الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

العاطفة: خطر قد یقود إلى الشرک

إِنَّ اللّهَ لاَ یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَن یَشَاء وَمَن یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِیمًا ) النساء 48)




العاطفة: خطر قد یقود إلى الشرک

کما قلنا سابقاً، لیس للشرک أی أساس عقلانی أو منطقی. فإن الشخص لا یبدأ بالتفکیر کیف سیتّخذ آلهة أخرى ویجعل لله الشرکاء. فی الواقع، عندما یبدأ الناس بالتفکیر بوضوح و یستعملون منطقهم وضمیرهم للتفکّر فی محیطهم، فإنهم سرعان ما یعلمون أن الله هو الإله الوحید. غیر أن بعض الناس، الأکثریة ربّما، لا یتفکرون، وبالتالى یسلکون السبل المنحرفة.

إن الفشل فی الإلتزام بهذه الحقیقة، أی لا إله إلا الله، حتى عندما یتقبّلها الشخص عقلیاً ومنطقیاّ، مصدره العوامل العاطفیة المتعددة التی تؤثّر على تفکیر الشخص ومنطقه. بهدف الإیجاز، فإننا سنشیر إلى ذلک على أنه " العاطفیة " أو " الرومانتیکیة ".

یستطیع الناس أن یفکروا ویتصرفوا بطریقة صحیحة فقط عندما یحکّمون عقلهم. العدید من الآیات القرآنیة تصف کیف یفقه المؤمنون الحقائق المهمة باستخدام عقلهم وکیف أن المشرکین والمنافقین یجدون أنفسهم دائماً فی المآزق بسبب عدم إستخدامهم لعقلهم. أحد أهم الأسباب لهذا هو أنهم یتصرفون فقط طبقاً لعواطفهم. فالعاطفة، التی تطمس المنطق، تجعل الناس عرضة لإیحائات الشیطان وتجعلهم ألعوبة بین یدیه. فهو، عبر هذا " السلاح " یوجّه المشرکین کیفما یشاء و یسوقهم إلى الإنحراف والضلال.

إن الله تعالى یمنح المشاعر کالحب، الخوف، الثقة، الحاجة، والأمان للناس منذ ولادتهم. على الناس أن یستعینوا بهذه الصفات لنیل رضوان الله، إتّباع هداه، والدفاع عن الخیر والحقیقة. ولکن بحال تحوّلت هذه المشاعر عن هدفها الحقیقی، فإنها تصبح تمثّل قوة تدفع بالشخص نحو الشیطان والشرک. إذا وُجّهت هذه المشاعر نحو الخیر، وهو هدفها الصحیح، فإنها تقود صاحبها إلى الإیمان، الصفاء، وإلى الله تعالى. أما إذا اتّجهت نحو الشر، فإنها تسوقه إلى الشرک. فی الحالة الأولى، سینتظر المؤمنون ثوابهم من الله، وفی الحالة الثانیة، وهی التی تتعلّق بإعطاء صفة الألوهیة لکینونات من صنع البشر وللأهواء الشخصیة، فلن یلاقی الکافرون إلا غضب الله وعذابه.

إن الفئة الثانیة من الناس لا تدرک ( أو لا تهتم ) أن الحب، الحمد، التعظیم، الخوف، التوقیر، الثقة، والدعاء یجب أن یُوجّهوا إلى الله، لأن لیس هنالک مصدر آخر ورازقُ لکل شیء، ولیس هناک مالک حقیقی للقدرة والجمال، العلم والقوة سوى هو تعالى. إذا نسب أحد صفة من هذه الصفات إلى غیر الله، فهو یکون قد وقع فی الشرک.

سنقوم الآن بتفحص مشاعر الحب، الخوف، والإستعانة لنبیّن کیف أن الفشل فی السیطرة على هذه المشاعر باستعمال المنطق، ثم تأسیس حیاة المرء على هذه القرارات الخاطئة المتأثرة بهذه المشاعر، قد یودی بالإنسان إلى الشرک.

الحب

یُدرک المؤمنون أنّ بما أن الله هو الذی خلقهم، فهو الوحید الذی یستحق حبّهم وإخلاصهم. بعد أن أنشأئهم من العدم، فقد إستمر تعالى بتلبیة کل إحتیاجات عباده الجسدیة والروحیة، وبمدّهم بالنعم التی لا تُحصى. والأکثر من ذلک أنّه طالما أن عباده یؤمنون به ویطیعوه، فالله سیجزیهم خیرالجزاء من نعمٍ وبرکاتٍ فی الدنیا والآخرة، بالإضافة إلى ما هو خیر من کل ذلک، رضوانه تعالى. فهو یعطی کل هذه الأشیاء من دون مقابل، کرحمة وکرم منه. فإذا علمنا کل ذلک، فکیف یُعقل أن یستحق أی فرد من الخلق حب الإنسان وإخلاصه.

إن سبب من أسباب الحب هو الإهتمام والعجب الذی یشعر به الشخص عندما یواجه الصفات الرائعة والجمیلة لمحبوبه. وعندما یصبح هذا الإهتمام والعجب متبادلان بین الطرفین، تتحوّل العلاقة إلى رابط حب قوی. غیر أن ما یهمّ هنا هو أن یدرک الشخص لمن ینتمی هذا الجمال والتفوّق فی الواقع، ثم ان یوجّه مشاعر الإهتمام والإعجاب فی الإتجاه الصحیح، أی الله، مصدر کل الجمال، الروعة، والصفات العلیا. فهذه الصفات التی قد تبدو متأصلة فی خلقه لیست سوى إنعکاسات لصفاته العلیا، وهی فی الحقیقة ملک له وحده تعالى. فمتى أقررنا أن الله تتجلى صفاته وقدراته فی عباده، فإن أی حب یشعر به المرء لا بد أن یکون لله وحده. فإذا کان لیس هذا هو الحال، فقد وقع الإنسان فی خطأ الشرک بالله.

بالتاکید أن الشعور بالحب لیس خطأً. ولکن الخطأ هو نسیان الله والتعلّق بشغف وتعصب بما هو غیره تعالى أو بترک الأمور التی ترضیه تعالى. عندما ینظر الإنسان بعین الإیمان، فإن کل الجمال ألذی عند البشر یراه على أنه ملک لله. إن الذین یدرکون ذلک سیتوجّهون له تعالى و هم یعون أنهم بحبهم للأشخاص الآخرین، فهم فی الواقع یحبّون الله. أما حب المشرکین، فهو مختلف:

وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَیْنِکُمْ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا ثُمَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَیَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاکُمْ النَّارُ وَمَا لَکُمْ مِنْ نَاصِرِینَ (العنکبوت: 25)

إن رابط الحب هذا سیتحوّل إلى کراهیة ورفض مشترک، لأن هذه الأوثان التی تتعلّق بها الناس عبر الروابط العاطفیة ستعود علیهم بالعذاب فی الآخرة. لا أحد یتّخذ من الله إلهاً وحیداً له یستطیع أن یحبّ أی شیء أو شخص أکثر مما یحب الله. أما بالنسبة إلى المشرکین، فیقول القرآن:

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ یَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً یُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ یَرَى الَّذِینَ ظَلَمُوا إِذْ یَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعَذَابِ (البقرة: 165)

إن المؤمنون یوجّهون حبّهم کله إلى الله، لأن عدم فعل ذلک یعنی أنهم لیسوا صادقین فی إیمانهم أو إن علمهم بالله والإسلام ناقص. فی الواقع، فإن الذین یجعلون لله الشرکاء لدیهم فهم خاطئ عنه تعالى. مع عدم قدرتهم على تأسیس علاقة قریبة مع الله وتقدیره حق قدره، فإنهم یوجّهون حبهم نحو غیره.

من الجیّد هنا أن نرکّز على العلاقة بین الرجل والإمرأة، وهو الشکل الأکثر وضوحاً ومشاهدةً للحب الذی ینتج عنه الشرک. فی هذه العلاقات، فإن أی حبٍ وتعلُقٍ بالآخر مبنی بشکل مستقل عن رضوان الله هو سبب کبیر للإنحراف نحو الشرک. فلذلک نرى أن هذه العلاقات مبنیة على ما یُعرف بالرومانتیکیة، العاطفة، الأحاسیس، والفائدة المشترکة، لأن الشخص هنا یبحث عن إرضاء الشریک. ومن دون أی تردد بالنسبة إلى التعدّی على الحدود التی وضعها الله للناس، فی سبیل إسعاد أنفسهم، یوجّه کل شخص من أصحاب هذه العلاقة کل الحب الذی منحه إیاه الله إلى شریکه، وعاجلاً أم آجلاً ینسون ألله. والنتیجة أشخاص یؤدّون واجباتهم تجاه بعضهم البعض، ینسون واجبات الله ویرى الواحد الآخر على أنّه مستقل عن الله تعالى. یصف القرآن هذا العلاقات على أنّها عبادة متبادلة وتألیه للشخص الآخر.

یذکر القرآن حب النساء المملوء شهوةً وشغفاً الذی نجده فی هذه العلاقات. فإذا کان هذا الحب یتسبب فی نسیان الإنسان لربّه وعدم ذکره کما ینبغی، أو إذا کان الشخص یفضّل حب النساء على حب الله، فاستحوذ هذا الحب على قلبه الذی أصبح فارغاً من حب الله، فإنه فی هذه الحال سیتحوّل مع الوقت إلى الشرک. وذلک کلّه ینطبق أیضاً على الأنثى فی هذه العلاقة. ویخبرنا القرآن أن هذا الحب الذی یعتبره المجتمع " بریئاّ "، فی الواقع لا یرضی الله تعالى.

إن المجتمع یسمّی هذا النوع " الشرکی" من الحب " الحب الحقیقی"، " الحب الرومنسی"، و" الإحساس النقی"، وهو حتّى یُثنی على هذا الحب ویشجّعه. بما أن هذه الحملة الدعائیة "الرومنسیة" تعوق التطوّر الذهنی والعقلی للأشخاص الناشئین، فإنّنا نلحظ ظهور الأجیال الغافلة عن الدّین، الإیمان، وسبب وجودهم. بما أنّهم لم یعرفوا الله، فهم لا یشعرون بأی حب، ورع، أو توقیر له تعالى. بالنسبة لهم، الشرک هو شکل طبیعی من التصرّف، و أسلوب حیاة مقبول. بالتأکید أن باستطاعة الناس أن یحبوا وأن یشعروا بالعاطفة تجاه بعضهم البعض، ولکن لیس بطریقة مستقلّة عن الله.

إن الحب الذی یشعر به المؤمنون هو حبٌ شفّاف، مشع یبعث الطمأنینة فی القلب، لأنه موجّه إلى الله. فهم یحبّون الآخرین لأنهم لیسوا إلا تجلیّات من الله. ولهذا نجد أن المؤمنون لا یحزنون کثیراً عندما یموت أحد أحبابهم أو عندما یخسرون شیئاً عزیزاً على قلبهم. فهم یعتبرون أن کل الجمال الروحی والجسدی فی المحبوب هو فی الواقع ملک لله الذی هو أقرب إلیهم من حبل الورید، فهذه الخسارة لیست إلا إسترجاع لإحدى تجلیاته تعالى بهدف إختبار هذا الشخص. فطالما أن هذا الشخص ثابت على الإیمان والفهم، فإن الله سیستمر بالتجلی بأحلى صفاته. بما أن المؤمنین الذین یملکون الإیمان الصحیح مدرکون لهذه الحقیقة، فإنهم منیعون لکل أشکال الأسى والحزن:

إِنَّ الَّذِینَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ (الأحقاف: 13)

أما المشرکون، فهم یعانون فی قلوبهم من آلام الفراق حین یموت الشخص الّذی أحبّوه وکرّسوا أنفسهم من أجله. فکل إنسان أو شیء فضلّوه على الله تعالى وجعلوه ندّا له سیکون مصدر عذاب لهم فی الدنیا والآخرة. إن هذا الأمر یشکّل موضوعاً لکثیر من الأغانی، القصائد، الروایات، والأفلام، التی هی أکثرها مکرّسة لمواضیع مثل الفراق، الخیانة، الهجر، الحب الغیر متبادل، الموت، الألم، والعذاب الذی ینتج عن کل ذلک.

فآلام هؤلاء التی تبدأ فی هذه الدنیا سوف تستمرّ فی الآخرة، وبشکل أشدّ وأقوى من الناحیة الروحیة والجسدیّة. ویذکر القرآن النار التی تطّلع على القلوب.(الهُمَزَة:7-5) فکل شکل من أشکال ألم القلوب فی هذه الدنیا یمثّل جزء یسیر من العذاب الأکبر الذی سیلاقیه المشرکون فی جهنّم. فالله ینتقم فی الدنیا وفی الآخرة من الذین خانوه وجعلوا له الشرکاء من دون علم.

الخوف

عامل آخر یقود الناس إلى الشرک هو الخوف. ذلک الشعور، الذی من المفترض أن یوجّه فقط إلى الله، عندما یوجّهُ نحو أحد من عباده، ویؤثر على موقف الشخص وتصرّفاته، فإن هذا الشعور یصبح فی خانة الشرک. یعلم المؤمنون أن الله هو وحده الذی یستحق أن یخافوا منه ویوقّروه. فهو القوی العزیز، بیده کل الأمور، وهو الذی أخضع کل شیء لإرادته. فلا شیء یستطیع أن یضرّ الإنسان بغیر إذنه تعالى، وهو فقط یستطیع أن یکشف الضرّ. إن الخوف من أیة جهة غیر الله یعنی أن الإنسان یعتقد أن هذه الجهة لها وجود مستقل عن الله وأنها خارج نطاق سیطرته:

وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَیْنِ اثْنَیْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِیَّایَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّینُ وَاصِباً أَفَغَیْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) (النحل: 52-51)

أَلَیْسَ اللَّهُ بِکَافٍ عَبْدَهُ وَیُخَوِّفُونَکَ بِالَّذِینَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ یُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (الزمر:36)

کما تؤکّد لنا هذه الآیات، فإن المشرکین یخافون من الناس وحتّى من المؤمنین بدلاً من أن یخافوا من الله، وهذا شعور منحرفٌ سببه قلة الفهم لدیهم:

لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِی صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ (الحشر:13)

الإستعانة والتوکل

کل کائن دون الله هو فقط خلق من خلقه یوجد فقط لأن الله أراد ذلک، وهو حیٌ لأن الله یمدّه بما یلزم من الرزق وأسباب البقاء. بإختصار، فإن کل شیء باستثنائه تعالى، هو عاجز، فقیر، محتاج، ولا یملک أیة قوّة أو قدرة خاصة به. أذاً، باستثناء الله، فلا یوجد شیء نتوکل علیه أو نستعین به. إن رفض هذه الحقیقة والتوکل على الأسباب، الوسائل، والأشخاص، یعنی نسبة الإستقلالیة والقدرة الذاتیة لهم، وبإختصار، فإن ذلک شرک:

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ یُنصَرُونَ (74) لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ (75) (یس:74-75)

لقد حذّر النبی محمّد (ص) أصحابه من طلب العون من غیر ألله تعالى. یقوله (ص): إذا سألت فاسئل الله.

یخبرنا القرآن أن المشرکین سرعان ما یتحوّلون إلى عبید للأوهام التی خلقوها. فبنسیانهم لله وسعیهم لإرضاء خلقه، لحمایة أنفسهم کما یعتقدون، فهم یعیشون حیاتهم فی حقارة وذلّ، فی سبیل إرضاء هذه الأصنام. غیر أن هذه الأصنام ستخیّب کل الآمال التی یضعها هؤلاء فیها. وهذا جزء یسیر من الخزی الذی یلاقوه جرّاء انحرافهم عن منهج الله.

یصف الله عدم الجدوى فی اتباع الناس لآلهة ابتدعوها:

یَا أَیُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ یَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ یَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَیْئاً لا یَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (الحج:73)

هنا أیضاً نرى عجز هذه الآلهة:

أَیُشْرِکُونَ مَا لاَ یَخْلُقُ شَیْئاً وَهُمْ یُخْلَقُونَ (191) وَلاَ یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ یَنصُرُونَ (192) (الإعراف:192-191)

وَالَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَکُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ یَنصُرُونَ (الأعراف: 197)

ولکن بالرغم من کل ذلک، یستمرّ الناس فی التوجّه والتوسل بالدعاء إلى هذه الأصنام. أما بالنسبة إلى مصیرهم، فیخبرنا القرآن:

فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَکُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِینَ (الشورى: 213)

تطلعنا سورة الکهف على قصة الرجل صاحب الحدیقة الرائعة، التی ملئت بالنخل والثمر، والذی لقی الخزی والعذاب فی هذه الدنیا. فقد کان شدید الفخر بحدیقته وما یملک، وادّعى أن هذه الأشیاء ستدوم له ولن تفنى أبداً وأن یوم الحساب لن یأتی. ولکن حین أنزل الله به العقاب وأصبحت هذه الحدیقة الرائعة خاویة على عروشها، أدرک فداحة خطأه بجعله الشرکاء لله:

وَأُحِیطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ یُقَلِّبُ کَفَّیْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِیهَا وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَیَقُولُ یَا لَیْتَنِی لَمْ أُشْرِکْ بِرَبِّی أَحَداً (42) وَلَمْ تَکُنْ لَهُ فِئَةٌ یَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا کَانَ مُنتَصِراً (43) (الکهف:43-42)

أن الذین یعلّقون آمالهم على غیر الله، الذین یضعون ثقتهم فی غیره تعالى، وأیضاً یسعون إلى إرضاء غیره، فهؤلاء لن یبلغوا مبتغاهم. ولذا، فإنهم دوماً یشعرون بالفراغ، الوحدة، وبأنهم مهجورون، وخاصة فی الأوقات الصعبة:

لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (الإسراء:22)

ونرى فی القرآن مثلاً رائعاً لوصف حالهم هذا:

ذَلِکَ وَمَنْ یُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَکُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا یُتْلَى عَلَیْکُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ وَمَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَکَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّیْرُ أَوْ تَهْوِی بِهِ الرِّیحُ فِی مَکَانٍ سَحِیقٍ (31) (الحج: 31-30)

فی المقابل، المؤمنون الذین یضعون ثقتهم ویعتمدون على الله وحده، الذین یفردونه فی العبادة ویطلبون منه المعونة، یعیشین حیاتهم متمتعین بالنعم، الإحترام، والإعتزاز:الَّذِینَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللَّه..."(سورة الرعد:28). عندما یکون قلب الإنسان مطمئن بذکر الله، فإنه لا یحتاج إلى أی شیء آخر، حتى عندما یواجه صعوبات کثیرة. فهم مکرّمین کالنبی یعقوب (ع) الذی قال: ..إِنَّمَا أَشْکُو بَثِّی وَحُزْنِی إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون (یوسف:86). وهذا الموقف یعود إلى فهم المؤمنین الصحیح للقدر:

{قُلْ لَنْ یُصِیبَنَا إِلاَّ مَا کَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلْ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة:51)

عندما یجتمع الحب، التوکّل، والرجاء فی قلب المؤمن، فالذی نحصل علیه هو الولایة من الله التی وصفت فی القرآن الکریم والتی تتمثل بالمودّة والنصرة منه تعالى:

إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ یُحْیِ وَیُمِیتُ وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیرٍ (التوبة:116)

بما أن الله هو الوحید الذی یملک القوة الحقیقیة، فکل شیء إذاً یعتمد علیه تعالى:

قُلْ أَغَیْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِیّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ یُطْعِمُ وَلا یُطْعَمُ قُلْ إِنِّی أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَکُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِکِینَ (الأنعام:14)

غیر أن إحدى أهم الصفات لدى المشرکین هی إصرارهم على إتخاذ أولیاء من دون الله، مع أن التولّی عن الله وإتخاذ عباده أولیاء یمثّل إثماً عظیماً یجرّ العواقب الوخیمة:

أَفَحَسِبَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنْ یَتَّخِذُوا عِبَادِی مِنْ دُونِی أَوْلِیَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْکَافِرِینَ نُزُلاً (الکهف:102)

بینما یتّخذ المؤمنون الله وحده ولیّاً لهم، فإن الکافرون والمشرکون ینظرون إلى الشیطان على إنّه ولیّهم. بطاعتهم لأوامره، فهم یستهزئون بالقرآن الکریم والحدود التی وضعها الله تعالى لخیر البشر، یتعمّدون جعل الشرکاء له، لا یذکرونه، ویظهرون ولائهم وإنتمائهم للشیطان. هذا التصرّف الّلا عقلانی یؤدّی بصاحبه إلى أسوأ خاتمة:

کُتِبَ عَلَیْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ یُضِلُّهُ وَیَهْدِیهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِیرِ (الحج:4)

الشعور بالإمتنان

یلقى الناس جمیع أنواع النعم طیلة حیاتهم. وبما أن أکثر هذه النعم قد تُردّ إلى مختلف الأسباب، فإن من الطبیعة البشریّة توجیه الشکر والإمتنان إلى تلک الأسباب بدلاً من توجیهها نحو الله تعالى. یستخدم القرآن عبارة " الشکر" لوصف هذا الشعور بالإمتنان. غیر أن على الجمیع أن یعلم أنه مهما کانت هذه الوسائل والأسباب، فإن علیهم أن یدرکوا أن الله هو وحده الذی یمدّ بالنعم وأن لا یتوکّلوا إلا علیه تعالى. إذاً، فهذه العبارة (أی الشکر)، تدلّ على إقرار نابع من قلب الشخص ولسانه، لإمتنان هذا الشخص لله والإعتراف بفضله علیه.

فالشکر والإمتنان لله هما دلیل على العبودیة الصادقة:

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُلُوا مِنْ طَیِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاکُمْ وَاشْکُرُوا لِلَّهِ إِنْ کُنتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ (سورة البقرة:172)

فَکُلُوا مِمَّا رَزَقَکُمْ اللَّهُ حَلالاً طَیِّباً وَاشْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ (سورة النحل:114)

کما تظهر لنا هذه الآیات، فإن التوجّه بالشکر لله هو شرط أساسی وبرهان على صدق الإنسان فی عبادته لله تعالى. فهذا التصرّف یدلّ على أن ذلک الشخص مدرک تماماً أن الله هو وحده الرزّاق وأنه على کل شیء وکیل. إن فهم ذلک یعنی أن الشخص یعلم تماماً أن القوة، القدرة، والسلطان لله وحده. إذاً، فإن إیمان هذا الأنسان سلیم، وهذا الشخص یجسّد مثال الإنسان المؤمن والشکور الذی وُصفه الله فی القرآن وأثنى علیه، وهو قد نجح فی تحقیق شرط مهم من شروط الإیمان الصحیح.

أما المشرکون، فهم ینسبون النعم التی یتمتّعون بها إلى الأسباب والآلهة التی إبتدعوها، وضعوا أمالهم فیها، و وجّهوا إمتنانهم إلیها. بإتّخاذهم هذه الآلهة العاجزة، فإنهم یتعامون عن حقیقة أن الله هو خالق هذه الإسباب والجهات التی یألـّهونها، وجعلها تبدو وکأنّها جهات مستقلّة بجعل إعمالها تحدث. فمن الشرک وعدم الإمتنان نسیان الله، التوجه إلى عباده بإعتبارهم یملکون القوة والتأثیر، ثم التوجّه إلیهم بالشکر.

إن ذلک لا یعنی أنّه من الخطأ أن یشکر الناس بعضهم بعضاً، طالما أنهم یذکرون أن الله هو الذی ییسّر لهم هذه الأرزاق، النعم والحاجات، ویتصرّفون وفق هذه القناعة. أما المشرکون فهم یقومون بالتسویات والتنازلات لصالح آلهتهم على حساب الإیمان ورضوان الله تعالى:

إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْکاً إِنَّ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَمْلِکُونَ لَکُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْکُرُوا لَهُ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (العنکبوت: 17)

بخلاف المشرکین، فإن المؤمنین یشکرون الله وحده ویشعرون بالإمتنان له وحده. فهم یتوجّهون إلیه عندما یحصلون على النعم، یشکروه، ویُدرکون أن ما یحصلون علیه هو من منّ الله علیهم. ولنأخذ کمثل على ذلک عندما جعل تعالى زکریّا کفیلاً على مریم :

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَکَفَّلَهَا زَکَرِیَّا کُلَّمَا دَخَلَ عَلَیْهَا زَکَرِیَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ یَا مَرْیَمُ أَنَّى لَکِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَرْزُقُ مَنْ یَشَاءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ ( آل عمران: 37)

من الواضح أن مریم (ر) کانت مدرکة أن کل النعم الممنوحة لها کانت من الله. ومثل آخر هو توجّه النبی سلیمان (ع) إلى الله تعالى :

قَالَ یَا أَیُّهَا المَلأ أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ ( النمل: 38-40)

حتّى بعد حصوله على مبتغاه بشکل سریع، فقد توجّه سلیمان فوراً إلى الله وقام شکره أوّلاً بدلاً من الذی أحضر له العرش. وهکذا یجب أن یکون تصرف المؤمنین ، فالّذین ینسون الله یضعون آمالهم فی الوسائل والأسباب معتقدین أن النعم والإرزاق تأتی منها. فإی شخص یفکّر بهذه الطریقة یکون قد جعل الشرکاء لله تعالى.

أن الشرک بالله وتقدیم الشکر له هما عملان متناقضان . یقول الله تعالى عن إبراهیم (ع):

إِنَّ إِبْرَاهِیمَ کَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِیفاً وَلَمْ یَکُنْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (120) شَاکِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ (121) ( النحل:121-120)

کما رأینا، فإن الإمتنان یصحبه الإیمان والإخلاص عندما یوجّه نحو الله تعالى، ویصحبه الشرک فی حال وُجّه نحو غیره. إن الشکر على النعم مهم جداً، ولذا، فإن من أهمّ أهداف الشیطان جعل الناس غیر شکورین. یخبرنا القرآن عن ذلک على لسان الشیطان نفسه :

قَالَ فَبِمَا أَغْوَیْتَنِی لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَکَ الْمُسْتَقِیمَ (16) ثُمَّ لآتِیَنَّهُمْ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَیْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَکْثَرَهُمْ شَاکِرِینَ (17) ( الأعراف:17-16)

لقد نظرنا حتى الآن إلى بعض المشاعر التی تسوق الناس إلى الشرک. بینما تشکّل تلک أهم المشاعر، فهناک بعض المشاعر الأخرى مثل الحزن، الطیبة، والکراهیة.

فمثلاً، لنتخیّل شخص ما یحزن جداً ویتألم کثیراً بسبب موت إبنه الصغیر أو حیوانه الألیف.هذا الحرن المصحوب بالألم قد یقود هذا الشخص إلى الثمرّد على الله والشرک به.ولکن لو لجأ هذا الشخص إلى المنطق وفکّر بتجرّد من الحزن الشدید والعاطفة، فسیرى الحقیقة بطریقة واضحة وشفّافة. فمن وجهة النظر الإیمانیّة، الموت یشکّل خلاصاً بالنسبة إلى الأطفال، المؤمنین، والحیوانات البریئة، وأنتقال إلى دار الخلود وحیاة رائعة. وهو باب یعبر منه الناس إلى حضرة الله تعالى. أما من وجهة نظر الشیطان وأتباعه، فالموت هو الوقت الذی تنتهی فیه الرغبات والشهوات، والوقت الذی یُفتح فیه باب العذاب الأبدی الموعود. إذاً، فالشیطان یرى الموت على أنّه شیء فظیع ویسعى إلى جعل الآخرین یرونه بنفس الطریقة. وهذا التحلیل صحیح من موقعه، ولکنّه لا ینطبق على المؤمنین الصادقین. فالنسبة لهم فإن الموت یأتی معه الجنّة والسعادة.

متى إستخدم الشخص المنطق وارتقى فوق مشاعره وأحاسیسه، فسیرى الحقائق بوضوح ویتصرّف وِفقاً لها. فالأمور التی تبدو للأشخاص العاطفیین ذوی العقل المشوّش بالغة التعقید، لا حل لها ولا تفسیر، قد تبدو سهلة، واضحة، وبسیطة للمؤمنین. إن الأشخاص الذین جرفتهم مشاعرهم وأحاسیسهم ترکوا المنطق والعقل ورائهم لیکملوا طریقهم نحو العذاب الأبدی بسبب مستنقع الشرک الذی أغرقوا أنفسهم فیه، وتسلیم إرادتهم للشیطان.


نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد