الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الجذور الحقیقیة للإرهاب : الدارونیة والمادیة

الجذور الحقیقیة للإرهاب : الدارونیة والمادیة

یعتقد معظم الناس أن شارلس دارون هو أول من وضع نظریة التطور، وأنها ترتکز على الدلائل العلمیة والتجارب والملاحظات. ولکن فی الحقیقة لم یکن دارون هو منشؤها ولم ترتکز هذه النظریة على البرهان العلمی. فهی مبنیة على مبدإ التکیف مع الطبیعة المأخوذ من الفلسفات المادیة القدیمة. فهی تستند، وبشکل أعمى على الفلسفات المادیة ولا تُؤیّد بأی اکتشافات علمیة .
 ( یمکن الرجوع لکتاب هارون یحیى: "خداع نظریة التطور").

وهذا التعصب جلب على العالم العدید من الکوارث. وبانتشار الدارونیة والمادیة معا تغیرت إجابة السؤال عن "ماهیة الإنسان" ؟ فقد بدأ الناس فی الاعتقاد أن "الإنسان خلق بالصدفة، وهو حیوان یتطور من خلال الصراع من أجل البقاء" وهذا بعد أن کان الناس یعتقدون أن "الله هو الذی خلق الإنسان وبالتالی علیه أن یتبع  تعالیم الله السامیة". وقد دفع ثمنا باهظا نتیجة هذا الخداع الکبیر. فقد استندت العدید من الأیدلوجیات المدمرة وآراء العالم البربری إلى النظریة المضللة "الصراع من أجل البقاء"، مثل العرقیة والفاشیة والشیوعیة. سنناقش فی هذا الجزء من الکتاب الکارثة الداروینیة التی ظهرت للعالم ونکشف ارتباطها بالإرهاب، أحد أکبر المشاکل العالمیة الهامة فی وقتنا الحاضر.

کذبة دارون : "الصراع من أجل البقاء"

اعتمد دارون فی نظریته على قاعدة أساسیة واحدة: یعتمد تطور الکائنات الحیة على الصراع من أجل البقاء. والبقاء للأقوى، والفناء والزوال للأضعف.

وطبقا لنظریة دارون هناک صراع ونزاع عنیف من أجل بقاء أبدی فی الطبیعة حیث یتغلب القوی على الضعیف دائما، مما یمکن من حدوث التطور. والعنوان الفرعی الذی أعطاه لکتابه "أصل الأنواع" یوجز رأی دارون وهو "أصل الأجناس بالاختیار الطبیعی أو بحمایة الأجناس الأقوى فی الصراع من أجل البقاء".

 علاوة على ذلک ، فقد افترض دارون أن "الصراع من أجل البقاء" قد طبق بین المجموعات الانسانیة العنصریة. وطبق علیها الزعم الأسطوری، وکانت الأجناس الأقوى والأسمی منتصرة فی هذا الصراع . والأجناس السامیة المفضلة فی نظر دارون  هی الاجناس الاوروبیة البیضاء. أما الأجناس الأفریقیة والآسیویة فقد تخلفت فی الصراع من أجل البقاء.     


وذهب دارون بعیدا عندما افترض بأن هذه الأجناس ستفقد رغبتها فی الصراع من أجل البقاء، وهکذا تختفی إلى الأبد:


 "فی المستقبل القریب إذا ما قیس بالقرون، بلا شک ستنقرض الأجناس البشریة المتحضرة وستحل مکانها الأجناس الهمجیة فی العالم کله. وفی نفس الوقت ستفنى القرود البشریة بالتأکید. وستتسع الفجوة بین الإنسان وأقرب أشباهه..." 28

 یوضح عالم الإنسانیات الهندی لالیتا فیدیارذی کیف أن نظریة دارون للتطور فرضت العرقیة على العلوم الاجتماعیة :


 "رحب علماء الیوم بحرارة بنظریة البقاء للأصلح لدارون، ویعتقدون أن البشریة قد أنجزت مستویات متعددة من التطور والتی توجت فی حضارة الرجل الأبیض . وقد قبل أغلبیة العلماء الغربیین فی النصف الثانی من القرن التاسع عشر حقیقة العرقیة" 29.

مصادر إلهام دارون : نظریة عدم الرحمة عند مالثیس

کان مصدر الهام دارون فی هذا الموضوع هو کتاب الاقتصادی البریطانی توماس مالثیس "مقال فی قواعد الانفجار السکانی". وطبقا لحساباته الخاصة قال مالثیس إن الزیادة فی السکان سیکون سریعة، ومن وجهة نظره الخاصة فالمؤثرات الرئیسیة التی حافظت على توازن زیادة السکان هی الکوارث مثل الحروب والأمراض والمجاعات. وباختصار ، وطبقا لهذا الرأی القاسی، کان یجب أن یموت بعض الناس لیعیش الآخرون. فجاء الوجود لیعنی حربا دائمة. وقد قبلت أفکار مالثیس فی القرن التاسع عشر بشکل واسع. وقد دعم أفکاره مثقفو الطبقة الراقیة من الأوربیین بالتحدید. وفی مقال "الخلفیة العلمیة للنازیة (التطهیر العرقی) " وصف جیری بیرجمان أهمیة اعتناق أوربا فی القرن 19 لأفکار مالثیس حول الزیادة السکانیة:

                                                    توماس مالثیس


"فی أوائل القرن التاسع عشر، اجتمع أفراد الطبقات الحاکمة من کامل أوربا وذلک لمناقشة "مشکلة السکان" وابتکار الطرق اللازمة لتطبیق اقتراح مالثیس، بزیادة معدل وفیات الفقراء: "بدلا من توصیة الفقراء بالنظافة یجب أن نشجع العادات المضرة. ویجب أن نجعل الشوارع أضیق فی مدننا، ونحشد الناس فی المنازل لنساعد على انتشار الطاعون. ویجب أن نبنى القرى فی بلادنا بجوار برک راکدة، ونوصی بالاستقرار خاصة فی أماکن المستنقعات المضرة بالصحة الخ " 30.

وکنتیجة لهذه السیاسة القاسیة سوف یفنى الضعفاء الذین فقدوا الرغبة فی الصراع من أجل البقاء ، وهکذا سیتوازن ذلک التزاید السریع فی عدد السکان. وقد نفذ ما یسمی بـ"اضطهاد الفقراء" فی القرن 19 فی بریطانیا.


"تطبیق نظریة مالثیس فی القرن 19 بضرورة الصراع مدى الحیاة جلب البؤس للأطفال والفقراء العاجزین فی إنجلترا. والدین وحده هو الذی یضمن حمایة الأطفال. ویمکن العیش فی حیاة طیبة فاضلة خالیة من البؤس والألم فقط إذا ما اتبعنا تعالیم الدین السمحة ومارسناها"

وعندما بدأت المتطلبات الصناعیة بدأ عمل الأطفال ذوی الثمانیة والتسعة أعوام لمدة ستة عشر ساعة یومیا فی مناجم الفحم، حیث مات الآلاف نتیجة ظروف العمل القاسیة. وهکذا أدت دعوة مالثیس إلى الصراع من أجل البقاء إلى حیاة ملیئة بالألم لملایین من البریطانیین.

 طبق دارون فکرة الصراع علی الطبیعة کلها متأثرا بهذه الأفکار، واقترح بأن الأقوى والأصلح هو المنتصر فی هذا الصراع من أجل البقاء. وعلاوة على ذلک ، فقد ادعى بأن الصراع من أجل البقاء هو قانون مبرر وثابت فی الطبیعة. ومن ناحیة أخرى دعی الناس لترک معتقداتهم الدینیة وإنکار الخلق، وهکذا تُهدم کل القیم الأخلاقیة التی ربما تکون عائقا أمام الصراع المریر من أجل البقاء.

 فی القرن العشرین دفعت الإنسانیة ثمنا باهظا لانتشار هذه الأفکار التی قادت الناس إلى العنف والقسوة.

دور نظریة دارون فی التحضیر للحرب العالمیة الأولى

بدأ ظهور تأثیر نظریة الصراع من أجل البقاء على التراث الأوروبی نتیجة الهیمنة الدارونیة. وبدأت الدول الأوربیة المستعمرة بالتحدید فی وصف الدول التی یریدون استعمارها بأنها "دول متخلفة" مبررین ذلک بالنظریة الدارونیة.


 وقد کانت الحرب العالمیة الأولى عام 1914 هی التأثیر السیاسی الأکثر دمویة للدارونیة .

 

"أوروبا منذ 1870 ، لأستاذ التاریخ الإنجلیزی جیمس جول"

فی کتابه " أوروبا منذ 1870" ،  یوضح أستاذ التاریخ البریطانی الشهیر جیمس جول أن واحدا من أهم العوامل التی أعدت العالم للحرب العالمیة الأولى هو إیمان حکام أوروبا فی ذلک الوقت بنظریة دارون.

 ومن المهم أن ندرک کیفیة اعتناق زعماء أوروبا لنظریة الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصح فی السنوات التی سبقت الحرب العالمیة الأولى. وکمثال على ذلک، کتب البارون فرانز کونراد، رئیس هیئة الأرکان المجری فی مذکراته بعد الحرب:


 "بالتأکید تعمل الأدیان المُحبة للبشر والتعالیم الأخلاقیة والمذاهب الفلسفیة على إضعاف ذلک الصراع البشری المتوحش من أجل البقاء، لکنهم لن ینجحوا فی إضعافه ما دام موجودا کدافع ومبرر. وطبقا لهذا المبدأ وقعت الحرب العالمیة الأولى کنتیجة للقوى المحفزة فی حیاة الدول والناس، تماما مثل العاصفة الرعدیة التی یجب أن تنطلق بمحض طبیعتها" .


 وفی ظل هذه الأیدلوجیة، أصبح مفهوم إصرار کونراد على الحاجة لحرب وقائیة للحفاظ على الحکم الملکی المجری.


 وقد رأینا أن هذه الآراء لم تنحصر فقط فی المیادین العسکریة، فقد اهتم ماکس ویبر کثیرا بالصراع الدولی من أجل البقاء . ومرة أخرى کتب کورت ریزلیر المساعد والمستشار الشخصی للمستشار الألمانی یثوبالد فون بیثمان ، فی عام 1914 :


"إن العداوة الدائمة المطلقة الملازمة لطبیعة العلاقات بین الناس، والتی نلاحظها فی کل مکان، لیست نتیجة إفساد الطبیعة البشریة، لکنها جوهر العالم ومصدر الحیاة نفسها" 31.


ربط الجنرال فریدریک فون بیرناردی بین الحرب وقوانین الصراع فی الطبیعة. فقد أعلن أن الحرب "ضرورة بیولوجیة" وهی "ضروریة تماما مثل صراع عناصر الطبیعة" وهی "لا تعطی قرارا بیولوجیا صحیحا حیث ترتکز قراراتها على طبیعة الأشیاء" 32.




"استحوذت نظریة دارون "الصراع من اجل البقاء" على فلاسفة وزعماء وسیاسیو أوروبا فی العقد الأول من القرن العشرین. وکان حماسهم بدایة لحرب کبرى، تلک الکارثة العظیمة التی أودت بحیاة 10 ملایین إنسان".

وکما رأینا، فقد اندلعت الحرب العالمیة الأولى بسبب المفکرین والحکام والرؤساء الأوربیین الذین رأوا الحرب وإراقة الدماء والمعاناة نوعا من التطور، واعتقدوا أنها قانون الطبیعة الثابت. والمذهب الفکری الذی أدى بکل هذا الجیل إلى ذلک الدمار لم یکن سوى مفاهیم دارون "الصراع من أجل البقاء" و "البقاء للأصلح".

ترکت الحرب العالمیة الأولى خلفها 8 ملایین قتیل، ومئات من المدن المخربة، وملایین المشردین والعاطلین والمعوقین والمصابین. والسبب الأساسی للحرب العالمیة الثانیة، التی اندلعت بعد ذلک بواحد وعشرین عاما وخلفت 55 ملیون قتیل کان مستندا أیضا على الدارونیة.

الطریق الذی مهدت له الداروینیة: الفاشیة

 


فی القرن التاسع عشر، تغذت العنصریة على الدارونیة وشکلت قاعدة عقائدیة متطورة أغرقت العالم فی بحر من الدم فی القرن العشرین وهی: النازیة.






"الفاشیة التی بنیت على مفاهیم دارون، کانت السبب فی قتل ملایین الأبریاء. وقد جرت هذه العقیدة المروعة العدید من بلدان العالم إلى دوامة الدمار والبؤس".

  یمکن أن نرى تأثیر دارون القوی فی المذهب النازی. فعندما ندرس تلک النظریة التی اعتنقها هتلر وألفرید روزنبیرج، سنصادف مفاهیم مثل "الاختیار الطبیعی" و"القتل الانتقائی" و"الصراع بین الأجناس من أجل البقاء" والتی تکررت مئات المرات فی أعمال دارون. وعندما سمى کتابه "کفاحی" نرى أن الصراع الداروینی من أجل البقاء ومبدأ البقاء للأصلح هما الذان ألهما هتلر. فهو یتحدث فی هذا الکتاب خاصة عن الصراع بین الأجناس فیقول:

 "سیتوج التاریخ إمبراطوریة الألفیة الجدیدة بالعظمة والتمیز، العظمة التی تستند على التسلسل العنصری والذی حددته الطبیعة نفسها" .  وفی عام 1933 خلال اجتماع حزب نورمبرج صرح هتلر قائلا: "یجب أن یخضع الجنس الأدنى للجنس الأسمى، وهذا هو ما نراه فی الطبیعة وهو ما نعتبره الشیء الوحید المعقول" 34.

تأثر النازیون بالدارونیة هی الحقیقة التی قبلها کل المؤرخین والخبراء تقریبا. بین بیتر کرسب، مؤلف کتاب "صعود الفاشیة"، هذه الحقیقة کالتالی :


 "فی بدایة نشرها سخر الناس من نظریة دارون التی تدعی أن أصل الإنسان قرد، ولکنها انتشرت وقبلت بعد ذلک. وقد حرف النازیون نظریة دارون واستعملوها لتبریر الحروب العرقیة" 35.


یصف المؤرخ هیکمان تأثیر الدارونیة على هتلر کالتالی:


 "کان هتلر شدید الإیمان بالتطور . ومهما کان غامضا ومعقدا ومختلا عقلیا، إلا أنه کان متأکدا من أهمیة مفهوم الصراع، وقد عرض بوضوح عددا من أفکاره التطوریة فی کتابه "کفاحی"، خاصة تلک التی تؤکد الصراع والبقاء للأصلح وإبادة الضعیف لیصبح المجتمع أفضل" 36.




"النازیة ، وهی مزیج من الدارونیة الاجتماعیة والوثنیة الجدیدة، قتلت الملایین ونشرت الرعب فی قلوب الآخرین"

 





"تسببت الحرب العالمیة الثانیة فی قتل 55 ملیون إنسان، وجرح ملایین آخرین، وشردت أعداد کثیرة أخرى. وتسببت فی دمار المدن وانهیار الاقتصاد ".

هتلر، الذی ظهر بهذه الآراء، قاد العالم إلى عنف لم یسبق له مثیل فی أی مکان. وقد تعرضت العدید من المجموعات العرقیة والسیاسیة، وخاصة الیهود، للقسوة والمذابح البشعة فی معسکرات الاعتقال النازیة. وقد قضت الحرب العالمیة الثانیة والتی بدأت بالغزو النازی على حیاة  55 ملیون شخص. وکان مفهوم الدارونیة "الصراع من أجل البقاء" هو السبب وراء تلک المأساة الکبرى فی تاریخ الإنسانیة.

التحالف الدموی: الدارونیة والشیوعیة

 إذا کانت الفاشیة هی الجناح الأیمن للدارونیة الاجتماعیة، فإن الشیوعیة قد مثلت الجناح الأیسر لها . وقد کان الشیوعیون دائما من أعنف المدافعین عن النظریة الدارونیة.

 ترجع العلاقة فی الأصل إلى مؤسسی هذه المذاهب. فقد قرأ کل من مارکس وانجلیس کتاب "أصل الأجناس" لدارون عندما ظهر مباشرة، واندهشوا من فکرة المادیة الجدلیة. وتوضح المراسلات بین مارکس وانجلیس رأیهما فی نظریة دارون على أنها "تحتوی أساس الشیوعیة فی التاریخ الطبیعی". وفی کتابه "جدل الطبیعة" الذی کتبه نتیجة تأثره بدارون، کان انجیلس کثیر الإعجاب به. وحاول أن یضیف مساهمته الخاصة إلى النظریة فی فصل "دور العمال فی التحول من قرد إلى إنسان" .

 الشیوعیون الروس الذین اتبعوا خطوات مارکس وانجلیس، مثل بلیخانوف ولینین وتروتسکی وستالین، اتفقوا کلهم مع نظریة دارون للتطور. بلیخانوف ، الذی اعتبر مؤسس الشیوعیة الروسیة، اعتبر المارکسیة مثل "الدارونیة فی تطبیقها لعلم الاجتماع"  37.


 قال تروتسکی "اکتشاف دارون هو أهم نصر للجدل فی موضوع الأصل" 38.

وقد کان لتعالیم دارون الدور الرئیسی فی تشکیل کوادر الشیوعیة. فعلى سبیل المثال، یلاحظ المؤرخون حقیقة أن ستالین کان شابا متدینا، ولکنه أصبح ملحدا بعد قراءته کتب دارون.


 ماو تسیتونغ، مؤسس الحرکة الشیوعیة فی الصین، والذی قتل الملایین من الناس، صرح علنا قائلا: "تأسست الاشتراکیة الصینیة على نظریة دارون للتطور" 39.



"زعماء الشیوعیة، الذین بنوا أفکار المجتمع الانسانی استنادا على الدارونیة، سیسقطون من ذاکرة التاریخ لما سببوه من ألم شدید بسیاساتهم القاسیة ".

جیمس رییف، المؤرخ بجامعة هارفارد، یناقش فی بحثه "الصین ودارون" بالتفصیل تأثیر الدارونیة على ماو والشیوعیین الصینیین.

باختصار، هناک صلة وطیدة بین نظریة التطور والشیوعیة. تدعی النظریة بأن خلق الحیاة والأحیاء کان نتیجة الصدفة، وتدعم ما یسمى بالمساندة العلمیة للإلحاد. والشیوعیة عقیدة ملحدة، ولهذا السبب فهی ترتبط بشکل قوی بالدارونیة. وعلاوة على ذلک تقترح نظریة التطور أن التطور فی الطبیعة یعزى إلى الصراع "الصراع من أجل البقاء"، بل وتدعم مفهوم الجدل الذی یمثل أساس الشیوعیة.


 إذا نظرنا فی مفهوم الشیوعیة "الصراع الجدلی" والذی قتل بسببه 120 ملیون إنسان خلال القرن العشرین على أنه ماکینة قتل، عندها فقط یمکن أن نجید فهم أبعاد الکارثة الدارونیة التی حلت بالعالم.




"طبقت الشیوعیة الفکرة الدارونیة للصراع على صراع الطبقات، وهکذا قبلت القتل وإراقة الدماء کطرق شرعیة للسیطرة"

الصراع الجدلی لم یطوّر المجتمعات بل دمرها

وکما رأینا سابقا، فإن الدارونیة تفترض أن الصراع بین الکائنات هو سبب تطورها وهذا ما أکسبها ما یسمی بالانتشار العلمی لفلسفة المادیة الجدلیة.

 کما یمکن أن یفهم من اسمها، المادیة الجدلیة ترتکز على فکرة الصراع. وقد أذاع کارل مارکس مؤسس هذه الفلسفة تلک الفکرة :"إن لم یکن هناک صراع ومعارضة، ظل کل شیء کما هو". وقال أیضا: "القوة المولدة لکل مجتمع قدیم تحمل معها مجتمعا جدیدا" 40.


 وبقوله هذا فإنه یدعو الناس للعنف والحرب وإراقة الدماء من أجل التطور.

 کان لینین أول من طبق نظریة مارکس فی المجال السیاسی. وقد کان لینین یؤید فکرة مفادها أنه: "یحدث التقدم کنتیجة لصراع الأضداد" ویدعی أن الناس ذوی الأفکار المختلفة یجب أن یکونوا فی صراع دائم. وقد ذکر لینین مرارا أن هذا الصراع یتطلب إراقة دماء، أی الإرهاب. وقبل الثورة البلشیفیة بأحد عشر عاما، نشر لینین مقالا بعنوان "حرب العصابات" فی البرولیتاری عام 1906، وهی توضح الطرق الإرهابیة التی تبناها:

" تلک الظاهرة التی نهتم فیها بالکفاح المسلح، قادتها الجماعات الصغیرة. حیث ینتمی البعض منها إلى المنظمات الثوریة، والبعض الآخر (وهو یمثل الأغلبیة فی بعض أنحاء روسیا) لا ینتمی إلى أی منظمة ثوریة. ویتبع الکفاح المسلح هدفین مختلفین، یجب أخذهما فی الاعتبار: یهدف هذا الکفاح بالدرجة الأولى إلى اغتیال الأفراد والزعماء ورجال الشرطة والجیش. وفی المرتبة الثانیة، یهدف إلى مصادرة الأموال النقدیة من کل من الحکومة والأفراد. حیث تذهب تلک الأموال المصادرة إلى خزینة الحزب وتخصص للتسلیح والإعداد للتمرد وتدریب الأفراد الذین یقومون به" 41.

فی القرن العشرین، کانت هناک واحدة من أشهر المعتقدات التی قبلت بها الشیوعیة، وهی الفاشیة. المهم فی الموضوع، أنه برغم إعلان الفاشیة معارضتها للشیوعیة، إلا أنها آمنت تماما مثل الشیوعیة بمفهوم الصراع. آمن الشیوعیون بضرورة الصراع الطبقی، وببساطة غیر الفاشیون مجال الصراع حیث رکزوا على الصراع بین الأجناس والدول. ویعتبر المؤرخ الألمانی هینریتش تریتشک، واحد من أهم مصادر الأفکار النازیة ومن أبرز العنصریین، فقد کتب یقول: "لا یمکن أن تزدهر الأمم بدون صراع قوی، تماما مثل نظریة الصراع من أجل البقاء لدارون" 42.


 وقال هتلر أیضا معتمدا على مفاهیم دارون للصراع:

 "فی کل معالم الطبیعة صراع هائل بین القوة والضعف ونصر أبدی للقوی على الضعیف. وکان من الممکن انهیار الطبیعة کلها لو لم یکن الأمر کذلک، فمن یحیا یجب أن یقاتل. ومن لا یرغب فی القتال فی هذا العالم، حیث الصراع هو قانون الحیاة، لیس له الحق فی الوجود" 43     

 وقد آمنت هذه المعتقدات الدارونیة الاجتماعیة بضرورة الصراع وإراقة الدماء من أجل إنشاء مجتمع قوی، وما فعلوه وسببوه فی القرن العشرین لا یخفی على أحد. فق قتلت أعداد لاحصر لها من الأبریاء، وجرح وعوق آخرون، وانهارت اقتصادیات وطنیة، وأنفقت الأموال التی کان یجب أن تصرف على الصحة والأبحاث والتکنولوجیا والتربیة والفن، على الأسلحة وتضمید الجراح التی سببتها، وإعادة بناء المدن المخربة. وأصبح واضحا بمرور الوقت أن ذلک الصراع والإرهاب لم یرق بالتطور الإنسانی بل على العکس أدى إلى دماره.




 بالتأکید هناک تناقضات فی العالم. کما فی الطبیعة هناک نور وظلمة، لیل ونهار، حر وبرد ، لذا فهناک اختلافات فی طرق وممارسة وتطبیق الأفکار المختلفة. ولکن التناقض فی الأفکار لا یستوجب الصراع. بل على العکس، إذا ما قوبلت هذه التناقضات بالتسامح والسلام والتفاهم والحب والرحمة فإنه من الممکن إنجاز نتائج جیدة جدا. فکل شخص یقارن فکرته الخاصة بأفکار الآخرین ربما یطور فکرته أو یرى نقائصها فیعالجها. فهؤلاء الذین یدافعون عن الآراء المعارضة یتمکنون من تبادل الأفکار أثناء الحدیث أو ینشغلون بالنقد البناء. لذا فإن الشخص المتواضع المتسامح المسالم المخلص الذی یتبع تعالیم القرآن الکریم هو فقط من یستطیع تطویر هذا التقارب والتفاهم.

من الطبیعی أن توجد الآراء المختلفة، لکنها لا یجب أن تکون سببا للنزاع والحروب بین الناس. فالاحترام والتسامح المتبادل یمکن أن یضمن الاتفاق والمشارکة بین الفئات المختلفة. وتوضح تعالیم القرآن الکریم للناس حیاة السعادة والطمأنینة، فالصراع الجدلی لا یجلب إلا الشقاء الدائم والموت والدمار".

أن تقتل إنسانا أو تسیء إلیه بسبب أفکاره المختلفة، أو لأنه یؤمن بدین مختلف أو حتى لأنه ینتمی إلى جنس مختلف، عمل قاس وغیر مقبول. لهذا السبب وحده، نرى على مر التاریخ وفی جمیع أنحاء العالم کیف أن أبناء نفس الأرض یتصارعون مع بعضهم البعض حتى الموت ویقتل کل منهم الآخر بلا رحمة. ونرى أناسا من بلدان وجنسیات مختلفة یذبحون، بمن فیهم النساء والأطفال ، بشکل عشوائی. إن الشخص الوحید الذی یمکنه فعل ذلک هو الذی یخلو قلبه من أیة إنسانیة. فهو عنده مجرد حیوان مفکر. وهو الشخص الذی لا یراعی الله فی أعماله أو حتى لا یعتقد فی وجوده.

 ویکشف لنا القرآن الکریم أفضل المواقف التی یمکن أن نتخذها نحو الأفکار المعارضة. ومن أبرز الأمثلة على ذلک الخلاف الذی حدث بین موسى وفرعون. وبالرغم من قسوة وعدوانیة فرعون، فقد أرسل الله موسى یدعوه لدینه عز وجل، ووضح لموسى الأسلوب الذی یتعین اتباعه فقال تعالى:


 "اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَیِّنًا لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشَى" (طه : 43-44)



وقد أطاع موسى أوامر الله وشرح لفرعون الدین الحقیقی بصبر عظیم، وذلک لکی ینهی فرعون إنکاره لوجود الله وقسوته على الناس. وبالرغم من ذلک، اتخذ فرعون موقفا عدائیا نحو موسى الصبور النبیل وهدد بقتله هو ومن یتبعه. ولکن فی النهایة خاب فرعون وخسر سعیه، فقد غرق واتباعه بینما انتصر موسى ومن معه.

 وکما یوضح هذا المثال، انتصار رأی أو فکر من أجل التطور لا یأتی أبدا من خلال العداوة أو العدوان. ویعرض الخلاف بین موسى وفرعون درسا من دروس التاریخ العظیمة: فالمنتصر لیس من یتبع الصراع والظلم، ولکن المنتصر من یتبع طریق السلام والعدل. لذا فإن ممارسة المبادئ والأخلاقیات الرفیعة تظهر حسناتها فی الدنیا والآخرة.

الدارونیة والإرهاب

وکما رأینا حتى الآن، فإن الدارونیة هی أصل کل معتقدات العنف التی تسببت فی کوارث للبشریة فی القرن العشرین، فالمفهوم الأساسی وراء هذه المعتقدات والأسالیب هو "قتال من لیس منا". وهناک اعتقادات وآراء وفلسفات مختلفة فی العالم. ومن الطبیعی جدا أن تتمیز هذه الأفکار المتنوعة بمعارضة بعضها البعض. و یمکن أن تنظر هذه الاختلافات فی الآراء إلى بعضها بإحدى طریقتین :

  1. احترام وجود المعارضة ومحاولة تأسیس حوار معها. وتلک هی الطریقة الإنسانیة. وتتوافق هذه الطریقة مع تعالیم ومبادئ القرآن الکریم.
  2. قتال الآخرین ومحاولة الاستفادة من تدمیرهم، بمعنی آخر، التصرف مثل حیوان طائش. وتلجأ المادیة إلى هذه الطریقة التی تعتمد على الإلحاد.

فذلک الرعب الذی نسمیه الإرهاب هو نتاج للطریقة الثانیة.

 وعندما نأخذ فی الاعتبار ذلک الخلاف بین الطریقتین یمکن أن نرى مدى تأثیر فکرة کون :"الإنسان حیوان مقاتل"، تلک الفکرة التی فرضتها الدارونیة على الناس بشکل لا شعوری.





"قد یکون هناک خلاف بین الدول أو المجتمعات، ولکن الصراعات والحروب لا تحل المشاکل. ویعلمنا القرآن الکریم أنه یجب حل هذه الخلافات بالصبر المتبادل والتسامح والرحمة والتفاهم".

ربما لم تسمع تلک الجماعات ویسمع أولئک الأفراد الذین یلجئون للعنف والصراع عن الدارونیة شیئا، ولکن فی النهایة هم یتفقون تماما مع المبادئ الفلسفة الدارونیة. وما یدفعهم للإیمان بصحة هذه الآراء هو تلک الشعارات التی تستند علیها الدارونیة مثل "البقاء للأقوى " و "الأسماک الکبیرة تبتلع الصغیرة" و "الحرب هی الفضیلة" و "یتقدم الإنسان بشن الحروب". وعند إبعاد الدارونیة نجد أن هذه الشعارات قد بقیت کلمات فارغة.

وفی الحقیقة، بإبعاد الدارونیة، لن نجد أی فلسفة تؤید الصراع. فالأدیان الثلاثة المقدسة التی یعتنقها معظم سکان العالم وهی الإسلام والمسیحیة والیهودیة ترفض العنف وتحض على السلام والوئام وتحرم قتل الأبریاء أو تعریضهم للمعاناة والظلم والتعذیب. فالعنف والصراع والمفاهیم الشاذة والمنبوذة، تنتهک المبادئ الأخلاقیة التی أرشد الله تعالى الإنسان إلیها. وبالرغم من ذلک تظهر الدارونیة الصراع والعنف والقتل على أنها مفاهیم



مبررة وصحیحة وطبیعیة ولابد من وجودها.




"إن تعالیم القرآن الکریم ومبادئه وأخلاقیاته هی السبیل الوحید لضمان حیاة اکثر استقرارا للأجیال القادمة"

لهذا السبب یرتکب البعض أعمال الإرهاب تحت اسم الدین مستخدما مفاهیم ورموز الإسلام أو المسیحیة أو الیهودیة، ولکننا على یقین بأن هؤلاء لا ینتمون إلى أی من تلک الأدیان. بل هم دارونیون حقیقیون. فهم یختبئون تحت عباءة الدین، ولکنهم لیسوا مؤمنین حقیقیین حتى وإن ادعوا أنهم یخدمون الدین، ولکنهم فی الحقیقة أعداء للدین والمؤمنین، وذلک لانهم یرتکبون جرائم یشدد الدین على تحریمها، بل ویسیئون للدین أمام الناس.

لهذا السبب، فإن جذور الإرهاب التی ابتلی بها عالمنا لیست فی أی من الأدیان المقدسة، ولکنها من الإلحاد والذی نسمیه فی وقتنا الحاضر: "الدارونیة والمادیة".

کل من یرغب فی السلام والطمأنینة علیه إدراک خطر الدارونیة

حل هذه المشکلة یعتمد بشکل أساسی على الحرب بوجه خاص ضد الأکاذیب والتخلص من تلک الأفکار. فعلى سبیل المثال قد یسعى الشخص بجد لتنظیف البیئة المحیطة به من خلال جمع النفایات فی صنادیق، ولکن ستظل رائحة صنادیق النفایات کریهة. مما یعنی أن الحلول ستکون قصیرة الأجل. ویکمن الحل الحقیقی فی التنظیف الشامل لمصدر النفایات وإزالتها بالکامل. بمعنی آخر، فهذا الأمر یشبه قضاء سنوات فی تنظیف مزرعة من الأفاعی السامة، وترکها تهرب، ثم نتعجب من رؤیتنا لهذه الأفاعی تضر الناس من حولنا مرة أخرى. فالشیء المهم هو أن نقضی على تلک الأفاعی بالدرجة الأولى.


 ولذلک، فی الحرب على الإرهاب یتم البحث عن الإرهابیین واحدا تلو الآخر لمعاقبتهم، ولکن هذا الحل غیر مؤثر و غیر ناجح و غیر دائم. و الطریق الوحید لاستئصال الإرهاب کلیا من على وجه الأرض هو أن نحدد المصادر الأساسیة التی تصنع الإرهابیین والقضاء علیها. ومن ناحیة أخرى، تعتبر المعتقدات الخاطئة والتربیة السیئة التی تمارس فی ضوئها  مصدرا مهما من مصادر الإرهاب.

"إِنَّ الله یَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِیتَاءِ ذِی القُرْبَى وَیَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ" (النحل : 90)

فی وقتنا الحالی، تعتبر الداروینیة مادة أساسیة فی المناهج التعلیمیة فی أکثر بلدان العالم. وهی تدرس باعتبارها حقیقة علمیة.


فالصغار لا یدرکون أن الذی خلقهم هو الله، وهو من وهبهم الروح والحکمة والضمیر. ولا یخبرهم أحد أنهم سیحاسبون یوم القیامة على أعمالهم ویعاقبون بجهنم أو یکافئون بالجنة والخلود. بل على العکس فهم یلقنون أنهم أحفاد مخلوقات کانت حیوانات، وأنها جاءت إلى الوجود عن طریق المصادفة العشوائیة.


 وفی ضوء هذا التلقین یعتبر هؤلاء الصغار أنفسهم مخلوقات ضالة غیر ملتزمة أمام الله ویرون أن بقاءهم ونجاحهم فی المستقبل لا یأتی إلا من خلال الصراع. وبعد هذه المرحلة، یصبح من السهل غسل دماغ هؤلاء البشر، والذین لقنوا تلک الأفکار بالفعل خلال دراستهم وتحویلهم لأعداء للإنسانیة یملکون ما یکفی من القسوة لقتل الأطفال الأبریاء. ویسهل لأی عقیدة مضللة جذب مثل هؤلاء الصغار. بل ویمکن أن یقوموا بأفعال قاسیة وعنیفة تحت تأثیر هؤلاء الإرهابیین. فالفاشیة والشیوعیة والعنصریة هی جماعات إرهابیة تواجدت منذ القرن التاسع عشر کنتاج لمثل هذا المنهج فی التربیة.

 وتتمثل الخسارة الکبرى الثانیة لمثل هذا النظام فی التربیة فی البعد تماما عن الدین، فقد انحصر العلم بالدین بین غیر المتعلمین. وهکذا أصبح المتعلم بعیدا تماما عن الدین بفعل الدارونیة المادیة، وأصبح الدین شیئا مقترنا بغیر المتعلمین. وذلک هو سبب تطور الأفکار الخاطئة المؤیدة للخرافات والتی سمحت لمن یناقضون الدین بالسیطرة بسهولة تحت اسم الدین.

إن أحداث الحادی عشر من سبتمبر الأخیرة هی أوضح مثال على ذلک. فلا یمکن لمن یخاف الله ویحبه ویتوقع حسابه على أعماله أن یرتکب مثل هذه الأعمال التی تترک خلفها آلاف الجثث لأبریاء وآلاف الجرحى والیتامى من الأطفال. فالمؤمن یعلم أنه سیحاسب أمام الله على کل ضرر ألحقه بإنسان وأن کل ذنب سیصبح مصدرا لعذابه فی جهنم.


 ونستنتج من هذا أن السبیل الأمثل للقضاء على الإرهاب هو إنهاء التربیة الدارونیة المادیة، وتربیة الصغار على مناهج مستندة على الاکتشافات العلمیة الحقیقیة وأن نغرس فیهم الخوف من الله والرغبة فی التصرف بحکمة وتأن. وستکون ثمار مثل هذه التربیة جماعة شعارها التسامح والسلام وبالتالی یکونون جدیرین بالثقة.

"هُوَ الَّذِی یُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آیَاتٍ بَیِّنَاتٍ لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَ إِنَّ اللهَ بِکُمْ لَرَؤوفٌ رَحِیمٌ"   (الحدید : 9)

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد