الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

أسباب الشرک الرئیسیة

إِنَّ اللّهَ لاَ یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَن یَشَاء وَمَن یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِیمًا ) النساء 48)




أسباب الشرک الرئیسیة

عاملان أساسیان یقودان الناس إلى الشرک: الجهل العقائدی وعدم الإخلاص. لإجتناب الشرک، فإن على الناس أن یمتلکوا الإیمان المطلوب والکافی وأن یتحاشوا کل أنواع عدم الصدق والإخلاص.

الجهل العقائدی

إن من أهم العوامل التی أطلعنا الله تعالى علیها فیما یتعلق بالقیم الأخلاقیة الدینیة هی الجهل العقائدی:

وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِکِینَ اسْتَجَارَکَ فَأَجِرْهُ حَتَّى یَسْمَعَ کَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْلَمُونَ (التوبة 6)

فقط القرآن یحتوی على العلم الأساسی للعقیدة الصحیحة ، لأن ما من کتاب آخر یصف بدقة ماذا یعنی الإیمان بإله واحد الذی هو الله تعالى، یعرف لنا مفهوم الأوثان والآلهة المعبودة من الناس، یشرح لنا الشکل الذی یجب أن یکون علیه الإیمان الصحیح، یفصل لنا التصرف والعقلیة التی ترضی الله، یظهر ضلال الذین انحرفوا نحو الشرک، یفضح خطط الشیطان وخداعه، ویطلعنا على المواقف والتصرفات التی علینا اجتنابها.

على القارئ أن یعی أن هذا العلم ألذی نتکلم عنه هنا لیس مجرد تجمیع للوقائع، لإن " العلم "، کما یعرفه القرآن، هو الذی یؤثر على قلب الأنسان ویستحث قلبه وعقله. فإذا تعلم الناس العلوم المذکورة فی القرآن من دون أن یتفکروا فیها کما یجب، فلا یتوقعوا الحصول على أیة إفادة منها.

تخبرنا عدة آیات عن وحدانیة الله وأن أی شیء سوى الله قد یعتبره الناس إلهاً، هو فی الواقع غیر موجود. وتطلعنا على الشرک، أشکاله المتعددة، وأتباعه. لقد ذکر القرآن هذه الأمور بشکل متکرر ومفصل للتأثیر على الناس وجعلهم یدرکون مدى أهمیة فهم هذه المصطلحات. فالذین لم یقرؤوا ویتفکروا فی القرآن، هم، بحسب القرآن، جاهلین عقائدیاً.

إن موقف هؤلاء شبیه بموقف المجتمعات المشرکة ما قبل الإسلام. هذه المرحلة عُرفت بین العرب المسلمین کونها "مرحلة الجهل العقائدی". أن الذین یرفضون الإسلام، بغض النظر عن متى وأین یعیشون، یُعتبرون جاهلین عقائدیاً. فبما أن القرآن أُوحی منذ 1400 سنة، ونجده الیوم مترجماً إلى أکثر اللغات، فلا یوجد أی سبب أو تبریر لهکذا جهل أو شرک. قد یدعی الناس الإخلاص فی دینهم، ولکن إذا کان إیمانهم مرتکز على الأباطیل والخرافات المتوارثة، فإنهم یبقون على جهلهم هذا لأنهم لا یعیشون حسب قیم القرآن، ولم یفهموا بعد العقیدة بالشکل الصحیح الذی أراده الله لهم:

وَإِذَا قِیلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَیْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ کَانَ آبَاؤُهُمْ لا یَعْلَمُونَ شَیْئاً وَلا یَهْتَدُونَ (المائدة: 104)

لقد قام العدید من الأنبیاء بوصف المشرکین على أنهم قوم جاهلون عقائدیاً:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِی إِسْرَائِیلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ یَعْکُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا یَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً کَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (الأعراف: 138)

وَاذْکُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّی أَخَافُ عَلَیْکُمْ عَذَابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِکَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ کُنْتَ مِنْ الصَّادِقِینَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُکُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَکِنِّی أَرَاکُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) (الأحقاف: 23-21 )

إن مفهوم الجهل الذی ذکر فی الآیة له معنى هام، لأنه لا یشمل فقط عدم العلم، ولکن أیضاً العجز عن فهم الحقائق حتى عندما یراها الشخص و یتعرف إلیها. بنو إسرائیل الذین عرفوا النبی موسى (ع) والتوراة التی أنزلت علیه، والذین شهدوا معاناته مع فرعون، هم خیرمثال على ذلک، فهم اتخذوا آلهة أخرى حتى بعد أن جاءهم العلم. فکان الأمر وکأنهم لم یعلموا شیئاً. والأغرب من ذلک أنهم سألوا موسى (ع) أن یجعل لهم صنماً لیعبدوه. وهذا یظهر لنا أن النجاة من الجهل العقائدی یکمن فی التعلم وأیضاً فی فهم هذا العلم الذی یدخل قلب المرء فیؤثر فیه وینعکس فی أفکاره وتصرفاته.

وهذا هو الخطأ الذی ارتکبه بعض الناس الأوائل الذین انحرفوا إلى الشرک، وخاصة بعض الیهود (ونحن نعتذر هنا من الصادقین منهم ). فمع أنهم کان لدیهم العلم الکافی ومع أنهم درسوه وفقهوه جیداً إلا أنهم أصروا على ضلالهم. ویصف القرآن هؤلاء بالحمار الذی حُمل الأسفار:

{مَثَلُ الَّذِینَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ یَحْمِلُوهَا کَمَثَلِ الْحِمَارِ یَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ) (الجمعة: 5 )

ویخبرنا القرآن أیضاً.

أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ یُؤْمِنُوا لَکُمْ وَقَدْ کَانَ فَرِیقٌ مِنْهُمْ یَسْمَعُونَ کَلامَ اللَّهِ ثُمَّ یُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ یَعْلَمُونَ (البقرة:75 ).

بکلام آخر، فإن امتلاک العلم الربانی لیس کافیاً. فالمرء یحتاج إلى قلب صادق وسلیم، قلب متجذر فیه التقوى والتوقیر لله تعالى، لفهم وتقدیر هذا العلم کما ینبغی.

عدم الصدق

یعرّف القرآن لناعدم الصدق بأنه رفض الإلتزام بالأمور التی ذکرناها سابقاً، حتى بعد تعلمها وفهمها، وذلک بهدف الحفاظ على المصالح الدنیویة. إن الذین یقرأون القرآن ویحکّمون المنطق والعقل یستطیعون أن یفهموا بسهولة أی نوع من التصرفات والفضائل ترضی الله تعالى. فبعد الإطّلاع على هذا العلم، فعلى الشخص أن یلتزم به ویبنی حیاته على أساسه وذلک حسب درجة الصدق لدیه.

أما من کان غیر صادق فإنه سیترک هذه الحقائق من دون أی تردد لتحصیل فوائد ومصالح قلیلة. فبسعیهم وراء رغبات، أطماع، وشهوات الدنیا، فإن هؤلاء یتعدّون الحدود التی وضعها الله لمصلحة الناس. وبتجاهلهم لأوامره ونواهیه، فإنهم یعیشون لهذه الدنیا فقط ویبیعون آخرتهم مقابل لا شیء فعلیاً.

کما رأینا سابقاً، فإن الذین یجعلون لله أنداداً وشرکاء لن یبرؤوا من هذا الإثم العظیم إلا إذا تخلّصوا من هذا المعتقد المنحرف وتابوا بصدقٍ إلى الله. لا یمثل إظهارهم لأکثردرجات التشکیک والتدقیق فی الأمور التی لا تتعارض مع مصالحهم الدنیویة أی فرق. فمثلاً، فإن المحافظة على بعض الواجبات الدینیة قد لا یعود علیهم بأیة فائدة بحال تعمّدوا تجاهل أمر واحد من أوامره تعالى- إذا أهملوا إقامة الصلوات الخمس، مثلاً- فإذا استمروا بسلوک هذا الطریق، فإن ذلک قد یؤدّی إلى انحرافهم إلى الشرک. فبما أنهم ینتقون ویختارون من الدین الأوامرو النواهی التی یرغبون بالإلتزام بها، فإنهم بذلک قد حوّلوا أهوائهم إلى أله یتّبعوه.

وَلَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَإِلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَلَتَکُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِینَ (65) بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَکُنْ مِنْ الشَّاکِرِینَ (66) (الزمر: 66-65)

کما نرى، فإن عدم الصدق بهذا المعنى لیس محصوراً بهؤلاء البعیدین عن الأخلاقیة الدینیة. فبعض الأشخاص الذین یتحوّلون إلى الشرک بسبب عدم صدقهم یطبّقون المعاییر المزدوجة وفی نفس الوقت یحافظون على الظهور بمظهر الوَرَع. بکلام آخر، فهم یسعون إلى إشباع رغباتهم بإضافة دوافع دینیة إلى حیاتهم. ولکن محاولة إراحة ضمائرهم عن طریق خداع الذات لن تنجح. فهم یتقیّدون بالدین وفق أهوائهم الشخصیة، ولیس وفق أوامر ونواهی الله تعالى، وبذلک ینشأون، ویعیشون طبقاً لهذا الدین الخاص الذی أنشأوه. أما المخلصین فی دینهم، الذین یلتزمون بما أنزل الله عوضاً عن رغباتهم، دوافعهم الخاصة وآرائهم الشخصیة، فهؤلاء یسعون فقط إلى رحمة ورضوان الله. فکونهم عباد مخلصین له، لا یسعهم فعل إلا ذلک. فهم لا یتخیّرون أبداً بین أهوائهم و دینهم.

أما المشرکین، الذین یملکون عقلیّة مختلفة تماماً عن عقلیة المؤمنین، فهم من البدایة غیر مخلصین لله تعالى. مع أنه یعلم ما فی قلوبهم، نیّاتهم، أکاذیبهم، وکل أعمالهم، فإنهم یستمرون فی اتباع طریقتهم الخاصة القائمة على النفاق مع إعتقادهم المنحرف أنه تعالى سیتقبّل أعذارهم الکاذبة. فهم دوماً یقنعون أنفسهم بهذه " الحقیقة "، لأن أغلبهم یردون حین یُسألون، أنهم یستحقون الجنة.

ولکن القرآن یخبرنا شیئاً مختلفاً: إن الذین یتّجهون على علم نحو الشرک، على الرغم من معرفتهم للحقیقة، قد فقدوا القدرة على التحلیل المنطقی. فإذاً لیس هنالک جدوى من توقّع أی منطق أو عقلانیة فی معاییرهم المزدوجة الغیر مفهومة والکاذبة. ولهذا السبب فإننا نرى أن الغفلة وعدم القدرة على تقدیر الله تعالى حق قدره یکمن وراء عدم صدقهم، وبالتالى جعل الأنداد والشرکاء له سبحانه:

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ (الزمر: 67)

أن المشرکین المنافقین والغیر صادقین یشکّلون خطر على أنفسهم وعلى الآخرین، لأنهم یدعون هؤلاء إلى اتّباعهم. إن السبیل الوحید للخروج من هذه المشکلة یتمثّل فی إخلاصهم لله وإدراکهم أنه تعالى سوف یتغمّدهم برحمته فی حال تابوا إلیه توبة صادقة. وهذا یتضمّن اللجوء إلى الله بقلب صادق مع تأسیس حیاتهم على رضوانه تعالى، تعلّم الحقائق القرآنیة، وتطبیق ما تعلموا فی حیاتهم. غیر أنهم لن ینجحوا بذلک إلا بحال أسلموا لله بأسرع وقت، بشکل کامل ومن دون أیّة شروط، وحینها یأملون بنیل رحمته تعالى:

قُلْ یَا عِبَادِی الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (53) وَأَنِیبُوا إِلَى رَبِّکُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) (الزمر: 55-53)

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد