الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

کیف تنجح الحیوانات فی إنجاز هذا العمل ؟

کیف تنجح الحیوانات فی إنجاز هذا العمل ؟

تصوّروا إنسانا لیست لدیه أیة معرفة بالعمارة ولا عمل فی قطاع البناء أبدا ولیست لدیه خبرة فی تحضیر المواد الأولیة للبناء ولا عن کیفیة البناء ومع هذا یقوم بإنشاء مسکن بکل براعة وإتقان, کیف یحصل هذا؟ هل یستطیع أن یفعل ذلک لوحده ! بالتأکید لا، فالإنسان الذی یعتبر مخلوقا عاقلا وذا منطق من الصعوبة أن یسلک هذا السلوک .

إذن هل من الممکن أن تسلک هذه الحیوانات سلوکا یتطلب ذکاء وقابلیة ؟ وکما أسلفنا القول فی الصفحات السابقة إنّ أغلب الحیوانات لا فقط لا تملک مخا وإنما تفتقر إلى جهاز عصبی ولو بسیط ولکنّها مع ذلک تقوم بحسابات دقیقة جدا عند إنشائها لأعشاشها، وتطبق قوانین الفیزیاء وتستخدم أسالیب تتطلب مهارة خاصة بالنسیج والخیاطة، إضافة إلى إیجادها حلولا أمام کلّ المشاکل التی تعترض سبیلها أو سبیل صغارها وبصورة عملیة تماما. وتعد هذه الحیوانات لنفسها خلطة البناء بصورة طبیعیة ومتقنة فضلا عن ترکیبها وصفة خاصة لعزل عشها عن تأثیرات البیئة السلبیة. ولکن هل یعرف الطیر أو الدب القطبی معنى العازل الحراری؟ وهل یفکر هذا الحیوان أو ذاک بضرورة تدفئة عشه أو عرینه ؟ والواضح أن هذه الاستنتاجات الفکریة لا یمکن أن تصدر من هذه الحیوانات، إذن کیف اکتسبت هذه الحیوانات مثل هذه الخبرة والمهارات؟

و هذه الحیوانات تتّصف کذلک بأنها مثابرة وصبورة جدا فی إنشائها لمساکنها على الرغم من أن هذه المساکن تکون فی أغلب الأحیان محلاّ لسکن صغارها فقط.

هناک تفسیر واحد لهذه العقلانیة والمنطقیة والتفانی فی سلوک هذه الحیوانات, إنه الإلهام الإلهی. فالبارئ المصور خلقها بهذه الصورة الکاملة وألهمها هذا السلوک کی تحافظ على نسلها وعلّمها الدفاع عن النفس و الصّید و التّکاثر کلّ بأسلوبه الخاص الذی یمیّزه باعتباره نوعا حیوانیاّ مختلف، هو الله الحافظ الرّحمان الذی رحمته وسعت کل شیء وبرحمته هذه علّم هذه الحیوانات کیفیة بناء أعشاشها وفق تخطیط بارع و متقن، وما الکلام عن "التطور" و من أن " الطبیعة الأم" أو المصادفات هی التی علمت الکائنات الحیة هذه الأنماط السلوکیة سوى تخبط لا أساس له سواء فکریا أو علمیا، وما سلوک الحیوانات هذا سوى إلا إلهام إلهی ورحمة واسعة من لدن الرحمن الرحیم .

ویقول الله سبحانه وتعالى فی کتابه المبین " وأوحى ربک إلى النحل أن اتخذی من الجبال بیوتا ومن الشجر وممّا یعرشون " صدق الله العظیم . سورة النحل - الآیة 68 .

إنه هو الذی ألهم النحل کیفیة بناء الخلیة وکذلک باقی الکائنات الحیة ألهمت من قبله جلت قدرته کیفیة بناء مساکنها وکیفیة إعداد المواد اللاّزمة للبناء والأسالیب المتّبعة لإنجاز تلک الأعمال و کذلک الحفاظ على النسل والتضحیة فی سبیل الحفاظ على حیاة الصغار. إنّ الکثیر من الکائنات الحیة تبدی تفانیا محیّرا وتتحمل صعوبات کثیرة فی سبیل التکاثر والحفاظ على بیضها أو صغارها المولودین حدیثا، ویمکن مشاهدة نماذج فی الطبیعة تضحی بحیاتها فی سبیل ذلک. فمثلا هناک أنواع من الحیوانات تقطع کیلومترات عدیدة جدا فی سبیل وضع البیض وأخرى تبذل جهدا شاقا ودؤوبا لإنشاء أعشاش آمنة، وأنواع أخرى تموت مباشرة بعد التکاثر ووضع البیض فضلا عن أنواع تحمل بیضها فی فمها لمدة أسابیع دون أن تتغذى أو أنواع تحرس بیضها لمدة أسابیع أیضا دون کلل أو ملل.

والحقیقة أن هذه الأنماط السلوکیة الفریدة تهدف إلى تحقیق غایة واحدة هی الحفاظ على النّسل لأن الصغار و هم ضعاف لا یستطیعون البقاء إلاّ برعایة الکبار البالغین الأقویاء، فلوترک غزال مولود حدیثا وحده فی العراء أو لو ترک بیض طیر دون حمایة لاشک أن حظهما فی البقاء یکون ضئیلا جدا. والملاحظ فی الطّبیعة أنّ الحیوانات البالغة تقوم برعایة صغارها دون ملل أو إهمال أو استنکاف وتتحمل مسؤولیة الرعایة کاملة, کلّ ذلک استجابة للإلهام الإلهی.

والغریب أیضا فی هذه المسألة هو کون الکائنات الحیة التی تبدی تفانیا ودأبا فی رعایة صغارها هی من أقل الکائنات الحیة تکاثرا، ومثال على ذلک الطیور فهی تضع عددا محدودا من البیض کلّ سنة ولکنها تهتم بهذا العدد من البیض اهتماما بالغا. وهذا القول جائز فی اللبائن أیضا والتی یمکن القول عنها أنها تلد مولودا واحدا أو مولودین ولکنها تستمر فی الرّعایة و العنایة مدة طویلة نسبیا، وهنا ک کائنات حیة لا تبدی اهتماما ملحوظا بصغارها بالرغم من کونها تبیض أعدادا کبیرة من البیض تقدر بالآلاف مثل الأسماک والحشرات أو الفئران التی تلد أعدادا کبیرة فی کل موسم تکاثری, ولکونها بهذا العدد الضخم ضمن العائلة الواحدة فإن الاحتمال عال باستمرار النّسل بالرغم من هلاک أعداد کبیرة من الصغار فی المراحل الأولى من حیاتها. ولو کانت هذه الحیوانات تهتم بصغارها بصورة کبیرة لکانت أعدادها تتزاید باطراد وبالتّالی یحدث خلل فی التّوازن البیئی, ومثال على ذلک فئران الحشائش التی تتکاثر بصورة کبیرة جدا ولو حدث أن حافظت على أعدادها المتزایدة لملأت هذه الفئران وجه البسیطة(49). و المعلوم أنّ التکاثر یمکن اعتباره إحدى الوسائل الکفیلة بالحفاظ على التوازن البیئی إلا أن الکائنات الحیة لا یمکن لها التحکم فی خاصیة "التکاثر" هذه من وحی علمها أو سلوکها المنطقی .

والمعلوم أیضا أن هذه الکائنات الحیة مخلوقات غیر عاقلة لذا فلا یمکن أن ننتظر منها سلوکا ضابطا للإیقاع التکاثری حفاظا على التوازن البیئی و لا حسابا مضبوطا لتحقیق ضرورة التکاثر من أجل استمرار النسل. وکل هذه الشواهد الحیة تدل على وجود قوة تدیر هذه السیمفونیة الطبیعیة، وهذه القوة تملی إرادتها على کل کائن حی على حدة لیمارس دوره المسیّر ( ولیس المخیّر ) فی ممارسة مهمّته فی البیئة الطبیعیة على أکمل وجه، أی أنّ الحقیقة تتمثل فی عدم وجود أیّ کائن حی خارج السیطرة أو تحرّکه بشکل اعتباطی, فکل الکائنات الحیة تنقاد وتخضع لله الواحد القهار .

ویقول الله سبحانه وتعالى فی محکم کتابه المبین عن کیفیة تکاثر الأحیاء بإذنه جل جلاله وعن کیفیة تقدیره لحیاتها ومماتها وهو الحی القیوم: " الله یعلم ما تحمل کلّ أنثى وما تغیض الأرحام وما تزداد وکل شیء عنده بمقدار " سورة الرعد - الآیة 8 ویقول أیضا: " ومن آیاته اللیل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الّذی خلقهن إن کنتم إیاه تعبدون " سورة فصلت - الآیة 47, أمّا فی سورة الشورى-الآیة 49-50 فیقول تعالى : " لله ملک السموات والأرض یخلق ما یشاء یهب لمن یشاء الذکور (49) أو یزوجهم ذکرانا وإناثا ویجعل من یشاء عقیما إنه علیم قدیر (50) " صدق الله العظیم .

مهندسو ما تحت الماء

مهندسو ما تحت الماء

من المعلوم أن الأسماک لیس من عادتها بناء منازل خاصة بها، إلا أن هناک أنواعا منها یسلک سلوکا محیرا, فأسماک المیاه العذبة تنشأ لها مساکن خاصة فی قیعان البحیرات أو الأنهار أو المیاه الراکدة، وغالبا ما تکون على شکل حفر یتم حفرها بین الأحجار أو الرمال، ومثال على ذلک سمک " السلمون " وسمک "البنی " فهی تترک بیضها داخل هذه الحفر حتى تفقّس لوحدها. و هناک أنواع أخرى من الأسماک تقوم بحراسة هذا البیض بالتناوب بین الذکر والأنثى عندما یکون البیض مکشوفا والأخطار محیقة . ومعظم أنواع الأسماک تتمیز بکون الذکر هو المسؤول عن إنشاء المساکن الخاصة بوضع البیض وحراستها أیضا.

وهناک أسماک تتمیز بکون مساکنها أکثر تعقیدا، ومثال ذلک السمک الشوکی الذی یعیش فی أغلب المناطق النّهریة والبحیرات فی کلّ من أمریکا الشمالیة وأوروبا إذ یقوم الذکر بإنشاء أعشاش أکثر اتقانا من أعشاش الطیور، حیث یقوم هذا النوع من السمک بجمع أجزاء من النباتات المائیة ومن ثم یلصقها ببعضها البعض عن طریق سائل لزج یفرز من کلیّ هذا السّمک ویقوم الذکر بالسباحة حول هذه الخلطة اللزجة والتمسح بها حتى یعطیها شکلا طولیا منتظما وبعدها یثب فجأة سابحا من منتصف هذه العجینة شاقا إیاها لکی تصبح على شکل نفق له مخرج ومدخل ویمر من خلاله الماء، و إذا حدث أن مرت أنثی بالقرب من هذا النفق العش یقوم الذکر بمغازلتها بالسباحة حولها جیئة وذهابا حتى یذهب بها إلى مدخل النفق الذی یحاول أن یدلها علیه عن طریق مقدمة رأسه، وعندما تبیض الأنثى داخل هذا النفق یدخل الذکر من المقدمة دافعا الأنثى إلى الخارج عن طریق المؤخرة. وهکذا تعاد العملیة مع عدة أثاث وهدف الذکر من دخول النفق وطردهم إیاهن هو تلقیح البیض. وعندما یمتلأ النفق بالبیض یبدأ الذکر بحراستها ویثابر على السماح بدخول الماء العذب إلى النفق، ومن جانب آخر یقوم بترمیم الأجزاء التالفة منه، ویستمر فی حراسة النفق حتى بعد عدة أیام من فقس البیض. وفیما بعد یقوم بقطع الجزء العلوی من النفق تارکا السفلی لمعیشة الصغار (48).

مسکن الضفدع "الحداد"

مسکن الضفدع "الحداد"

یعتبر هذا النوع من أبرع البرمائیات فی إنشاء مسکه وهو یعیش فی جنوب إفریقیا، و یقوم الذکر بإنشاء هذا المسکن على ضفة الماء فالذکر یشرع فی الدوران حول نفسه فی الطین حتى یحدث فیه ثقبا واضحا، ومن ثم یقوم بتوسیع حوافی هذا الثقب، وعند اکتمال هذه الخطوة یبدأ بتکوین جدران طینیّة متینة لهذا الثقب وفی النهایة یکون قد أنشأ حوضا مائیا بعمق 10سم، ویبدأ بالجلوس داخل هذا الحوض ویصدر أصواتا یدعو فیها الإناث للتکاثر (التزاوج) ویظل على هذا الوضع حتى یلفت انتباه إحدى الإناث وعند مجیء الأنثى تبدأ بوضع بیضها داخل الحوض أما الذکر فوظیفته تلقیح هذا البیض. وبعد ذلک یبدأ کلاهما بمراقبة هذا البیض حتى فقسه، وعند الفقس تخرج یرقات الضفادع والتی تکون محاطة بغلاف واقی وتبقى فی هذا الحوض بمأمن من خطر الأسماک والحشرات وعندما تترعرع سرعان ما تثبت فوق جدران هذا الحوض المخصص (لرعایة الصغار) لتخرج وتبدأ حیاتها (47).

مساکن التّماسیح

مساکن التّماسیح

تعدّ أنثى التمساح الذی یعیش فی منطقة "أفیرکلیدس" فی فلوریدا مکانا مختلفا جدّا لوضع البض فهی تقوم بجمع النباتات المتعفنة وتخلطها بالطین لتصنع منها تلة ارتفاعها 90سم تقریبا ومن ثم تحفر حفرة فی قمة هذه التلة لتضع فیها بیضها وتغطیها بعد ذلک بالنباتات التی تکون قد جمعتها من قبل ثم تبدأ بحراسة هذه التلة من خطر الأعداء. وعندما یبدأ البیض بالفقس تقترب الأم عند سماع أصوات صغارها وهم یصدرون أصواتا متمیزة و تقوم بإزالة النباتات التی غطتها بها ویبدأ الصغار بالتسلق إلى أعلى, و تجمعهم الأم فی تجویف فمها المتسع وتذهب بهم إلى الماء لیبدأوا حیاتهم (46).