الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

کیف تنجح الحیوانات فی إنجاز هذا العمل ؟

کیف تنجح الحیوانات فی إنجاز هذا العمل ؟

تصوّروا إنسانا لیست لدیه أیة معرفة بالعمارة ولا عمل فی قطاع البناء أبدا ولیست لدیه خبرة فی تحضیر المواد الأولیة للبناء ولا عن کیفیة البناء ومع هذا یقوم بإنشاء مسکن بکل براعة وإتقان, کیف یحصل هذا؟ هل یستطیع أن یفعل ذلک لوحده ! بالتأکید لا، فالإنسان الذی یعتبر مخلوقا عاقلا وذا منطق من الصعوبة أن یسلک هذا السلوک .

إذن هل من الممکن أن تسلک هذه الحیوانات سلوکا یتطلب ذکاء وقابلیة ؟ وکما أسلفنا القول فی الصفحات السابقة إنّ أغلب الحیوانات لا فقط لا تملک مخا وإنما تفتقر إلى جهاز عصبی ولو بسیط ولکنّها مع ذلک تقوم بحسابات دقیقة جدا عند إنشائها لأعشاشها، وتطبق قوانین الفیزیاء وتستخدم أسالیب تتطلب مهارة خاصة بالنسیج والخیاطة، إضافة إلى إیجادها حلولا أمام کلّ المشاکل التی تعترض سبیلها أو سبیل صغارها وبصورة عملیة تماما. وتعد هذه الحیوانات لنفسها خلطة البناء بصورة طبیعیة ومتقنة فضلا عن ترکیبها وصفة خاصة لعزل عشها عن تأثیرات البیئة السلبیة. ولکن هل یعرف الطیر أو الدب القطبی معنى العازل الحراری؟ وهل یفکر هذا الحیوان أو ذاک بضرورة تدفئة عشه أو عرینه ؟ والواضح أن هذه الاستنتاجات الفکریة لا یمکن أن تصدر من هذه الحیوانات، إذن کیف اکتسبت هذه الحیوانات مثل هذه الخبرة والمهارات؟

و هذه الحیوانات تتّصف کذلک بأنها مثابرة وصبورة جدا فی إنشائها لمساکنها على الرغم من أن هذه المساکن تکون فی أغلب الأحیان محلاّ لسکن صغارها فقط.

هناک تفسیر واحد لهذه العقلانیة والمنطقیة والتفانی فی سلوک هذه الحیوانات, إنه الإلهام الإلهی. فالبارئ المصور خلقها بهذه الصورة الکاملة وألهمها هذا السلوک کی تحافظ على نسلها وعلّمها الدفاع عن النفس و الصّید و التّکاثر کلّ بأسلوبه الخاص الذی یمیّزه باعتباره نوعا حیوانیاّ مختلف، هو الله الحافظ الرّحمان الذی رحمته وسعت کل شیء وبرحمته هذه علّم هذه الحیوانات کیفیة بناء أعشاشها وفق تخطیط بارع و متقن، وما الکلام عن "التطور" و من أن " الطبیعة الأم" أو المصادفات هی التی علمت الکائنات الحیة هذه الأنماط السلوکیة سوى تخبط لا أساس له سواء فکریا أو علمیا، وما سلوک الحیوانات هذا سوى إلا إلهام إلهی ورحمة واسعة من لدن الرحمن الرحیم .

ویقول الله سبحانه وتعالى فی کتابه المبین " وأوحى ربک إلى النحل أن اتخذی من الجبال بیوتا ومن الشجر وممّا یعرشون " صدق الله العظیم . سورة النحل - الآیة 68 .

إنه هو الذی ألهم النحل کیفیة بناء الخلیة وکذلک باقی الکائنات الحیة ألهمت من قبله جلت قدرته کیفیة بناء مساکنها وکیفیة إعداد المواد اللاّزمة للبناء والأسالیب المتّبعة لإنجاز تلک الأعمال و کذلک الحفاظ على النسل والتضحیة فی سبیل الحفاظ على حیاة الصغار. إنّ الکثیر من الکائنات الحیة تبدی تفانیا محیّرا وتتحمل صعوبات کثیرة فی سبیل التکاثر والحفاظ على بیضها أو صغارها المولودین حدیثا، ویمکن مشاهدة نماذج فی الطبیعة تضحی بحیاتها فی سبیل ذلک. فمثلا هناک أنواع من الحیوانات تقطع کیلومترات عدیدة جدا فی سبیل وضع البیض وأخرى تبذل جهدا شاقا ودؤوبا لإنشاء أعشاش آمنة، وأنواع أخرى تموت مباشرة بعد التکاثر ووضع البیض فضلا عن أنواع تحمل بیضها فی فمها لمدة أسابیع دون أن تتغذى أو أنواع تحرس بیضها لمدة أسابیع أیضا دون کلل أو ملل.

والحقیقة أن هذه الأنماط السلوکیة الفریدة تهدف إلى تحقیق غایة واحدة هی الحفاظ على النّسل لأن الصغار و هم ضعاف لا یستطیعون البقاء إلاّ برعایة الکبار البالغین الأقویاء، فلوترک غزال مولود حدیثا وحده فی العراء أو لو ترک بیض طیر دون حمایة لاشک أن حظهما فی البقاء یکون ضئیلا جدا. والملاحظ فی الطّبیعة أنّ الحیوانات البالغة تقوم برعایة صغارها دون ملل أو إهمال أو استنکاف وتتحمل مسؤولیة الرعایة کاملة, کلّ ذلک استجابة للإلهام الإلهی.

والغریب أیضا فی هذه المسألة هو کون الکائنات الحیة التی تبدی تفانیا ودأبا فی رعایة صغارها هی من أقل الکائنات الحیة تکاثرا، ومثال على ذلک الطیور فهی تضع عددا محدودا من البیض کلّ سنة ولکنها تهتم بهذا العدد من البیض اهتماما بالغا. وهذا القول جائز فی اللبائن أیضا والتی یمکن القول عنها أنها تلد مولودا واحدا أو مولودین ولکنها تستمر فی الرّعایة و العنایة مدة طویلة نسبیا، وهنا ک کائنات حیة لا تبدی اهتماما ملحوظا بصغارها بالرغم من کونها تبیض أعدادا کبیرة من البیض تقدر بالآلاف مثل الأسماک والحشرات أو الفئران التی تلد أعدادا کبیرة فی کل موسم تکاثری, ولکونها بهذا العدد الضخم ضمن العائلة الواحدة فإن الاحتمال عال باستمرار النّسل بالرغم من هلاک أعداد کبیرة من الصغار فی المراحل الأولى من حیاتها. ولو کانت هذه الحیوانات تهتم بصغارها بصورة کبیرة لکانت أعدادها تتزاید باطراد وبالتّالی یحدث خلل فی التّوازن البیئی, ومثال على ذلک فئران الحشائش التی تتکاثر بصورة کبیرة جدا ولو حدث أن حافظت على أعدادها المتزایدة لملأت هذه الفئران وجه البسیطة(49). و المعلوم أنّ التکاثر یمکن اعتباره إحدى الوسائل الکفیلة بالحفاظ على التوازن البیئی إلا أن الکائنات الحیة لا یمکن لها التحکم فی خاصیة "التکاثر" هذه من وحی علمها أو سلوکها المنطقی .

والمعلوم أیضا أن هذه الکائنات الحیة مخلوقات غیر عاقلة لذا فلا یمکن أن ننتظر منها سلوکا ضابطا للإیقاع التکاثری حفاظا على التوازن البیئی و لا حسابا مضبوطا لتحقیق ضرورة التکاثر من أجل استمرار النسل. وکل هذه الشواهد الحیة تدل على وجود قوة تدیر هذه السیمفونیة الطبیعیة، وهذه القوة تملی إرادتها على کل کائن حی على حدة لیمارس دوره المسیّر ( ولیس المخیّر ) فی ممارسة مهمّته فی البیئة الطبیعیة على أکمل وجه، أی أنّ الحقیقة تتمثل فی عدم وجود أیّ کائن حی خارج السیطرة أو تحرّکه بشکل اعتباطی, فکل الکائنات الحیة تنقاد وتخضع لله الواحد القهار .

ویقول الله سبحانه وتعالى فی محکم کتابه المبین عن کیفیة تکاثر الأحیاء بإذنه جل جلاله وعن کیفیة تقدیره لحیاتها ومماتها وهو الحی القیوم: " الله یعلم ما تحمل کلّ أنثى وما تغیض الأرحام وما تزداد وکل شیء عنده بمقدار " سورة الرعد - الآیة 8 ویقول أیضا: " ومن آیاته اللیل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الّذی خلقهن إن کنتم إیاه تعبدون " سورة فصلت - الآیة 47, أمّا فی سورة الشورى-الآیة 49-50 فیقول تعالى : " لله ملک السموات والأرض یخلق ما یشاء یهب لمن یشاء الذکور (49) أو یزوجهم ذکرانا وإناثا ویجعل من یشاء عقیما إنه علیم قدیر (50) " صدق الله العظیم .

مهندسو ما تحت الماء

مهندسو ما تحت الماء

من المعلوم أن الأسماک لیس من عادتها بناء منازل خاصة بها، إلا أن هناک أنواعا منها یسلک سلوکا محیرا, فأسماک المیاه العذبة تنشأ لها مساکن خاصة فی قیعان البحیرات أو الأنهار أو المیاه الراکدة، وغالبا ما تکون على شکل حفر یتم حفرها بین الأحجار أو الرمال، ومثال على ذلک سمک " السلمون " وسمک "البنی " فهی تترک بیضها داخل هذه الحفر حتى تفقّس لوحدها. و هناک أنواع أخرى من الأسماک تقوم بحراسة هذا البیض بالتناوب بین الذکر والأنثى عندما یکون البیض مکشوفا والأخطار محیقة . ومعظم أنواع الأسماک تتمیز بکون الذکر هو المسؤول عن إنشاء المساکن الخاصة بوضع البیض وحراستها أیضا.

وهناک أسماک تتمیز بکون مساکنها أکثر تعقیدا، ومثال ذلک السمک الشوکی الذی یعیش فی أغلب المناطق النّهریة والبحیرات فی کلّ من أمریکا الشمالیة وأوروبا إذ یقوم الذکر بإنشاء أعشاش أکثر اتقانا من أعشاش الطیور، حیث یقوم هذا النوع من السمک بجمع أجزاء من النباتات المائیة ومن ثم یلصقها ببعضها البعض عن طریق سائل لزج یفرز من کلیّ هذا السّمک ویقوم الذکر بالسباحة حول هذه الخلطة اللزجة والتمسح بها حتى یعطیها شکلا طولیا منتظما وبعدها یثب فجأة سابحا من منتصف هذه العجینة شاقا إیاها لکی تصبح على شکل نفق له مخرج ومدخل ویمر من خلاله الماء، و إذا حدث أن مرت أنثی بالقرب من هذا النفق العش یقوم الذکر بمغازلتها بالسباحة حولها جیئة وذهابا حتى یذهب بها إلى مدخل النفق الذی یحاول أن یدلها علیه عن طریق مقدمة رأسه، وعندما تبیض الأنثى داخل هذا النفق یدخل الذکر من المقدمة دافعا الأنثى إلى الخارج عن طریق المؤخرة. وهکذا تعاد العملیة مع عدة أثاث وهدف الذکر من دخول النفق وطردهم إیاهن هو تلقیح البیض. وعندما یمتلأ النفق بالبیض یبدأ الذکر بحراستها ویثابر على السماح بدخول الماء العذب إلى النفق، ومن جانب آخر یقوم بترمیم الأجزاء التالفة منه، ویستمر فی حراسة النفق حتى بعد عدة أیام من فقس البیض. وفیما بعد یقوم بقطع الجزء العلوی من النفق تارکا السفلی لمعیشة الصغار (48).

مسکن الضفدع "الحداد"

مسکن الضفدع "الحداد"

یعتبر هذا النوع من أبرع البرمائیات فی إنشاء مسکه وهو یعیش فی جنوب إفریقیا، و یقوم الذکر بإنشاء هذا المسکن على ضفة الماء فالذکر یشرع فی الدوران حول نفسه فی الطین حتى یحدث فیه ثقبا واضحا، ومن ثم یقوم بتوسیع حوافی هذا الثقب، وعند اکتمال هذه الخطوة یبدأ بتکوین جدران طینیّة متینة لهذا الثقب وفی النهایة یکون قد أنشأ حوضا مائیا بعمق 10سم، ویبدأ بالجلوس داخل هذا الحوض ویصدر أصواتا یدعو فیها الإناث للتکاثر (التزاوج) ویظل على هذا الوضع حتى یلفت انتباه إحدى الإناث وعند مجیء الأنثى تبدأ بوضع بیضها داخل الحوض أما الذکر فوظیفته تلقیح هذا البیض. وبعد ذلک یبدأ کلاهما بمراقبة هذا البیض حتى فقسه، وعند الفقس تخرج یرقات الضفادع والتی تکون محاطة بغلاف واقی وتبقى فی هذا الحوض بمأمن من خطر الأسماک والحشرات وعندما تترعرع سرعان ما تثبت فوق جدران هذا الحوض المخصص (لرعایة الصغار) لتخرج وتبدأ حیاتها (47).

مساکن التّماسیح

مساکن التّماسیح

تعدّ أنثى التمساح الذی یعیش فی منطقة "أفیرکلیدس" فی فلوریدا مکانا مختلفا جدّا لوضع البض فهی تقوم بجمع النباتات المتعفنة وتخلطها بالطین لتصنع منها تلة ارتفاعها 90سم تقریبا ومن ثم تحفر حفرة فی قمة هذه التلة لتضع فیها بیضها وتغطیها بعد ذلک بالنباتات التی تکون قد جمعتها من قبل ثم تبدأ بحراسة هذه التلة من خطر الأعداء. وعندما یبدأ البیض بالفقس تقترب الأم عند سماع أصوات صغارها وهم یصدرون أصواتا متمیزة و تقوم بإزالة النباتات التی غطتها بها ویبدأ الصغار بالتسلق إلى أعلى, و تجمعهم الأم فی تجویف فمها المتسع وتذهب بهم إلى الماء لیبدأوا حیاتهم (46).

الملاجئ الثّلجیّة للدّب القطبی

الملاجئ الثّلجیّة للدّب القطبی

تنشئ أنثى الدّب القطبی ملجأ ثلجیا عندما تکون حاملا أو بعد وضعها لولیدها, وهذا الملجأ تحت رکام الجلید، و عدا هذا فإنها لا تعیش فی ملاجئ أو مساکن معینة. وعموما تضع الأنثى ولیدها فی منتصف الشتاء, و یکون الولید الصّغیر لحظة ولادته أعمى و لا شعر له إضافة إلى صغر حجمه، لذا فالحاجة ماسة إلى ملجئ لرعایة هذا المولود الصّغیر الضعیف. والملجأ التقلیدی یتم إنشاؤه على شکل مترین طولا ونصف قطره تقریبا أی نصف متر عرضا لأن الملجأ یکون على شکل کرة ارتفاعها نصف متر أیضا. ولکن هذا المسکن أو الملجأ لم ینشأ هکذا دون أیّ اهتمام أو تخطیط بل حفر تحت الجلید بکل عنایة واهتمام وسط بیئة مغطاة بالجلید, وتم توفیر کل وسائل الراحة والرعایة للولید الصغیر فی هذا الملجأ. وعموما فإنّ لهذه الملاجئ أکثر من غرفة تنشؤها الأنثى بمستوى أعلى قلیلا من مدخل الملجأ کی لایسمح للدفء بالتّسرب إلى الخارج.

وطیلة فصل الشتاء تتراکم الثلوج على الملجأ ومدخله وتحافظ الأنثى على قناة صغیرة للتهویه والتنفس، ویکون سقف الملجأ بسمک یتراوح ما بین 75 سم و مترین. و یقوم هذا السقف بدور العازل الحراری فیحافظ على الدفء الموجود داخل الملجإ ولهذا تبقى درجة الحرارة ثابتة داخله (45).

وقام أحد الباحثین فی جامعة أسلو النرویجیة ویدعى Paul Watts بتثبیت محرار فی سقف أحد ملاجئ الدّببة لقیاس درجة الحرارة وتوصّل إلى نتیجة مذهلة, فدرجة الحرارة خارج الملجأ کانت حوالی 30 تحت الصفر أما داخل الملجأ فلم تنزل الحرارة تحت 2-3 أبدا. والظاهرة الملفتة للانتباه هی کیفیة قیاس أنثى الدب لسمک السّقف الثلجی کی یتواءم مع درجة عزله الحراری لداخل الملجأ إضافة إلى کون الوسط داخل الملجأ بهذه الحرارة ملائما للأنثى من ناحیة تنظیم استهلاک مخزونها الدّهنی فی جسمها أثناء سباتها الشتوی, والأمر الآخر المحیر هو خفض أنثى الدب القطبی لجمیع فعالیاتها الحیویة إلى درجة کبیرة أثناء سباتها الشتوی کی لا تصرف طاقة زائدة ولتساعد على إرضاع صغیرها، وطیلة سبعة أشهر تحوّل الدّهن الموجود فی جسمها إلى بروتین لازم لتغذیة صغارها, أما هی فلا تتغذى أبدا وتنخفض دقات قلبها من 70 ضربة فی الدقیقة إلى ثمان ضربات فی الدقیقة وبالتالی تنخفض فعالیاتها الحیویة، ولا تقوم بقضاء حاجاتها أیضا وبهذه الطریقة لا تصرف طاقتها اللازمة لتنشئة الصغار الذین سیلدون فی تلک الفترة.

الأعشاش التی تبنیها الکائنات الحیة المختلفة

الأعشاش التی تبنیها الکائنات الحیة المختلفة

نحل "البامبوس" :یتمیز هذا النوع من النحل بتضحیة وتفان فریدین عند بنائه لخلیته، فالملکة الشابة تبدأ فی البحث عن أنسب مکان لإنشاء الخلیة قبل أن تبدأ بوضع بیضها بفترة قصیرة، وبعد أن تجد المکان المناسب، تکون المرحلة اللاّحقة هی إیجاد المواد اللازمة لبناء الخلیة من ریش أو عشب أو ورقة نباتیة.

فی البدایة تبنی الملکة مکانا خاصا بحجم کرة المنضدة فی وسط الخلیة وتبنیه بواسطة المواد الأولیة التی تجمعها من المحیط الذی توجد فیه، أما المرحلة الآتیة فتتمثل فی عملیة جمع الغذاء للخلیة. فعندما تخرج الملکة تبدأ بالتحلیق راسمة دوائر وهمیة فی الهواء واتجاهها أثناء التحلیق یکون نحو الخلیة دوما وبهذه الطریقة تتذکر موقع خلیتها ولا تنساه، وتقوم بجمع رحیق الأزهار أو لب العسل وعندما ترى الکمیة کافیة تعود لتفرغ ما فی بطنها فی المکان المخصص فی الخلیة. أما الجزء الّذی لا یمکن التّغذّی منه فلا تلفظه خارج الخلیة بل تستخدمه فی صناعة سائل لاصق یفید فی لصق المواد البنائیة للخلیة إضافة إلى دوره کعازل حراری. وبعد تغذیها من هذا العسل تبدأ بإفراز مادة الشمع إضافة إلى استخدامها رحیق الأزهار الذی جمعته فی عمل غرف صغیرة کرویة الشکل لتضع فیها من 8-18 بیضة والتی ستفقس عن أول نحلات عاملة فی الخلیة وتقوم الملکة بسدّ هذه الغرف وما حولها برحیق الأزهار سدا محکما.

ویتم وضع البیض فی هذه الغرف بترتیب محکم لا فوضى فیه. والمهمة الرئیسیة الأخرى هی تغذیة هذه العاملات, لذا تقوم الملکة الشابة بإنشاء أوعیة خاصة من الشّمع تضع فیها خلاصة العسل, وبعد فترة تکوین تتراوح ما بین أربعة و خمسة أیام تجد العاملات الخارجات من البیض غذاء جاهزا لها قوامه لبّ العسل ورحیق الأزهار .

ولو أمعنا النظر فی هذه العملیة بکافة تفاصیلها لوجدنا أمامنا حیوانا غیر عاقل وعدیم المنطق ولکنه یستطیع استخدام خلاصة العسل کأفضل عامل بناء بالإضافة إلى تفانیه لإنشاء خلیة ملیئة بالأفراد الصحیحین النشیطین. أمّا طول هذه الحشرة فلا یتجاوز بضعة سنتمترات. و أول ما یتبادر إلى أذهاننا من سؤال هو لماذا کلّ هذا الإیثار والتضحیة من قبل الملکة ؟ فالملکة بعد خروج العاملات من البیض لا تکسب شیئا ذا بال، بالإضافة إلى وجود احتمال ترکها لخلیتها التی أنشأتها عند قدوم ملکة أخرى تزاحمها فیها. بلا شک هناک سبب لتفانیها هذا وتحملها کل هذا الجهد الدّؤوب وهو الإلهام الإلهی الذی یوجه باقی الکائنات الحیة أیضا. إذن فلا مکان فی عالم الأحیاء لمفهوم الأنانیة التی یقول بها دعاة التطور (43).

أعشاش الطّیور ذات القرون

أعشاش الطّیور ذات القرون

یعتبر موسم التکاثر موسم عمل ضخم بالنسبة إلى هذه الطیور لأنها تبدی فیه نشاطا یثیر الإعجاب سواء ذکرا کان أم أنثى, وأوّل خطوة یجب اتباعها بالنسبة إلیهما هی بناء عش مأمون للأنثى والفرخ الصغیر القادم.

ویشرع الذکر فی العمل فیبحث عن ثقب مناسب فی الشجرة ومن ثم تدخل الأنثى هذا الثقب وبعدها یقوم الذکر بسد مدخل الثقب بالطین. بید أنّ هناک جانبا مهمّا فی بناء هذا العش إذ أنّ الذکر وهو یسد المدخل بالطین حمایة للأنثى وصغیرها من خطر الأفاعی وغیرها یترک فجوة صغیرة فی هذا الثقب وعن طریق هذه الفجوة یمدّ الذکر الأنثى بالطعام لأنها تظل راقدة على البیض لمدة ثلاثة أشهر متواصلة لا تخرج فیها من العش ولو مرّة واحدة، وحتى الصّغار عندما یخرجون من البیض یتم تزویدهم بالطعام عبر هذه الفجوة (4).

ویتصرف الذکر والأنثى تجاه صغارهما بکل صبر ومثابرة وتفان, فالأنثى ترقد على البیض لمدة ثلاثة أشهر متواصلة فی داخل العش الذی یکاد یکفیها هی فقط سعة أما الذکر فلا یغفل عنها ولا عن البیض بل یستمر فی الرعایة والاهتمام حتى النهایة.

ونفهم من خلال هذه الأمثلة أن لکل نوع من أنواع الطیور أسلوبه الخاص فی إنشاء الأعشاش، وکل أسلوب من هذه الأسالیب یعتبر معقدا إلى حد کبیر ولکن یتبع وینفذ من قبل حیوان غیر عاقل و لا یملک منطقا معینا، فی حین أنّ هذه الأسالیب تتطلب تخطیطا وتصمیما کبیرین. ودعونا نفکر فی هذه الأمثلة التی تتمثل فی کائنات حیة غیر عاقلة ولکن سلوکها کله عبارة عن شفقة و رأفة و تضحیة وتفانی وفق تخطیط بارع. ما مصدر هذه الأنماط السلوکیة ؟ وإذا کانت هذه الکائنات الحیة لا تملک إرادتها الفاعلة لاتباع هذه الأنماط السلوکیة فإذن هناک قوة موجّهة لها فیما تفعله، ومصدر هذه القوة هو الله رب السماوات والأرض وما بینهما .

أعشاش طائر الباتروس

أعشاش طائر الباتروس

إنّ ارتباط أنثى الطیر بفراخها ظاهرة موجودة فی جمیع أنواع الطیور ومن هذه الطیور الباتروس التی تتکاثر فی مسقط رأسها فی موسم التلقیح حین تتجمع وتشکل مستعمرة کبیرة ویقوم الذکور بإصلاح الأعشاش البالیة قبل أسابیع من قدوم الإناث، وهکذا یتمّ الإعداد لمسکن الإناث والفراخ. أما الاهتمام بالبیض فیمکن مشاهدته عند مراقبة سلوک طائر الباتروس أیضا لأن هذا الطیر یستمر واقفا على البیض طیلة 50 یوما دون حراک ، وهذه االعنایة الفائقة لا تقتصر على البیض فقط وإنما تشمل الفراخ الخارجة من هذه البیض فیقوم هذا الطائر بقطع مسافة 1,5 کم فی کل مرة یخرج فیها لجلب الطعام (41).

أعشاش طائر الخطّّاف

أعشاش طائر الخطّّاف

هناک بعض الطیور تخفی أعشاشها تحت سطح الأرض مثل طائر الخطاف السّاحلی الذی یقوم بحفر قنوات موازیة لساحل البحر أو ضفّة النهر وتکون هذه القنوات بمحاذاة التلال المتشکلة من التربة. وتحفر هذه الطیور قنواتها بشکل منحن من الأمام للحیلولة دون دخول میاه المطر داخل العش، وفی نهایة کل قناة توجد فسحة مبطنة بالقشّ والریش یعیش فیها الطیر. أما أنواع طائر الخطاف التی توجد فی أمریکا اللاتینیة فتبنی أعشاشها على الصخور الموجودة خلف الشّلالات المنسابة, فهذا الموقع یکون بعیدا عن خطر باقی الطیور کالنورس أو آکلات السمک وحتى عن الغربان. والماء المتساقط بأطنان کثیرة لابد أن یکون قاتلا لأی طیر یمر من خلاله إلا أن هذا الخطاف یتمیز بصغر حجمه وسرعة حرکته من خلال ماء الشلال لذا لا یصاب بأی أذى. وبهذا الشکل یکون هذا الطیر وفراخه وعشه بمأمن من خطر باقی الحیوانات.

وهذا الطیر لا یستطیع استخدام مخالبه فی جمع المواد الأولیة اللازمة لبناء العش لصغر هذه المخالب, وبدلا من ذلک یلتقط أجزاء الأعشاب الیابسة والمتطایرة فی الهواء أو الریش المتطایر ویفرز علیها سائلا خاصّا یحولها إلى عجینة لاصقة یبنی بواسطتها عشه على الصخور (38).

أمّا الخطاف الذی یعیش فی سواحل المحیط الهندی فیبنی أعشاشه داخل الکهوف، وتسد الأمواج العاتیة مدخل هذه الکهوف، وعندما ترید هذه الطیور الدخول إلى أعشاشها ترقد على هذه الأمواج منتظرة اللحظة التی ینحسر فیها الموج عن مدخل ذلک الکهف وعندئذ تنتهز هذه الطیور الفرصة المناسبة للولوج داخل الکهف والوصول إلى العش. وقبل أن تشرع هذه الطیور فی بناء الأعشاش تقوم بتثبیت أعلى ارتفاع یمکن أن تصل إلیه میاه الأمواج داخل الکهف وبعد ذلک تبدأ فی بناء العش بمستوى أعلى من مستوى المیاه الآتیة بواسطة الموج (39).

وهناک طائر یعیش فی إفریقیا یدعى بـ"السّکرتیر" یبنی عشه فی قمم الأشجار الشوکیة العالیة لیکون بعیدا عن خطر الأعداء، أمّا طائر نقار الخشب الذی یعیش فی جنوب غرب أمریکا فینشأ أعشاشه داخل ثقوب یفتحها داخل جذوع نبات الصبار الشوکی العملاقة. أما طیور المستنقعات فتبنی عدة أعشاش وهمیة إلى جانب العش الحقیقی فیقوم الذکر بإنشاء هذه الأعشاش الوهمیة وینتقل من أحدها إلى الآخر لیلفت الانتباه إلى تلک الأعشاش بدلا من العش الذی تتولى الأنثى مهمة بنائه (40).

الطیور النسّاجة

الطیور النسّاجة

تعتبر أعشاش الطیور النسّاجة من أغرب أنواع الأعشاش فی عالم الحیوان, وهذه حقیقة یؤکدها علماء الأحیاء, فهذه الطّیور تقوم بجمع الألیاف النّباتیة أو سیقان النباتات الرفیعة لتستخدمها فی نسیج أعشاشها و تتمیز هذه الأعشاش بمتانة جدرانها المنسوجة من هذه المواد الأولیة.

وأول عمل یقوم به الطائر النسّاج هو جمع المواد الأولیة اللازمة، وتتألف من أجزاء رفیعة یقطعها من الأوراق النباتیة الطّریة أو عروقها الرئیسیة، و سبب اختیاره للأوراق الطریة بدلا من الیابسة یرجع إلى سهولة تشکیلها لطراوتها ومرونتها. ویقوم الطیر بعد ذلک بلف الجزء الرفیع الذی أخذه حول غصن شجرة متعدد الفروع مستخدما أحد ساقیه لتثبیت أحد طرفی اللّیف على الغصن ومنقاره للقیام بعملیة اللّف، وللحیلولة دون سقوط هذه الحبال اللیفیة یقوم الطیر بربطها ببعضها البعض من تکوین عقد محکمة، و فی المرحلة الأولى یقوم الطیر بإنشاء حلقة لیفیة وتعتبر مدخلا إلى العش, ثم یقوم لاحقا بتمریر الأجزاء الورقیة الرفیعة من بین هذه الحبال اللیفیة بواسطة منقاره وبطریقة متناوبة مرة من فوق ومرة من تحت ویقوم بین الحین والآخر بشدّ هذه الأجزاء التی وقع تمریرها لجعل النّسیج أکثر متانة. وبأسلوب بارع یقوم الطیر بتکوین منحنیات أو نتوءات فی جدران العش لجعله متماسکا و متوازنا.

وعندما ینتهی الطیر من إنشاء المدخل اللازم لعشه یبدأ بنسج الجدران و فی هذه الحالة یقف مقلوبا أو رأسا على عقب ویواصل بالعمل من داخل العش، ویسحب اللیف الورقی بمنقاره تحت الحبال اللیفیة ویمسک طرفه الخارجی بدقة ومن ثم یشده شدّا محکما، وبهذه الطریقة یجعل للعش نسیجا غایة فی الإتقان (36). ومما یلاحظ هنا أن الطیر النساّج یعمل وکأنه یخطط لعدة مراحل وخطوات قادمة، فیبدأ بجمع المواد اللازمة ومن ثم یبدأ بنسج العش فی مکان ملائم فینسج المدخل ویستمر فی نسج الجدران فیما بعد وینحنی فی النسج عندما یتطلب الأمر الانحناء ویوسّعه عندما یتطلب الأمر التوسیع إضافة إلى إتقانه لعمله إلى درجة مذهلة و دون أن یعطی أیّ انطباع بکونه مبتدأ فی عمل النّسج. والحقیقة أنه یثبت مهارة فائقة فی أداء عمل شخصین فی آن واحد بواسطة ساقه للتّثبیت ومنقاره للنّسج ولا یتقدم خطوة إلاّ بحساب و تقدیر بارعین.

و هناک نوع آخر من الطیور النسّاجة یقوم بإنشاء أعشاش ذات سقف متماسک یمنع تدفق قطرات المطر داخله ویفرز هذا الطیر سائلا فی فمه یختلط مع الألیاف النباتیة التی یجمعها ویحضر بذلک خلیطا یساعده على طلاء عشه من الداخل و یتمیز هذا الخلیط بإکساب العش مرونة ومقاومة ضد نضوح میاه المطر.

و تتکرر هذه الخطوات عدة مرات حتى اکتمال بناء العش، ومن الاستحالة القول أن هذه القابلیة لدى الطیور محض مصادفة أو مکتسبة لاشعوریا لأن هذه الطیور وهی تعد أعشاشها تتصرف مثل مهندس معماری ومهندس إنشاءات وعامل بناء ماهر فی آن واحد.

و مثال آخر للطیور النساجة التی تنشأ أعشاشا غریبة هو أحد أنواعها و یعیش فی جنوب إفریقیا، فهذا النوع ینشأ عشّا شبیها بعمارة مقسمة إلى شقق ویبلغ ارتفاع هذا النوع من الأعشاش 3 أمتار وعرضها 4,5 مترا ویعیش داخل هذا العش ما یقرب من 200 زوج من هذا النوع (37). والسؤال الذی یتبادر إلى أذهاننا لماذا تختار هذه الطیور بناء أعشاشها بهذه الصعوبة بدلا من الأعشاش السهلة البناء؟ وهل یمکن تفسیر بناء هذه الأعشاش المعقدة من قبل هذه الطیور بـمحض مصادفة ؟ بالطبع لا لأن هذه الطّیور مثلها مثل باقی الکائنات الحیة تتحرک بوحی إلهام الهی .