الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

نظرة الإسلام إلى أهل الکتاب

نظرة الإسلام إلى أهل الکتاب

 العلاقة بین العالم الإسلامی والعالم الغربی أحد الموضوعات الهامة التی نوقشت بعد الأحداث الإرهابیة التی تعرضت لها الولایات المتحدة. وکما هو معروف، فقد تنبأ بعض المثقفین فی القرن التاسع عشر أن العالم على وشک صراع بین الغرب والإسلام. وکان هذا هو الموضوع الرئیسی لرسالة صموئیل هانتینجتون "صراع الحضارات". وقد سمى إدوارد دبلیو هذا الصراع بـ "صراع الجهل" حیث قال : "یرجع هذا السیناریو الخیالی والمبالغ فیه إلى تأثیر بعض العناصر المتطرفة والجاهلة والتی تتواجد فی کلتا الحضارتین. وفی الحقیقة إنه لا یمکن أن یکون هناک صدام أو تعارض بین الحضارة الغربیة والحضارة الإسلامیة، وذلک لأن المعتقدات المسیحیة والیهودیة التی تستند علیها الحضارة الغربیة تنسجم تماما مع الإسلام.

 یسمى الیهود والمسیحیون فی القرآن الکریم "أهل الکتاب"، وذک لأنهم یتبعون کتب مقدسة منزلة من عند الله تعالى. ونظرة الإسلام لأهل الکتاب عادلة جدا ورحیمة.
اتضح هذا الموقف نحو أهل الکتاب فی خلال السنوات الأولى للدعوة الإسلامیة. فی ذلک الوقت کان المسلمون أقلیة یجاهدون من أجل حمایة إیمانهم ویعانون من الظلم والتعذیب الذی لاقوه من کفار مکة. وبسبب هذا الاضطهاد، قرر المسلمون الفرار من مکة واللجوء إلى بلد آمن یحکمه ملک عادل. وعندها أمرهم الرسول علیه الصلاة والسلام أن یتخذوا من الحبشة (أثیوبیا) مأوى لهم وکان ملکها مسیحیا. وقد وجد المسلمون فیه حاکما عادلا استقبلهم بالحب والاحترام. و رفض الملک طلب رسل المشرکین إلیه بتسلیمهم المسلمین، بل أعلن أنه فی إمکان المسلمین العیش بحریة فی بلده.
 یشیر القرآن الکریم إلى هذا الموقف المسیحی الملیء بالرحمة والعدل والرأفة حیث یقول :

 " وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ قَالُوا إِنَّا نَصَارى ذَلِکَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّیسِینَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ"  (المائدة : 82)

 

اشتراک المسلمین وأهل الکتاب فی القیم والمعتقدات العامة

 هناک العدید من المظاهر المشترکة بین المعتقدات الإسلامیة والمسیحیة. وکذلک تشارک الیهودیة الإسلام فی العدید منها. ویوضح الله فی القرآن الکریم أن المسلمین یشارکون أهل الکتاب العقیدة نفسها ویبین لهم کیفیة مخاطبة أهل الکتاب:

 "وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنَا وَأُنْزِلَ إِلَیْکُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُکُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (العنکبوت : 46)

إن جمیع أتباع هذه الدیانات الثلاثة العظیمة یؤمنون بأن الله هو خالق الکون من العدم وهو المسیر له بقدرته المطلقة.


"یُعرَّف المسیحیون والیهود فی القرآن الکریم بأهل الکتاب، وقد أمر المسلمون باحترامهم والرحمة بهم. فهم یشارکون المسلمین نفس القیم الأخلاقیة"

  1. یؤمنون بمعجزة الله فی خلقه وأنه هو الذی وهب الروح والحیاة للإنسان.
  2. یؤمنون بالبعث والجنة والجحیم والملائکة، وبأن حیاتنا تسیر بقدر الله تعالى.
  3. یؤمنون بأنه إلى جانب عیس وموسى ومحمد علیهم السلام أرسل الله العدید من الرسل مثل نوح وإبراهیم واسحق على مر التاریخ، وهم یحبون جمیع هؤلاء الأنبیاء.  

ویوضح القرآن الکریم فی إحدى آیاته أن المسلمین لا یفرقون بین الأنبیاء:

" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَیْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ کُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِکَتِهِ وَکُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَکَ رَبَّنَا وَإِلَیْکَ الْمَصِیرُ" (البقرة : 285).

 تتفق معتقدات أهل الکتاب مع معتقدات المسلمین لیس فقط فی القضایا التی تتعلق بالإیمان، ولکن أیضا فی القیم الأخلاقیة. وفی وقتنا الحاضر انتشر الفساد فی العالم کله مثل الزنا واللواط والإدمان والأنانیة والغرور، بینما یشارک أهل الکتاب المسلمین نفس الفضائل مثل الشرف والعفة والتضحیة بالنفس والتواضع والرحمة والرأفة والحب دون انتظار مقابل.

أعداء المسلمین وأهل الکتاب

من الحقائق الهامة أن الفلسفات الملحدة التی تنکر وجود الله والتی انتشرت فی عالمنا الیوم، بدأت تغزو الدیانات الثلاث الإسلام والمسیحیة والیهودیة معا.


"ینشغل الیوم کل من المسلمین وأهل الکتاب بتوسیع دائرة کفاحهم ضد الفساد والإدمان والشذوذ الجنسی. وتتمسک الدیانات الثلاثة بأعظم الفضائل کالعفة والأمانة ونکران الذات".

من بین أکثر الفلسفات ضررا والمعروفة فی عصرنا تلک التی تستند إلى المادیة والشیوعیة والفاشیة والفوضویة والعرقیة والإلحاد والوجودیة . والعدید من الناس الذین آمنوا بهذه الفلسفات الباطلة فی الکون والمجتمع والإنسان، فقدوا إیمانهم أو شکوا فیه. بل الأکثر من ذلک أن هذه المعتقدات ورطت الناس والمجتمعات والأمم فی أزمات کبیرة ونزاعات وحروب. ولهذه المعتقدات النصیب الأکبر من المسئولیة عن العذاب والمشاکل التی تعانی منها الإنسانیة کلها فی الوقت الحاضر.

 إنکار وجود الله وخلقه، هذا هو الإطار العام التی تستند علیه تلک الأیدیولوجیات، وهو عبارة عن قاعدة علمیة تسمى نظریة دارون للتطور. حیث أقامت هذه النظریة قاعدة فلسفة الإلحاد. وتدعی هذه النظریة أن الکائنات الحیة تطورت صدفة کنتیجة لمحاولة التکیف مع الحیاة. إذن فالدارونیة ترسل هذه الرسالة الخادعة للناس:
 "أنت لست مسئولا عن الآخرین، فحیاتک هی مجموعة من الصدف، وهی تحتاج إلى الکفاح، حتى وإن دعتک الضرورة لاضطهاد الآخرین لکی تنجح، إن هذا العالم هو مکان للصراع والمصالح الشخصیة".

وقد اخترقت العدید من المفاهیم الدارونیة القیم الاجتماعیة مثل "الاختیار الطبیعی" و "الصراع من أجل البقاء" و "البقاء للأقوى". وتنصح هذه المبادئ الناس بأن یکونوا قساة، ظالمین، نفعیین ، أنانیین. بل وتدمر الفضائل کالرحمة والرأفة والتضحیة والتواضع، تلک القیم الأخلاقیة التی تدعمها الأدیان الثلاثة کضرورة لـ"قانون الحیاة".

 وتتنافى الفلسفة الدارونیة تماما مع معتقدات أهل الکتاب ورسالة القرآن الکریم. لذلک تمثل مبادؤها الأسس الذی یرتکز علیه العالم المعارض للأدیان المقدسة الثلاثة.
 لهذا السبب، من الضروری أن یتحد المسلمون وأهل الکتاب طالما أنهم یؤمنون بالله ویقبلون کل ما أمرهم به. ویجب علیهم أن یوضحوا للعام زیف الدارونیة ومغالطاتها، ویبینوا انه لیس لها أی أساس علمی، ویحاول بعض الناس الحفاظ علیها فقط لأنها فلسفة مادیة . کما یجب على أتباع الأدیان الثلاثة کذلک قیادة کفاح ثقافی ضد کل الأفکار الخادعة (لشیوعیة ، الفاشیة ، العرقیة .)

والتی تخدم الإلحاد . وإذا حدث هذا ، سوف یصبح العالم فی وقت قصیر جدا واحة للسلام والأمن والعدل.

 
"جلبت المعتقدات الملحدة مثل الفاشیة والشیوعیة والعرقیة والفوضویة الدمار للإنسانیة وشجعت الکراهیة فی المجتمعات".



"تقترح الدارونیة مجتمعا یشجع النزاع والعنف کوسائل للتطور. لکن تکشف الدراسات الاجتماعیة التأثیر السلبی لتلک النظریة التی لم تجلب غیر الألم والدمار للمجتمعات ".

 

معاداة السامیة عنصریة تخالف تعالیم الإسلام

تهدد أفکار معاداة السامیة فی عصرنا الحالی السلام العالمی وتستهدف أمن وأمان الأبریاء. وهذه العنصریة والکراهیة یظهرها البعض نحو الیهود.
 فی القرن العشرین، ارتکبت العدید من الکوارث الکبرى باسم معاداة السامیة، ومن أکبر حوادث الترویع والقتل والظلم تلک التی ارتکبها النازیون ضد الیهود. بالإضافة إلى هذا فقد استهدف الیهود وتعرضوا للظلم فی العدید من البلدان التی کان فیها الحکم دیکتاتوریا. وذاق الیهود سوء العذاب على أیدی المنظمات الفاشیة.
 ولکن ما هو موقف المسلمین تجاه معاداة السامیة ؟


"اضطهاد الیهود على مر التاریخ کان أساسا نتیجة لمعاداة السامیة. من حقنا أن نعارض وننتقد وحشیة إسرائیل، ولکن لا یجب على المسلم أن یرد على هذا الظلم والقسوة بقتل الأبریاء من الیهود".

الجواب واضح، یجب على المسلم أن یعارض معاداة السامیة کما یعارض کل الآراء العنصریة الأخرى. وإذا کان من حق المسلمین إدانة سیاسة الظلم والعدوان التی تمارسها إسرائیل إزاء بعض الشعوب، فإنه من غیر المقبول أن یصبح جمیع الیهود هدفا للإدانة وخاصة الأبریاء منهم : وإلا سیکون هذا معاداة للسامیة. وعلى أیة حال فإن انتقاد السیاسة الصهیونیة الرسمیة لا یعنی معاداة السامیة، حیث أن الاعتراض على الصهیونیة هو اعتراض على شکل من أشکال العنصریة. وهناک العدید من الیهود الذین ینتقدون عنصریة وسیاسة الصهیونیة، وسیکون من السخف وغیر المعقول  وصف هؤلاء بمعاداة السامیة.

 والقرآن الکریم لا یقبل وضع جمیع الناس فی خانة واحدة واتخاذ الموقف نفسه إزاءهم جمیعا، فهناک حاجة إلى أن نمیز بین الحسن والسیء والخیر والشریر وبین الظالم والبریء . بعد الإشارة إلى بعض الیهود والمسیحیین الذین انتهکوا أوامر الله ، ذکر الله کذلک من أظهر کمالا وتمسکا بالأخلاق منهم فقال:

 "  لَیْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْکِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ یَتْلُونَ آیَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّیْلِ وَهُمْ یَسْجُدُونَ * یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ وَأُوْلَـئِکَ مِنَ الصَّالِحِینَ * وَمَا یَفْعَلُواْ مِنْ خَیْرٍ فَلَن یُکْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِیمٌ بِالْمُتَّقِینَ"  (آل عمران : 113-115)

معاداة السامیة هی عقیدة ضد الدین الذی یستمد جذوره من الوثنیة الجدیدة. لذا فمن غیر المعقول أن یقبل المسلمون معاداة السامیة أو یشعروا حتی بالتعاطف مع هذه العقیدة. فالمعادون للسامیة لا یحترمون أنبیاء الله کإبراهیم وموسى وغیرهم ممن أرسلهم الله بالحق لیکونوا مثلا یحتذى للإنسانیة.
 معاداة السامیة وکل أنواع التعصب العرقی (مثل التعصب ضد السود) لیس لها مکان فی الدین الحقیقی، بل هی نتاج أفکار ومعتقدات منحرفة.

بالإضافة إلى کل هذا، عندما ندرس معادة السامیة وکل أشکال العرقیة الأخرى، نرى بوضوح أنها تدعو إلى أفکار ونماذج مجتمعات تتنافى تماما مع تعالیم القرآن وأخلاقیاته، فعلى سبیل المثال ترتبط معاداة السامیة بالکذب والعنف والظلم. وتکمن قسوة معاداة السامیة فی مساندتها لقتل الیهود الأبریاء من الرجال والنساء والأطفال والمسنین والتغاضی عما یتعرضون له من عذاب. ومهما یکن من أمر، فالمغزى الحقیقی لتعالیم القرآن الکریم هو التوجیه للحب والرحمة مع جمیع الناس. والقرآن یأمر المسلمین بالعدل والمغفرة حتى مع أعدائهم.

 من ناحیة أخرى، تتعایش جمیع أنواع العنصریة معا فی سلام بین أناس مختلفی الأجناس والمذاهب. فعلى سبیل المثال، یتعایش العنصریون الألمان (النازیون) مع العنصریین الیهود، مع أن کلا منهم یعارض هذا الوضع لأن کل جانب یرى أن الجنس الآخر جنسا متدنیا. وفی القرآن، لا یوجد هذا التمییز بین الأجناس، فالقرآن یدعو الناس من مختلف العقائد إلى التعایش معا فی نفس المجتمع بود وسلام.






"یود المسلمون العیش مع المسیحیین والیهود فی سلام ومحبة، وأن یعامل کل منهم الآخر برحمة وتسامح واحترام".

وفقا للقرآن، یجب على المسلمین والمسیحیین
 والیهود أن یعیشوا متحابین

یتضح فی القرآن ذلک الخلاف الحاد بین أهل الکتاب والملحدین الذین لا یؤمنون بالله تعالى. مما یؤکد خاصة اهتمام القرآن بالحیاة الاجتماعیة. وکمثال، یقول القرآن الکریم قاصدا هؤلاء الملحدین:

"یَا أَیُّها الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِکُونَ نَجَسٌ فَلاَ یَقْرَبُوا المَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْْ عَیْلَةً فَسَوْفَ یُغْنِیکُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ"  (التوبة : 28)

هؤلاء الملحدون لیس لدیهم قانون مقدس ولا أی مبادئ أو أخلاقیات، بل هم یرتکبون جمیع أنواع الانحراف بدون تردد. أما أهل الکتاب، الذین أرسلت کتبهم بوحی من عند الله، فلدیهم أخلاقیات ومبادئ ویحترمون القیم الإنسانیة. ولهذا فقد أعطى للمسلمین رخصة بالزواج من نساء أهل الکتاب:

 " الْیَوْمَ أُحِلَّ لَکُمُ الطَّیِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ حِلٌّ لَّکُمْ وَطَعَامُکُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ مِن قَبْلِکُمْ إِذَا آتَیْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِینَ غَیْرَ مُسَافِحِینَ وَلاَ مُتَّخِذِی أَخْدَانٍ وَمَن یَکْفُرْ بِالإِیمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ" (المائدة : 5)

توضح هذه التوجیهات أنه من الممکن تکوین روابط نسب وقرابة کنتیجة لزواج المسلم من امرأة من أهل الکتاب، ویجب على طرفی هذا الرباط الاهتمام بالآخر. وتتضمن مثل هذه القواعد تأسیس علاقات إنسانیة منصفة وحیاة اجتماعیة سعیدة. وحیث أن القرآن یوجه لمثل هذا الموقف العادل المتسامح، فإنه من غیر المعقول أن یکون للمسلم وجهة نظر أخرى أو موقف معارض.

یمثل العدل والتسامح الذی أظهره رسول الله صلى الله علیه وسلم تجاه أهل الکتاب مثالا رائعا یحتذی به المسلمون. ویعرض الرسول علیه الصلاة والسلام نموذجا من أفضل أمثلة هذا العدل والتسامح فی العقد الذی أبرمه مع مسیحیی نجران، الذین عاشوا فی جنوب الجزیرة العربیة، حیث تضمن العقد البنود التالیة:

إن حیاة أهل نجران والأراضی المحیطة بهم، ودینهم وأرضهم وأملاکهم وماشیتهم، من کان منهم حاضرا أو غائبا، رسلهم ودور عبادتهم کلها تحت حمایة الله ووصایة نبیه صلى الله علیه وسلم .20

أمن الرسول علیه الصلاة والسلام بمثل هذه الاتفاقیات حیاة اجتماعیة تتسم بالأمن والأمان للمسلمین وأهل الکتاب على حد سواء، ویتضح هذا تماما فی الآیة التالیة:

" إِنَّ الَّذِینَ آمَنُواْ وَالَّذِینَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِینَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ" (البقرة : 62)

 إن دستور المدینة هو أکثر العقود أهمیة، وقد ضمن تحقیق العدل والتسامح بین المسیحیین والیهود والمشرکین.
 أعد دستور المدینة بتوجیه من الرسول صلى الله علیه وسلم منذ 1400 عام ، أی فی عام 622 میلادیة، وذلک لیلبی احتیاجات جمیع الناس من مختلف العقائد، وتم تطبیقه کعقد قانونی مکتوب. وقد أصبح الکثیر من الجماعات التی تختلف فی الدین والجنس والتی أضمرت لبعضها البعض عداوة خافیة راسخة لمدة 120 عاما أصبحت أطرافا فی هذا العقد القانونی. وقد أظهر الرسول علیه الصلاة والسلام بواسطة هذا العقد أنه یمکنه إنهاء النزاعات الکامنة بین هذه المجتمعات بل وبإمکانهم ان یعیشوا مع بعضهم البعض، بینما کانوا قبل ذلک أعداء وعجزوا تماما عن التوصل لأی شکل من أشکال التسویة.


"فی عهد الرسول علیه الصلاة والسلام مارس المسلمون سیاسة العدل والتسامح تجاه أهل الکتاب".

طبقا لدستور المدینة، کان کل إنسان حر فی التمسک بأی عقیدة أو دین واختیار أی سیاسة أو فلسفة. ویمکن للأفراد الذین یشترکون فی نفس الأفکار التجمع وتشکیل جماعة. وکان کل شخص حر فی ممارسة نظام العدل الخاص به. وبطبیعة الحال لن یحمی الآخرون أی شخص یرتکب جریمة. وانشغلت کل الأحزاب المشترکة فی العقد بالتعاون ومساندة بعضها البعض، وبقیت کلها تحت حمایة الرسول صلى الله علیه وسلم. وکانت النزاعات بین الأحزاب تعرض على الرسول علیه الصلاة والسلام للحکم فیها .

عمل بهذا العقد منذ 622 م وحتى 632 م . خلال هذا العقد، ألغیت التجمعات القبلیة التی استندت إلى الأصل والنسب، وتجمع أناس من مشارب عرقیة وثقافیة وجغرافیة مختلفة معا وشکلوا وحدة اجتماعیة. وضمن دستور المدینة الحریة الدینیة المطلقة.

 یتعیّن احترام الأدیرة والکنائس ومعابد الیهود

حقیقة أخرى نتعلمها من القرآن الکریموهی أنه یجب على المسلمین احترام أماکن العبادة الیهودیة والمسیحیة. وإن الکنائس والمعابد والأدیرة قد حماها الله تعالى:
 

" الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِن دِیَارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن یَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِیَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ یُذْکَرُ فِیهَا اسْمُ اللَّهِ کَثِیراً وَلَیَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن یَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ" (الحج : 40)

توضح هذه الآیة للمسلمین ضرورة احترام وحمایة الأماکن المقدسة الخاصة بأهل الکتاب.
 وفی الحقیقة فإن الرسول صلى الله علیه وسلم أبرم مثل هذه العقود مع الوثنیین أیضا. وقد عومل الوثنیون دائما بالعدل، وقد لبى النبی علیه الصلاة والسلام کل طلباتهم عندما خضعوا لحمایته. یعنی هذا أن تلک الجماعات قد طلبت حمایة الرسول ضد أی هجوم أو اتهام ظالم. وخلال حیاته علیه الصلاة والسلام طلب العدید من المسلمین والوثنین حمایته، وقد أخذهم تحت حمایته وضمن لهم أمنهم. وینصح الله المؤمنین فی سورة التوبة بقبول طلب الوثنیین لحمایتهم قائلا: 

"وَإْن أَحَدٌ مِنَ المُشْرِکِینَ اسْتَجَارَکَ فَأَجِرْهُ حَتَّى یَسْمَعَ کَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ یَعْلَمُونَ"  (التوبة : 6)

بسبب الاشتراک فی العدید من الخصائص، فإن المسیحیین والیهود أقرب إلى المسلمین من أولئک الذین لا یؤمنون بالله. فکل منهم لدیه کتابه الذی یتبعه وأنزل من عند الله تعالى. وطبقا لکتبهم المقدسة، فإنهم یعرفون الحق من الباطل ویفرقون بین الحلال والحرام ویوقرون الأنبیاء والرسل الذین أرسلوا إلیهم. وهم جمیعا یؤمنون بالآخرة وبحساب الله على أعمالهم. لذا فهناک جوامع مشترکة یمکننا أن نتحد على أساسها. 



"الجوامع والکنائس والمعابد أماکن مقدسة یرفع فیها اسم الله . ویذکر الله فی القرآن الکریم أننا یجب أن نحمی تلک الأماکن المقدسة ونحترمها "


الاجتماع على کلمة واحدة 

اهتماما بأهل الکتاب، أمر الله المسلمین فی القرآن بالاجتماع على کلمة سواء:
 " قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى کَلَمَةٍ سَوَاء بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَلاَ یَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران : 64)

إن هذا نداء للمسیحیین والیهود، باعتبارهم یؤمنون بالله ویتبعون أوامره، دعونا نتفق على کلمة واحدة وهی "الإیمان" . دعونا نحب الله خالقنا ونتبع أوامره. ولنصل لله داعین أن یدلنا على الطریق الصحیح.

 عندما یتفق المسلمون والمسیحیون والیهود على کلمة سواء، وعندما یدرکون أنهم أصدقاء ولیسوا أعداء، وعندما یرون أن العدو الحقیقی هو من ینکر وجود الله، یصبح العالم بیئة مختلفة تماما. سوف تنتهی الحروب والعداوات والرعب والهجمات الإرهابیة فی العدید من بلدان العالم، وستُؤسس حضارة جدیدة تستند على الحب والاحترام وعلى تلک "الکلمة السواء".


"سینتهی الشر فی العالم عندما یتحد المسلمون والمسیحیون والیهود ویتفقون على الإیمان بالله والتسامح".


"یجب أن یتحد المؤمنون ویصلی کل منهم للآخر"


"تلى السید / موزامیل سیدیکوی، رئیس الطائفة المسلمة فی أمریکا الشمالیة، آیات من
القرآن الکریم فی کاتدرائیة واشنطن الوطنیة فی ذکری أحداث 11 سبتمبر.


"صلى الرئیس بوش إلى جانب إمام المسلمین فی الکاتدرائیة الوطنیة خلال مراسم التأبین"

"زیارة بوش للمرکز الإسلامی فی واشنطن"
"بعد هجمات 11 سبتمبر، صلى کثیر من الناس من أجناس ودیانات مختلفة تعاطفا وتضامنا مع الضحایا"

هناک العدید من الحقائق المهمة لدى المسلمین والتی لا یمکن التغافل عنها. وما یأمرنا به الله  تعالى تجاه الناس الآخرین ذوی المذاهب المختلفة واضح فی القرآن الکریم:

  1. تحرم تعالیم القرآن کل أنواع العرقیة .

  2. وقد أمرنا الله فی القرآن بأن نظهر الود والتسامح تجاه أصحاب الأدیان الأخرى طالما أنهم لا یهاجمون الإسلام والمسلمین.

"مظاهر الاحترام: البابا فی زیارة لحائط المبکى فی القدس، مفوض الاتحاد الأوربی و رومانو برودی یلقی خطابا فی المرکز الإسلامی فی بروکسل"

من المعروف أن الیهود قد ارتکبوا العدید من الأخطاء التی أشار إلیها القرآن الکریم وانتقدها ونهی عنها. وقد ارتکبت إسرائیل جرائم مروعة ضد الإنسانیة فی وقتنا الحاضر یعرفها العالم کله، ولکن لا یجب أن یکون هذا ذریعة للمسلمین لکراهیة جمیع الیهود. وهناک أیضا آیات فی القرآن الکریم تمنعنا من أن نحکم على الناس طبقا للجنس أو البلد أو الدین. ففی کل جماعة یوجد الخیرون والأشرار. ویلفت القرآن الانتباه إلى هذا الاختلاف. وعلى سبیل المثال، میز القرآن الکریم بین فریقین من أهل الکتاب فقال فی الفریق من أهل الحق:
 "  لَیْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْکِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ یَتْلُونَ آیَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّیْلِ وَهُمْ یَسْجُدُونَ * یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ وَأُوْلَـئِکَ مِنَ الصَّالِحِینَ * وَمَا یَفْعَلُواْ مِنْ خَیْرٍ فَلَن یُکْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِیمٌ بِالْمُتَّقِینَ" (آل عمران : 113-115)                                                          

وفی آیة أخرى قال تعالى : "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلالَةُ فَسِیرُواْ فِی الأَرْضِ فَانظُرُواْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ"  (النحل : 36) 

أوحى الله إلى رسله أنه هو الواحد لا شریک له وهو سبحانه المعبود المطاع من قبل عباده. تلک الرسالة المقدسة التی أرسلها الله للناس من خلال رسله، بلغت لهم منذ الخلق الأول. بعض المجتمعات تقبلت الرسالة ووالتزمت بها والبعض الآخر أنکرها وقام لها بالمرصاد. ونحن نرى هذه الحقیقة فی وقتنا الحاضر أیضا، فبعض الناس یسلکون الطریق المستقیم والبعض الآخر ینغمسون فی الشرور. وهذه إرادة الله تعالى. وعلى المؤمنین أن یعتقدوا بأن من بین معتنقی الأدیان الأخرى بعض المخلصین الذین یخافون الله تعالى.


 وأملنا أن تعیش شعوب العالم معا فی سلام، دون النظر للجنس أو الدین، وأن ننبذ کل أنواع التعصب والتفرقة ونحترم حقوق کل الناس ونعمل على حمایتها، فینحصر الصراع  ضد کل ما هو معاد للدین والإیمان. یقول الله تعالى فی القرآن الکریم:  

"فَلَوْلاَ کَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِکُمْ أُوْلُواْ بَقِیَّةٍ یَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِی الأَرْضِ إِلاَّ قَلِیلاً مِّمَّنْ أَنجَیْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِینَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِیهِ وَکَانُواْ مُجْرِمِینَ" (هود : 116)

 

"مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ"
(النمل : 89)

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد