الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

العنایة الفائقة التی تخص بها الکائنات الحیة بیضها وصغارها

العنایة الفائقة التی تخص بها الکائنات الحیة بیضها وصغارها

الظاهرة المعروفة لدى الأحیاء أنهّا تبذل جهدا کبیرا فی العنایة بالبیض والصغار وتتحمل فی سبیل ذلک الصّعوبات الجمّة فهی تقوم بإخفائها عن عیون الأعداء وتحافظ علیها (البیض) من الکسر إضافة إلى تدفئتها بدرجة معقولة دون تعریضها إلى حرارة عالیة، وتقوم الکائنات الحیة بنقل بیضها إلى مکان آخر عند إحساسها بخطر یهددها وتظل تحرسها لعدة أسابیع متواصلة دون کلل أو ملل وحتى أن بعضها یقوم بحمل البیض بفمه. ویمکن لنا أن نلاحظ هذه الأنماط السلوکیة الملیئة رحمة ورأفة لدى الکثیر من أنواع الأسماک والطیور والزواحف .

فأفعى " البایتون " مثلا تشکل تهدیدا خطیرا لحیاة الإنسان إلا أنها تسلک تجاه بیضها سلوکا ینطق عطفا ورأفة. فهذه اللأفعى تضع تقریبا 100 بیضة فی کل مرة و تلتفّ حول هذا البیض, والهدف من هذا الالتفاف هو الحفاظ على البیض من درجة الحرارة العالیة بالإضلال علیها والحفاظ علیها من البرودة عن طریق رفع جسمها و الانفصال عنها. ویضل هذا البیض بمنأى عن الأخطار طالما ظلت الأفعى الأم ملتفة حولها. و بفضل هذه العنایة التی تبدیها أنثى "الیایتون" یقل تأثیر الأخطار على حیاة الصغار وهم لا یزالون داخل البیض (50). وهنالک بعض أنواع الأسماک یسلک سلوکا غریبا فی العنایة بصغاره وهم لا یزالون داخل البیض إذ تقوم السّمکة الأم بجمع هذا البیض فی تجویف فمها کوسیلة لحمایتها لذا تدعى هذه الأنواع بـ " الأسماک التی ترقد على بیضها بفمها ", و قسم من هذه الصغار سرعان ما یلوذ إلى فم أمه عندما یشعر بالخطر. وهذا السّلوک شائع لدى أسماک القط (الشبوط) أو (cat fish ) التی تستمرّ فی السّباحة لمدّة أسابیع وفمها ملآن بالبیض الصغیر الذی یقدر حجمه بحجم الکرات الفولاذیة الصغیرة الموجودة فی العجلات المیکانیکیة، وتقوم السّمکة بخض فمها بین الحین والآخر لتحریک هذا البیض لإفساح المجال لغاز الأکسیجین المذاب فی الماء للوصول إلیها وعند فقس البیض عن صغار ضعاف یلجأون إلى فم أبیهم لعدة أسابیع تالیة, وطیلة هذه الفترة لا یتغذى الذّکر أبدا ویستخدم مخزونه الدّهنی فی مواصلة فعالیاته الحیویة ( 51).

وتعتبر الضفادع الکائن الحی الآخر الذی یحمل صغاره وبیضه فی فمه, فضفدع "رینودیرما" تحمل أنثاه البیض داخل جسمها وعند حلول موسم التزاوج تضع الإناث بیضها على الأرض ویبدأ الذکور فی الدّوران حول هذا البیض فی حرکة تعبر عن قدرته على حمایتها من الأعداء. وعندما تبدأ الأجنحة تتحرک داخل البیض للخروج منها تهجم الذّکور على هذه المجامیع لتلتقم أکبر کمیة من هذا البیض التی تحاط بطبقة جیلاتینیة شفافة ویقوم الذّکر بتجمیع هذا البیض على جانبی فمه داخل أکیاس الصوت, وبالتالی یبدو فمه منتفخا للغایة, وتبقى فترة داخل الفم إلى أوان اکتمال نموها, وفی النّهایة یبدأ الذّکر بالتجشؤ عدة مرات وینهی ذلک بأن یتثاءب فاغرا فمه بصورة واسعة لیفسح المجال للصّغار الذین اکتمل نموهم للخروج إلى الحیاة ( 52).

وهناک نوع آخر من الضفادع یعیش فی استرالیا یقوم بازدراد بیضه لیحافظ علیها لیس فی فمه و إنما فی کیس موجود فی معدته ویبدو للقارئ أن البیض فی هذه الحالة معرض للهلاک نتیجة الإفرازات المعدیة الهاضمة إلاّ أنّ الذی یحدث لدى هذه الحیوانات هو العکس تماما إذ تتوقف المعدة عن إفراز هذه الأنزیمات لحظة ابتلاع الأنثى لبیضها و بذلک لا یتعرض البیض لأی خطر (53). وهناک أنواع من الضفادع تتّبع أسالیب متنوعة فی الحفاظ على بیضها کضفدع " البیبا " الأسود الذی یقوم ذکره بتجمیع البیض بواسطة سیقانه الزّعنفیّة لیلصقها إلى ظهر الأنثى ثمّ ینتفخ الجلد لیساعد على التصاق هذا البیض, ویتکون غلاف رقیق حافظ لهذا البیض، وبعد 30 ساعة یختفی هذا البیض تحت جلد ظهر الأنثى ویعود إلى شکله الأصلی, ویبدأ البیض فی النمو تحت جلد الأنثى. وبعد 15 یوما تبدأ الیرقات فی التّحرک داخل البیض والتی تجعل ظهر الأنثى تبدو و کأنها فی حرکة التوائیة. وبعد مرور 20یوما تشرع الضّفادع الصّغیرة فی الخروج عبر ثقوب تکون قد فتحتها فی جلد الأم, وبعد خروجها تبدأ فی البحث عن ملجئ آمن لها فی الماء.

أما الضفدع الأوروبی الأسود والمسمى بـالمولِّد أو القابلة فیقضی أغلب حیاته على الیابسة القریبة من الماء ویتزاوج على الیابسة أیضا و لا تترک الأنثى بیضها على الأرض, ویلقی الذکر علیها حیامنه, وبعد نصف ساعة یقوم الذکر بلصق هذا البیض بعضه ببعض کأنما یقوم بترتیب حبات المسبحة على الخیط، ثمّ یلصق هذه السلسلة على سیقانه الخلفیة وتبقى هکذا لمدة أسابیع عدیدة یجرها معه أینما ذهب وعندما یبدأ هذا البیض فی الفقس یلقی بها فی الماء, ویبقی سیقانه فی الماء حتى اکتمال خروج الصّغار من البیض. وعند اکتمال هذه العملیة یرجع إلى مسکنه على الیابسة (54).

بعد هذا العرض للأمثلة العدیدة تبرز أمامنا نقطة مهمة للغایة، وهی الإنسجام الکامل بین التکوین الخلقی لهذه الکائنات الحیة والأنماط السّلوکیة التی تمارسها. فالضّفدع الذی یملک تجویفا خاصا فی جسمه یستخدمه للحفاظ على البیض ولکنه لا یعلم عن وجود هذا التجویف فی جسمه إلا أنه مع ذلک یسلک سلوک العارف بوجود هذا التجویف، أما الضفدع الآخر الذی ورد ذکره فی الأمثلة فإنه غیر عاقل ولا یملک الإرادة أن یوقف إفراز الإنزیمات الهاضمة فی معدته کی لا تصیب البیض بأی ضرر ، وعلى افتراض أنّ هذا النوع من الضفادع یملک القابلیة على إیقاف إفراز الأنزیمات فإن هذا الفرض ینافی طبیعة الکائنات الحیة التی لا تملک القابلیة على التّحکم فی الأفعال اللاّإرادیة، وکذلک الحال بالنّسبة إلى الضفدع الذی یرعى صغاره تحت جلدة ظهره. کلّ هذه الشّواهد الحیّة من توافق بین التّرکیبة الخلقیّة والأنماط السّلوکیة لم تتشکّل بمحض أبدا الصّدفة.

وهذه الصّفات التی أوردناها کأمثلة تحمل فی جوهرها تصمیما وتخطیطا لا یمکن إنکارهما. والواضح للعیان أن هذه الکائنات الحیة التی تمتلک خاصّیة الانسجام بین الترکیب الخلقی وأنماطها السلوکیة هی کائنات مخلوقة من قبل المولى عز وجل وهو الذی أبدع صورتها وخلقها لأنه قادر على کلّ شیء. ولا یمکن ملاحظة مشاعر الأمومة والأبوة والرأفة المبثوثة إلى هذه المخلوقات بالأمثلة أعلاه فحسب بل فهناک أمثلة أخرى کالنّمل والنحل وغیرها من الأحیاء التی تبذل اهتماما منقطع النّظیر فی الحفاظ على البیض وعلى الیرقات داخل الشرانق, فالعاملات تقوم بحمل البیض إلى غرف خاصّة داخل الخلیة المنشأة تحت الأرض, وکذلک الأمر مع الیرقات داخل الشرانق، وتغیر هذه العاملات مکان بیضها و مکان الشرانق أیضا حسب تغیّر درجة الحرارة والرطوبة داخل الخلیة إضافة إلى سعیها الحثیث إلى الحفاظ على راحة البیض والیرقات بأن تحملها فی فمها لتغییر مکانها فی رحلات متواصلة بین الغرف داخل الخلیة. وإن حدث أن داهم الخطر الخلیة کلّها تقوم العاملات بحمل البیض والشرانق إلى مکان آمن خارج الخلیة (55).

أمّا اهتمام الطّیور ببیضها فیأخذ أشکالا متنوعة تثیر الحیرة والدهشة فی آن واحد. فنحن نجد مثلا طیر "المطر" الصّغیر الذی یضع أربع بیضات فی حفرة بالأرض، وإن حدث أن ارتفعت درجة الحرارة یقوم هذا الطیر بغمس صدره فی الماء حتى تبتل ریشه الأمامیّ ثم یرقد على البیض و یلامس البیض بریشه المبتلّ, وهکذا یستطیع أن یخفّف من تأثیر الحرارة العالیة (56).

و مما نشاهده فی عالم الأحیاء أنّ الکائنات الحیة البیوضة تقوم بتهیئة وسط ملائم من ناحیة درجة الحرارة لاکتمال نمو الأجنحة داخل البیض, فالطّیور الغطّاسة على سبیل المثال تبنی أعشاشها من الطّحالب الطافیة على الماء وتقوم هذه الطیور بتغطیة بیضها بهذه الطّحالب, وهذه العملیة توفر نوعا من التکییف الحراری داخل العش. أمّا البجع فیرقد على البیض لتوفیر الدّفء اللاّزم لنموّ الأجنحة ویغیر من وضع رقاده بین الحین والآخر لتوفیر دفء متساو لجمیع البیض (58).

أما الطائر الرّملی فیستخدم أسلوبا آخر فی توفیر الدّفء لبیضه، فبعد أن تضع الأنثى بیضها فی العشّ یتولّى الذّکر الاهتمام بهذا البیض فیرقد علیه وینتف ریشه الذی یغطی منطقة الصّدر ویفرشه فی أنحاء العش وتمتلئ الأوعیة الدّمویة الموجودة فی صدره بکمیة زائدة من الدم، وحرارة هذا الدم تکون کافیة لتوفیر الدّفء اللاّزم للبیض طیلة أکثر من ثلاثة أسابیع. وعندما یخرج الصّغار بعد فقس البیض یستمر الذّکر فی رعایة الصغار أکثر من أسبوع ونصف ومن ثم یتناوب مع الأنثى فی أداء هذه الوظیفة المهمة 59.

إنّ الاهتمام بالحفاظ على درجة الحرارة داخل العش بمستوى محدود ومقبول یعتبر أمرا ذا أهمیة قصوى لکافة الکائنات الحیة. والمثیر للدّهشة أن الحیوانات تتبع أسالیب مختلفة ومتنوعة فی إنجاز هذه العملیّة الحیاتیّة المهمّة وتبدی حساسیة بالغة تجاهها. وهنا تبدو أمامنا استحالة إدراک الطیر أو الأفعى أو النحل لأهمیة الحفاظ على الحرارة بمستوى دقیق وبالتالی اتباعها أسلوبا مثیرا للدّهشة فی إنجاز هذه العملیة من تلقاء ذاتها. ومصدر هذه المعرفة و الإدراک هو الله سبحانه وتعالى الذی خلق هذه الکائنات و أودع فیها هذه الخصائص الحیاتیة لیضرب بها الأمثال للإنسان المتفکر. و هذه الکائنات الحیة وهی تسلک سلوکا من وحی إلهام إلهی تنشط نشاطا دؤوبا لا یعرف الکلل ولا الملل. فمثلا تبنی بعض الطیور عدة أعشاش یکون أحدها لرعایة الصّغار وتنشئتهم والأخرى لوضع البیض والرّقود علیه. ویتصف بهذه الصّفات کلا من طائر " المطر"الصّغیر والطیور الغطّاسة إذ یتناوب الذّکر والأنثى فی عملیة الاهتمام بالصغار والرقود على البیض.

والأغرب من هذا مساعدة الفراخ الموجودة فی العش الأول للفراخ الموجودة فی العش الثانی, وهذا النموذج یمکن رؤیته لدى طائر "دجاج الماء "و"خطاف الشّباک"حتى أن أزواج الطّیور تساعد أزواجا أخرى فی العمل مثلما هو موجود لدى طائر النحل. وهذا النّوع من التعاون والتکافل شائع لدى الطیور عامة 60. وهناک عامل مهمّ فی نسف نظریة التّطور من الأساس, وهذا العامل یتلخّص فی الرأفة التی تبدیها الحیوانات لیس فقط تجاه صغارها بل تجاه صغار حیوانات أخرى. وحسب ادّعاء دعاة التّطور یکون من المستحیل رؤیة هذه الأنماط من السّلوک لدى الکائنات الحیّة فی حین أنّ ما یصدر عنها من سلوک هو مثال فی ا الرّأفة والتّضحیة ومن المستحیل أن تکون قد تشکلت بالصّدفة. وهناک أمثلة لا تحصى فی الطبیعة على التعاون والتکافل بین الأحیاء. وهذا دلیل واضح على أنّ الطّبیعة لیست ولیدة الصّدفة و العبث کما یدّعی المادّیون .

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد