الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

غریزة الحفاظ على النسل

غریزة الحفاظ على النسل

مثلما اتضح فی الصفحات السابقة فإن صفة التضحیة فی سلوک بعض الحیوانات لم یکن بإمکان دعاة التطور تفسیرها. وهناک أمثلة عدیدة للتضحیة فی الطبیعة تهدم الأساس الفکری لنظریة التطور حتى إن ستیفن جی جولد Stephen Jay Gouli یتحدث عن التضحیة فی الطبیعة کمشکلة عویصة تواجه نظریة التطور (21).

من جانب آخر یتحدث عنها جوردن تایلر Gorden Taylor باعتبارها مانعا أو سدا کبیرا أمام نظریة التطور لیعبرعن عمق المأزق الفکری الذی یواجه هؤلاء فی دفاعهم عن هذه النظریة. وهذه التضحیة والرأفة التی یمکن مشاهدتها فی الطبیعة تحمل مفاهیم کبیرة وتعتبر طعنة قاتلة فی جسد نظریة أولئک الذین ینظرون الى الطبیعة نظرة مادیة بحتة ویعتبرونها نتاج مصادفات لا غیر.

وهناک البعض من غلاة المؤمنین بنظریة التطور فسر هذه الظواهر تفسیرا آخر مختلفا سماه بقانون الجین الأنانی, ورائد هذه الفکرة أحد الغلاة فی وقتنا الحاضر ویدعى richard dawkins و هو یرى أن التضحیة التی تعبر عنها بعض الکائنات الحیة هی إلاّ نتاج أنانیتها، وحسب قوله فإن الحیوان عندما یبدی تضحیة ما فإنه لا یفعل ذلک دفاعا عن الباقین بل حفاظا على جیناته أی أنّ الأم عندما تذود عن صغیرها فهی فی الحقیقة تدافع عن الجینات التی تولدت منها لأنّ صغیرها عندما یتمّ إنقاذه فإنه یستطیع أن ینقل هذه الجینات إلى أجیال لاحقة، وعلى هذا الأساس تصبح الکائنات الحیة بما فیها الإنسان شبیهة بآلات لتولید الجینات ومسؤولة عن نقلها إلى أجیال لاحقة.

ویدعی هؤلاء بأن الکائنات الحیة مبرمجة على الحفاظ على النسل ونقل الجینات إلى أجیال لاحقة ولهذا تسلک سلوکا یلائم هذا البرنامج. ونورد مثالا على طریقة تفکیر هؤلاء وتفسیرهم لسلوک الحیوانات من خلال الاطّلاع على نصّ مأخوذ من کتاب فی علم الأحیاء یتبنى هذه النظریة و عنوانه: Essentails of Biology أو مبادئ علم الأحیاء والنص کما یلی:کیف یمکن تفسیر السّلوک الذی یقود صاحبه إلى الخطر من أجل إنقاذ غیره؟ بعض السّلوکیات المستندة إلى التضحیة مصدرها الجینات الأنانیة، والاحتمال الأکبر أن تکون الکائنات الحیة وهی تعرّض نفسها للخطر فی سبیل جلب الغذاء اللاّزم لصغارها تسلک هذا السلوک وفق برنامج جینی محدّد, وسلوکها هذا یهدف إلى سلامة انتقال الجینات من الأبوین إلى الأبناء ومنهم إلى أجیال لاحقة، ویبدوا ردّ الفعل هذا من الکائنات الحیة تجاه أعداءها نوعا من السلوک لتحقیق هدف معین, ویتجلى هذا البرنامج المعین للسلوک الحیوانی فی الرّائحة والصوت والمظهر الخارجی و أشکال أخرى (22).

ولو تأملنا فی النص السّابق لاتّضح لنا أن الکاتب یقصد بأن الکائنات الحیة فی سلوکها تبدو وکأنها تسعى إلى شیء معین لا عن درایة وفهم بل لأنها مبرمجة على أن تسلک مثل هذا السلوک، وهنا یطرح السؤال التالی نفسه: ما مصدر هذا البرنامج؟ والجین الذی نتحدث عنه هو شبیه بمجموعة من الشّفرات المعلوماتیة، ولکن هذه المجموعة من الشفرات لا تستطیع التفکیر، والجین یفتقد الذکاء والعقل والتقدیر. لهذا السبب إذا وجد جین خاص یدفع الکائن الحی إلى التضحیة فلا یمکن أن یکون هذا الجین هو الآمر بالتضحیة. لقد صمّم الحاسوب من قبل مصمم عاقل وذو درایة على أن یتوقف عن العمل عند الضغط على زر الإیقاف, إذن فالحاسوب لا یغلق من تلقاء نفسه و زر الإیقاف لا یعمل بالصدفة دون مصمّم. إنّ حدا قد برمج هذا الزر على أن یوقف الجهاز عن العمل عند الضغط علیه .

إذن فجینات الکائن الحی مبرمجة على دفع هذا الکائن الحی نحو التضحیة بنفسه, وهناک قوة ذات عقل ودرایة صممت وبرمجت هذه الجینات بهذه الصّورة، وهذه القوة تلهم الکائنات کل لحظة وتراقبها و تهدیها إلى اتّباع سلوک معین, وهذه القوة هی الله جلت قدرته، وهذه الحقیقة یذکرها القرآن کما یلی :" ولله یسجد ما فی السماوات وما فی الأرض من دابة والملائکة وهم لا یستکبرون# یخافون ربهم من فوقهم ویفعلون ما یؤمرون" الآیة 49 .سورة النحل .

" الله الذی خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن یتنزل الأمر بینهن لتعتموا أن الله على کل شیء قدیر و أن الله قد أحاط بکل شیء علما " الآیة 12 سورة الطلاق .

الکائنات الحیة لا تبدی تعاونا نحو أقربائها من حملة جیناتها فقط بل نحو الکائنات الحیة الأخرى أیضا کما سنرى أمثلة مفصلة عدیدة فی الباب الثالث من هذا الکتاب, فإن الکائنات الحیة لا تساعد صغارها فقط بل تمد ید العون نحو الکائنات الحیة الأخرى، وهذه الظاهرة شکلت مشکلة عسیرة الحل بالنسبة إلى نظریة التطور لأن هذه الظاهرة لا توحی برغبة فی الحفاظ على انتقال الجینات من نسل إلى آخر. وتحلل مجلةCientific American التی تتبنى هذه النظریة ظاهرة التعاون بین الحیوانات کما یلی: هناک مثال حی لتعاون حیوانین غیر قریبین من بعضهماالبعض جینیّا وهو تعاون ذکری حیوان البابون، فإذا حدث تنافس أو صراع بین ذکرین من هذا الحیوان یطلب أحدهما مساعدة من ثالث, ویبدأ الذی طلب المساعدة بهز رأسه إلى الأمام والخلف أی بین الذی جاء لنجدته وبین خصمه، ویفسر البعض هذا السلوک بأن الذی طلب المساعدة یعد الذی قدم لنجدته بالمساعدة مستقبلا إذا حدث و أن تعرض لأی مکروه. إلا أن نظریة التطور تعجز عن تفسیر کیفیة منع الخدیعة فی الصراع بین الذکور وتعجز أیضا عن تفسیر طلب الذکر للمساعدة مرة أخرى و الداّفع الذی یجعله یسلک مثل هذا السلوک, والحقیقة الحقیقة التی لا لبس فیها تتمثل فی أن الله سبحانه وتعالى یلهم المخلوقات ویدفعهاإلى أن تضحی بنفسها وهی تسلک هذا السلوک.

و سنذکر فی الصفحات القادمة أمثلة على التضحیة والرأفة والشفقة التی تبدیها الکائنات الحیة المختلفة، ویجب أن لا ینسى القارئ أن الّذی ألهم هذه الکائنات الحیة هذه التضحیة والرأفة والشفقة هو الله الذی خلقها فتبارک الله أحسن الخالقین .

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد