الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الغرائز لا یمکن أن تتطور

الغرائز لا یمکن أن تتطور

إنّ دعاة نظریة التطور یجادلون بکون أغلب سلوک الحیوانات نتیجة للغریزة، ولکن کما أسلفنا القول فی الصفحات السابقة لا یستطیعون إیراد تفسیر مقبول عن کیفیة نشوء الغرائز و لا عن کیفیة ظهور الغریزة لأول مرة و لا عن کیفیة اکتساب الحیوانات لهذه الغرائز، ولو حوصر أحدهم بالأسئلة لتعلق بالإدعاء التالی: "تکتسب الحیوانات أنماطا سلوکیة عن طریق التجربة ویتم انتقاء الأقوى بواسطة الانتخاب الطبیعی. وفی مرحلة لاحقة یتم توارث هذه الأنماط السلوکیة الناجحة عبر الأجیال المتعاقبة".

وهناک أخطاء منطقیة ولا یمکن أن یقبلها العقل فی هذا الإدعاء، ودعونانتفحص هذه الأخطاء بالتسلسل:

1-الأخطاء الکامنة فی المقولة : اختیار السلوکیات المفیدة عبر الانتخاب الطبیعی:

إنّ الانتخاب الطبیعی یعتبر الحجر الأساس لنظریة "تشارلس دروین" الخاصة بـالتطور. والانتخاب الطبیعی یعنی اختیار أی تغییر مفید وصالح للکائن الحی (قد یکون هذا التغییر هیکلیا أو سلوکیا ) واختیار ذلک الکائن الحی لتوریث ذلک التغییر للأجیال اللاحقة .

وهناک نقطة مهمة فی هذا الإدعاء یجب أن لا نغفل عنها وهی: کون الطبیعة حسب ادعاء داروین تعتبر المحک لتمییز المفید من الضار وهی القوة المؤثرة والعاقلة فی الوجود ولکن لا یوجد فی الطبیعة ما یمیز بین الضار والمفید کقوة مؤثرة حیث لا یوجد بین الحیوانات أو غیر الحیوانات ما یملک قرار ذلک أو القابلیة على اتخاذ هذا القرار، فقط من خلق الطبیعة وما تحتویه وخلق کل شیء یملک العقل والمنطق والقدرة على تمییز الضار من المفید.

فی الحقیقة داروین یعترف بنفسه باستحالة اکتساب السلوکیات المفیدة عن طریق الانتخاب الطبیعی إلا أنه یعود و یدافع عن وجهة نظره التی هی محض خیال واستمر فی الدفاع عن رأیه بالرغم من کونها هرطقة وغیر منطقیة حیث یقول: فی النهایة یمکن اعتبار الغرائز التی تجعل زغلول الحمام یطرد إخوانه غیر الأشقّاء من العش، وتجعل مملکة النحل مقسمة إلى خدم وملکة لیست غرائز موهوبة أو مخلوقة بل تفاصیل حیة وصغیرة لدستور عام لعالم الأحیاء وهذه التفاصیل الصغیرة تتولى مهمة التکثیر و التغییر عبر انتقاء الأصلح من الأضعف. ولکن هذا الاعتبار لا یبدو لی منطقیا ولکنه قریب إلى الأفکار التی تدور فی مخیلتی (8).

ویعترف داعیة آخر لنظریة التطور وهذه المرة فی ترکیا وهو البروفیسور جمال یلدرم بأن عاطفة الأمومة لدى الأم لا یمکن تفسیرها بواسطة الانتخاب الطبیعی ویقول بهذا الصدد :

"هل توجد إمکانیة لتفسیر عاطفة الأمومة تجاه الأبناء بواسطة نظام أعمى یفتقد إلى مشاعر روحیة مثل نظام الانتخاب الطبیعی ؟ وبلا شک فشل علماء الأحیاء ومنهم مؤیدو داروین فی إیراد جواب مقنع لهذا السؤال. وهنالک صفات معنویة لدى الکائنات الحیة غیر عاقلة و بما أنها لا تستطیع أن تکتسب هذه الصفات بإرادتها فإذن یجب أن یکون هناک من منحها هذه الصفات، وحیث أن الطبیعة و قانون الانتخاب الطبیعی عاجزان عن إکساب الأحیاء هذه الطبیعة المعنویة بسبب کونهما یفتقدان للصفات المعنویة، والحقیقة الساطعة کالشمس تتمثل وجود کافة الأحیاء تحت العنایة الإلهیة و تدبیره المحکم، ولهذه الأسباب المتقدمة نستطیع أن نشاهد فی الطبیعة أنماطا سلوکیة لبعض الحیوانات تثیر الحیرة والاستغراب وتجعلنا نتساءل: کیف تسنى لهذا الحیوان الاهتداء إلى هذا السلوک ؟ وکیف یستطیع هذا الحیوان أو ذلک التفکیر بهذه الطریقة؟

2-الأخطاء الخاصة بتوارث السلوکیات المفیدة والمنتخبة عبر الانتخاب الطبیعی:

الخطوة الثانیة لمؤیدی داروین هی ادعاؤهم بأن السلوکیات المفیدة والمنتخبة عبر الانتخاب الطبیعی یتم توارثها عبر الأجیال وهذا الإدعاء ضعیف وهش للغایة من مختلف الوجوه. قبل کلّ شیء فإن أی سلوک جدید یکتسبه الحیوان عن طریق التجربة لا یمکن توریثه لجیل لاحق بأی حال من الأحوال لأن التجربة المکتسبة تخص ذاک الجیل وحده ولا یمکن إدخال هذه التجربة السلوکیة الجدیدة المکتسبة فی البناء الجینی للحیوان إطلاقا .

ویقول Gordon R.Taylor مبدیا رأیه المناهض لرأی أولئک الذین یدعون توارث الأنماط السلوکیة عبر الأجیال المتعاقبة بما یلی :" یدعی علماء الأحیاء بأن هناک إمکانیة لتوارث الأنماط السلوکیة عبر الأجیال المتعاقبة ویمکن مشاهدة هذه الظاهرة فی الطبیعة مثلا العالم :Dobzhansky یدعی بأن جمیع وظائف جسم الکائن الحی ما هی إلاّ نتاج التوارث النّاتج بتأثیر العناصر والعوامل المتوفرة فی المحیط الخارجی، وفی هذه الحالة یکون الأمر مقبولا بصورته النهائیة بالنسبة لجمیع أنواع الأنماط السلوکیة، ولکن هذا غیر صحیح بالمرة ویعتبر أمرا محزنا أن یکون هذا رأی عالم له مکانته مثل Dobzhansky . ویمکن القول أن هنالک بعض الأنماط السلوکیة لبعض الأحیاء یتم توارثها عبر الأجیال اللاحقة ولکن لا یمکن تعمیم الأمر على جمیع الأنماط السلوکیة" .

والحقیقة الظاهرة للعیان عدم وجود أی دلیل علمی یمکن بواسطته إثبات توارث بعض الأنماط السلوکیة بواسطة الخریطة الجینیة للکائن الحی والمعروف أن الجینات مسؤولة فقط عن بناء البروتینات حیث یتمّ بناؤها أکثر من إفراز بعض الهرمونات لتتم السیطرة على سلوک الکائن الحی (بصورة عامة) وعلى سبیل المثال أن یکون الحیوان نشیطا أو بالعکس خاملا أو أن یکون الولید أکثر ارتباطه بأمه، ولکن لا یوجد أی دلیل یثبت توارث السلوک الخاص الذی یجعل الحیوان یبنی عشه بالترتیب والتزامن والانتظام المعروف0

ولو کان الأمر کذلک فإذن ما هی الوحدات الوراثیة المسؤولة عن عملیة التوریث ؟ لأن هناک فرضیات تثبت وجودها، ولم یستطع أحد الإجابة عن هذا السؤال (10).

وکما أفاد به Gordon R.Taylor فإن الادعاء بکون الأنماط قابلة للتوارث أمر غیر مقبول علمیا، فبناء الطیور لأعشاشها وإنشاء القندس للسدود وإفراز عاملات نحل العسل للشمع یقتضی وجود نوع من الأنماط السلوکیة المعقدة کالتصمیم والتخطیط للمستقبل و هذه لا یمکن توارثها عبر الأجیال وهناک مثل آخر یفرض نفسه بشدة وهو المتعلق بسلوک العاملات القاصرات فی مملکة النمل .

فهذه العاملات لها سلوک خاص تتمیز به یقتضی منها أن تکون على درایة تامة بالحساب وذات خبرة واسعة، ولکن هذه الأنماط السلوکیة لعاملات النمل لا یمکن أن تکتسب بالتوارث لسبب وحید کونها قاصرات ولا یمکن لها التکاثر لذا فلا تستطیع توریث هذه الأنماط السلوکیة لأجیال لاحقة، ومادام الأمر کذلک ینبغی توجیه السؤال الآتی لدعاة نظریة التطور : کیف تسنى لأول نملة عاملة قاصرة أن تورث هذه الأنماط السلوکیة لأجیال لاحقة من العاملات القاصرات وهی بالتأکید لا تستطیع التکاثر ؟ وما تزال هذه العاملات سواء کانت نملا أو نحلا أو أی حیوان آخر تعمل منذ ملایین السنین بهذا السلوک الذی یعکس مدى العقلانیة والقابلیة والتکافل و الانتظام وتوزیع الأدوار بدقة إضافة إلى روح التضحیة إلا أن هذه المخلوقات لم تستطع البتة أن تورث هذه الأنماط السلوکیة منذ خلقت لأول مرة .

ولا یمکننا القول بأن هذه المخلوقات قد بذلت جهدا فی اکتساب هذه الأنماط السلوکیة لأنها تبدأ فی اتباع هذا السلوک منذ اللحظات الأولى لوجودها على وجه الأرض بأکمل صورة. ولا تصادف فی أی طور من أطوار حیاتها أیة مرحلة للتعلیم و جمیع سلوکها مکتسب بالفطرة, وهذا الأمر جائز مع جمیع الکائنات الحیة. إذن فمن الذی علم الکائنات الحیة تلک الأنماط السلوکیة ؟ وهو السؤال نفسه الذی طرحه داروین قبل 150سنة ولم یستطع دعاة نظریة التطور الإجابة عنه، و هناک تناقض عبر عنه داروین نفسه قائلا :

"إنه لخطأ کبیر أن نتحدث عن فرضیة اکتساب الأنماط السلوکیة الغریزیة بالتطبع وتوریثها إلى أجیال لاحقة، لأننا کما نعلم هناک غرائز محیرة للغایة کتلک التی عند النمل أو النحل ولا یمکن البتة اکتسابها بالتطبع" (11).

فلو افترضنا أن النملة العاملة أو أیة حشرة أخرى قد اکتسبت جمیع صفاتها المتمیزة عبر الانتخاب الطبیعی وبالتدرج, أی افترضنا أنها عملیة انتخاب للصفات الصالحة ثم یتمّ توریثها بعد ذلک إلى أجیال لاحقة وبصورة متعاقبة وفی کل مرة یتم انتخاب صفات مفیدة وتورث إلى جیل لاحق وهکذا, لو افترضنا ذلک لأصبحت فرضیتنا مستحیلة لسبب وحید و هو عدم تشابه النملة العاملة مع أبویها إلى حد کبیر إضافة إلى کونها عقیمة, و لهذا فهی لا تستطیع توریث الصفات والأنماط السلوکیة الجدیدة المکتسبة إلى الأجیال اللاحقة. وهنا یطرح السؤال نفسه: کیف یمکن تفسیر هذه الحالة بواسطة الانتخاب الطبیعی (1).

ویعبر جمال یلدرم أحد المؤمنین بنظریة التطور عن التناقض الذی وقع فیه المتبنّون لهذه النظریة: ولنأخذ على سبیل المثال الحشرات التی تعیش على شکل مجتمعات مثل النمل أو النحل, فهذه الحشرات عقیمة ولیست لدیها أیة إمکانیة لتوریث أیة صفات حیویة جدیدة تنقلها إلى أجیال لاحقة إلا أنها تبدی تکیفا مدهشا مع ظروف المحیط الذی توجد فیه وعلى أعلى المستویات. (13)

ویتضح مما تقدم من اعترافات العلماء و أقوالهم استحالة تفسیر الأنماط السلوکیة المحیرة لهذه الکائنات الحیة بواسطة نظریة التطور لأن هذه الأنماط السلوکیة لم تکتسب عبر الانتخاب الطبیعی ولا یمکن توریثها إلى أجیال لاحقة.

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد