الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

کل شیء من أجل الصغار

کل شیء من أجل الصغار

غالبا ما یکون الصّغار محتاجین إلى الرّعایة والاهتمام وهم یخطون خطواتهم الأولى فی الحیاة, وعموما یکون الصّغار إمّا عمیاناً أو عراةً أو لا یملکون مهاراتٍ کافیةً فی الصّید, لذا وجب الاعتناء بهم وتوفیر الرّعایة لهم من قبل الأبوین أو القطیع إلى حین النّضوج وإلاّ فإنّهم قد یهلکوا نتیجة الجوع والبرد. ولکنّ العنایة الإلهیة قضت بأن یعتنی الکبار بالصّغار فی صور رائعة من الفداء والتّضحیة .

تُصبح الکائنات الحیّة خطیرة وحسّاسة جدّا فی حالة تعرّض صغارها لأیّ خطر، و ردّ فعل هذه الکائنات الحیة عند شعورها بخطر هو الفرار إلى أماکن آمنة, و إذا تعذّر علیها النّأی بنفسها عن الخطر تُصبح هذه الکائنات متوحّشة و حادّة تجاه الخطر حفاظا على حیاة الصّغار بشکل أساسیّ, فالطّیور والخفافیش (الوطاویط) على سبیل المثال لا تتوانـى فی مهاجمة الباحثین یأخذون صغارها من الأعشاش لغرض البحث والدّراسة (79), و کذلک الحمیر الوحشیة أو الزیبرا التی تعیش على شکل مجامیع. و عندما یتهدّد الخطر حیوانات مثل ابن آوى تقوم الجموعة بتوزیع الأدوار فیما بینها لحمایة الصّغار والذّود عنهم بکل شجاعة و إقدام. و تحمی الزّرافة صغیرها تحت بطنها وتهاجم الخطر بساقیها الأمامیّتین أمّا الوعول والظباء فتتمیّز بحساسیّة مفرطة وتهرب عند إحساسها بالخطر, و إذا کان هناک صغیر ینبغی الذّود عنه فلا تتردّد فی الهجوم مستخدمة أظلافها الحادّة.

أمّا اللّبائن الأصغر حجما والأضعف جسمًا فتقوم بإخفاء صغارها فی مکان آمن و عندما تحُاصر تصبح متوحشّةً ومتوثبّة فی وجه العدو الذی یجابهها. فالأرنب على سبیل المثال مع فرط حساسیّتة و ضعفه یتحمّل المشقّة و الصّعاب من أجل حمایة صغاره, فهو یسرع إلى عشّه أو وکره ویعمد إلى رکل عدوّه بأرجله الخلفیّة، و یکون هذا السّلوک أحیانا کافیا لإبعاد الحیوانات المفترسة (80). وتتمیّز الغزلان بکونها تعمد إلى الجری وراء صغارها عند اقتراب الخطر منها, فالحیوانات المفترسة غالبا ما تهاجم من الخلف لذلک فإن الغزال الأمّ تکون بذلک أقرب ما یکون من صغارها وتبعدهم عن مواطن الخطر, وفی حالة اقتراب الخطر تجتهد فی صرف نظر الحیوان المفترس بهدف حمایة صغیرها (81).

وهناک بعض اللّبائن تستخدم ألوان أجسامها للتّمویه وسیلة لدرء الخطر إلاّ أنّ صغارها تحتاج إلى توجیه وتدریب على وسیلة الاختفاء هذه، ومثال على ذلک حیوان الیحمور حیث تقوم الأنثى بالاستفادة من لون صغیرها فی خطّة للتنکّر بهدف الإفلات من الأعداء, فهی تخفی صغیرها بین شجیرات وتجعله ساکنا لا یتحرک، ویکون جلد الصّغیر بنّی اللّون مغطًّى ببقع بیضاء, وهذه التّرکیبة اللّونیة مع أشعّة الشّمس المنعکسة تکون خیر وسیلة للانسجام مع لون الشّجیرات التی تحیط به. و هذه الطریقة فی التخفّی تکون کافیةً لخداع الحیوانات المفترسة التی تمرّ بالقرب منه، أمّا الأمّ فتبقى على بعد مسافةٍ قصیرةٍ تراقب ما یحدث دون أن تثیر انتباه الأعداء، غیر أنّها تقترب أحیانًا من صغیرها لکی ترضعه. وقبل ذهابها إلى الصیّد تجبر صغیرها على الجلوس بواسطة منخرها، ویکون الصّغیر عادة متیقظا و حذرًا, و عندما یسمع صوتا غیر عادیّ سرعان ما یعود إلى الجلوس و الاختفاء خوفا من أن یکون مصدر خطرٍ بالنّسبة إلیه. و یظلّ الولید على هذا الشّکل حتّى یصبح قادرًا على الوقوف على قدمیه والتّنقّل مع أمّه (82).

و ثمّة حیوانات تُظهر ردّ فعلٍ عنیف تجاه العدوّ المرتقب بل وتوجیه ضرباتٍ بهدف تخویفه و إبعاده مثل البوم وبعض أنواع الطّیور التی تسلک سلوکا استعراضیّا یتمثّل فی مدّ جناحیه فیبدو أکبر من حجمه الطّبیعی. وهناک طیور تقلّد فحیح الأفاعی لإرهاب الأعداء مثل طائر ذو الرأس الأسود mari ba?tankara الذی یصدر أصواتا صاخبة ویرفرف بجناحیه داخل عشّه, ویبدوا الأمر مخیفا داخل العشّ المظلم وسرعان ما یلوذ العدوّ بالفرار أمام هذه الضّوضاء والحرکة (83).

والظّاهرة الملحوظة لدى الطّیور التی تعیش على شکل تجمّعات هی العنایة التی یولیها الکبار للصّغار وحرصهم على حمایتها وخصوصا من خطر طیور "النّورس" إذ ینطلق فرد أو اثنان بالغان و یحومان حول مکان تجمّع الأسراب لترهیب النّوارس وإبعادها عن الصّغار. و مهمّة الحمایة هذه یتمّ تنفیذها بالتّناوب بین الطّیور البالغة و کلّ من ینهی مهمّته یذهب إلى مکان آخر بعید تتوفّر فیه المیاه للصّید والتّغذیة وجمع الطّاقة للعودة مرّة أخرى (84).

و تتمیّز الوُعول بروح التّضحیة من أجل صغارها خصوصا عندما تشعر بخطر یداهم صغیرها، فهی تقوم بحرکة غایة فی الغرابة إذ تلقی بنفسها أمام هذا الحیوان المفترس لتلهیه عن افتراس ولدها الصغیر. وهذا الأسلوب یمکن ملاحظته فی سلوک العدید من الحیوانات مثل أنثى النّمر التی تجتهد فی القیام بما فی وسعها حتّى تصرف انتباه الأعداء المتربّصین بصغارها. أمّا الرّاکون فأوّل ما یفعله عند إحساسه بالخطر الدّاهم هو أن یأخذ صغاره إلى قمّة أقرب شجرة ثمّ یسرع نازلا إلى الحیوانات المفترسة ویکون وجها لوجه معها, ومن ثمّ یبدأ بالفرار إلى ناحیة بعیدة عن مکان الصّغار ویستمر فی الابتعاد حتّى یطمئنّ إلى زوال الخطر و عندئذ یتسلل خلسةً عائداً إلى صغاره. وهذه المحاولات لا یُکتب لها النّجاح دائماً لأنّ الصّغار قد ینجون من خطر المفترسین إلاّ أنّ الأبوین قد یتعرّضان للموت و الهلاک (85).

وهناک طیور تقوم بتمثیل دور الجریح لصرف نظر العدوّ المفترس عن الفراخ الصّغیرة، فعند إحساس الأنثى باقتراب الحیوان المفترس تتسلّل بهدوء من العشّ ولماّ تصل إلى مکان وجود العدوّ تبدأ فی التخبّط و ضرب أحد جناحیها على الأرض و إصدار أصوات ملیئة بالاستغاثة وطلب النّجدة, بید أنّ هذه الأنثى تأخذ حذرها اللاّزم فهی تمثّل هذا الدّور على بعد مسافة ما من الحیوان المفترس, و یتوهّم أنّ الأنثى المستغیثة تعتبر غنیمة سهلةً ولکنّه بذهابه فی اتجاهها یکون قد ابتعد عن مکان وجود الفراخ الصّغار, ثمّ تنهی الأنثى تمثیلها وتهبّ طائرة مبتعدة عن الحیوان المفترس. إنّ هذا المشهد التّمثیلی یتمّ أداؤه بمهارة مقنعة للغایة، و کثیرًا ما تنطلی هذه الحیلة على القطط والکلاب والأفاعی وحتى على بعض أنواع الطّیور. أمّا الطّیور التی تبنی أعشاشها مع مستوى سطح الأرض فیُعتبرُ التمثیل أداة فعّالةً و ناجعةً فی حمایةِ فراخها من الأعداء المفترسین، فالبطّ على سبیل المثال یقوم بتمثیلیّة العاجز عن الطّیران من على الماء عند إحساسه بقدوم الحیوانات الخطرة, ویظلّ هکذا یضرب بجناحیه على سطح الماء مع إحتفاضه بمسافة أمان بینه وبین الحیوان المتربّص به، وعندما یطمئنّ بأنّ الحیوان المفترس قد ابتعد عن عشّ الفراخ یقطع مشهده التّمثیلیّ و یعود إلى عشّه. هذا السّیناریو الذی یتمّ تمثیله من قبل بعض أنواع الطّیور لم یجد التّفسیر الکافی و المقنع من قبل علماء الأحیاء (86).

هل باستطاعة الطّیر أن یعدّ مثل هذا السّیناریو؟ لاشکّ, ینبغی أن یکون على درجة عالیة من الذّکاء والنّباهة. إنّ هذا السّلوک قبل یقتضی وجود صفات مثل الذکاء و التّقلید و القابلیّة فضلا عن الشّجاعة المثیرة للإعجاب عندما یتصّدى للحیوان المفترس دفاعا عن الصغار, فهو یجعل من نفسه صیدًا مطارداً بدون أیّ تردّد أو خوف. والغریب فی الأمر أنّ هذه الطّیور لا تتعلّم هذا السّلوک من غیرها من الحیوانات (87) لأنّ هذا یتّسم بکونه مکتسبا بالولادة. والأمثلة التی أوردناها فی هذا العرض السّریع ما هی إلاّ غیض من فیض فی عالم الإحیاء لأنّ ملایین الأنواع من الکائنات الحیّة تختلف من حیث أسالیب الدّفاع عن النّفس وطرق الحمایة, ولکنّ النّتیجة المتأتّیة من هذه الأسالیب هی مبعث الغرابة فی هذا المجال, لأنّه یصعب أن نفرض أنّ الطّیر یضحّی بنفسه من أجل صغیره من منطلق سلوک عاقل منطقی. ویجب أن لا ننسى أنّنا هنا بصدد الحدیث عن مخلوقات غیر عاقلة ولا یمکن أن یتّصف تفکیرها غیر الموجود أصلا بالرّحمة والمودّة والرّأفة, والتّعلیق الوحید الوارد فی تفسیر هذه الأنماط السّلوکیة یتخلص فی کون الله سبحانه وتعالى هو الذی ألهم الکائنات الحیّة سلوکا ملؤه الرّحمة والتّضحیة لیضرب لنا الأمثال برحمته التی وسعت کل شیء.

الحشرات أیضا تحمی صغارها من المهالک

یعتبر عالم الأحیاء السّویدی "أدولف مودر" أوّل من اکتشف رعایة الأبوین للصّغار فی عالم الحشرات وذلک سنة1764 عندما کان یجری أبحاثه على حشرة "المدرع الأوروبی" فوجد أنّ الأنثى تجلس على بیضها دون أکل أو شرب وتصبح هذه الأنثى مقاتلة شرسة عندما یقترب الخطر من بیضها (88). وکان العلماء والباحثون فی تلک الفترة أو ما قبلها لا یقبلون فکرة رعایة الحشرات لصغارها، وسببُ ذلک یورده لنا البروفسور دوغلاس.و.تللانی " من جامعة دیلاور والذی یعمل أستاذا فی علم الحشرات ویؤمن بنظریة التطور کالآتی :

تجابه الحشرات مخاطر عدیدة أثناء دفاعها عن صغارها ویتساءل العلماء فی مجال الحشرات عن السرّ فی عدم انقراض هذه الخصلة (خصلة الدفاع والحمایة) أثناء عملیة التّطور، لأنّ وضع البیض بأعداد کبیرة أفضل استراتیجیاّ من اتباع وسیلة الدّفاع المحفوفة بالمخاطر و المهاک (89).

ویعلّق دوغلاسن.و.تللانی أحد دعاة التّطور على هذا التّساؤل المحیّر و یرى أنّه یجب أن تنقرض هذه المیزة حسب فرضیّات نظریة التّطور, ولکنّ الموجود والملاحظ فی الطّبیعة أنّها لا تزال موجودة و بصور عدیدة سواء فی عالم الحشرات أو غیرها ولیس دفاعا عن الصّغار فحسب بل عن الکبار أیضا. ونورد أیضا المثال الآتی عن التّضحیة فی سبیل الأحیاء الصغیرة وهو متعلّق بسلوک حشرة الدانتیلا التی تعیش فی المناطق الجنوبیّة الغربیّة من أمریکا وتتّخذ من بعض النّباتات وخاصة at?s?rgan مسکنا لها، وأنثى هذه الحشرة تسهر على حمایة بیضها والیرقات التی تخرج منها وتضحّی بنفسها فی سبیل ذلک. وألدّ أعداء هذه الیرقات هی حشرة "k?z" والتی تتمیّز بمقدمة فمها الشبیه بالمنقار ویکون صلبا وحادّا. وتلتقم هذه الحشرة الیرقات فی لقمة سائغة, ولا تملک حشرة "الدانتیلا" أیّ سلاح فعّال تجاه أعدائها سوى الضّرب بجناحیها وامتطاء ظهور خصومها لإزعاجهم وإبعادهم. وفی تلک الأثناء تنتهز الیرقات فرصة انشغال الأعداء بالصّراع مع الأمّ للهرب باقتفاء العرق الرئیسی للورقة النّباتیة التی یعیشون علیه و یتّخذون هذا العرق طریقا رئیسیّا للانتقال إلى ورقة أخرى طریّة وملتویة للاختفاء داخلها. و إذا استطاعت الأنثى أن تنجو بحیاتها فإنّها تتّبع طریق صغارها إلى الورقة التی اختفوا داخلها وتتولّى حراستهم ورعایتهم فی غصن تلک الورقة قاطعة الطّریق أمام الأعداء الذین قد یکونون تتبّعوها إلى تلک الورقة. وأحیانا تنجح هذه الحشرة فی طرد حشرات "k?z" ثمّ تمنع یرقاتها من الذّهاب إلى أیّة ورقة طریة أخرى اعتباطا وإنما تختار هی بنفسها الورقة الأکثر أمنا و اتخاذها ملجأ لهم. وغالبا ما تموت هذه الحشرات عند الدّفاع عن یرقاتها ولکنّها توفّر لهذه الیرقات امکانیة الهرب والاختفاء عن نظر الأعداء (90).

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد