الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

انعدام الغایة لدى الکفار

انعدام الغایة لدى الکفار

"ذَرْهُمْ یَأْکُلُواْ وَیَتَمَتَّعُواْ وَیُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ." (سورة الحجر: 3)

یفتقر الناس بشدة فی عصرنا الحالی إلى وجود غایة فی الحیاة؛ إذ یتبع الجمیع تقریبا أسلوبا معیشیا نمطیا. فقد أصبح إطعام الشخص لنفسه، والبحث عن منزل یسکن فیه، وتکوین أسرة، والعمل فی وظیفة هی القیم المحمودة التی یطمح إلیها المرء فی أغلب الأحیان. وفی إطار هذا الأسلوب المعیشی النمطی، یتمثل أهم هدف فی إیجاد سبل لتحسین الأسلوب المعیشی وتنشئة الأطفال.

ولکی نفهم بصورة أفضل ما یتخلل حیاة مجتمعنا من انعدام للغایة والمغزى، سیکون من المفید أن نلقی نظرة على مجالات أخرى للاهتمام غیر تلک المذکورة آنفا. سنجد أن غالبیة الناس ینظرون إلى الأمور بنظرة محدودة. ففی أغلب الأحیان، یعتبر هؤلاء أن  عدم تفویت حلقة من مسلسل تلیفزیونی أو مشاهدةَ فیلم رائج بین الناس هو الذی یعطی لحیاتهم الیومیة معنى. وبالنسبة لهؤلاء الناس، یتمثل الهدف الأسمى فی الحیاة، إن وجد، فی الانضمام إلى ناد اجتماعی.

وهناک مجموعة أخرى من الناس یمثل العمل الشغل الشاغل لها؛ إذ یقضی هؤلاء الناس حیاتهم بأکملها فی التنقل بین المکتب والمنزل. ویظل الشخص، الذی بدأ مستقبله المهنی فی أوائل العشرینیات من عمره، یعمل بنفس الوظیفة لمدة 40 سنة تقریبا. وفی غضون ذلک، یجد نفسه فی أغلب الأحیان ینتظر قدوم أیام الجمع. وتتمثل طموحاته الأساسیة فی إقفال الشهر الضریبی دون مشاکل، وتدبیر الإیجار کل شهر، وتأمین مستقبل أطفاله. ولا تکاد تثیر اهتمامه أی أحداث وطنیة أو عالمیة، ولا یستوعب أی أحداث غیر تلک التی تؤثر على عمله. وبما أنه لا یتأمل مطلقا فی الأحداث، فهو یقبل الوضع الراهن بسهولة ولا یبدی أی اهتمام بأی قضیة إلا عندما تتعارض مع عمله. ولکی یعبِّر هذا الشخص عما یقلقه، یشترک فی البرامج الحواریة بالتلیفزیون أو یتحدث حتى الساعات الأولى من الصباح دون أن یصل إلى حل أو استنتاج جوهری. وفی الیوم التالی، یبدأ یوما جدیدا شبیها بالیوم الذی سبقه.

ویعانی الشباب أیضا، من انعدام الغایة ذاته، ویفتقرون إلى العوامل الضروریة التی تعطی للحیاة معنى. ذلک أن السواد الأعظم من المراهقین لا یعرفون حتى أسماء قادة بلدانهم، ولا القرارات السیاسیة التی یتخذونها، ولا أثر هذه القرارات على الأمن القومی أو الاقتصاد أو النظامین التعلیمی والقضائی. وهم غافلون تماما عن الأحداث والتطورات الهامة فی العالم، لأنهم یضیعون وقتهم باستمرار فی الموضوعات التافهة وغیر المجدیة. ویحرمهم هذا من المهارات التی تساعدهم على استیعاب أهمیة العدید من الأحداث التی یحفل بها تاریخ العالم. وتقتصر حواراتهم فی الغالب على ألعاب الکمبیوتر، أو الدردشة على الإنترنت، أو المواعدة، أو الأحداث التافهة التی تحدث فی المدرسة، أو الغش فی الامتحانات، أو خطط عطلة نهایة الأسبوع، أو الملابس، أو مباریات کرة القدم. وفی استطلاعات الرأی التی تجریها المجلات وتطلب فیها من المراهقین أن یرتبوا "أعظم الأهداف الجدیرة بالسعی لتحقیقها"، یأتی على رأس القائمة التشبه بعارضة أزیاء مشهورة أو العزف على الجیتار مثل عازف جیتار فی فرقة مشهورة.

ونظرا لانجراف الشباب مع التیار السائد، فهم لا یفکرون مطلقا فی توسیع آفاقهم. فمثلا، لا یفکرون حتى فی تحسین مهاراتهم فی التخاطب، لأنهم ببساطة لیست لدیهم أدنى فکرة عن التحدث إلى الناس أو التأثیر علیهم. وبالإضافة إلى ذلک، فإنهم لا یقرأون. فالشخص الذی لدیه غایة ووجهة نظر عن العالم یقرأ لیثری معلوماته ولیتعرف أیضا على وجهات النظر المعارضة. وتتمثل الغایة من ذلک فی الارتقاء بفهم الأیدیولوجیات التی من المرجح أن تتعارض مع أفکار الشخص وتحدید نقاط الضعف فی کل منها. ولکن من المؤکد أن وجود أفکار معینة لن یعنی أی شیء بالنسبة لشخص لیست لدیه غایة أو رؤیة للعالم. وعلاوة على ذلک، لا یدرک هؤلاء الناس حتى الأفکار الحالیة ووجهات نظر الأشخاص الآخرین الموجودین فی العالم. وفی العدید من مجتمعات الیوم، یعانی الناس من نقص خطیر فی الاهتمام بقراءة الکتب والصحف فی حین یتزاید الطلب على الصحف الصفراء، وأعمدة النمیمة فی الصحف والمجلات، والبرامج التلیفزیونیة. وعلى الرغم من تمتع غالبیة الناس بقدر کبیر من وقت الفراغ، فإنهم یمیلون إلى قضاء أیامهم أمام أجهزة التلیفزیون وهم یشاهدون المسلسلات والبرامج التی لا تضیف شیئا لملکاتهم العقلیة، وهو ما یعتبر دلیلا واضحا على انعدام الغایة والانحطاط الفکری.

ویشکل انعدام الغایة فی الحیاة والغفلة عن الجوانب الأخرى للوجود تهدیدا للإنسانیة. ومع ذلک، وبالإضافة إلى ما سبق، فإن غالبیة الناس الذین یتخذون موقفا معینا فی الحیاة یؤیدون آراء تفتقر إلى القیم الحقیقیة وتضر بالإنسانیة، وهذا هو التهدید الحقیقی. ویرجع السبب فی ذلک إلى أن أصحاب الأفکار الخطیرة ومؤیدیها یجدون آذانا صاغیة لدى الجماهیر التی تفتقر تماما للملکات العقلیة التی تستطیع من خلالها أن تدرک الخطر، ومن ثم تتقبل أی افتراض مسبق دون أن تخضعه للتدقیق المستقل.

ونتیجة لهذه الظروف، لا یواجه أصحاب الأفکار الخطیرة أی مقاومة تثنیهم عن محاولاتهم لجذب الأنصار؛ والمؤمنین بالمبادئ الفوضویة؛ والإرهابیین، الذین یکنون عداوة راسخة لبلدانهم وشعوبهم. فمثلا، فی کافیتیریا الکلیة، حیث یغرسون آراءهم بشکل هدام لیحققوا غرضهم، سنجد أن المراهق الخامل یشاهد الشباب المجاورین له مباشرة وهم یخضعون لعملیة تلقین دون أن یفهم ما یدور حوله. ولا یدرک على الإطلاق أن هؤلاء الشباب سرعان ما سیبدأون فی التصرف تحت تأثیر الفوضویین والإرهابیین ویصبحون مجرمین عدیمی الرحمة یمکنهم بسهولة أن یضعوا أیدیهم على الأسلحة لیستخدموها ضد الشرطة، والجنود، والأبریاء من أبناء وطنهم. وحتى إذا أدرک المراهق هذا التهدید، فسیظل غیر مبال بالخطر. وعلى أی حال، فإن هذا الشخص لیس لدیه ما یکفی من الإدراک أو الإحساس بالمسؤولیة لیمکنه من معالجة الموقف بحکمة.

وفی إحدى الآیات، یشیر الله سبحانه وتعالى إلى انعدام الغایة لدى الناس، لذا: "ذَرْهُمْ یَأْکُلُواْ وَیَتَمَتَّعُواْ وَیُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ." (سورة الحجر: 3)

ویلاحظ الشخص الیقظ أن رد فعل جماعات معینة تجاه أی سیاسة جدیدة یتم اتباعها فی الجامعات یثبت فی الغالب أن ضرره أکثر من نفعه. وینتج ذلک عن موقف الجماعة، لأن الجماعة لا تدافع عن الصواب والخیر. ومن ناحیة أخرى، ستجد مجموعة أخرى تفضل التزام الصمت وتکتفی بتجاهل هذه الأحداث بدلا من دعوة الناس إلى السلوک القویم، ونصحهم بالحفاظ على ولائهم لدولهم والابتعاد عن التمرد. وفی غضون ذلک، تظهر جماعات أخرى بحقدها وعدائها وتمشی فی مسیرات وتحمل الشعارات، والأحجار، والعصی لتکشف عن نوع آخر من الاضطهاد والإرهاب. ومع ذلک، لم تسفر جهودهم عن أی فائدة؛ ذلک لأنهم لا یؤیدون القیم التی أوصانا بها الله سبحانه وتعالى، بل یمارسون کل أنواع السلوکیات التی لا تتماشى مع القرآن. وفی إحدى آیاته جل جلاله، یصف الله جهود الکفار فی هذا العالم بأنها تضیع سدى:

"مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ کَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ یَقْدِرُونَ مِمَّا کَسَبُواْ عَلَى شَیْءٍ ذَلِکَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِیدُ." (سورة إبراهیم: 18)

وتوجد بلا شک سبل تستطیع البشریة من خلالها أن تتجنب مثل هذا الوضع، وتتمثل هذه السبل فی: التأکد من عدم تحول البشر إلى أشخاص لا یهتمون إلا بعیش حیاتهم وسد احتیاجاتهم. ولتحقیق هذا الغرض، یجب أن یشجَّع هؤلاء الأشخاص على أن یصبحوا أفرادا یسعون إلى خدمة غیرهم من الناس ومعالجة لا مشکلاتهم أو مشکلات بلدانهم فحسب، بل مشکلات العالم أیضا. ویبین الدین الذی اختاره الله سبحانه وتعالى للناس وأظهره لهم فی القرآن الکریم هذا المقصد الأساسی:

"فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لَا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُونَ." (سورة الروم: 30)

لقد شرع الله، خالق الإنسان، الدین لیناسب الإنسان إلى أقصى الحدود ویضمن له أقصى درجات السلام والأمن. ومن ثم، لا یمکن لأی فلسفة أو أیدیولوجیة من أی نوع کان، باستثناء الدین، أن توفر الکمال والسعادة التی یبحث عنها الناس. ولهذا السبب، یجب أن نوضح لأنصار الأفکار الخاطئة سبب خطأ أفکارهم، کما یجب أیضا أن نقدم لهم الأدلة والإرشادات ذات الصلة التی تجعلهم یتبنون الأفکار الصحیحة بدلا من الأفکار الخاطئة.

ومن الضروری أن نتحدث مع الأشخاص عدیمی الهدف والخاملین وأولئک الذین یتعلقون تعلقا أعمى بالأفکار الخاطئة عن القرآن. وعندئذ فقط، سیتمکنون من إدراک وفهم حقیقة أن هذا العالم قد خلق لغایة مهمة. وفی القرآن الکریم، یخبرنا الله بغایته من خلق الإنسان: "وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا لیعبدونِ". (سورة الذاریات: 56).

کلنا سیموت فی یوم من الأیام. عندئذ ستبدأ حیاتنا الحقیقیة الخالدة. ویکمن الهدف من حیاتنا الفانیة فی أن یکافح الإنسان کی یصبح شخصا یرضى عنه الله ویستضیفه فی جنته. ومن خلال سلوک کل إنسان، ومثله العلیا، ومعتقداته سیتحدد ما إذا کان سیقضی حیاة الآخرة الأبدیة فی النار أم فی الجنة. ولهذا السبب، فإن أولئک الذین یقضون وقتهم بشکل غیر ذکی فی وظائف عدیمة الجدوى والقیمة، ویکرسون حیاتهم لهذه الوظائف، ویتصرفون وکأن وجودهم على الأرض لا غایة منه، ینبغی أن یتم تحذیرهم وإیقاظهم بشکل عاجل من الغفلة التی یعیشون فیها.

وإذا أدرکنا أن الغایة من وجودنا فی هذا العالم هی کسب رضا الله سبحانه وتعالى، وتأییده، وجنته، لا یمکن أن نظل غیر مبالین أو متبلدی المشاعر تجاه أی حدث یقع حولنا. ذلک أننا نعلم أن کل حدث إنما هو فرصة لکسب رضا الله، ومن ثم سنتصرف دائما بناء على ذلک. وسنشعر بوخز الضمیر کلما شهدنا ظلما أو اضطهادا یحدث فی الجوار أو فی العالم. فمثلا، سنشعر بالمسؤولیة تجاه کل غلام شرید یعیش فی ظروف صعبة ویضطر لقضاء حیاته على أرصفة الشوارع فی الشتاء البارد. ولکی نلتزم بأمر الله جل جلاله الوارد فی الآیة التالیة: "فأمَّا الیتیمَ فلا تقهرْ، وأمَّا السائلَ فلا تنهرْ" (سورة الضحى: 9-10)، سنعامل هؤلاء الغلمان بلطف. وسنکافح لإیجاد طریقة ننقذهم بها من الظروف غیر المواتیة التی یعیشون فیها. ولکننا ندرک أن هؤلاء الأطفال لا یمکن أن یتم إنقاذهم بجهودنا أو بجهود الأشخاص القلیلین غیرنا الذین یتصرفون بما یتماشى مع القرآن. ولهذا السبب، سنکافح من أجل نشر قیم القرآن والسنة بین الناس.

انعدام الغایة هو السبب فی الأنانیة

إن انعدام الغایة یجعل الناس، والمجتمعات على حد سواء، أنانیین وغیر مبالین. إذ یمیلون للاهتمام بشؤونهم فقط دون إظهار أی رد فعل أو فی اهتمام بالأحداث التی تقع حولهم. ذلک أن الشخص الذی یتمثل هدفه الوحید فی أن یعیش حیاته فی خضم کل الأحداث التی تقع حوله، لن یلاحظ إلا الأحداث التی ترتبط بحیاته ولن یبالی بأی شیء آخر. فمثلا، فی حال اندلاع حرب أهلیة فی أحد البلدان التی یتاجر معها هذا الشخص، فإنه لن یهتم إلا بالأموال التی سیخسرها. ولن یفکر قط فی الأشخاص الذین ذُبحوا، وفی الأطفال الذی قُتلوا بوحشیة، وفی الحیاة المخیفة والمحزنة التی یعیشها الناس فی ذلک البلد. ولن تطرأ هذه الصور المؤلمة على ذهنه قط. ونظرا لأن اهتمامه لا ینصب إلا على تعقب أمواله، فلن یفکر قط فی مساعدة هؤلاء الناس بطریقة أو بأخرى. ومع ذلک، ما هذا إلا مثال واحد من أمثلة اللامبالاة التی یراها غالبیة الناس أمرا معقولا، ویعتبرونها أمرا مسلما به.

"إِلَّا الْمُصَلِّینَ. الَّذِینَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُون. وَالَّذِینَ فِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ. لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ. وَالَّذِینَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ." (سورة المعارج: 22-27)

وفی کل یوم تقریبا، تطالعنا الصحف والتلیفزیون بتغطیة شاملة لقصص أناس فی جمیع أرجاء العالم یتعرضون لقدر لا یُحتمل من المصاعب والعنف. وتعتبر الفوضى الناشئة عن عدم الالتزام بقیم القرآن والسنة، بالإضافة إلى الکفر، هی السبب فی غالبیة هذه المحن. وسواء کان ذلک فی فلسطین، أو إندونیسیا، أو کوسوفا، أو الشیشان، أو أی مکان آخر فی العالم، سترى صورا لأناس یُسحبون على الأرض أو یُرکلون أمام أعین أطفالهم بسبب حفنة من التراب. وعلى نحو مشابه، ألِف الجمیع مشاهدة الأطفال الصغار وهم یقذفون الأحجار بعنف دفاعا عن أنفسهم. ومع ذلک، وعلى الرغم من مشاهدة هذه المناظر الفظیعة، ما زال الناس قادرین على أن یخلدوا للنوم وأن یمارسوا حیاتهم بشکل اعتیادی لأنهم لم یصابوا شخصیا بأی أذى. وبما أن هؤلاء الناس لم یعتادوا التفکیر على نطاق "کبیر" ویفتقرون أیضا إلى القیم السامیة والضمائر، فإن مثل هذه القسوة - ببساطة - لا تحرک مشاعرهم.

وإذا تخیل المرء نفسه مکان المضطهدین، سیتبین لنا بالتأکید کیف أن هؤلاء الناس تخلَّوا تماما عن ضمائرهم تجاه هذه الأحداث المحزنة. ماذا سیحدث إذا وُضع أحد هؤلاء الناس فی بیئة یُقتل فیها الأبریاء، وتتعرض فیها زوجاتهم، وأطفالهم، وإخوانهم، وآباؤهم وأمهاتهم للمجاعة والمعاملة الوحشیة؟... ماذا سیحدث إذا تعرض للفقر الشدید؟... ماذا سیحدث إذا لم یکن لدیه المال أو الوسائل الضروریة لیؤمن العنایة الطبیة لطفله المریض؟... ماذا سیحدث إذا طُرد من وطنه دون أی سبب واضح؟... ومن جهة أخرى، ماذا سیعتقد إذا قابل شخصا لم یعان من کل هذه المحن، ولم یکن لدیه هم سوى المال الذی یمکن أن یجنیه، وکان فکره یتجسد ببساطة فیما یلی: "هل أنا الذی یجب علیه أن ینقذ هؤلاء الناس؟" ألن یعتقد أن هذا الشخص بلا ضمیر، وغیر مبال، وقاس؟

ومع ذلک، لیس من الضروری أن تعانی من الاضطهاد کی تصبح شخصا ذا ضمیر حی یراعی مشاعر الآخرین وحقوقهم. إذ یکفیک أن تنظر إلى محنة الناس وتفکر فیها فی إطار قیم القرآن. ولکن، کلما ابتعد الناس عن القرآن، ازداد إحساس ضمائرهم تبلدا. ویروی لنا الله سبحانه وتعالى فی الآیات التالیة کیف یتصرف الأشخاص غیر المتدینین بأنانیة، وتبلد، وقسوة:

"إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعًا." (سورة المعارج: 19-21)

وفی الآیات التالیة، یبین لنا الله أن هناک أناسا لیسوا "أنانیین" یهتمون بالمحتاجین:

"إِلَّا الْمُصَلِّینَ. الَّذِینَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ. وَالَّذِینَ فِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ. لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ. وَالَّذِینَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ." (سورة المعارج: 22-27)

وکما أوضح الله جل جلاله، فإن هناک أناسا یخافون الله ویتحملون مسؤولیة المعدمین. ویبین لنا الله أن هناک طریقین أمام الناس فی هذه الحیاة، أحدهما هو طریق الخیر والآخر هو طریق الشر. وقد قال جل جلاله فی القرآن الکریم:

"وَهَدَیْنَاهُ النَّجْدَیْنِ. فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاکَ مَا الْعَقَبَةُ. فَکُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِی یَوْمٍ ذِی مَسْغَبَةٍ. یَتِیمًا ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْکِینًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ کَانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ. أُوْلَئِکَ أَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ. وَالَّذِینَ کَفَرُوا بِآیَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. عَلَیْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ." (سورة البلد: 10-20)


تذکر أن الاضطهاد، والظلم، والطغیان، والعذاب المنتشر الیوم فی جمیع أرجاء العالم هی قضایا یجب على کل ذی ضمیر حی أن یبحث لها عن حل. ومع ذلک، فالأرجح أن الشخص الذی یوافق على الاضطهاد سیتجاهل کل هذه النداءات.

إن طریق الخیر المبین فی الآیة المذکورة أعلاه واضح جدا. لذا، من غیر المحتمل بالنسبة لشخص ذی ضمیر حی، یسعى لکسب رضا الله ورحمته وجنته، أن یظل متبلد المشاعر تجاه الممارسات الظالمة فی العالم، أو تجاه المعدمین والمحتاجین، وألا یفکر فی مستقبلهم.

"فَکُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِی یَوْمٍ ذِی مَسْغَبَةٍ. یَتِیمًا ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْکِینًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ کَانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ." (سورة البلد: 13-17)

ویجب أن یتذکر کل شخص بداخله ضمیر حی أن الفوضى، والاضطهاد، والظلم المنتشر فی مختلف أرجاء العالم الیوم هو السبب الذی جعل ملایین الأشخاص ینجرفون فی موجة من الشقاء والرعب. ویقول البعض: "هناک أشخاص معینون مسؤولون عن هذا الشقاء، فهل أتحمل أنا مسؤولیة ذلک؟" ولکن هذه کلمات لا یمکن أن تصدر عن شخص ذی ضمیر حی. وفی النهایة، سوف یأخذ الله فی الآخرة کل الأشخاص الذین وهبهم إدراکا وصحة سلیمة لیحاسبهم عن هؤلاء الفقراء. ولا شک فی أن أولئک الذین یتبنون أیدیولوجیات تضع أساسا ملائما لازدهار العنف والوحشیة تجاه الإنسانیة یظلون – سواء رضوا أم أبوا – فی نفس الدرجة مع الظالمین. وینطبق ذات الشیء أیضا على أولئک الذین یتجنبون مواجهة هذه الأیدیولوجیات. وسیؤدی عدم الالتزام بمبادئ الدین حتما إلى ظهور نمط من المجتمعات یکوِّنه أناس غیر مسؤولین وغافلون یفترضون أنهم سیغادرون هذه الدنیا دون أن یحاسبهم أی أحد. وهؤلاء الناس هم فی الواقع أولئک الذین یهتمون أولا، أکثر من أی شخص آخر، بمصالحهم الشخصیة، ویضعون خططا لبقائهم على قید الحیاة دون اکتراث بغیرهم.

وفی الواقع، یکمن فی أساس نظریة التطور، التی "یفترض" أنها تقدم دعما علمیا للفلسفة المادیة والمذهب المادی اللذین یشکلان أساس الکفر، طموح لتکوین نموذج من البشر غیر مسؤول وغافل ومجرد من جمیع القیم الروحیة. إذ یشعر إنسان هذا النموذج أنه غیر ملزم بتبریر تصرفاته لأی أحد. ذلک أن الإنسان، وفقا لنظریة التطور، هو حیوان متقدم تطور عن القرد وتکوّن بالصدفة. ولا یمکن بأی حال من الأحوال أن یؤدی النظر إلى الإنسان بوصفه کائنا بدائیا إلى التضحیة من أجل الآخرین، أو إنقاذ إنسان یعانی، أو الشعور بالرحمة والشفقة تجاهه. وعلاوة على ذلک، تعتبر الحیاة، وفقا لنظریة التطور، مکانا للصراع لا یحق لغیر القوی أن یعیش فیه. ومن ناحیة أخرى، یُکتب على الفقراء والضعفاء الهلاک. لقد ظل الناس فی جمیع أنحاء العالم یُلَقَّنون هذه الآراء لسنوات من المدارس، والتلیفزیون، والصحف، والناس المحیطین بهم. وتتمثل السبیل الوحیدة للتخلص من هذا التلقین ولترسیخ أواصر الحب، والرحمة، والتعاون، والتکافل بین الناس فی إبلاغ الناس بقیم القرآن والسنة وتوضیح الخسائر التی سیجلبها علیهم الکفر فی کل من الدنیا والآخرة. وهذا واجب مهم على کل المؤمنین، لأن الله سبحانه وتعالى یعِد أولئک الذین یتحملون هذه المسؤولیة المهمة والمشرفة بعاقبة حسنة.

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُم فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَى لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا یَعْبُدُونَنِی لَا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئًا وَمَن کَفَرَ بَعْدَ ذَلِکَ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ." (سورة النور: 55)

 

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد