الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

أعشاش الطّیور ذات القرون

أعشاش الطّیور ذات القرون

یعتبر موسم التکاثر موسم عمل ضخم بالنسبة إلى هذه الطیور لأنها تبدی فیه نشاطا یثیر الإعجاب سواء ذکرا کان أم أنثى, وأوّل خطوة یجب اتباعها بالنسبة إلیهما هی بناء عش مأمون للأنثى والفرخ الصغیر القادم.

ویشرع الذکر فی العمل فیبحث عن ثقب مناسب فی الشجرة ومن ثم تدخل الأنثى هذا الثقب وبعدها یقوم الذکر بسد مدخل الثقب بالطین. بید أنّ هناک جانبا مهمّا فی بناء هذا العش إذ أنّ الذکر وهو یسد المدخل بالطین حمایة للأنثى وصغیرها من خطر الأفاعی وغیرها یترک فجوة صغیرة فی هذا الثقب وعن طریق هذه الفجوة یمدّ الذکر الأنثى بالطعام لأنها تظل راقدة على البیض لمدة ثلاثة أشهر متواصلة لا تخرج فیها من العش ولو مرّة واحدة، وحتى الصّغار عندما یخرجون من البیض یتم تزویدهم بالطعام عبر هذه الفجوة (4).

ویتصرف الذکر والأنثى تجاه صغارهما بکل صبر ومثابرة وتفان, فالأنثى ترقد على البیض لمدة ثلاثة أشهر متواصلة فی داخل العش الذی یکاد یکفیها هی فقط سعة أما الذکر فلا یغفل عنها ولا عن البیض بل یستمر فی الرعایة والاهتمام حتى النهایة.

ونفهم من خلال هذه الأمثلة أن لکل نوع من أنواع الطیور أسلوبه الخاص فی إنشاء الأعشاش، وکل أسلوب من هذه الأسالیب یعتبر معقدا إلى حد کبیر ولکن یتبع وینفذ من قبل حیوان غیر عاقل و لا یملک منطقا معینا، فی حین أنّ هذه الأسالیب تتطلب تخطیطا وتصمیما کبیرین. ودعونا نفکر فی هذه الأمثلة التی تتمثل فی کائنات حیة غیر عاقلة ولکن سلوکها کله عبارة عن شفقة و رأفة و تضحیة وتفانی وفق تخطیط بارع. ما مصدر هذه الأنماط السلوکیة ؟ وإذا کانت هذه الکائنات الحیة لا تملک إرادتها الفاعلة لاتباع هذه الأنماط السلوکیة فإذن هناک قوة موجّهة لها فیما تفعله، ومصدر هذه القوة هو الله رب السماوات والأرض وما بینهما .

أعشاش طائر الباتروس

أعشاش طائر الباتروس

إنّ ارتباط أنثى الطیر بفراخها ظاهرة موجودة فی جمیع أنواع الطیور ومن هذه الطیور الباتروس التی تتکاثر فی مسقط رأسها فی موسم التلقیح حین تتجمع وتشکل مستعمرة کبیرة ویقوم الذکور بإصلاح الأعشاش البالیة قبل أسابیع من قدوم الإناث، وهکذا یتمّ الإعداد لمسکن الإناث والفراخ. أما الاهتمام بالبیض فیمکن مشاهدته عند مراقبة سلوک طائر الباتروس أیضا لأن هذا الطیر یستمر واقفا على البیض طیلة 50 یوما دون حراک ، وهذه االعنایة الفائقة لا تقتصر على البیض فقط وإنما تشمل الفراخ الخارجة من هذه البیض فیقوم هذا الطائر بقطع مسافة 1,5 کم فی کل مرة یخرج فیها لجلب الطعام (41).

أعشاش طائر الخطّّاف

أعشاش طائر الخطّّاف

هناک بعض الطیور تخفی أعشاشها تحت سطح الأرض مثل طائر الخطاف السّاحلی الذی یقوم بحفر قنوات موازیة لساحل البحر أو ضفّة النهر وتکون هذه القنوات بمحاذاة التلال المتشکلة من التربة. وتحفر هذه الطیور قنواتها بشکل منحن من الأمام للحیلولة دون دخول میاه المطر داخل العش، وفی نهایة کل قناة توجد فسحة مبطنة بالقشّ والریش یعیش فیها الطیر. أما أنواع طائر الخطاف التی توجد فی أمریکا اللاتینیة فتبنی أعشاشها على الصخور الموجودة خلف الشّلالات المنسابة, فهذا الموقع یکون بعیدا عن خطر باقی الطیور کالنورس أو آکلات السمک وحتى عن الغربان. والماء المتساقط بأطنان کثیرة لابد أن یکون قاتلا لأی طیر یمر من خلاله إلا أن هذا الخطاف یتمیز بصغر حجمه وسرعة حرکته من خلال ماء الشلال لذا لا یصاب بأی أذى. وبهذا الشکل یکون هذا الطیر وفراخه وعشه بمأمن من خطر باقی الحیوانات.

وهذا الطیر لا یستطیع استخدام مخالبه فی جمع المواد الأولیة اللازمة لبناء العش لصغر هذه المخالب, وبدلا من ذلک یلتقط أجزاء الأعشاب الیابسة والمتطایرة فی الهواء أو الریش المتطایر ویفرز علیها سائلا خاصّا یحولها إلى عجینة لاصقة یبنی بواسطتها عشه على الصخور (38).

أمّا الخطاف الذی یعیش فی سواحل المحیط الهندی فیبنی أعشاشه داخل الکهوف، وتسد الأمواج العاتیة مدخل هذه الکهوف، وعندما ترید هذه الطیور الدخول إلى أعشاشها ترقد على هذه الأمواج منتظرة اللحظة التی ینحسر فیها الموج عن مدخل ذلک الکهف وعندئذ تنتهز هذه الطیور الفرصة المناسبة للولوج داخل الکهف والوصول إلى العش. وقبل أن تشرع هذه الطیور فی بناء الأعشاش تقوم بتثبیت أعلى ارتفاع یمکن أن تصل إلیه میاه الأمواج داخل الکهف وبعد ذلک تبدأ فی بناء العش بمستوى أعلى من مستوى المیاه الآتیة بواسطة الموج (39).

وهناک طائر یعیش فی إفریقیا یدعى بـ"السّکرتیر" یبنی عشه فی قمم الأشجار الشوکیة العالیة لیکون بعیدا عن خطر الأعداء، أمّا طائر نقار الخشب الذی یعیش فی جنوب غرب أمریکا فینشأ أعشاشه داخل ثقوب یفتحها داخل جذوع نبات الصبار الشوکی العملاقة. أما طیور المستنقعات فتبنی عدة أعشاش وهمیة إلى جانب العش الحقیقی فیقوم الذکر بإنشاء هذه الأعشاش الوهمیة وینتقل من أحدها إلى الآخر لیلفت الانتباه إلى تلک الأعشاش بدلا من العش الذی تتولى الأنثى مهمة بنائه (40).

الطیور النسّاجة

الطیور النسّاجة

تعتبر أعشاش الطیور النسّاجة من أغرب أنواع الأعشاش فی عالم الحیوان, وهذه حقیقة یؤکدها علماء الأحیاء, فهذه الطّیور تقوم بجمع الألیاف النّباتیة أو سیقان النباتات الرفیعة لتستخدمها فی نسیج أعشاشها و تتمیز هذه الأعشاش بمتانة جدرانها المنسوجة من هذه المواد الأولیة.

وأول عمل یقوم به الطائر النسّاج هو جمع المواد الأولیة اللازمة، وتتألف من أجزاء رفیعة یقطعها من الأوراق النباتیة الطّریة أو عروقها الرئیسیة، و سبب اختیاره للأوراق الطریة بدلا من الیابسة یرجع إلى سهولة تشکیلها لطراوتها ومرونتها. ویقوم الطیر بعد ذلک بلف الجزء الرفیع الذی أخذه حول غصن شجرة متعدد الفروع مستخدما أحد ساقیه لتثبیت أحد طرفی اللّیف على الغصن ومنقاره للقیام بعملیة اللّف، وللحیلولة دون سقوط هذه الحبال اللیفیة یقوم الطیر بربطها ببعضها البعض من تکوین عقد محکمة، و فی المرحلة الأولى یقوم الطیر بإنشاء حلقة لیفیة وتعتبر مدخلا إلى العش, ثم یقوم لاحقا بتمریر الأجزاء الورقیة الرفیعة من بین هذه الحبال اللیفیة بواسطة منقاره وبطریقة متناوبة مرة من فوق ومرة من تحت ویقوم بین الحین والآخر بشدّ هذه الأجزاء التی وقع تمریرها لجعل النّسیج أکثر متانة. وبأسلوب بارع یقوم الطیر بتکوین منحنیات أو نتوءات فی جدران العش لجعله متماسکا و متوازنا.

وعندما ینتهی الطیر من إنشاء المدخل اللازم لعشه یبدأ بنسج الجدران و فی هذه الحالة یقف مقلوبا أو رأسا على عقب ویواصل بالعمل من داخل العش، ویسحب اللیف الورقی بمنقاره تحت الحبال اللیفیة ویمسک طرفه الخارجی بدقة ومن ثم یشده شدّا محکما، وبهذه الطریقة یجعل للعش نسیجا غایة فی الإتقان (36). ومما یلاحظ هنا أن الطیر النساّج یعمل وکأنه یخطط لعدة مراحل وخطوات قادمة، فیبدأ بجمع المواد اللازمة ومن ثم یبدأ بنسج العش فی مکان ملائم فینسج المدخل ویستمر فی نسج الجدران فیما بعد وینحنی فی النسج عندما یتطلب الأمر الانحناء ویوسّعه عندما یتطلب الأمر التوسیع إضافة إلى إتقانه لعمله إلى درجة مذهلة و دون أن یعطی أیّ انطباع بکونه مبتدأ فی عمل النّسج. والحقیقة أنه یثبت مهارة فائقة فی أداء عمل شخصین فی آن واحد بواسطة ساقه للتّثبیت ومنقاره للنّسج ولا یتقدم خطوة إلاّ بحساب و تقدیر بارعین.

و هناک نوع آخر من الطیور النسّاجة یقوم بإنشاء أعشاش ذات سقف متماسک یمنع تدفق قطرات المطر داخله ویفرز هذا الطیر سائلا فی فمه یختلط مع الألیاف النباتیة التی یجمعها ویحضر بذلک خلیطا یساعده على طلاء عشه من الداخل و یتمیز هذا الخلیط بإکساب العش مرونة ومقاومة ضد نضوح میاه المطر.

و تتکرر هذه الخطوات عدة مرات حتى اکتمال بناء العش، ومن الاستحالة القول أن هذه القابلیة لدى الطیور محض مصادفة أو مکتسبة لاشعوریا لأن هذه الطیور وهی تعد أعشاشها تتصرف مثل مهندس معماری ومهندس إنشاءات وعامل بناء ماهر فی آن واحد.

و مثال آخر للطیور النساجة التی تنشأ أعشاشا غریبة هو أحد أنواعها و یعیش فی جنوب إفریقیا، فهذا النوع ینشأ عشّا شبیها بعمارة مقسمة إلى شقق ویبلغ ارتفاع هذا النوع من الأعشاش 3 أمتار وعرضها 4,5 مترا ویعیش داخل هذا العش ما یقرب من 200 زوج من هذا النوع (37). والسؤال الذی یتبادر إلى أذهاننا لماذا تختار هذه الطیور بناء أعشاشها بهذه الصعوبة بدلا من الأعشاش السهلة البناء؟ وهل یمکن تفسیر بناء هذه الأعشاش المعقدة من قبل هذه الطیور بـمحض مصادفة ؟ بالطبع لا لأن هذه الطّیور مثلها مثل باقی الکائنات الحیة تتحرک بوحی إلهام الهی .

الأعشاش التی تخیطها الطیور الخیاطة

الأعشاش التی تخیطها الطیور الخیاطة

یتمیز منقار طیر الخیاط الهندی بدقة شکله کإبرة الخیاطة، والمواد الأولیة التی یستخدمها فی خیاطة عشه تتمثل فی خیط نسیج العنکبوت والزغب الذی یحیط ببعض أنواع البذور إضافة إلى ألیاف خاصة بقشور الأشجار. ویقوم هذا الطیر بجمع أوراق الأشجار الواحدة فوق الأخرى متراصة وبعد ذلک یقوم بثقب حواف هذه الأوراق الواحدة تلو الواحدة بمنقاره المدبّب ومن ثم یدخل نسیج العنکبوت أو اللّیف الذی جمعه فی هذه الثقوب ویعقدها کی یمنع سقوط الأوراق، ویکرر العملیة نفسها فی الجهة المقابلة حتى یجعل الورقتین النباتیتین متلاصقتین تماما وفی خطوة لاحقة یقوم بتدویر هاتین الورقتین المتلاصقتین حول بعضما البعض مثلما یصنع العقد، ویفرش داخل هذا العش الورقی بالحشیش (33), وأخیرا یخیط هذا الطیر جزءا إضافیا داخل العش یخصصه لأنثاه لتضع فیه بیضها بأمان (34).

کیف تبنی الطیور أعشاشها الفخمة؟

کیف تبنی الطیور أعشاشها الفخمة؟

تعرف الطیور على أنها من أبرع الکائنات الحیة فی بناء أعشاشها، ولکل نوع من أنواع الطیور طریقة فی بناء عشه ولا یخطئ أبدا فی بناء العش حسب الطریقة التی اعتاد علیها. و أهم سبب لإنشاء الطیور أعشاشها کون بیضها وفراخها التی تخرج من البیض بعد فقسها على درجة کبیرة من الضعف، وخصوصا عندما تذهب الأم للصید, فالصغار یبقون بدون أیة وسیلة للدفاع عن النفس، ولکن المکان الذی یتم اختیاره لبناء العش یعتبر الوسیلة للدفاع مثل قمم الأشجار والثقوب الموجودة فی جذوعها أو سفوح الجبال والتلال وکذلک بین الأعشاب إذ یتم إخفاء العش بمنتهى البراعة والإتقان حفاظا على حیاة الصغار .

والدور الثانی والمهم للعش هو الحفاظ على الصغار من تأثیر البرد القارس لأن الصغار یخرجون من البیض بدون ریش إضافة إلى عدم قدرتهم على الحرکة بحریة و بالتالی عدم استطاعتهم تحریک عضلاتهم بسهولة، لذا تکون الطیور مجبرة على بناء أعشاشها بمنأى عن البرد حفاظا على الصغار. وأبسط مثال على هذه الأعشاش " العش المحاک "فهو یوفر الدفء اللازم للصغار, وبناء هذه الأعشاش صعب للغایة ویتطلب دقة متناهیة, فالأنثى تقوم ببناء هذا النوع من العش فی فترة طویلة وبجهد بالغ وتقوم بفرش داخل العش بالریش والشعر والألیاف لعزلها عن التأثیرات الحراریة للبیئة الخارجیة (29). وتوفیر المواد الأولیة لبناء أی نوع من أنواع الأعشاش یعتبر خطوة مهمة جدا، وتقوم الطیور طیلة الیوم بجمع هذه المواد الأولیة فمناقیر الطیور ومخالبها مخلوقة لتلائم هذه المهمة. وعملیة بناء العش مهمة الأنثى أما مهمة الذکر فتتمثل فی اختیار المکان الملائم. وتستفید الطیور فی بناء أعشاشها من مواد أولیة مثل الطین و الورق النباتی اللبلاب وحتى الشعر أو الورق، وخصائص أی عش تعتمد على المواد الأولیة المستعملة وعلى الطریقة التی یستخدمها ذلک الطیر فی بناء عشه. وتبنى الأعشاش اعتمادا على مرونة المواد الأولیة ومتانتها وصلابتها، فالطیور تختار المواد التی یمکن طیها أو مدها عند بناء العش. والتنوع فی هذه المواد یجعل العش أکثر أمنا للفراخ, فخلط الطین والألیاف یحول دون حدوث أی فطر فی جدران العش.

والطیور بعد أن تجمع المواد الأولیة تبدأ بتکوین الخلیط اللازم لبناء العش، والطیر الذی یتبع هذه الوسیلة فی البناء هو الخطاف أو النون الذی یبنی عشه على حافة الهاویة أو على جدران المبانی والباحات الخارجیة فیقوم بلصق عشه بجدرانها بنوع من الخیلط اللاصق، وهذه الخلیط یحصل علیه بطریقة عملیة جدا, فأولا یقوم بجمع الطین والرماد فی منقاره ویحملهما إلى المکان الذی أزمع بناء العش فیه ومن ثم یجعل الطین مزیجا لزجا بعد إفراز مواد خاصة ویمسح سطح الهاویة بهذه المادة اللزجة حتى یعطی العش الشکل النهائی على شکل أصیص مدور مجوف و یملأ داخل الأصیص بالحشیش والطحلب والریش وغالبا ما یبنی عشه تحت نتوء صخری کی تحمیه الصخرة من تأثیر الأمطار المتساقطة التی ربما تزیل تماسک الطین المتین الذی یؤدی إلى هدم العش برمته (30).

وبعض الطیور التی تعیش فی جنوب إفریقیا وتدعى بـأنثوسکویوس تبنی عشها من قسمین, القسم الأول منه لحضن البیض, وهناک مدخلان للعش أحدهما سری والآخر للتمویه ضد خطر الأعداء (31). من جانب آخر یقوم أحد الطیور فی أمریکا من جنس sar?asmag?ller ببناء عشه بالقرب من خلیة النحل البری لأن هذا النحل یحول دون اقتراب الأعداء المشترکین کالأفاعی والببغاء والقرود وخصوصا أحد أنواع البعوض الذی یشکل خطرا بالنسبة إلى هذه الطیور (32). وبذلک تنجح الأم فی الحفاظ على حیاة صغارها من خطر الأعداء .

الأعشاش المبنیة للصغار والمجهزة بجمیع وسائل الرّاحة

الأعشاش المبنیة للصغار والمجهزة بجمیع وسائل الرّاحة

هناک دور کبیر للمنازل والأعشاش التی تبنیها الحیوانات فی رعایة وتنشئة الصغار، وهناک أسالیب مختلفة باختلاف أنواع الحیوانات فی طریقة إنشاء هذه الأعشاش بتفاصیل تقنیة باهرة، وفی أحیان کثیرة تتصرف الحیوانات مثل مهندس معماری بارع، وتعمل على شاکلة بنّاء ماهر فی عمله، وتجد حلاّ لکل مشکلة قد تواجهها أثناء البناء تماما مثل المهندس ومثل أخصائی فی الدیکور حیث تقوم بتوفیر ما یلزم لداخل العش، وفی أحیان کثیرة أخرى تعمل هذه الحیوانات لیل نهار للإعداد لهذه الأعشاش، وإذا کان لهذه الحیوانات أزواجا فتقوم بتوزیع الادوار و التعاون فی صورة مثیرة للإعجاب. ومن أکثر الأعشاش والمنازل التی یعتنى بها عنایة خاصة من قبل البالغین هی التی تنشأ لاستقبال الصغار الجدد . والتقنیة التی تستخدمها هذه الکائنات غیر العاقلة تثیر الإعجاب و الدهشة فی آن واحد، ویتضح ذلک من خلال الأمثلة التی سنوردها فی الصفحات القادمة , و سیتضح کذلک أن هذه الأعشاش والمنازل لا یمکن أن تنشأ اعتمادا على الذکاء المتواضع لهذه الحیوانات، و من الجدیر بالذکر أن هذه الحیوانات، تخطط وتخطو مراحل متعددة قبل الشروع فی بناء أعشاشها أو منازلها لوضع بیضها أو ولادة صغارها، کذلک تختار هذه الحیوانات المکان الأمثل والأکثر أمنا لإنشائها, فهذه الحیوانات لا تنشئ منازلها عبثا و أینما اتفق. وطریقة بناء العش أو المسکن یتم اختیاره من قبل الحیوان أو الطیر وفقا للمواد الأولیة المتوفرة وظروف البیئة الخارجیة، فمثلا تستخدم الطیور البحریة الأعشاب البحریة التی تطفوا على سطح الماء وتقاوم الأمواج فی بناء أعشاشها، أمّا الطیور التی تعیش فی مناطق الأعشاب الطویلة فتنشئ أعشاشا عمیقة و واسعة لتفادی السقوط عند هبوب الریاح، والطیور الصّحراویة تبنی أعشاشها على قمم النباتات التی تمتاز بانخفاض درجة حرارتها أقل بعشر درجات عن درجة المحیط، وإلاّ فإنّ درجة حرارة الیابسة تربو على 45ْ وهی تؤدی حتما إلى موت الأجنة الموجودة داخل البیض .

و یتطلب اختیار المکان المناسب لبناء العش ذکاء ومعرفة واسعة، إلاّ أن هذه المخلوقات لا تستطیع أن تتوقع مدى الضرر الذی سیلحق بمنازلها بتأثیر الأمواج العاتیة أو درجة الحرارة العالیة للبیئة الصحراویة. والظاهر للعیان أن هناک مخلوقات غیر عاقلة ولا منطق لها إلا أنها تسلک سلوکا عاقلا و منطقیا، وبمعنى آخر مخلوقة على هذه الصورة الکاملة، والکمال فی الخلق لا یوجد إلا لله وحده .

ویحظى الصّغار بعد فقس البیض أو لحظة الولادة بعنایة بالغة، ویقضی الکبار من الحیوانات أو الطیور وقتا کبیرا فی الحفاظ على حیاة الأبناء ولا تکتفی فی ذلک ببناء المنازل وإنمّا تبنی أعشاشا وهمیة لمجرد التمویه بهدف لفت الانتباه إلى هذه الأعشاش الوهمیة حفاظا على حیاة الصغار من خطر الأعداء. و لا شک أن هذا النمط السلوکی لیس من بناة أفکار الحیوان و لانابعا من ذکائه. وهناک أسلوب آخر للتمویه تستخدمه الحیوانات وهو بناء الأعشاش بین أغصان الأشجار الکثیفة الأوراق أو فوق النباتات الشوکیة، وبعض أنواع الحیوانات تنشئ لها أوکارا خاصة تبیض فیها وترقد على بیضها وتقوم بإنشاء جدار خاص لمدخل هذا الوکر باستخدام الطین الموجود فی البیئة الخارجیة وإذا لم یوجد تقوم بإفراز سائل خاص تخلطه مع کمیة من التراب لإعداد الطین اللازم لإنشاء هذا الجدار الواقی.

وأغلب أنواع الطیور تبنی أعشاشها غریبة الشکل باستخدام ألیاف النباتات أو الأعشاب والحشائش البریة المتوفرة فی البیئة، والجدیر بالذکر أن الطیر الّذی سیبیض لأول مرة فی حیاته یبنی عشه بإتقان بالغ دون أن یکون له سابق معرفة أو خبرة ببناء الأعشاش .

بلا شک أن هذه القابلیات الفذة للکائنات الحیة لم تشکل من تلقاء ذاتها، إذن ما هی القدرة التی علّمت هذه الطیور والکائنات الحیة بناء منازلها بهذه الکیفیة المدهشة ؟ کیف تکتسب الکائنات الحیة هذه القابلیة مرة واحدة ؟ .

و هناک أمر آخر یحسن الإطلاع علیه و یتعلق بقابلیات الکائنات الحیة وهو کون الکائن الحی على علم تام بکیفیة بناء العش أو المسکن بالکیفیة الخاصة بنوعه والمتمیز بها عن الأنواع الأخرى اعتبارا من أول لحظة له فی هذه الحیاة، وکل نوع من أنواع الحیوانات یبنی منزله بالکیفیة نفسها فی أیة منطقة من مناطق العالم, وهذا دلیل واضح على أن هناک قوة واحدة تمنح هذه المخلوقات القابلیة والمعرفة الخاصة بالحیاة. بلا شک إنّ صاحب هذه القوة التی لا حد لها والعلم الّذی وسع کل شئ هو الله سبحانه وتعالى الّذی یلهم مخلوقاته ویمنحها هذه القابلیات الفذة. واللافت للنظر عند دراسة کیفیة بناء الحیوانات لمنازلها لیس فقط التخطیط البارع وإنما التضحیة والتعاون اللّذین یبدیهما کل من الذکر والأنثى فی البناء، وعلى سبیل المثال تنشئ الطیور أعشاشها الخاصة بها بکل اعتناء واهتمام ولا تکتفی بذلک بل تنشئ أعشاشا أخرى کجهد إضافی للتمویه (28).

ولو تمعّنا فی عملیة إنشاء الطیور لأعشاشها لأدرکنا مدى الصعوبات التی تلاقیها والجهد الظخم الذی تبذله والتفانی الذی تبدیه فی سبیل إتمام بناء هذه الأعشاش. فالطیر الواحد یقوم بعدة مئات من رحلات الطیران فی سبیل إنشاء عش للتمویه فقط فما بالک بالجهد اللازم لبناء العش الحقیقی، والطیر لا یستطیع أن یحمل فی منقاره سوى قطعة أو قطعتین من المواد اللازمة لبناء العش من أغصان أو غیرها، ولکن هذا الأمر لا یثیر فی الطیر الشعور بالملل و إنما بالعکس من ذلک یثابر على العمل بکل صبر ،وإذا شعر بتعب أو إرهاق لا یترک العمل ولا یترک ما فی منقاره ولا یهمل أی تفصیل من التفاصیل اللازمة لبناء العش. وحسب ادعاء داروین, فی قانون الانتخاب الطبیعی لا تفکر الکائنات الحیة إلا فی نفسها و بمنتهى الأنانیة. ولو کان الوسط الذی تعیش فیه مسرحا للحرب کما یدعی هو ومؤیدوه لما قامت هذه الکائنات الحیة ببذل هذا الجهد الظخم والمثیر للإعجاب فی سبیل الحفاظ على الکائنات الصغیرة الضعیفة؟ هذه الأسئلة و غیرها یحتار القانون الطبیعی لداروین فی الإجابة علیها وتعجز أمامها نظریة التطور وادعاءات الملحدین. والجواب الوحید على کل هذه الأسئلة هو أنّ الله وحده منح هذه المخلوقات صفات التضحیة والصبر والثبات والمثابرة والعزم فیلهمها هذه الصفات لیحمی القوی منها الضعیف ولیستمر التوازن فی الطبیعة ولیستمر نسل الکائنات ولتکون هذه البنوراما الطبیعیة دلیلا حیا وملموسا على قدرة الله عز وجل أمام جحود بنی آدم.

فی الصفحات القادمة سترد أمثلة على قابلیة الکائنات الحیة على التخطیط المعماری و ألقیام بالدیکور خصوصا الطیور التی یحتاج صغارها وبیضها إلى عنایة فائقة فی أعشاشها، لذا یلهمها الله سبحانه وتعالى کل ما تحتاجه ویتلاءم مع عملیة بناء الأعشاش.

کیفیة تعرّف أفراد العائلة الواحدة على بعضهم البعض

کیفیة تعرّف أفراد العائلة الواحدة على بعضهم البعض

ینبغی على أفراد العائلة الواحدة أن یملکوا آلیة خاصة للتعرف على بعضهم البعض، وبواسطة هذه الآلیة الخاصة للتعارف تستطیع الکائنات الحیة التی تعیش على شکل مجموعات کبیرة أو مستعمرات أن تتعرف على صغارها أو أزواجها وحتى على آبائها أو أمّهاتها أو أشقّاءها. ووسیلة التعرف تختلف من حیوان لآخر، فالطیور التی تبنی أعشاشها على الأرض مثلا تتعرف على فراخها عن طریق الصوت والشکل الخارجی، ومنها طائر النورس الذی یقتات على سمکة الرّینکا. و یعیش هذا الطائر ضمن مجموعات کبیرة العدد ویستطیع أن یمیز صوت فراخه وسط الزّحام الهائل دون أن یختلط علیه الأمر بین باقی الأصوات حتى وإن کانت الفراخ بعیدة عن بصره. وعند دخول طائر صغیر آخر إلى المکان الذی توجد فیه الفراخ سرعان ما یطرد من تلک المنطقة .(25)

أما اللبائن فتستطیع التعرف على صغارها عن طریق الرائحة، وتقوم الأمّ بشم ولدها لحظة ولادته وفیما بعد تصبح هذه الرائحة وسیلة للتعرف على الصّغار (26).

و یعتبر البطریق من أنجح الحیوانات فی استخدام وسیلة التعرف, ویبدو لنا الأمر شبه مستحیل عند التّعرف على طیر وسط طیور متشابهة تماما. والمحیر أن البطریق یستطیع بسهولة التعرف على أفراد عائلته دون خلط وخصوصا الأنثى, فهی تغیب مدة 2-3 أشهر لجلب الغذاء وعند عودتها لا تجد أیة صعوبة فی التّعرف على ذکرها وصغیرها من بین مئات البطاریق.

والأغرب من ذلک قیام طیور البطریق بجمع صغارها فی محلّ واحد شبیه بروضة من ریاض الأطفال ثم تذهب إلى البحر، و هذه الطیور الصغیرة تتراص جنبا إلى جنب, و هذه العملیة مهمة للحفاظ على الصغار من شدة البرد. والمسألة المهمة هنا هی کیفیة تعرف طیور البطریق البالغة على صغارها عند الرجوع من الصید من بین مئات الصّغار؟

غیر أن طائر البطریق لا یصعب علیه حل هذه المشکلة لأن البطریق البالغ یبدأ فی إصدار أصوات مرتفعة ویستطیع الصغیر أن یتعرف على أمّه وأبیه فیسرع باتجاههما(27).

ولاشک أن وسیلة الصّوت هذه أنجع وسیلة لتعرف أفراد مستعمرة البطریق على بعضهم البعض من بین الآلاف من البطاریق. ولکن کیف أمکن لهذه الطیور المتشابهة فیما بینها إلى حد التطابق أن تمتلک أصواتا مختلفة بعضها عن بعض؟ وکیف اکتسبت هذه الطیور قابلیة التمییز بین الأصوات المختلفة؟ من المستحیل أن تکون طیور البطریق قد اکتسبت هذه القابلیة بمحض إرادتها، إذن من الذی وهبها هذه المیزة الفریدة ؟

ما هو العنصر من عناصر الطبیعة الذی تولى هذه المهمة؟ هل هو الجلید فی المنطقة القطبیة ؟ أم الصخور ؟ الجواب قطعا لیست هذه العناصر أو أحدها لأنّ هذه العناصر التی یتحدث عنها دعاة التطور بدورها مخلوقة، إذن فالجواب الواضح الذی لا لبس فیه هو أن الله هو الذی وهبها میزة الصوت المختلف وجعل هذه الطیور ذات قدرة على تمییز الأصوات المختلفة وهو الذی یسر لها معیشتها بهذه الصورة المعجزة وهو البارئ المصور.

تضحیة الکائنات الحیة داخل العائلة الواحدة

تضحیة الکائنات الحیة داخل العائلة الواحدة

إنّ قسما من الکائنات الحیة یقضی حیاته أو جزءا کبیرا من حیاته مع باقی أفراد ما یسمى "بالعائلة", فنجد على سبیل المثال البطریق والبجع, إذ یعیش هذان الحیوانان مع زوجیهما طیلة فترة حیاتهما، أمّا إناث الأسود والفیلة فتعیش مع أمهاتها أو أمهات أمهاتها24. وعموما یتصف ذکور اللبائن بإنشاء عائلات خاصة بهم فتتألف هذه العائلات من الذکور والإناث والصغار. وإنشاء هذه العائلات یلقی مسؤولیة على عاتق البالغین لأن الذکور فی هذه الحالة ینبغی علیها الذهاب للصید أکثر من ذکور الأنواع التی تعیش وحیدة، وینبغی علیها الدفاع لیس فقط عن نفسها بل عن أفراد العائلة أیضا، ثم إنّ الدّفاع عن الصغار یتطلب تضحیة کبیرة .

وعملیة إنشاء عائلات والدفاع عنها یتطلب جهدا کبیرا وتحمّل مخاطر جسیمة و ترک الخلود إلى الراحة. وهذه العملیة تثیر تساؤلا مهمّا مفاده : لماذا تختار الحیوانات هذا الطریق الصعب. ؟

واختیار الحیوانات لهذا الطریق المحفوف بالمخاطر یبطل نظریة داروین والتی تقول بأن البقاء للأقوى، والموت والفناء للأضعف, فنحن سنرى فی الصفحات القادمة من خلال أمثلة عدیدة کیف تصمد, بل سنکتشف کیف أن الحیوانات الأقوى تعمل على المحافظة على حیاة هذه الحیوانات الضعیفة و بأنبل صورة للإیثار والتضحیة .

غریزة الحفاظ على النسل

غریزة الحفاظ على النسل

مثلما اتضح فی الصفحات السابقة فإن صفة التضحیة فی سلوک بعض الحیوانات لم یکن بإمکان دعاة التطور تفسیرها. وهناک أمثلة عدیدة للتضحیة فی الطبیعة تهدم الأساس الفکری لنظریة التطور حتى إن ستیفن جی جولد Stephen Jay Gouli یتحدث عن التضحیة فی الطبیعة کمشکلة عویصة تواجه نظریة التطور (21).

من جانب آخر یتحدث عنها جوردن تایلر Gorden Taylor باعتبارها مانعا أو سدا کبیرا أمام نظریة التطور لیعبرعن عمق المأزق الفکری الذی یواجه هؤلاء فی دفاعهم عن هذه النظریة. وهذه التضحیة والرأفة التی یمکن مشاهدتها فی الطبیعة تحمل مفاهیم کبیرة وتعتبر طعنة قاتلة فی جسد نظریة أولئک الذین ینظرون الى الطبیعة نظرة مادیة بحتة ویعتبرونها نتاج مصادفات لا غیر.

وهناک البعض من غلاة المؤمنین بنظریة التطور فسر هذه الظواهر تفسیرا آخر مختلفا سماه بقانون الجین الأنانی, ورائد هذه الفکرة أحد الغلاة فی وقتنا الحاضر ویدعى richard dawkins و هو یرى أن التضحیة التی تعبر عنها بعض الکائنات الحیة هی إلاّ نتاج أنانیتها، وحسب قوله فإن الحیوان عندما یبدی تضحیة ما فإنه لا یفعل ذلک دفاعا عن الباقین بل حفاظا على جیناته أی أنّ الأم عندما تذود عن صغیرها فهی فی الحقیقة تدافع عن الجینات التی تولدت منها لأنّ صغیرها عندما یتمّ إنقاذه فإنه یستطیع أن ینقل هذه الجینات إلى أجیال لاحقة، وعلى هذا الأساس تصبح الکائنات الحیة بما فیها الإنسان شبیهة بآلات لتولید الجینات ومسؤولة عن نقلها إلى أجیال لاحقة.

ویدعی هؤلاء بأن الکائنات الحیة مبرمجة على الحفاظ على النسل ونقل الجینات إلى أجیال لاحقة ولهذا تسلک سلوکا یلائم هذا البرنامج. ونورد مثالا على طریقة تفکیر هؤلاء وتفسیرهم لسلوک الحیوانات من خلال الاطّلاع على نصّ مأخوذ من کتاب فی علم الأحیاء یتبنى هذه النظریة و عنوانه: Essentails of Biology أو مبادئ علم الأحیاء والنص کما یلی:کیف یمکن تفسیر السّلوک الذی یقود صاحبه إلى الخطر من أجل إنقاذ غیره؟ بعض السّلوکیات المستندة إلى التضحیة مصدرها الجینات الأنانیة، والاحتمال الأکبر أن تکون الکائنات الحیة وهی تعرّض نفسها للخطر فی سبیل جلب الغذاء اللاّزم لصغارها تسلک هذا السلوک وفق برنامج جینی محدّد, وسلوکها هذا یهدف إلى سلامة انتقال الجینات من الأبوین إلى الأبناء ومنهم إلى أجیال لاحقة، ویبدوا ردّ الفعل هذا من الکائنات الحیة تجاه أعداءها نوعا من السلوک لتحقیق هدف معین, ویتجلى هذا البرنامج المعین للسلوک الحیوانی فی الرّائحة والصوت والمظهر الخارجی و أشکال أخرى (22).

ولو تأملنا فی النص السّابق لاتّضح لنا أن الکاتب یقصد بأن الکائنات الحیة فی سلوکها تبدو وکأنها تسعى إلى شیء معین لا عن درایة وفهم بل لأنها مبرمجة على أن تسلک مثل هذا السلوک، وهنا یطرح السؤال التالی نفسه: ما مصدر هذا البرنامج؟ والجین الذی نتحدث عنه هو شبیه بمجموعة من الشّفرات المعلوماتیة، ولکن هذه المجموعة من الشفرات لا تستطیع التفکیر، والجین یفتقد الذکاء والعقل والتقدیر. لهذا السبب إذا وجد جین خاص یدفع الکائن الحی إلى التضحیة فلا یمکن أن یکون هذا الجین هو الآمر بالتضحیة. لقد صمّم الحاسوب من قبل مصمم عاقل وذو درایة على أن یتوقف عن العمل عند الضغط على زر الإیقاف, إذن فالحاسوب لا یغلق من تلقاء نفسه و زر الإیقاف لا یعمل بالصدفة دون مصمّم. إنّ حدا قد برمج هذا الزر على أن یوقف الجهاز عن العمل عند الضغط علیه .

إذن فجینات الکائن الحی مبرمجة على دفع هذا الکائن الحی نحو التضحیة بنفسه, وهناک قوة ذات عقل ودرایة صممت وبرمجت هذه الجینات بهذه الصّورة، وهذه القوة تلهم الکائنات کل لحظة وتراقبها و تهدیها إلى اتّباع سلوک معین, وهذه القوة هی الله جلت قدرته، وهذه الحقیقة یذکرها القرآن کما یلی :" ولله یسجد ما فی السماوات وما فی الأرض من دابة والملائکة وهم لا یستکبرون# یخافون ربهم من فوقهم ویفعلون ما یؤمرون" الآیة 49 .سورة النحل .

" الله الذی خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن یتنزل الأمر بینهن لتعتموا أن الله على کل شیء قدیر و أن الله قد أحاط بکل شیء علما " الآیة 12 سورة الطلاق .

الکائنات الحیة لا تبدی تعاونا نحو أقربائها من حملة جیناتها فقط بل نحو الکائنات الحیة الأخرى أیضا کما سنرى أمثلة مفصلة عدیدة فی الباب الثالث من هذا الکتاب, فإن الکائنات الحیة لا تساعد صغارها فقط بل تمد ید العون نحو الکائنات الحیة الأخرى، وهذه الظاهرة شکلت مشکلة عسیرة الحل بالنسبة إلى نظریة التطور لأن هذه الظاهرة لا توحی برغبة فی الحفاظ على انتقال الجینات من نسل إلى آخر. وتحلل مجلةCientific American التی تتبنى هذه النظریة ظاهرة التعاون بین الحیوانات کما یلی: هناک مثال حی لتعاون حیوانین غیر قریبین من بعضهماالبعض جینیّا وهو تعاون ذکری حیوان البابون، فإذا حدث تنافس أو صراع بین ذکرین من هذا الحیوان یطلب أحدهما مساعدة من ثالث, ویبدأ الذی طلب المساعدة بهز رأسه إلى الأمام والخلف أی بین الذی جاء لنجدته وبین خصمه، ویفسر البعض هذا السلوک بأن الذی طلب المساعدة یعد الذی قدم لنجدته بالمساعدة مستقبلا إذا حدث و أن تعرض لأی مکروه. إلا أن نظریة التطور تعجز عن تفسیر کیفیة منع الخدیعة فی الصراع بین الذکور وتعجز أیضا عن تفسیر طلب الذکر للمساعدة مرة أخرى و الداّفع الذی یجعله یسلک مثل هذا السلوک, والحقیقة الحقیقة التی لا لبس فیها تتمثل فی أن الله سبحانه وتعالى یلهم المخلوقات ویدفعهاإلى أن تضحی بنفسها وهی تسلک هذا السلوک.

و سنذکر فی الصفحات القادمة أمثلة على التضحیة والرأفة والشفقة التی تبدیها الکائنات الحیة المختلفة، ویجب أن لا ینسى القارئ أن الّذی ألهم هذه الکائنات الحیة هذه التضحیة والرأفة والشفقة هو الله الذی خلقها فتبارک الله أحسن الخالقین .