الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

النتیجة

النتیجة

ترى لِمَ تحدث داروین فی کتابه “ أصل الأنواع “ عن الحفریات الحیة بوصفها سببا فی أزمة کبرى ؟ ولماذا تخلى العلماء التطوریون عن ادعاءات التطور التدریجی فی مواجهة هذه الحفریات ، وشعروا بالحاجة إلى وضع نظریة تطور جدیدة ؟ ولماذا أصاب العثور على نموذج حی لسمکة الکویلاکانث Coelacanth التطوریین ـ الذین علقوا علیها آمالهم ـ بخیبة أمل عظیمة ودفعهم إلى أن یلوذوا بالصمت المُطبِق ؟ وما الذی ألحق الانکسار بکل الداروینیین فی مواجهة حقیقة الحفریات الحیة ؟ إنه إعلان الحفریات الحیة لحقیقة الخلق.

أما خیبة الأمل التی شعر بها الداروینیون ، فمردّها إلى ولائهم الأیدیولوجی لنظریتهم . ولعل من أعظم الأدلة على هذا هو أنهم رأوا أن نظریتهم قد دُحضت ،وعلموا أن الخلق حقیقة مثبتة ، ورغم هذا فقد تجاهلوا هذا کله ، بل عمدوا إلى أسالیب الغش والخدیعة من أجل التعتیم على هذا الوضع . وإزاء حقیقة الحفریات الحیة إذ بهم ـ بدلا من أن یقروا بحقیقة الخلق ـ یعولون على نظریات تجافی العقل والمنطق ولا تنطوی على أی دلیل علمی ، مما یُعد بدوره شبهة عظیمة . وسعیهم لإخفاء نماذج الحفریات الحیة فی وقت یعیرون فیه اهتمامهم لحفریات مزیفة صنعوها بأیدیهم ، إنما هو مؤشر دال على هواجسهم . وبینما هم یعرضون الکثیر من الحفریات المزیفة فی المتاحف ویسعون لتقدیم الکائنات الحیة المعقدة إلى أقصى درجات التعقید مثل الکویلاکانث باعتبارها نموذجا للتحول البینی ، إذ بهم یخفون الحفریات الحیة فی مخازن المتاحف ، مما یثیر الشکل والارتیاب فیهم . تُرى ما مدى الموضوعیة العلمیة لسعیهم من أجل تکییف الأدلة مع النظریة حینما لا یتأّت التدلیل علیها؟ وبأی مبرر طرحوا مزاعمهم باعتبارها حقیقة علمیة مثبتة رغم عدم وجود أی دلیل فی صالحها ؟  تُرى لماذا شعروا بالخجل من الأدلة العلمیة التی کشفوا عنها بدلا من الدفاع عنها ؟ وما السبب الذی یدفع التطوریین إلى عدم التخلی عن نظریاتهم بأی حال من الأحوال رغم أن کل المعطیات تصب فی غیر صالحها ؟ السبب هو کون الداروینیة دین ونظام عقدی باطل . هو کونها عقیدة دوغماتیة لا سبیل إلى رفضها على الإطلاق . هو کونها رکیزة لفلسفة مادیة تدافع عن الرأی القائل بأن المادة موجودة منذ الأزل ، وأنه ما من شیء آخر سواها . ومن هنا ولهذا السبب تُبذل المساعی من أجل الإبقاء علیها حیة رغم أن النظریة دُحضت بما لا یحصى کثرة من الأدلة . لکن تأثیر هذه المساعی قد تلاشى الآن ، وباتت أسالیب الداروینیة والداروینیین لا تجدی فتیلاً . وتتزاید الأدلة التی تدحض التطور یوما بعد یوم . وتظهر فی کل یوم أدلة الخلق التی تصیب التطوریین بالإحباط وخیبة الأمل ، وتضطرهم إلى الإدلاء بتصریحات مضللة وخادعة . ولهذا السبب تحیّر الحفریات الحیة الداروینیین وتربکهم ، وتتسبب فی أزمة عظیمة بالنسبة لداروین ، فیسارعون إلى نقلها فی التو إلى المخازن . ویسعى الداروینیون بهذه الطرق إلى إخفاء الصنعة البدیعة لله تعالى، بید أنه عز وجل هو خالق الکائنات کافة ، ویعرف کل ما یصنعون ، وهو الذی یهیمن علیهم دوما . وبینما یدبر الداروینون المخططات المناهضة لله تعالى ، فإنه یراهم ، وفیما هم یسعون لطمس صنعة الخلق البدیعة للمولى عز وجل ، فإنه یرصدهم . وبینما هم ینکرون وجوده تعالى ، فإنه یکتب ما یفعلون . وسواء آمن هؤلاء أم لم یؤمنوا ، وسواء شاءوا أو أبوا فسوف یُعرضون على الله حتما فی الآخرة . والحقیقة الکبرى التی لم یستطیع الداروینیون أن یعوها هی أن ما یفعلونه فی معرض معرکتهم ضد الله سوف یحبط ویبوء بالخسران . والذی سینتصر ویتبین أنه حق هو شرع الله . ووجود الحفریات الحیة إنما هو دلیل رائع خلقه الله من أجل أن یقضی على حیلهم ویکشف زیفها . وفیما یتصارع الداروینیون مع دین الحق ، ینسون أیضا أن الله خلق هذه الأدلة . بید أنهم فی وضع المغلوب منذ البدایة . أما تدریس نظریة التطور فی المدارس وقیام کثیر من مؤسسات الإعلام ببث المضاربات والمزاعم الداروینیة وحشد مؤیدین من العلماء ، إنما هو وضع مؤقت. فمثلما ینبئنا الله بالآیة 18 من سورة الأنبیاء التی یقول فیها عز من قائل:{ بل نقذف بالحق على الباطل فیدمغه فإذا هو زاهق ولکم الویل مما تصفون} فإنه سوف یمحق جمیع العقائد الباطلة . ولقد طاش صواب الداروینون الآن من هذا . وفیما تکون هذه الحقیقة واضحة بهذا القدر فإنه یجب على أولئک الذین یظنون أن الداروینیة حقیقة أن یسعوا لإدراک أن کل الأدلة تشیر إلى حقیقة الخلق ، وألا تنطلی علیهم حیلة خادعة لدین زائف مثل نظریة التطور . وعلیهم أن یعوا أن الله الذی خلق الدنیا على غیر مثال قادر على أن یخلق حیاة أخرویة سرمدیة ؛ لأن الإنسان تُکتب له النجاة فحسب حینما یفطن إلى هذه الحقیقة ویستوعبها . ونظریة التطور التی لا ترشد إلى طریق آخر سوى الکفر بالله ـ وهو المخلّص الوحید للإنسان ـ  وتسعى للبقاء على قید الحیاة بالأکاذیب والحیل المستمرة إنما هی مضیعة للوقت وخیبة کبرى. والتمکن من رؤیة هذه الحقیقة فی الدنیا فی وقت کل الأدلة فیه موجودة وظاهرة بدلا من إدراکها فی الآخرة فی شعور من الندم الشدید ، سیکون منجاة عظیمة للإنسان فی الدنیا وفی الآخرة .

أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى کُلِّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَکَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ یَعْلَمُ فِی الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُیِّنَ لِلَّذِینَ کَفَرُواْ مَکْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِیلِ وَمَن یُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ لَّهُمْ عَذَابٌ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِی مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُکُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْکَ عُقْبَى الَّذِینَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْکَافِرِینَ النَّارُ [سورة الرعد ، الآیات 33ـ35]

منشأ التطور الطفری

منشأ التطور الطفری

لقد بذل أتباع داروین مساعی حثیثة من أجل التمکن من رؤیة نماذج التطور التدریجی على مراحل ـ الذی  یدعیه داروین ـ  فی السجلات الحفریة. وکان داروین قد علق عدم العثور على هذه النماذج على “ عدم کفایة السجلات الحفریة “ . وکانت السجلات الحفریة ـ فی حقیقة الأمرـ قد قدمت أشمل نماذجها حتى فی عهده ، وکشفت عن وجود کل الکائنات الحیة المعقدة فی أقدم العصور التاریخیة مثل عصر الانفجار الکمبری . واستمر التطوریون فی البحث فی هذه السجلات أملاً فی العثور على معجزة . وکان الهدف من وراء هذا هو إظهار داروین على حق ، وإثبات أن السجلات الحفریة کانت فی الحقیقة غیر کافیة على عهده ، والعثور على أدلة تتعلق بتطور الکائنات الحیة ، أی العثور على نماذج التحول البینی .غیر أن السجلات الحفریة أظهرت نتائج مختلفة عن توقعات داروین . وکان قد جرى تفتیش سطح الأرض فی أغلب مناطقه ، أی أن السجلات أصبحت کافیة . وثبُتَ أن داروین کان واهماً حینما قال أنه یؤمن بأن أتباعه سوف یعثرون فی المستقبل على نماذج التحول البینی المنتظرة ؛ فالسجلات الحفریة لا تشتمل حتى على نموذج واحد للتحول البینی . والحقیقة التی کشفت عنها السجلات الحفریة بدلا من هذا هی أن کائنات حیة کثیرة لم تمر بأی تغیر على الإطلاق ، وأنها عاشت قبل ملایین السنین ببنیات معقدة . ولقد کذَّبت السجلات الحفریة داروین. فعدم وجود نموذج للتحول البینی ، وحقیقة الثبات کانا لا یعطیان دلیلاً قاطعاً على التطور التدریجی على مراحل.

لم تعش “ الکائنات الحیة البینیة “ ـ التی یُدعى أنها تحمل سمات نوعین حیین متباینین ـ فی أی عصر من عصور التاریخ .

وقد رأى بعض التطوریین بوضوح أن نموذج التحول التدریجی على مراحل لداروین قد مُنی بهزیمة ساحقة أمام حقیقة الثبات ، وأقرّوا بها . فطرحوا الرأی القائل “ بأن التطور یعمل بشکل مختلف “ فی مواجهة هذه الحقیقة . وقام ستیفن جای جولد Stephen Jay Gould   ـ عالم الحفریات من جامعة هارورد ـ ونیلز إلدردج Niles Eldredge من المتحف الأمریکی للتاریخ الطبیعی بصیاغة نظریة بدیلة باسم التطور الطفری (التوازن الذی تعرض للانقطاع ـ Punctuated Equilibrim ) . وقاما بنشرها عام 1972م. والهدف الوحید هنا إنما کان المجیء بتفسیر لحقیقة الثبات .

وکانت هذه النظریة فی الأساس صیاغة جدیدة لنظریة “الوحش المأمول” Hopeful Moster التی سبق أن طرحها أوتو شیندیولف Otto Schindewolf ـ عالم الحفریات الأوربی ـ فی الثلاثینیات من القرن العشرین . وکان شیندیولف هذا قد ادعى أن الکائنات الحیة تطورت ـ لیست نتیجة لتراکم الطفرات الطفیفة على مر الزمان ـ وإنما بفعل طفرات فجائیة وجسیمة . وفیما کان یضرب مثلا لنظریته کان قد زعم أن أول طائر فی التاریخ خرج من بیضة کائن زاحف “بطفرة کلیة “ أی بتغیر جسیم حدث محض صدفة فی الترکیبة الجینیة . ووفقا للنظریة ذاتها فإن بعض الحیوانات البریة ربما تکون قد تحولت فجأة إلى “حیتان بال” ضخمة بتأثیر تغیر فجائی وشامل مرت به . وتتجافی هذه الادعاءات مع کل القواعد الجینیة والبیوفیزیقیة والبیوکیمیائیة ، ونصیبها من الصحة العلمیة قدر ما لأساطیر الأطفال التی تحکی عن تحول الضفادع إلى أمراء . ونظریة “الشبح المأمول” الخیالیة هذه لشیندیولف تبناها ونافح عنها ریتشارد جولدیشمیدت  Richard Goldschmidt   عالم الحفریات من جامعة بیرکلی Berkley فی الأربعینیات من القرن العشرین . غیر أن النظریة کانت على درجة من التناقض بحیث هُجرت فی فترة قصیرة .  أما الدافع وراء احتضان جولد Gould وإلدرج Eldredge   هذه النظریة من جدید إنما کان ـ مثلما أوضحنا فی مستهل حدیثنا ـ إظهار السجلات الحفریة أنه لا یوجد أی “ نموذج بینی “ على الإطلاق . وکانت حقیقة “ الثبات “ و” الظهور فجأة “ واضحة لدرجة اضطرت هذین الاسمین إلى الاستیلاء على “ الوحوش المأمولة “ من جدید بغیة تفسیر هذا الوضع . والمقال الشهیر لجولد ـ الذی یحمل عنوان “ عودة الوحوش    المأمولة “ ـ کان تعبیراً عن الردة الاضطراریة هذه .32

Stephen Jay Gould

بالطبع لم یکرر  جولد Gould وإلدردج Eldredge نظریة شیندیولف Schindewolf الخیالیة بنصها وبحذافیرها . وکیما یُکسِبا نظریتهما هویة علمیة سعیا لصیاغة نوع من الآلیات یتفق مع “ الطفرات التطوریة الفجائیة “ . ولقد کان المصطلح المثیر “ التوازن الذی تعرض للانقطاع Punctuated equilibrium ” ـ الذی اختاروه للنظریة ـ تعبیراً عن هذا السعی العلمی. وقد تبنى بعض علماء الحفریات فی السنوات المتقدمة نظریة جولد وإلدردج ، وشرحوا تفاصیلها . غیر أن نظریة التطور الطفری هذه حافلة بتناقضات جسیمة ـ على أقل تقدیر ـ قدر نظریة التطور التدریجی لداروین .
ولقد کان أنصار التطور التدریجی على مراحل یغضون الطرف عن الثبات ، غیر أن السجلات الحفریة تعرض باستمرار نماذج الثبات ، وتبدی للعیان أن الکائنات الحیة لم تتغیر على مدى ملایین السنین . والفارق الوحید لـ س. ج. جولد S . J . Gould   و ن. إلدردج N . Eldredge عن غیرهما من الداروینیین إنما کان إدراکهما أنهما لن یستطیعا البقاء مکتوفی الأیدی أمام حقیقة قاطعة ومطلقة مثل الثبات الموجود فی السجلات الحفریة . وبدلا من أن یعترفا بحقیقة الخلق التی تثبتها الحفریات ، شعرا بأنهما مرغمین على صیاغة مفهوم جید للتطور . وکان ستیفن جای جولد Stephen Jay Gould یصرّح حول هذه الموضوع  بقوله:


Niles Eldredge

“ کیف یمکن للنقص (الذی فی السجلات الحفریة) تأویل الثبات ؟... فالثبات مُعْطى . ولقد أصبتُ أنا وإلدردج Eldredge بخیبة أمل إزاء عدم فهم وإدراک الکثیرین من زملائنا لهذه الحقیقة الواضحة إلى أقصى درجة ، حتى إننا شجّعنا على جمع مجموعة المفردات الصغیرة هذه فیما یشبه شعار .علیکم تردیده عشر مرات قبل الإفطار على مدى أسبوع . حینئذ سوف یرسخ هذا الموضوع لا شعوریاً فی أذهانکم: الثبات مُعْطى .. الثبات مُعْطى ...”33

وینتقد جولد وإلدردج وسائر أنصار التطور الطفری بضراوة المدافعین عن التطور التدریجی بسبب عدم رؤیتهم لحقیقة الثبات . والشیء الذی فعلوه لم یکن یختلف فی الحقیقة عما فعله غیرهم من الداروینیین . حیث بدلوا فی شکل التطور الخیالی ، إذ لم تسفر السجلات الحفریة عن النتیجة التی کانوا یطمحون إلیها. وقاموا بالتنظیر لهذا بشکل تفصیلی نوعا ما . أما السبب الوحید وراء حنقهم على مؤیدی التطور التدریجی وانتقاداتهم المکثفة لهم ، فهو أن زملاءهم هؤلاء سیکونون سببا فی أن تفقد نظریة التطور مصداقیتها المزعومة لدى الرأی العام ما داموا یقرون بالثبات الذی فی السجلات الحفریة . ومن هنا ـ وإزاء الحقائق التی تکشف عنها السجلات الحفریة ـ یسعون لإعطاء انطباع بأنهم “ قد وجدوا الحقیقة منذ هذا الحین “ .  بید أن نظریة التطور الطفری ـ على أقل تقدیر ـ نظریة ملفقة ، وبلا بیّنة ،وداحضة بقدر نظریة التطور التدریجی . وتُعد اعترافات ستیفن جای جولد Stephen Jay Gould حول “ وجهة النظر الخاطئة فی الماضی “ انتقاداً موّجهاً إلى أنصار التطور التدریجی ، حیث یقول فیها:

“ کنا على وعی منذ زمن طویل بموضوع الثبات والظهور فجأة . ولکن آثرنا أن نعلقه على السجلات الحفریة غیر الکافیة . “34

أما نیلز إلدردج Niles Eldredge فیبین أن أنصار التطور التدریجی یتجاهلون هذه الحقیقة الهامة بقوله:

“ لا یزال یبحث علماء الحفریات منذ داروین ـ عادة فی غیر طائل ـ عن سلاسل الحفریات التی یعتقد داروین أنها نتاج طبیعی لوتیرة تطوریة ،والتی تجسد نماذج التغیر الکلی للأنواع والتی تحولت فیما بینها بشکل لن یُدرک . ولقد ظلت أغلب الأنواع ـ على مدى الفترة التی وُجدت فیها فی الطبقات الجیولوجیة التی ترجع إلى العصور الجیولوجیة المتنوعة ـ على ذات الشکل تماماً، ولم تتغیر على الإطلاق . وعلى الرغم من کون هذا حقیقة مذهلة ، فإن قلة من علماء الحفریات یراه مبرراً للاعتراض على البحث الحفری.35

ویشدد نیلز إلدردج Niles Eldredge وإیان تاترسال Ian Tattersall ـ عالم الآثار من المتحف الأمریکی للتاریخ الطبیعی ـ على أن زعم التطور لداروین قد دُحض بسبب الثبات الموجود فی السجلات الحفریة إذ یقولا:

“ لقد دُحض ادعاء داروین القائل بالتغیر ـ حتى ولو على مراحل ـ والذی یؤثّر على کل السلالات المنتشرة والموجودة حتى الآن . والسجلات الحفریة ضدنا ، وهی تکشف عن حصانة تشریحیة غیر عادیة . ولا یوجد فی السجلات الحفریة التغیر بالمعنى الذی کان ینتظره داروین “36

ویذکر ستیفن جای جولد Stephen Jay Gould فی مقولة أخرى له کیف تعامى أنصار التطور عن الثبات الذی ینهض دلیلا على “ عدم التطور” إذ یقول:

“لقد کان إظهار کثیر من الأنواع ـ التی تحفَّرت ـ للثبات أو عدم التغیر على مدى جمیع فترات الحیاة الجیولوجیة حقیقة لم یفصح عنها کل علماء الحفریات ولکنهم کانوا یعرفونها . غیر أن هذا الوضع یکاد لم یُبحث بشکل صریح فی أی وقت قط . حیث کانت النظریة السائدة ترى الثبات دلیلا غیر حیوی على عدم التطور . وأصبح شیوع الثبات بدرجة غیر عادیة بمثابة خاصیة مخجلة فی السجلات الحفریة . ومن هنا ولهذا السبب کان ینبغی التعامی عن هذه الحقیقة تحت مبرر أنها لا تمثل أی شیء قط (أی لأنها تمثل عدم التطور).37

وکانت کافة مساعی جولد Gould وإلدردج Eldredge ترمی إلى التمکن من تعدیل نظریة التطور ـ التی لم یتخلیا عنها ـ بما یتماشى مع السجلات الحفریة . ولهذا السبب طرحا الثبات باعتباره أهم دلیل على ادعاءات التطور البدیل . وکان عدم الثبات الموجود فی السجلات الحفریة یُطوّع کدلیل بشتى الطرق . وحینما أصبحت السجلات الحفریة فی وضع لا یوافق النظریة،عُدّلت النظریة بما یوافق السجلات الحفریة . وهکذا طُرحت نظریة التطور الطفری بهذا المفهوم .


تبدو فی الصورة حفریة لسلحفاة یبلغ عمرها 120 ملیون سنة ، وهی تنهض دلیلا على أن السلاحف لم تنجم أو تتطور عن أحیاء أخرى ، ولم تمر بأی مرحلة بینیة ، وإنما وُجدت ببنیاتها نفسها منذ ملایین السنین .


وهناک مقال لتوم س. کیمب Tom S . Kemp   مدیر المجموعات الحیوانیة لمتحف جامعة أکسفورد Oxford نُشر فی مجلة New Scientist أشار فیه إلى “ کیفیة تطویع الاکتشافات کیما تصبح بمثابة دلیل على التطور “ بقوله:

“ ... حینما لا توافق الوتائر التطوریة المفترضة النماذج الحفریة ـ التی یتعین أن تکون قد أتت بها هذه الوتائر ـ یُعرّف هذا النموذج عادةً بأنه “ نموذج خاطئ” . وحتى یمکنک تلفیق دلیل زائف قم بتفسیر السجلات الحفریة وفقاً لنظریة التطور ، ونقِّح هذا التفسیر ، وسجِّل تأییده للنظریة . الآن هو یؤیدها . ألیس کذلک ؟! “38

ووفقاً لأنصار التطور الطفری فإن الثبات الموجود فی السجلات الحفریة کان یشکل “ التوازن “ الموجود فی النظریة والذی عُبِّر عنه بمصطلح “التوازن الذی تعرض للانقطاع “ (Punctuated equilibrium ) . ووفقا لزعم التطور الطفری کانت الأنواع تتطور فی غضون فترة قصیرة مثل عدة آلاف من السنین ،ثم تدخل فی فترة ثبات ، وتظل دون تغیر على مدى ملایین السنین.ومن ثم کانوا یعتقدون أن هذا الزعم الذی طرحوه یفسر حقیقة الثبات التی تبدو فی شطر عظیم من الکائنات الحیة . وکانت حقیقة السجلات الحفریة ـ التی تتحدى التطور ـ تُطمس بهذا الشکل من وجهة نظرهم . فی حین کان هذا خدیعة کبرى .

آلیة الطفرة
تسلِّم نظریة التطور الطفری بأن المجموعات الحیة ـ بحالها الراهن ـ لم تتغیر على مدى فترات طویلة للغایة ، وأنها ظلت فی حالة توازن نوعی (equilibrium ) . ووفقاً لهذا الزعم فإن التغیرات التطوریة تحدث فی فواصل زمنیة قصیرة للغایة وفی إطار مجموعات محدودة جداً (بما یُعرّض التوازن للانقطاع ) . ولأن المجموعة محدودة للغایة تُنتخب الطفرات العظیمة فی فترة شدیدة القصر عن طریق الانتخاب الطبیعی . وهکذا یتشکل نوع جدید .

وطبقا لهذه النظریة یمکن مثلاً أن یمارس نوع زاحف حیاته على مدى ملایین السنین دون أن یتعرض لأی تغیر . ولکن یمکن أن تنسل مجموعة من داخل هذا النوع الزاحف بشکل ما وتتعرض لطفرات کثیفة وسریعة لا یمکن تفسیرها . والذین یجنون فائدة هذه الطفرات (لیس هناک نموذج واحد لطفرة مفیدة على الإطلاق أمکن رصدها ) یتم انتخابهم بشکل سریع من بین هذه المجموعة المحدودة . وسرعان ما تتطور هذه المجموعة ، وتتحول فی فترة وجیزة إلى نوع زاحف آخر ، بل ربما تتحول کذلک إلى ثدییات . ولما کانت هذه الوتائر سریعة للغایة وتحدث فی مجموعة محدودة ، فإن ما یتخلف عنها من آثار حفریة یکون قلیل للغایة .

وإذا ما أُمعن النظر ، یُلاحظ أن هذه النظریة فی حقیقة الأمر کانت قد طُرحت رداً على سؤال هو: “ کیف یمکن تخیل وتیرة تطور سریعة لدرجة أنها لا تخلِّف أثراً حفریاً یدل علیها ؟ “ وفی أثناء صیاغة هذا الرد یُسلّم بفرضین جوهرین هما:
1ـ فرض “الطفرات واسعة النطاق” ، أی الطفرات الشاملة التی تحدِث تغیرات فی المکّون الجینی للکائنات الحیة ، وتحقق فائدة لها ، وتنتج مکونات جینیة جدیدة .

2ـ فرض المجموعات الحیوانیة محدودة العدد وهی أکثر انتفاعا من الناحیة الجینیة .
بید أن کلا هذین الفرضین یتناقضان بوضوح مع الاکتشافات العلمیة . 

وهم الطفرات واسعة النطاق:
تفترض نظریة التطور الطفری أن الطفرات التی تؤدی إلى تشکل النوع ـ مثلما أوضحنا منذ قلیل ـ تحدث بمقاییس عظیمة أو أن بعض الأفراد یتعرضون لطفرات کثیفة واحدة تلو الأخرى . إلا أن هذا الفرض مناف لکل المعطیات النظریة لعلم الجینات والوراثة .

وهناک قاعدة وضعها ر. أ. فیشر R . A . Fisher ـ من علماء الجینات والوراثة المشاهیر للقرن (العشرین) ـ استناداً على التجارب والملاحظات ، تدحض هذا الفرض . ویفید فیشر فی کتابه ـ الذی یحمل اسم “ النظریة الجینیة للانتخاب الطبیعی The Genetical Theory of Natural Selection ـ بأن إمکانیة بقاء طفرة فی مجموعة حیة یتناسب عکسیا مع تأثیر الطفرة على النسق الجینی (Genotype ) .39 وبتعبیر آخر فإنه بقدر ما تکون الطفرة عظیمة ، فإن إمکانیة بقائها فی هذه الجماعة تقل بالتبعیة بذلک القدر . ولیس من الصعب إدراک السبب فی هذا ؛ فالطفرات قد تحدِث تغیرات عشوائیة فی المعلومة الجینیة للکائن الحی ، إلا أنه لیس لها ذلک التأثیر الذی یطوِّر هذه المعلومة على الإطلاق . بل على العکس من ذلک فالأفراد الذین یتأثرون بالطفرة یکونوا عرضة للإصابة بالأمراض والتشوهات الخطیرة . ولهذا السبب فإنه بقدر ما یتأثر فرد بشکل زائد بالطفرة ، فإن إمکانیة عیشه سوف تتناقص بتلک الدرجة.

ویدلی إرنست مایر Ernest Mayr ـ عالم الأحیاء التطوری بجامعة هارورد Harvard ومن المدافعین باستماتة عن الداروینیة ـ بالتعلیق التالی حول هذا الموضوع:

“ إن تکوّن الوحوش الجینیة نتیجة للطفرات إنما هو فی الحقیقة واقع مشهود . ولکنها کائنات حیة غریبة لدرجة أنه یمکن أن تُعرّف بأنها “ وحوش غیر مأمولة” ، اختل توازنها لدرجة لا تمکنها من النجاة من الغربلة (الإسقاط) عن طریق آلیة الانتخاب الطبیعی ... وفی الحقیقة فإنه بقدر ما تؤثِّر طفرة ما على نسق توزیع الصبغیات على الجین Phenotype بشکل کبیر ، فإنها تُنقِص بذلک القدر من توافقه ـ (الذی هو فی المتوسط الطبیعی) ـ مع البیئة الطبیعیة .والإیمان بأن طفرة جذریة من هذا النمط یمکن أن تشکل نسقاً جدیداً لتوزیع الصبغیات على الجین  Phenotype من شأنه أن یحقق تکیفاً مختلفا ، إنما یعنی الإیمان بمعجزة ... وعثور هذا الوحش المأمول على زوجة مناسبة ، وعزلهما عن الأفراد الطبیعیین لمجموعتهما التی ینتمیان إلیها ، یُعد ـ من وجهة نظری ـ عقبات لا یمکن تجاوزها على الإطلاق .40

وهکذا یتضح أن الطفرات لا یمکنها تحقیق نمو تطوری .الأمر الذی یُعد حقیقة تضع نظریة التطور الطفری فی مأزق . ووفقاً لکون الطفرة آلیة تخریب وتشویه ، فإنه من المتعین أن تحدِث الطفرات واسعة النطاق ـ التی تحدث عنها المدافعون عن التطور الطفری ـ تخریباً واسع النطاق . وکان بعض التطوریین یعلقون الأمل على الطفرات التی تطرأ على الجینات الضابطة Regulatory Genes الموجودة فی الحامض النووی DNA   إلا أن الصفة التخریبیة التی تنطبق على الطفرات الأخرى ، تنطبق بدورها على هذه الطفرات . والقضیة هی قضیة حدوث تغیر عشوائی للطفرة . وأی تغیر عشوائی من أی نوع یطرأ على بنیة معقدة مثل المعلومة الجینیة سوف یؤدی إلى نتائج وخیمة .

وقد شرح “لان لاستر” Lane Lester عالم الجینات والوراثة و”رایموند بوهلین” Raymond Bohlin عالم الجینات والوراثة الجمعیة فی کتابهما الذی یحمل اسم “ الحدود الطبیعیة للتغیر البیولوجی The Natural Limits to Biological Change مأزق الطفرة الذی نحن بصدد الحدیث عنه ، حیث قالا:

“إن النقطة الجوهریة والمحوریة هی تکوّن طفرة جذریة مطلقة لأی تغیر فی أی نمط تطوری . وینزعج بعضهم من نتائج فکرة تراکم الطفرات التطوریة ، ویتجه إلى الطفرات واسعة النطاق لتفسیر أصل المستجدات التطوریة . ولقد عادت فی الحقیقة “ الوحوش المأمولة “ لجولدیشمیدت Goldschmidt . غیر أن المجموعات التی تأثرت بالطفرات واسعة النطاق ستصبح فی الحقیقة بمثابة مجموعات مهزومة فی صراع العیش .أما تحقیق الطفرات واسعة النطاق لزیادة التعقید (تطویر المعلومة الجینیة) ، فلیس له من أثر . ولو عجزت الطفرات البنیویة الضئیلة عن إحداث التغیرات اللازمة ، فإن الطفرات التی تعمل على الجینات الضابطة هی الأخرى لن تجدی نفعاً . حیث إنها سوف تأتی بتأثیرات لا تحقق التکیف ، وإنما تکون مدمرة . وهذه النقطة واضحة تماماً .  والأطروحة القائلة بأن الطفرات ـ سواء کانت کبیرة أو صغیرة ـ تستطیع أن تُحْدِث تغیراً بیولوجیا غیر محدود لا تزال باقیة کعقیدة أکثر منها واقع .41

وفی الوقت الذی تبین فیه الملاحظات والتجارب أن الطفرات لا تطور المعلومة الجینیة ، وإنما تدمر الکائنات الحیة ، فإن انتظار المدافعین عن التطور الطفری لما یمکن أن تحققه الطفرات من إنجازات عظیمة ، إنما هو تناقض واضح وصریح .

وَهْم الجماعات المحدودة

والمفهوم الثانی الذی یشدد علیه المدافعون عن التطور الطفری هو مفهوم “ الجماعات المحدودة “ . ووفقاً لهذا المفهوم یشیرون إلى أن تکوّن نوع جدید إنما یحدث فی الجماعات التی تأوی عددا قلیلا للغایة من الحیوانات أو النباتات . وبحسب هذا الادعاء فإن الجماعات التی تأوی أعداد کثیرة من الحیوانات لا تبدی نمواً تطوریاً ، وتحافظ على حالة الثبات . ولکن قد ینفصل عن هذه الجماعات جماعات صغیرة العدد ، وتتزاوج هذه الجماعات المنفصلة فیما بینها فحسب .(من المفترض أن هذا عادة ما ینشأ عن الظروف الجغرافیة) ویُدعى أن الطفرات واسعة النطاق فی هذه الجماعات التی تتزاوج فیما بینها تکون مؤثرة وفعالة ، وأنه یحدث تنوع سریع للغایة  .

وهنا ثمة سؤال یطرح نفسه: تُرى لماذا یرکّز المدافعون عن التطور الطفری عن مفهوم الجماعات المحدودة ؟ إجابة هذا السؤال واضحة . هی أن هدفهم هو السعی للإتیان “ بتفسیر” لانتفاء وجود النموذج البینی فی السجلات الحفریة . ولهذا السبب یشددون بتعنت على مقولاتهم بأن “ التغیرات التطوریة حدثت وبسرعة فی الجماعات المحدودة “ ، ومن ثم لم تتخلف عنها آثار حفریة قدر الکفایة .

بید أن التجارب والمشاهدات العلمیة التی أجریت فی السنوات الأخیرة أظهرت أن الجماعات المحدودة ـ من الناحیة الجینیة ـ لیست فی الوضع الذی یصب فی صالح نظریة التطور . فالجماعات المحدودة ـ إذا نحینا جانباً التطور بذلک الشکل الذی یؤدی إلى تکوّن نوع جدید ـ فإنها على العکس من ذلک تتسبب فی حدوث اضطرابات جینیة خطیرة . والسبب فی هذا إنما یرجع إلى تزاوج الأفراد فی الجماعات المحدودة داخل حوض جینی ضیق باستمرار . ولهذا السبب فإنه فی الغالب ما یصبح الأفراد ـ الذین کانوا فی حالة تباین بعید ـ تدریجیا فی حالة تشابه شدید . ونتیجة لهذا تصبح الجینات الفاسدة ـ التی کانت متنحیة (resesif )  فی الغالب ـ فی وضع سائد ومسیطر . وهکذا تظهر شیئا فشیئا اضطرابات وأمراض جینیة أکثر فی المجموعة .42

ومن أجل دراسة هذا الموضوع تم وضع مجموعة من الدجاج تحت ملاحظة استمرت 35 عاماً، تبین خلالها أن الدجاج الذی أُبقی داخل جماعة محدودة قد ضعف جینیاً بشکل تدریجی ، وانخفض معدل بیضه من 100% إلى 80% . کما هبط معدل تکاثره من 93% إلى 74% . غیر أنه بالتدخل الواعی للبشر أی بتهجین الجماعة بدجاج آخر جیء به من مناطق أخرى توقف هذا التدهور الجینی وبدأ یعود الدجاج إلى طبیعته .43

ویبیّن هذا وما شابهه من الاکتشافات أن زعم المدافعین عن التطور الطفری الذی لجأوا إلیه والقائل بأن “ الجماعات المحدودة هی مصدر النمو التطوری “ إنما هو زعم عار من الوجاهة العلمیة .

وقد عبَّر جیمس و. فالانتین James W . Valentine و دوجلاس هـ. إروین Douglas H . Erwin   عن استحالة نشأة نوع جدید بآلیات التطور الطفری حیث قالا:

“ إن سرعة التغیر اللازم تعنی عدة خطوات کبیرة أو خطوات صغیر بأعداد هائلة وسریعة بدرجة تتجاوز الحد . والخطوات الکبیرة تعادل الطفرات وتأتی فی رکابها بمشکلة معوقات التوافق . وتوَلِّد فترات الثبات إمکانیة وجود کافة السلالات فی السجلات الحفریة . ولکننا ـ عند اللزوم نکرر ـ لم نعثر على أی من النماذج البینیة التی افترضنا أنها حقیقیة . وأخیرا فإن النوع کثیر العدد ـ الذی یتعین تکاثره من أجل تکوین حوض تُنتخب السلالات الناجحة من داخله ـ لم یتأّت العثور علیه فی أی مکان على الإطلاق. ونتیجة لذلک فإن احتمالات إیجاد انتخاب الأنواع لحل عام یتعلق بأصل الأصناف البیولوجیة الأعلى لیست مرتفعة . وفی الوقت نفسه ما من واحدة من النظریتین المتناقضتین بالنسبة لتفسیر التغیرات التطوریة التی على مستوى الأنواع  ـ أی نظریة التطور التدریجی الوراثی أو نظریة التطور الطفری ـ تبدو ممکنة على مشکلة أصل التصمیمات الجسدیة الجدیدة .44

التطور الطفری خیبة أمل کبرى بالنسبة للتطوریین

الیوم فُندت تماماً الآلیة الخیالیة للتطور الطفری وبشکل علمی . وثبُت أن الکائنات الحیة لن یمکنها التطور بالأسالیب المذکورة . ومثلما یوضح “جیفری س. لیفینتون” Jeffrey S . Levinton أیضا ـ من جامعة ولایة نیویورک ـ فإن التکوّن المذکور للأنواع لو لم یتأّت له الظهور بوضوح فی السجلات الحفریة فإنه لیس هناک إمکانیة لاختبار النظریة . ومن هذا المنطلق توصل لیفینتون Levinton إلى نتیجة مؤداها أن “ الشواهد کلها تجعله (أی التطور الطفری) بمثابة نظریة غیر جدیرة بأن تُتبع “45

وهذا صحیح بالطبع . فالزعم الذی یشکل لب النظریة دُحض علمیاً . ولکن ما هو مهم فی الأساس هو حقیقة أن السجلات الحفریة التی ینطلق منها المنظّرون لم تکسِب التطور الطفری أی دلیل قط . بل على العکس دحضت النظریة . فحفریات الکائنات الحیة ـ التی فی حالة “ توازن” استمر ملایین السنین ـ بالملایین فی السجلات الحفریة . ولا أثر للتطور الذی یتعین ـ وفقاً کذلک للنظریة ـ أن یکون قد استمر لآلاف السنین . ولم تقدم السجلات الحفریة ولو نموذج لکائن من الکائنات الحیة التی کان یتوقع أن تکون قد مرت بتطور . وما من دلیل واحد یثبت أن التطور الطفری قد عمل بأی شکل من الأشکال . ویسعى التطوریون ـ نتیجة لضعف حیلتهم ـ إلى أخذ أحد أعظم الأدلة على حقیقة الخلق ، ویجعلون نقطة ارتکاز للتطور . وتؤکد هذه الحقیقة الوضع الوخیم الذی تردوا فیه .

لا تختلف حفریة سمکة قشر البیاض البالغ عمرها 50 ملیون سنة عن نماذجها التی تعیش فی عصرنا الراهن .

وهنا ثمة سؤال یفرض نفسه وهو: کیف حققت نظریة متناقضة هکذا کل هذه الشعبیة ؟ فی الحقیقة أن أغلب المنافحین عن التطور الطفری علماء الحفریات . ومن ثم فهم یرون بوضوح أن السجلات الحفریة تکذّب نظریة داروین. إلا أنهم یسعون للإبقاء علیها حیة مهما کان الثمن وکأنهم فی ذعر منها.


حفریة لنجم البحر عمرها 150 ملیون سنة ، تبین أن نجوم البحر لم تتغیر على الإطلاق طیلة ملایین السنین .

وعلى الجانب الآخر یرى علماء الجینات والوراثة والحیوان التشریح أنه لیست هناک آلیة من شأنها إحداث طفرات من هذا النوع . ولهذا السبب یستبسلون فی الدفاع عن نمط التطور التدریجی الداروینی . وینتقد ریتشارد داوکینس Richard Dawkins ـ عالم الحیوان بجامعة أکسفورد ـ بعنف المدافعین عن نمط التطور الطفری ویتهمهم بأنهم “ یقضون على مصداقیة نظریة التطور لدى الناس “ !
أما النتیجة الجوهریة التی یثبتها هذا الحوار العقیم بین الطرفین فهی الأزمة العلمیة التی تردت فیها نظریة التطور . فکل ما هناک أسطورة تطور خیالی لا یمکن توفیقها مع أی تجربة أو مشاهدة أو اکتشاف حفری . وما من ادعاء یُدعى قط یمکن اختباره . ویسعى کل منظِّر تطوری ـ وفقا لمجال تخصصه ـ لإیجاد سند لهذه الأسطورة . إلا أنه یدخل فی اشتباک مع اکتشافات مجال علمی آخر . وأحیانا ما تُبذل المساعی لفض هذا الاشتباک بالتفسیرات السطحیة وکأن “ العلم یتقدم بهذا النوع من المناقشات الأکادیمیة “.بید أن القضیة هی أن هذه المناقشات لیست ریاضات فکریة تُمارس باسم صیاغة نظریة علمیة سلیمة ، وإنما هی عبارة عن مضاربات دوغماتیة تمارس باسم الدفاع ـ بتعنت ـ عن نظریة خاطئة عاریة من الصحة .
أما الحقیقة التی یجلیها منظرّو التطور الطفری ـ دون وعی منهم ـ هی إظهار السجلات الحفریة لا تتفق مع مفهوم التطور بأی شکل من الأشکال ، وإبراز الثبات الذی هو أهم الحقائق الموجودة فی السجلات الحفریة . وقد أشار جولد Gould إلى هذا بقوله:

“ لقد عُومل الثبات ـ الذی یعنی عدم وجود التطور باعتباره أمرا حتمیاً ـ وکأنه لیس موضوعاً . غیر أنه لکم هو غریب أن أکثر الوقائع شیوعا والخاصة بعلم الحفریات قدّمته بوصفه موضوعاً لم یحظ بالاهتمام أو الانتباه ! “46

وبات کل الداروینیین مضطرین إلى الإقرار بحقیقة الثبات الموجود فی السجلات الحفریة ـ التی لم یریدوا رؤیتها وأهملوها عن عمد ولم یسلِّموا بها کمُعْطَى .أما عدم تأکد وجود الکائنات الحیة ـ التی کانت تمر بتطور ـ فی السجلات الحفریة ، أی انتفاء وجود الأشکال الانتقالیة البینیة فقد قضى على کل ما أُجری من مضاربات حول الثبات ، وأوضح أن هذا أهم دلیل على حقیقة الخلق .أما التطور الطفری فقد دُحضته الآلیات التی زعمها وکذا سجلات الحفریات التی سعى لإظهارها کدلیل .




32. Gould , S. J. 1980. “ Return of the Hopeful Monster “ ; The Panda’s Thumb , New York: W. W. Norton Co. , p. 186-193 . 30- htt://www.blavatsky.net/features/newsletters/2005/fossil_fossil_record.htm
33. htt ://www .blavatsky .net /features /newsletters /2005/fossil _fossil _record .htm
34. Stephen J. Gould , “ The Paradox of the First Tier: An Agenda for Paleobiology “ , Paleobiology , 1985, p. 7 – http://www.genesispark.org/genpark/after/after.htm
35. Niles Eldredge , “ Progress in Evolution ?” New Scientist , Vol. 110, 1986, p.55- http://www.genesispark.org/genpark/after/after.htm
36. N . Eldredge and I . Tattersall , The Myths of Human Evolution , 1982 , 48.
37. Stephen J . Gould , “ Cordelia s Dilemma ” , Natural History , 1993, p . 15
38. Kemp , Tom S . , “ A Fresh Look at the Fossil Record “ , New Scientist , Vol .108, 1985, p . 66- 67.
39. R. A. Fisher , The Genetical Theory of Natural Selection , Oxford , Oxford University Press, 1930 .
40. Ernst Mayr , Population , Species , and Evolution , Cambridge , Mass : Belknap Press , 1970, p . 235
41. Lane Lester , Raymond Boblin , The Natural Limits to Biological Change , Probe Book , Dallas , 1989 , p . 141 .
42. M. E. Soule and L. S. Mils , “ Enhanced: No Need To Isolate Genetics ‘ , Science , 1998, vol. 282, p. 165 .
43. R. L. Westemeier , J. D. Brawn , J. D. Brawn , S. A. Simpson , T. L. Esker , R. W. Jansen , J. W. Walk , E. L. Kreshner , J. L. Bouzat and K. N. Paige , “ Tracking The Longterm Decline and Recovery of An Isolated Population “ , Science , 1998 , vol. 282, p. 1995.
44. Valentine and Erwin , 1985, p . 96 – http ://www .arn .org /docs /abatasis .htm
45. http ://www .dhushara .com /book /evol /evop .htm
46. Gould . S . J . and Eldredge . N . , 1993. “ Punctuated Equilibrium Comes of Age “ , Nature , 366, p . – http ://www .answersingenesis .org /tj /v 8/i 2/punct .asp

حفریات الکویلاکانث أسکتت ما علیها من مضاربات ومزایدات

حفریات الکویلاکانث أسکتت ما علیها من مضاربات ومزایدات

الکویلاکانث Coelacanth سمکة طولها حوالی 150 سم ، لها بنیة ضخمة وحراشف تشبه الدرع تغطی جسمها کله . وهی تنتمی لطبقة الأسماک العظمیة (Osteichthyes )  ، وتُصادف حفریاتها ـ أول ما تُصادف ـ فی الطبقات التی تعود إلى العصر الدیفونی (فیما بین 408 ـ 360 ملیون سنة) .
وقبل عام 1938م جرى تقدیم حفریات الکویلاکانث باعتبارها حلاً لمشکلة کبیرة بالنسبة للتطوریین . حیث لم یکن هناک أی أثر للنماذج الحفریة البینیة التی کان من المتعین أن یوجد ملایین بل ملیارات منها فی السجلات الحفریة . وکان التطوریون فی حاجة إلى دلیل یوثِّق خروج الأحیاء المزعوم من البحر إلى البر . ولهذا السبب أخذوا حفریة الکویلاکانث التی رأوا أنها تناسب إلى حد ما هذا السیناریو ، وبدأوا فی ممارسة الدعایة علیها . وعلّقوا على زعانفها بأنها “ أرجل على وشک السیر” . أما الکیس الدهنی الذی وجدوه متحفراً فی جسمها فقد علَّقوا علیه بأنه “ رئة بدائیة “ . وفی الوقت الذی کانوا یعانون فیه من أزمة عدم توفر الأدلة ، کانت الکویلاکانث بمثابة طوق نجاة لهم. وقد ترتب على الادعاءات الزائفة تماماً والتی طُرحت حول هذا الکائن الحی ، أن بات التطوریون وکأنهم قد حصلوا أخیراً على “ إحدى “ الحلقات المفقودة التی ینبغی وجدوها بالملیارات . وقد أشار الدکتور جاکس میلوت Jacques Millot   التطوری الفرنسی ـ الذی کان قد أجرى دراسات لأعوام حول الکویلاکانث ـ إلى أنهم لجأوا إلیها وکأنها منقذ لهم ، حیث قال:

“ إن إحدى أکبر مشکلات التطور کانت تتمثل فی إیجاد التحول التشریحی فیما بین الأسماک وذرّیاتها الموجودة على البر ... وعلى مدى فترة زمنیة طویلة عانى التطوریون أزمة بسبب هذه الفجوة الهائلة الموجودة بین الأسماک والبرمائیات . بید أن هذه الفجوة قد تم تجاوزها بالدراسات التی أُجریت على الأسماک القدیمة ، وهنا تدخلت الکویلاکانث .20


یظهر ج. ل. ب. سمیث J . L . B . Smith   یتخذ وضعاً خاص للتصویر مع سمکة الکویلاکانث الثانیة التی صیدت حیة عام 1952 فی جزر القُمر .

غیر أن هوس التطوریین هذا لم یدم طویلا ، حیث کان اصطیاد الصیادین لنموذج حی من الکویلاکانث عام 1938 بمثابة تحطم الآمال بالنسبة للتطوریین. وقد عبَّر جیمس لیونارد بیررلی سمیث James Leonard Brierley   ـ الأستاذ المساعد بقسم الکیمیاء بجامعة رودس Rhodes   والرئیس الشرفی فی الوقت ذاته لمختلف متاحف الأسماک الموجودة على السواحل الجنوبیة لإنجلترا ـ عن دهشته إزاء هذه الکویلاکانث ـ التی تم صیدها ـ بقوله:

“... حینما رأیت هذا المنظر لأول وهلة صدمنی وکأنه انفجار أبیض ساطع ، وظللت ساکناً کعصا من حجر . نعم أنها کانت کویلاکانث حقیقیة بکل حراشفها وعظامها وزعانفها ما فی ذلک شک على الإطلاق. “21

یبدو فی الصورة ـ التی فی أسفل ـ ج. ل. ب. سمیث وهو یعمل على رأس الکویلاکانث التی تم صیدها حیة .  أما فی الصورة التی تبدو فی الجانب ، فتظهر الرسائل التی أُرسلت إلى ج. ل. ب. سمیث من متحف لندن الشرقی حول الموضوع ، والإخطار الذی أرسله ج. ل. ب. سمیث إلى صیادی الکویلاکانث .

ولقد کان العثور على هذه الحفریة البینیة الخیالیة (الکویلاکانث) ـ التی اعتُقد أنها کانت على صلة قریبة بأسلاف الإنسان المزعومین ـ حدثاً جللاً بالنسبة للأوساط الداروینیة . حیث تلاشى فی طرفة عین أکبر دلیل لنظریة التطور على التحول البینی الخیالی . وتبیّن أن أکبر نموذج یمثّل الخروج الأسطوری من البحر إلى البر إنما کان کائنا حیاً یعیش فی بحار وقتنا الحالی ولا یبدی أی سمة من سمات النموذج البینی على الإطلاق ، ویتسم بأقصى درجات التعقید . وکانت نظریة التطور لداروین قد تلقت ضربة قاصمة فی مواجهة هذا النموذج الحی . وفی أواسط شهر مارس من عام 1939 م التی قُدم فیها الکائن الحی للصحافة ، نُشرت فی الصحف والمجلات ـ من نیویورک حتى سیریلانکا وعلى مدار أسابیع ـ مقالات ذات صلة بالموضوع . وطُبعت صور بالحجم الطبیعی لهذا الکائن الحی فی صحیفة لندن الیوستراتید نیوز London Illustrated News   وإلى جوار الصورة کان هناک مقال للدکتور   إ. آ. وایت E . I . white   . أما عنوان هذا المقال فقد کان “ أحد أهم أحداث التاریخ الطبیعی فی القرن العشرین” وکان المقال یصف هذا الاکتشاف بأنه “مثیر للدهشة” وکان یُدعى أن هذا الحدث مدهش بقدر اکتشاف نموذج حی لدیناصور العصر المیزوزوی دیبلودکس Diplodocus الذی یبلغ طوله 5,2 متر .22

وقد أجرى ج. ل. ب. سمیث J . L . B . Smith فی السنوات اللاحقة الکثیر والکثیر من الدراسات على الکویلاکانث وکأنه کان قد أوقف حیاته على هذه الدراسات حتى رائداً لأنشطة بحثیة فی مختلف أنحاء العالم تتعلق  بالکشف عن الأحوال الحیة لهذه السمکة فی أعماق البحر والتمکن من دراسة الأجهزة الداخلیة لها بشکل تفصیلی . (أول کویلاکانث تم صیدها قُدمت بعد فترة طویلة من صیدها إلى عنایة ج. ل. ب. سمیث ؛ ومن ثم لم یکن ممکناً الحفاظ على صفة وهیئة أعضائها الداخلیة ) .

وفی الأعوام اللاحقة تم العثور على الکویلاکانث الثانیة ، والتی نفقت بعد فترة قصیرة من جراء إخراجها من المیاه العمیقة إلى المیاه الضحلة والفاترة. ولکن تأّتى دراسة أعضائها الداخلیة . وقد واجه الدکتور جاکس میلوت Jacques Millot وزملاؤه حقائق تختلف کثیرا عما کانوا یتوقعونه . حیث لم تکن الأعضاء الداخلیة لهذا الکائن الحی تبدی أی سمات بدائیة على الإطلاق مثلما کانوا یعتقدون ، ولم یکن یحمل خصائص التحول البینی التی تمثل جد بدائی خیالی . ولم یکن له رئة بدائیة مثلما ادعى التطوریون . والجزء الذی اعتقد الباحثون التطوریون أنه رئة بدائیة ، إنما کان عبارة عن کیس دهنی وُجد فی جسم السمکة .23

إضافة إلى أن هذا الکائن الذی قُدم للناس على أنه نموذج زاحف یتأهب للخروج من الماء ، إنما کان سمکة قاع تعیش فی أعمق میاه المحیطات ، ولا تصعد إلى ما فوق عمق 180 متر .24 بدلیل أن إخراجها إلى المیاه الضحلة قد تسبب فی نفوقها . ولهذا السبب ووفقاً لمیلوت  Millot   فإن هذا الکائن الحی الهام الذی یتعین أن یمثل “ الحلقة المفقودة “ التی کانوا یبحثون عنها کان یفتقد السمات البدائیة للکائن الحی الذی یدّعون أنه مر بالتطور.25 وبعبارة أخرى إن السمکة لم تکن نموذجاً بینیاً ، وکانت قد عاشت بالسمات المعقدة ذاتها فی البحار العمیقة على مدى 400 ملیون سنة .

یبدو فی الحفریة الموجودة فی الصورة أن حراشف الکویلاکانث هی الأخرى قد تحفرت على نحو شدید التفصیل . أما فی الجانب فتبدو حراشف کویلاکانث حیة. ولم یحدث أی تغیر فی بنیة هذه السمکة رغم مئات الملایین من السنین التی مرت وانقضت علیها .

حفریة للکویلاکانث عمرها 240 ملیون سنة عُثر علیها فی مدغشقر

ویدلی عالم حفریات تطوری یُدعى بیتر فوری Peter Forey   بدلوه فی هذا الموضوع بمقال نُشر فی مجلة Nature (الطبیعة) حیث یقول:

“ کان یحدونی الأمل فی الحصول على معلومات مباشرة حول التحول من أسماک إلى برمائیات مع العثور على الکویلاکانث حیث إن الرأی القائل بأن هذه الأسماک قریبة من جد التتربود tetrapod   کان یلقى قبولا منذ فترة طویلة . غیر أن الدراسات التی أجریت على الأعضاء التشریحیة للسمکة ووظائفها أظهرت أن فرضیة هذه العلاقة مجرد أمنیة لا حقیقة ، وأن تقدیم الکویلاکانث باعتبارها “ الرابطة المفقودة “ لیس له من سند . “26

ولقد بیّنت کل أسماک الکویلاکانث ـ التی شوهدت لمرات عدیدة فیما بعد ، وتمت متابعتها فی البیئة التی تعیش فیها ـ هذه الحقیقة الهامة مرارا وتکراراً وبشکل أکثر تفصیلا أیضا . والادعاء بأن زعانف هذا الکائن کانت تمر بتغیر بقصد السیر ، إنما کان مجرد خدعة .
وقد صرّح هانز فریک Hans Fricke   ـ عالم الحیوان الألمانی التطوری من معهد ماکس بلانک Max Planck ـ قائلا:

“ أعترف بأننی حزین ، لکننا لم نر الکویلاکانث فی أی وقط قط وهی تمشی على زعانفها “27

ولقد کان العثور على الحفریات الحیة وکثرتها مشکلة قائمة بذاتها بالنسبة للداروینیین . ولعل ظهور الکویلاکانث أمامهم باعتبارها “ حفریة حیة “ کان أکبر مشکلة قد واجهتهم ، حیث کانوا قد قدموها للناس من قبل على أنها نموذج للتحول البینی واتخذوها أداة للدعایة مثلما أرادوا وعرضوها على الناس باعتبارها “ أعظم دلیل “ .
وکان هذا الوضع یقضی على جمیع النظریات التی صاغها التطوریون حول الحفریات الحیة ، وکان الداروینیون قد زعموا أنه ـ کیما یستطیع کائن حی البقاء على حاله دون تغیر ـ ینبغی أن یکون “ معمماً “ . وبتعبیر آخر حتى لا یتغیر الکائن الحی یتعین أن یستطیع العیش فی کل البیئات والتغذی بکافة الأشکال . ولکن مع نموذج الکویلاکانث کان أمامهم کائن حی “ مخصصاً “ ومعقداً إلى أقصى درجة . وکانت هذه السمکة تعیش فی المیاه شدیدة العمق ، وکانت ذات بیئة ونسق تغذیة خاص . ومن هنا فإن ادعاءات التطوریین هذه هی الأخرى کانت باطلة . 
وکیف أظهر هذا الکائن الحی ـ وفقاً لمزاعم التطور ـ مقاومة ضد التغیرات التی حدثت على سطح الأرض خلال فترات حیاته ، وکیف استطاع البقاء دون تغیر ؟ وفقاً للتطور الأسطوری کان یتعین أن تکون القارات ـ التی تعرضت للتزیُّح قبل حوالی 250 ملیون سنة ـ قد أثّرت على الکویلاکانث التی تحافظ على وجودها منذ 400 ملیون سنة . إلا أن الکائنات الحیة ـ لسبب ما ورغم الظروف البیئیة المتقلبة منذ 400 ملیون سنة ـ لم تکن قد أظهرت أی تغیر على الإطلاق . وقد شرحت مجلة Focus (البؤرة) هذا الوضع حیث قالت:
“ وفقا للمعطیات العلمیة کانت جمیع قارات الدنیا متصلة قبل 250 ملیون سنة من عصرنا الراهن . وقد أُطلق على هذه الکتلة الیابسة العظیمة “ بنجیا “ Pangea   . وکان یحیط بها محیط واحد وضخم . وقبل حوالی 125 ملیون سنة انشق المحیط الهندی نتیجة لتعرض القارات للتزیُّح . وقد ظهرت الکهوف البرکانیة الموجودة فی المحیط الهندی ـ التی تمثل جزءا هاماً من البیئات الطبیعیة للکویلاکانث ـ بتأثیر تزیح القارات هذا . وعلى ضوء کل هذه المعطیات تبدو أمامنا حقیقة أخرى هامة ، هی أن هذه الحیوانات التی وُجدت منذ نحو 400 ملیون سنة لم تتغیر رغم کثیر من التغیرات التی حدثت فی البیئات الطبیعیة . ویؤکد هذا الوضع ـ دون أن یفسح المجال لأی مبرر کاذب ـ أن هذا الکائن ظل على حاله على مدى ملایین السنین دون تغیر ، بمعنى أنه لم یمر بتطور . وفی سیاق متصل بالموضوع أورد الأستاذ کیث س. تومسون Keith S . Thosom   الکلمات الآتیة فی کتابه الذی یحمل اسم (قصة الکویلاکانث) The Story of the Coelacanth :

“ ... وعلى سبیل المثال کانت أقدم سمکة کویلاکانث معروفة تحوز العضو الروسترالی Rostral نفسه ،(یطلق علماء الحیوان على الکیس المملوء بمادة شبه هلامیة والموجود داخل جمجمتها والأوعیة الستة المرتبطة به اسم العضو الروسترالی) ، وکانت تحوز مفصلا خاصاً لجمجمتها وحبلاً ظهریاً (notokord ) وعددا قلیلاً من الأسنان . وهذا کله ـ مثلما یبیّن أن المجموعة تکاد لم تمر بأی تغیر على الإطلاق منذ العصر الدیفونی (منذ 400 ملیون سنة) ـ فإنه یکشف عن وجود فجوة هائلة بین السجلات الحفریة .حیث أننا لا نملک سلسلة حفریات الأسلاف التی تبین ظهور السمات المشترکة التی تبدو لدى جمیع أسماک الکویلاکانث . “28

معلومات جدیدة تتعلق بالکویلاکانث
لا تزال المعلومات الأخیرة المتعلقة بالبنیة المعقدة للکویلاکانث تشکل مشکلة بالنسبة للتطوریین . یقول الأستاذ مایکل بروتون Michael Bruton ـ مدیر معهد ج. ل. ب. سمیث J . L . B . Smith لعلم الأسماک الشهیر عالمیا والموجود بجنوب إفریقیا ـ فیما یتعلق بالسمات المعقدة المکتشفة للکویلاکانث:



إن الداروینیین الذین أصیبوا بصدمة عنیفة أمام صید الکویلاکانث حیة ، صاروا وجها لوجه مرة أخرى أمام حقیقة منافاة نظریتهم للعلم . وقُد أُشیر إلى الأماکن التی صیدت فیها هذه السمکة حیة .     

“ إن الولادة إحدى السمات المعقدة لهذه الکائنات . فأسماک الکویلاکانث تلد ، حیث یتشقق بیضها الذی فی حجم ثمرة البرتقال بینما هو لا یزال داخل السمکة. علاوة على ذلک فإن هناک اکتشافات حول تغذی الصغار من جسم الأم بفضل عضو شبیه بالمشیمة . والمشیمة عضو معقد ؛ فهو إلى جانب توفیره الأکسجین والغذاء من الأم إلى الصغیر ، یقوم بإخراج المواد الزائدة عن حاجة التنفس والهضم من جسم الصغیر . وتبین حفریات الأجنَّة  embriyo fosilleri ـ التی ترجع إلى العصر الکربونی(الفترة ما قبل 360 ـ 290 ملیون سنة) ـ أن نظاماً معقدا کهذا وُجد قبل ظهور الثدییات بکثیر.29

ومن جهة أخرى فقد ثبُت استشعار الکویلاکانث للمجالات الکهروماغنطیسیة المحیطة بها ، الأمر الذی کشف عن وجود عضو إحساس معقد لدى هذا الکائن الحی . وبالنظر إلى نظام الأعصاب الذی یربط العضو الروسترالی للسمکة بالمخ، یسلِّم العلماء بأن هذا العضو یقوم بمهمة استشعار المجالات الکهروماغنطیسیة . وحینما یتم تناول وجود هذا العضو الفعال ـ الموجود فی أقدم حفریات الکویلاکانث والبنیات المعقدة الأخرى ـ بالدراسة تظهر مشکلة لیس للتطوریین قِبَل بحلها ، وهی المشکلة التی أُشیر إلیها فی مجلة Focus (البؤرة) کالتالی:

“ طبقا للحفریات ، فإن تاریخ ظهور الأسماک یوافق ما قبل 470 ملیون سنة من وقتنا الحالی . أما ظهور الکویلاکانث فبعد 60 ملیون سنة من هذا التاریخ . وظهور هذا المخلوق ـ الذی کان من المتوقع أن یکون ذا سمات بدائیة للغایة ـ فی بنیة بالغة التعقید لهو أمر یثیر الدهشة . “30

ولقد جاء ظهور الکویلاکانث ببنتیها المعقدة ـ فی فترة ینتظر فیها التطوریون العثور على الکائنات الحیة البدائیة الخیالیة ـ  بالتأکید مثیرا للدهشة بالنسبة لهم ، وهم الذین کانوا یتطلعون إلى وجود وتیرة تطور تدریجی على مراحل . أما بالنسبة لشخص یُعْمِل عقله ویستطیع أن یدرک أن الله قد خلق الکائنات الحیة کلها فجأة ببنیاتها المعقدة والفعالة کیفما شاء وحینما أراد ، فلیس هناک ما یبعث على الدهشة . ویُعد کل واحد من النماذج التی خلقها الله تعالى خالیة من العیوب وسیلة من أجل تقدیر قدرة الله تعالى ومعرفة قَدْرِه .

أما الکویلاکانث التی تم صیدها عام 1966م وجُمِّدت فقد قدمت معلومات جدیدة حول ترکیبة دم هذا الکائن الحی . فجمیع الأسماک العظمیة (Osteichthyes ) ـ باستثناء الکویلاکانث ـ تسد احتیاجاتها من الماء  بشرب ماء البحر وتتخلص من الملح الزائد عن حاجة أجسامها . أما النظام الموجود فی جسم الکویلاکانث فإنه یحاکی النظام الموجود لدى سمک القرش الذی یندرج ضمن طبقة الأسماک الغضروفیة (Chondrichthyes ) .إذ یحوّل ملح النشادر ـ الناتج عن تفتت البروتینات ـ إلى بول . ویحبس هذا البول ـ الذی یکون فی مستویات ممیتة بالنسبة للإنسان ـ فی الدم . و یُضبط معدل هذه المواد الموجودة فی الدم تبعا لمعدل ملوحة الماء المحیط بها . وتکون المحصلة أن الدم یصبح فی وضع متعادل isotonic   مع ماء البحر (بمعنى أنه قد حدث أن تعادل الضغط التناضحی (الأسموزی) للماء الموجود فی الداخل والخارج ،أی أنه وصل إلى نفس الترکیز) ؛ ومن ثم لا یُفقد الماء إلى الخارج .وقد تبین کذلک أن الکویلاکانث تحوز الإنزیمات اللازمة لإنتاج البول . مما یعنی أن هذه السمکة تحوز سمات دم أصیلة لیست موجودة لدى أی نوع آخر فی الطبقة التی تندرج فیها ، بید أن هذه السمات قد ظهرت لدى أسماک القرش التی تدخل ضمن طبقة مختلفة تماماً.31

ویشیر کل ما سبق إلى حقیقة وهی أن الکویلاکانث ـ التی ادُعی أنها تشکل أکبر حلقة فی  سلسلة تطور الکائنات الحیة المزعوم ـ قد کذَّبت جمیع مزاعم التطوریین بنماذجها الکثیرة التی تعیش فی وقتنا الراهن .  کما یُظْهِر هذا النموذج إلى أی مدى یستطیع التطوریون أن یمارسوا دعایة شاملة “دون الاستناد إلى أی دلیل مادی ملموس “ ، وکیف یستطیعون نشر هذه الخدعة والترویج لها . وعدم تخلیهم عن ادعاءاتهم ـ حتى بعد العثور على نموذج حی للکویلاکانث ـ واستمرارهم فی البحث فیها عن “ الزعنفة التی تمر بتغیر من أجل المشی “ لَهُوَ أمر ملفت للنظر . وهم لم یستطیعوا العثور على أی دلیل قط حول وجود نموذج تحول بینی للکویلاکانث التی اتضح أنها کائن حی مخلوق بسبب ما لها من سمات معقدة بالغة الکثرة . وسعوا للکشف عن أدلة تدعم کفرهم بوجود الخالق ، لکن الله تعالى محق أدلتهم الزائفة ، فباتوا وجهاً لوجه مع حقیقة تنهض دلیلا على خلق رائع بالغ الإتقان.




20. Jacques Millot , “ The Coelacanth “ , Scientific American , Vol. 193, December1955, p.34 – http://www.creationscience.com/onlinebook/ReferencesandNotes65.html
21. Samantha Weinberg , A Fish Caught in Time ; The Search For the Coelacanth , Perennial Publishing , 2000, p .20 .
22. Samantha Weinberg, A Fish Caught in Time; The Search For the Coelacanth , Perennial Publishing, 2000, p. 28-29-30 l
23. www.ksu.edu/fishecology/relict.htm
24. Bilim ve Teknik , Kas?m 1998, Say? 372, s .21; http ://www .cnn .com /TECH /Science /9809/23/living .fossil /index .html
25.
Samantha Weinberg, A Fish Caught in Time; The Search For the Coelacanth , Perennial Publishing, 2000, p. 102 .
26. P. L. Forey, Nature, Vol 336, 1988, p.7.
27. Hans Fricke , “ Coelacanth: The Fish That Time Forgot “ , National Geographic , Vol.173, No. 6, June 1988, p. 838- http://www.creationscience.com/onlinebook/ReferencesandNotes65.html
28. Focus , April 2003
29. Focus, April 2003
30. Focus , April 2003
31. Focus , April 2003



السجلات الحفریة تثبت الخلق (الثبات فی السجلات الحفریة)

السجلات الحفریة تثبت الخلق

(الثبات فی السجلات الحفریة)

صادف علماء الحفریات ـ الذین أجروا دراسات على طبقات القشرة الأرضیة ـ حفریات على قدر کبیر من الأهمیة . وکانت هذه الأحیاء ـ التی عُثر علیها فی الطبقات الحفریة البالغ عمرها ملایین السنین ـ هی نفسها عناکب عصرنا الراهن وذبابه وضفادعه وسلاحفه وأسماکه . وقد عاشت هذه الکائنات ـ التی یتعین وفقاً للتطور أن تبدی تغیراً خلال الحقبة الزمنیة التی تقدر بملایین السنین ـ بأعقد أحوالها فی أقدم عصور التاریخ  ، ووصلت إلى عصرنا الراهن دون أن یبدو علیها أی تغیر على الإطلاق . أی أنها لم تتطور ، وأن ثمة ثبات فی السجلات الحفریة ما کان ینبغی أن یکون موجوداً طبقاً لوجهة نظر التطوریین.
ولقد کان داروین یعی إلى أی مدى کانت هذه الأحیاء ـ التی ظلت على حالها طیلة ملایین السنین ـ تمثل مشکلة کبیرة بالنسبة لنظریته . وکثیراً ما کان یفصح عن هذا . وقد أطلق على هذه الحفریات الخاصة اسم: الحفریات الحیة . وشدد بیتر دوجلاس وارد Peter Douglas ward   ـ عالم الحفریات نصیر التطور ـ على هذه المشکلة ، حیث قال:

“ بید أن العقیدة الجوهریة والأصلیة لداروین ، هی کون معظم الأحیاء قد تغیر على مر الزمن . لکن تُرى هل بالمستوى نفسه تغیرت هذه الأحیاء ؟ أم أن معدل التغیر کان متبایناً ؟ کان داروین على ثقة من أن معدل التغیر مختلف ؛ فما سبق أن رآه کان یمکن أن یکشف عن کائنات حیة بالغة الکثرة علاوة على أن بعضها کان له کثیر من أشباه الحفریات التی تخرج من الطبقات القدیمة نسبیاً . “

وقد واجه داروین هذه المشکلة مرات عدیدة ، ورغم أنه کان یبدو مطمئناً فی التفسیر الذی أدلى به فی کتابه “ أصل الأنواع” ، فإن توجهه  بموضوع  “الحفریات الحیة” بصفة مستمرة إلى عنایة القارئ ، کان یشی بأنه لم یکن مطمئناً تماماً فی هذه النقطة . ففی سیاق متصل بالموضوع کتب  ـ على سبیل المثال ـ  یقول:

“ فی بعض الأحوال تبدو الأشکال التی تعدّلت بدرجة منخفضة وکأنها قد حُفظت حتى عصرنا الراهن . وکانت قد عاشت فی مناطق محدودة أو خاصة ، تعرضت فیها لمنافسة أقل خطورة ، وخفضت سرعة إمکانیة التغیر بشکل یناسب أعدادها المحدودة “

ورغم هذا التوضیح ،ظل وجود “ الحفریات الحیة” ـ التی سماها داروین بنفسه ـ یؤرقه ، وأصبح بمثابة ورقة رابحة یمکن أن یستغلها ضده الکثیرون من منتقدیه . 12


لا تختلف حفریة الضفدع هذه ـ التی یبلغ عمرها 49 ملیون سنة والتی عُثر علیها فی ألمانی ـ عن نماذجها الحیة فی عصرنا الراهن .

کان داروین قد وصف الأحیاء المذکورة بأنها “ أحیاء تعدلت بدرجة منخفضة “ ولهذا السبب کان یسعى للتقلیل من شأن المشکلة بالعمل على إیجاد مبرر زائف لبقائها حیة . غیر أن هذه الحفریات لم تکن تختلف عن أحیاء وقتنا الحالی ، حیث کانت ذات خصائص بالغة التعقید والتطور . ولم یکن ممکناً تفسیر بقاؤها حیة بعدة مبررات کاذبة اضطر داروین نفسه إلى الاعتقاد بها . أما بالنسبة لمؤیدی داروین فلم تبق المشکلة محدودة قدر ما کانت علیه أیام أستاذهم ، فعدد الحفریات الحیة التی خرجت من شطر عظیم من طبقات الأرض کان یتجاوز الملایین . وکانت عملیات البحث عن الحفریات البینیة تسفر عن اکتشافات حفریة حیة . وکانت الکائنات الحیة تخرج من الطبقات البالغ عمرها ملایین السنین بأحوالها التی علیها فی وقتنا الحالی . ویُعد هذا الوضع من أهم الأدلة على السقوط الکبیر لنظریة التطور . ورغم أن داروین کان یساوره القلق بشکل کبیر من وجود الحفریات الحیة على عهده ، إلا أنه لم یکن یفطن ـ إلى حد ما ـ إلى شمولیتها .إذ کان غافلا عما ستکشف عنه السنوات اللاحقة من المزید من نماذج الحفریات الحیة . ولکم کانت خیبة أمل عظیمة له ولنظریته أن کشفت السنوات اللاحقة له عن نماذج الحفریات الحیة باستمرار بدلاً من نماذج التحول البینی التی کان ینتظرها .


تبین هذه الحفریة أن أسماک القرش ـ التی عاشت قبل 95 ملیون سنة ـ لا تختلف عن مثیلاتها الموجودة فی وقتنا الحاضر . وما من شیء یسع الداروینیین فعله فی مواجهة هذه الحفریة إلا أن یقروا بأن نظریتهم لیست إلا أسطورة ولیدة الخیال .

والآن یتجاوز عدد الحفریات الحیة ـ التی استُخرجت من الطبقات الحفریة ـ الملایین . وفی حین یقتصر الاهتمام على بعض هذه الحفریات الاهتمام ، فإن الشطر الأعظم منها یُنقل إلى مخازن المتاحف المتنوعة . غیر أن حقیقة الحفریات الحیة لیست بالحقیقة التی یمکن طمسها بالتعتیم علیها ؛ حیث تکشف کل طبقة حفریة ـ یجری البحث والتنقیب فیها ـ باستمرارعن المزید من نماذج الحفریات الحیة. وقد یظن أولئک الذین یتابعون التطورات من الصحف أن ما عُثر علیه لا یعدو کونه عدة نماذج من الحفریات الحیة محددة العدد نادرة الوجود إلى حد ما . غیر أن الحقیقة لیست کذلک ، فهذه الحفریات فی کل حدب وصوب ، وهی تمثل الکائنات الحیة لعصرنا الراهن فیما قبل ملایین السنین .

ویعجز أتباع داروین بدورهم عن تفسیر هذا الثبات الموجود فی السجلات الحفریة الذی سبق أن عجز داروین عن تفسیره . وفی البدایة ادعى التطوریون أن الأحیاء مثل الصرصور ـ الذی عُثر على نماذج له تبلغ من العمر 350 ملیون سنة ـ کانت أحیاء “ تستطیع العیش فی کل الأجواء والتغذی بشتى الأشکال ، ومن ثم لم تتغیر “ . ولم یتطرق هؤلاء مطلقاً ـ لسبب أو لآخر ـ إلى سؤال هو: کیف ظهر صرصور عاش قبل 350 ملیون سنة فی عصر بدائی مزعوم ـ وفقا للتطوریین ـ بکل خصائصه المعقدة ؟


لم یکشف ما أُجری من عملیات التنقیب عن الحفریات فی شتى أنحاء العالم منذ 150 سنة عن حفریة واحدة تدعم التطور ، وکل ما جُمع من حفریات یؤید حقیقة الخلق.  

کما أنهم غضّوا الطرف متعمدین عن ضرورة أن یکشف هذا الکائن الحی ـ مهما کان متوافقاً مع البیئة ـ عن تطور ، وذلک وفقا لزعم نظریتهم . ثم توالى صدور مزاعم أخرى حول کائنات حیة أخرى . حیث زعموا أن “ضب تواترا” Tuatara ـ الذی یرجع إلى ما قبل 200 ملیون سنة ـ قد مر بتطور تدریجی، الأمر الذی یتعارض مع حقیقة کونه لم یتغیر . ولکن هذا الزعم ـ لسبب أو لآخر ـ لا یسری على الصراصیر سریعة التکاثر والتی یتوافر منها نماذج یبلغ عمرها   5,3 ملیار سنة ، ولا ینسحب کذلک على “البکتریا القدیمة” arkeabakteriler   التی تتکاثر فی دقائق . وهذا هو السبب وراء قصر التطوریین اهتمامهم على قسم من الحفریات الحیة دون قسم آخر . وتلفیق مبرر ـ من أجل بعض الحفریات الحیة ـ حتى ولو لم یکن یتفق مع العلم والمنطق ویتسم بالتناقض ، فإنه بالنسبة لهم أمر عادی ومألوف إلى أقصى درجة . ولو أن جمیع الحفریات الحیة وُضعت فی حیز الاهتمام ، فلن یکون من الممکن أو المقنع على السواء إیجاد مبرر لکل واحدة منها .

وقد جاء فی تعلیق لمجلة  New Scientist “ أن المراحل التطوریة لا تستطیع أن تفسر إلحاح جمیع الحفریات الحیة “ ، وتابعت المجلة هذه التعلیق مشیرة إلى احتیاج التطوریین المستمر لإیجاد مبررات زائفة ، وکیف ظلت هذه المبررات بلا فائدة ، حیث قالت:

“ کل هذا یقدم مشهدا معقدا غیر واضح إلى حد ما للباحثین عن سر هذه الحیاة الاستثنائیة . کن معمماً أو مخصصاً . عش سریعاً أو بطیئاً . ابق بسیطاً أو لا تبق . کن فی المکان والزمان الصحیحین . ولو أخفقتَ فی سائر الأشیاء ، حینئذ جرِّب أن تکون “ نوعا ممتازاً “ مبارکاً بفسیولوجیا تستطیع أن تقاوم کل      شیء ....13

وبتعبیر آخر أن الدارونیین على استعداد للإتیان بمختلف التفسیرات لوجود الحفریات الحیة إلا حقیقة الخلق . ولو ظلت کل تفسیراتهم عقیمة ، فإنه من الجائز ـ مثلما أوضحت مجلة  New Science   ـ أن یعتبروا هذا الکائن الحی “ نوعا ممتازاً “ . والشیء الوحید الذی لا ینبغی فعله ـ من وجهة نظر الداروینیین ـ هو التسلیم بأن هذا الکائن “ قد خُلق “ . وقد دُحضت هذه الادعاءات المتناقضة ـ التی التجأ إلیها داروین وعادة ما یخجل داروینیو عصرنا الراهن أیضاً من أن یصرّحوا بها ـ تماماً فی مواجهة العدد الهائل للحفریات التی توثِّق الثبات فی حد ذاتها . والحفریات الحیة من الکثرة بحیث لا یمکن إنتاج سیناریوهات بشأنها ، وهی تظْهِر فی جلاء أن التطور لم یحدث . ووفقاً للتطور فإن ثمة کائن حی أشبه بالذئب ، کان قد نزل البحر ذات یوم وتحول فی غضون خمسین ملیون سنة إلى حیوان ثدیی بحری عملاق مثل “حوت البال”.14 وما دام التطور یستطیع ـ رغم کل هذه اللامنطقیة ـ أن یحول حیوانا بریا شبیها بالذئب فی خلال فترة قصیرة بهذا القدر ، لِمَ لم یُلحِق أی تغیر على الإطلاق على مدى 160 ملیون سنة بحیوان سمندل ؟ لم یجب أی تطوری مطلقاً على هذا السؤال بشکل علمی .

علاوة على أن هذا الوضع لا یسری على السمندل فحسب ، وإنما یسری کذلک على ما یفوق الحصر من الأنواع ـ التی سوف نطالع نماذجها فی الأقسام المتقدمة من الکتاب ـ والتی لها نماذج تعیش فی وقتنا الراهن . وقد أشار نیلز إلدردج Niles Eldredge نصیر التطور ـ من علماء حفریات المتحف الأمریکی للتاریخ الطبیعی ـ إلى تأکد الثبات الموجود فی السجلات الحفریة بنماذج غایة فی الکثرة ، حیث قال:

“ لقد بات الثبات وقد وُثِّق مرات کثیرة باعتباره سیاقاً حفریاً مهیمناً فی التاریخ التطوری للأنواع .15


یبلغ عمر حفریة الصرصور هذه 125 ملیون سنة ، وهی توجه ضربة ساحقة إلى نظریة التطور التی تزعم أن الکائنات الحیة تتطور بالمرور بتغیرات مستمرة . ولم تتغیر هذه الأحیاء مطلقاً خلال ملایین السنین التی مرت علیها .

ولقد أثبتت النماذج التی عُثر علیها فی وجه الأرض أن شطراً عظیما من الکائنات الحیة عاشت قبل ملایین السنین بذات الخصائص التشریحیة ، بحیث أن 84% من فصائل الحشرات ـ التی وُجدت قبل 100 ملیون سنة ـ تعیش الیوم.16

وقد شرحت مارجریت هیلدر Margaret Helde ـ عالمة النبات ـ هذا التنوع المدهش الموجود فی الحفریات الحیة ، فی إشارة کذلک إلى آراء  “نیلز إلدردج” ، إذ قالت:

“ إن تعریف کائن حی باعتباره حفریة حیة ، إنما هو مرهون بدرجة التشابه ـ التی یتحراها الشخص الذی یقوم بدراسته ـ بین حاله الحی وحاله الحفری . ولو سیجرى تعریف من زاویة التصنیفات العامة للکائنات الحیة أی مثل زواحف بصفة عامة ، أو سرخسیات بصفة عامة ، أو حتى مجموعات محددة لأعشاب السرخس فإنه حینئذ ـ ووفقاً لوجهة نظر نیلز إلدردج “ وبحسب معیار کهذا ، یکاد یکون کل شیء حفریة حیة “17


یبلغ عمر حفریة العقرب هذه 110 ملیون سنة ، أما حفریة الجرادة فیبلغ عمرها 108 ـ 92 ملیون سنة ، وهما یقیمان الشاهد على أن هذه الأحیاء اختصت بالبنیة والخصائص نفسها على مدى عشرات الملایین من السنین ، وأنها لم تتغیر قط ، مما یعنی أنها لم تتطور .

ولیتسع التعریف بهذا القدر أو لا ، فإن التوصل إلى نتیجة عدم کون الحفریات الحیة قلیلة على الإطلاق إنما هو أمر مؤکد إلى حد بعید . وما من شک فی أن ظهور هذه الکائنات الحیة بأعداد وفیرة لیس أمراً مثیراً للدهشة بالنسبة لشخص فَطِن حصیف . ولو یتأتّى لشخص أن یتبیّن من النماذج الواضحة أمامه أن الله خلق الکائنات جمیعاً ، حینئذ یستطیع أن یعی الدلیل الذی تکشفه له السجلات الحفریة . إن الکائنات الحیة لم تتطور ، وقد ظهرت على مر التاریخ فجأة وبسمات بالغة التعقید والکمال . وهذا الوضع إنما یشیر إلى أن الکائنات الحیة مخلوقة کلها . ومن السهل جداً بالنسبة لله عز وجل أن یکون قد خلق وأوجد من قبل ملایین السنین کائناً حیا موجود الیوم بکل السمات الرائعة .أما بالنسبة لأولئک الذین یستطیعون أن یقدّروا هذا فإن وجود الحفریات الحیة تُعد کل واحدة منها فی حد ذاتها دلیلاً على الخلق فائق الإبداع لله تعالى . ولا یخرِج وجه الأرض أدلة التطور التی یدعیها داروین ، ویصدِّق على حقیقة الخلق . ونیلز إلدردج Niles Eldredge واحد فحسب من لأولئک التطوریین الذین اعترفوا بهذا ،إذ یقول:

“ إن الاستنتاجات البسیطة لا نفع منها ، ومنذ أن قال لنا داروین ـ عندما کنا نقوم بجمع حفریاتنا من سفوح الجبال ـ یتعین أن یکون الانتخاب الطبیعی قد ترک أشارة هکذا وبشکل تام ، فطنتُ فی الستینیات إلى أننی بذلت مجهودا فی غیر طائل من أجل توثیق نماذج تغیر تدریجی وثابت الوجهة کنا جمیعا نعتقد فی حتمیة وجودها هناک . وعلى عکس هذا الادعاء لداروین ، رأیتُ أن الأنواع الحیة تکاد لا تبدی أی تغیر على الإطلاق بعد أن تظهر دفعة واحدة فی السجلات الحفریة. کما کانت تناهض الصدفة بشکل یتسم بالإصرار والضراوة .18  ویشیر هذا کله إلى أن مزاعم التطوریین ـ مثل: “الأدلة الموجودة فی السجلات الحفریة” ، و” الوتیرة التطوریة “ ، و” التغیر التدریجی أو الطفری الموجود لدى الکائنات الحیة “

إن هی إلا محض مضاربات . وما من امرئ قط یطالع الحقائق الواردة بالسجلات الحفریة یمکن أن یصدق مضاربات داروین هذه والتی سوف تُفنّد بشکل أکثر تفصیلاً فی الأقسام المتقدمة من الکتاب . وقد عبر بییر بول جراس Pierre Paul Grasse   ـ عالم الحیوان الشهیر عالمیاً وأحد أنصار التطور ـ عن وهم التطور المذکور ، حیث قال:

“ إن ادعاءات جولیان هوکسلی Julian Huxley وغیره من علماء الأحیاء بأن “ التطور ماضٍ فی عمله “ ما هی إلا محض ملحوظة للحقائق الدیموغرافیة وتقلبات النمط الجینی genotype الإقلیمیة والتوزیعات الجغرافیة ؛ إذ ظلت الأنواع المذکورة فی الغالب على حالها على مدى مئات القرون . والتقلبات التی حدثت نتیجة لظروف بیئیة ، وتلک التی حدثت من قبل فی المکوِّن الصبغی Genome لا تعنی التطور . وتحت أیدینا أدلة ملموسة لحفریات حیة ظلت دون تغیر على مدى ملایین السنین .19

مثلما أن نظریة التطور عاجزة عن تفسیر أصل الکائنات الحیة ، هی أیضا لا حیلة لها أمام اختلاف الأنواع .

وإنها لضرورة ملحة فی البلاد التی ظهرت فیها نماذج الحفریات الحیة أن تعیرها حکوماتها الاهتمام ، وتعرِّف العالم بهذه الأدلة العلمیة الهامة . وإلا فإنه عن طریق الدعایة والخدیعة سوف یستمر المفهوم المعاکس تماما للحقائق التی یکشف عنها العلم ـ أی نظریة التطور ـ فی تلقى الدعم دون تفکیر . والحقیقة التی تبدیها السجلات الحفریة التی توثِّق تاریخ الحیاة على سطح الأرض هی أن الأحیاء لم تتطور ، وأنها ظهرت فجأة وبکافة سماتها المعقدة . مما یعنی أن السجلات الحفریة قد وثّقت حقیقة الخلق .

یظن الناس ـ ممن لیس لهم قریب صلة بالموضوعات العلمیة ـ أنه قد عُثر على نماذج لحفریات نادرة فیما أُجری من عملیات التنقیب عن الحفریات ، وذلک استنادا على ما ورد بالصحف من أخبار . وبتوجیه من الصحافة کذلک یعتقدون أن هذه الحفریات التی تم العثور علیها إنما هی الأدلة المزعومة على صدق نظریة التطور . غیر أن الحقیقة لیست کذلک ، حیث عُثر ـ حتى الیوم ـ على ملایین الحفریات فی إنجلترا ولبنان وروسیا وکندا ومدغشقر والصین والولایات المتحدة الأمریکیة والبرازیل وبیرو ، وباختصار فی أغلب بقاع العالم، ولا یزال یُعثر على مزید من الحفریات . وتحفظ هذه الحفریات فی المتاحف الموجودة بدول العالم المختلفة ، أو فی مجموعات خاصة بالعلماء والباحثین . وعلى الرغم من أن الداروینیین یظهرون هذه الاکتشافات للرأی العام محرفةً ، أو یجتهدون لحجب معظمها عن الناس ، إلا أنه بات من المستحیل علیهم أن یخفوا الحقائق . والحقیقة التی تکشف عنها الحفریات مؤداها أنه:
1ـ الکائنات الحیة لم تتشکل تدریجیا ، إذ ظهرت کل الأنواع الحیة فجأة .
2ـ الکائنات الحیة لم تتغیر قط طیلة فترة استمراریة سلالاتها . وبعبارة أخرى فإن أطروحة الداروینیین ـ القائلة بأن الکائنات الحیة نتجت وتطورت عن بعضها بعضاً مروراً بتغیرات طفیفة ـ أطروحة باطلة ، کما أن خلق الله للکائنات الحیة کلها من عدم إنما هو حقیقة علمیة . 

فی حین لا یستطیع الداروینیون الکشف ولو عن حفریة واحدة تثبت أن الکائنات الحیة قد تطورت ، فإن هناک ملایین الحفریات المعروضة فی مئات المتاحف ، والمخبأة فی کثیر من مخازن المتاحف والمحفوظة فی کثیر من أقسام الحفریات والمقتناة فی مجموعات العلماء والباحثین ، تصرِّح بأن الکائنات الحیة قد خُلقت. وأمام الوفرة العددیة لهذه الحفریات فإنه لیس بوسع التطوریین إلا التسلیم بأن الاکتشافات الحفریة لا تؤید التطور . وبالفعل بات کثیر منهم یقرون بأن السجلات الحفریة ثریة إلى أقصى درجة ، إلا أن هذا الثراء لا یدعم التطور ، بل على العکس من هذا تماماً یدحضه . من بین هذه الأسماء ت . نیفیل جورج T . Neville George   الأستاذ بجامعة جلاسجو Glasgow   الذی یقول:

“ لقد بات من المستحیل الإدلاء بتصریح من شأنه أن یقضی على الضعف “ التطوری” للسجلات الحفریة ؛ لأن ما بین أیدینا من سجلات حفریة على درجة فائقة من الثراء ، ویبدو من المستحیل العثور على أنواع جدیدة بالأنشطة الکشفیة الجدیدة . ورغم مختلف الأنشطة الکشفیة فإن السجلات الحفریة لا تزال تتشکل من الفجوات التی بین الأنواع . “ (T .Neville George , “ Fossils in Evolutionary Perspective “ , Science Progress , vol 48, January 1960, p .1-3)





12. Peter Douglas Ward, On Methuselah's Trail, W. H. Freedman and Company, 1992, p. 10
13. "The Creatures Time Forgot," New Scientist, 23 October 1999, p. 36
14. Balinalar?n Evrimi “ تطور حیتان البال  , National Geographic , November 2001 , p .156-159
15. Niles Eldredge, Reinventing Darwin, 1995, p. 77
16. http://www.icr.org/index.php?module=articles&action=view&ID=774
17. Eldredge and Steven M. Stanley. Eds., 1984, Living Fossils, New York Springer Verlag, 1984, p. 3
18. http ://www .create .ab .ca /articles /Ifossils .html
19. Philip E . Johnson , Darwin On Trial , Invervarsity Press , Illinois , 1993, p . 27; http ://jshualetter .org /evolution /paper /3_critiques _of _darwinism .htm

زعم الحفریة البینیة إنما هو خدعة

زعم الحفریة البینیة إنما هو خدعة

“ من الناس من یظن أن الحفریات تنهض دلیلا على آراء داروین حول تاریخ الحیاة . غیر أن هذه فکرة خاطئة بالطبع “ .4

(الدکتور دافید روب David Raup نصیر التطور ورئیس قسم الجیولوجیا بمتحف التاریخ الطبیعی بشیکاغو) .

ومن بین أهم الأشیاء التی یلقاها الزوار الذین یرتادوا أیما متحف طبیعی ، هو دعایة مکثفة لنظریة التطور . ولا شیء أمامهم یزید عن رسومات تخیلیة للماضی و عظام مصطنعة خاصة بالأسلاف الخیالیین . وتُقدم قطعة متحفرة واحدة لکائنات حیة لا تشکل أی دلیل على التطور ،على أنها أهم “ دلیل للشکل البینی “ للتحول الأسطوری من سمکة إلى برمائی . ، ویُعرض بزهو عظیم ضلع هو فی الأصل یؤکد حقیقة الخلق ،غیر أن التطوریین حولوه على العکس من ذلک وقدموه على أنه “ أدل دلیل على التطور” . وشطر عظیم من الزائرین الذین یتفحصون هذا ، یطالعون الشروح التفصیلیة التی تعرِّف بالحفریات المزعومة وأسماءها اللاتینیة ، ویقتنعون أنهم وجها لوجه أمام حقیقة تطوریة . غیر أن الهدف هنا فی حقیقة الأمر ، هو إظهار شیء لیس له وجود وکأنه موجوداً . ویقومون بالدعایة لشیء غیر موجود . ویحسب التطوریون أنهم قد حققوا هدفهم المشار إلیه ، حیث إن رواد المتحف ربما لا یفطنون إلى أنه “ لیس هناک ولو حفریة بینیة “ تدعم التطور ، وأن ثمة حفریات لکائنات حیةـ لم تتغیر منذ ملایین السنین على عکس زعم نظریة التطورـ مخبأة فی المخازن التی أسفل صالة العرض تماماً . وما یبذله التطوریون من سعی فی الأساس إنما هو سعی عقیم یذهب أدراج الریاح . فلم یتأت العثور على حفریة تحول بینی واحدة تؤکد حدوث التطور على وجه الأرض ، وما من أثر لوجود هذه الکائنات الحیة الخیالیة والغریبة والنصف متطورة التی تقتضی الضرورة أن تکون قد عاشت على مدار ملایین السنین . ووتیرة التطور إنما هی مجرد اعتقاد ، وطیف خیال یرغب التطوریون بشدة فی أن یتحقق . بید أن السجلات الحفریة لم تحقق هذا الخیال . إذ تم استخراج أعداد هائلة من الحفریات من سطح الأرض کله إلا قلیلا . والحفریات التی لم یتأت العثور علیها على عهد داروین ، لا وجود لها إلى الآن . ویستحیل کذلک العثور علیها . لأن التطور لم یحدث ، ویسعى التطوریون إلى إنعاش التطور الخیالی بتلفیق النظریات الزائفة وتشکیل نماذج التحول البینی الخرافی بأنفسهم من الجص والبکالیت ، ونسج الحکایات حول الحیاة المزعومة للنماذج البینیة . غیر أنه ما من ثمرة یمکن أن تتحقق من وراء هذا السعی . فالظروف تختلف عن عهد داروین والحقائق العلمیة باتت واضحة للعیان ، ویکشف العلم باستمرار عن الأدلة التی تثبت حقیقة الخلق . وما من داروینی یمکنه الزعم بعدم کفایة السجلات الحفریة . وقد کشفت المعطیات العلمیة والسجلات الحفریة عن حقائق قاطعة . وعدم وجود الحفریات البینیة إنما هو واضح بدرجة لم یعد بمقدور التطوریین إخفاءها .

لیس هناک حفریة تحول بینی

الأحیاء البینیة التی تبدو فی الصورة لم تعش فی أی وقت على الإطلاق.

وقد أشار د. س. وودروف D . S . Woodroff ـ من جامعة کالیفورنیا ـ إلى خیبة أمل التطوریین الکبرى هذه ، حیث قال:

“ غیر أن الأنواع التی تحفرت ظلت دون تغیر فی شطر عظم من تاریخها ، ولا توجد السجلات الحفریة بنموذج تحول بینی واحد “5

ویعثر الداروینیون فوق الطبقات التی أجروا علیها أعمال البحث عن الحفریات البینیة ، على حفریات لکائنات حیة لم تتعرض للتغیر منذ ملایین السنین ، ولم تمر بأی شکل من أشکال التطور . والأدلة التی تثبت الخلق یتجاوز عددها الملایین فی کل یوم یمضی ، إلا أنه لا تظهر الحفریات البینیة التی ینتظرها التطوریون بهوس عظیم ، وهکذا ولهذا السبب حاولوا إظهار الأدلة التی تثبت الخلق وکأنها حفریات بینیة . ویسعون لإظهار الکائنات الحیة بالغة التطور والتعقید والتی تعود إلى ملایین السنین مضت ، بأسالیبهم الدعائیة المتنوعة وکأنها دلیل على نظریتهم . وبکتابة التعلیقات على الحفریات یتعنتون فی وصف أجنحة طائر هی فی بنیة بالغة التطور والتعقید بأنها أجنحة آخذة فی التطور . أما زعانف إحدى الأسماک فیقدمونها على أنها أرجل تتأهب للخروج إلى البر . وبهذه الأسالیب سعوا لتقدیم الکویلاکانث Coelacanth والأرکیوبترکس Archaeopteryx على أنهما دلیلان على التطور ،الأول بالنسبة للانتقال من الماء إلى البر ، أما الثانی فهو على الانتقال من البر إلى الجو .

أیما حفریة یعثر علیها الداروینیون یسعون لإظهارها وکأنها تؤید نظریتهم مستغلین نقص معلومات الناس حول هذه الموضوعات العلمیة . ویحرّفون الحقائق من أجل هذا .  ومن بین الأسالیب التی طالما عمدوا إلیها هو الکشف عن کائنات منقرضة وتقدیمها وکأنها دلیل على سیناریو التطور . وکثیر من الحفریات ـ التی تُعرض فی المتاحف ـ تُقدم للناس یصاحبها تعلیقات أنصار التطور . فی حین أن هذه التعلیقات لا سهم لها من القیمة العلمیة .





الکویلاکانث Coelacanth   التی واصلت وجودها دون تغیر منذ 400 ملیون سنة .

هذا فی حین أنه حتى الآثار المتحفرة لهذه الأحیاء إنما تبین أنها کائنات تحوز سمات بالغة التعقید ، ولا تقدم أی صفة للنموذج البینی قط . والکویلاکانث هی من الأحیاء التی کانت عرضة لمضاربات التطوریین مزایداتهم ، وقد خیبت أمل التطوریین بکل ما تحمله الکلمة من معان باکتشاف نموذج حی لها فی المیاه العمیقة عام 1938 أی بعد نحو 400 ملیون سنة من نموذجها المتحفر . وقد أصابت الدراسات العلمیة التطوریین بخیبة أمل مشابهة بسبب الأرکیوبترکس الذی تبین أنه طائر تام بکامل صفاته . وکان الأرکیوبترکس قد قُدم لسنوات عدیدة کأهم دلیل على الانتقال الخیالی من البر إلى الجو . وباکتشاف التفاصیل المتعلقة بعضلات الطیران الخالیة من العیوب التی له ، وریشه المناسب للطیران وبنیة جناحه الرائعة ، لاذ التطوریون بالصمت ولم ینبسوا ببنت شفة فی هذا الموضوع .


أما النماذج الأخرى التی تبین بالعیان مأزق التطوریین المتعلق بالتحول البینی ، فهما رجلا بیلت دون ونبراسکا اللذان قٌدما باعتبارهما دلیلا على التطور المزعوم للإنسان . إذ دفعهم ضعف الحیلة الذی عانوا منه إزاء عدم وجود النماذج البینیة إلى أنهم رکَّبوا فک قرد أورانجوتان فی جمجمة إنسان حدیث الوفاة ، وأطلقوا علیه اسم رجل بیلت دون وعرضوا هذا الزیف على مدى 40 عاماً ، وقد استُبعدت هذه الحفریة التی کانت تُعرض فی المتحف البریطانی إثر افتضاح أمر تلک الخدعة .

أما رجل نبراسکا فهو عبارة عن صور ورسومات تخیلیة کثیرة تم استقاؤها من سِّن خنزیر . وقد زعم التطوریون الذین درسوا هذه السن أنها حفریة تحول بینی تحمل سمات مشترکة للبشر والقردة . إلا أنه سرعان ما تبین أن هذه السن إنما هی لخنزیر . وهکذا فإن الحفریات التی یلقاها الزوار فی أی متحف تطوری باعتبارها دلیلا على التطور ، إنما هی نتاج منطق زائف . ویعترف جورج جایلورد سیمبسون ـ عالم الحفریات من المتحف الأمریکی للتاریخ الطبیعی ـ بمشکلة التحول البینی التی یواجهها التطوریین ، إذ یقول:

“ إنها صحیحة بالنسبة لاثنین وثلاثین فصیلة من الثدییات ... ویختص أقدم عضو معروف لکل فصیلة وأکثرها بدائیة ـ فی الأصل ـ بکل السمات الأساسیة . ولم یظهر أی طور انتقالی مستمر من فصیلة إلى أخرى . وفی معظم الأحوال یکون التباین حاد والفجوة البینیة عظیمة حتى أن أصل الفصائل یکون تأویلی ومشکوک فیه ... هذا ولم یقتصر عدم وجود النماذج البینیة بأی شکل من الأشکال على الثدییات وحدها . ویکاد یکون هذا واقع تطوری بالقدر الذی یثبته علماء الحفریات حتى الآن .ویسری هذا الوضع على أغلب طبقات الحیوانات بما فیها الفقاریة واللافقاریة على السواء . وهو صحیح بالشکل ذاته سواء بالنسبة  للطبقات أو أعظم الأجناس الحیوانیة والرتب النباتیة المتشابهة.6


إن رجل بیلت دون الذی قُدِّم للعالم على مدى 43 سنة وکأنه دلیل بالغ الأهمیة على تطور الإنسان ، إنما کان نتاج خدعة . إذ تبین ـ إبّان الأبحاث التی أُجریت على جمجمته عام 1953 ـ أنه حفریة مزیفة أُنتجت بالتلفیق بین عظام إنسان وقرد أورانجوتان .
فی الیمین صورة تبین عملیة الحفر التی أُجریت فی بیلت دون محل میلاد فضیحة بیلت دون .    
    

ورغم کل هذه اللامنطقیة ، لا یزال التطوریون یزعمون “ أن الکائنات الحیة قد تطورت “ . وفی هذا الزعم هناک ملایین من الکائنات “ التی یستحیل تکونها “ ، لکن یزعم أنها تشکلت إبان وتیرة تطوریة خیالیة لا یستطیعون شرح کیفیة حدوثها . وقد ثبت استحالة تکون البروتین من تلقاء نفسه فی إطار مناخ غیر واعٍ . ولکن وفقا للتطور ـ فقد حدثت معجزة وتکون البروتین نتیجة للمصادفات .  ومن غیر الممکن أن یکون تشکل الخلیة مع سائر أعضائها محض صدفة . ولکن وفقا للتطور حدثت معجزة وتشکلت . ولا یمکن أن یتشکل لب الخلیة والجینات والحمض

النووی D . N . A والانزیمات وما إلى ذلک من البنیات المعقدة الکثیرة حتى فی ظروف معملیة واعیة فی وقتنا الحاضر . غیر أنه ـ ووفقا للتطور ـ حدثت معجزة وتشکل هذا کله نتیجة للصدف العمیاء . والآن یبحث التطوریون أیضا عن آثار هذه التکوینات وتغیراتها فی السجلات الحفریة . غیر أنه ـ ووفقا للتطورین ـ أیضا حدثت معجزة وانمحت هذه الآثار من السجلات الحفریة . ومنطق نظریة التطور هو أن التطور یتشکل من قائمة من ملایین المستحیلات . ووفقا للتطور فإنها موجودة کنتاج للصدف العمیاء اللاواعیة . ولسبب غیر معلوم لا تستنکف الداروینیة ـ التی تنکر وجود الله وترفض الأحداث والتطورات الخارقة للطبیعة ـ من الزعم بوجود مستحیلات ولیدة لمعجزة . وهکذا فإن نظریة التطور ـ التی تُبذل المساعی لإظهارها مصطبغة بالصبغة العلمیة ـ تتشکل فی الأساس من عدد لا نهائی من المعجزات ، واعتقاد یؤلِّه المصادفات .

البروتینات جزیئات معقدة تمثِّل أحجار بناء الخلایا الحیة ، وتضطلع بمهام شدیدة التنوع داخلها على السواء ، واحتمال ظهور جزیء بروتین فی المتوسط هو 1 فی 950 على 10. (هذا العدد من الناحیة التطبیقیة یعنی أن الاحتمال صفر ) . وهکذا سدد علماء الریاضیات إحدى أقسى الضربات إلى الداروینیة .

لقد عجزت نظریة التطور إقامة الدلیل على إمکانیة أن یتشکل جزیء بروتین من تلقاء نفسه ، وما استطاعوا أن یکشفوا عن نموذج للتحول البینی یبین أن الکائنات الحیة قد مرت بعملیة تطور . وکذّب النظریة اثنان من أعظم أسانیدها ، وهی فی مأزق کبیر . ولا یمکن القضاء على هذه الحقیقة بالتعتیم على عدم وجود الحفریات البینیة فی سجلات الحفریات وإخفاء نماذج الحفریات الحیة التی تتزاید أعدادها على مر الأیام . بل على العکس من ذلک فإنه أمام حالة افتقاد البرهان التی یعانی منها الداروینیون ، تتنوع أسالیب غشهم وتحایلهم ، ویعی الناس جیدا أنه تُبذل مساع حثیثة للإبقاء على نظریة التطور ، ولیس هذا لأسباب علمیة بقدر ما هو لأسباب أیدیولوجیة . والسبب الذی یحدو بالتطوریین إلى السعی لإظهار حفریات التحول البینی ـ غیر الموجودة ـ وکأنها موجودة ، وإخفاء الأدلة المتعلقة بالخلق داخل مخازن المتاحف سبب واضح ؛ وهو أنهم یفطنون إلى أدلة وجود الله عز وجل المهیمن على سطح الأرض بکثیر من الشواهد القاطعة . ولذا فهم فی سعی لإخفاء هذه الحقیقة ، غیر أن الله یبدی للعیان تجلیات وجوده بما لا یحصى کثرة من البراهین ، ویبطل کید الداروینیین ویحبط أعمالهم ، مصداقا لقوله عز من قائل:

أَوَلَمْ یَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِی الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ یَحْکُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُکْمِهِ وَهُوَ سَرِیعُ الْحِسَابِ وَقَدْ مَکَرَ الَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَکْرُ جَمِیعاً یَعْلَمُ مَا تَکْسِبُ کُلُّ نَفْسٍ وَسَیَعْلَمُ الْکُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [ سورة الرعد ، الآیات 41 ـ 42]

لا وجود لواحدة من حفریات التحول البینی التی تختص ببنیات غیر طبیعیة والتی یزعم التطوریون أنها موجودة على وجه الأرض

تزعم نظریة التطور أن الکائنات الحیة تتحول إلى کائنات أخرى وذلک بالخضوع لعملیة تطور مزعوم تحدث بـأثیر من الطفرات (التغیرات الفجائیة). إلا أن العلم الحدیث قد أثبت ـ وفی وضوح تام ـ أن هذا الزعم خدعة کبرى . فلا وجود فی عصرنا الراهن لنموذج تحول بینی یشیر إلى أن الأحیاء قد تنوعت فیما بینها مرورا بتغیرات طفیفة .


الأشکال البینیة التی تحمل سمات نوعیین حیین مختلفین توجد فقط “خیالات” الداروینیین . أما فی الواقع والحقیقة فما وُجدت قط کائنات حیة من هذا القبیل .

وطبقا لادعاء تدعیه نظریة التطور ، فإن کل الأنواع الحیة التی تعیش على وجه الأرض وتلک التی سبق أن عاشت فی الماضی ، إنما قد ظهرت متمخضة عن بعضها بعضا . أما تحول الأنواع فیما بینها فإنه ـ طبقا لهذه النظریة ـ قد حدث تدریجیا على مراحل ولیس دفعة واحدة . وعلیه ووفقا لهذا الادعاء فإنه من الضروری أن تکون قد عاشت مجموعة من الکائنات الحیة التی تعکس فترة التحول الحادث بین نوعیین حیین وتحمل بعض سماتهما . کما یتعین مثلا ـ ووفقا للادعاء التطوری ـ أن تکون قد عاشت بالتأکید على مدار ملایین السنین بعض الکائنات الحیة نصفها ذو خیاشیم ونصفها الآخر ذو رئة ، ونصفها ذو زعانف والآخر ذو أرجل إلى أن خرجت الأسماک إلى البر وتحولت إلى زواحف . ویطلق التطوریون على هذه الکائنات الخیالیة ـ التی یعتقدون أنها عاشت فی الماضی ـ اسم " نموذج التحول البینی " .
ولو صحت نظریة التطور ، لاستلزم الأمر أن تکون هذه الأنواع قد عاشت فی الماضی ، ولبلغت أعدادها وأنواعها ملایین بل ملیارات . ولکان من المتعین أن تُصادف بقایا هذه الکائنات العجیبة فی سجلات الحفریات . إلا أنه حتى الیوم لم تُصادف حفریة لنموذج تحول بینی فی تلک السجلات . کما أن تشارلز داروین ـ مؤسس النظریة الداروینیة ـ کان قد کتب فی الفصل الذی یحمل عنوان " صعوبات فی النظریة Difficulties on Theory “ من کتابه “ أصل الأنواع “ یقول:

“ وإن تکن الأنواع نتجت عن أنواع أخرى فی واقع الأمر مرورا بتطورات تدریجیة ،لِمَ لا نصادف نماذج التحول البینی التی تفوق الحصر ؟! لِمَ لیست کل الطبیعة فی حالة تخبط ، وکل الأمور فی نصابها تماماً ؟! یجب أن یکون هناک أعداد هائلة من نماذج التحول البینی ، لکن لِمَ لا نعثر علیها مدفونة فی طبقات الأرض التی من الکثرة بحیث لا یمکن عدها ؟! لماذا کل البنیات الجیولوجیة والطبقات لیست مملوءة بالروابط هکذا . لماذا لا یکشف علم الجیولوجیا (علم طبقات الأرض) عن وتیرة مرتبة على درجات بشکل جید ؟! لعل هذه هی أکبر الاعتراضات التی یمکن أن توُجه إلى نظریتی . 7 
وقد أجرى علماء الحفریات من أنصار التطور ـ استنادا على کلمات داروین هذه ـ عملیات بحث وتنقیب عن الحفریات فی شتى أنحاء العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر المیلادی ، وبحثوا عن نماذج التحول البینی تلک . ورغم کافة ما بذلوه من مساع لم یعثروا علیها على الإطلاق . ولقد أظهرت الاکتشافات ـ التی تحققت أثناء عملیات الحفر والتنقیب ـ أن الکائنات الحیة ظهرت على وجه الأرض فجأة وبشکل کامل وخال من العیوب ، وذلک على عکس فرضیات نظریة التطور . ویُقِر دیرک و. أجر Derek A . Ager   عالم الحفریات الإنجلیزی الشهیر بهذه الحقیقة التی تجافی تبنیه لنظریة التطور إذ یقول:

 

“ مشکلتنا أننا حینما نبحث بشکل تفصیلی فی سجلات الحفریات ـ لیکن على على مستوى الأنواع والطبقات ـ فإننا نواجه الحقیقة ذاتها دائماً .وهی أننا نرى مجموعات تشکلت على وجه الأرض فجأة ولیس بالتطور التدریجی . “ 8

أما مارک زارنیکی Mark Czarnecki   وهو عالم حفریات تطوری آخر ، فیدلی بالتعلیق التالی:

“ إن العقبة الکئود التی تواجه إثبات النظریة ( نظریة التطور) هی دائماً السجلات الحفریة ، حیث لم تکشف هذه السجلات عن آثار الأشکال البینیة التی یفترضها داروین . فالأنواع تظهر فجأة ، وتختفی کذلک فجأة . وقد عزز هذا الوضع غیر المتوقع  الدلیل الذی ینافح عن الرأی القائل بأن الأنواع قد خُلقت . “9

لو صحت مزاعم الداروینیین کان من المتعین أن نصادف فی السجلات الحفریة آثار لکائنات شدیدة الغرابة ـ مثلما یبدو فی الصورة ـ لها کثیر من محاجر العین وأنوف فی مواضع مختلفة وفک فی الأمام وآخر فی الخلف على السواء ، وجمجمة نامیة بشکل غیر طبیعی . إلا أن ما أُجری من دراسات منذ 150 سنة لم یسفر عن العثور على أی حفریة قط من هذا القبیل . وعلى عکس هذا تماماً فإن جمیع ما عُثر علیه من حفریات یبین أن الکائنات الحیة کانت کاملة وخالیة من العیوب منذ اللحظة التی وُجدت فیها ، وأنها کذلک لم تتغیر مطلقاً طیلة فترة وجودها .

ویقول فرانسیس هیتشینج Francis Hitching عالم الأحیاء الشهیر فی کتابه الذی یحمل اسم “ رقبة الزرافة: الموضع الذی أخطأ فیه داروین The Neck of the Giraffe : Where Darwin went Wrong “:

“ لو نعثر على الحفریات ، ولو تصح نظریة داروین لتعین فی هذه الحالة أن تکشف الصخور عن بقایا مجموعة معینة من المخلوقات تطورت بشکل تدریجی  فی اتجاه مجموعة أخرى أکثر تعقیداً ، ومن الضروری أن تکون هذه “التطورات الطفیفة “ المنتقلة من جیل إلى جیل قد حُفظت بشکل جید إلى أقصى درجة . ولکن الحال لیس کذلک ، والعکس تماما هو الصحیح . وبقدر ما کان داروین متذمرا حینما قال ـ أنه من المتعین أن توجد أعداد هائلة من النماذج البینیة ، لکن لِمَ لا نستطیع أن نعثر علیها فی طبقات سطح الأرض الکثیرة ـ فإنه یعتقد أن هذا النقص الاسثتثنائی الذی یسم السجلات الحفریة ، إنما هو مرهون بإجراء المزید من عملیات الحفر . ولکن رغم ما أُجری وما سیجرى من تلک العملیات ، فقد تبین أن کل ما یُعثر علیه من أنواع ـ بلا استثناء ـ  شدید شبه بالحیوانات التی تعیش فی الوقت الراهن . “10

ومثلما أشار داروین والأشخاص الآخرون الذین نقلوا عنه بکلماتهم الواردة آنفا لم یُعثر ولو على حفریة واحدة للتحول البینی ، الأمر الذی یبدی للعیان وبشکل واضح وصریح بطلان نظریة التطور . لأنه وقبل کل شیء لو أن الکائنات الحیة کانت قد تحولت إلى کائنات أخرى ، لاقتضت الضرورة وجود أعداد هائلة من الکائنات الحیة البینیة فی طور التحول ، ولوجب أن تکون شتى بقاع الأرض حافلة بحفریات الکائنات الحیة التی فی مرحلة التطور (الحفریات البینیة) . غیر أن جمیع الحفریات التی یبلغ عددها حوالی 100 ملیون حفریة تأتى الحصول علیها إلى الآن ، إنما تتعلق بکائنات حیة تامة غیر ناقصة نعرفها فی وقتنا الحالی .

وتبین السجلات الحفریة أن الأنواع الحیة کانت قد ظهرت دفعة واحدة وببنیات مختلفة تماما ، وأنها ظلت على حالها دون تغیر على مدى کثیر من العصور الجیولوجیة . ویسلِّم ستیفن جای جولد Stephen Jay Gould ـ نصیر التطور ومن علماء الحفریات بجامعة هارورد ـ بهذه الحقیقة حیث یقول:
“ یکشف تاریخ معظم الأنواع المتحفرة عن خاصیتین مختلفتین تتعارضان مع فکرة التطور التدریجی على مراحل ، وهما:

1ـ الثبات . فمعظم الأنواع الحیة لم تبد أی تغیر فی أی جهة قط طیلة فترة وجودها على وجه الأرض . والبنیة التی کانت تختص بها لحظة ظهورها لأول مرة هی ذات البنیة التی کانت لها فی لحظة اختفائها من السجلات . وعادة ما یکون التغیر الشکل محدودا ، ولیس له وجه معین .

2ـ الظهور فجأة . فأیّما نوع فی أی منطقة محلیة لا یظهر عن أسلافه تدریجیا بالخضوع لتغیرات على مراحل ، وإنما یظهر دفعة واحدة ومتشکل تماماً .11

بید أنه لو کان التطور قد حدث ، کان من المتعین أن یحفل سطح الأرض بملایین الحفریات المتعلقة بالکائنات الحیة البینیة . علاوة على ذلک لکان من المتحتم أن یکون لهذه الکائنات الحیة ـ التی بلغت أعدادها الملایین ـ کیانات غیر طبیعیة إلى أقصى درجة من جراء تأثیرات الطفرات (التغیرات الفجائیة) علیها .

لو أن الکائنات الحیة وصلت إلى ما لها الیوم من بنیات وهیئات بالمرور بعشرات الآلاف من التغیرات الطفیفة ، لکان یجب أن یکون هناک الکثیر من الحفریات التی تظهِر هذا التطور الخیالی . ولتعین أن تظهر حفریات لکائنات غیر عادیة لها مخان وعمودان فقریان وأربع عیون وثلاث أنوف وسبعة أصابع وثلاث أرجل ! إلا أن کل ما عُثر علیه إلى الیوم من حفریات یثبت أن البشر وُجدوا دوماً بشراً .

ووفقاً لادعاء التطوریین فقد تشکلت کافة الکائنات الحیة وکل الأعضاء الخاصة بها نتیجة لطفرات حدثت محض صدفة . وفی هذه الحالة تقتضی الضرورة أن یکون کل عضو ـ ذی بنیة غیر طبیعیة ـ قد تعرض لطفرات عدیدة فی مرحلة تطور وظائفه . ویتعین کذلک أن یکون قد تحول فی کل مرة من حالة غیر طبیعیة إلى حالة أخرى شاذة . ویتحتم أن یکون لهذه الکائنات الحیة ـ قبل أن تتشکل کائنات العصر الراهن ذات المنظر الأکثر روعة وجمالا ـ أعضاء غیر طبیعیة وأشکال قبیحة . فعلى سبیل المثال قبل أن یظهر وجه الإنسان المتناسق إلى أقصى درجة والذی یتألف من أذنین وأنف وفم ، کان من المتعین أن تتشکل وجوه غیر طبیعیة مختلة التناسق لها آذان وعیون کثیرة ، یکون أنفها بین عینیها أو فی ذقنها ، وتکون لها کذلک عیون خلف رأسها أو فوق وجناتها . ویکون أنفها فی مکان أذنها ویمتد حتى عنقها ، وغیرها من الوجوه غیر الطبیعیة التی یمکننا أن نضرب لها ملایین بل ملیارات من الأمثلة بهذا الشکل أو بأشکال أخرى مختلفة . حتى إنه قبل بلوغ هذه المرحلة، کان من المتعین أن تکون قد عاشت مخلوقات غریبة أذنها تحت قدمها وعینها فوق ظهرها وفمها موجود فی بطنها ، ویکون لها مخین أو ثلاثة منفردین فی جمجمتها بدلا من مخ واحد ، ولا تستطیع أن تقف على ساق حیت لم تکن الدواغص قد تشکلت بعد . وبدلا من أن یکون لها ذراع واحد یخرج من جنبی الجسم ، یکون لها ثلاثة أو خمسة أذرع مختلفة الأطوال . وتکون عظام ساقها لیست بالشکل الذی یمکِّن من الوقوف فی توازن ، دون میل إلى الأمام أو الخلف أو إلى الجنب . وبحسب هذا الزعم یتحتم أن ینطوی جوف الأرض على ملایین من الحفریات لهذه البنیات التی تحوز مفردات جسدیة شاذة مختلفة فی کل مرحلة . ولکن لیست هناک واحدة من هذه الحفریات . وکان یجب أن یکون هناک بشر لهم رأسان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة . ولهم أذرع کثیرة قد یبلغ طول الواحد منها مترین أو ثلاثة ، ویکون هناک کثیر من الحفریات البشریة التی لها سمات شاذة بهذا الشکل . وبالمثل کان یتعین أن تکون هناک نماذج شاذة غیر طبیعیة أیضا بالنسبة لکل الأنواع الحیوانیة والنباتیة . وأن تتحول أیضا جمیع الحفریات البینیة للأحیاء البحریة إلى کائنات غیر طبیعیة إلى أقصى درجة . غیر أنه لیس هناک ولو واحد من کل هذا .  وملایین النماذج التی عثر علیها کلها تخص أحیاء عادیة . وتُعد هذه الحقیقة تعبیراً واضحاً عن انهیار نظریة التطور . ورغم أن کل ما یُعثر علیه من حفریات منذ 140 سنة یدحض نظریة التطور ، فإن الدفاع عن هذه النظریة على أمل “ العثور على النموذج البینی ذات یوم “ لیس بالشیء الذی یلیق بامرئ عاقل فطن أن یفعله . ولقد مر على النظریة 140 عاما ولم یتبق حقل حفریات فی العالم لم یُحتفر . وأُنفقت ملیارات الدولارات ، لکن لم یُعثر على الحفریات المتعلقة بالأحیاء البینیة التی افترضها داروین ، ولن یتأّت العثور علیها ، لأنه لیست هناک حفریة بینیة واحدة یمکن للداروینیة أن تستخدمها کدلیل. وعلى العکس من ذلک یوجد ملایین من “الحفریات الحیة” التی تثبت “ حقیقة الخلق “

العین من بدیع صنع ربنا صاحب العقل المعجز ولیست الصدف العمیاء

وبالإضافة إلى حمایة العیون بشکل فعال ، فقد ثُبِّتت فی موضع یضمن لها الرؤیة بشکل أکثر راحة ومثالیة . تُرى لو أن العیون کانت موجودة فی مکان آخر تحت الأنف مثلا ماذا کان یحدث؟ بالطبع کان قد تشکل وضع محفوف بالمخاطر من ناحیة الأمان ، ونتج کذلک منظر قبیح إلى حد ما من الناحیة الجمالیة . وصارت زاویة الرؤیة أکثر ضیقا ومحدودیة عما هی علیه الآن.ووجود العیون فی أنسب موضع وفی شکل متناسق إنما هو یوافق إلى أقصى درجة مقاییس الجمال من کافة الوجوه . فمتوسط المسافة بین العینین فی طول عین واحدة .وحینما یختل هذا المعدل ویکون ما بین العینین أکثر اتساعا أو ضیقاً تتغیر کافة تعبیرات الوجه . وتُعد العین ـ بکافة السمات التی تختص بها ـ دلیلاً یثبت أن الله خلق الإنسان . یقول الله تعالى فی محکم کتابه:

اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَکُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَکُمْ وَرَزَقَکُم مِّنَ الطَّیِّبَاتِ ذَلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ فَتَبَارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ [سورة غافر، الآیة 64]

أما التطوریون فیزعمون أن العین اختصت بهذه البنیة المبرأة من العیوب تدریجیا على مراحل بتأثیر الطفرات التصادفیة . ووفقاً لهذا الزعم فقد حدثت تباعا صدف عمیاء وعشوائیة على مدى ملایین السنین ، ومن ثم اتخذت العین ملایین من الأوضاع الشاذة إلى أن وصلت إلى هذه البنیة الخالیة من العیوب . ومن المتعین أن تکون قد ظهرت تلک العیون التی توجد فی قدم الإنسان أو ظهره ولیس فی جمجمته ، وتلک التی بأعداد کثیرة على شکل خلیة تحاکی خلایا النحل بدلا من عینین مثبتتین بشکل متناسق ، وتلک العیون التی تصاب بالجفاف والعمى فی فترة قصیرة بسبب عدم وجود غدد دمعیة لها ، وتلک التی لا تنفِذ الضوء بسبب عدم شفافیة قرنیتها ، وتلک التی تضیع مهمة الإبصار حتى عند أدنى تغیر ضوئی بسبب عدم تکوّن حدقة لها بعد . هذا إنما هو جانب ضئیل من الأمور الشاذة التی یمکن أن تحدث . وحینما نضع صوب أعیننا کافة أجهزة العین ووظائفها ، یمکننا أن نتصور ملایین من الأشکال غیر الطبیعیة للعین.

بید أنه حتى الیوم لم یُعثر على ولو على کائن حی واحد یحوز العیون ذات البنیة الشاذة والمختلة التی أشرنا إلیها . فکافة الکائنات الحیة التی وردت بالسجلات الحفریة تختص بأنظمة عیون رائعة وفعالة . وتقیم هذه الحقیقة الحجة على أن زعم نظریة التطور ـ القائل بأن الکائنات الحیة ظهرت بتغیرات طفیفة ـ إن هو إلا خدعة أکیدة .

الَّذِی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِینٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِینٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِیهِمِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِیلاً مَّا تَشْکُرُونَ
[سورة السجدة ، الآیات 7ـ9]





4. Dr . David Raup (رئیس قسم الجیولوجیا بمتحف التاریخ الطبیعی بشیکاغو) SBS Vital Topics , David B . Loughran , April 1996, Stewarton Bible School , Stewarton , Scotland .
5. D .S . Woodroff , Science , Vol . 208, 1980, p .716- htt ://www .genesispark .org /genpark /after .htm
6. George G . , Simpson , Tempo and Mode in Evolution , Columbia University Press , New York , 1944, p . 105 , 107- http ://www .arn .org /docs /abstasis .htm
7. Charles Darwin, The Origin of Species, pp. 172-280
8. Derek A . Ager , “The Nature of the Fossil Record “ ,Proceedings of the British Geological Association طبیعة السجلات الحفریة ، أعمال مؤتمر الجمعیة الجیولوجیة البریطانیة Vol . 87, 1976, p .133
9. Mark Czarnecki, "The Revival of the Creationist Crusade," MacLean's, 19 January 1981, p. 56
10. Francis Hitching, The Neck of the Giraffe: Where Darwin Went Wrong, New Haven: Tichnor and Fields, 1982, p. 40
11. S. J. Gould, "Evolution's Erratic Pace," Natural History, Vol. 86, May 1977

لقد أخطأ داروین: الأنواع لم تتغیر

لقد أخطأ داروین: الأنواع لم تتغیر


Charles Darwin

لعل أکبر مشکلة اضطرت داروین إلى بذل الجهد فیها ، هی الطرق التی هیأت لانتقال الصفات المتوائمة من نسل إلى آخر . ففی الآونة التی توفی فیها داروین لم یکن قد اکتُشفت بعد مبادئ علم الجینات والوراثة . أما المشکلة الثانیة التی عجز عن حلها فکانت تتعلق بطبیعة السجلات الحفریة .1

کان داروین قد صاغ الفرضیة التی طوّرها باسم " نظریة التطور" على أمنیتین أوضحهما دوجلاس وارد Douglas Ward فی کلماته التی أوردناها آنفا . الأولى انتقال الجینات (الوحدات الوراثیة) ـ التی تشکل الصفات المختلفة “ بشکل خیالی” فی التغیرات التی تحدث بین الأنواع ـ إلى السلالات اللاحقة . والأخرى هی تجلی هذه التغیر الخیالی ـ الموجود بین الأنواع ـ فی السجلات الحفریة . وکان سهلاً على داروین الزعم بأن ثمة تغیرات تطرأ على الصفات التشریحیة للکائن الحی ، وأنها تأتی بأنواع جدیدة بانتقالها إلى السلالات اللاحقة. إذ کانت سنوات القرن التاسع عشر التی طرح فیها داروین أفکاره سنوات “ بدائیة “ بالمعنى العلمی لم یکن علم الوراثة قد عُرف فیها بعد . کما لم  یُکتشف تعقد الخلیة الحیة . ولم تُعرف البنیات الرائعة للجینات (الوحدات الوراثیة) التی تحدد کافة صفات کائن حی ، والمعلومات التی تنطوی علیها و الحساسیة التی تختص بها . 

تعُد الحفریات إحدى أهم وسائل استقاء المعلومات حول العصور المختلفة لسطح الأرض . وبعبارة أخرى: تدلی الحفریات بمعلومات لیس حول تاریخ الکائنات الحیة فحسب ، وإنما حول تاریخ سطح الأرض فی الوقت ذاته . أما الأنواع الحفریة المعروفة فتوجد فحسب فی الطبقات والنماذج الصخریة المعلومة . ویبدو أن هناک فی کل واحدة من الطبقات الصخریة ـ المتراکمة بعضها فوق بعض ـ مجموعات حفریة خاصة بهذه الطبقة ، یمکن أن تُوصف بأنها نوع من التوقیع لتلک الطبقة .

 

لقد کان من السهل على داروین أن یدعی أن السجلات الحفریة التی من شأنها إظهار هذا التغیر الخیالی بین الأنواع ، موجودة فی أماکن ما من سطح الأرض . لأنه ـ ووفقاً لزعمه ـ توجد حفریات تحولیة بینیة فی طبقات الأرض ، لم یُعثر علیها فحسب . وما جُمع من حفریات من سطح الأرض فی تلک الحقبة کان نزرا یسیرا ، ولم تکن قد أخرجت الحفریة البینیة .ووفقا لداروین سوف یبدأ الناس فی الالتقاء بهذه الحفریات الخیالیة المفقودة ذات یوم . والشیء  الضروری الوحید هو الوقت والدراسات المفصلة التی یمکن أن تجرى على سطح الأرض .

کانت نظریة داروین قد تأسست على هاتین الفکرتین الأساسیتین ، وإذا ما أمعنا النظر فإننا لا نجد ثمة دلیل أو ملاحظة ، وغایة ما هنالک إنها مجرد فرضیات . إذ کانت نظریة التطور نظریة طُرحت فی الأصل لأسباب لیست علمیة وإنما أیدیولوجیة تماماً .وقد طُوِّرت بغیة إقصاء الناس عن دین الله تعالى ، وطرحها باعتبارها دلیلاً ضد حقیقة الخلق . وبذلک کانت هی الشکل المعدل على تاریخ الکائنات الحیة للمنطق المادی الذی انتشر فی العالم . غیر أن هذا الجانب للزعم لم یفطن إلیه أحد بسبب “ البدائیة العلمیة “ للحقبة التاریخیة . وکانت النظریة برمتها قد ظهرت باسم العلم مع عدم منطقیتها ، ولکن فی إطار ظروف تلک الفترة لم یکن قد اتضحت بعد الأدلة التی تثبت عدم المنطقیة هذه . وسرعان ما أظهرت الفترة التی تقدر بنحو قرن ونصف والتی انقضت بعدها ،وبکثیر من الأدلة العلمیة عدم منطقیة النظریة وأنها برمتها لیس سوى خدعة . وتلاشى تماما الزعم القائل بأن الأنواع الحیة تولدت من بعضها بعضاً مروراً بتغیرات طفیفة ، وذلک بالحقائق التی کشف عنها علم الجینات والوراثة . والجینات (الوحدات الوراثیة) جسیمات بالغة التعقید والحساسیة . وهی تتأثر سلباً من أی تغیر فجائی ، وتتعرض للتلف. ومن ثم یستحیل أن یعتری الجینات تغیرات برمتها عشوائیة غیر واعیة ، تحول هذه البنیة إلى بنیة أخرى تضطلع مهام مختلفة . (لمزید من المعلومات التفصیلیة انظر هارون یحیى: الأصل الحقیقی للحیاة Hayat?n Gerçek K?keni ,Ara?t?rma Yay?nc?l?k ) .

أما السجلات الحفریة فقد شکلت خیبة أمل أخرى بالنسبة لداروین . إذ لم یتم العثور على نماذج الحفریات البینیة التی توقع داروین العثور علیها فی المستقبل . ولا یستطیع أی داروینی من بعد أن یطرح الزعم القائل بعدم کفایة السجلات الحفریة ، لأن السجلات تکاد تکون قد قدمت کافة النماذج . وقد احتُفر قسم کبیر من سطح الأرض. والحقیقة التی کشف عنها علم الحفریات هی أنه لیس هناک ولو نموذج “ تحول بینی واحد “ ، وأن الکائنات الحیة التی عاشت قبل مئات الملایین من السنین “ لم تتغیر “ . وقد أشار ستیفین جای جولد Stephen Jay Gould   عالم الحفریات التطوری من جامعة هارورد Harvard إلى هذه الحقیقة التی فطن إلیها أیضا داروین فی الأساس ، بقوله:

“ إن السجلات الحفریة جلبت على داروین الشقاء بأکثر من السعادة “.2

أما نیلز إلدردج Niles Eldredge و إیان تاترسال Ian Tattersall   التطوریان من المتحف الأمریکی للتاریخ الطبیعی فیصرحان بهذه الوضع ، إذ یقولان:

“ إن عدم تغیر الحفریات المتعلقة بالأنواع الحیة على مدار الفترة التی وُجدت فیها فی السجلات الحفریة ، لهو حقیقة یعلمها علماء الحفریات حتى قبل نشر کتاب “ أصل الأنواع “ . أما داروین فکان قد تنبأ بأن أجیال المستقبل سوف تحقق اکتشافات حفریة جدیدة تملأ هذه الفجوات . وقد ترتب على کافة ما أجری من أعمال البحث والتنقیب طیلة فترة تناهز 120 سنة مضت بعد ذلک ، أن بات واضحاً أن السجلات الحفریة لن تؤید نبوءة داروین هذه .وهذه لیست قضیة تمخضت عن عدم کفایة السجلات الحفریة ، إذ تظهِر هذه السجلات بجلاء أن نبوءة داروین التی نحن بصدد الحدیث عنها خاطئة . والملاحظة التی تتفق مع السیاق القائل بأن الأنواع ثابتة بشکل مدهش ، وأنها بقیت ثابتة على حالها دوماً طیلة الحقب الزمنیة الطویلة ، لتحمل فی طیاتها وکافة السمات الموجودة فی قصة “ الملک العاری “  ، حیث أن الجمیع رأی هذا ، لکنه أبى ألا أن یتعامى عن رؤیته . وعلماء الحفریات الذین بقوا وجها لوجه مع سجل حفری عنید یرفض بإصرار التصور الذی افترضه داروین ، تولوا عن هذه الحقیقة وطرحوها وراء ظهورهم .3

وهکذا تطورت نظریة التطور لداروین فی مناخ عُرف فیه بقدر الکفایة عدم منطقیاتها فی الأساس ، ولکن تم تجاهل هذا عن عمد . وحدوث التغیرات الجینیة المستفیدة من التأثیرات العشوائیة على الأنواع ، وانتقال هذه التغیرات إلى السلالات ، إنما هو احتمال لا وجود له على المستوى العلمی .والحفریات هی الأخرى ترفض تغیرا کهذا . ولم تقدم ولو نموذج واحد من النماذج الحفریة البینیة التی من المتعین أن تکون قد عاشت على مدار ملایین السنین . (لمزید من التفاصیل انظر: هارون یحیى ، مأزق التحول البینی(Ara Geçi? Açmaz? , Ara?t?rma Yay?nc?l?k )

إذن أی برهان علمی هذا الذی یبقی على نظریة التطور حیة ؟

لیس هناک أی برهان علمی یبقی على نظریة التطور حیة ، وتبین هذه الحقیقة مجدداً أن الأسباب التی تدعم الداروینیة ، لیس أسباب علمیة ، وإنما هی أیدیولوجیة . وموضوعیة العلم تستوجب أن تُطرح الفرضیة أولاً ، ثم یتم إثباتها بالأدلة وتتحول إلى نظریة . غیر أن هذا لا ینطبق على نظریة التطور . فالنظریة لا تُؤید ولو حتى بدلیل واحد ، ورغم هذا فلا تزال تحتفظ بما لها من مکانة فی الکتب الدراسیة ، وتُقدم فی وسائل الإعلام بأکثر الأخبار غشاً وخداعا ، وهی تُحمى بقانون ، وعادة ما یُحافظ علیها بمنطق “ أنه لا یمکن تغییرها ، ولا یمکن اتخاذ قرار مناوئ بشأنها “ . والسبب الوحید وراء هذا ، هو أن نظریة التطور لیست أطروحة علمیة ، وإنما هی عقیدة دوغماتیة مُسلَّم بها . ولا تزال السجلات الحفریة تکذّب مزاعم داروین ، وتثبت حقیقة الخلق . وحبط مسعى الداروینیین ، وأکدت الأدلة الموجودة على وجه الأرض على أن الکائنات الحیة لم تتطور ، وأعلنته صراحة . واثنان من أدل الأدلة على هذا هما عدم وجود الحفریات البینیة والثبات الموجود فی السجلات الحفریة ، أی حقیقة الثبات على الحال دونما تغیر .




. Peter Douglas Ward, On Methuselah's Trail, W. H. Freedman and Company, 1992, p. 9
2. Stephen J. Gould, The Panda’s Thumb , 1980, p.238-239.
3. N. Eldredge , and I. Tattersall , The Myths of Human Evolution , Columbia University Press , 1982, p.45-46

السجلات الحفریة تکذِّب التطور

السجلات الحفریة تکذِّب التطور

مــدخل

تحکی کتب علم الأحیاء المقررة على الطلاب ـ فی أغلب مدارس العالم تقریبا ـ قصة حیاة وهمیة فی حقیقة أمرها . وکل ما یُدَّرس تحت عنوان “ نظریة التطور” إن هو إلا آلیات وأدلة وصور ورسومات وحفریات وتاریخ أحیاء زائف تماماً . وقد باتت هذه الأسطورة موضوعاً للکتب الدراسیة ، یعیدها التربویون مراراً وتکرراً فی کل أسبوع ، وتم تبنیها لدرجة التسلیم بها وکأنها حقیقة . فما من امرئ یتلقى هذه التربیة ویشک فی صحة التطور ومصداقیته. ویعتقد جمیع الناس فی السلم الدراسی أنهم تلقوا تربیة من شأنها أن تعینهم وتعضدهم مدى الحیاة . ومن ثم سوف یصابون بالذهول ـ على الأرجح ـ جرَّاء علمهم بأنه ثمة کذبة لا تزال  تُدرَّس على مستوى العالم بأسلوب علمی إلى أقصى درجة فی موضوع هام مثل هذا ینطوی على مفهوم الحیاة. بید أن الحقیقة أنه تُبذل المساعی بإلحاح فی سبیل إقناع الناس بهذه الأکذوبة وحملهم على اعتناقها . وهذا الإجراء ـ الذی نحن بصدد الحدیث عنه ـ  إنما یجری تنفیذه على مستوى العالم بأکمله. و تُشرح فی أغلب المدارس أکذوبة مصطنعة وملفقة. وفی شطر کبیر من وسائل الإعلام تُنتج أدلة زائفة وتُختلق حکایات کاذبة حول تاریخ الکائنات الحیة. وینافح العلماء الخبراء فی تخصصهم ـ ومنهم من حصل على جائز نوبل ـ عن أکذوبة ویمارسون الرّیادة خداعاً. و”قصة حیاة الکائنات الحیة” التی حکاها التربویون لسنوات إنما هی سیناریو. وثمة خُدعة یجری الترویج لها بتعاون وتحالف على مستوى العالم أجمع ، هی خدعة التطور . والسبب الوحید لاستقواء هذا التحالف وتسیده فی الکتب الدراسیة واستئثاره بالصدارة والریادة فی وسائل الإعلام ، إنما یرجع لمادیة مرجعیتها . فلقد اشتد ساعد الداروینیة التی تغذیها وترعاها العقلیة المادیة التی تسود العالم الآن، واحتلت مکان الصدارة بفضل مساعدتها . (انظر: دین الداروینیة ، هارون یحیى) ولم تتورع هذه العقلیة عن تقدیم دلیل زائف للمجتمع، ولم تمانع قط فی أن تخدع الجماهیر؛ لأن الهدف من سیاسة الخداع الشامل هذه التی تنتهجها هدف واضح لا تخطئوه عین، هو إقصاء الناس عن دین الله، وإنکار وجوده تعالى، وإظهار المادة على أنها الوجود المطلق الوحید !

لم یقدم الداروینیون ـ الذین یسعون لدعم نظریتهم بالرسومات التخلیة والصیاغات المعادة ـ أی دلیل علمی قط حتى الیوم . وهم مثلاً لم یکشفوا ولو عن نموذج بینی واحد یمکن أن یقیم البرهان على الزعم القائل بأن الکائنات الحیة نجمت وتولدت عن بعضها البعض مروراً بتغیرات طفیفة . وهذا الوضع إنما هو مؤشر دال على انهیار التطور أمام العلم .

إلا أنه ثمة نقطة یغفلها الداروینیون، هی أن الکائنات الحیة خُلقت ! وما من شیء اسمه التطور فی تاریخ الأحیاء ؛ فالله هو خالق الکائنات کافة، ومن بیده ناصیتها. وهو بدوره من خلق المادة، وواهب الروح لأی کائن. ما من إله غیره، وما من قوة إلا هو. ولذا هناک على وجه الأرض أدلة تثبت الخلق. ویواجه الداروینیون هذه الحقیقة فی کل ما یجرونه من أبحاث ودراسات، ویسعون لإقامة الدلیل على التطور، إلا أنهم لا یفلحون. إذ لم یتأت لهم العثور على دلیل واحد یتعلق بحدوث التطور. وما استطاعوا العثور علیه هو خَلْق فجائی ومعقد وبدیع. والأدلة الزائفة أیضا لا تدعم نظریة زائفة، بل على العکس من ذلک فإنها تدحضها وتدعم القول بالشک فیها. أما الداروینیون فباسم الإبقاء على المادیة، یداومون على أسالیب الخداع والتحایل داخل حلقة مفرغة عظیمة. إلا أن هذا أیضا له نهایة حتمیة لم یتم بعد بلوغها فی وقتنا الراهن . ولقد دُحض التطور بأدلة کثیرة تفوق الحصر، لعل من أعظمها هو “ الحفریات الحیة “ التی تکشف عن نماذجها الموجودة على سطح الأرض بشکل مضطرد فی کل یوم. وبقاء کائن حی على حاله على مدار 150 ملیون سنة ، وعدم تغیره طیلة 300 ملیون سنة، إنما یقضی وبشکل أکید على سیناریو التطور ، ویقیم البرهان على أن ملایین الکائنات الحیة ـ التی حیک حولها الکثیر والکثیر من السیناریوهات ـ لم تتطور . وهناک ـ ووفقا للداروینیین ـ کائن حی یتعین تطوره. غیر أنه یتـأکد بالنموذج الحفری الذی یجسده أنه لم یمر أصلاً بتطور. وتنسف “الحفریات الحیة” مزاعم الداروینیین برمتها وتسویها بالتراب هدماً، وهی دلیل هام من شأنه أن یقضی على سفسطة التطور وترَّهاته الموجودة بالکتب الدراسیة کافة، ویمحو الأشکال البینیة الزائفة الموجودة فی کل متاحف التطور، ویثبت کذب کل سیناریوهات التطور الخیالیة الواردة بالکتب والمقالات الداروینیة. ولا یقضی تعامی التطوریین عن هذا کله على الأدلة الدامغة تلک .
 

 

تعود حفریة السرطان البحری ـ التی تبدو فی الصورة ـ تعود إلى العصر المیوسینی (منذ 23 ـ 5 ملیون سنة) ، وهی لا تختلف الإطلاق عن السرطانات البحریة الموجودة فی وقتنا الحالی .

فلقد قضت نماذج الحفریات الحیة ـ التی تزداد أعدادها بشکل مضطرد بمرور الأیام ـ على زعم التطور منذ زمن بعید.  ولسوف تشهدون فی هذا الکتاب الذی بین أیدیکم على هذا الدلیل الهام وتخبطات الداروینیین أمامه، وترون کیف أن هذه الخدعة ضعیفة وداحضة فی حقیقة أمرها منذ داروین الذی طرح النظریة . أما نماذج الحفریات الحیة الواردة بهذه الکتاب، فهی تمثل مجرد بعض من الأدلة الکثیرة التی تکشف بطلان هذه الخدعة الکبرى وفسادها. وجاری استخراج نماذج لحفریات حیة من کل الطبقات الحفریة تقریبا . وفی الواقع إن واحدة فقط من هذه النماذج لتکفی فی حد ذاتها لهدم الداروینیة. وإن شرع الله ینسف کید المنکرین، مصداقا لقوله تعالى:

أَمْ یُرِیدُونَ کَیْداً فَالَّذِینَ کَفَرُوا هُمُ الْمَکِیدُونَ أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَیْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا یُشْرِکُونَ وَإِن یَرَوْا کِسْفاً مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً یَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْکُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّى یُلَاقُوا یَوْمَهُمُ الَّذِی فِیهِ یُصْعَقُونَ یَوْمَ لَا یُغْنِی عَنْهُمْ کَیْدُهُمْ شَیْئاً وَلَا هُمْ یُنصَرُونَ [سورة الطور ، الآیات 42 ـ 46]

حفریة غراب البحر (قاق الماء) التی تبدو فی أعلى والبالغ عمرها 18 ملیون سنة ، هی دلیل على أن غربان البحر لم تتغیر قط منذ ملایین السنین ، مما یعنی أنها لم تتطور .

تبین حفریة القسطل البحری البالغ عمرها حوالی 300 ملیون سنة أن هذه الأحیاء وُجِدَت منذ مئات الملایین من السنین ببنیات معقدة ، ولم یحدث أی تغیر فی بنیاتها خلال هذه الفترة ، ولم تمر بأی مرحلة بینیة .