الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الحروب فی جمیع أنحاء العالم

الحروب فی جمیع أنحاء العالم

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِی السِّلْمِ کَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُّبِینٌ." (سورة البقرة: 208)

لقد کان القرن العشرون قرن الحروب، والإبادات الجماعیة، والصراعات. فقد أریقت فیه الدماء بشکل لم یسبق له مثیل فی تاریخ العالم. وخلال سنواته، رأینا بأم أعیننا صورا لملایین الناس الذین لقوا حتفهم. وفی ذلک القرن أیضا، أجبر عشرات الملایین على ترک منازلهم، أو فقدوا أحباءهم، أو انتهى بهم الحال مشوهین أو مصابین أو معاقین. کما تأسست دول جدیدة وانهارت دول أخرى کثیرة، وکانت لذلک آثار مهمة للغایة على تاریخ العالم. وشهد ذلک القرن حربین عالمیتین امتدت أبعادهما لتشمل العالم على نحو لم یسبق له مثیل فی القرون السابقة. ففی الماضی، لم تکن هناک سوى بضعة بلدان تخوض الحروب وعدد محدود من الخطوط الأمامیة التی کانت مسرحا لتلک الکوارث. ومع ذلک، فأثناء الحرب العالمیة الأولى وحدها، لقی تسعة ملایین شخص مصرعهم وجرح أکثر من عشرین ملیونًا آخرین، أما فی الحرب العالمیة الثانیة، فقد لقی ما لا یقل عن خمسة وخمسین ملیون شخص مصرعهم.

والحقیقة هی أن أکثر الضحایا معاناة من تلک الحروب لم یکونوا المقاتلین بل کانوا ملایین المدنیین الذین أصیبوا فی أثناء تبادل إطلاق النار، بالإضافة إلى النساء، والأطفال، والشیوخ الذین ذبحوا. وألِف الناس فی القرن العشرین مصطلح الإبادة الجماعیة. وابتلیت مناطق مثل فیتنام، وفلسطین، وکشمیر، ورواندا، والبوسنة، والشیشان بصراعات خلّفت کل منها حصیلة من الأموات. وعُذب عشرات الآلاف من الناس وعاشوا بقیة حیاتهم مبعدین عن أوطانهم.

وفی القرآن الکریم، یحکی لنا الله جل جلاله کیف أن فترة حکم فرعون مصر کانت شبیهة بهذا العصر. ذلک أن المذابح الوحشیة، التی حدثت فی عصر فرعون، کانت دائما موجهة نحو الفقراء، والمعدمین، والعزل. ویحکی لنا الله فی الآیات التالیة کیف عذب فرعون شعبه:

"إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِی الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِیَعًا یَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ یُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَیَسْتَحْیِی نِسَاءهُمْ إِنَّهُ کَانَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ." (سورة القصص: 4)
"وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْکُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ أَنجَاکُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَسُومُونَکُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَیُذَبِّحُونَ أَبْنَاءکُمْ وَیَسْتَحْیُونَ نِسَاءکُمْ وَفِی ذَلِکُم بَلاء مِّن رَّبِّکُمْ عَظِیمٌ. وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ لَئِن شَکَرْتُمْ لأَزِیدَنَّکُمْ وَلَئِن کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ." (سورة إبراهیم: 6-7)

وفی عصرنا الحالی، تبین التغطیة الإعلامیة لهذه المذابح الجماعیة کیف حاد مرتکبوها عن المبادئ الإنسانیة. وبما أن هؤلاء الناس مجردون تماما من أی نوع من أنواع الحس الخلقی والمشاعر الإنسانیة، فإنهم لا یدرکون فی العادة ما یسعون لتحقیقه. وینطبق الشیء ذاته على الحروب. ذلک أن المسؤولین عن التخطیط للحروب وزرع بذور الحرب فی المجتمعات یفعلون ذلک أملا فی تحقیق مصالح معینة. ومع ذلک، ستجد فی أغلب الأحیان أن کثیرا ممن یشترکون فی الحرب لیست لدیهم أی فکرة عما یحاربون من أجله.

إن السبب الفعلی فی قسوة قلوب الناس، إلى الحد الذی یدفعهم إلى ارتکاب جرائم القتل أو المذابح الجماعیة، یعود إلى العقلیة التی استقوها من قادتهم. ففی نظام یُعامَل فیه الإنسان مثل الحیوان، ویصطبغ فیه التعذیب والعنف بصبغة منطقیة، تکون القیم بلا مغزى. وإذا نظرنا للأمر من وجهة النظر هذه، فستتضح نقاط التشابه بین القادة وجبابرة الأرض الذین یشکلون القوى الدافعة للعنف فی عصرنا، وبین فرعون وجنوده الذین روى لنا القرآن الکریم عنهم:

"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ لَا یُنصَرُونَ. وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا لَعْنَةً وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِینَ." (سورة القصص: 41-42)

جذور العنف

عندما ندقق عن کثب فی الأسباب التی تدفع الإنسان إلى ذبح أخیه الإنسان دون أن یعتریه أی شعور بالذنب، یبرز أمامنا الفکر المادی الذی کان له أثر کبیر على الحیاة الفلسفیة فی القرنین التاسع عشر والعشرین. إذ تؤکد الفلسفة المادیة على أنه لا وجود لغیر المادة، وأن المادة سرمدیة. وبما أن هذه الفلسفة تنطلق من هذه الفرضیة، فهی تنکر وجود الله سبحانه وتعالى وجمیع القیم المتصلة بالحیاة الروحیة والخلق الحسن کذلک. ومرة أخرى، یرى هذا المنطق الفاسد أن الإنسان وجد لیبقى، وأنه غیر مسؤول أمام أی أحد عن أی شیء. لذا، یقول المادیون إن الإنسان یجب ألا یسعى إلا لتحقیق مصالحه الشخصیة.

النظریة الداروینیة هی أساس الکثیر من الأعمال الوحشیة المنتشرة فی العالم الحدیث.

وتمثل نظریة التطور التی یؤیدها الفلاسفة المادیون الرکن الأساسی الذی استند إلیه هذا الفهم المنحرف. وعندما قدمت نظریة التطور لأول مرة، کانت تدعم وجهة النظر المادیة، وبالتالی وضعت هذه النظریة أساسا للتفکیر الوحشی الکامن وراء جرائم القتل والمذابح الجماعیة. وفی إطار فکرة "البقاء للأصلح"، اقترح داروین أن الضعیف سیفنى دائما فی حین أن القوی سیبقى. وأصبحت الفکرة المعروفة باسم "الداروینیة الاجتماعیة" هی المعتقد الأساسی للآراء العنصریة التی هیمنت على الفکر الرأسمالی فی القرن التاسع عشر. ووفقا لهذا الرأی، تم تعریف الضعفاء، والمعدمین، والمعاقین بل وحتى أجناس کاملة من البشر بوصفهم کائنات ضعیفة عاجزة عن التطور وبالتالی ینبغی علیها أن تخدم مصالح "الأصلح".

ولا یولی الاتجاه المادی أی أهمیة لحیاة الإنسان، وعلى وجه الخصوص، فإنه لا یوجد ما یعوق إبادة الضعفاء. وتفسر هذه الاستهانة بحیاة الإنسان السبب الکامن وراء قتل الناس من أجل فدان من الأرض فقط، أو من أجل طموحات شخصیة، أو من أجل اکتساب بعض الموارد الطبیعیة. وإذ ینسب أولئک الذین ینکرون الروح صفة المطلق إلى المادة، فإنهم یمیلون إلى ارتکاب کل أنواع الآثام والحماقات کما أنهم یدفعون غیرهم إلى هذه القسوة. ومع ذلک، یولی القرآن أهمیة بالغة لحیاة الإنسان. فقد جاء فی القرآن الکریم أن من قتل نفسا واحدة فکأنما قتل الناس جمیعا:

"مِنْ أَجْلِ ذَلِکَ کَتَبْنَا عَلَى بَنِی إِسْرَائِیلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعًا وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْیَا النَّاسَ جَمِیعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَیِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ کَثِیراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِکَ فِی الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ." (سورة المائدة: 32)

یزخر تاریخ العالم بأناس فقدوا أرواحهم فی حروب قامت من أجل فدان من الأرض أو أیدیولوجیة.

وکما جاء فی الآیة المذکورة أعلاه، ففی مجتمع یتبع أفراده أوامر الله، لن تتیح الظروف إزهاق أرواح الناس وإبعادهم عن أوطانهم. لأن الناس فی ذلک المجتمع لا یتعرضون للتعذیب، أو السجن، أو سوء المعاملة. وکما ذکرنا سابقا، یأمر القرآن الناس بالمعاملة العادلة الکریمة وینهاهم عن العنف، والقسوة، والطمع، وتخطی الحدود. وقبل أن نشجب العنف والظلم على الأرض، علینا أن نتحمل مسؤولیة إبلاغ الناس بوجود الله، ویوم القیامة، وقیم القرآن الکریم والسنة. وعلى أولئک الذین یمتنعون عن أداء هذا الواجب ویتجاهلونه ببساطة أن یخافوا من عقاب الله لأن هذه الدنیا دار اختبار للإنسان:

"وَلَقَدْ أَهْلَکْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِکُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَیِّنَاتِ وَمَا کَانُواْ لِیُؤْمِنُواْ کَذَلِکَ نَجْزِی الْقَوْمَ الْمُجْرِمِینَ. ثُمَّ جَعَلْنَاکُمْ خَلاَئِفَ فِی الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ." (سورة یونس: 13-14)

أسباب الحرب

لن نکتشف الخلفیات غیر المنطقیة التی تؤدی إلى نشوب الحروب إلا من خلال تحلیل أسبابها. ولا یوجد ضمن أسباب الحرب ما یبرر خسارة آلاف الأرواح وإصابة أعداد هائلة من البشر. ویتمثل السبب الرئیسی فی جعل الحروب هی مصدر الألم الدائم للإنسانیة والدمار التام للاقتصادات الوطنیة فی أولئک الذین یختارون إلحاق الأذى بالآخرین وینتهکون حقوقهم. وأفضل وصف لهذا الخُلق هو القسوة والأنانیة. وبما أن هؤلاء الناس مجردون تماما من کل الصفات الإنسانیة مثل التعاطف، والرحمة، والقدرة على التعاون، فهم لا یسعون إلا لإرضاء مطامعهم الشخصیة ویتوقون بشدة لإشباع تطلعاتهم القیادیة. ویصف القرآن الکریم هذا الخُلق على النحو التالی:

"وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِی الأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیِهَا وَیُهْلِکَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ یُحِبُّ الفَسَادَ. وَإِذَا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ." (سـورة البقرة: 205-206)

"وَلَا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَلَا السَّیِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ." (سورة فصلت: 34)



فی المجتمع الذی یتبع فیه الناس أحکام القرآن والسنة، لا یُسمح أبدا بإراقة الدماء بدون حق، خاصة حینما یتعلق الأمر بالأبریاء والشباب. وإذا کانت الرغبة فی السلام والسلوک القویم هما اللذان یحکمان العلاقات البشریة، فستکون النتائج مرضیة.

وفی أغلب الأحیان یصبح انتهاک بلد لحقوق بلد آخر سببا یدفع البلد المعتدى علیه إلى شن حرب على البلد المعتدی. وجدیر بالذکر أن الحرب التی تعلن من أجل فدان من الأرض عادة ما تشکل القوة الدافعة التی یتعذر إیقافها والتی تقود کل البلدان المتحاربة إلى طریق الدمار. وأثناء الحروب التی تستمر لسنوات، تخصص کل البلدان المشترکة فی الحرب استثمارات ضخمة للتسلح، إلى الحد الذی تستنفد فیه کل ثرواتها المادیة. وفی غضون ذلک، یتبین أن الموازنات المخصصة أصلا من أجل التعلیم والصحة لا تکفی لتحقیق الصالح العام للمجتمع. وتتسبب بعض مجموعات الضغط الحیویة ومصالح الشرکات ذات النفوذ فی نشوب تلک النزاعات. وفی غضون ذلک، نجد أن الشعب دائما هو الذی یقاسی من تبعات الحرب الألیمة. ومع ذلک، تکون النتیجة دائما دمارا کلیا لکلا طرفی الحرب، لأن أولئک الذین یتورطون فی ثورات العصیان یواجهون دائما المتاعب فی هذه الدنیا ولا ینجحون أبدا فی عیش حیاة مریحة. وفی القرآن الکریم، یتوعد الله الظالمین بالعذاب:


لیس الجنود وحدهم هم الذین یعانون من تبعات الحرب. فبالإضافة إلى فقد الأرواح والممتلکات، تلحق الحروب أضرارا نفسیة خطیرة بالمدنیین.

"إِنَّمَا السَّبِیلُ عَلَى الَّذِینَ یَظْلِمُونَ النَّاسَ وَیَبْغُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِکَ لَهُم عَذَابٌ أَلِیمٌ." (سورة الشورى: 42)

وتمثل الموارد الجوفیة والطبیعیة، والمناجم، ومصادر المیاه عوامل أخرى تدفع البلدان لشن الحروب. وتنشأ الصراعات فی أغلب الأحیان عندما تبدأ البلدان المحرومة من هذه الموارد بتهدید جیرانها کی تقتسم معها مواردها. ویمکن حل هذه المشکلات باستخدام التکنولوجیا المتقدمة والتخطیط الملائم. إلا أنه بما أن الحال کذلک، فإن بعض البلدان تکرس کل قوتها لممارسة نفوذها وسیطرتها عن طریق الحروب والنزاعات، ولا ترى خطأ فی تخریب البلدان الأخرى من خلال قصف قنوات الری بالقنابل، على سبیل المثال، أو اللجوء إلى أی شکل آخر من أشکال العنف. وفی غضون ذلک، لا تهتم تلک البلدان القویة حقا بموت النساء والأطفال الأبریاء – أی "بالأضرار المصاحبة".

عواقب عدم اتباع أحکام القرآن فی الحیاة

لقد ذکر الله جل جلاله فی سورة النساء أن کل مؤمن مسؤول عن مساعدة المستضعفین:

"وَمَا لَکُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْیَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ وَلِیًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ نَصِیرًا."؟ (سورة النساء: 75)

إن ما یتوجب فعله فی هذه المرحلة هو دعوة الناس إلى خشیة الله وتذکیرهم بأن کل إنسان سوف یُسأل عن أعماله یوم القیامة. وستبوء کل المحاولات الأخرى لمعالجة تلک المشکلة بالفشل، لأن الإنسان الذی یخاف الله سبحانه وتعالى هو وحده الذی یتجنب الظلم ولا یستخدم العنف ضد الآخرین. ذلک أن الخوف من الله هو وحده القادر على أن یمنع الإنسان من ارتکاب الآثام؛ لأن الإنسان یستغل کل فرصة تسنح له کی یعود إلى سلوکیاته غیر المرغوب فیها. ولن "یرجع" إلى الحیاة الشریفة سوى أولئک الذین یدرکون رفعة شأن القرآن، لأنهم یتبعون أحکامه ویدعون غیرهم لفعل ذلک أیضا. ومن ثم، یجب على کل مسلم جاد أن یبلغ الدین للناس. ویجب على المؤمنین أن یخبروا کل الناس بما یهبه الدین للإنسان من برکة، ومتعة، وإحساس بالأمان والثقة. ومن ثم، لن یظل هناک سبب لاستمرار هذه الحروب، لأن کل النزاعات سوف تتم تسویتها سلمیا. ومع ذلک، یجب التأکید أیضا على أن هذا السلام لا یمکن بلوغه إذا اقتصر الامتثال لأحکام القرآن الکریم على بعض الناس فقط. ذلک أن السلام الدائم حول العالم لن یتحقق إلا إذا اتبع الناس عموما قیم القرآن والسنة. وإذا لم یحدث ذلک، لن تستفید سوى مناطق معینة من المتعة التی یمنحها القرآن للمؤمن وسیظل الآخرون یعیشون فی کآبة، ویعانون من الاضطهاد، ویقاسون بشدة من الفقر والعنف.

نداء من البلدان التی تحتاج إلى مساعدة

یرى المؤمنون بالله، الذین یتبعون أحکام القرآن الکریم والسنة فی کل لحظة من لحظات حیاتهم، أن کل حادثة تقع تحمل فی جوهرها دلالات وغایات کثیرة. ذلک أن الله یقدر کل حادثة لغایة یختبر بها موقف الإنسان وسلوکیاته. وتقع على عاتق کل مؤمن مسؤولیات یمکن إیجاز أهمها فیما یلی: أن یشهد بوجود الله جل جلاله ووحدانیته، وأن یأمر بالمعروف وأن ینهی عن المنکر، وأن یقاوم بالحجة الذکیة کل حرکة تقوم على إنکار وجود الله. وإذا تم تبلیغ الدین بدقة للناس، فسوف تظهر مجتمعات ذات ضمیر حی تخشى الله بعمق. وحینئذ، سوف تظهر حلول تلقائیة لکل المشکلات التی ترجع جذورها إلى عدم الامتثال لأحکام الدین. ویذکرنا الله عز وجل فی الآیة التالیة بالمسؤولیات التی یجب على المؤمنین أن یحملوها على عاتقهم:

"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِینَ." (سورة البقرة: 193)

وکما ذکرنا سابقا، یجب أن تعطى الأولویة فی عصرنا الحالی للمقاومة الفکریة ضد الفلسفة المادیة التی ترفض الدین صراحة. ولا شک فی أن هذه المقاومة سوف تتم فی إطار السلام والتفاهم الذی وصفه المولى عز وجل فی کتابه الحکیم. وما إن یتم تدمیر الأسس الأیدیولوجیة والفلسفات الضمنیة، سوف تنهار کل الأیدیولوجیات المستندة إلیها، الواحدة تلو الأخرى. ویخبرنا الله جل وعلا فی القرآن الکریم أنه ما إن یظهر الحق حتى یزهق الباطل:

"بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ." (سورة الأنبیاء: 18)


إن أولئک الذین یتبعون قیم القرآن فی کل لحظة من لحظات حیاتهم، لا یمکن أن یهملوا الاستجابة لنداء البائسین.

ولهذا السبب، یجب علینا أن نبلغ الدین لکل من یبتعد عن قیم القرآن. ولنفس السبب، یجب أن نشجع الإنسانیة جمعاء على نبذ العالم المظلم الذی یجلبه الکفر. وفی الصفحات التالیة، سنخصص مساحة کبیرة لبعض البلدان المضطربة التی ابتلیت بالنزاعات. ومع ذلک، فإن الاهتمام الموجه إلى هذه البلدان لا یخدم الأغراض التثقیفیة فحسب، لأن هناک آلاف الکتب وعشرات الآلاف من التقاریر المتاحة لهذا الغرض. بل تتجه النیة فی هذا الکتاب إلى تشجیع أصحاب الضمائر الحیة على مساعدة المضطهدین الذین ینتظرون هذه الحلول بفارغ الصبر. ومن المهم أن نذکِّر المؤمنین بهذا الواجب الجلیل، وأن نجعلهم یتأملون فی النزاعات التی تدمر البلدان، والمحن التی یواجهها الرجال، والنساء، والأطفال المضطهدون. وینبغی ألا یعتقد أحد أنه فی منأى عن هذه النزاعات، التی تدمر الکثیر من البلدان، وأنه بالتالی لا یستطیع أن یفعل شیئا للتغلب علیها.

ومن الواضح أن جمعیات حقوق الإنسان ومنظمات التنمیة التی تقدم خدماتها تحت ستار توفیر الحمایة والمعونة لا تقدم أی حلول واقعیة على الإطلاق. ذلک أن هذه المنظمات، التی تستهلک أموالا طائلة وتوظف أعدادا کبیرة من الموظفین، لم تظهر حتى الآن أداء ملائما ولم تقدم العون إلا لعدد محدود جدا من الناس. ویجب أن یدرک الناس أنه بالنسبة لأولئک المضطهدین فی کوسوفا، أو البوسنة، أو کشمیر، أو فلسطین الیوم، الذین ینتظرون "المخلص" بفارغ الصبر، لا یوجد سوى حل واحد هو: الالتزام بأحکام القرآن فی حیاتنا.

الشیشان

 إن الحرب الروسیة الشیشانیة الدائرة هی إرث من ترکة القرن العشرین یحتل مکانة فی أجندة العالم الیوم. وتزداد خطورة الموقف فی هذا الجزء من العالم نتیجة الاعتداءات الروسیة على الشیشان، التی یقتل فیها غالبا النساء والأطفال المدنیون. إذ تتجلى أمام أعین العالم صور القنابل التی تسقط على الأسواق، دون أن تعطی أی فرصة لنجاة النساء والأطفال الشیشانیین المستضعفین والمدنیین العزل. وفی عملیة قصف واحدة فقط استهدفت مستشفى للولادة، لقی خمسة عشر رضیعا حتفهم. وتتضح الأبعاد المذهلة للعنف من خلال تصرفات القادة الروس الذین یأمرون الجنود بإطلاق النار على المدنیین الذین یترکون قراهم بحثا عن ملجأ فی البلدان المجاورة.

ویروی لنا القرآن الکریم قصة مذبحة مشابهة فی التاریخ، وهی المذبحة التی ارتکبها فرعون ضد شعبه:

"وَإِذْ نَجَّیْنَاکُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَسُومُونَکُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ یُذَبِّحُونَ أَبْنَاءکُمْ وَیَسْتَحْیُونَ نِسَاءکُمْ وَفِی ذَلِکُم بَلاء مِّن رَّبِّکُمْ عَظِیمٌ." (سورة البقرة: 49).

یشاهد العالم بأکمله الفظائع الدائرة فی الشیشان. ومع ذلک، لم تقم سوى قلة من أصحاب الضمائر الحیة بمد ید العون، التی ثبت فی کثیر من الأحیان أنها غیر ذات نفع نظرا لقلة الموارد المتاحة.

ویؤکد القرآن الکریم أن المستضعفین ظلوا، على مدار التاریخ، عرضة للأعمال الوحشیة التی یمارسها أصحاب الخلق الفرعونی. وإذا استعرضنا بإیجاز تاریخ الشیشان، الذی یتعرض سکانه للتهدید، فسوف یساعدنا ذلک على تکوین فهم أفضل للعنف السائد فی البلاد.

ففی عام 1918، کانت القوقاز، بما فیها الشیشان، تحت حکم روسیا السوفییتیة. وفی ذلک الحین، کانت موسکو الشیوعیة تسیطر على أراض واسعة تقطنها مجموعات عرقیة یفصلها عن بعضها البعض ترسیم حدودی مصطنع. وقد ازدادت حدة هذا الفصل العرقی نتیجة عملیات الترحیل الإجباریة. وأثناء الحرب العالمیة الثانیة، کان النظام الشیوعی ینفذ عملیات فی منتصف اللیل یجبر فیها سکان القوقاز على أن یرحلوا على متن قطارات متجهة إلى سیبیریا والشرق الأوسط. ولم یتمکن آلاف الناس من الوصول إلى وجهتهم أحیاء، وبناء على أمر صادر من النظام الشیوعی، تم توطین مجموعات عرقیة أخرى فی الأراضی التی رحل عنها سکانها. وعندما عاد القوقازیون إلى أوطانهم بعد بضع سنوات وجدوا أناسا آخرین یعیشون فی منازلهم. ولا شک فی أن سیاسة "فرِّق تسُدْ" التی استخدمتها موسکو فی ذلک الوقت أدت إلى تفاقم التوترات العرقیة التی نعانی منها الیوم.

وقد أزاح انهیار الاتحاد السوفییتی النقاب عن الطموحات القومیة والمنافسات العرقیة التی دفعت عددا من المجموعات العرقیة الموجودة داخل حدود أراضی الاتحاد السوفییتی السابق إلى إعلان استقلالها. کما سعت مجموعات عرقیة أخرى للاستقلال الاقتصادی مع البقاء تحت سیطرة الاتحاد الروسی. وهکذا، بدأ سکان الشیشان البالغ عددهم 1.2 ملیون نسمة، الذین عانوا طویلا من الضغط الروسی القاسی، رحلة کافحوا فیها تحت قیادة زوکار دوداییف کی ینالوا الاستقلال.

وفی عام 1996، انتهت الحرب الروسیة – الشیشانیة التی دامت 18 شهرا وأعلن الشیشانیون استقلالهم عند انسحاب القوات الروسیة. وفی عام 1997، وقعت موسکو وجروزنی رسمیا اتفاقیة سلام أنهت الحرب ومنحت الشیشان استقلالا فعلیا. ومع ذلک، سمحت اتفاقیة سابقة لروسیا بتأجیل تحدید الوضع النهائی للأراضی الشیشانیة حتى عام 2001.

وحذت جمهوریات أخرى حذو الشعب الشیشانی الذی کافح من أجل الاستقلال. وفی عام 1998، اجتمع مجلس شعوب شمال القوقاز فی عاصمة الشیشان، جروزنی. وفی ذلک الاجتماع، اتفقت شعوب شمال القوقاز على ألا تحارب بعضها البعض. فنتج عن القرارات المتخذة فی هذا الاجتماع نشوب النزاعات التی حدثت عام 1999، عندما شنت القوات الروسیة حملة قصف بالقنابل استهدفت قرى عدیدة فی داغستان یقطنها 1500 شخص. وعندما استنجدت تلک القرى بالشعب الشیشانی، لبى نداء الاستغاثة فی صیف عام 1999 محارب شیشانی محنک یدعى شامل بساییف. ونتج عن القصف الروسی العنیف تدمیر القرى الداغستانیة تدمیرا کاملا لم ینج منه سوى شخصین. ونتیجة لهذه العملیة انساق الشیشان إلى حرب جدیدة مع روسیا.


Crescent International, May 16-31, 2000


Crescent International, April 16-30, 2001

 

وجدیر بالذکر أن داغستان جارة للشیشان، وأن غالبیة سکانها من المسلمین (80%). ویرجع السبب الرئیسی الذی جعل الداغستانیین یستنجدون بالشیشانیین لمواجهة الاتحاد الروسی إلى النجاح الکبیر الذی حققه الشیشانیون ضد الروس عام 1996.

فی رسالة بعث بها إلى البابا یوحنا الثانی، کتب الرئیس الشیشانی أصلان مسخادوف أن 3265 مدنیا قتلوا وأصیب 5000 آخرین فی هجوم جوی شنته القوات المسلحة الروسیة بدأ فی الخامس من أیلول/ سبتمبر واستمر لمدة شهر.

وهناک أسباب کثیرة تکمن وراء الهجوم الروسی الضاری على الشیشان. ومع ذلک، مهما کانت مبررات نشوب الحرب، فإن النساء، والأطفال، والفقراء هم دائما أکثر الفئات معاناة من ویلات الحرب. فهم دائما الذین یضطرون للکفاح من أجل الصمود فی مواجهة الفقر، والمجاعة، والأوبئة. ولطالما تمثل الطموح الروسی الأساسی فی الشیشان فی إجبار مواطنیه على الهجرة من وطنهم، حتى یمتصهم ویفتح الأراضی الشیشانیة أمام أشخاص من أصول عرقیة أخرى. ولتحقیق هذا الغرض، تمت الموافقة على مذبحة جماعیة قتل فیها آلاف الأبریاء، والعزل، والمستضعفین، وفضلا عن ذلک، ظل العالم بأسره غیر مبال بهذا الفعل الوحشی الذی حدث أمام ناظریْه.

شعب کشمیر بلا حمایة

کشمیر هی منطقة مضطربة یحتدم فیها العنف باستمرار بسبب الحرب الدائرة بین الهند وباکستان. ومن الناحیة التاریخیة، ظلت کشمیر منطقة یقاسی فیها المدنیون الأبریاء من خسائر ضخمة. وبعد جلاء بریطانیا عن الهند، التی ظلت تحت الحکم البریطانی لمدة طویلة، أسس المسلمون الهنود دولة إسلامیة مستقلة تدعى باکستان. وقد جرى تبادل السکان بین باکستان والهند وهاجر الکثیر من المسلمین الذین یعیشون داخل الحدود الهندیة إلى باکستان. ومع ذلک، بقیت جامو وکشمیر، وهی منطقة ملیئة بالسکان المسلمین، تحت الحکم الهندی من خلال الجهود التی بذلتها نیودلهی ودعمتها إنجلترا. ومنذ تلک الأیام وحتى الوقت الحاضر، لم تقِل قط حدة التوتر السائد فی کشمیر. وجدیر بالذکر أن الکشمیریین لا یسعون للاستقلال بل یتمنون فقط الانضمام لباکستان. ومع ذلک، فقد بلغ الضغط الذی یمارسه الهنود على المسلمین الکشمیریین حد استخدام الأسلحة الکیمیائیة ضد المدنیین.

کان المسلمون الکشمیریون قد قاموا من قبل بمقاومة الإدارة الهندیة طالبین بالاستقلال لذا فقد وقعت ثلاث مذابح کبیرة فی اعوام 1947، و1965، و1971، مما تسبب فی مقتل آلاف المسلمین الکشمیریین. وکانت طبیعة عملیات القتل مروعة؛ إذ لم یُستثنَ منها الشیوخ، والمرضى، والأطفال الصغار، والرضع، کما اغتصبت النساء أیضا. وما زالت سیاسة المذابح والتطهیر العرقی وسیاسة الاذابة مستمرة حتى الیوم. وبناء على ما تنقله المنظمات الدولیة من کشمیر، فقد لقی مئات الأشخاص مصرعهم نتیجة التعذیب وأصبح الآلاف مقعدین. کما أشعل الهنود النیران فی المنازل، وأغلقوا الصحف والمدارس التی تتبع منهجا إسلامیا. ولکن الألم لم ینته بعد؛ إذ یعیش حالیا الکثیر من الناس فی ظروف صعبة للغایة داخل ملاجئ أشبه بالکهوف.


لسنوات طویلة، أبدى المسلمون الهنود فی کشمیر الصبر فی مواجهة العنف. والسبیل الوحیدة لإیقاف هذا التعذیب هی العیش وفقا لأحکام القرآن الکریم.

ویعتقد الکثیرون أنه لا یوجد ما یربطهم بهؤلاء الناس الذین یعیشون فی أماکن نائیة من العالم، على بعد مئات بل آلاف الأمیال منهم. ومع ذلک، فإن طریقة التفکیر هذه غیر إنسانیة وبعیدة کل البعد عن المنهج القرآنی. وکما ذکرنا آنفا، تتمثل مسؤولیة المؤمن فی إبلاغ الدین للجمیع، سواء کانوا من أفراد العائلة المقربین أو کانوا یعیشون فی جزء مختلف من العالم. وفیما یلی سطور مقتبسة من تقریر أعده صحفی زار مخیمًا للاجئین فی کشمیر. وهذا الوصف فی حد ذاته کفیل بأن یحرک ضمیر الإنسان، لأنه یوضح الأوضاع الخطیرة فی المخیم:

"أسس مخیم اللاجئین فی أمبور عام 1990 لاستیعاب الکشمیریین الذین فروا من جامو وکشمیر. إن الأوضاع المعیشیة هنا بائسة للغایة، إذ یتکدس الناس فی أکواخ طینیة صغیرة. وعندما دخلنا أحد الأکواخ المکونة من غرفة واحدة، لم یکن هناک سوى سریر واحد. وسألنا کم عدد الأشخاص الذین یعیشون فی هذه الغرفة، فکانت الإجابة "9". ویستوعب المخیم 214 عائلة، یبلغ إجمالی أفرادها 1110 أشخاص. ولا شک فی أن رؤیة الکوخ الطینی کفیلة برسم صورة دقیقة للحیاة الکئیبة فی المخیم. وتتکون هذه الأکواخ عادة من غرفتین... وبضع أوانٍ فخاریة قدیمة، وسریر أو سریرین، إذا جاز للمرء أن یسمیه سریرا. وفی أحد أرکان الکوخ جثت أم على الأرض تحمل طفلها الرضیع بین یدیها، وعلى النار قِدر تغلی تشعلها بضعة أغصان جافة. ولکنی لم أر فی الکوخ شیئا یمکن أن یؤکل! ولم تواتنی الشجاعة کی أفتح القدر لأرى ما إذا کانت تحتوی على شیء بداخلها. وقد لاحظت فی الخیام العدیدة التی رأیتها أنه لا یوجد طعام ولا یوجد أی شیء یمکن النوم علیه! وفی إحدى هذه الخیام، کانت هناک ملاءة قدیمة مفروشة فی الوسط، یبدو أنها کانت تستخدم کسریر. وعندما سألت: "کم عدد الأشخاص الذین یعیشون فی هذه الخیمة؟" کانت الإجابة: "11 شخصا"..... ومع ذلک لم یکن بالخارج سوى قِدر معدنیة تغلی! "

التطهیر العرقی فی کوسوفا

بقیت کوسوفا، المنطقة التی تعیش فیها أغلبیة مسلمة، تحت الحکم العثمانی حتى نشوب حرب البلقان عام 1912. وما زال سکان کوسوفا مسلمین حتى الیوم، وهم یشکلون إرثا من الإمبراطوریة العثمانیة. وفتح انتهاء الحرب الباردة الباب أمام عصر جدید فی العالم اتسم بحدوث تغییرات جذریة فی الحدود والأنظمة، لا سیما فی منطقة البلقان. وظل الجیل المستمسک بالإرث العثمانی محورا لهذا التغییر، لأن ما یحدث الیوم فی البوسنة وکوسوفا هو نتیجة لهذا التطور التاریخی. إذ إن الدول الجدیدة التی ظهرت بعد الحربین العالمیتین لم تستطع أن تسد الفجوة التی حدثت بعد انهیار الإمبراطوریة العثمانیة، التی کانت بمثابة "عامل موازنة" فی الأراضی التی کانت تحکمها. وتعتبر النزاعات التی تحدث فی المنطقة الیوم نتائج لهذه الفجوة.

إن 90% من سکان کوسوفا - البالغ عددهم ملیونَی نسمة - من الألبان المسلمین. وتشکل أراضی الإقلیم 12% فقط من مساحة صربیا. وفی عام 1989، ارتکبت قوات الشرطة، المکونة بالکامل من السلوفانیین، أعمالا قمعیة. وفی غضون ذلک، منع الصرب تدریس اللغة الألبانیة فی المناهج المدرسیة. ومنذ الثامن والعشرین من شباط/ فبرایر وحتى یومنا هذا (أی حتى کتابة هذا الکتاب فی تشرین اول /1999) ، ما زال الصرب یمارسون العنف ضد أهل کوسوفا.


هذه عائلة واحدة فقط من بین ثلاثمائة ألف عائلة فرت من کوسوفا بعد بدء عملیات حلف الناتو فی الرابع والعشرین من آذار/ مارس 1999. تمتد صفوف اللاجئین الجوعى لأمیال. وعلى الرغم من ذلک فهم یعتبرون أنفسهم أفضل حالا من الذین ظلوا فی کوسوفا لیصبحوا ضحایا للعنف والاغتصاب, أو من الذین لم تکتب لهم النجاة نتیجة ظروف الشتاء القاسی فماتوا فی الطریق.

 

 

لم یُسمح لعشرة آلاف لاجئ أن یتابعوا سیرهم إلى وجهتهم المتمثلة فی بوابة مورینا الحدودیة على الحدود الألبانیة – الیوغسلافیة. فقد أُخذوا وحُبسوا فی مبان استراتیجیة، تعتبر کلها أهدافا محتملة للقصف. وقد أبلغت السفارة الألبانیة فی روما عن فقدان خمسة وعشرین ألف لاجئ کوسوفی. وقالت القوات الأوروبیة التابعة لحلف الناتو (شیب SHAPE ) إن الحرب فی کوسوفا نتج عنها 960.000 ألف لاجئ. واستنادا إلى المعلومات الواردة من جیش تحریر کوسوفا، فقد ذکر وزیر الخارجیة البریطانی أن أکثر من 400.000 مدنی ألبانی لجأوا إلى المناطق الجبلیة فی کوسوفا، تتهددهم المجاعة والموت باستمرار. ووفقا لمصادر مسؤولة فی جیش تحریر کوسوفا، فقد أطلق الصرب نیرانًا کثیفة على 40.000 مدنی ألبانی، کانوا ینشدون الحمایة فی المنحدرات السفلیة من جبل بِیریشا.

بعد الحرب العالمیة الثانیة، ارتکبت صربیا أکبر إبادة جماعیة على الإطلاق فی تاریخ أوروبا. وکانت النیة الأساسیة تتجه إلى إبادة الألبان المسلمین فی کوسوفا، الذین یشکلون 90% من إجمالی السکان، وتحویل کوسوفا إلى أرض صربیة. واصل الصرب سیاستهم ضد المسلمین فقتلوا، ونهبوا، واغتصبوا، ودمروا المنازل والقرى، وأبعدوا الألبان المسلمین. وبدأ النظام الصربی ینفذ حملة شعواء لزرع مستوطنین صرب فی کل مکان ممکن بکوسوفا فی محاولة واضحة لتمزیق النسیج الأساسی للحیاة الألبانیة هناک. وکانت النیة تتجه إلى تغییر الهیکل الدیموغرافی لصالح الصرب. وکما قال أحد متحدثی حلف الناتو، لکی یمحو الصرب کل شیء له علاقة بالهویة الثقافیة للمسلمین فی کوسوفا، لم تسلم حتى وثائق الزواج وسندات تسجیل الملکیة من التغییر.



بحلول آذار/ مارس 1999 بدأ السکان المسلمون فی کوسوفا یفرون من منازلهم بسبب التهدیدات أو الهجمات، فخلفوا وراءهم قرى مهجورة. وتحت الأمطار الغزیرة وفی البرد القارص، ترک النساء، والأطفال الصغار، والمسنون کل شیء وراءهم ومشوا إلى وجهة مجهولة. وبعد ثلاثة أشهر تقریبا، عندما حاولوا العودة، لم یکن أی شیء باقیاً على حاله. فالمنازل أحرقت وصارت خربة، والأقارب فقِدوا، والأطفال مرضوا، والممتلکات نُهبت... وهکذا، أشاعت الحرب والهجرة فی حیاة کل کوسوفی مسلم، غنیا کان أو فقیرا، فوضى عارمة.

وفی کوسوفا، ذکرت المنظمات الإنسانیة فی المنطقة أیضا أن الصرب أبادوا المسلمین إبادة جماعیة. وتعرض اللاجئون والشعب لکل أشکال العنف والتعذیب. فقد اغتصب الصرب النساء، وقتلوا الحوامل، وهدموا المبانی والممتلکات، وقتل أکثر من 100.000 شخص. وکانت حالة الکوسوفیین الذین اضطروا للهجرة مزریة. ومات على الحدود المقدونیة – الیوغسلافیة نحو أربعین شخصا، 20 منهم من الرضع والباقی من المسنین، أثناء فترة الإیقاف القسری الطویل لمسیرة ما یقرب من 250 إلى 300 ألف مهاجر.

مذبحة البوسنة الوحشیة التی دامت ثلاث سنوات

تقدم سنوات العنف الثلاث التی عانى منها المسلمون فی البوسنة أفضل مثال لوضع أولئک الذین یعانون من الاضطهاد حول العالم. ففی الحرب التی شنها الصرب فی نیسان/ إبریل 1992، کانت الخطة تهدف إلى إبادة المسلمین فی بضعة أسابیع لإجبارهم على الهجرة. ولکن القوات البوسنیة المسلمة أبدت مقاومة غیر متوقعة. واستمرت الحرب حتى ربیع عام 1995. وتجدر الإشارة إلى أن العنف الذی احتدم طوال هذه الحرب لم یسبق له مثیل فی تاریخ العالم. فقد قتل الصرب أکثر من مائتی ألف مسلم بوسنی، وأجبروا ملیونی شخص على مغادرة منازلهم، واغتصبوا أکثر من خمسین ألف امرأة مسلمة. وفی معسکرات الاعتقال الصربیة، کان المسلمون یتعرضون لتعذیب غیر محتمل، وتحوَّل عشرات الآلاف إلى مُقعدین... ومما یثیر قدرا أکبر من الذهول أن الصرب الذین ارتکبوا هذه الأعمال الوحشیة والبوسنیین _ محور الغضب الصربی المحتدم _ ینحدرون من نفس الجنس ویتکلمون نفس اللغة، ولکن عامل الاختلاف الوحید بینهم هو الدین. وفی عبارة أخرى، إن ما یحدث فی البوسنة وکوسوفا هو مجرد حرب دینیة، یرى کثیرون أنها نشبت نتیجة الحقد الدفین على الإسلام من الکنیسة الأرثوذکسیة.

کل شیء مهجور فی سراییفو؛ ولا یکاد یوجد مبنى واحد فی المدینة نجا من التدمیر بسبب إطلاق النار. وفی الشوارع، توجد أکوام من الحافلات والمرکبات التی دمرتها الهجمات الصاروخیة. ولا یوجد منزل واحد سلمت نوافذه من التکسیر.

أحد معسکرات الاعتقال الصربیة فی البوسنة.

 

ضرب الجنود الصرب فی البدایة حصارا حول القرى البوسنیة، وفرضوا سیطرتهم على جمیع المخارج. وکلما تحرکوا تدریجیا نحو الداخل، کثفوا إطلاق النار وأرهبوا القرویین. وبعد ذلک، أصدروا لأهل القرى بیانات تأمرهم بالتجمع فی المیدان الرئیسی للقریة والاستسلام. وإذا لم یمتثلوا للأوامر، فسوف یکون مصیرهم الموت. وکان تقریر مصیر القرویین یعتمد على أهواء الجنود.

لم یعد هناک مکان فی المقابر، فاتبع الناس نظام المقابر الموضح فی هذه الصورة.

الدیکتاتوریة المعادیة للدین فی أکبر بلد إسلامی:

إندونیسیا

تتسم حیاة المسلمین فی إندونیسیا، وهی مجموعة من الجزر فی الشرق الأقصى، بقدر کبیر من عدم الاستقرار مشابه لذلک الذی یعیشه أناس آخرون کثیرون یواجهون الحرب فی مناطق أخرى من العالم. وجدیر بالذکر أن هذا البلد الذی یمتد على مساحة ضخمة من الأرض، تعادل مساحة أراضی أوروبا بأکملها، یحتل المرکز الرابع بین أکثر بلدان العالم ازدحاما بالسکـان، إذ یبلغ عدد سکانه 210 ملایین نسمة (فی أواسط عام 2000). ویدین أکثر من 87% من السکان بالإسلام، وتوجد نحو 300 مجموعة عرقیة. ولطالما کان المجتمع المسلم، على الرغم من کونه أکبر المجتمعات، هدفا للاضطهاد الشدید.

ففی إندونیسیا، وهی مستعمرة هولندیة سابقة، ظل حکم البلاد دائما فی أیدی أناس من أصل جاوی، وهم یشکلون 7% من السکان. وبعد أن استولت الصفوة الجاویة على مقالید الحکم، کافحت من أجل الاحتفاظ بسیطرة کاملة على البلاد. ولتحقیق هذا الغرض، عملت هذه الصفوة بجد لتنفیذ مشروع یهدف إلى تعزیز فکرة القومیة الإندونیسیة، أو القومیة الجاویة، على الرغم من النسیج العرقی المتعدد فی البلاد. وفی عام 1953، قامت جماعات من مسلمی جزیرة سومطرة بإعلان الاستقلال ردا على المشروع السابق. حینئذ، أعلنت الصفوة الحاکمة أن المسلمین خونة ونفذت فیهم عملیات إعدام جماعیة. وفی غضون ذلک، أصبح سوهارتو، المدعوم من الولایات المتحدة، رئیسا للبلاد فی عام 1968، فذبح ملیون شخص، وفقا لتقاریر منظمة العفو الدولیة.

"قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَکُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَکْرٌ مَّکَرْتُمُوهُ فِی الْمَدِینَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. لأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَأَرْجُلَکُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّکُمْ أَجْمَعِینَ." (سورة الأعراف: 123-124)

وبحلول عام 1998، السنة التی أصبح فیها سوهارتو رئیسا للبلاد للمرة السابعة، کان الفساد قد استوطن فعلیا فی إندونیسیا، لأن سوهارتو استخدم سیاسة محاباة الأقارب إلى أقصى حد ممکن. وکانت هذه الخیانة الأخیرة لثقة الشعب سببا فی إشعال فتیل الشغب، لأن النظام الشنیع والاضطرابات الاقتصادیة أفسدت حیاة الجماهیر فعلیا. ومن ناحیة أخرى، مثلت زیادة أسعار المنتجات الاستهلاکیة بنسبة 100% القشة الأخیرة التی قصمت ظهر الشعب الذی دخل بدوره فی صدامات عنیفة فی شوارع جاکرتا. وحاولت الإدارة العسکریة أن تخمد هذه الثورة بإطلاق الرصاص مما تسبب فی ذبح آلاف الأشخاص. بینما کان المطلب الوحید للشعب هو الحصول على ظروف معیشیة أفضل والتحرر من اظلم والاضطهاد.


بحلول عام 1968، أصبح الجنرال سوهارتو، المدعوم من الولایات المتحدة، رئیسا للبلاد وذبح ملیون شخص، وفقا لتقاریر منظمة العفو الدولیة. وفی هذا البلد، انقض العنف والوحشیة على المسلمین، کما هو موضح فی الصور، على الرغم من أنهم یمثلون الأغلبیة.

ولم یتحسن الوضع أو یعُد النظام إلى إندونیسیا حتى بسقوط سوهارتو. وعلى الرغم من تعاقب إدارات کثیرة، فلم تتوقف النزاعات فی البلد مطلقا.

والسبیل الوحیدة لضمان بیئة خالیة من الظلم، والعنف، والفوضى، کما ذکرنا مرارا وتکرارا فی هذا الکتاب، هی العیش وفقا لقیم القرآن والسنة. ذلک أن النمط القرآنی فی الحیاة یزیل التفاوت الاقتصادی، والخلاف الناتج عن تضارب الأفکار، والظلم، والعنف. وفی غیاب تلک القیم السیئة سوف تتوفر بیئة لا یتعرض فیها أی شخص للمعاملة الوحشیة.

المجتمع المسلم الذی انقطعت کل صِلاته بالعالم: أتراک الیوجور فی ترکستان الشرقیة

قد لا یعرف الکثیرون سوى القلیل عن البلد المسمَّى "ترکستان الشرقیة"، على الرغم من أن مساحته ضعف مساحة ترکیا. ولا تدرک بقیة العالم الأعمال الوحشیة التی یرتکبها النظام الصینی ضد حقوق السکان المسلمین، الذین لا یطمحون فی شیء أکثر من أداء واجباتهم الدینیة. ذلک أن السلطات الصینیة لا تسمح لأی شخص بالخروج من أراضی هذا المجتمع الترکی المسلم أو الدخول إلیه. ویسمى مجتمع المسلمین بالیوجور Uigur ، ولکن الصین تطلق علیه اسم إقلیم زنجیانج Xinjiang . ویرجح أن الأرقام المعلنة لا تتسم بالدقة، ومع ذلک فقد نقلت المؤسسات والجمعیات ذات الصلة أن عدد سکان الإقلیم یبلغ 20 إلى 30 ملیون نسمة. ویؤکد المسلمون أن الصینیین یتعمدون تقلیل عدد السکان، وأن عدد المسلمین أکثر بکثیر مما تشیر إلیه الإحصائیات الصینیة.

وکثرة وجود الموارد الطبیعیة هی سبب اهتمام الصین الکبیر بترکستان الشرقیة. ذلک أن وجود طبقات غنیة بالبترول داخل حدود ترکستان الشرقیة هو العامل الأساسی الذی دفع الصین للاهتمام بهذا البلد، لا سیما أن البحوث الأخیرة کشفت عن وجود مزید من احتیاطیات البترول. وتؤکد المصادر الصینیة الرسمیة وجود 20 إلى 40 بلیون طن من احتیاطیات البترول فی المنطقة. وتدعی بعض شرکات البترول الغربیة أن هذه الاحتیاطیات من الضخامة بمکان بحیث یمکن مقارنتها بالاحتیاطیات السعودیة.

تتزاید الإبادات الجماعیة فی ترکستان الشرقیة، البلد الذی ما زال ضمن الأراضی الصینیة. إذ تؤخذ النساء اللاتی یجتمعن فی المساجد إلى المقرات الأمنیة، ویضربن، ویعذبن عادة حتى الموت على أیدی الجنود الصینیین. ولا تتوقف الاعتقالات والتعذیب. وما بین 4 إلى 7 شباط/ فبرایر 1997، أی فی غضون ثلاثة أیام فقط، اعتقل 3500 یوجوری وأخذوا إلى معسکرات الاعتقال. وفی عام 1997، تم اعتقال أکثر من سبعین ألف شخص. واتخذ التخویف والعنف الموجه ضد الیوجور أشکالا متنوعة: التعقیم، والإجهاض الجماعی، والاختبارات النوویة، والقلاقل التی یسببها المستوطنون الصینیون، والبطالة، وحظر ممارسة الشعائر الدینیة، وعرقلة التعلیم، وسجن المراهقین.

لقد ظلت ترکستان الشرقیة تحت السیادة الصینیة لما یقرب من 250 سنة. ولم تعترف الصین مطلقا بحق شعب ترکستان الشرقیة فی الاستقلال، وقابلت کل مبادرة للاستقلال بقمع واسع النطاق. ونظرت الصین إلى ترکستان الشرقیة، وهی مجتمع مسلم، بوصفها مجرد إقلیم تابع لأراضیها. وفی عام 1949، أدى استیلاء ماو على الحکم إلى ممارسة مزید من القمع على ترکستان. فقد تعرض السکان المسلمون الذین قاوموا سیاسات التطهیر العرقی والاذابة الصینیة إلى عملیات ذبح وحشیة وحرموا من حقوقهم. ومنذ عام 1949 حتى الیوم، قتل نحو خمسة وثلاثین ملیون شخص. وفی غضون ذلک، ظل التعذیب، وکل أشکال العنف، والقمع العنیف یشکل نمط الحیاة الیومی بالنسبة لمن مکثوا فی البلاد. فقد دفن الناس أحیاء واغتصبت النساء... وفی عام 1953، شکل المسلمون 75% من عدد السکان فی حین شکل الصینیون 6%. ومع ذلک، ففی عام 1990، انقلب هذا الوضع لصالح الصینیین، فشکل الصینیون 53% فی حین انخفضت نسبة السکان المسلمین إلى 40%. وتفسر هذه الأرقام فی حد ذاتها أبعاد الإبادة الجماعیة التی تعرض لها المسلمون فی ترکستان الشرقیة.

ومن المؤکد أن ما قاساه الناس فی ترکستان الشرقیة لا یختلف عما حدث للمسلمین فی البوسنة وکوسوفا. ولکن الفارق الوحید بالنسبة لترکستان الشرقیة هو أن عدم السماح لها بإقامة أی نوع من الاتصالات مع بقیة العالم، جعل الحصول على أی معلومات منها أمرا صعبا للغایة. وقد کرست الصین جهودها بنجاح کی لا یتناقل العالم أی أخبار عن الفظائع المرتکبة فی ترکستان الشرقیة. ولتحقیق هذه الغایة، أخضعت الصین الإنترنت لرقابة صارمة. ومن ناحیة أخرى، یغض العالم الطرف عن المحن المروعة التی یمر بها الأبریاء والمستضعفون فی هذه المنطقة ویتناولون المسألة بوصفها مشکلة صینیة داخلیة. وتفسر الإبادة الجماعیة فی ترکستان الشرقیة "قیمة" حیاة الإنسان فی بلدان مثل الصین ینتشر فیها الکفر. وتحت تأثیر هذا النظام السائد، لا یرى الناس سببا یمنعهم من قتل الآخرین إذا کانوا لا یشارکونهم الرأی، أو إجراء تجارب علیهم، أو تعذیبهم بقسوة.

بلد فقیر تغطیه الواحات: تشاد

بعد أن نال تشاد، وهو بلد غالبیة سکانه من المسلمین، استقلاله، استولى المسیحیون على مقالید الحکم فی البلاد واقتسموا الوزارات بالتساوی مع المسلمین. ومع ذلک، کانت البلاد تضم ملیونی مسلم وثمانمائة ألف مسیحی فقط.

 

(الجهة الیسرى) ارتکبت فظائع مروعة ضد المدنیین التشادیین.

وبدأت السلسلة الأولى من الصدامات عندما أقام الحکام المسیحیون، الذین کانت تربطهم روابط قویة بالمستعمرین السابقین، علاقات دبلوماسیة مع إسرائیل. وکان التشادیون المسلمون حساسین لهذا الموضوع لأسباب مفهومة، نتیجة أحداث فلسطین، فاعتبروا أن إقامة حلف سیاسی مع إسرائیل یعد خیانة لفلسطین. وفی غضون ذلک، اتخذ الکادر المسلم فی الحکومة موقفا ضد إسرائیل، ولکن هذه السیاسة کلفت الوزراء المسلمین مناصبهم فی الحکومة. وفی صبیحة أحد الأیام، تم طردهم جمیعا؛ واعتقل کثیر منهم، وسجنوا، وصودرت ممتلکاتهم. وأدت هذه الأحداث إلى بدء عصر من القمع الموجه ضد المسلمین وإلى قیام ثورة فاشلة فیما بعد راح ضحیتها ألف شخص وأصیب من جرائها الآلاف.

الفلبین



دیکتاتور الفلبین مارکوس (الجهة الیسرى). بدأ نظام مارکوس عملیة لاذلال المسلمین وارهابهم واخضاعهم. (الجهة الیمنى) مسلمون یخضعون للتعذیب.

فی بدایة القرن العشرین، خضعت الفلبین للسیطرة الأمریکیة، وفی عام 1946 نالت استقلالها. وبعد انسحاب أمریکا من الجزیرة، وصل الفلبینیون الذین یخدمون المصالح الأمریکیة إلى الحکم وأصبح المسلمون خاضعین لسلطتهم. وقام نظام الفلبینیین على دعامة أساسیة تتمثل فی سیاستهم الخاصة بمصادرة أراضی المسلمین، استنادا إلى استراتیجیتهم الرامیة إلى تدعیم السلطة فی الجزیرة. ولتحقیق هذه الغایة، تم إصدار قانون ینظم تخصیص الأراضی بین الفلبینیین والمسلمین. ووفقا لهذا القانون، لا یستطیع المسلم أن یحصل إلا على ثلث الأرض التی یحق للفلبینی الحصول علیها. وضمنت هذه السیاسة توطین 3.5 ملیون مهاجر فلبینی فی أراضی المسلمین، مما أشعل فتیل الصدامات بین المسلمین والفلبینیین. وفی محاولة منهم لحمایة حقوقهم، أراد المسلمون أن یصلوا إلى حل وسط مع الرئیس فردیناند مارکوس ولکنهم لم ینجحوا فی ذلک. فقد بدأ نظام مارکوس فی تنفیذ عملیة تهدف لامتصاص المسلمین. فمن خلال رفع المرتبات والترقیات الانتقائیة، حوَّل مارکوس القوات المسلحة إلى آلته السیاسیة الشخصیة، وأوقف تنفیذ القانون الدستوری، واستبدل به الأحکام العرفیة.

وخاضت جبهة التحریر الوطنیة مورو معارک دامیة نیابة عن المسلمین، راح ضحیتها أکثر من خمسین ألف مسلم، غالبیتهم من المدنیین. وقتل آلاف السیدات، والأطفال، والشیوخ، وتم تجهیز فرق مدربة تدریبا خاصا لإبادة المسلمین شنت حروب عصابات ضاریة تمادت فیها کثیرا فی استخدام العنف، کتهشیم جماجم ضحایاها أو شرب دمائهم. کما طبقت أسالیب خاصة فی التعذیب على کل ضحیة من الضحایا، وبعد قتلهم، کانت تصادر کل ممتلکاتهم.

وبعد عهد مارکوس واصل الحکام المتعاقبون نفس السیاسة الوحشیة وارتکبوا نفس الإبادة الجماعیة.

لبنان

تدمر المعارک والحروب الدامیة بلدان المسلمین فی جمیع أرجاء العالم. ومن المعروف أن المقاومة الفلسطینیة للغزو الإسرائیلی هی الأطول بین کل عملیات إراقة الدماء. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الغزو الذی نفذته إسرائیل وساندته البلدان الغربیة کان نظامیا، وخلف وراءه تاریخا دمویا ومئات الآلاف من الموتى واللاجئین. ولا تعکس الصدامات، والحروب، والمذابح إلا نزراً قلیلا مما عاناه المدنیون طوال الغزو الإسرائیلی.

فبعد فترة الخمسینیات، قامت القوات الإسرائیلیة بعدة تدخلات فی البلد المجاور لها، لبنان. حیث أشعلت إسرائیل فتیل النزاع بین عدة مجموعات داخل لبنان، دخلت فی حرب أهلیة، وحافظت على صلاتها مع إسرائیل وحصلت منها على الدعم. ونتیجة لهذه الصدامات أصبح میزان القوى فی لبنان ضعیفا للغایة، وتحول إلى بلد معرض للغزو. وحرض الإسرائیلیون الجماعات التی کانت تعیش فی لبنان، أی المارونیین، والمسیحیین، والمسیحیین الأرثوذکس الشرقیین، والمسلمین الشیعیین، والمسلمین السنیین، والدروز، فجنوا تدریجیا ثمار سیاسة "فرِّقْ تسُدْ".



المبنى الأصلی فی بیروت وحالته بعد الغزو.


ما زال هناک الکثیر من الأسرى الفلسطینیین معتقلین فی الزنزانات الإسرائیلیة یعانون من قسوة المعاملة الوحشیة وغیر الإنسانیة. وبعد کل اتفاقیة، تعلن السلطات الإسرائیلیة عن إطلاق سراح هؤلاء الأسرى ولکنها لا تفی بوعودها مطلقا. ویحاول بعض الأسرى أن یلفتوا انتباه العالم إلیهم من خلال الإضراب عن الطعام، إلا أن هذه المحاولات کثیرًا ما تبوء بالفشل لأن البلدان الغربیة تصم آذانها ببساطة عن هذه النداءات.

وانتهت الاستراتیجیة التی خططت لها إسرائیل منذ ثمان وعشرین سنة بالغزو الفعلی للبنان فی عام 1982. فقد قسمت الحرب الأهلیة بیروت إلى مناطق تسیطر على کل منها مجموعة من الأقلیات. ومن الطریف أن کل أقلیة کانت تحصل على دعم وسلاح من إسرائیل. وکان حزب الکتائب على وجه الخصوص، الذی استولى على الحکم، مرتبطا بروابط قویة مع إسرائیل.

لقد بدا الأمر وکأن الحرب الأهلیة فی لبنان قد نشبت بسبب الفلسطینیین الذین طردهم الملک حسین من الأردن وتم توطینهم فی لبنان. فقد قام المسیحیون، الذین تم تلقینهم ضرورة طرد الفلسطینیین من لبنان، بشن حرب شاملة لطرد الفلسطینیین. وبدا الأمر وکأن المسیحیین والمسلمین کانوا طرفا فی هذه الحرب، إلا أن کلیهما لم یسلما من التمزق الداخلی. وفی أثناء الحرب، بدأت إسرائیل تنتهک الحدود اللبنانیة. وفی غضون ذلک، تدهور الأمن اللبنانی تدهورا کبیرا بعد الهجوم الذی دعمته کل من الولایات المتحدة وإسرائیل ضد لبنان ونفذته سوریا، الدولة المسلمة ظاهریاً!

وکان ترسیخ حزب الکتائب لسلطته السیاسیة من خلال الدعم الإسرائیلی بدایة لحرب دمویة دمرت بیروت. وتعرض الفلسطینیون واللبنانیون المسلمون لضغوط کبیرة. وقد أدى غزو عام 1978 فی النهایة إلى الغزو الإسرائیلی لبیروت فی عام 1982. وأصبح لبنان بلدا مدمرا ممزق الأوصال بسبب الحرب. وفی غضون ذلک، شهد التاریخ المذبحة الوحشیة التی ارتکبها حزب الکتائب وراح ضحیتها مئات المدنیین الفلسطینیین فی مخیم صبرا وشاتیلا للاجئین بتحریض ودعم من القوات الإسرائیلیة.

المذابح لا تقتصر على المسلمین

هاییتی

إن تاریخ هاییتی، أفقر بلد فی النصف الغربی من الکرة الأرضیة، زاخر بالفوضى والبؤس. فقد ظلت هاییتی تحت الاحتلال الأمریکی خلال الفترة ما بین عامی 1915 و1934. وبعد ذلک، أعلنت هاییتی استقلالها اسمیا فقط لأنها دولة تأسست تحت ظل الولایات المتحدة ویطبق فیها دستور فرضه الأمریکیون على أهلها. وفی الفترة ما بین عامی 1957 و1986، کانت هاییتی خاضعة للحکم الدیکتاتوری.

وخلال تلک الحقبة، تولى الحکم فی البدایة دوفالیی Duvalier الأب ثم خلفه ابنه جون- کلود دوفالیی. وکون کلاهما اتحادات احتکاریة فی کل القطاعات ونهبوا البلایین من الاقتصاد الهاییتی. وأسس دوفالیی نظاما دیکتاتوریا شأنه فی ذلک شأن أی دولة أخرى مجاورة له. وفی هذا البلد الصغیر، أُسست وحدة استخباریة أطلق علیها النمور the Leopards ، ومنظمة شُرطیة صغیرة تسمى تونتون مافوت Tontons Mavoutes ، أرهبت الشعب وارتکبت جرائم قتل جماعیة فظیعة. وکما هی الحال فی کل الدیکتاتوریات، تنعمت عائلة دوفالیی فی حیاة البذخ بینما عاش الشعب فی بؤس شدید. وتحت ذریعة انتشار الفوضى فی البلاد فی عهد عائلة دوفالیی، دبرت الولایات المتحدة انقلابا فی عام 1994. ویعتبر هذا البلد الصغیر مثالا نموذجیا آخر لتبعات انعدام الإیمان فی المجتمع: العنف، والصدامات، والفوضى...

سریلانکا

هی دولة مقامة على جزیرة فی المحیط الهندی جنوب شرق الهند، ویبلغ عدد سکانها ستة عشر ملیون نسمة، 20% منهم من التامیل الهنود وغالبیهم من السنهالیین البوذیین (74%) الذین یحکمون البلد. وفی عام 1980، شن التامیل، الذین یعیشون فی شمال سریلانکا، حرب عصابات ضد النظام السنهالی تحولت إلى حرب أهلیة دامیة ما زالت مستمرة.

فی سریلانکا، حتى الأطفال الصغار یخوضون غمار الحرب الأهلیة.

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد