الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

تأثیر لامارک LAMARCK

تأثیر لامارک LAMARCK

إذن فهذه التغییرات الإیجابیة کیف کان یمکن لها أن تحدث ؟حاول داروینن الإجابة استنادا الى الفکرة العلمیة البدائیة التی کانت سائدة فی ذلک الوقت رجوعا إلى أفکار LAMARCK. وهو باحث فرنسی فی علم الأحیاء عاش قبل داروین وکان یتبنى فکرة مؤداها أن الأحیاء تعانی تکیفات معینة أثناء حیاتها وتورث هذه التکیفات الى الأجیال اللاحقة وان تراکم هذه التکیفات من جیل لآخر یؤدی الى ظهور أنواع جدیدة من الأحیاء .وعلى سبیل المثال حسب فکر لامارک فإن الزرافات نشأت تحاول أن التغذی على الأشجار الطویلة واحتاجت الى عنق طویل لتحقیق هذا الغرض

وأعطى داروینن أمثلة مشابهة ی کتابه أصل الأنواع ذاکرا أن أصل الحیتان هو الدببة التی کانت تنزل إلى الماء بحثا عن الطعام وتحولت بمرور الزمن إلى حیتان 147, ولکن طرأ تغییر فی مسیرة العلم باکتشاف مندل لقوانین الوراثة التی اکتسبت قوة نتیجة ظهور علم الجینات فی القرن العشرین وثبت بما لا یقبل الشک أن الخصائص المکتسبة لا تورث إلى أجیال لاحقة. وهکذا بقی الانتخاب الطبیعی سواء بمفرده أو النظریة التی یدخل فی حیزها کآلیة غیر فعالة.

الآلیات الخیالیة لنظریة التطور

الآلیات الخیالیة لنظریة التطور

العمل الثانی الذی ساهم فی إثبات بطلان هذه النظریة یتمثل فی مفهومین یدوران حول موضوع آلیات التطور وقد ثبت أن هذین المفهومین لا یحملان معنى علمی یمکن الاستناد علیه فی نقدهما أو تقییمهما.

فقد ارجع داروین جل نظریته إلى آلیة الانتخاب الطبیعی وأعطاها أهمیة استثنائیة حتى انه أسمى کتابه: أصل الأنواع عن طریق الانتخاب الطبیعیویعنی هذا المصطلح إن البقاء للأصلح.وتستند هذه الفرضیة على مبدأ البقاء للکائن الحی الذی یبدی تجاوبا مع الشروط الطبیعیة أی أن الأقوى على التحمل هو الذی یستطیع أن یستمر فی الحیاة .ومثال ذلک لو هدد حیوان مفترس قطیع من الإیلة فالأسرع بالجری منها هو الذی یستطیع البقاء على قید الحیاة .وبهذا الشکل یظل القطیع متشکلا من الأعضاء السریعین والأقویاء .ولکن هذه الآلیة لا تحول الى کائن حی آخر کالحصان مثلا .ولهذا السبب لا تملک آلیة الانتخاب الطبیعی أیة قیمة علمیة یمکن انتقادها .و داروین نفسه کان یعلم بوجود هذه الثغرة العلمیة واضطر إلى أن یقول فی کتابه أصل الأنواع" لا توجد أیة فائدة فی الانتخاب الطبیعی طالما لا یحقق أیة تغییرات إیجابیة ".

الحیاة تنشأ من الحیاة

الحیاة تنشأ من الحیاة

لم یتحدث داروین فی کتابه عن أصل الحیاة أبدا ، لأن الفکرة السائدة فی تلک المرحلة کانت تدور حول تشکل الکائنات الحیة من وحدات بنائیة بسیطة ، والنظریة المتواترة من القرون الوسطى کانت حاکمة على عقول العلماء وتتلخص بـ" الجیل الناشئ تلقائیا " أو أن المواد غیر الحیة تجمعت ونشأ منها هذا التجمع کائنا حیا ، حتى أن البعض أو أغلب المفکرین کان یظن أن الحشرات تنشأ من فضلات الأکل أو فتات المائدة والفئران تنشأ من القمح ، وأجریت تجارب غریبة من نوعها لإثبات هذه النظریات . حتى أن البعض ذهب بعیدا فی خیاله العلمی ظانا أن وضع حفنة من القمح على قطعة قماش مهترئة و الانتظار قلیلا یؤدی إلى خروج فئران جدیدة إلى الوجود . والدلیل الآخر الذی استند علیه المفکرون فی تصدیقهم لفکرة النشوء الحی من غیر الحی رؤیتهم الدود یغزو اللحم المتعفن ، ولکن اتضح فیما بعد أن هذا الدود لا یظهر من تلقاء نفسه بل ینقل إلى اللحم بواسطة الذباب الذی یحط على اللحم حاملا معه یرقات هذا الدود التی لا ترى بالعین المجردة .

أما الفترة التی ظهر فیها کتاب "أصل الأنواع" لداروین فقد کانت هناک فکرة سائدة فی أوساط العلماء تفید بأن البکتیریا تنشأ من مواد غیر حیة .

وبعد نشر الکتاب بخمس سنین أثبت الکیمیاوی الفرنسی لویس باستیر بطلان هذا الإعتقاد ، فقد کتب هذا الباحث المشهور بعد تجارب عدیدة وبحوث مطولة مایلی : " ثبت بالتأکید بطلان النظریة القائلة بنشوء المواد غیر الحیة " (140).

وناهض المؤمنون بنظریة " التطور " نتئج أبحاث باستر لمدة طویلة ، وبمرور الزمن تقدم العلم کثیرا وأثبت أن الخلیة ذات بناء مرکب ذو تفصیلات عدیدة لایمکن لها أن تنشأ من تلقاء ذاتها أبدا .

الجهود المبذولة طیلة القرن العشرین دون جدوى

کان عالم الأحیاء الروسی الکسندر أوبارین أول من تناول قضیة أصل الحیاة فی القرن العشرین وحاول أوبارین فی الثلاثینات أن یثبت نشوء الخلیة الحیة بالصدفة عن طریق إجراء تجارب عدیدة

ولکن هذه التجارب باءت بالفشل واضطر أن یعترف فی النهایة قائلا : " للأسف الشدید إنّ أصل الخلیة الحیة یعتبر نقطة سوداء تبتلع النظریة بکافة تفاصیلها " (141).

ودأب العلماء من المؤمنین بهذه النظریة والذین قدموا بعد أویارین على إجراء التجارب لإثبات مصدر الحیاة ، وأشهر هذه التجارب هی التی أجریت من قبل العالم الأمیرکی ستانلی میللر سنة 1953، حیث استطاع تحضیر بعض الأحماض الأمینیة والتی تدخل فی ترکیب البروتینیات عن طریق إعطاء شحنة کهربائیة لخلیط من الغازات التی افترض أنها کانت توجد فی الغلاف الجوی للأرض فی الأزمنة الأولى .

وثبت فی السنوات اللاحقة أن هذه الغازات لم تشکل مکونات الغلاف جوی فی الأزمنة الغابرة أو بمعنى آخر لم تکن بالنسب التی افترضها العالم وبذلک سقطة هذه التجربة من الاهتمامات العلماء بعد أن کانت ولبرهة قصیرة کطریق لإثبات صحة النظریة (142).

وبعد فترة صمت لیست بالقصیرة اعترف میللر بنفسه بأن الغازات التی استخدمها فی التجربة لم تکن متطابقة مع الحقیقة (143).

وباءت جمیع تجارب دعاة التطور لإثبات أو تفسیر أصل الحیاة بالفشل الذریع طیلة سنوات القرن العشرین . وکتب جیفری بادا الباحث فی علم الکیمیاء الجیولوجیة والذی یعمل فی معهد سان دییغوسکریبس مقالا فی مجلة " الأرض-ایرث" التی تعتبر منبرا لنظریة التطور وتاریخ المقال سنة 1998 یتحدث فیه عن هذه الحقیقة " ونحن إذ تخطینا القرن العشرین مازلنا نواجه نفس ما واجهناه فی بدایة هذا القرن من سؤال یبحث عن جواب ولکن دون جدوى وهو : کیف نشأت الحیاة على کوکب الأرض ؟ " (144).

یعتبر الترکیب المعقد لأبسط الکائنات الحیة السبب الرئیسی لمواجهة نظریة التطور مأزقا حرجا لا حل له على الإطلاق وفق فرضیاتها .وخلیة الکائن الحی أکثر تعقیدا من جمیع الاختراعات التقنیة التی توصل إلیها الإنسان .ولو تجمع أذکى العلماء فی أحسن المختبرات العلنیة لما استطاعوا إنتاج مواد حیة من مواد غیر حیة.

والشروط التی توجب ظهور خلیة حیة الى الوجود لا یمکن إسنادها الى الصدفة بأی حال من الأحوال .ولو فرضنا ان هناک نسبة احتمال معینة لبناء البروتین اللازم لترکیب الخلیة فتصبح هذه النسبة لبروتین یتکون من 500حامض أمینی بمقدار 1 إلى 10مرفوعة الى القوة 950.علما بان أیة نسبة احتمال اقل من 1 الى 10 مرفوعة الى القوة 50 تعتبر نسبة مستحیلة استنادا إلى المبادئ الریاضیات .

والخلیة الحیة تحتوی على النواة التی بدورها تحتوی على الـ AND أو جزئیة الحامض النووی دی اوکسی الرایوزی وهذه الجزئیة بنک المعلومات بالنسبة للخلیة .ولو حاولنا کتابة المعلومات الموجودة فی الـ AND الخاص بخلیة الإنسان لوجدنا أنفسنا مضطرین إلى تدوین 900مجلد وکل مجلد یتألف من 500 صفحة.

وفی هذه النقطة بالذات تواجه النظریة مشکلة مستعصیة أخرى :فکما هو معروف ان الحامض الـ ADNلا یمکن أن یتضاعف إلا بوجود بروتینات خاصة (أنزیمات) .ولا یمکن بناء هذه الأنزیمات إلا بما یناسب الشفرة الوراثیة الموجودة على جزئیة الـ AND .إذا لا یمکن لهذا الحمض أن یزدوج إلا بوجودهما معا وفی آن واحد .وهذه الحقیقة تتنافى مع فرضیة سیناریو ظهور الحیاة الى الوجود من تلقاء نفسها .

وکتب البروفیسور LESLIE ORGEL الباحث فی کلیة سان تیاقو بکالیفورنیا فی مقال له على صفحات المجلة العلمیة الأمریکیة بتاریخ أکتوبر سنة1994 عن هذه الحقیقة :

أن فرضیة وجود البروتینات (والتی هی جزئیات على درجة عالیة من التعقید ) والأحماض النوویة RNA-DNA فی نفس المکان والزمان بمحض الصدفة یعتبر احتمالا مستحیلا .وحتى لو لم یوجد أحدهما فان إیجاد الآخر أیضا من المستحیلات .لهذا السبب فعلى الإنسان أن یقتنع أن الحیاة لم تظهر نتیجة التفاعلات الکیماویة .وما دمنا أثبتنا أن من الاستحالة نشوء الحیاة بفعل العوامل الطبیعیة .فإذن هناک سبب خارج عن المقاییس لنشوء الحیاة .وهذا السبب بالذات یفند مزاعم نظریة التطور التی تعارض فکرة الخلق.

السّقوط العلمی لنظریة داروین

السّقوط العلمی لنظریة داروین

تعتبر هذه النظریة قدیمة جدا ویرجع تاریخها إلى الإغریق ولکن لم تتشکل ضمن قالب علمی إلا فی القرن التاسع عشر ، والسبب الرئیسی الذی جعل هذه النظریات العلمیة هو تألیف ونشر کتاب " أصل الأنواع " من قبل تشارلس داروینن سنة 1859، وعارض داروینن فی کتابه هذا فکرة خلق الأحیاء من قبل الله سبحانه وتعالى ، وحسب رأیه أن الأحیاء نشأت من أصل واحد وجد واحد واختلفت فیما بینها بمرور الزمن .

ولم تستند نظریة داروینن على أی دلیل علمی مادی ، وإنما کانت فرضیة منطقیة وهو نفسه یقبل بهذه الحقیقة ویحتوی الکتاب على باب مطول للغایة تحت عنوان " صعوبات النظریة " یعترف فیه داروینن بأن هناک أسئلة عدیدة عجزت النظریة فی الإجابة عنها وکأن یأمل داروینن فی التقدم العلمی کمخرج له لإیجاد ردود على الأسئلة المستعصیة و الأدلة المقنعة لذلک وأن هذه الأدلة ربما تزید قوة وصحة نظریته ، إلا التقدم العلمی قد خیب أمله وفند مزاعمه واحدا تلو الآخر وأثبت بطلان نظریته .

ویمکن تلخیص سقوط نظریة داروینن أمام العلم تحت ثلاثة موضوعات رئیسیة :

1) عجز النظریة عن تفسیر کیفیة نشوء الحیاة على کوکب الأرض .

2) أن فرضیة وجود " آلیة التطور " التی ساقتها النظریة افتقرت إلى ما یثبت صحتها من دلیل علمی یمکن الاستناد علیه فی نقدها وتحلیلها علمیا .

3) البیانات التی أتى بها علم المتحجرات والتی تضاربت مع النظریة .

وفی هذه المقالة سنتحدث بإسهاب عن هذه الموضوعات الرئیسیة

العقبة الرئیسیة أمام النظریة والتی لم تتجاوزها : أصل الحیاة

تدعی نظریة " التطور" أن الحیاة نشأت قبل 3.8 ملیار سنة فی العهود الأولى للأرض ومن خلیة حیة واحدة وبعد هذا الإدعاء ظهرت أسئلة على رأسها کیفیة نشوء الأنواع العدیدة والتی تقدر بالملایین من خلیة واحدة ولو کان هذا الفرض صحیحا لماذا لم نجد دلیلا واحدا فی المتحجرات التی تظهر نتیجة الحفریات ، ولکن التساؤل الرئیسی فی هذا الموضوع کیف ظهرت تلک الخلیة الحیة الأولى إلى الوجود ؟

وحسب هذه النظریة فإن هذه الخلیة ظهرت إلى الوجود نتیجة الصدفة وحدها رافضة أی احتمال خارجی أقوى من الطبیعة ومعارضة لفکرة الخلق ، أی أن النظریة تدعی بنشأة مادة حیة من مواد غیر حیة ، ولکن هذا الإدعاء منافی لبدیهیات علم الإحیاء .

خطأ نظریة التطور

خطأ نظریة التطور

طیلة صفحات الکتاب تفحصنا الطبیعة بمحتویاتها غیر الحیة مثل جسیماتها الهواء ، الضوء ، الذرات، العناصر ، ونتیجة لهذا التفحص توصلنا إلى عدم إمکانیة ظهور الکون بالصدفة ، بالعکس فکل جزء من أجزاء الکون یشیر إلى عملیة خلق باهرة ، أما المادیة التی تعارض عملیة الخلق فلیست إلا عبارة عن سفسطة علمیة لا غیر .

وأن سقوط المادیة لاشک أدى إلى اضمحلال النظریات الفلسفیة القائمة علیها وعلى رأسها نظریة "التطور" أو " الدارویننیة " ، لأن هذه النظریات قد ثبت إفلاسها علمیا بعد إثبات خلق الأحیاء من مواد غیر حیة من قبل الله سبحانه وتعالى ، ویتحدث العالم الأمیرکی " هوک روس " والمتخصص فی الفیزیاء الکونیة { الفلکیة } عن هذا الأمر قائلا :

" تستند الحرکات الإلحادیة والنظریات الدارویننیة والفلسفیة منذ القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرین على فرضیة خاطئة تنصر على وجود الکون منذ الأزل ، ولکن نظریة الانفجار الکبیر وضعتنا أمام السبب الذی خلق من أجله الکون وهذا التساؤل نفسه یؤدی بنا إلى من خلق الکون وما مصدر الحیاة ؟ (139).

فالذی خلق الکون و سوّاه فی کل صغیرة وکبیرة هو الله الخالق فاطر السماوات والأرض ، إذن فمن المستحیل أن یکون خلق الأحیاء من جراء المصادفة وحدها کما تدعی نظریة "التطور" .

علما بأننا عند دراستنا لهذه النظریة لوجدنا أدلة دامغة عدم صحتها ، ویعتبر تصمیم الکائن الحی بکل صفاته وخصائصه أکثر تعقیدا وصعوبة من تصمیم الکائنات غیر الحیة کما تحدثنا عن ذلک فی صفحات الکتاب ، ففی العالم غیر الحی تکون الذرات صغیرة جدا وذات نظام دقیق للغایة فی البنیان والحرکة ولکن هذه الذرات أعید ترتیبها معینا ومعقدا ومفصلا فی أجسام الکائنات الحیة لصنع وترکیب البروتینیات والإنزیمات وکافة المواد اللازمة للخلیة عبر آلیة معینة ومنظمة . وهذه الآلیة الحیویة قد أثبتت قتل نظریة داروین فی التطور عند نهایات القرن العشرین .

ورأینا هذه الحقیقة عبر إیراد أمثلة مختلفة ولازلنا نورد الأمثلة علیها ، ورأینا أن تلخیص الموضوع مفید من کافة النواحی .

الخاتــــــمة

الخاتــــــمة

بعد هذا العرض الموجز لأمثلة الکائنات الحیة المختلفة یتضح لنا أن هنالک قاسما مشترکا بین الأنماط السلوکیة التی تبدیها وهو التضحیة والرحمة والشفقة ، وکل منها یراعی صغیره ویدافع ویحمی عائلته أو أی حیوان آخر بأروع صورة ممکنة ، وکل منها یضرب لنا مثلا بالرحمة والمودة وبنفس الوقت یساعد بعضها البعض عند الخطر وفق سلوک عقلانی مدهش ، إضافة إلى تغذیة بعضها البعض بأسالیب ذکیة ، وتبنی هذه الحیوانات بیوتها ببراعة مهندس معماری حاذق ومهارة بنّاء خبیر .

وهناک نقطة مهمة للغایة ونؤکد علیها طیلة صفحات هذا الکتاب وهی : أن الحدیث یدور عن کائنات حیة منها الصغیر مثل الحشرات ومنها الطیور والضفادع ، وهل لنا أن ندعی أن هذه الکائنات الحیة التی لا تملک إلا ما یشبه المخ أو ما یقوم مقامه تخترع شیئا جدیدا أو تبتکر وسیلة ما ناجعة فی الحیاة ؟

وهل تعرف الطیور أو الحشرات کیفیة إبداء سلوک یتم بالرحمة والشفقة ؟

کیف لنا أن نفسر سلوک ذکر البطریق الملیء بالتضحیة والفداء من أجل سلامة أنثاه وأولاده ؟

لماذا ترمی الغزلان أو الحمیر الوحشیة بنفسها أمام الخطر المفترس کحاجز بینه وبین صغارها ؟

وهذه الأسئلة تعتبر معضلة کبیرة أمام نظریة "التطور" التی تدعی أن الأحیاء نشأ وآمن جراء الصدفة وحدها ومن أشیاء غیر حیة ، ویدعی دعاة "التطور" أن الأحیاء تسلک هذا السلوک نتیجة غرائزها .

وهذه الغرائز مودعة فی جیناتها وهذه الادعاءات تقودهم إلى مآزق فکریة لا مخرج لها ،لأن السؤال المنطقی الذی یعقب هذه الادعاءات هو : من الذی وضع أو برمج الغرائز فی هذه الجینات التی نتج عنها السلوک المتسم بالتضحیة والرحمة والشفقة ، والذی یقود الکائن الحی إلى بناء المساکن والأعشاش عن سابق معرفة ؟ کیف تشکلت هذه الأنماط السلوکیة داخل الجین المتألف من مواد غیر حیة کالکربون والفوسفات ؟

ولا یملک دعاة " التطور " أیة إجابة عن هذه الأسئلة ، وتنحصر إجابتهم فی ردود لا تقدم ولا تؤخر ولا تنفع إلا لذر الرماد فی العیون وتتمثل بکون هذه الخصائص أو الغرائز قد تم برمجتها فی الجینات عن طریق " الطبیعة الأم " ، وکثیرا ما نسمع منهم " أن الطبیعة هی التی أعطت للأحیاء خاصیة ورعایة الصغار " ولکن هذه الطبیعة تمتلک فعلا مثل هذه القدرة والطبیعة التی نتحدث عنها مخلوقة بدورها وتتألف من أشجار وأحجار وأنهار والجبال والمیاه والتراب ، یا ترى أی جزء من هذه الأجزاء یملک المقدرة على إکساب الکائنات الحیة أنماطا سلوکیة مختلفة ؟

وهذا الإدعاء الباطل من قبل هؤلاء قد تحدث عنه القرآن الکریم فی معرض إیراده لأمثلة الجاحدین والناکرین لقدرة الله تعالى وجعلهم الطبیعة ندا لله حاشاه ، والصحیح أن للطبیعة بدورها مخلوقة وتتألف من کائنات حیة وغیر مخلوقة ولا تملک الطبیعة أیة قدرة على الإکساب أو الخلق ، ویصف لنا القرآن حال الذین یصفون الأشیاء الضعیفة بالقوة والقدرة : " سورة الفرقان - الآیة 3 " قال تعالى :{ واتخذوا من دونه آلهة لا یخلقون شیئا وهم یخلقون ولا یملکون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا یملکون موتا ولا حیاة ولا نشورا } صدق الله العظیم .

ومن المستحیل قطعا أن یمتلک کائنا حی المقدرة والذکاء والمعرفة والمفاهیم المعنویة بتأثیر کائنات لا تملک عقلا ولا قوة وهذا الأمر یتنافى مع قواعد العقل والمنطق .

والحقیقة أمامنا ساطعة کالشمس وهی سلوک هذه الأحیاء هذا السلوک المتصف بالرحمة والشفقة والتفانی والتضحیة بتأثیر الإلهام من الله الرحمن الرحیم الذی وسع کرسیه کل شیئا رحمة وعلما .

وأن الأمثلة التی أوردناها فی هذا الکتاب دلیل على قوة ورحمة وقدرة الله تعالى على جعل هذه الکائنات تتبع هذا السلوک المتمیز ، فالطیر أو الغزال الذی یدافع عن صغیره ویذود عنه ویعمل جاهدا لتنشئته سلیما آمنا لا یفعل کل ذلک إلا بإلهام إلهی .

ورحمة الله التی وسعت کل شیء لا ترى أمثلتها فی الحیوانات فقط بل یمکن رؤیتها فی الإنسان أیضا لذلک فاللذین یتفکرون ویتمتعون فی أصل ومصدر الأشیاء لاشک سیصلون إلى النتیجة البدیهیة : " سورة هود - الآیة 57 " { فإن تولوا فقد أبلغتکم ما أرسلت به إلیکم و یستخلف ربی قوما غیرکم ولا تضرونه شیئا إنّ ربی على کل شیء حفیظ }

صدق الله العظیم .

" سورة المؤمنین - الآیة 118 " { وقل رب اغفر وارحم وأنت خیر الراحمین } صدق الله العظیم .

صور من التّضحیة فی خلیّة النّحل

صور من التّضحیة فی خلیّة النّحل

إنّ التضحیة والتفانی الموجودین فی عالم النمل موجودان بوضوح أیضا فی عالم النحل، فهناک تشابه شبه کلی بین سلوک العاملات فی کلا العالمین لأنّها تتفانى فی سبیل الحفاظ على حیاة وسلامة الملکة والیرقات علما أن هذه العاملات عقیمة وهذه الیرقات لیست من صغارها. وتتألف خلیة النحل من الملکة والذکور المسؤولة عن تلقیح الملکة والعاملات، والعاملات تعتبر المسؤولة الأولى والأخیرة عن إدارة الخلیة بمختلف نشاطاتها الحیویة الیومیة مثل إنشاء الغرف الشمعیة و نظافة الخلیة و أمن الخلیة و تغذیة الملکة والذکور و الاعتناء بالیرقات و إنشاء الغرف حسب نوع النّمل الذی یخرج من البیض من ملکة أو ذکر أو عاملة ، وتهیئة هذه الغرف بصورة مناسبة، وتنظیفها، إضافة إلى توفیر الدفء والرطوبة اللازمین للبیض، وتوفیر الغذاء للیرقات حسب الحاجة { الغذاء الملکی ، العسل الممزوج برحیق الأزهار } وجمع المواد اللازمة لصنع الغذاء مثل خلاصة الفواکه ، رحیق الأزهار ، الماء ونسغ الأشجار …

ویمکننا أن نرتّب المراحل أو الأطوار الحیاتیة التی تمر بها النحلة العاملة وفق التسلل الزمنی کما یلی : ( تعیش النحلة العاملة من 4-6 أسابیع .وعندما تخرج العاملة من الشرنقة کاملة النمو تظل تعمل داخل الخلیة فترة ثلاثة أسابیع تقریبا أو أقل قلیلا، و أول عمل تقوم به الاهتمام بتنشئة الیرقات ورعایتها. وتتغذى النحلة العاملة على ما تأخذه من العسل ورحیق الأزهار المتوفرین فی مخازن خاصة داخل الخلیة إلا أنها تقدم جزءا کبیرا مما تحصل علیه إلى الیرقات کی تتغذى علیها، وتنفذ عملیة تغذیة الیرقات عن طریق إخراج جزء مما تغذت علیه سابقا من معدتها والجزء الآخر یتم إفرازه من غدد خاصة موجودة فی منطقة الرأس وهذه الغدد تفرز مادة جیلاتینیة تعتبر غذاء للیرقات .

وهناک سؤال یطرح نفسه : کیف یمکن لکائن حی خرج توا من الشرنقة أن یعرف ما علیه أن یفعله دون اعتراض وهذا یشمل کلّ النحل؟ والمفروض فی هذه العاملات أن تفکر فی إدامة حیاتها وکیفیة الحفاظ علیها لحظة خروجها من الشرنقة دون تفکیر فی التضحیة من أجل الغیر أو دون الإقدام على أی سلوک شعوری، ولکن الحاصل غیر ذلک تماما، فهذه العاملة تتصرف انطلاقا من مسؤولیة کبیرة تشعر بها تجاه الیرقات وتقوم بحضنهن والاهتمام بسلوکیة متوقعة منها.

2- عندما تدخل النّحلة العاملة یومها الثانی عشر فی الحیاة تنضج غددها التی تفرز شمع العسل عندئذ تبدأ العاملات ببناء الغرف الدراسیة وترمیم الموجود منها والمخصصة لکن الیرقات وتخزین الغذاء .

3-فی الفترة المحصورة بین الیوم الثانی عشر ونهایة الأسبوع الثالث تقوم العاملات بجمع رحیق الأزهار وخلاصة العسل اللذین جلبا من قبل الذاهبین خارج الخلیة. وتقوم بتحویل خلاصة العسل إلى عسل وتخزنه فیما بعد، وفی نفس الأثناء تقوم بتنظیف الخلیة من الفضلات والأوساخ وأجساد النحل المیت رامیة إیاهن خارج الخلیة .

4-تصبح الخلیة العاملة فی نهایة الأسبوع الثالث جاهزة أن تخرج لجمع خلاصة العسل ورحیق الأزهار والماء ونسغ النباتات .

تبدأ النحلات العاملات بالخروج للبحث عن الأزهار الحتی تحتوی على خلاصة العسل .

وهذه العملیة { عملیة جمع ال غذاء } مرهقة للغایة، فتصبح النحلة العاملة مرهقة ومتعبة حتى الموت فی نهایة أسبوعین أو ثلاثة من العمل المرهق(136). والملاحظ هنا أن هذه النحلة العاملة تفرز عسلا بمقدار یفوق حاجتها بکثیر. وهذه الملاحظة تحتاج إلى تفسیر طبعا، وأن السّفسطة التی یقول بها دعاة التّطور لا یمکن لها أن تفسر هذا السّلوک المتفانی من کائن حی یفترض فیه أن یهتم بسلامة وإدامة حیاته فقط .

وهنا تتجلى لنا آیة من آیات الله سبحانه وتعالى کما أوضحنا فی صفحات سابقة بأن الله عز وجل هو الذی ألهم النحل هذا السلوک العجیب استنادا لما ورد فی سورة النحل من القرآن الکریم ، وهذا هو التفسیر الوحید لسلوک النحل فهو یلبی دعوة الرحمان وإلهامه إیاه دون تقصیر أو کلل ، وما على الإنسان إلا أن یتفکر أمام هذه الحقیقة الساطعة استجابة للآیة القرآنیة الآتیة :

{ سورة النحل -الآیة 69 } قوله تعالى : { ثم کلی من الثمرات فاسلکی سبل ربک ذللا یخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فیه شفاء للناس إن فی ذلک لآیة لقوم یتفکرون } صدق الله العظیم .

5- تنتظر العاملات مهمة أخرى محتاجة للتنفیذ قبل خروجهن لجلب الغذاء وهی مهمة الحراسة .

هناک عدد من النحل فی باب کل خلیة مهمتهم حراستها من دخول الغرباء ، فکل من لا یحمل رائحة التبعیة إلى الخلیة یعتبر مصدرا للخطر على حیاة الخلیة والیرقات .

وإذا حدث أن شوهد غریب فی مدخل الخلیة تبدأ الحارسات بالهجوم علیه بشدة ، ورنین أجنحة الحارسات الشدید یعتبر کصفارة إنذار بقدوم الخطر لباقی سکان الخلیة ، وتستخدم الحارسات إبرهن اللاسعة کسلاح فعال ضد العدو الغریب ، والسم الذی تفرزه الحارسات له رائحة ممیزة تنتشر فی کافة أنحاء الخلیة کعلامة للخطر الداهم . عندئذ یتجمع سکان الخلیة عند المدخل للمساهمة فی القتال ضد العدو الغریب .وإذا لدغت الحارسة عدوها بإبرتها تبدأ بفرز السم وهذا یؤدی إلى انتشار الرائحة أکثر فأکثر ، وکلما ازدادت رائحة السم داخل الخلیة کلما ازداد النحل هیجانا وشراسة ضد العدو الغاصب (137).

إن مهمة الدفاع عن الخلیة تعتبر بمثابة انتحار ، لأن إبرة النحل اللاسعة تحتوی على رؤس مدببة مثل أشواک القنفذ ، ولا یمکن للنحلة أن تسحب إبرتها بعد غرزها فی جسم حیوان بسهولة وعندما تحاول الطیران تبقى الإبرة مغروزة فی جسم الحیوان {العدو} و تتعرض بذلک النحلة إلى جرح ممیت نتیجة تعرض بطنها إلى شق عمیق من ناحیة الخلف ، وفی هذه الناحیة من البطن توجد الغدد التی تفرز السم والعقد العصبیة التی تتحکم بها وعندما تلفظ النحلة أنفاسها الأخیرة یقوم باقی النحل بالاستفادة من موتها عن طریق أخذ السم الموجود فی غدد القتیلة والاستمرار بضنحة فی جرح العدو الغریب (138).

بعد هذا الاستعراض ، کیف لنا أن نفسر سلوک کائن حی یبدأ منذ أول مرة خطوة له فی الحیاة بالعمل الدؤوب والمثابرة دون کلل أو ملل من أجل راحة الغیر وسلامته وحتى تضحیته بحیاته من أجل سلامة الآخرین ؟إضافة إلى هذه الأنماط السلوکیة هی نفسها فی کل أنواع النحل والنمل أینما وجدت على الکرة الأرضیة ومنذ ملایین السنین ، والحقیقة تبرز أمامنا بوضوح ،حقیقة سلوک هذه الکائنات الصغیرة بحجمها والکبیرة بتضحیاتها من تأثیر الهام الله عز وجل لها .

" سورة هود - الآیة 56 " قوله تعالى : { إنی توکلت على الله ربی وربکم ما من دابة إلا هو آخذ بناصیتها إن ربی على صراط مستقیم } صدق الله العظیم .

معالم التضحیة فی مستعمرة النمل

معالم التضحیة فی مستعمرة النمل

من أهم معالم المیزة لمستعمرة النمل المشارکة فی الغذاء . فإذا تقابلت نملتان وکانت إحداهما جائعة أو عطشى والأخرى تملک شیئا فی بلعومها لم یمضغ بعد فان الجائعة تطلب شیئا من الأخرى التی لا ترد الطلب أبدا وتشارکها فی الأکل والشرب .وتقوم النملات العاملات بتغذیة الیرقات بالغذاء الموجود فی بلعومها .وفی أغلب الأحیان تکون کریمة مع غیرها وبخیلة مع نفسها یشأن الغذاء131.

2. هناک توزیع فی أداء الواجبات ضمن المستعمرة الواحدة وکل نملة تؤدی ما علیها من واجب بکل تفانی وإخلاص .وإحدى هذه النملات هی البوابة او حارسة الباب .وهی المسؤولة عن السماح بدخول النمل من أبناء المستعمرة فقط ولا یسمح للغرباء بالدخول أبدا وتکون رؤوس هذه الحارسات بحجم بوابة المستعمرة فتستطیع أن تسد هذه البوابة برأسها. وتظل الحارسات طیلة الیوم یقمن بواجبهن وهو حراسة مدخل المستعمرة 132 لذلک فان أول من یجابه الخطر هؤلاء الحارسات.

3. لا تکتفی النملات بمشارکة أخواتها بالطعام الذی تحمله فی معدتها بل تقوم بتنبیه الباقیات الى وجد طعام أو کلإ فی مکامن ما صادفته .وهذا السلوک لا یحمل فی طیاته أی معنى للأنانیة. وأول نملة تکشف الغذاء تقوم بملء بلعومها منه ثم تعود الى المستعمرة .وفی طریق العودة تقوم بلمس الأرض بطرف بطنها تارکة مادة کیمیاویة معینة ولا تکتفی بذلک بل تتجول فی أنحاء المستعمرة بسرعة ملحوظة ثلاث او ستة مرات وهذه الجولة تکفی لإخبار باقی أفراد المستعمرة بالکنز الذی وجدته .وعند عودة النملة المکتشفة إلى مصدر الغذاء یتبعها طابور طویل من أفراد المستعمرة.

4.هناک نمل یدعى قطاع الورق تکون عاملاته المتوسطة الطول مشغولات طیلة الیوم بحمل أجزاء الورقة النباتیة إلى المستعمرة .ولکنها تکون فی غایة الضعف عند حملها للورقة النباتیة خصوصا تجاه الذباب أو أبناء جنسه .ویترک الذباب بیضه على رأس هذا النمل .وتنمو یرقة هذا الذباب متغذیة من مخ هذه النملة وهو ما یؤدی الى موتها.وتکون عانلات هذا النوع من النمل فی غایة الضعف أمام سلوک هذا الذباب خصوصا عند حملهن للورقة النباتیة .ولکن هناک من یحمیهن من هجوم هذا الذباب وهم النمل الذین من نفس المستعمرة وقصیری القمة یقومون بوظیفة حراسة العاملات بواسطة جلوسهم فوق الورقة النباتیة وعلى أهبة الاستعداد لرد أی هجوم من الذباب على أعقابه133.

هناک نوع من النمل یدعى نمل العسل وسبب هذه التسمیة أنها تتغذى على فضلات بعض الحشرات المتطفلة على الأوراق النباتیة وتکون فضلات هذه الحشرات غنیة بالمواد السکریة. وتحمل هذه النملات ما مصته من فضلات سکریة إلى مستعمرتها و تخزنها فی أسلوب عجیب وغریب .لان البعض من هذه النملات العاملات یستخدم جسمه کمخزن للماد السکریة .وتقوم العاملات اللاتی حملن المواد السکریة بتفریغ حمولتهن داخل أفواه العاملات او-المخازن الحیة-والتی بدورها تملأ الأجزاء السفلیة من بطونها بهذا السکر حتى تنتفخ بطونها ویصبح حجمها فی بعض الأحیان بحجم حبة العنب .ویوجد من هذه العاملات فی کل غرفة من غرف الخلیة عددا منهن یتراوح بین 25و30نملة ملتصقات بواسطة سیقانهن بسقف الغرفة فی وضع مقلوب .ولو تعرضت إحداهن للسقوط تسارع العاملات الأخریات إلى إلصاقها من جدید .والمحلول السکری الذی تحمله کل نملة یکون أثقل بثمانی مرات من وزن النملة نفسها.وفی موسم الجفاف أو الشتاء تقوم باقی النملات بزیادة هذه المخازن الحیة لأخذ احتیاجاتها من الغذاء - السکر - الیومی .حیث تلصق النملة الجائعة فمها بفم النملة المنتفخة وعندئذ تقوم الأخیرة بتقلیص بطنها لإخراج قطرة واحدة الى فم أختها .ومن المستحیل ان یقوم النمل بتطویر هذه المخازن وابتکارها بهذه الطریقة العجیبة ومن تلقاء نفسها .واضافة الى ذلک التفانی والتضحیة التی تتسم بها النملة المنتفخة حیث تحمل ما هو أقل من وزنها ثمانی مرات فضلا عن بقائها ملتصقة وبالمقلوب مدة طویلة جدا ودون مقابل. وان هذا الأسلوب المبتکر وفقا لبنیة تلک النملة لیس من الصدفة وحدها .لأن هناک نمل متطوع أن یصبح مخزنا حیا فی کل جیل جدید وطیلة أجیال سابقة ولاحقة .بلا شک أن سلوکها هذا من تأثیر الإلهام الإلهی الذی خلقهن وسواهن عز وجل .

6.هناک أسلوب للدفاع عن المستعمرة یتبعه النمل أحیانا وهو الهجوم على العدو والتضحیة حتى الموت.وتوجد أشکال عدیدة لهذا الهجوم الانتحاری .منها الأسلوب الذی یتبعه النمل الذی یعیش فی الغابات المطریة فی مالیزیا فجسم هذا النوع من النمل یتمیز بوجود غدة سمیة تمتد من رأس النمل حتى مؤخرة جسمه.وان حدث أن حوصرت النملة من کل جهة تقوم بتقلیص عضلات بطنها بشدة تکفی لتفجیر هذه الغدة بما فیها من السم بوجه أعدائها ولکن النتیجة موتها بالطبع 134.

7.یقدم ذکر النمل ومثله الأنثى تضحیة کبیرة فی سبیل التکاثر .فالذکر المجنح یموت بعد فترة قصیرة من التزاوج .أما الأنثى فتبحث عن مکان مناسب لإنشاء المستعمرة وعندما تجد هذا المکان فان أول عمل تقوم به هو التخلی عن أجنحتها .وبعد ذلک تسد مدخل المکان وتظل کامنة داخله لأسابیع وحتى الشهور دون أکل أو شرب .وتبدأ بوضع البیض باعتبارها ملکة المستعمرة .وتتغذى فی هذه الفترة على جناحیها الذین تخلت عنهما .وتغذی أول الیرقات بإفرازاتها هی وهذه الفترة تعتبر الوحیدة بالنسبة للملکة التی تعمل فیها لوحدا بهذا الجهد والتفانی وهکذا تبدأ الحیاة بالمستعمرة

8.إذا حدث هجوم مفاجئ من قبل الأعداء على المستعمرة تقوم العملات ببذل ما بوسعهن للحفاظ على حیاة الصغار . ویبدأ النمل المقاتل بالتحرک صوب الجهة التی هجم منها العدو ومجابهته فورا. أما العاملات فتسرع نحو الغرف التی توجد فیها الیرقات لتحملها بواسطة فکوکها إلى مکان معین خارج المستعمرة لحین انتهاء المعرکة 133 والمتوقع من حیوان کالنمل فی مثل هذا الموقف العصیب أن هذا الموقف العصیب أن یفر هاربا ویختفی فیه عن انظار الأعداء ، ولکن الذی یجری فی المستعمرة غایة فی التضحیة والتفانی من أجل سلامة المستعمرة, فلا النّمل المقاتل ولاحراس البوابة ولا العاملات یفکرون فی أنفسهم فقط، فالکلّ یفکّر فی المستعمرة بأکملها، وهذا دیدن النّمل منذ ملایین السنین.

و بلا شک فإنّ الأمثلة سالفة الذّکر تعتبر أمثلة محیرة من عالم الأحیاء, والمحیر فیها أنّ هذه الأنماط السّلوکیة صادرة عن کائنات حیّة صغیرة کالنمل و هو ما یصادفه الإنسان فی حیاته الیومیة دون أن یشعر بتفاصیل حیاة هذا المخلوق. ولو دققنا فی هذه التفاصیل لوجدنا أمورا عجیبة وغریبة تجبرنا على التفکیر برویة فی ماهیتها لأن هذه الحیوانات تمتاز بوجود جهاز عصبی دقیق للغایة ومخّ محدود الحجم والارتباطات العصبیة مع هذا تقوم بسلوکیات لا یمکن القول عنها إلاّ أنها شعوریة محض، والسبب کونها منفذة مطیعة لما أمرت به أن تنفذه منذ ملایین السنین دون فوضى أو إهمال أو تقصیر، وما هذا الأمر المنفذ بحذافیره إلا إلهام إلهی من الخلاق العلیم جل جلاله. وهذا الانقیاد التام من الکائنات الحیة للخالق عز وجل یصوّر من قبل القرآن کما یلی :

: { أفغیر دین الله یبغون وله أسلم من فی السموات والأرض طوعا وکرها وإلیه یرجعون } سورة آل عمران - الآیة 83

التضحیة الموجودة فی المستعمرات

التضحیة الموجودة فی المستعمرات

تعیش کائنات مثل النحل والنمل و النمل الأبیض ضمن تشکیلات اجتماعیة یتم بناؤها بانتظام وطاعة وتوزیع الواجبات إضافة الى التضامن والتضحیة .وهذه الأحیاء الصغیرة تبذل کل جهدها ووقتها فی سبیل الحفاظ على سلامة الیرقات منذ لحظة خروجها من البیض وعلى سلامة المستعمرة وتأمین غذاءها. و تتقاسم غذاءها فیما بینها وتقوم بتنظیف المکان الذی تتواجد فیه وإذا اقتضى الأمر تضحی نفسها من أجلها غیرها.

والکل یعرف ما علیه أن یفعله ة ویحرص على فعل ما بوسعه على بأکمل وجه .وکل واحد منها یهتم بالمستعمرة والیرقات الضعیفة وهذان الهدفان من الأولویات المهمة لدیها. ولا یمکن لنا أن نشاهد ضمن أنماطها السلوکیة أی دلیل على أنانیتها البتة.وهذا بلا شک سبب نجاح هذه الأحیاء فی الحیاة ضمن مستعمرة ملؤها النظام والانتظام.

ویحدثنا بیتر کرو بوتکین عن مدى النجاح الذی یتوصل إلیه النحل و النمل اللأبیض ضمن العیش فی مستعمرة یتسم کیانها بالتعاون المتبادل کما یلی : لو تصورنا المستعمرات التی ینشئها النحل أو النمل اللأبیض بمقیاس المنازل التی ینشئها بنی الإنسان لکانت هذه المستعمرات متطورة للغایة فی أسلوب بنائها وادارتها لانها تتالف من طرق معبدة ومخازن مهیاة للاستهلاک عند الحاجة وصالات فسیحة اضافة الىمخازن للحبوب ومساحات اخرىلجعلها مخزنا للحبوب وتستخدم فی هذه المستعمرات مختلف الوسائل لرعایة البیض والیرقات .وأخیرا المجهود الضخم الذی تبذله فی حیاة المستعمرة کل ذلک دلیل على التضحیة و التعاون المتمیزین فی کل خطوة من خطوات العمل 130.

فی هذا الباب سنذکر بالتفصیل التعاون والتضحیة فی مستعمرة النحل وخلیته.

الحیوانات الحاضنة لصغار غیرها من الحیوانات

الحیوانات الحاضنة لصغار غیرها من الحیوانات

تمتاز اللبائن بأنها تنشأ علاقات قرابة وطیدة فیما بینها ، على سبیل المثال الذئاب تعیش ضمن عائلة واحدة تتألف من ذکر وأنثى وصغیرهما وربما واحد أو اثنین من ولادات سابقة ، وکل الحیوانات البالغة تقوم بمهمة حمایة الصغار ، وأحیانا تبقى إحدى الإناث فی الوکر لتقویم بمهمة الحاضن لأحد الصغار طول اللیل بینما تقوم الأم بالخروج إلى الصید مع باقی أفراد الجماعة .

تعیش کلاب الصید الإفریقیة ضمن جماعات تتألف الواحدة منها من عشرة أفراد ، وتبدأ توزیع الواجبات بین الذکور و الإناث والتی تتلخص بحمایة الصغار وتغذیتهم ، وتتسابق فیما بینها على رعایة الصغار ، وعند اصطیادها لفریسة تقوم بتشکیل حلقة حولها لحمایتها من هجوم الضباع ولإفساح المجال للصغار بالتغذی علیها (126).

ویعیش " البابون " أیضا ضمن جماعة یقوم زعیمها برعایة المرضى والجرحى من أفرادها ، حتى أن البالغین قد یتبنون " بابون " صغیر فی حالة فقدانه لأبویه ، حیث یأذنون له بالسیر معهم نهارا والمبیت عندهم لیلا ، وقد تغیر الجماعة مکانها عندئذ تقوم الأم بالمسک من ید صغیرها لیمشی الهویدا فی حالة کونه صغیرا جدا لا تستطیع أن تضبط توازنه أثناء حملها له ، والصغیر قد یتعب أثناء سیره ویتسلق ظهر أمه غالبا ، وهذا یؤدی إلى تقهقرهم عن الجماعة ، ولو فطن زعیم الجماعة لهذا الأمر یقفل راجعا إلى حیث تقف الأم ویبدأ بمرافقتهم أثناء المسیر (127).

أما أبناء آوى فتعیش مع أمهاتها حتى بعد انقطاعها عن الرضاعة وتصبح یافعة تساعد أمها عند ولادتها لرضیع جدید ، حیث تجلب الغذاء للصغار أو تذهب بهم إلى مکان بعید لحین ابتعاد الخطر الداهم (128).

ولیس أبناء آوى وحدهم الذین یهتمون برعایة أشقائهم بل تقوم بنفس المهمة طیور مثل دجاج الماء و السنونو حیث تقوم صغارها فی الأعشاش القدیمة بمعاونة أشقائهم فی الأعشاش الحدیثة .

والتعاون فی عالم الطیور یتخذ شکلا آخر لأنه یکون بین أزواج الطیور مثل طیر النحل حیث یتعاون الزوجان فی تنشئة أطفالهما وهذا التعاون من الممکن مشاهدته لدى الطیور بکثرة (129).

وهذه الرعایة التی تبدیها الحیوانات تجاه صغار لا تعود إلیهم تعتبر من الأدلة القویة لنسف مزاعم دعاة " التطور " ، وکما أسلفنا القول فإن المؤمنین بنظریة "التطور" یفسرون سلوک الحیوانات المتسم بالتضحیة على کونها لیست تضحیة بل أنانیة لأنها تهدف إلى الحفاظ على الجینات الوراثیة ونقلها إلى أجیال لاحقة فقط .

ولکن اتضح من الأمثلة السالفة أن هذه الحیوانات لا تبد اهتمام ورعایة لأبناءها من حملة جیناتها فقط وإنما تجاه حیوانات لا تحمل أیة جینات منها أصلا بمنتهى الرأفة والرحمة والشفقة ، أی أن هذه الفرضیة فرضیة "الجین الأنانی" التی ساقها المؤمنون بنظریة " التطور" قد أفلست تماما وثبت عدم صحتها بالمرة. ومن المستحیل ان یفکر حیوان غیر عاقل بنقل جیناتها إلى جیل لاحق. ولو قبلنا أن تکون هذه الحیوانات مبرمجة على عملیة نقل الجینات فیجب علینا أن نقبل وجود مبرمج لهذا البرنامج. وکلّ حیوان نصادفه فی الطبیعة وندرس طبائعه وخصائصه یقودنا الى الى خالق واحد لهذا الوجود .وهذا الخالق بلا شک هو الله الرحمن الرّحیم.