الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

العیش وفقا لخلق القرآن الکریم یحقق العدالة الحقیقیة

العیش وفقا لخلق القرآن الکریم یحقق العدالة الحقیقیة

"إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِیتَاء ذِی الْقُرْبَى وَیَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ." (سورة النحل: 90)

إن العدالة شرط ضروری للحفاظ على النظام الاجتماعی. ولکل بلد نظام قضائی خاص به. ومع ذلک، نظرا للصعوبات المستمرة التی یعانی منها الناس فی النظم القضائیة المعاصرة، لم ینته البحث قط عن نموذج مثالی.

ویتمثل جوهر النظام القضائی المثالی الذی یطمح إلیه الناس فی أرجاء العالم فی: وضع آلیة قضائیة یُجازَى بها کل شخص عن جمیع تصرفاته دون أن یخضع لأی شکل من أشکال التمییز. ومع ذلک، على الرغم من المناهج الجدیدة، والوسائل المختلفة، والمشروعات، والحلول التی ابتکرت للوصول إلى هذا النموذج المثالی، فإن تطبیق العدالة ما زال طریقا وعرا لم یسلکه أحد بعد.

إن التدهور الأخلاقی للمجتمع هو السبب فی وجود هذه الأوضاع غیر المواتیة. وبسبب هذا التدهور، الذی یعد تبعة بسیطة لعدم الالتزام بالقیم التی أمر الله بها، تلحق الأضرار بالمجتمعات فی جمیع میادین الحیاة.

ومرة أخرى، فإن هذا التدهور هو المسؤول عن الاحتیال، والرشوة، والغش، والظلم، والکثیر من الشرور الاجتماعیة. وتزخر الحیاة الیومیة بأمثلة من هذا النوع. ومن المواقف التی نواجهها کثیرا فی الحیاة العملیة، على سبیل المثال، رجال الأعمال الذین یغشون شرکاءهم ویخدعونهم عن طریق اختلاس أموالهم، أو منازلهم، أو سیاراتهم. وفی غضون ذلک، لن تعنی الصداقة الطویلة والخسائر المادیة والمعنویة التی یعانی منها الطرف الآخر أی شیء بالنسبة للمحتال. وبما أن هذا المحتال لا یهتم فی المقام الأول إلا بمصالحه الذاتیة، فإن قیما مثل الصداقة، والروابط الأسریة، والروحانیة، والتماسک الاجتماعی، والأخلاق الحمیدة لا تعنی له شیئا البتة.

ویؤثر هذا المنطق على کل العلاقات التی یقیمها هذا الشخص مع الآخرین لأنه لا یدرک أن الله یعلم کل ما یفعله، وأن المولى عز وجل سیسأله عن کل تصرف یصدر عنه. ویتدعم هذا المنطق الملتوی بسبب النسیان التام لحقیقة أن الاحتیال کسب حرام وسلوک ظالم.

وسیساهم المثال التالی فی إیضاح هذه النقطة بشکل أفضل: إن الشخص الذی یؤمن بأن الاحتیال جریمة فظیعة، سیتجنبه تجنبا تاما طوال حیاته. ولکن بمجرد أن یعتقد الشخص أن باستطاعته الحصول على منفعة شخصیة، قد یدلی هذا الشخص ذاته بشهادة زور ضد شخص آخر أو یفتری على هذا الآخر بأن ینسب له شیئا هو بریء منه تماما. وفی غضون ذلک، قد یتذرع شاهد الزور بعذر ما فیقول إن الظروف اضطرته إلى ذلک أو أن مسؤولیاته تجاه أسرته مهدت الطریق لمثل هذه الجریمة... إلخ. ومهما کانت الأعذار، ستظل الحقیقة أن الافتراء على الناس شیء فظیع مهما کانت الظروف.

ویظهر النمط المذکور آنفا بالتحدید فی الأوقات التی یشعر فیها الناس أن مصالحهم فی خطر. وینطبق هذا المنطق أیضا على اللصوص، والمحتالین، والظالمین. وفی مجتمع یکثر فیه أصحاب المصالح، یصبح الظلم، وتضارب المصالح، والفوضى أمورا لا یمکن تفادیها.


T?me, 22 June 1998

Sun, 6 March 2001

TIme, 7 December 1998

قد یصبح الاحتیال، والفساد، والسرقة أسلوب معیشة بالنسبة للشخص الذی لا یعیش وفقا لقیم القرآن، وهو قد لا یشعر مطلقا بوخز الضمیر عندما یرتکب هذه الآثام.

وعلى الرغم من ذلک، مهما کانت القوة الاضطراریة، فإن الشخص الذی یعیش وفقا لأحکام القرآن لن ینحدر أبدا إلى مثل هذه الأفعال الشریرة ولن تصدر عنه أبدا مواقف لا تتلاءم مع قیمه. ذلک أن الشخص الذی یخاف الله کثیرا لا ینسى أبدا حقیقة أنه فی یوم ما سیلقى جزاءه عن کل فعل قام به وعن کل کلمة تفوه بها. وإذا تأملنا فی الظلم الناتج عن التدهور الأخلاقی مثل السعی وراء المصالح الشخصیة فقط، واکتناز الأموال، وتجاهل المحتاجین وأصحاب المشاکل، سنجد أن هذا الظلم لیس له إلا حل أوحد هو: نشر قیم القرآن بین الناس، لأن الله یأمر عباده المؤمنین الذین یعیشون وفقا لهذه القیم السامیة فی القرآن بأن یکونوا عادلین:

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِکُمْ أَوِ الْوَالِدَیْنِ وَالأَقْرَبِینَ إِن یَکُنْ غَنِیًّا أَوْ فَقَیرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرًا." (سورة النساء: 135)

"إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِیتَاء ذِی الْقُرْبَى وَیَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ." (سورة النحل: 90)

وفی مجتمع یفهم فیه الناس العدالة على النحو الموضح فی الآیة المذکورة آنفا، لن ینتشر الظلم. ذلک أن البیئة التی تتبع فیها قیم القرآن والسنة، تطبق فیها العدالة تطبیقا کاملا بحیث لا یوجد ما یبرر الاستثناء بسبب القرابة، أو الثروة، أو المکانة الاجتماعیة، أو أی عوامل أخرى. وعلى الرغم من ذلک، سنجد أن نظم العدالة التی تطبق حالیا حول العالم تختلف عما ذکرناه. ففی بعض الحالات، یتم التغاضی ببساطة عن جرائم شخص ما أو یتم تخفیف عقوبته، مراعاة لثروته، أو مکانته، أو بیئته الاجتماعیة. ویُستبعد أن یحدث ذلک فی مجتمع تسود فیه العدالة الحقیقیة. إذ لن تصبح قط عوامل مثل القرابة، أو الثروة، أو المکانة الاجتماعیة سببا فی الانحراف عن طریق العدالة.

ما نوع المشکلات التی تظهر فی المجتمعات التی لا تطبق فیها العدالة الحقیقیة؟

زیادة حنث الیمین

یلعب الشهود دورا رئیسیا فی اکتشاف الحقیقة وترسیخ أسس العدالة. ذلک أن شهادة شهود العیان توضح کثیرا من القضایا بسرعة وتمیز الحق عن الباطل. ولکن فی المجتمعات التی لا تتبع قیم القرآن والسنة، لا یمکن قط التعویل على شهادة الشهود من أجل اکتشاف الحقیقة. ویرجع هذا ببساطة إلى أن الناس الذین لا یتبعون أحکام القرآن والسنة یمکنهم أن یکذبوا مقابل منفعة أو مال بنفس السهولة التی یتنفس بها معظم الناس. وهم بذلک یدیرون ظهورهم لکل سلوک أخلاقی مثل قول الحقیقة أو مناصرة البریء.

بل إن الأمر قد یصل فی بعض الحالات إلى امتناع الناس عن الإدلاء بالشهادة فی قضیة معینة، مهما کانت أهمیة شهادتهم بالنسبة لسیر العدالة. وتفسر عادة سلوکیات هذا النوع من الناس بأفکار غیر واقعیة، مثل الخوف من التورط فی مشاکل أو التعرض لظروف غیر مواتیة. ویؤکد المولى عز وجل فی الآیة التالیة على أهمیة الکشف عن الحقیقة:

"... وَلاَ تَکْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن یَکْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ." (سورة البقرة: 283)

وقد یکون الحقد والکراهیة الموجهان نحو شخص ما سببا فی إغراء الناس بتلفیق الشهادة. فمن خلال شهادة الزور وتشویه الحقائق، یستطیعون أن یعرقلوا سیر العدالة. وقد فسر أیضا رسول الله صلى الله علیه وسلم أهمیة الصدق فی الحدیث التالی:

"علیکم بالصدق، فإن الصدق یهدی إلى البر، وإن البر یهدی إلى الجنة، وما یزال الرجل یصدق ویتحرى الصدق حتى یکتب عند الله صدیقا. وإیاکم والکذب، فإن الکذب یهدی إلى الفجور، وإن الفجور یهدی إلى النار، وما یزال الرجل یکذب ویتحرى الکذب حتى یکتب عند الله کذابا".1

إن الناس الذین لا یعیشون وفقا لقیم القرآن والسنة لا یطبقون العدالة، خاصة عندما تکون الأسبقیة عندهم لمصالحهم وأهوائهم الشخصیة، ولا یفکرون أبدا فی تبعات شهادة الزور التی یدلون بها. إذ لا یخطر ببالهم قط ما یعانیه الشخص البریء وأسرته فی أثناء مدة سجنه الطویلة ظلما، لأنهم لا یضعون أنفسهم مکان الآخر لکی یتخیلوا کیف ستکون الحیاة حینئذ...

ویولی المولى عز وجل فی القرآن الکریم أهمیة خاصة لهذا الموقف الذی یتعرض له الناس، ویأمرنا بأن نکون عادلین مهما کانت الظروف:

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوَّامِینَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ." (سورة المائدة: 8)

وقد قال رسول الله صلى الله علیه وسلم الحدیث التالی لکی یتجنب الناس الظلم: "لا یحکم أحد بین اثنین وهو غضبان2

 وینحرف بعض الناس عما هو صحیح وعادل بدافع الخوف، أو المال، أو الطمع. ولن یتحرر هؤلاء الناس من هذه العبودیة إلا باکتساب قیم القرآن. لأنهم عندئذ لن یمیلوا قط إلى إلحاق الأذى بالناس، مهما کانت الظروف، سواء کانوا تحت تأثیر التهدید أو الإکراه أو تحت إغراء أی منفعة شخصیة، لأنهم یدرکون أن الله محیط بهم فی کل لحظة. کما یدرک المؤمنون أنهم سیُسألون فی الآخرة عن کل إثم ارتکبوه وکل شر نطقوا به. ویعلن الله فی الآیة التالیة أن عباد الرحمن لا یشهدون زورا:

"وَالَّذِینَ لَا یَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِرَامًا." (سورة الفرقان: 72)

ویجدر بنا أن نلفت الانتباه هنا إلى نقطة أخرى تتعلق بأولئک الذین یسعون وراء مصالحهم مفضلین ذلک على تطبیق العدالة، وهذه النقطة هی: أنه فی یوم ما قد یلحق بهم نفس الأذى. وإذا حدث ذلک، لا شک فی أنهم سینزعجون کثیرا من المظالم التی ستقع علیهم وسیسعون لإیجاد شاهد موثوق به لا یلفق الشهادة. وعلى أولئک الذین لا یودون أن یمروا بهذه التجربة أن یکافحوا لنشر القیم التی أمرنا الله بها وأن یلتزموا التزاما کاملا بالمبادئ الأخلاقیة التی أثنى الله علیها فی القرآن الکریم.

معاییر الحکم على الناس هی المال والمستوى الاجتماعی

یشکل المال والمکانة الاجتماعیة المعیارین الأساسیین لتقییم الناس فی المجتمعات التی لا تتبع قیم القرآن والسنة. وفی هذه المجتمعات، سنجد أن کل الطبقات مشبعة بهذه العقلیة، مما یوفر لنا قدرا وافرا من الأمثلة لتحلیلها.

ویمدنا سلوک صاحب المتجر تجاه زبونین مختلفین بمفاتیح مذهلة لفهم خفایا هذه المشکلة. إذ یتعامل صاحب المتجر بأدب واهتمام مع الشخص الذی یوحی مظهره بالثراء. فی حین أنه لا یتعامل بنفس الطریقة مع الزبون الآخر الذی یوحی مظهره بالفقر. ولا یتغیر هذا الأسلوب على الرغم من أن کلا الزبونین یذهب إلى  المتجر لشراء نفس الأشیاء وإنفاق نفس القدر من المال. ولکن المظهر والمکانة هما اللتان تحددان الطریقة التی یتعامل بها صاحب المتجر مع زبائنه.

ولکن هذه المعاییر لا تصح لدى شخص یعیش وفقا لأحکام القرآن الکریم. لأن المؤمن حسن الخلق مع غیره من البشر لمجرد أنهم "بشر". کما أنه لا یمیز بأی شکل من الأشکال بین من حوله. وهو لا یحتاج إلى "ألقاب" کی یقدر شخصا ما. کما أنه لا یبالی بما إذا کان الشخص غنیا أو فقیرا، یعیش فی کوخ أو فی فیلا. کما أن ثیاب المرء الغالیة، أو وجهه الجمیل، أو شهادته الجامعیة التی حصل علیها من أعرق الجامعات، أو مکانته الاجتماعیة، أو غیر ذلک من رموز المکانة الاجتماعیة المشابهة لا تعنی له شیئا البتة. فقد ذکر الله جل وعلا فی کتابه الحکیم أن إیمان المرء بالله وقربه منه هو المعیار الوحید الذی یجب  أن یطبق على حب الناس.

مشکلات التعلیم

التعلیم حق لکل فرد. وبصرف النظر عن اعتبارات الدین، أو اللغة، أو الجنس، أو المکانة الاجتماعیة، یحق لکل فرد أن یسعى للحصول على المعرفة. ومع ذلک، فالظلم الاجتماعی یجعل تحقیق ذلک مستحیلا، لأنه یتسبب فی مشکلات کثیرة تتطلب حلولا عاجلة، تتمثل أهمها فی عدم توفر التعلیم المجانی لکل فرد من أفراد المجتمع. وفی بلدان کثیرة، یتسبب الفقر فی حرمان أعداد ضخمة من الأطفال والمراهقین من التعلیم الجید؛ فی حین یخصص عدد قلیل جدا من المدارس الجیدة للأقلیة الثریة. ولا یکاد الناس العادیون یحصلون على التعلیم المدرسی الذی یفی باحتیاجاتهم التعلیمیة الفعلیة. ومن ثم، یحصل الأغنیاء على أفضل تعلیم بینما یکتفی الفقراء بما یقدمه لهم النظام فقط.

ویمکن تطویر مهارات الأطفال من خلال المختبرات والعدید من الوسائل الأخرى شریطة أن تتلقى المدارس الدعم المادی المناسب. ومن ناحیة أخرى، تشکل الموارد المحدودة لبعض المدارس عائقا أمام تطور الشباب من نواح کثیرة.

ویجب أن یُسمح للناس بتلقی التعلیم فی أی مجال یرغبونه. وفی الواقع، ثبت أن النظام التعلیمی الذی یتیح للناس الفرصة لکی یحصلوا على تعلیم مدرسی یتوافق مع اهتماماتهم، ومیولهم، ومهاراتهم یحقق قدرا أکبر من النفع والإنتاجیة للمجتمع. ومع ذلک، ففی وقتنا الحاضر، تضطر الظروف الاقتصادیة والاجتماعیة کثیرا من الناس للتخلی عن التعلیم المدرسی أو إکماله فی مجال لا یثیر اهتمامهم.

The Independent, 6 Oct. 2000

The Independent, 4 Sep. 2000

Time, 10 July 2000

The New York Times, 1 Nov. 1999

ولکن العیش وفقا لقیم القرآن یتعامل مع مثل هذه المشکلات الاجتماعیة ویضع لها حلولا، لأن البیئة التی تضمنها هذه القیم لا تسمح بوجود خدمات تعلیمیة لا تفی بالمطلوب. ومن خلال ما یوفره القرآن الکریم من حکمة وقدرة على الإدراک، یتصرف الناس کجهات متخصصة فی حل مشکلات التعلیم، کما هی حالهم فی مجالات الحیاة الأخرى. وفضلا عن ذلک، لا یوجد فی هذا المجتمع تمییز بین الفقیر والغنی. وکما ذکرنا آنفا، فإن أولئک الذین یحبون الله سبحانه وتعالى ینفقون ما یفیض عن حاجتهم من أجل منفعة الآخرین. وبمجرد أن توجه هذه الأموال المجمعة إلى المجالات الکثیرة التی تحتاج لحلول عاجلة مثل التعلیم والصحة العامة، فسرعان ما ستحَل هذه المشکلات. وإذا طبقت هذه الحلول على مستوى العالم، فسوف یتضاءل التمییز الموجود بین البلدان الفقیرة والغنیة؛ لأن البلدان الغنیة سوف تحول فائض مواردها إلى البلدان المتخلفة دون أن تتوقع أی شیء فی المقابل.

ولا شک فی أن تقدیم الحلول مهمة کبیرة تقع على عاتق المسلمین لأنهم مسؤولون عن توفیر نوعیة التعلیم التی توجه الشباب فی حیاتهم إلى ما یتوافق مع أحکام القرآن. وهذا هو التعلیم الذی یوضح للشخص غایته الفعلیة فی الحیاة ویبین له آیات الله سبحانه وتعالى على الأرض وفی الکون. وإذا لم یحدث هذا، فستکبر الأجیال الجدیدة، التی ستُغرس فیها أیدیولوجیات الکفر التی لا صلة لها بالإسلام، وتتحول إلى شباب غیر منتجین لا ینفعون أوطانهم، وشعوبهم، ودینهم. إن التعلیم الخاطئ هو المسؤول عما یتبعه الشباب من أنماط حیاتیة غیر محبذة تفقدهم بالتالی البرکة التی یجلبها الدین فیضلون الطریق. ولا شک فی أن صاحب الضمیر الحی الذی یخاف الله لن یخاطر بهذه المسؤولیة.

عدم المساواة بین الرجال والنساء

فی المجتمعات التی تخلو من العدالة الحقیقیة، یشکل عدم المساواة بین النساء والرجال قضیة اجتماعیة خطیرة تنتج عنها مشکلات کبیرة. وفی بلدان کثیرة حول العالم، تعامل النساء فی أحیان کثیرة کمواطنات من الدرجة الثانیة بل حتى کمنبوذات، ویتعرضن کثیرا لسوء المعاملة، إذ یُعتبرن کائنات ضعیفة بحاجة إلى الحمایة. ولهذا السبب ذاته، سنجد أن النساء لا یؤدین دورا ذا قیمة فی المجتمع یکسبهن الاحترام.

وفی المجتمعات التی ینتشر فیها هذا التحیز، یندر أن تحظى المرأة التی تنعم بمسار باهر فی الحیاة العملیة بالقبول. إذ یُنظر إلى النساء، عموما، بوصفهن أشخاصا یفتقرون إلى الثقة فی النفس والعزیمة، ویمتلکون ملکات عقلیة ضعیفة. ویجب أن نشیر هنا إلى أن هذا التبریر الذی یضع "قالبا نمطیا للمرأة" فی المجتمع یُتخذ – دون وجه حق - تفسیرا لکل خطأ ترتکبه المرأة. وفی الواقع، لا تقتصر هذه الأخطاء على النساء بل تشمل کل البشر.

وعند التقدم لشغل وظائف شاغرة، یتم تفضیل الرجال على النساء، حتى إذا کان للنساء نفس الخلفیات ونفس القدر من الذکاء والمهارة مثل الرجال تماما. وتفسر هذه النزعة محدودیة الفرص المتاحة للنساء فی الحیاة العملیة.


Time, 23 Dec. 1996









The Independent, 29 Sep. 2000

ما زالت بلدان کثیرة تعانی حتى الیوم من تبعات مذهلة للتفرقة الاجتماعیة بین الجنسین، تظهر أخبارها کل یوم فی الصحافة ضمن الحوادث الاعتیادیة.

وفی کثیر من البلدان، تتعرض النساء للعنف إما فی أماکن عملهن أو على أیدی أزواجهن.

ومن ناحیة أخرى، تتصرف غالبیة النساء بما یتوافق مع هذه الصورة المنسوبة إلیهن. وهذا التوافق یجعلهن یقبلن بسهولة الأدوار الدونیة التی تنسب إلیهن فی کثیر من المجتمعات.

ولا شک فی أن التحیز فی الحیاة الاجتماعیة لجنس على حساب الآخر له تبعات مذهلة فی البلدان المتخلفة. فإذا تجاوزنا عن حرمان النساء من حقهن فی التعلیم والعمل، فسنجد أنهن یحرمن حتى من حقهن فی اتخاذ قراراتهن الخاصة بمسألة الزواج. ذلک أن کل أشکال القرارات الشخصیة الخاصة بالنساء یتخذها لهن آباؤهن أو أزواجهن.

وهناک جهود مستمرة لوضع حلول لهذه الممارسات المعیبة التی لم نذکر إلا بضعًا منها فی هذا الکتاب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحادات التی تأسست لحمایة حقوق النساء، ومبادئ الحریة والمساواة، والحرکة النسویة، والحلقات الدراسیة، والمناقشات العامة لم تساهم کثیرا فی إیجاد حل عملی. فقد ثبت أن کل هذه الجهود تؤدی إلى حلول تلازمها تعقیدات أکثر. وهذه نتیجة طبیعیة؛ لأن الحل الحقیقی الوحید، کما هی الحال فی جمیع المیادین الأخرى هو: اتباع أحکام القرآن الکریم.

"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَیُطِیعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ." (سورة التوبة: 71)

ففی مجتمع یتبع أحکام القرآن والسنة، لن یحدث أی تمییز بین أفراده سواء کانوا نساء أو رجالا، أغنیاء أو فقراء، شبابا أو شیوخا. ذلک أن المکانة الاجتماعیة، أو المهنة، أو الثراء، أو الجنس لا یعطی الناس الحق فی التمتع بمزایا معینة دون سواهم. فالأعمال الحسنة التی یعملها المرء وخوفه من الله هو الذی یمیزه، کما ألمح الخالق جل جلاله فی الآیة التالیة: "وتزوَّدوا فإن خیرَ الزادِ التقوَى" (سورة البقرة: 197). وفی القرآن الکریم، لا یُصنف الناس بشکل متحیز کرجال أو نساء، لأن الله سبحانه وتعالى یخاطب الرجال والنساء المؤمنین به الذین یعملون الأعمال الصالحة. ویؤکد المولى عز وجل أهمیة العیش وفقا للقیم التی أمر بها. ومن هذه الناحیة، لا یشکل کون العبد ذکرا أو أنثى أی أهمیة. وفیما یلی بعض الآیات التی تؤکد هذا المعنى:

"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَیُطِیعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ. وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَمَسَاکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَکْبَرُ ذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ." (سورة التوبة: 71-72)

"إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِینَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِینَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِینَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِینَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِینَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِینَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِینَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاکِرِینَ اللَّهَ کَثِیراً وَالذَّاکِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِیمًا." (سورة الأحزاب: 35)

"وَمَن یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَکَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ یُظْلَمُونَ نَقِیرًا." (سورة النساء: 124)

المشکلات التی تعانی منها النساء فی الحیاة الاجتماعیة

فی المجتمعات البعیدة عن الدین، تواجه النساء مصاعب کثیرة، لا سیما تلک التی یواجهنها بعد الطلاق. إذ یتسبب الطلاق فی مشکلات کثیرة للمرأة التی منعها زوجها من العمل وأصبحت بالتالی تعتمد علیه اقتصادیا.

ومما یصعِّب الوضع بالنسبة للنساء المطلقات أن غالبیتهن لا یمتهِنَّ مهنة، أو لسن صغیرات بما یکفی للحصول على عمل، أو لیس لهن أی حقوق اجتماعیة. ویجب ألا ننسى أن المنافع الإضافیة التی یطلبها طرفا الطلاق من بعضهما البعض وإصرارهما على السعی وراء مصالحهما الشخصیة یساهم فی نشوب النزاعات بین الطرفین ویزید الوضع سوءا.

ومع ذلک، ففی مجتمع المؤمنین، لا یمر الناس بکل هذه المتاعب عندما یلتزمون بأحکام القرآن والسنة. ذلک أن الاحترام والحب الذی یشعر به الطرفان فی بدایة الزواج لا یضیع عندما یقرران إنهاء الزواج لأن هذا القرار یتم بموافقة الطرفین. وینبع هذا السلوک من المنطق القائم على أن الطرفین لا ینظران إلى بعضهما البعض بوصفهما مجرد رجل أو امرأة بل بوصفهما بشرا مؤمنین بالله، وبالتالی فهم أسمى خلق الله. ویحافظ هذا السلوک على استمرار المودة بعد الطلاق.

وقد وضع القرآن الکریم تدابیر کثیرة لتأمین حقوق المرأة بعد الطلاق. إذ تحافظ التدابیر المتصلة بوضعها الاقتصادی على رفاهیة المرأة المطلقة. وتخبرنا الآیات التالیة بالمزایا والمساعدات المالیة التی تخصص للمرأة، برضا الطرفین، وکذلک بالمعاملة الصحیحة للمرأة بعد الانفصال:

"وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِینَ." (سورة البقرة: 241)

"وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِینَ. وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِیضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن یَعْفُونَ أَوْ یَعْفُوَ الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَیْنَکُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ." (سورة البقرة: 236-237)

"لِیُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَیَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْرًا." (سورة الطلاق: 7)

ومرة أخرى، نعرف من الآیات، أنه بعد الطلاق، لا یحق للرجل شرعا أن یسترد أی شیء أعطاه لزوجته فی أثناء الزواج. کما یضمن الدین للمرأة المطلقة أیضا کل احتیاجاتها المتصلة بالمسکن فی أثناء فترة العدة التالیة للطلاق. ووفقا لما جاء فی القرآن الکریم، لا یحق للرجل أیضا أن یرث المرأة بالإکراه.

إن ما رویناه حتى الآن یبین أن اتباع أحکام القرآن الکریم یجلب الحلول. ففی مجتمع یعیش فیه الناس وفقا لأحکام القرآن، لا تتعرض المرأة لسوء المعاملة والإهانة کما هی الحال فی مجتمعات أخرى.

المساواة فی توزیع الموارد

لا یحصل کل الأفراد فی العالم، الیوم، على حصص متساویة من الموارد. إذ تقدر احتیاجات الذکر البالغ من الطاقة الأساسیة نحو 2800 سعرة حراریة فی الیوم. وتکفی الموارد الغذائیة المتوفرة على الکوکب لسد احتیاجات کل فرد. ومع ذلک، ما زال قسم کبیر من العالم محروما من هذه المنافع، ویعانی أکثر من 800 ملیون شخص على الأرض من سوء تغذیة شدید. کما أن مقدار السعرات الحراریة الیومیة المتاحة لنسبة 75% من سکان العالم (4.03 بلیون شخص فی عام 1991) یقل کثیرا عن الحد الأدنى المطلوب یومیا من هذه السعرات. ویختلف عدد المصابین بسوء التغذیة من بلد إلى آخر، بسبب عدم التوازن فی توزیع الغذاء حول العالم. وتشیر إحصائیة أخرى إلى أن تأمین ما یلزم البلدان النامیة من الاحتیاجات الأساسیة (الغذاء، ومیاه الشرب، والصرف الصحی، والرعایة الصحیة، والتعلیم) یتکلف سنویا نحو 40 ملیون دولار. ویساوی هذا الرقم 4% من مجموع ثروات أغنى 225 شخصا فی العالم.3

کما تشیر تلک الإحصائیات إلى أن فائض الموارد الموجود فی بعض البلدان غیر متوفر فی بلدان أخرى، على الرغم من الأهمیة الحیویة لهذه الموارد. ففی البلدان الغنیة، یتم الإبقاء على بعض الموارد التی لم تعد مستخدمة دون الاستفادة منها، على الرغم من أنها یمکن أن تُنقل إلى البلدان الفقیرة. ویعتبر البؤس الذی تعانی منه بعض البلدان الأفریقیة مثالا مألوفا للجمیع.


صبی عمره 14 عاما مصاب بالجذام.

ولا تقتصر مظاهر الظلم حول العالم على الغذاء والماء. إذ ینطبق الظلم ذاته أیضا على الخدمات الصحیة، الأمر الذی یتسبب فی مشکلات خطیرة حول العالم. وبفضل البحوث والتقدم الذی حدث فی مجال الطب، أصبح من السهل الیوم معالجة الکثیر من الأمراض والوقایة منها. ویتسنى ذلک من خلال التکنولوجیا الطبیة والموارد المالیة المتوفرة لدى البلدان الغنیة. ومع ذلک، یصعب قول الشیء ذاته بالنسبة للبلدان المتخلفة والنامیة. ذلک أن المشکلات الصحیة البسیطة، التی تتغلب علیها البلدان الغنیة بسهولة، تشکل تهدیدات خطیرة بالنسبة للبلدان الفقیرة.

فعلى سبیل المثال، هناک مرض الجذام الذی هو مرض بکتیری غادِر یزدهر فی الغالب فی "حزام الفقر" العالمی. والیوم، أصبح من السهل نسبیا معالجة هذا المرض الذی أصاب البشریة منذ قدیم الأزل. وبینما یشکل الجذام تهدیدا خطیرا بالنسبة للبلدان التی تعانی من الفقر، لا توجد سوى حالات متفرقة بل لا توجد أی حالات منه فی العالم المتقدم. ویعتبر طول فترة العلاج وارتفاع التکلفة سببا رئیسیا فی عدم القضاء على هذا المرض فی البلدان الفقیرة. ولکن الحقیقة هی أن المساعدة الطبیة التی تقدمها البلدان الغنیة یمکن أن تساهم فی القضاء على هذه المشکلة.

وعند دراسة کل المشکلات الصحیة بشکل عام، یظل الجذام قطرة فی محیط. ففی البلدان المتخلفة، تقف التکنولوجیا عاجزة أمام أوبئة أخرى کثیرة. وبالإضافة إلى ذلک، فإنه نظرا لنقص الموارد المالیة، یکون من المستبعد أن تتم معالجة هذه الأمراض ناهیک عن القضاء علیها. ومع ذلک، فحل کل المشکلات الصحیة بسیط؛ فبقدر معقول من التنظیم، یمکن استخدام طرق کثیرة مثل نقل المعدات الطبیة غیر المستخدمة المخزنة فی مستودعات البلدان المتقدمة إلى البلدان الفقیرة.

فی عصرنا الحالی، یمکن أن یتم تحویل الأراضی القاحلة إلى حقول منتجة بفضل التکنولوجیا الزراعیة التی تستخدمها بعض البلدان مثل الإمارات العربیة المتحدة وإسرائیل. ویجب أن تنقل هذه التکنولوجیا على الفور إلى البلدان التی تعانی من الجفاف.

وتتضح أیضا مظاهر الظلم فی توفر تکنولوجیا المعلومات على مستوى العالم. فلکی تتوسع البلدان المتقدمة فی مناطقها الزراعیة، لا بد أن تستثمر هذه البلدان استثمارات ضخمة فی البحوث الخاصة بتکنولوجیا الزراعة والری، حتى تجعل الأنشطة الزراعیة ممکنة فی الأراضی غیر المنتجة، بل حتى فی الصحاری. والیوم، بدأت نظم الری تتغیر بفضل قدرة تکنولوجیا المعلومات. فمن خلال نظم الری المدعمة بأجهزة الکمبیوتر، التی تهدف إلى تقلیل فاقد المیاه إلى أقصى حد، یتم توجیه المیاه مباشرة إلى جذور النباتات تحت التربة، مما یوفر کل قطرة ماء للاستفادة منها فی الزراعة. وقد قُدمت مشروعات لتکریر کل الموارد المائیة، مثل استخدام میاه البحر والفیضان فی ری الصحاری.

وتتیح هذه النظم الزراعیة الحدیثة إنتاج المحاصیل حتى فی الصحاری. وکل هذه أخبار جیدة. ولکن بما أن البلدان التی تعانی من الفقر لا تستفید من هذه الابتکارات، فإن الأمر لا یزال یمثل مشکلة تحتم التفکیر فیها بشکل جدی. ذلک أن التکنولوجیا المتواضعة المستخدمة فی تلک البلدان لا تعطی إنتاجیة عالیة حتى فی الأراضی الخصبة، وبالتالی یشکل الجوع تهدیدا خطیرا بالنسبة لشعوبها.

وفی بعض الحالات، یعیش کل سکان البلد تحت تهدید الجوع. وتفرد الجرائد والمجلات صفحات لهذا الشقاء الإنسانی لکی یدرک الجمیع خطورة الموقف، ولکنها تقف عاجزة عن خلق البصیرة التی تؤدی إلى إیجاد الحلول. وهناک مساع لحل المشکلة من خلال التدابیر المؤقتة والمشروعات قصیرة الأجل، ولکن مثل هذه الإجراءات الواهیة التی تفتقر إلى البصیرة لا تقدم حلولا.

وعند هذه المرحلة، یکون الناس فی حاجة فعلیة لحلول سریعة وعملیة تتعامل مع احتیاجاتهم الحقیقیة. والیوم، تتلقى الدول التی تعانی من الفقر کمیات کبیرة من المعونات الغذائیة. ومع ذلک، فمعظم هذه المعونات غیر مفیدة لأنها تُقدَّم لمجرد التباهی ولا تتفق مع احتیاجات من یعانون من المجاعة. ومن ناحیة أخرى، إذا تأخر وصول المعونات الغذائیة، أو حدثت معوقات تنظیمیة، یفسد الطعام قبل أن یصل إلى وجهته. وعلى الرغم من إنشاء جمعیات لتنظیم وصول هذه المعونات، فإن هذه الجمعیات تفتقر إلى المصداقیة، لأنها ملیئة فی الغالب بالفساد.


تقوم بعض البلدان الیوم برمی حمولات شاحنات عدیدة من الخضراوات والفاکهة واعدامها لکی ترتفع اثمانها مع انه یوجد ملایین الأشخاص الذین یعیشون على الکفاف فی العدید من الاماکن فی العالم. ومن خلال التوزیع السلیم لموارد العالم، یمکن أن یوضع حد للبذخ کما یمکن فی الوقت نفسه إنقاذ الناس الذین یتضورون جوعا فی أماکن مختلفة من العالم.

ویعزى عدم الوصول إلى حلول جذریة إلى الغرور، والمصالح الشخصیة، والطموح، والغفلة، وغیر ذلک من أوجه الضعف الأخلاقی المشابهة. وتتمثل السبیل الوحیدة لإنهاء هذه العیوب الأخلاقیة فی تبلیغ القرآن الکریم إلى الناس وتذکیرهم بأنهم سیُسألون عن کل أعمالهم فی الآخرة.

"...کُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ یَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ." (سورة الأنعام: 141)


وکما هی الحال فی الأمثلة السابقة التی وردت فی الأقسام المتصلة بالصحة والتعلیم، فسوف تضع العدالة نهایة لکثیر من المشکلات المنتشرة حول العالم. ومع ذلک، هناک نقطة تجدر الإشارة إلیها بشکل خاص ألا وهی: عندما نتحدث عن التوزیع العادل، یجب ألا یُفهم من ذلک أن کل شیء سیکون متوفرا لکل شخص فی کل مکان بنفس القدر. ذلک أن ما نعنیه فعلیا هو سد احتیاجات الناس بالکامل. ولا شک فی أن نظام الری الخاص المستخدم فی الصحاری لن یفید فی مکان آخر. وعلى نحو مشابه، لا یتوقع المرء من أی بلد أن یرسل أدویة إلى بلد آخر إذا کانت هناک حاجة لهذه الأدویة داخل هذا البلد ذاته. وفضلا عن ذلک، لیس من الضروری أن یمتلک کل المواطنین نفس القدر من الممتلکات بالضبط. فالمهم فعلیا هو ألا یوجد أناس ینغمسون فی حیاة البذخ بینما یوجد، على مقربة منهم، أناس آخرون یعانون من الفقر. ومن الضروری أن نتفادى حدوث فجوة لا تُسد بین الفقراء والأغنیاء.


Newsweek, 24 February 1997

Newsweek, 17 December 1990

Newsweek, 18 May
1998
إن حقیقة وجود ملایین الأشخاص حول العالم ممن لا یزالون یعانون من الجوع، تعد دلالة على الاستخدام غیر الفعال لموارد العالم.

ومتى تم اتباع أمر الله التالی: "یسألونَکَ ماذا یُنفقونَ قلِ العفوَ" (سورة البقرة: 219)، سیظهر تلقائیا التوزیع العادل الذی یؤدی إلى نشر السلام فی المجتمعات.

"یَسْأَلُونَکَ مَاذَا یُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَیْرٍ فَلِلْوَالِدَیْنِ وَالأَقْرَبِینَ وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَیْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِیمٌ." (سورة البقرة: 215)

السلام: النتیجة الطبیعیة لإقامة العدالة الحقیقیة

ما إن تتم دراسة کل هذه الحقائق، سوف نصل إلى استنتاج بأن العیش وفقا لأحکام القرآن الکریم هو وحده القادر على أن یضمن لنا هیکلا اجتماعیا عادلا تماما. ذلک أن قواعد السلوک القرآنیة هی وحدها التی توصل إلى السلوک الأخلاقی والحکمة. إذ سیتحول الأنانیون، والمغرورون، والغافلون إلى رحماء منصفین یفکرون فی مصلحة الآخرین وبالتالی یکونون قادرین على إیجاد الحلول. ویعنی هذا ببساطة وضع نهایة لمشکلات کثیرة.

وفی المجتمعات التی تنعم بالعدالة الحقیقیة، لا ینحدر الناس إلى مرحلة الضعف الأخلاقی المتمثلة فی السعی وراء المصالح الشخصیة، أو الاحتیال، أو انتهاک حقوق الآخرین. وتحض تعالیم القرآن الأساسیة على أمور مثل التعاون والرحمة، تمثل جوهر المجتمع العادل. وفی مثل هذا المجتمع، یحمی کل فرد مصلحة الآخر وبالتالی یتم تأمین حقوق الجمیع ومصالحهم، وهذا ما یشیع السلام والأمن فی المجتمع بأکمله. ومن هذه الناحیة، تتمثل مسؤولیة جمیع المؤمنین فی تبلیغ العالم بأکمله بالقیم التی أثنى علیها المولى عز وجل والدین العادل. وهذه واحدة من أهم صفات المؤمنین:

"وَلْتَکُن مِّنکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَى الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَأُوْلَـئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ." (سورة آل عمران: 104)

"التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاکِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنکَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ." (سورة التوبة: 112)

یذکر الله جل جلاله أن هناک أناسا یعیشون وفقا لهذه القیم وبالتالی یدعون الناس إلیها. ولن ینجو فی الآخرة إلا أولئک الذین یحضون الناس على تجنب المعاصی:

"فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُکِّرُواْ بِهِ أَنجَیْنَا الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِیسٍ بِمَا کَانُواْ یَفْسُقُونَ." (سورة الأعراف: 165)



1. صحیح مسلم، الکتاب الرابع، الحدیث رقم 6309
2. . صحیح مسلم، الکتاب الثالث، الحدیث رقم 4264
3. . الیونسکو، الکوریار، آذار/ مارس 1999، صفحة رقم
22

ماذا یحدث إذا لم یَخف الإنسان من الله؟

ماذا یحدث إذا لم یَخف الإنسان من الله؟

"کَلَّا بَل لَّا تُکْرِمُونَ الْیَتِیمَ. وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْکِینِ. وَتَأْکُلُونَ التُّرَاثَ أَکْلًا لَّمًّا. وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا." (سورة الفجر: 17-20)

فکر فی رجلین، أحدهما یعرف أنه سیقابل الله جل جلاله ویعی أنه سیجازى عن کل فعل یقوم به؛ والآخر، على العکس من ذلک، یفترض أنه لن یُحاسب على الإطلاق. هناک فرق کبیر بالتأکید بین تصرفات هذین الرجلین. إذ یرجح أن یقوم الشخص الذی لا یخاف الله بارتکاب أی إثم وتجاهل جمیع الأخلاقیات عندما یشعر أن مصالحه فی خطر. ومن ثم، فإن الشخص الذی یسهل علیه قتل إنسان آخر، على سبیل المثال، دون أی سبب واضح أو لمصلحة دنیویة، یفعل هذا لأنه لا یخاف الله. ولو کان إیمانه بالله والیوم الآخر راسخا، لما تجرَّأ على فعل أی شیء لا یستطیع أن یبرره فی الآخرة.

وفی القرآن الکریم، ضرب الله مثلا قصة ابنَی نبی الله آدم، علیه السلام، لیلفت انتباهنا إلى الاختلاف الحاد بین الشخص الذی یخاف الله والشخص الذی لا یخافه:

"وَاتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّکَ قَالَ إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ. لَئِن بَسَطتَ إِلَیَّ یَدَکَ لِتَقْتُلَنِی مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ یَدِیَ إِلَیْکَ لَأَقْتُلَکَ إِنِّی أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِینَ." (سورة المائدة: 27-28)

فقد تجرأ الأخ الذی لا یخاف الله على قتل أخیه دون أن تطرف له عین، علما بأن الأخ القتیل لم یرتکب ذنبا. فی حین أن الأخ الضحیة، على الرغم من أنه مهدد بالقتل، قال إنه لن یحاول أن یقتل أخاه، وهذا نتیجة خوفه من الله. ومن ثم، بمجرد أن یشعر أفراد مجتمع ما بالخوف من الله، سوف ینتهی القتل، والاضطهاد، والظلم، والجور الذی لا یرضى عنه الله.

إن اشتهاء الدنیا هو سبب أیضا فی الأعمال الوحشیة وغیر الأخلاقیة التی یرتکبها الناس. إذ إن الشغل الشاغل لکثیر من الناس هو خوفهم من أن یصبحوا فقراء أو من عدم قدرتهم على تأمین مستقبلهم. وتفسر هذه المخاوف بالضرورة السبب الذی جعل من الرشوة، والفساد، والسرقة، وشهادة الزور، والبغاء أسلوب معیشة بالنسبة لکثیر من الناس. ومع ذلک، فبالنسبة لشخص مؤمن بالله، یتقدم رضا الله عنه على کل ما عداه. لذا، یتجنب هذا الشخص أی شیء من شأنه أن یفقده رضا الله. ولا یملأ قلبه غیر الخوف من الله جل جلاله؛ فلا الموت، ولا الجوع، ولا أی نوع آخر من المصاعب یمکن أن یحید به عن طریق الحق.

ونتیجة لذلک، لا یمکن أبدا أن یحید الشخص الذی یخاف الله عما جاء فی القرآن، مهما کانت الظروف. وبشکل مساو، ستجد أن هذا الشخص جدیر بالثقة ویتصرف دائما بضمیر حی. وبما أن لدیه شعورا عمیقا بأن الله یرى ویسمع کل شیء، فلن یحاول التصرف ضد ما یملیه علیه ضمیره حتى عندما یکون بمفرده.


إن الافتقار إلى الضمیر الحی هو من أخطر الأضرار التی تنشأ عن انعدام الخوف من الله سبحانه وتعالى. ذلک أن من یفتقرون إلى الضمیر الحی لا یحاولون حتى مساعدة المکروبین.

إن قلة التدین تحرض على فقدان الضمیر. ولتوضیح هذه النقطة، فکر فی شخص لا یتردد فی الهرب بعد أن یصدم شخصا آخر بسیارته فی الشارع. هذا مجرد مؤشر على بعده عن الدین. ولا شک فی أن انعدام الضمیر لدى هذا الشخص - الذی یترک إنسانا یتألم بمفرده فی وسط الشارع، وقد کان من الممکن فی أحوال أخرى أن تتوفر له فرصة للنجاة - یدعوه للاعتقاد بأنه یستطیع أن یتفادى الناس بالهروب منهم. ومع ذلک، فهو لا یعتقد مطلقا أن الله یحیط به، ویراه، ویسمعه فی کل ثانیة. ولا یمکن لأی إنسان قط أن یهرب من حساب الله فی یوم الحساب. فسیجازی الله فی هذا الیوم کل واحد عن کل ما ارتکبه من أفعال ظالمة، ووحشیة، ومجردة من الضمیر الحی:

"... وَمَن یَغْلُلْ یَأْتِ بِمَا غَلَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى کُلُّ نَفْسٍ مَّا کَسَبَتْ وَهُمْ لاَ یُظْلَمُونَ. أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ کَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ." (سورة آل عمران: 161-162)

وعندما نذکّر الناس بآیات الله، ونرشدهم إلى هذه الحقیقة المهمة، لن تحدث هذه الأفعال المنافیة للأخلاق.

ویتجسد أحد الأمثلة على الأفعال المنافیة للأخلاق التی یقوم بها الأشخاص البعیدون عن الدین فی أولئک الذین یقدمون العنایة الطبیة فی بعض المجتمعات وکأنهم أطباء، مع أنهم لا یمتلکون أی خلفیة طبیة. وعلى الرغم من أن هؤلاء الناس جاهلون تماما بأی فرع من فروع الطب، فإنهم یخدعون المرضى بسهولة ویتجرؤون على معالجتهم دون أن یعیروا اهتماما للعواقب الخطیرة التی تهدد صحتهم. بل قد تنتهی هذه الأفعال المنافیة للأخلاق بموت المریض. وبینما یتجاهل مثل هؤلاء الناس تماما هذه الآثار السلبیة، فإنهم لا یفکرون إلا فی الحصول على بعض المنافع وجنی الأموال. ومع ذلک، یأمر الله المؤمنین فی القرآن الکریم بما یلی: "أن تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهلِها" (سورة النساء: 58). وتعتبر صحة الإنسان، أیضا، أمانة غالیة. ومن ثم، یجب على الناس، امتثالا لما جاء فی الآیة السابقة، أن یتجنبوا ممارسة مهنة لا یحق لهم العمل بها وألا یقوموا بأی محاولات من شأنها أن تضر الآخرین.

ومن المرجح أن یقابل المرء فی جمیع مجالات الحیاة أناسا لا یخافون الله ویرتکبون أفعالا منافیة للأخلاق. وإذا تعذر على المرء أن یدرک مدى قرب یوم الحساب ولم یتأمل فیه، سیسهل علیه أن یفتری على شخص بریء. وفی غضون ذلک، لن یفکر فی إقناع الناس ببراءة هذا الشخص بل سیرکز جهوده على إقناعهم بصدق کلامه هو. ومن الواضح أن مثل هذا الشخص لا یفهم مطلقا أن الله شاهد على کل شیء، بلا استثناء، وأنه سیحاسب الإنسان فی الآخرة على کل ما فعله فی الدنیا. ومن هذا المنطلق، لن ینزعج ضمیر هذا الشخص إذا عرف أن الشخص البریء یمر بمحنة، أو یشعر بضیق، أو أودع السجن. ویوضح الله سبحانه وتعالی فی القرآن عقاب من یفتری على الآخرین على النحو التالی:

"... وَمَن یَغْلُلْ یَأْتِ بِمَا غَلَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى کُلُّ نَفْسٍ مَّا کَسَبَتْ وَهُمْ لاَ یُظْلَمُونَ. أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ کَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ." (سورة آل عمران: 161-162)


Newsweek,
17 December 1990


Time, 25 March 1996



نتیجة انقیادهم الأعمى وراء طموحهم لنیل المکاسب المادیة، یتحکم البعض فی صحة الناس ویعرضون حیاة البشر للخطر. وهؤلاء بالتحدید هم الذین لا یخافون الله وبالتالی لا یعتبرون أن حیاة الإنسان غالیة.

"وَمَن یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِینًا." (سورة النساء: 112)

"إِنَّ الَّذِینَ جَاؤُوا بِالْإِفْکِ عُصْبَةٌ مِّنکُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّکُم بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَّکُمْ لِکُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اکْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِی تَوَلَّى کِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِیمٌ." (سورة النور: 11)

إن الشخص الذی لا یخاف الله لا یحترم الآخرین ولا یقدرهم. ویفسر انعدام الخوف هذا عدم اهتمام الکثیر من أصحاب المطاعم بنظافة مطاعمهم وعدم احترام غالبیة الناس لکبار السن. وعلى نحو مشابه، یفسر عدم الخوف من الله موت المرضى بغرف الطوارئ بسبب قلة العنایة، وذبح المستضعَفین والفقراء وملایین الأبریاء من أجل حفنة من التراب، إلخ.

أما فی المجتمعات التی تخاف الله، فلن یفعل أحد أیًّا من الأعمال السابقة، لأن الکل یعلم أن أی ذنب یرتکبه الإنسان فی هذه الحیاة الفانیة سوف یلقى جزاءه فی الآخرة. وإذا تحلى أفراد المجتمع بضمیر حی سلیم، یحق لهذا المجتمع أن ینعم بالسلام والإحساس بالثقة. وتجدر الإشارة إلى أن تجنب الفسوق، والبغاء، وأی شکل آخر من أشکال الأعمال اللاأخلاقیة تجنبا تاما وما یصحبه من التحلی بقیم مثل الاحترام، والشفقة، والرحمة یضمن تکوین روابط عائلیة لا تنفصم، وهذا أمر ضروری بلا شک من أجل إقامة مجتمع قوی ینعم بهذه الأسس المتینة فی المقام الأول لأن أفراده یخلصون لبعضهم البعض.

فعل الخیر دون انتظار مقابل

لا شک فی أن الشخص الذی یخاف الله هو نفسه شخص یستمع إلى ضمیره ویتصرف دوما وفقا لأحکام القرآن الکریم. فقد أمر الله سبحانه وتعالى الناس فی القرآن بأن یعملوا الأعمال الصالحة دون أن یتوقعوا أی مکافأة دنیویة، وأن یمدوا ید العون للآخرین، وأن یکافحوا لیوفروا حیاة جیدة لهم. وفی الآیة التی تقول: "ولا تَمنُن تَسْتَکْثِر" (سورة المدثر: 6)، یؤکد هذا النهی على ضرورة أن یمتنع الناس عن طلب المکاسب الدنیویة مقابل المعروف الذی یقدمونه ویرجون به مرضاة الله. إن الشخص الذی یتبع أوامر الله ولا یتوقع أی مکاسب دنیویة یفعل کل هذا من أجل غایة واحدة؛ هی نیل رضا الله حتى یقبله ضمن عباده الصالحین الذین یستحقون دخول الجنة.

ومع ذلک، فإن عددا کبیرا من أعمال الخیر فی عصرنا الحالی تُؤدَّى بهدف الحصول على مکافأة دنیویة. فعلى سبیل المثال، رجل الأعمال الذی یتعهد بإنشاء دار للفقراء تحت مسمى الأغراض الخیریة، یبدو ظاهریا أنه لا یجنی أی کسب مادی من هذا التعهد. ولکن الحقیقة مختلفة، لأنه یبنی هذا المشروع فی المقام الأول من أجل الدعایة لاسمه، الذی سیظهر على الصفحات الأولى بالجرائد وفی برامج التلیفزیون الإخباریة، مما یحول هذا العمل الخیری إلى شکل من أشکال التباهی. وفی غضون ذلک، ستوفر شرکته أموالا لأن تکالیف هذا العمل الخیری تخصم من ضرائبه. وعلاوة على ذلک، فإن العمل الخیری الذی یُقدم من أجل الحصول على مزایا مشابهة غالبا ما یکون بعیدا کل البعد عن الاحتیاجات الفعلیة للمستفیدین منه. إذ سنجد، على سبیل المثال، أن الشاحنة المحملة بالطعام التی یتم إرسالها إلى منطقة ضربها زلزال لا تسد حاجات المتضررین، إما لأنها فاسدة من الأساس أو لأنها لا تلائم احتیاجات الضحایا الفعلیة.

ویکفینا الاستشهاد بمواقف السیاسیین لإیضاح هذه المسألة. إذ یکرر السیاسیون فی خطبهم، على مدار حملاتهم الانتخابیة المطولة، شعارات تعبر عن التزامهم العمیق بخدمة بلدهم. ومع ذلک، إذا لم یعینوا فی منصب وزاری، سرعان ما یقطعون کل صلة تربطهم بحزبهم، وینسون "الأهداف" المزعومة المذکورة فی جدول أعمالهم، ویکشفون عن دوافعهم الخفیة المرتبطة بدخول مجال العمل السیاسی. ویتبین أنهم ترشحوا من أجل الحصول على "المنصب" والمکانة الاجتماعیة. ولن تصدق کم هی قلیلة المزایا التی یجنیها المجتمع من مثل هذه العقلیات.

وباختصار، یصبح المعروف بلا ثمرة فی الآخرة إذا خلا من الإخلاص. ویبین الله ذلک فی الآیة التالیة:

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِکُم بِالْمَنِّ وَالأذَى کَالَّذِی یُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَیْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَکَهُ صَلْدًا لاَّ یَقْدِرُونَ عَلَى شَیْءٍ مِّمَّا کَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الْکَافِرِینَ." (سورة البقرة: 264)

ولکن من ناحیة أخرى، یثبت أن المعروف الذی یؤدَّى بإخلاص لمساعدة الناس وکسب رضا الله مربح ومفید، کما جاء فی العدید من آیات الذکر الحکیم. وفی مقابل هذه النوایا المخلصة، یقود الله جل جلاله الناس إلى النجاح فی کل أعمالهم ویضمن لهم نتائج مثمرة لما عاهدوه علیه. وقد تمت الإشارة إلى ذلک فی الآیة التالیة:

"وَمَثَلُ الَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِیتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ کَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُکُلَهَا ضِعْفَیْنِ فَإِن لَّمْ یُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ." (سورة البقرة: 265)

إن من یسعى فقط لنیل مرضاة الله لا یقصر جهده على مجالات معینة لعمل الخیر والتضحیة. وفی مجتمع بعید عن التدین، یمیل الناس فی الغالب للاعتقاد بوجود مصلحة خفیة وراء التضحیة، وما هذا إلا منطق الکفار الذی غرسوه فی عقول الناس. وفی مجتمع لا یسعى أفراده لنیل مرضاة الله، یقدم الناس المصالح الشخصیة على کل ما عداها. ومن ناحیة أخرى، یسعى المؤمنون لنیل مرضاة الله جل جلاله دون سواها:

"یُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَیَخَافُونَ یَوْمًا کَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیرًا. وَیُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْکِینًا وَیَتِیمًا وَأَسِیرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنکُمْ جَزَاء وَلَا شُکُورًا. إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا یَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِیرًا. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِکَ الْیَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا." (سورة الإنسان: 7-11)

وتقدم الفصول التالیة من هذا الکتاب تغطیة شاملة للحلول التی تطرحها آیات الذکر الحکیم للمشکلات التی تتطلب حلولا عاجلة. وعند قراءة هذه الحلول، تذکّر أن مجرد العیش وفقا لقیم القرآن سیوفر حلولا دائمة لکل المشکلات. ومن أمثلة هذه المشکلات فی عصرنا الحاضر: التعامل مع احتیاجات الفقراء، وتوفیر العنایة الجیدة لکبار السن، وغرس القیم الصالحة فی الأطفال، وتحریر المراهقین من قبضة الانحلال الأخلاقی، وتوفیر مساعدة عاجلة للبلدان التی تحل بها الکوارث، والإطاحة بالأیدیولوجیات القاسیة المتأصلة فی العقول والمسؤولة عن انجراف البلدان فی الحروب وقتل آلاف الأبریاء، ومواجهة المتمردین على بلدانهم، والعدید من القضایا الأخرى التی تنتهی غالبا إلى طریق مسدود. ومن هذه الناحیة، فإن الحل الوحید لمختلف المشکلات التی نواجهها فی حیاتنا لا یتأتى إلا من خلال الالتزام بما جاء فی القرآن الکریم، المرشد الوحید للبشریة فی عصرنا الحالی، الذی قدمه الله لها لکی ینیر طریقها. ذلک أن العیش وفقا لأوامر الله سبحانه وتعالى سیزیل کل أنواع الشرور من الأرض. أما فی حالة الابتعاد عن هذه المبادئ، فسیلزم الناس أنفسهم عمدا بنظام قاس. ویلفت الله الانتباه فی القرآن الکریم إلى الأذى الذی یسببه الناس لأنفسهم:

"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ لِیُذِیقَهُم بَعْضَ الَّذِی عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ." (سورة الروم: 41)

الحلول التی تظهر باستخدام العقل والحکمة

یعتبر التحلی بسمات العقل والحکمة، والبصیرة، والحصافة من الضروریات التی تساهم فی  حل المشکلات الملوِّثة للأرض، فی کل میادین الحیاة، والتی تجلب الخیر للإنسانیة. ولن یتسنى اکتساب هذه السمات إلا من خلال اتباع ما جاء فی القرآن الکریم. وفی الآیة التالیة، یؤکد سبحانه وتعالى على الحکمة الذی یمنحها الإیمان للإنسان:

"یِا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ یَجْعَل لَّکُمْ فُرْقَاناً وَیُکَفِّرْ عَنکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ." (سورة الأنفال: 29)


یوجد الیوم آلاف الأطفال المشردین ممن یتعاطون المخدرات وممن هم عرضة لارتکاب الجریمة، وهو ما یعد نتیجة طبیعیة للبیئات الملوثة التی نشؤوا فیها. والأرجح أن هؤلاء الأطفال عندما یکبرون سیصبحون أفرادا معاقین اجتماعیا وغیر قادرین على تقدیم أی خدمات مفیدة للمجتمع الذی یعیشون فیه.

وفی بعض الأحیان، قد یشعر الناس بضرورة السعی لإیجاد حلول للمشکلات التی یواجهونها. ومع ذلک، فهم لا یصلون إلى النتائج المرجوة لأنهم لیسوا جهات متخصصة فی تقدیم الحلول کما أنهم ینقصهم الحدس، والحصافة، والبصیرة، وکلها صفات تنتج عن الإیمان. وبما أن الحماس الذی یدفع هؤلاء الناس غیر صادر عن الإیمان، فإن قراراتهم تتأخر فی الغالب عندما تصل إلى مرحلة التنفیذ. ومن ناحیة أخرى، فإن عدم إدراکهم لتفاصیل مهمة أو تغاضیهم عنها یجعلهم یواجهون طرقا مسدودة فی مختلف المراحل.

فعلى سبیل المثال، هناک مشکلة کبیرة فی عصرنا الحالی تبحث عن حل حاسم، ألا وهی مشکلة الأطفال المشردین والأیتام المنتشرین فی جمیع أنحاء العالم الذین تُرکوا للعیش فی الشوارع. وتجدر الإشارة إلى أن بعثات المعونة والإجراءات التی تتناول المشکلات المتعددة للمشردین، لا سیما تلک التی یُستهدف بها منع الأطفال المشردین من الانحراف نحو الجریمة أو إدمان المخدرات، أثبتت فی أغلب الأحیان أنها غیر فعالة، مما یدفع هؤلاء الأطفال إلى طریق التشرد الذی ینحدر بهم إلى الشوارع ومنها إلى الإصلاحیات أو تتهیأ لهم الظروف المواتیة للانتحار أو الموت بسبب نقص العنایة. ومع ذلک، فسیختلف الوضع بالتأکید إذا تلقى هؤلاء الأطفال تدریبا یستند إلى القرآن الکریم مصحوبا بالخدمات المناسبة. ذلک أنهم نتیجة خوفهم من الله، لن یمیلوا إلى النشاط الإجرامی، بل على العکس من ذلک، سیبلغون سن الرشد ویکافحون لتقدیم أفضل الخدمات لبلدهم وشعبهم.

وستتضح هذه النقطة أکثر إذا تعرضنا إلى أولئک الذین یعانون من أمراض تحتاج إلى علاج مکلف. یمتلک الأغنیاء، الذین لا یواجهون عادة مشکلات فی دفع فواتیرهم، الموارد الضروریة لإبقائهم على قید الحیاة. ومن ناحیة أخرى، یُترک الفقراء، الذین لا یملکون تأمینا صحیا، فریسة للموت. ویندر أن یؤثر هذا الوضع فی أی أحد، والدلیل على ذلک أنه لم یبادر أی أحد باتخاذ أی إجراءات.

ومرة أخرى، یعتبر انعدام الخوف من الله، وما یتبعه من انعدام الحکمة، مسؤولا عن حالة اللامبالاة هذه. إذ یتعذر على الذین لا یمیزون بین الخیر والشر أن یصلوا إلى حل للمشکلات التی یواجهونها. وتجدر الإشارة إلى أن انعدام التمییز بین الخیر والشر صفة یتمیز بها الکفار. ویبین الله کیف یتصرف هؤلاء الناس:

"وَمَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُواْ کَمَثَلِ الَّذِی یَنْعِقُ بِمَا لاَ یَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُکْمٌ عُمْیٌ فَهُمْ لاَ یَعْقِلُونَ." (سورة البقرة: 171)

ومع ذلک، یمتلک الأشخاص الذین یعیشون وفقا لأحکام القرآن والسنة، بفضل الحکمة التی یتحلون بها، ملکات عقلیة متطورة جدا تمکنهم من إیجاد الحلول، وتکوین الموارد، والتنظیم. ویمکن أن تساعد المنظمات التی یدیرونها ومساهمات الموسرین بشکل کبیر فی بناء حیاة أفضل لهؤلاء التعساء. أولا، یمکن تنبیه الناس إلى المشکلات الموجودة، وبناء علیه یمکن أن یقدم لهم النصح بشأن الحلول المناسبة. فعلى سبیل المثال، یمکن أن یتعهد بعض رجال الأعمال ببناء أو تجدید ملاجئ للأطفال المشردین وتعلیمهم، الأمر الذی یتطلب فی الواقع قدرا بسیطا من التنظیم. وفی مجتمع یعیش وفقا لأحکام القرآن والسنة، ستختفی هذه المشکلة إلى الأبد بفضل هذه الحلول العملیة. إذ یمکن أن تتعهد کل أسرة لدیها قدر کاف من الموارد المالیة، مثلا، برعایة طفل واحد وتعلیمه. ویستطیع الناس الذین وهبهم الله قیم القرآن والحکمة أن یتعاملوا مع جمیع أنواع المشکلات بمثل هذه الحلول العملیة. وعلى نحو مشابه، یمکن حصر المرضى الذین لیس لدیهم تأمین صحی على أن تتم تغطیة تکالیف علاجهم من صندوق مخصص لهذا الغرض. وفی مثل هذه الأمور، لا بد من استخدام أکثر الطرق إنتاجیة لتوجیه موارد العالم إلى المجالات الصحیحة، دون السماح حتى بأدنى قدر من التبذیر. ویطالب الله سبحانه وتعالى الإنسان فی القرآن الکریم باتباع هذا النوع من السلوک.

على الرغم من توفر کل الموارد الضروریة فی متناول الید، فإن غیاب التنظیم الجید والتوزیع السلیم للموارد یتسبب فی تردی مستوى الرعایة الطبیة التی یحصل علیها الناس من المستشفیات. وبسبب الفقر، لا یحصل البعض على أی علاج طبی. والأمر المثیر للسخریة هو أن شعار هذه المرحلة أصبح: "لا مال، إِذن لا رعایة طبیة".

ویتمکن الأشخاص الذین یتبعون ضمائرهم ویستخدمون عقولهم من السیطرة على الأحداث، وبالتالی یستطیعون التعرف على الطرق المسدودة والاحتیاجات بسرعة، ومن ثم یضعون الحلول. وفی أغلب الأحیان یتعذر على الناس أن یکتشفوا مواضع الفشل فی النظم أو یتظاهرون ببساطة بأنهم لا یدرکونها. وحتى إذا وخزت الظروف ضمائرهم، فإنهم لا یعرفون ما یجب علیهم فعله، أو یشعرون بالکسل إلى درجة لا تجعلهم یبدؤون فی اتخاذ أی إجراء. ونتیجة لترددهم خشیة تعکیر صفوهم، ستجد أنهم یتجنبون قضاء الوقت أو بذل الطاقة فی مثل هذه الأمور. ومع ذلک، سیتمکن أصحاب الضمائر الحیة والحکماء، من خلال ما یبذلونه من مجهود لتنظیم الناس حسب قوتهم وقدراتهم، من إیجاد حلول سریعة لمشکلات کثیرة تحتاج إلى الصبر.

 وقد أثنى الله فی القرآن ثناء کبیرا على من یشجعون الناس على فعل الخیر:

"مَّن یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً یَکُن لَّهُ نَصِیبٌ مِّنْهَا وَمَن یَشْفَعْ شَفَاعَةً سَیِّئَةً یَکُن لَّهُ کِفْلٌ مِّنْهَا وَکَانَ اللّهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ مُّقِیتًا." (سورة النساء: 85)

فی حین ذکر القرآن السلوک المضاد بوصفه صفة من صفات الکفار وصنفه باعتباره نوعا من الشرور:

"کَلَّا بَل لَّا تُکْرِمُونَ الْیَتِیمَ. وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْکِینِ. وَتَأْکُلُونَ التُّرَاثَ أَکْلًا لَّمًّا. وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا." (سورة الفجر: 17-20)

انعدام الغایة لدى الکفار

انعدام الغایة لدى الکفار

"ذَرْهُمْ یَأْکُلُواْ وَیَتَمَتَّعُواْ وَیُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ." (سورة الحجر: 3)

یفتقر الناس بشدة فی عصرنا الحالی إلى وجود غایة فی الحیاة؛ إذ یتبع الجمیع تقریبا أسلوبا معیشیا نمطیا. فقد أصبح إطعام الشخص لنفسه، والبحث عن منزل یسکن فیه، وتکوین أسرة، والعمل فی وظیفة هی القیم المحمودة التی یطمح إلیها المرء فی أغلب الأحیان. وفی إطار هذا الأسلوب المعیشی النمطی، یتمثل أهم هدف فی إیجاد سبل لتحسین الأسلوب المعیشی وتنشئة الأطفال.

ولکی نفهم بصورة أفضل ما یتخلل حیاة مجتمعنا من انعدام للغایة والمغزى، سیکون من المفید أن نلقی نظرة على مجالات أخرى للاهتمام غیر تلک المذکورة آنفا. سنجد أن غالبیة الناس ینظرون إلى الأمور بنظرة محدودة. ففی أغلب الأحیان، یعتبر هؤلاء أن  عدم تفویت حلقة من مسلسل تلیفزیونی أو مشاهدةَ فیلم رائج بین الناس هو الذی یعطی لحیاتهم الیومیة معنى. وبالنسبة لهؤلاء الناس، یتمثل الهدف الأسمى فی الحیاة، إن وجد، فی الانضمام إلى ناد اجتماعی.

وهناک مجموعة أخرى من الناس یمثل العمل الشغل الشاغل لها؛ إذ یقضی هؤلاء الناس حیاتهم بأکملها فی التنقل بین المکتب والمنزل. ویظل الشخص، الذی بدأ مستقبله المهنی فی أوائل العشرینیات من عمره، یعمل بنفس الوظیفة لمدة 40 سنة تقریبا. وفی غضون ذلک، یجد نفسه فی أغلب الأحیان ینتظر قدوم أیام الجمع. وتتمثل طموحاته الأساسیة فی إقفال الشهر الضریبی دون مشاکل، وتدبیر الإیجار کل شهر، وتأمین مستقبل أطفاله. ولا تکاد تثیر اهتمامه أی أحداث وطنیة أو عالمیة، ولا یستوعب أی أحداث غیر تلک التی تؤثر على عمله. وبما أنه لا یتأمل مطلقا فی الأحداث، فهو یقبل الوضع الراهن بسهولة ولا یبدی أی اهتمام بأی قضیة إلا عندما تتعارض مع عمله. ولکی یعبِّر هذا الشخص عما یقلقه، یشترک فی البرامج الحواریة بالتلیفزیون أو یتحدث حتى الساعات الأولى من الصباح دون أن یصل إلى حل أو استنتاج جوهری. وفی الیوم التالی، یبدأ یوما جدیدا شبیها بالیوم الذی سبقه.

ویعانی الشباب أیضا، من انعدام الغایة ذاته، ویفتقرون إلى العوامل الضروریة التی تعطی للحیاة معنى. ذلک أن السواد الأعظم من المراهقین لا یعرفون حتى أسماء قادة بلدانهم، ولا القرارات السیاسیة التی یتخذونها، ولا أثر هذه القرارات على الأمن القومی أو الاقتصاد أو النظامین التعلیمی والقضائی. وهم غافلون تماما عن الأحداث والتطورات الهامة فی العالم، لأنهم یضیعون وقتهم باستمرار فی الموضوعات التافهة وغیر المجدیة. ویحرمهم هذا من المهارات التی تساعدهم على استیعاب أهمیة العدید من الأحداث التی یحفل بها تاریخ العالم. وتقتصر حواراتهم فی الغالب على ألعاب الکمبیوتر، أو الدردشة على الإنترنت، أو المواعدة، أو الأحداث التافهة التی تحدث فی المدرسة، أو الغش فی الامتحانات، أو خطط عطلة نهایة الأسبوع، أو الملابس، أو مباریات کرة القدم. وفی استطلاعات الرأی التی تجریها المجلات وتطلب فیها من المراهقین أن یرتبوا "أعظم الأهداف الجدیرة بالسعی لتحقیقها"، یأتی على رأس القائمة التشبه بعارضة أزیاء مشهورة أو العزف على الجیتار مثل عازف جیتار فی فرقة مشهورة.

ونظرا لانجراف الشباب مع التیار السائد، فهم لا یفکرون مطلقا فی توسیع آفاقهم. فمثلا، لا یفکرون حتى فی تحسین مهاراتهم فی التخاطب، لأنهم ببساطة لیست لدیهم أدنى فکرة عن التحدث إلى الناس أو التأثیر علیهم. وبالإضافة إلى ذلک، فإنهم لا یقرأون. فالشخص الذی لدیه غایة ووجهة نظر عن العالم یقرأ لیثری معلوماته ولیتعرف أیضا على وجهات النظر المعارضة. وتتمثل الغایة من ذلک فی الارتقاء بفهم الأیدیولوجیات التی من المرجح أن تتعارض مع أفکار الشخص وتحدید نقاط الضعف فی کل منها. ولکن من المؤکد أن وجود أفکار معینة لن یعنی أی شیء بالنسبة لشخص لیست لدیه غایة أو رؤیة للعالم. وعلاوة على ذلک، لا یدرک هؤلاء الناس حتى الأفکار الحالیة ووجهات نظر الأشخاص الآخرین الموجودین فی العالم. وفی العدید من مجتمعات الیوم، یعانی الناس من نقص خطیر فی الاهتمام بقراءة الکتب والصحف فی حین یتزاید الطلب على الصحف الصفراء، وأعمدة النمیمة فی الصحف والمجلات، والبرامج التلیفزیونیة. وعلى الرغم من تمتع غالبیة الناس بقدر کبیر من وقت الفراغ، فإنهم یمیلون إلى قضاء أیامهم أمام أجهزة التلیفزیون وهم یشاهدون المسلسلات والبرامج التی لا تضیف شیئا لملکاتهم العقلیة، وهو ما یعتبر دلیلا واضحا على انعدام الغایة والانحطاط الفکری.

ویشکل انعدام الغایة فی الحیاة والغفلة عن الجوانب الأخرى للوجود تهدیدا للإنسانیة. ومع ذلک، وبالإضافة إلى ما سبق، فإن غالبیة الناس الذین یتخذون موقفا معینا فی الحیاة یؤیدون آراء تفتقر إلى القیم الحقیقیة وتضر بالإنسانیة، وهذا هو التهدید الحقیقی. ویرجع السبب فی ذلک إلى أن أصحاب الأفکار الخطیرة ومؤیدیها یجدون آذانا صاغیة لدى الجماهیر التی تفتقر تماما للملکات العقلیة التی تستطیع من خلالها أن تدرک الخطر، ومن ثم تتقبل أی افتراض مسبق دون أن تخضعه للتدقیق المستقل.

ونتیجة لهذه الظروف، لا یواجه أصحاب الأفکار الخطیرة أی مقاومة تثنیهم عن محاولاتهم لجذب الأنصار؛ والمؤمنین بالمبادئ الفوضویة؛ والإرهابیین، الذین یکنون عداوة راسخة لبلدانهم وشعوبهم. فمثلا، فی کافیتیریا الکلیة، حیث یغرسون آراءهم بشکل هدام لیحققوا غرضهم، سنجد أن المراهق الخامل یشاهد الشباب المجاورین له مباشرة وهم یخضعون لعملیة تلقین دون أن یفهم ما یدور حوله. ولا یدرک على الإطلاق أن هؤلاء الشباب سرعان ما سیبدأون فی التصرف تحت تأثیر الفوضویین والإرهابیین ویصبحون مجرمین عدیمی الرحمة یمکنهم بسهولة أن یضعوا أیدیهم على الأسلحة لیستخدموها ضد الشرطة، والجنود، والأبریاء من أبناء وطنهم. وحتى إذا أدرک المراهق هذا التهدید، فسیظل غیر مبال بالخطر. وعلى أی حال، فإن هذا الشخص لیس لدیه ما یکفی من الإدراک أو الإحساس بالمسؤولیة لیمکنه من معالجة الموقف بحکمة.

وفی إحدى الآیات، یشیر الله سبحانه وتعالى إلى انعدام الغایة لدى الناس، لذا: "ذَرْهُمْ یَأْکُلُواْ وَیَتَمَتَّعُواْ وَیُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ." (سورة الحجر: 3)

ویلاحظ الشخص الیقظ أن رد فعل جماعات معینة تجاه أی سیاسة جدیدة یتم اتباعها فی الجامعات یثبت فی الغالب أن ضرره أکثر من نفعه. وینتج ذلک عن موقف الجماعة، لأن الجماعة لا تدافع عن الصواب والخیر. ومن ناحیة أخرى، ستجد مجموعة أخرى تفضل التزام الصمت وتکتفی بتجاهل هذه الأحداث بدلا من دعوة الناس إلى السلوک القویم، ونصحهم بالحفاظ على ولائهم لدولهم والابتعاد عن التمرد. وفی غضون ذلک، تظهر جماعات أخرى بحقدها وعدائها وتمشی فی مسیرات وتحمل الشعارات، والأحجار، والعصی لتکشف عن نوع آخر من الاضطهاد والإرهاب. ومع ذلک، لم تسفر جهودهم عن أی فائدة؛ ذلک لأنهم لا یؤیدون القیم التی أوصانا بها الله سبحانه وتعالى، بل یمارسون کل أنواع السلوکیات التی لا تتماشى مع القرآن. وفی إحدى آیاته جل جلاله، یصف الله جهود الکفار فی هذا العالم بأنها تضیع سدى:

"مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ کَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ یَقْدِرُونَ مِمَّا کَسَبُواْ عَلَى شَیْءٍ ذَلِکَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِیدُ." (سورة إبراهیم: 18)

وتوجد بلا شک سبل تستطیع البشریة من خلالها أن تتجنب مثل هذا الوضع، وتتمثل هذه السبل فی: التأکد من عدم تحول البشر إلى أشخاص لا یهتمون إلا بعیش حیاتهم وسد احتیاجاتهم. ولتحقیق هذا الغرض، یجب أن یشجَّع هؤلاء الأشخاص على أن یصبحوا أفرادا یسعون إلى خدمة غیرهم من الناس ومعالجة لا مشکلاتهم أو مشکلات بلدانهم فحسب، بل مشکلات العالم أیضا. ویبین الدین الذی اختاره الله سبحانه وتعالى للناس وأظهره لهم فی القرآن الکریم هذا المقصد الأساسی:

"فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لَا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُونَ." (سورة الروم: 30)

لقد شرع الله، خالق الإنسان، الدین لیناسب الإنسان إلى أقصى الحدود ویضمن له أقصى درجات السلام والأمن. ومن ثم، لا یمکن لأی فلسفة أو أیدیولوجیة من أی نوع کان، باستثناء الدین، أن توفر الکمال والسعادة التی یبحث عنها الناس. ولهذا السبب، یجب أن نوضح لأنصار الأفکار الخاطئة سبب خطأ أفکارهم، کما یجب أیضا أن نقدم لهم الأدلة والإرشادات ذات الصلة التی تجعلهم یتبنون الأفکار الصحیحة بدلا من الأفکار الخاطئة.

ومن الضروری أن نتحدث مع الأشخاص عدیمی الهدف والخاملین وأولئک الذین یتعلقون تعلقا أعمى بالأفکار الخاطئة عن القرآن. وعندئذ فقط، سیتمکنون من إدراک وفهم حقیقة أن هذا العالم قد خلق لغایة مهمة. وفی القرآن الکریم، یخبرنا الله بغایته من خلق الإنسان: "وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا لیعبدونِ". (سورة الذاریات: 56).

کلنا سیموت فی یوم من الأیام. عندئذ ستبدأ حیاتنا الحقیقیة الخالدة. ویکمن الهدف من حیاتنا الفانیة فی أن یکافح الإنسان کی یصبح شخصا یرضى عنه الله ویستضیفه فی جنته. ومن خلال سلوک کل إنسان، ومثله العلیا، ومعتقداته سیتحدد ما إذا کان سیقضی حیاة الآخرة الأبدیة فی النار أم فی الجنة. ولهذا السبب، فإن أولئک الذین یقضون وقتهم بشکل غیر ذکی فی وظائف عدیمة الجدوى والقیمة، ویکرسون حیاتهم لهذه الوظائف، ویتصرفون وکأن وجودهم على الأرض لا غایة منه، ینبغی أن یتم تحذیرهم وإیقاظهم بشکل عاجل من الغفلة التی یعیشون فیها.

وإذا أدرکنا أن الغایة من وجودنا فی هذا العالم هی کسب رضا الله سبحانه وتعالى، وتأییده، وجنته، لا یمکن أن نظل غیر مبالین أو متبلدی المشاعر تجاه أی حدث یقع حولنا. ذلک أننا نعلم أن کل حدث إنما هو فرصة لکسب رضا الله، ومن ثم سنتصرف دائما بناء على ذلک. وسنشعر بوخز الضمیر کلما شهدنا ظلما أو اضطهادا یحدث فی الجوار أو فی العالم. فمثلا، سنشعر بالمسؤولیة تجاه کل غلام شرید یعیش فی ظروف صعبة ویضطر لقضاء حیاته على أرصفة الشوارع فی الشتاء البارد. ولکی نلتزم بأمر الله جل جلاله الوارد فی الآیة التالیة: "فأمَّا الیتیمَ فلا تقهرْ، وأمَّا السائلَ فلا تنهرْ" (سورة الضحى: 9-10)، سنعامل هؤلاء الغلمان بلطف. وسنکافح لإیجاد طریقة ننقذهم بها من الظروف غیر المواتیة التی یعیشون فیها. ولکننا ندرک أن هؤلاء الأطفال لا یمکن أن یتم إنقاذهم بجهودنا أو بجهود الأشخاص القلیلین غیرنا الذین یتصرفون بما یتماشى مع القرآن. ولهذا السبب، سنکافح من أجل نشر قیم القرآن والسنة بین الناس.

انعدام الغایة هو السبب فی الأنانیة

إن انعدام الغایة یجعل الناس، والمجتمعات على حد سواء، أنانیین وغیر مبالین. إذ یمیلون للاهتمام بشؤونهم فقط دون إظهار أی رد فعل أو فی اهتمام بالأحداث التی تقع حولهم. ذلک أن الشخص الذی یتمثل هدفه الوحید فی أن یعیش حیاته فی خضم کل الأحداث التی تقع حوله، لن یلاحظ إلا الأحداث التی ترتبط بحیاته ولن یبالی بأی شیء آخر. فمثلا، فی حال اندلاع حرب أهلیة فی أحد البلدان التی یتاجر معها هذا الشخص، فإنه لن یهتم إلا بالأموال التی سیخسرها. ولن یفکر قط فی الأشخاص الذین ذُبحوا، وفی الأطفال الذی قُتلوا بوحشیة، وفی الحیاة المخیفة والمحزنة التی یعیشها الناس فی ذلک البلد. ولن تطرأ هذه الصور المؤلمة على ذهنه قط. ونظرا لأن اهتمامه لا ینصب إلا على تعقب أمواله، فلن یفکر قط فی مساعدة هؤلاء الناس بطریقة أو بأخرى. ومع ذلک، ما هذا إلا مثال واحد من أمثلة اللامبالاة التی یراها غالبیة الناس أمرا معقولا، ویعتبرونها أمرا مسلما به.

"إِلَّا الْمُصَلِّینَ. الَّذِینَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُون. وَالَّذِینَ فِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ. لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ. وَالَّذِینَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ." (سورة المعارج: 22-27)

وفی کل یوم تقریبا، تطالعنا الصحف والتلیفزیون بتغطیة شاملة لقصص أناس فی جمیع أرجاء العالم یتعرضون لقدر لا یُحتمل من المصاعب والعنف. وتعتبر الفوضى الناشئة عن عدم الالتزام بقیم القرآن والسنة، بالإضافة إلى الکفر، هی السبب فی غالبیة هذه المحن. وسواء کان ذلک فی فلسطین، أو إندونیسیا، أو کوسوفا، أو الشیشان، أو أی مکان آخر فی العالم، سترى صورا لأناس یُسحبون على الأرض أو یُرکلون أمام أعین أطفالهم بسبب حفنة من التراب. وعلى نحو مشابه، ألِف الجمیع مشاهدة الأطفال الصغار وهم یقذفون الأحجار بعنف دفاعا عن أنفسهم. ومع ذلک، وعلى الرغم من مشاهدة هذه المناظر الفظیعة، ما زال الناس قادرین على أن یخلدوا للنوم وأن یمارسوا حیاتهم بشکل اعتیادی لأنهم لم یصابوا شخصیا بأی أذى. وبما أن هؤلاء الناس لم یعتادوا التفکیر على نطاق "کبیر" ویفتقرون أیضا إلى القیم السامیة والضمائر، فإن مثل هذه القسوة - ببساطة - لا تحرک مشاعرهم.

وإذا تخیل المرء نفسه مکان المضطهدین، سیتبین لنا بالتأکید کیف أن هؤلاء الناس تخلَّوا تماما عن ضمائرهم تجاه هذه الأحداث المحزنة. ماذا سیحدث إذا وُضع أحد هؤلاء الناس فی بیئة یُقتل فیها الأبریاء، وتتعرض فیها زوجاتهم، وأطفالهم، وإخوانهم، وآباؤهم وأمهاتهم للمجاعة والمعاملة الوحشیة؟... ماذا سیحدث إذا تعرض للفقر الشدید؟... ماذا سیحدث إذا لم یکن لدیه المال أو الوسائل الضروریة لیؤمن العنایة الطبیة لطفله المریض؟... ماذا سیحدث إذا طُرد من وطنه دون أی سبب واضح؟... ومن جهة أخرى، ماذا سیعتقد إذا قابل شخصا لم یعان من کل هذه المحن، ولم یکن لدیه هم سوى المال الذی یمکن أن یجنیه، وکان فکره یتجسد ببساطة فیما یلی: "هل أنا الذی یجب علیه أن ینقذ هؤلاء الناس؟" ألن یعتقد أن هذا الشخص بلا ضمیر، وغیر مبال، وقاس؟

ومع ذلک، لیس من الضروری أن تعانی من الاضطهاد کی تصبح شخصا ذا ضمیر حی یراعی مشاعر الآخرین وحقوقهم. إذ یکفیک أن تنظر إلى محنة الناس وتفکر فیها فی إطار قیم القرآن. ولکن، کلما ابتعد الناس عن القرآن، ازداد إحساس ضمائرهم تبلدا. ویروی لنا الله سبحانه وتعالى فی الآیات التالیة کیف یتصرف الأشخاص غیر المتدینین بأنانیة، وتبلد، وقسوة:

"إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعًا." (سورة المعارج: 19-21)

وفی الآیات التالیة، یبین لنا الله أن هناک أناسا لیسوا "أنانیین" یهتمون بالمحتاجین:

"إِلَّا الْمُصَلِّینَ. الَّذِینَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ. وَالَّذِینَ فِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ. لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ. وَالَّذِینَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ." (سورة المعارج: 22-27)

وکما أوضح الله جل جلاله، فإن هناک أناسا یخافون الله ویتحملون مسؤولیة المعدمین. ویبین لنا الله أن هناک طریقین أمام الناس فی هذه الحیاة، أحدهما هو طریق الخیر والآخر هو طریق الشر. وقد قال جل جلاله فی القرآن الکریم:

"وَهَدَیْنَاهُ النَّجْدَیْنِ. فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاکَ مَا الْعَقَبَةُ. فَکُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِی یَوْمٍ ذِی مَسْغَبَةٍ. یَتِیمًا ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْکِینًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ کَانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ. أُوْلَئِکَ أَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ. وَالَّذِینَ کَفَرُوا بِآیَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. عَلَیْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ." (سورة البلد: 10-20)


تذکر أن الاضطهاد، والظلم، والطغیان، والعذاب المنتشر الیوم فی جمیع أرجاء العالم هی قضایا یجب على کل ذی ضمیر حی أن یبحث لها عن حل. ومع ذلک، فالأرجح أن الشخص الذی یوافق على الاضطهاد سیتجاهل کل هذه النداءات.

إن طریق الخیر المبین فی الآیة المذکورة أعلاه واضح جدا. لذا، من غیر المحتمل بالنسبة لشخص ذی ضمیر حی، یسعى لکسب رضا الله ورحمته وجنته، أن یظل متبلد المشاعر تجاه الممارسات الظالمة فی العالم، أو تجاه المعدمین والمحتاجین، وألا یفکر فی مستقبلهم.

"فَکُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِی یَوْمٍ ذِی مَسْغَبَةٍ. یَتِیمًا ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْکِینًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ کَانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ." (سورة البلد: 13-17)

ویجب أن یتذکر کل شخص بداخله ضمیر حی أن الفوضى، والاضطهاد، والظلم المنتشر فی مختلف أرجاء العالم الیوم هو السبب الذی جعل ملایین الأشخاص ینجرفون فی موجة من الشقاء والرعب. ویقول البعض: "هناک أشخاص معینون مسؤولون عن هذا الشقاء، فهل أتحمل أنا مسؤولیة ذلک؟" ولکن هذه کلمات لا یمکن أن تصدر عن شخص ذی ضمیر حی. وفی النهایة، سوف یأخذ الله فی الآخرة کل الأشخاص الذین وهبهم إدراکا وصحة سلیمة لیحاسبهم عن هؤلاء الفقراء. ولا شک فی أن أولئک الذین یتبنون أیدیولوجیات تضع أساسا ملائما لازدهار العنف والوحشیة تجاه الإنسانیة یظلون – سواء رضوا أم أبوا – فی نفس الدرجة مع الظالمین. وینطبق ذات الشیء أیضا على أولئک الذین یتجنبون مواجهة هذه الأیدیولوجیات. وسیؤدی عدم الالتزام بمبادئ الدین حتما إلى ظهور نمط من المجتمعات یکوِّنه أناس غیر مسؤولین وغافلون یفترضون أنهم سیغادرون هذه الدنیا دون أن یحاسبهم أی أحد. وهؤلاء الناس هم فی الواقع أولئک الذین یهتمون أولا، أکثر من أی شخص آخر، بمصالحهم الشخصیة، ویضعون خططا لبقائهم على قید الحیاة دون اکتراث بغیرهم.

وفی الواقع، یکمن فی أساس نظریة التطور، التی "یفترض" أنها تقدم دعما علمیا للفلسفة المادیة والمذهب المادی اللذین یشکلان أساس الکفر، طموح لتکوین نموذج من البشر غیر مسؤول وغافل ومجرد من جمیع القیم الروحیة. إذ یشعر إنسان هذا النموذج أنه غیر ملزم بتبریر تصرفاته لأی أحد. ذلک أن الإنسان، وفقا لنظریة التطور، هو حیوان متقدم تطور عن القرد وتکوّن بالصدفة. ولا یمکن بأی حال من الأحوال أن یؤدی النظر إلى الإنسان بوصفه کائنا بدائیا إلى التضحیة من أجل الآخرین، أو إنقاذ إنسان یعانی، أو الشعور بالرحمة والشفقة تجاهه. وعلاوة على ذلک، تعتبر الحیاة، وفقا لنظریة التطور، مکانا للصراع لا یحق لغیر القوی أن یعیش فیه. ومن ناحیة أخرى، یُکتب على الفقراء والضعفاء الهلاک. لقد ظل الناس فی جمیع أنحاء العالم یُلَقَّنون هذه الآراء لسنوات من المدارس، والتلیفزیون، والصحف، والناس المحیطین بهم. وتتمثل السبیل الوحیدة للتخلص من هذا التلقین ولترسیخ أواصر الحب، والرحمة، والتعاون، والتکافل بین الناس فی إبلاغ الناس بقیم القرآن والسنة وتوضیح الخسائر التی سیجلبها علیهم الکفر فی کل من الدنیا والآخرة. وهذا واجب مهم على کل المؤمنین، لأن الله سبحانه وتعالى یعِد أولئک الذین یتحملون هذه المسؤولیة المهمة والمشرفة بعاقبة حسنة.

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُم فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَى لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا یَعْبُدُونَنِی لَا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئًا وَمَن کَفَرَ بَعْدَ ذَلِکَ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ." (سورة النور: 55)

 

مقدمة

مقدمة

"وَمَا لَکُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْیَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ وَلِیًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ نَصِیرًا."؟ (سورة النساء: 75)

یندرج غالبیة الناس حول العالم تحت فئة المضطهدین. ذلک أنهم یتعرضون للتعذیب، وسفک الدماء، ویعیشون مشردین فی فقر مدقع، کما أنهم مجبرون على العیش دون حمایة من قوى الطبیعة، ویواجهون المرض دون الحصول على عنایة طبیة مناسبة. ویوجد أولئک الذین لا یستطیعون حتى أن یشتروا رغیف خبز. کما یوجد الشیوخ الذین یواجهون الإهمال، والهجر، والحرمان من العنایة الطبیة. ویوجد أیضا أولئک الذی یعانون من التمییز، والترحیل من منازلهم وأراضیهم بل وحتى المذابح لمجرد أنهم ینتمون لعرق، أو لغة، أو جنس، أو قبیلة معینة. أما بالنسبة للأطفال الأبریاء الذین لا یجدون من یحمیهم، والذین یعانون من سوء التغذیة، والذین لا حول لهم ولا قوة فیضطرون للعمل أو التسول من أجل الحصول على المال.

ویعیش عدد لا حصر له من الناس وهم خائفون على حیاتهم وقلقون من قدرتهم على البقاء على قید الحیاة وسط عالم، یوجد فیه أیضا إلى جانب الفقر والاضطهاد، قدر هائل من التبذیر، والامتیازات، والثراء. ویمر أولئک الذین ینعمون "بحیاة کریمة" بالمتشردین، ویرون صورا ویشاهدون مناظر فی التلیفزیون لمن هم أقل منهم حظا. وفی بعض الأحیان ینتابهم شعور بالشفقة للحظة خاطفة، ولکنهم سرعان ما یغیرون قناة التلیفزیون، ویطردون الصورة من ذهنهم، وخلال فترة قصیرة یمحون تماما تلک الوخزة العابرة التی أثرت فی ضمائرهم.

إن کثیرا ممن ینعمون بالرفاهیة وسبل الراحة لا یفکرون قط فی بذل جهد لإنقاذ من هم أقل حظا منهم من الظروف التی یعیشون فیها. فهم یعتقدون أن إنقاذ هؤلاء الناس لیس من واجبهم، لأن هناک کثیرین یفوقونهم ثراء وقوة ومکانة بإمکانهم أن یساعدوا من هم أقل حظا.

ومع ذلک، لن یکفی الرخاء والقوة وحدهما لإنقاذ الأقل حظا وتحویل هذا العالم إلى مکان خیر تسوده العدالة، والسلام، والثقة، والرفاهیة. وعلى الرغم من انتشار البلدان المتقدمة حول العالم، فما زال هناک الکثیر من البلدان أیضا، مثل إثیوبیا، التی لا یزال الناس یموتون فیها یومیا بسبب المجاعة. ومن الواضح أن ثراء بعض الأمم وقوتها لا یکفیان فی حد ذاتهما لحل آلام القحط، والفقر، والحروب الأهلیة.

لا شک فی أن أصحاب الضمائر الحیة هم وحدهم القادرون على توجیه الموارد والقوى لما فیه خیر الفقراء والیائسین. والسبیل الوحیدة لصحوة الضمائر هی الإیمان. ذلک أن المؤمنین وحدهم هم الذین یعیشون دائما وفقا لما تملیه علیهم ضمائرهم.

وأخیرا، لا یوجد سوى حل واحد للظلم، والفوضى، والإرهاب، والمذابح، والجوع، والفقر، والاضطهاد المنتشر فی العالم؛ وهذا الحل هو: خُلق القرآن وقیمه.

لقد نشأت تلک الظروف السیئة فی المقام الأول بسبب الکراهیة، والحقد، والأنانیة، واللامبالاة، والقسوة؛ لذلک ینبغی أن تمُحى بالحب، والشفقة، والرحمة، والکرم، والإیثار، ورقة الإحساس، والتسامح، والفطرة السلیمة، والحکمة. ولا تتوافر سمات الشفقة هذه إلا فی أولئک الذین یعیشون حیاتهم بأکملها وفقا للخلق التی تعلموها من القرآن الکریم، الذی یعتبر مرشدنا المباشر من خالقنا جل جلاله. ویشیر الله سبحانه وتعالى فی إحدى آیات الذکر الحکیم إلى قدرة القرآن على إخراج البشریة من الظلمات إلى النور.

"... قَدْ جَاءکُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَکِتَابٌ مُّبِینٌ. یَهْدِی بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَیُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَیَهْدِیهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیمٍ." (سورة المائدة: 15-16)

وفی آیة أخرى، یبین الله سبحانه وتعالى أن الفساد والفوضى سیحلان بکل شیء إذا ما جاء الحق موافقا لأهواء البشر:

"وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِیهِنَّ بَلْ أَتَیْنَاهُم بِذِکْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِکْرِهِم مُّعْرِضُونَ." (سورة المؤمنون: 71)

أثناء قراءتک لهذه الآیة، سیکون ملایین الناس فی معاناة کبیرة اما من البرد والجوع، أو لمواجهتهم خطر الترحیل من أوطانهم. ولهذا السبب، یجب أن یفکر أصحاب الضمائر الحیة فی هذا الأمر، ویتخذوا إجراءات لحل هذه المشکلات وکأنهم هم أنفسهم أو أحبابهم الذین یواجهونها. کما یجب أن نتصرف على الصعیدین الروحی والمادی للتقلیل من المعاناة والاضطهاد. وفی إحدى آیات الذکر الحکیم، یأمر الله أصحاب الضمائر الحیة والمؤمنین بتحمل هذه المسؤولیة:

"وَمَا لَکُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْیَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ وَلِیًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ نَصِیرًا."؟ (سورة النساء: 75)

وعندما نتدبر الأوامر القرآنیة، تتضح لنا ماهیة التزاماتنا. ویتمثل أهم شیء بالنسبة للمسلمین فی أن یبدؤوا أولا النضال فی المیدان العقلی حتى تتغلب خلق القرآن والسنة وقیمها على قیم الکفر. وتتمثل السبیل الوحیدة لخلاص الضعفاء، والبائسین، والشریدین، والمعدمین فی تطبیق الإرشادات القرآنیة الموجهة إلى البشریة جمعاء. لذا، فإن من واجبنا أن ننشر کلمة الله ونبلغ رسالته، ویشکل هذا مکونا أساسیا من مکونات العبادة بالنسبة لجمیع المسلمین.

ویجب أن نذکّر بأن أولئک الذین لا یتبعون ما تملیه علیهم ضمائرهم، ولا یبالون بمعاناة الآخرین، وینفقون ثرواتهم على أشیاء تافهة عدیمة الجدوى، ولا یبدون اهتماما بالأیتام، وینظرون إلى النساء والأطفال والشیوخ المضطهدین بقدر من اللامبالاة، ولا یسعدون إلا عندما یسود العالم الفسوق والقبح، سوف یُسألون لا محالة عن تلک الأعمال فی الآخرة.

"أَرَأَیْتَ الَّذِی یُکَذِّبُ بِالدِّینِ. فَذَلِکَ الَّذِی یَدُعُّ الْیَتِیمَ. وَلَا یَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْکِینِ. فَوَیْلٌ لِّلْمُصَلِّینَ. الَّذِینَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. الَّذِینَ هُمْ یُرَاؤُونَ. وَیَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ." (سورة الماعون: 1-7)