الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الدّجاج البرّیّ وحمله الماء لسقی کتاکیته

الدّجاج البرّیّ وحمله الماء لسقی کتاکیته

إن الانسجام بین المظهر الخارجی والبیئة التی یعیش فیها الکائن الحیّ أمر مطردٌ فی کلّ الأحیاء. ومثال آخر لهذا الانسجام هو الدّجاج البری. فهذا الطّیر لا یملک مکانا معیّنا یستقر فیه. وعند اقتراب موسم التّبییض یضع هذا الطّائر ثلاث بیضات فی مکان منعزل وسط الرّمال. وعند خروج الفراخ من البیض یبدؤون على الفور فی البحث عن الغذاء الذی یتألّف من البذور النّباتیة ,بید أنّه لیس لدیهم القدرة للبحث عن الماء نتیجة لأنّهم لا یستطیعون الطّیران بعد. ومسؤولیة جلب الماء تقع على الذّکر. و بعض أنواع الطّیور یجلب الماء لصغاره فی منقاره, إلاّ أنّ ذکر الدّجاج البرّی یضطرّ إلى جلب الماء من مسافة بعیدة لذلک فهو یحتاج إلى شیء من هذا الماء لإرواء عطشه نتیجة هذه الرّحلة الطویلة و الشّاقة. ولهذا الطّیر طریقة خاصّة وغریبة لحمل الماء تتمثّل فی أنّ الرّیش الذی یغطّی صدر الطّائر وبطنه متمیّزا بطبقة لیفیّة من الدّاخل. وعندما یصل الطّیر إلى مصدر الماء فإنّ أوّل ما یفعله هو التّمسّح بالرّمل بأسفل جسمه للتخلّص من الملمس الدّهنی للرّیش والذی یمنع التّبلّل, ثمّ یقترب من ضفّة الماء و یبدأ بإرواء عطشه أوّلا ثمّ یلج فی الماء رافعا جناحیه وذنبه ومحرّکا جسمه للأمام والخلف لتبلیل ریشه بأکبر کمیّة ممکنة من الماء, و تمثّل الطّبقیة اللّیفیّة للرّیش إسفنجاً یعمل على امتصاص للماء. ویکون الماء المحمول بواسطة الریش بعیدا عن تأثیر التبخّر ومع هذا یتبخّر جزء منه فی حالة القیام برحلة أطول من 25 میلا. وفی النهایة یصل الطیر إلى فراخه الذین مازالوا یبحثون لهم عن طعام. وعند رؤیتهم لأبیهم یسرعون نحوه، وعندئذ یرفع الذّکر جسمه إلى الأعلى ویبدأ الفراخ بمصّ الماء الموجود فی الرّیش فی وضعیّة أشبه برضاعة اللّبائن لصغارها. وبعد انتهاء عملیّة سقی الصّغار یمسح الذّکر جسمه فی الرّمل لتجفیف الرّیش. ویستمر الذکر فی إرواء الصّغار طیلة شهرین حتى ینهی الصّغار عملیة إسقاط الزّغب وتغییره مرّتین و تصبح لهم القدرة على الاعتماد على أنفسهم فی إرواء عطشهم (102).

إنّ هذا السّلوک الغریب للدّجاج البّری یثیر فی أذهاننا تساؤلات عدیدة، فإنّ هذا الطیر یعرف جیّدا کیفیّة الاستفادة من خواصّ مظهره الخارجی ومدى ملائمتها لظروف البیئة التی یعیش فیها, هو یفعل ذلک لأنّ مصدر سلوکه العجیب هو الإلهام الإلهیّ الذی منحه القدرة على التّصرف وفق البیئة التی یعیش فیها.

المسافة الطّویلة التی یقطعها طائر الغواکارو لجلب الغذاء لصغاره

المسافة الطّویلة التی یقطعها طائر الغواکارو لجلب الغذاء لصغاره

هذا النّوع من الطّیور یبنی عشّه فی مکان مرتفع عن سطح الأرض بمقدار 20 مترا. وفی کلّ لیلة یخرج لجلب الفواکه اللاّزمة لتغذیة الصّغار بمقدار خمس إلى ستّ مرات، وعند عثوره على الفاکهة المناسبة یسحب خلاصتها اللّینة ثمّ یعدّها لتصبح غذاء لذیذا للفراخ. وتخرج أسرابٌ من هذا النّوع کلّ لیلة للبحث عن الغذاء, وتقطع مسافاتٍ طویلةً تربو على 25 کیلومترا. وهناک أنواع من الحیوانات مثلها مثل طائر الغواکارو تهیّئ الغذاء قبل تقدیمه إلى الصّغار, فطائر مثل البلیکان یقوم بإعداد ما یشبه الحساء, أمّا طائر عقرب الدقائق yelkovan فتقوم أنثاه بخلط البلانکتون مع الأسماک الصّغیرة لإعداد غذاء دسم للصّغار، أمّا الحمام فیفرز من بلعومه سائلا یعرف بـ"حلیب الحمام" و یکون غنیّا بالبروتین والدّهن, ویختلف عن حلیب اللّبائن فی أنّه یفرز من قبل الذّکر والأنثى على حدّ سواء.وهناک طیور تعد لصغارها غذاءا مشابها للحلیب (100).

وتکون الفراخ الصّغیرة فی أمسّ الحاجة إلى رعایة الأبوین، والشّیء الوحید الذی تفعله أنّها تفتح أفواهها و تنتظر ما یجلبه لها الأبوان من غذاء. ویسلک مثل هذا السّلوک صغارُ طائر النّورس الذی یتغذّى على سمک الرّینکا, فالصّغار یرکّزون أفواههم فی النّقطة الحمراء الموجودة فی منقار الأمّ. أمّا فرخ طائر عَرعَر ard?ç فعندما یشعر بحرکة تنمّ عن قدوم أحد الأبوین إلى العشّ یمدّ عنقه بسرعة إلى الأعلى انتظارا للغذاء بالرّغم من أنّ عیونها لم تنفتح بعد. و یکون الصّغار فی هذه المرحلة متمیزین بهالة لمّاعة صفراء اللّون حول المنقار کأنّما تشیر إلى مکان وضع الغذاء. ویکون حیّز المنقار على درجة کبیرة من الحساسیّة تساعده على فتحه بعد أن یغلقه, و هذا اللّون المختلف لمناقیر صغار الطّیور وحساسیتها له أهمیّة بالغة فی عملیّة تغذیة الکبار لهؤلاء الصّغار خصوصا لدى الطّیور التی تبنی أعشاشها داخل حفر مظلمة.

ومثال آخر فی طیر کولیدیان اسبینوزا الذی یبنی عشّه داخل شقوق مظلمة. ففرخ هذا الطّائر یتمیّز بکون منقاره یحتوی من الخارج ومن کلا الجهتین على نتوءین بارزین بلون أزرق و أخضر یلمعان مع أوّل ضوء یدخل العشّ, ویصبحان بذلک مصدرا للضّوء داخل العش المظلم . وهذا اللّون المختلف لا یعتبر دلیلا للأم للاهتداء إلى صغارها داخل العش فقط و إنّما یحمل معانی أخرى. فالاختلاف فی درجة اللّون یجعل الأمّ تمیز بین من تغذّى توّا ومن مازال جائعا لم یتغذّ بعد. فطائر الـ kenevir یکون ما حول منقار صغیره الجائع أحمر اللّون نتیجة تدفّق الدّم للأوعیة الدّمویة الموجودة فی العنق, أمّا إذا تغذّى الفرخ فإنّ معدته تحتاج إلى کمیّة أکبر من الدّم تسهّل عملیّة الهضم. لذا فالفرخ الجائع هو الذی یکون احمرار ما حول منقاره بدرجة أکبر. وبهذه الطّریقة یمیّز الأبوان بین الفراخ الجائعة و غیر الجائعة (101).

إنّ هذا الانسجام الکامل بین المظهر الخارجی للطّیر والأنماط السّلوکیة التی یمارسها دلیل واضح على وجود خالق واحد للطبیعة والکائنات الحیة التی تعیش فیها بل خالق واحد لکل شیء. والصّدفة لا تستطیع أن تخلق هذا الانسجام والتکامل الرائعین.

الطّائر الغواصّ والرّیش الذی یقدّمه طعاما لصغیره

الطّائر الغواصّ والرّیش الذی یقدّمه طعاما لصغیره

یعتبر هذا الطّائر بمثابة عشٍّ متحرّک لصغاره إذ یمتطی الصّغار أباهم أو أمَّهم ثمّ یفرش هذا الطّائر جناحیه قلیلا لئلاّ یقع الصّغار فی الماء، وعندما یحین الإطعام یلوی الطیر رأسه إلى الخلف ویبدأ فی إطعام صغاره من منقاره الملیء بالغذاء, إلاّ أنّ أوّل الغیث لا یکون طعاما بمعنى الطّعام لأنّ الذّکر أو الأنثى یطعمون صغارهم بالرّیش الذی جمعوه من الماء أو الذی نتفوه من صدورهم. ویبلع کلّ فرخ کمّا لا بأس به من الرّیش. ولکن لماذا یطعم الطّیر صغیره هذا الریش؟ إنّ هذا الرّیش الذی یتناوله الصّغار لا یهضم فی معدتهم و إنّما یتراکم فیها وقسم منها یتکلّس فی الفتحة المؤدّیة إلى الأمعاء، وهذا التّراکم یمنع من الأذى المصاحب لتناول الأسماک التی قد تؤذی بَطانة المعدة والأمعاء بعظامها. وتستمر الطّیور فی تناول الرّیش طیلة فترة حیاتها، وبلا شک فإنّ أوّل وجبة من الرّیش یتمّ إطعامها للصّغار لها أهمّیتها القصوى (97).

و کما هو معروف فإنّ بعض أنواع الطّیور یطعم صغاره السّمک, فیغوص الطّیر تحت الماء و یصید السّمک من ذیله بحرکة سریعة بارعة. وهناک سبب مهمّ یجعل الطّیر یصید السّمک من ذیله فالتقاطه بهذا الشّکل ییسّر على الفرخ الصّغیر التقامه و أکله لأنّه یکون مقدّما باتجاه ترتیب العظام, أی أنّ التقامه لا یسبّب أیّ خدش أو غصّ فی بلعوم الفرخ, وبالتّالی یتمّ التقامه وهضمه بسهولة. ثمّ إنّ الطّریقة التی یصید بها الطّیر السّمکة تکشف کون الصّید له أو لأولاده, فإن کان المسک من الذّیل فالطّعام للفرخ الصّغیر وإن کان من أی جزء آخر من السّمکة فهذا یعنی أنّها طعام للبالغین و الکبار (98).

تغـذیـة الصّـغار

تغـذیـة الصّـغار

یحتاج الصّغار إلى تغذیة من قبل الأبوین بقدر حاجتهم إلى الحمایة من خطر الأعداء و یجتهد الأبوان فی صید ما یقتاتون به أکثر من أی وقت آخر وذلک لتوفیر حاجة الصّغار من الغذاء وهما فی الوقت نفسه على أهبة الاستعداد لدرء خطر الأعداء المتربّصین, فعلى سبیل المثال یقوم ذکر الطّیر والأنثى بتغذیة فراخهما بمعدل 4-12 مرة فی السّاعة یومیا، وعندما یکون لدیهم أکثر من فرخ ینبغی علیهم أن یخرجوا من عشّهم مئات المرّات یومیا لجلب الغذاء الکافی لأفراد العائلة، وخیر مثال على ذلک الطّائر ذو الرأس الأسود"ba?tankara" الذی یخرج ویعود إلى عشّه بمعدل 900 مرّة یومیا جالبا فی منقاره الحشرات اللاّزمة لتغذیة فراخه (93).

وعملیة التّغذیة لدى اللّبائن تختلف نوعا ما لأنّ مسؤولیّة تغذیة الصّغار تخصّ الإناث لذلک فهی تحتاج تغذیة أکثر من الأیام العادیة لتوفیر اللّبن الذی هو مصدر الطّاقة الوحید للصّغار، فعلى سبیل المثال نجد "الفقمة" التی ترضع صغیرها بعد الولادة من 10-18 یوما ویزداد وزن الرّضیع فی تلک الفترة، أمّا الأمّ فتتناول غذاء إضافیّا لتوفیر اللّبن للرّضیع, ومع ذلک فإنّ وزنها یقلّ نسبیّا بالرّغم من هذه التّغذیة الإضافیة (94).و بصورة عامة یکون الذّکور والإناث فی حالة صرف للطاقة أکثر بثلاثة أو أربعة أضعاف فی المرحلة الأولى التی یکون لدیهم رضیع منها فی المرحلة العادیة (95). والأبحاث التی أجریت فی جامعة لوزان تم التّوصل من خلالها إلى ما ینفقه الذّکور والإناث لدى الطیور من طاقة وجهد عندما یکون لدیها فراخ محتاجة إلى الرّعایة والتغذیة. فقد أجرى أستاذ علم الأحیاء فی هذه الجامعة ویدعى "هاینز ریخفر" وتلامذته تجارب عدیدة على طیر ba?tankara وتوصّلوا من خلالها إلى المسؤولیة الجسیمة التی یتحمّلها ذکر هذا الطّیر. فقد قام هذا الأستاذ بتغییر عدد الفراخ فی الأعشاش المختلفة و تمّ قیاس المجهود الذی یبذله کل ذکر على حدة وتوصّل إلى نتیجة مفادها أنّ الذّکر الذی یملک عددا أکبر من الفراخ یبذل جهدا مضاعفا, ولهذا فإنّه یموت مبکرا. ونسبة التّعرض للأمراض الطفیلیة لدى الذّکور کثیرة الفراخ تقدر بـ 76% أمّا الذّکور العادیة والتی لها عدد أقلّ من الفراخ فتقدر بـ 36% (96). هذه المعلومات توضّح لنا مدى التّفانی والتّضحیة التی یبذلها الطّیر فی تنشئة صغاره.

کل شیء من أجل الصغار

کل شیء من أجل الصغار

غالبا ما یکون الصّغار محتاجین إلى الرّعایة والاهتمام وهم یخطون خطواتهم الأولى فی الحیاة, وعموما یکون الصّغار إمّا عمیاناً أو عراةً أو لا یملکون مهاراتٍ کافیةً فی الصّید, لذا وجب الاعتناء بهم وتوفیر الرّعایة لهم من قبل الأبوین أو القطیع إلى حین النّضوج وإلاّ فإنّهم قد یهلکوا نتیجة الجوع والبرد. ولکنّ العنایة الإلهیة قضت بأن یعتنی الکبار بالصّغار فی صور رائعة من الفداء والتّضحیة .

تُصبح الکائنات الحیّة خطیرة وحسّاسة جدّا فی حالة تعرّض صغارها لأیّ خطر، و ردّ فعل هذه الکائنات الحیة عند شعورها بخطر هو الفرار إلى أماکن آمنة, و إذا تعذّر علیها النّأی بنفسها عن الخطر تُصبح هذه الکائنات متوحّشة و حادّة تجاه الخطر حفاظا على حیاة الصّغار بشکل أساسیّ, فالطّیور والخفافیش (الوطاویط) على سبیل المثال لا تتوانـى فی مهاجمة الباحثین یأخذون صغارها من الأعشاش لغرض البحث والدّراسة (79), و کذلک الحمیر الوحشیة أو الزیبرا التی تعیش على شکل مجامیع. و عندما یتهدّد الخطر حیوانات مثل ابن آوى تقوم الجموعة بتوزیع الأدوار فیما بینها لحمایة الصّغار والذّود عنهم بکل شجاعة و إقدام. و تحمی الزّرافة صغیرها تحت بطنها وتهاجم الخطر بساقیها الأمامیّتین أمّا الوعول والظباء فتتمیّز بحساسیّة مفرطة وتهرب عند إحساسها بالخطر, و إذا کان هناک صغیر ینبغی الذّود عنه فلا تتردّد فی الهجوم مستخدمة أظلافها الحادّة.

أمّا اللّبائن الأصغر حجما والأضعف جسمًا فتقوم بإخفاء صغارها فی مکان آمن و عندما تحُاصر تصبح متوحشّةً ومتوثبّة فی وجه العدو الذی یجابهها. فالأرنب على سبیل المثال مع فرط حساسیّتة و ضعفه یتحمّل المشقّة و الصّعاب من أجل حمایة صغاره, فهو یسرع إلى عشّه أو وکره ویعمد إلى رکل عدوّه بأرجله الخلفیّة، و یکون هذا السّلوک أحیانا کافیا لإبعاد الحیوانات المفترسة (80). وتتمیّز الغزلان بکونها تعمد إلى الجری وراء صغارها عند اقتراب الخطر منها, فالحیوانات المفترسة غالبا ما تهاجم من الخلف لذلک فإن الغزال الأمّ تکون بذلک أقرب ما یکون من صغارها وتبعدهم عن مواطن الخطر, وفی حالة اقتراب الخطر تجتهد فی صرف نظر الحیوان المفترس بهدف حمایة صغیرها (81).

وهناک بعض اللّبائن تستخدم ألوان أجسامها للتّمویه وسیلة لدرء الخطر إلاّ أنّ صغارها تحتاج إلى توجیه وتدریب على وسیلة الاختفاء هذه، ومثال على ذلک حیوان الیحمور حیث تقوم الأنثى بالاستفادة من لون صغیرها فی خطّة للتنکّر بهدف الإفلات من الأعداء, فهی تخفی صغیرها بین شجیرات وتجعله ساکنا لا یتحرک، ویکون جلد الصّغیر بنّی اللّون مغطًّى ببقع بیضاء, وهذه التّرکیبة اللّونیة مع أشعّة الشّمس المنعکسة تکون خیر وسیلة للانسجام مع لون الشّجیرات التی تحیط به. و هذه الطریقة فی التخفّی تکون کافیةً لخداع الحیوانات المفترسة التی تمرّ بالقرب منه، أمّا الأمّ فتبقى على بعد مسافةٍ قصیرةٍ تراقب ما یحدث دون أن تثیر انتباه الأعداء، غیر أنّها تقترب أحیانًا من صغیرها لکی ترضعه. وقبل ذهابها إلى الصیّد تجبر صغیرها على الجلوس بواسطة منخرها، ویکون الصّغیر عادة متیقظا و حذرًا, و عندما یسمع صوتا غیر عادیّ سرعان ما یعود إلى الجلوس و الاختفاء خوفا من أن یکون مصدر خطرٍ بالنّسبة إلیه. و یظلّ الولید على هذا الشّکل حتّى یصبح قادرًا على الوقوف على قدمیه والتّنقّل مع أمّه (82).

و ثمّة حیوانات تُظهر ردّ فعلٍ عنیف تجاه العدوّ المرتقب بل وتوجیه ضرباتٍ بهدف تخویفه و إبعاده مثل البوم وبعض أنواع الطّیور التی تسلک سلوکا استعراضیّا یتمثّل فی مدّ جناحیه فیبدو أکبر من حجمه الطّبیعی. وهناک طیور تقلّد فحیح الأفاعی لإرهاب الأعداء مثل طائر ذو الرأس الأسود mari ba?tankara الذی یصدر أصواتا صاخبة ویرفرف بجناحیه داخل عشّه, ویبدوا الأمر مخیفا داخل العشّ المظلم وسرعان ما یلوذ العدوّ بالفرار أمام هذه الضّوضاء والحرکة (83).

والظّاهرة الملحوظة لدى الطّیور التی تعیش على شکل تجمّعات هی العنایة التی یولیها الکبار للصّغار وحرصهم على حمایتها وخصوصا من خطر طیور "النّورس" إذ ینطلق فرد أو اثنان بالغان و یحومان حول مکان تجمّع الأسراب لترهیب النّوارس وإبعادها عن الصّغار. و مهمّة الحمایة هذه یتمّ تنفیذها بالتّناوب بین الطّیور البالغة و کلّ من ینهی مهمّته یذهب إلى مکان آخر بعید تتوفّر فیه المیاه للصّید والتّغذیة وجمع الطّاقة للعودة مرّة أخرى (84).

و تتمیّز الوُعول بروح التّضحیة من أجل صغارها خصوصا عندما تشعر بخطر یداهم صغیرها، فهی تقوم بحرکة غایة فی الغرابة إذ تلقی بنفسها أمام هذا الحیوان المفترس لتلهیه عن افتراس ولدها الصغیر. وهذا الأسلوب یمکن ملاحظته فی سلوک العدید من الحیوانات مثل أنثى النّمر التی تجتهد فی القیام بما فی وسعها حتّى تصرف انتباه الأعداء المتربّصین بصغارها. أمّا الرّاکون فأوّل ما یفعله عند إحساسه بالخطر الدّاهم هو أن یأخذ صغاره إلى قمّة أقرب شجرة ثمّ یسرع نازلا إلى الحیوانات المفترسة ویکون وجها لوجه معها, ومن ثمّ یبدأ بالفرار إلى ناحیة بعیدة عن مکان الصّغار ویستمر فی الابتعاد حتّى یطمئنّ إلى زوال الخطر و عندئذ یتسلل خلسةً عائداً إلى صغاره. وهذه المحاولات لا یُکتب لها النّجاح دائماً لأنّ الصّغار قد ینجون من خطر المفترسین إلاّ أنّ الأبوین قد یتعرّضان للموت و الهلاک (85).

وهناک طیور تقوم بتمثیل دور الجریح لصرف نظر العدوّ المفترس عن الفراخ الصّغیرة، فعند إحساس الأنثى باقتراب الحیوان المفترس تتسلّل بهدوء من العشّ ولماّ تصل إلى مکان وجود العدوّ تبدأ فی التخبّط و ضرب أحد جناحیها على الأرض و إصدار أصوات ملیئة بالاستغاثة وطلب النّجدة, بید أنّ هذه الأنثى تأخذ حذرها اللاّزم فهی تمثّل هذا الدّور على بعد مسافة ما من الحیوان المفترس, و یتوهّم أنّ الأنثى المستغیثة تعتبر غنیمة سهلةً ولکنّه بذهابه فی اتجاهها یکون قد ابتعد عن مکان وجود الفراخ الصّغار, ثمّ تنهی الأنثى تمثیلها وتهبّ طائرة مبتعدة عن الحیوان المفترس. إنّ هذا المشهد التّمثیلی یتمّ أداؤه بمهارة مقنعة للغایة، و کثیرًا ما تنطلی هذه الحیلة على القطط والکلاب والأفاعی وحتى على بعض أنواع الطّیور. أمّا الطّیور التی تبنی أعشاشها مع مستوى سطح الأرض فیُعتبرُ التمثیل أداة فعّالةً و ناجعةً فی حمایةِ فراخها من الأعداء المفترسین، فالبطّ على سبیل المثال یقوم بتمثیلیّة العاجز عن الطّیران من على الماء عند إحساسه بقدوم الحیوانات الخطرة, ویظلّ هکذا یضرب بجناحیه على سطح الماء مع إحتفاضه بمسافة أمان بینه وبین الحیوان المتربّص به، وعندما یطمئنّ بأنّ الحیوان المفترس قد ابتعد عن عشّ الفراخ یقطع مشهده التّمثیلیّ و یعود إلى عشّه. هذا السّیناریو الذی یتمّ تمثیله من قبل بعض أنواع الطّیور لم یجد التّفسیر الکافی و المقنع من قبل علماء الأحیاء (86).

هل باستطاعة الطّیر أن یعدّ مثل هذا السّیناریو؟ لاشکّ, ینبغی أن یکون على درجة عالیة من الذّکاء والنّباهة. إنّ هذا السّلوک قبل یقتضی وجود صفات مثل الذکاء و التّقلید و القابلیّة فضلا عن الشّجاعة المثیرة للإعجاب عندما یتصّدى للحیوان المفترس دفاعا عن الصغار, فهو یجعل من نفسه صیدًا مطارداً بدون أیّ تردّد أو خوف. والغریب فی الأمر أنّ هذه الطّیور لا تتعلّم هذا السّلوک من غیرها من الحیوانات (87) لأنّ هذا یتّسم بکونه مکتسبا بالولادة. والأمثلة التی أوردناها فی هذا العرض السّریع ما هی إلاّ غیض من فیض فی عالم الإحیاء لأنّ ملایین الأنواع من الکائنات الحیّة تختلف من حیث أسالیب الدّفاع عن النّفس وطرق الحمایة, ولکنّ النّتیجة المتأتّیة من هذه الأسالیب هی مبعث الغرابة فی هذا المجال, لأنّه یصعب أن نفرض أنّ الطّیر یضحّی بنفسه من أجل صغیره من منطلق سلوک عاقل منطقی. ویجب أن لا ننسى أنّنا هنا بصدد الحدیث عن مخلوقات غیر عاقلة ولا یمکن أن یتّصف تفکیرها غیر الموجود أصلا بالرّحمة والمودّة والرّأفة, والتّعلیق الوحید الوارد فی تفسیر هذه الأنماط السّلوکیة یتخلص فی کون الله سبحانه وتعالى هو الذی ألهم الکائنات الحیّة سلوکا ملؤه الرّحمة والتّضحیة لیضرب لنا الأمثال برحمته التی وسعت کل شیء.

الحشرات أیضا تحمی صغارها من المهالک

یعتبر عالم الأحیاء السّویدی "أدولف مودر" أوّل من اکتشف رعایة الأبوین للصّغار فی عالم الحشرات وذلک سنة1764 عندما کان یجری أبحاثه على حشرة "المدرع الأوروبی" فوجد أنّ الأنثى تجلس على بیضها دون أکل أو شرب وتصبح هذه الأنثى مقاتلة شرسة عندما یقترب الخطر من بیضها (88). وکان العلماء والباحثون فی تلک الفترة أو ما قبلها لا یقبلون فکرة رعایة الحشرات لصغارها، وسببُ ذلک یورده لنا البروفسور دوغلاس.و.تللانی " من جامعة دیلاور والذی یعمل أستاذا فی علم الحشرات ویؤمن بنظریة التطور کالآتی :

تجابه الحشرات مخاطر عدیدة أثناء دفاعها عن صغارها ویتساءل العلماء فی مجال الحشرات عن السرّ فی عدم انقراض هذه الخصلة (خصلة الدفاع والحمایة) أثناء عملیة التّطور، لأنّ وضع البیض بأعداد کبیرة أفضل استراتیجیاّ من اتباع وسیلة الدّفاع المحفوفة بالمخاطر و المهاک (89).

ویعلّق دوغلاسن.و.تللانی أحد دعاة التّطور على هذا التّساؤل المحیّر و یرى أنّه یجب أن تنقرض هذه المیزة حسب فرضیّات نظریة التّطور, ولکنّ الموجود والملاحظ فی الطّبیعة أنّها لا تزال موجودة و بصور عدیدة سواء فی عالم الحشرات أو غیرها ولیس دفاعا عن الصّغار فحسب بل عن الکبار أیضا. ونورد أیضا المثال الآتی عن التّضحیة فی سبیل الأحیاء الصغیرة وهو متعلّق بسلوک حشرة الدانتیلا التی تعیش فی المناطق الجنوبیّة الغربیّة من أمریکا وتتّخذ من بعض النّباتات وخاصة at?s?rgan مسکنا لها، وأنثى هذه الحشرة تسهر على حمایة بیضها والیرقات التی تخرج منها وتضحّی بنفسها فی سبیل ذلک. وألدّ أعداء هذه الیرقات هی حشرة "k?z" والتی تتمیّز بمقدمة فمها الشبیه بالمنقار ویکون صلبا وحادّا. وتلتقم هذه الحشرة الیرقات فی لقمة سائغة, ولا تملک حشرة "الدانتیلا" أیّ سلاح فعّال تجاه أعدائها سوى الضّرب بجناحیها وامتطاء ظهور خصومها لإزعاجهم وإبعادهم. وفی تلک الأثناء تنتهز الیرقات فرصة انشغال الأعداء بالصّراع مع الأمّ للهرب باقتفاء العرق الرئیسی للورقة النّباتیة التی یعیشون علیه و یتّخذون هذا العرق طریقا رئیسیّا للانتقال إلى ورقة أخرى طریّة وملتویة للاختفاء داخلها. و إذا استطاعت الأنثى أن تنجو بحیاتها فإنّها تتّبع طریق صغارها إلى الورقة التی اختفوا داخلها وتتولّى حراستهم ورعایتهم فی غصن تلک الورقة قاطعة الطّریق أمام الأعداء الذین قد یکونون تتبّعوها إلى تلک الورقة. وأحیانا تنجح هذه الحشرة فی طرد حشرات "k?z" ثمّ تمنع یرقاتها من الذّهاب إلى أیّة ورقة طریة أخرى اعتباطا وإنما تختار هی بنفسها الورقة الأکثر أمنا و اتخاذها ملجأ لهم. وغالبا ما تموت هذه الحشرات عند الدّفاع عن یرقاتها ولکنّها توفّر لهذه الیرقات امکانیة الهرب والاختفاء عن نظر الأعداء (90).

"العنکبوت الذئب" وحمله صغاره داخل کیس حریری

"العنکبوت الذئب" وحمله صغاره داخل کیس حریری

إنّ أنثى العنکبوت تقوم بوضع بیضها داخل شرنقة حریریّة على شکل کرة أو على شکل قرص, وتقوم بفرز هذه الشّرنقة لتکوین ملجئ آمن لبیضها فتقوم بلصق هذه الشّرنقة بمؤخرة بطنها وتظل هکذا أینما ذهبت و إذا حدث أن انفصلت عن جسمها تعود وتلصقها مرة أخرى. و عندما یفقّس هذا البیض عن عناکب صغیرة تظل داخل الشرنقة حتى أوان انشقاقها ثم تخرج إلى ظهر أمّها وتظل تحملهم أثناء حلّها و ترحالها. و بعض أنواع هذا الجنس من العنکبوت تکون أعداد صغاره کثیرة جدّا حتى أنّهم یشکّلون عبارة عن طبقة فوق طبقة على ظهر الأم, و هذه العناکب الصغیرة لا تتغذى فی هذه المرحلة.

وهناک نوع آخر یدعى بـ"عنکبوت الذئب المعجزة" و تقوم أنثى هذا العنکبوت عند حلول موسم فقس البیض فی شهر حزیران أو تموز بفصل الشّرنقة الحاویة على البیض ونسج مظلّة علیها ثمّ تکمن إلى جانبها تحرسها, وفی تلک الأثناء یکون البیض قد فقّس عن عناکب صغیرة غیر مکتملة النّمو وتبقى داخل المظلة, و عند اکتمال نموّها تخرج منها متفرّقة إلى نواحی شتّى (73).

لاشک أنّ هذا السّلوک المتّسم بالإخلاص والرّعایة والرأفة والصبر یثیر فی أذهاننا تساؤلات عدیدة.

اهتمام الحشرات بالبیض

إنّ المصاعب التی تواجه بعض أنواع الحشرات التی تعیش على سطح المیاه تعتبر معها الحیاة شبه مستحیلة لأن بیضها على درجة کبیرة من الضّعف تجاه التّیبّس, و إذا ترک على سطح الماء فإنّه سیتعرّض لهذا الخطر, أمّا إذا وضع تحت سطح الماء فإنّ الأجنة التی بداخلها سوف تهلک لانعدام الأکسیجین, لذا تتولى ذکورها عملیة تهوئة البیوت الموضوعة على سطح الماء و ترتیبها. وهناک حشرة مائیّة عملاقة تدعى ثوسیروس. تقوم أنثى هذه الحشرة بوضع البیض على غصن طاف على الماء وأمّا الذّکر فیغطس فی الماء ویخرج منه واثبا من فوق هذا الغصن کی تتساقط من جسمه قطیرات الماء على هذا البیض لترطیبه و حمایته من خطر باقی الحشرات. أمّا حشرة بیلوستوما العملاقة -وغالبا ما یمکن رؤیتها فی أحواض السّباحة- فتقوم الأنثى بلصق البیض على ظهر ذکر الحشرة و یتحتّم علیه السّباحة فی الماء لترطیبه وتهوئته، ویظلّ لعدة ساعات یحرّک أطرافه الخلفیّة والأمامیّة للأمام والخلف أو یظلّ ملتصقا بغصن طاف لترطیب وتهوئة هذا البیض.

أما الحشرات ذات الأجنحة الغمدیة وخصوصا من نوع "بلیدیوس" والبریّة من نوع " بمبیدیون" والتی تکثر فی المستنقعات من نوع " هتروسیروس" فتتمیّز بخاصیّة غریبة جدّا فی المحافظة على البیض من تأثیر المیاه التی تغمرها, فتقوم بسدّ فتحة شرانق البیض الضیقة عندما تغمرها المیاه و تفتح هذه الفتحة عند انحسار الماء عنها (75).

إنّ استخدام الحشرات لهذه الطّرق المتقدمة فی الحفاظ على سلامة البیض تنّم عن سلوک منطقی مستند إلى عقل مدبّر ممّا یقودنا إلى حقیقة الخلق مرة أخرى.

اهتمام النحل البری بصغاره الذین لن یراهم أبدا

هناک نوع من النّحل البرّی یدعى بـ"الحفّار" لأنّه یحفر فی الأرض حفرة خاصة بیرقته وتکون هذه الحفرة منحنیة بعض الشیء. وعملیّة الحفر بالنّسبة إلى هذه الحشرة غایة فی الصّعوبة, فهی تأخذ حفنة بفمها و تدفعها بأطرافها الأمامیّة للتخلص منها. وهناک خاصیة أخرى لهذا النّوع من النّحل وهی اتقانه للتّمویه فهو لا یترک أثرا أبدا على عملیة الحفر, ویتمثّل هذا التّمویه فی التقامه لکتل التّراب التی أزالها عند الحفر ویجعلها تحت فکه وینقلها جزءا جزءا إلى مکان بعید و یضع هذه الأجزاء مبعثرة منتشرة لا تجلب الانتباه. وعندما ینتهی الحفر و یصبح هناک مکان متّسع لحجم النّحلة تبدأ الأنثى بتکوین ملحق خاصّ لهذه الحفرة یکفی لاحتواء البیضة و مخزونها الغذائی. وعندما تنتهی من ذلک تقوم بسدّ هذه الحفرة مؤقتا وتبدأ رحلة طیران من أجل البحث عن الغذاء .

تتخصص أنواع هذا النحل فی اصطیاد أنواع من الحشرات مثل الجراد والیرقات والحشرات الطّنّانة, وطریقة اصطیاد هذا النّحل لفریسته مختلفة عن المعتاد لأنه عند اصطیاده للفریسة لا یقتلها بل یعمل تخدیرها بواسطة إبرته اللاّسعة ثم یحملها إلى ملجئه الآمن، وعند وصوله إلیه یضع بیتضه الوحیدة على هذه الفریسة المخدّرة التی تظل طازجة و هی تکفی مادّةً غذائیّةً للیرقة التی ستخرج من البیضة الوحیدة. وبعد أن توفّر الأمّ المکان والغذاء لصغیرها یکون من اللاّزم توفیر الحمایة له, فتجتهد فی سدّ مدخل الحفرة بالتّراب والحصى بکل إتقان و عنایة ثمّ تتناول قطعة حجر بفکها وتستخدمها بمثابة مطرقة لتسویة مدخل الحفرة، وفی النّهایة تقوم بتهذیب التّراب فی المدخل بواسطة سیقانها المشوّکة کی تکتمل عملیة التمویه. و هکذا تصبح الحفرة مخفیّة تماما إلاّ أنّ هذه الحشرة لا تکتفی بذلک بل تنشر عدة حفر وهمیة هنا وهناک بالقرب من الحفرة الأصلیّة للتّمویه أیضا. أمّا الغذاء الموجود فی الحفرة فیکفی لتغذیة الیرقة التی ستخرج من البیض وحتى اکتمال نموها لتصبح حشرة کاملة تستطیع الخروج من الحفرة إلى العالم الخارجی (77). إنّ الحیوان الصّغیر الذی سیخرج من البیضة یکون مجهولا دوما بالنّسبة إلى الأم ولکنّها تعدّ له مسکنا آمنا وغذاء کافیاً وتتحمّل لتحقیق ذلک صعوباتٍ جمّةً, وکلّ ذلک ضمن سلوک یتمّ بأعلى درجات التّضحیة والإخلاص والرّقّة.

ویتضح لنا من خلال هذا المثال أنّ هذه الحشرة الصّغیرة غیر العاقلة لا تستطیع أن تتصرّف من تلقاء نفسها هکذا إلاّ أن یکون ذلک بوحی توجیه من قوة علیّة تهدیها نحو الأمن و السّلامة. ودعاة التّطور کما وضّحنا سلفًا یدّعون بأنّ هذه الأنماط السّلوکیّة المبرمجة فی هذه الأحیاء وهذه البرمجة مصدرها الطّبیعة أو المصادفات الموجودة فی هذه الطبیعة، و نحن نعرف أنّ هذه المصادفة غیر عاقلة ولا شعورّیة فی نفس الوقت. ولو تأمّلنا هذه الأنماط السّلوکیة الصّادرة عن هذه الأحیاء غیر العاقلة لأدرکنا مدى سطحیّة هذا الإدّعاء العقیم. والإنسان العاقل یستطیع أن یدرک أنّ الإلهام الإلهیّ لهذه الأحیاء هو مصدر سلوکها العجیب والغریب.

التّفانی لدى النّعام

التّفانی لدى النّعام

من المعلوم أن أشعّة الشّمس القویة التی تشرق على قارة إفریقیا لها تأثیرات قویة وقاتلة على الکائنات الحیة، لذا تلجأ الکائنات الحیة إلى المناطق الظلیلة لحمایة نفسها من هذه الأشعة، ویشذّ عن هذه القاعدة النعام الذی یستوطن جنوب إفریقیا لأنه یهتم بحمایة بیضه وفراخه من الشّمس أکثر من حمایة نفسه، ویستخدم جناحیه الواسعین فی التّظلیل على بیضه وفراخه (72) ولکنّ الملاحظ هنا أن هذا الطّیر یقف بجسمه تحت الشمس معرضا نفسه لخطرها من أجل حمایة العشّ ضاربا المثل بالتّضحیة من أجل الصّغار الضعاف.

العنایة الفائقة التی تبدیها سمکة"السّحلید"

العنایة الفائقة التی تبدیها سمکة"السّحلید"

یظهر ذکر هذا النوع من السمک وأنثاه عنایة فائقة بالبیض والصغار التی تخرج منه، فیظلّ أحدهما واقفا فوق المکان الذی یوضع فیه البیض ویحرک زعانفه وذیله باستمرار ویتناوبان على أداء هذا العمل کل بضعة دقائق، والهدف من تحریک الزّعانف والذّیل هو إتاحه أکبر کمیة ممکنة من الأوکسجین اللاّزم لنمو الأجنحة وکذلک منع تراکم سبورات الفطریات التی تحول دون نمو الأجنّة. وهذه العنایة الفائقة التی یبدیها هذا النوع من السّمک تجاه بیضه مردّها کون النّظافة تمثل العنصر الأساس فی نمو الأجنّة، حتى أنّ هذا السّمک یقوم بإتلاف البیض غیر الملقّح کی یمنع تعفّنه لأنّ تعفّنه یؤدّی إلى إلحاق الضّرر بباقی البیض الملقح. وفی المراحل التالیة یحمل الذّکر والأنثى البیض بفمهما بالتّناوب لوضعه فی حفر صغیرة على شکل شقوق فی الرّمل إلى أن یحین الفقس, وتتکرّر عملیّة الحمل عدة مرات حتى یکتمل نقلها، وعند فقس البیض عن أسماک صغیرة یتولّى الذّکر والأنثى مهمّة الحمایة وبالتناوب أیضا. وتکون هذه الأسماک عموما مجمّعة فی مکان واحد وإذا حدث و إن ابتعدت واحدة منها عن المجموع فإنّ الذّکر أو الأنثى یحملها فی فمه و یعیدها إلى مکان اجتماع الصّغار مرّة أخرى (69).

لیست سمکة السّحلید الوحیدة التی تهتم بالنظافة اهتماما شدیدا بل هناک مخلوقات أخرى مشهورة فی هذا المجال مثل: "أم أربع وأربعین" فالأنثى تعمل على لحس البیض باستمرار لکی تمنع نموّ الفطریات علیها ثم تلف نفسها حول هذا البیض لتوفّر لها الحمایة الکاملة لها 70. أمّا أنثى الأخطبوط فتضع بیضها بین الشّقوق الموجودة فی الأحجار وتظل تراقبها بعنایة، و بین الحین والآخر تنظّف هذا البیض بدفع الماء إلیه بواسطة التّراکیب العضویة اللاّمسة الموجودة فی أذرعها (7).

الارتحال طویلا من أجل التّکاثر: "الحوت الرّمادیّ"

الارتحال طویلا من أجل التّکاثر: "الحوت الرّمادیّ"

فی دیسمبر وینایر من کل سنة یقوم "الحوت الرمادی" برحلة تبدأ من المحیط المتجمّد الشّمالی عبر السّواحل الشّمالیة والجنوبیّة الغربیّة لأمریکا متوجها إلى کالیفورنیا, وهدفه من هذه الرّحلة بلوغ المیاه الدافئة من أجل التکاثر، والغریب فی هذه الرّحلة أنّ الحیوان لا یتغذّى أبدا، وسبب ذلک أن هذا الحیوان قد تغذّى جیدا فی الصّیف السّابق لهذه الرّحلة من موادّ الغذاء الموجودة فی المیاه القطبیة الشمالیة. وتضع الأنثى مولودها عند بلوغها المیاه الاستوائیة القریبة من السّواحل الغربیة للمکسیک، وترضع الأنثى صغیرها باللّبن مثل جمیع اللّبائن ویکون غنیّا بالدّسم اللاّزم لطاقة الصّغی,ر فهذه الطّاقة لازمة للصّغیر الذی سوف یعود مع باقی الحیتان الرّمادیة فی رحلة مضنیة إلى المناطق الشّمالیة الباردة 68.

العشّ الذی ینشأه السّمک "المقوس" من الطّحالب

العشّ الذی ینشأه السّمک "المقوس" من الطّحالب

تقوم أنثى هذا النّوع من السّمک بوضع البیض طیلة شهری مای وحزیران، والعلامة الدّالة على موسم التّبییض هی بروز لون البقعة السّوداء الموجودة فی نهایة الذیل. وتختار الأنثى موضعا قریبا من ضفة بحیرة أو نهر جار تکثر فیه الطّحالب وتنشأ فی هذا الموضع عشّا دائریّ الشّکل، و فی تلک الأثناء یقوم الذّکر بالسّباحة حول نفسه دافعا الطّحالب اللاّزمة لبناء العشّ نحو الأسفل, ویلتصق البیض عند الوضع بأوراق النّباتات وفروعها التی بنی منها العش ویقوم الذکر بحراستها والسّباحة حولها بحرکة مستمرّة لدفع الماء وتحریکه لتسهیل التهوئة اللاّزمة لأجنّة البیض. ویستمرّ الذّکر فی رعایة الصّغار حتى یبلغ طول الواحد منها 10سم (65).