE DEMON-HOUNTED WORLD ،

THE NEW YORK REVIEW OF BOOKS ، 9 ینایر 1997 ، ص. 28 .

الفکـر المــادّی

الفکـر المــادّی

بعد هذا الاستعراض الفکری یتبین لنا أن نظریة التطور فی حالة تناقض تام مع الأدلة العلمیة الموجودة ، لأن إدعاء نشوء الحیاة بالتطور مناف لقواعد العلم ولا یمکن إیجاد أی أساس علمی یستند علیه ویمکن من خلاله البدء بالمناقشة والتحلیل والنقد الموضوعی وأثبتت المتحجرات بعدم وجود الکائنات الحیة البینیة ، ومادام الأمر کذلک فینبغی طرح هذه النظریة جانبا باعتبارها متناقضة مع العلم وقواعده وأحکامه ، کما حصل للنظریة القائلة بأن الأرض مرکز الکون والتی طرحت جانبا هی الأخرى .

ولکن هناک إصرار عجیب على التأکید بصحة هذه النظریة فی دنیا العلم ، والبعض من الغلاة یذهب بعیدا فی غلواءه مؤکدا أن أی هجوم على هذه النظریة هو هجوم على العلم والعلماء ، ولکن لماذا ؟

وسبب هذا الغلو ناشئ من کون النظریة بالنسبة لبعض الجهات اعتقادا تلقینیا لا یمکن أن یفرط فیه وهذه الجهات تؤمن بالمادیة إیمانا أعمى وتعتبر الدارویننیة مصدر الهام لها فی إیجاد تفسیرات للظواهر الطبیعیة .

وأحیانا یعترف دعاة التطور بهذه الحقیقة ، مثلا Richard liwentin ریتشارد لیونتن الباحث المشهور فی علم الجینات والذی یعمل فی جامعة هارفارد ویعتبر من المدافعین عن نظریة التطور یعترف بکونه مؤمنا بالمادیة ومن ثم یتحدث عن نفسه أنه رجل علم قائلا :

" لدینا إیمان بالمادیة ونقبلها کبدیهیة ، والأمر الذی یجبرنا على إیجاد تفسیرات مادیة للظواهر الدنیویة لیس العلم ووسائله ، بالعکس فإننا نعمل انطلاقا من إیماننا بالمادیة ولهذا السبب نقوم بإجراء التجارب واستخدام کافة الوسائل لإیجاد تفسیرات مادیة للظواهر الدنیویة ، وبما أن المادیة مقبولة من قبلنا ونعترف بصحتها إطلاقا فلا نأذن أبدا للتفسیرات الإلهیة أن تدخل حلبة الصراع العلمی ".(158)

وهذا الکلام نتاج لمدى الترابط الوثیق بین المادیة والدارویننیة باستخدام التلقین المؤدی إلى أعمى الفکر والعقل .

وهذا التلقین یفترض أنه لا یوجد شیء سوى المادة ، وأن الحیاة نشأت من المادة من شیء غیر حی ، أی أنها تقبل بنشوء الملایین الحیة المختلفة کالطیور والأسماک والزرافات والنمور والحشرات والأشجار والأزهار والحیتان والإنسان من التفاعلات والتغییرات الحاصلة داخل المادة أو بمعنى آخر من نزول المطر والصواعق ، والحقیقة أن هذه الفرضیة منافسة لقواعد العلم والعقل ، ولکن یستمر الدارویننیون فی الدفاع عن نظریتهم بشتى الوسائل لمنع دخول التفسیرات الإلهیة حلبة الصراع العلمی .

والناظر إلى مسألة أصل الأنواع نظریة غیر مادیة لابد أن یجد الحقیقة التالیة : کل الکائنات الحیة وجدت نتیجة خلقها من قبل خالق ذی قدرة وقوة لا حدّ لهما ، وهذا الخالق هو الله سبحانه وتعالى الذی فطر السماوات والأرض وخلق الأحیاء کلها من العدم وهو الخلاق العلیم .

الداروینیة الحدیثة و الطفرات الوراثیّة

الداروینیة الحدیثة و الطفرات الوراثیّة

قام الداروینیون بمواجهة هذا المأزق اعتبارا من نهایة الثلاثینیات عبر طرح نظریة جدیدة باسم النظریة الصنعیة الحدیثة وشاعت باسم النیودا روینیة أو الدراوینیة الحدیثة ، وتستند على فرضیة حدوث تغییرات فی البناء الجینی للإحیاء وهذه التغییرات قد تکون مفیدة وتدعى الطفرات الوراثیّة و تکون ضارة نتیجة التعرض للإشعاعات الضارة أو نتیجة خطأ فی الاستنساخ الوراثی ،وحالیا تحافظ الدارویننیة على کیانها النظری عبر هذه الفرضیة ، وتدعی هذه النظریة بصورة عامة أن أعضاء الکائنات الحیة ذات تراکیب معقدة للغایة نشأت عن طریق الطفرات الوراثیّة التی طرأت على أجسام هذه الکائنات وبمرور الزمن أخذت شکلا معینا کالأنف والعین والأذن والأجنحة وغیرها من الأعضاء ، ولکن ظلت هذه الفرضیة عاجزة أمام الحقیقة وهی أن لا تؤدی إلى ظهور أنواع جدیدة بالعکس تعتبر تغییرات ضارة . وسبب ذلک بسیط للغایة : وهو الـDNA ذو الترکیب المعقد ، فجزئیة هذا الحامض النووی تتعرض لأضرار جسیمة فی حالة تعرضها لتأثیر خارجی ولو اعتباطی ، ویشرح هذا الأمر بالتفصیل الباحث الأمیرکی B.G RAGANATHAN ب.ج. راکنا ثان وهو متخصص فی علم الجینات قائلا :إن الطفرات الوراثیّة عبارة عن تغییرات عشوائیة وضارة وصغیرة ومن النادر جدا حدوثها وفی أحسن الأحوال تکون غیر فعالة ، وهذه الخصائص الثلاثة تبین عدم إمکانیة لعب دور کبیر فی التطور المفترض . ومن البدیهی أن تکون أیة طفرة وراثیّة تطرأ على کائن حی متکامل الأعضاء إما ضارة أو غیر فعالة ،مثلا أی تغییر یطرأ على ساعة ید لا یؤدی إلى تطورها ، فإما یضرها أو لا ینفعها فی أحسن الأحوال ، والزلزال لا یطور مدینة بل یدمرها .(148) وإلى یومنا لم تشاهد أیة طفرة وراثیّة أو تغییر جینی للکائن الحی. و یفهم من هذا العرض أن الطفرات الوراثیّة التی سیقت من قبل النظریة کمفهوم أو آلیة خاصة للتطور هی فی الحقیقة تغییر ذو طابع تخریبی على أجساد الکائنات الحیة یترکها معوقا فی الغالب ، { والأثر البالغ الذی تترکه الطفرات الوراثیّة على جسم الإنسان هو الإصابة بمرض السرطان } .ومثل هذه الآلیة التخریبیة لا یمکن لها أن تکون آلیة للتطویر ، أما الانتخاب الطبیعی فکما اعترف داروینن بنفسه فلا یمکن لوحده أن یکون ذا تأثیر بالغ ن وهذه الحقیقة تین لنا عدم وجود أیة آیة آلیة للتطور فی الطبیعة ، ولعدم وجود هذه الآلیة فمن الطبیعی أن لا تکون هناک أیة فترة لازمة لهذا التطور المزعوم .سجلات الحفریات : لا أثر لأی أنواع انتقالیة أحسن شاهد على عدم وجود فترة للتطور کما تدعی النظریة هو سجلات الحفریات. فحسب هذه النظریة أن الکائنات الحیة نشأت وتطورت عن بعضها البعض ، فهناک کائن حی نشأ کأول نوع ثم نشأ عنه نوع آخر وهکذا ، وحسب النظریة فإن هذه العملیة استمرت مئات الملایین من السنین وتحققت خطوة خطوة .ومادام الأمر کذلک فیجب أن تکون هناک أنواعا انتقالیة عدیدة عاشت وتکاثرت على وجه البسیطة . على سبیل المثال یفترض أن یکون هناک کائن حی نصف سمکة ونصف زاحف أی یملک جزءا من خصائص الأسماک وجزءا من خصائص الزواحف قد عاش وتکاثر على کوکب الأرض أو کائن حی یحمل خصائص مشترکة من الزواحف والطیور ، ولکونها کائنات أو أنواعا من کائنات حیة انتقالیة فیفترض أن تکون محطة للتجربة فتنشأ معوقة أو ذات نواقص أو عیوب فسیولوجیة أو مورفولوجیة . ویدعو دعاة التطور هذه الکائنات بالـ کائنات الحیة البینیة ولو صح أن هذه الکائنات البینیة قد عاشت وتکاثرت فیجب أن یکون عددها بالملایین وحتى بالملیارات ، ویفترض أن نجد لها أثرا فی الحفریات ، ویشرح داروینن هذا الأمر فی کاتبه أصل الأنواع : إذا صحت نظریتی فینبغی وجود کائنات حیة بینیة عدیدة جدا على کوکبنا والذی یثبت هذا الأمر هو وجوب إیجاد أثر لها فی الحفریات الجاریة عن المتحجرات .(149)

خیبة أمل داروین

استمرت أعمال البحث عن المتحجرات منذ أواسط القرن التاسع عشر وحتى یومنا هذا فی کافة أنحاء الأرض التی نعیش علیها ولکن لم تجد هذه الأبحاث والحفریات عن إیجاد أی أثر لهذه الکائنات البینیة . وثبت من الأدلة التی تم التوصل إلیها عن طریق فحص المتحجرات التی حصل علیها العلماء نتیجة هذه الحفریات أن جمیع الکائنات الحیة نشأت وظهرت على وجه الأرض بدون نقص وفی نفس التوقیت وهذا عکس ما یدعیه الدارویننیون .

واعترف بهذه الحقیقة الباحث فی علم المتحجرات DEREK W.AGER درک.و.أیکر بالرغم من کونه مؤمنا بفکرة التطور قائلا :أن مأزقنا هو : عندما نقوم بتدقیق سجلات الحفریات نجد أمامنا حقیقة واحدة لا غیر سواء المتعلقة بالأجناس أو بالأنواع ، نرى أمامنا مخلوقات ظهرت فجأة على شکل مجامیع بدلا من رؤیتنا لکائنات متطورة تدریجیا (150).

أی أن هذه الحفریات تدل على أن هذه المتحجرات تعود إلى کائنات حیة ظهرت فجأة على وجه الحیاة بدون أی نقص ولا أثر فی هذه المتحجرات لأی مخلوقات حیة بینیة ، وهذا یتعارض مع ادعاءات داروینن ، والأبعد من ذلک أن هذا دلیل کاف على هذه الکائنات المخلوقة ، لأن هذا الدلیل یبین لنا هذا الکائن الحی قد ظهر إلى الوجود بدون جدّ له ودون أیة عملیة للتطور أی أن هذه الکائن الحی مخلوق حتما ، ویعترف بهذه الحقیقة Doglas Futuyma دوغلاس فوتویما بعلم الأحیاء قائلا :

الخلق والتطور یعتبران مفهومان ذوا صدى بشأن أصل الکائنات الحیة ، فهناک احتمالان لا ثالث لهما الأول أن تکون الکائنات الحیة قد ظهرت إلى الوجود فجأة ودون نقص أی أنها مخلوقة أو أن تکون غیر ذلک ، وعندما تکون غیر ذلک ینبغی أن تکون مرت بفترة تطور عن أنواع أخرى سبقتها فی الوجود ، وإذا کانت هذه الکائنات الحیة قد ظهرت فجأة وبهذا الشکل المعجز فینبغی أن یکون هناک من خلقها بهذه الصورة وهذا الخالق بلا شک ذو قوة لا حد لها (151).

أما المتحجرات فتعتبر دلیلا قویا على الکائنات الحیة قد ظهرت إلى الوجود دون نقص وبهذا الشکل المتکامل أی أن أصل الأنواع لیس کما یدعى داروینن بل الخلق .

قصة تطور الإنسان

من أهم الموضوعات التی یخوض فیها الدارویننیون ویدخلون فی نقاشات متشعبة عنها هی موضوعة أصل الإنسان ، أما الإدعاء الداروینی بهذا الصدد فیتلخص فی فرضیة کون الإنسان قد نشأ من مخلوقات شبیهة بالقرود ، وهذا النشوء والتطور قد استمر لفترة من 4-5 ملیون سنة تطور هذا المخلوق الشبیه بالقرود إلى أنواع بینیة حتى أخذ شکل الإنسان الحالی ، وصنفت أربعة أنواع للإنسان حسب التسلسل الزمنی :

1-Austrapithecus أوسترالوبیثیکوس

2-Homo Habilis هومو هابیلیس

3-Homo Erectus هومو أرکتوس

4-Homo Sapiens هوموسابینس { الإنسان الحالی }

وسمى الدارویننیون الجد الأعلى للإنسان باسم " Australopitheucus " أو قرد الجنوب ، وفی الحقیقة لم تکن هذه المخلوقات إلا أنواعا من القرود المنقرضة ، وثبتت ذلک علمیا عن طریق الأبحاث التی أجراها باحثان مشهوران فی علم التشریح وهما الأمیرکی Charles Oxnard تشارلس أوکسنارد والبریطانی Lord Solly Zuckerman اللورد سوللی زوکرمان وأثبتا أن هذا النوع من الکائنات الحیة لا یمت بأیة صلة بالإنسان .(152)

ویصنف دعاة التطور الجیل التالی من هذه الأحیاء تحت اسم Homo أی الإنسان ، وهذا الجیل تطور عن قرد الجنوب أو الـ Australopithecus ویرتب هؤلاء المتحجرات الخاصة بهذا لا کائن الحی تتشکل جدولا زمنیا لعملیة التطور وهو جدولا خیالیا بالطبع والخیالیة نابعة من عدم وجود أی دلیل یثبت أن هذه الأنواع نشأت وتطورت عن بعضها ، واعترف بهذا الخطأ العلمی أحد أشرس المدافعین عن نظریة التطور فی القرن العشرین وهو Ernest mayr أرنست مایر

قائلا : " إن السلسلة المتصلة بـ Homo sapiens فی حقیقتها مفقودة " (153).

ویدعی المؤمنون بنظریة التطور أثناء تشکیلهم للسلسلة التی حلقاتها هی :

Australopithecus ___Homo Habilis___Homo Erctus___Homo Sapiens بأن کل نوع منها هو جد النوع الذی یلیه ، ولکن علماء المتحجرات بعد فحصهم للمتحجرات الخاصة بـ Australopithecus و Homo Habilis و Homo Erectus أن هذه الأنواع قد عاشت فی أنحاء مختلفة من کوکب الأرض وفی نفس الفترة الزمنیة .(154)

و الأدهى من ذلک أن أفرادا من نوع Homo Erectus قد عاشت حتى فترات زمنیة حدیثة {قریبة} ، حتى أن إنسان النیاندرتال Homo Sapiens Neandertalensis و إنسان

الـ سابینس { الإنسان الحالی } Homo Sapiens Sapiens قد عاشا فی نفس الوسط أو البیئة جنبا إلى جنب .(155)

وهذه الأدلة بالطبع تؤدی إلى نفس الادعاءات القائل بأن هذه الأنواع جد بعضها البعض .

ویتحدث Stephen Jay Gould ستیفن جی کوولد المتخصص فی علم المتحجرات فی جامعة هارفارد عن هذا المأزق العصیب الذی دخلته نظریة التطور بالرغم من کونه مؤمنا بها قائلا :

أمامنا مشهد یصور لنا أن هناک ثلاثة أنواع مختلفة من الإنسان تعیش بموازاة بعضها ، إذن فما الذی حدث لشجرة التطور الخاصة بنا ؟ والواضح أن لا أحد من هذه الأنواع قد تطور من

الآخر ، والأبعد من ذلک عندما نجری بحثا مقارنة نوعیة بین هذه الأنواع لا نجد بینها أی ترابط یدل على أنها تطورت بعضها عن بعض تدریجیا .

وملخص الکلام أن النظریة الخاصة بنشوء الإنسان من مخلوق نصفه قرد ونصفه الآخر إنسان

ماهی إلا نظرة خیالیة مستندة على نوع من الدعایة المضللة لجعلها صحیحة فی دنیا العلم ولکن الحقیقة أن هذه النظریة لا تستند إلى أی دلیل علمی یثبت صحتها أو صحة فرضیتها .

وتوصل لهذه الحقیقة Lord solly zuderman اللورد سوللی زالرمان الذی أجرى أبحاثا على متحجرات الـAustraalopithecus ولمدة خمسة عشرة سنة وهذا الباحث یعتبر من أشهر علماء المتحجرات فی بریطانیا ومؤمنة فی نظریة التطور وبالرغم من کونه کذلک اعترف بعد أبحاثه بأن لا توجد سلسلة تطوریة تمتد من الکائنات الشبیهة بالقرود إلى إنساننا الحالی .

وارتکب Zuckerman زاکرمان خطأ علمیا یلفت الانتباه ، فقد صنف فروع المعرفة التی یعترف بکونها موجودة علمیا إلى عملیة وغیر عملیة ، واستنادا إلى الجدول الذی صنفه زاکرمان تعتبر الکیمیاء والفیزیاء على قمة الجدول لاستنادهما إلى الأدلة المادیة ویعقبهما علم الأحیاء فالعلوم الاجتماعیة وأسفل الجدول أی فروع المعرفة غیر العلمیة فقد صنفها زاکرمان ذاکرا علم تبادل الخواطر Telepathy أو الحاسة السادسة وأضاف إلیها " تطور الإنسان " فی حافة الجدول السفلیة وأضاف معلقا :

عندما نخرج من عالم الأدلة المادیة ونلج إلى علوم تمت بصلة بعلم الأحیاء مثل علم تبادل الخواطر وتاریخ المتحجرات الخاصة بالإنسان نجد أن کل الاحتمالات ممکنة بالنسبة لمن یفکر ویؤمن بفکرة تطور الإنسان ، وحق یمکن لهؤلاء أن یقبلوا بعض الاحتمالات المتناقضة فی آن واحد (157).

إذن قصة تطور الإنسان ماهی إلا نتاج إیمان أعمى بنظریات موضوعة استنادا إلى متحجرات اعتبروها دلیلا لهم وهی فی الواقع دلیلا علیهم وعلى بطلان ادعاءاتهم السمجة .