الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

بطریق الإمبراطور و صبره الخیالی

بطریق الإمبراطور و صبره الخیالی

هناک حیوان یظهر عزما غریبا فی الحفاظ على بیضه وصبرا لا مثیل له وتفانیا مثیرا للدّهشة, وهذا الحیوان هو بطریق الإمبراطور. فهذا الحیوان یعیش فی القطب الجنوبی الذی یتمیز بظروف بیئیّة قاسیة جدّا. تبدأ أعداد کبیرة من هذا الحیوان تقدر ب 25000بطریق رحلتها للتزاوج, و یقدر طریق الرّحلة بعدة کیلومترات لاختیار المکان المناسب للتزاوج, وتبدأ هذه الرّحلة فی شهر مارس وأبریل (بدایة موسم الشتاء فی القطب الجنوبی ), ومن ثم تضع الأنثى بیضة واحدة فی شهر مارس أو حزیران. والزّوج من البطریق لا یبنی عشّا لبیضته بل لا یستطیع ذلک لعدم وجود ما یبنی به فی بیئة مغطاة بالجلید. بید أنّه لا یترک بیضته تحت رحمة برودة الجلید لأن هذا البیض معرض للتّجمد بمجرد تعرضه لبرودة الجلید القاسیة, لذا یحمل بطریق الإمبراطور بیضه على قدمیه و یقترب الذّکر من الأنثى بعد وضعها للبیضة الوحیدة بعدّة ساعات لاصقاصدره بصدرها ویرفع البیضة بقدمیه. ویحرص کلاهما أشدّ الحرص على ألاّ تمسّ البیضة الجلید, ویقوم الذکر بتمریر أصابع قدمیه تحت البیضة ومن ثمة یرفع الأصابع لیدحرج البیضة باتّجاهه. وهذه العملیّة تتم بکل هدوء وإتقان لتجنب کسر البیضة. وأخیرا یقوم بحشر البیضة تحت ریشه السّفلی لتوفیر الدّفء اللازم .

وعملیة وضع البیضة تستهلک معظم الطّاقة الموجودة فی جسم الأنثى لذا فإنّها تذهب إلى البحر لتجمع غذاءها وتسترجع طاقتها فی حین یبقى الذکر لحضن البیض, و تتمیز فترة حضن البیض لدى بطریق الإمبراطور بصعوبة مقارنة بباقی أنواع الطّیور إضافة إلى حاجتها الشّدیدة للصّبر من جانب الذکر, فهو یقف دون حراک مدة طویلة و إذا لزمت الحرکة فإنّه لا یفعل ذلک إلاّ لأمتار قلیلة براحة القدمین. وعند الخلود إلى الراحة یستند الطیر على ذنبه کما لو أنّه قدم ثالث ویرفع أصابع قدمیه بصورة قائمة کی لا تلمس البیضة الجلید. ومن الجدیر بالذّکر أنّ درجة الحرارة فی الأقدام المغطّاة بالرّیش السّفلی أکثر ب:80 درجة عن المحیط الخارجی لذلک لا تتأثر البیضة بظروف البیئة الخارجیة القاسیة .

وتزداد ظروف البیئة قسوة کلما تقدم فصل الشتاء بأیامه وأسابیعه حتى أن الریاح والعواصف تبلغ سرعتها 120-160 کم فی الساعة, وبالرغم من ذلک یبقى الذکر ولمدة أشهر دون غذاء ودون حراک إلاّ للضّرورة ضاربا مثلا مثیرا للدّهشة فی التّضحیة من أجل العائلة, وتبدی العائلة تضامنا کبیرا لمقاومة البرودة القاسیة إذ أنّ حیوانات البطریق تتراصّ واضعة مناقیرها على صدورها وبذلک یصبح ظهرها مستویا ومشکّلة دائرة فیما بینها وسدا منیعا من الرّیش فی مواجهة البرد القارس. وتحدث هذه العملیة بإخلاص و تنظیم دقیق دون أن تحدث أیة مشکلة بین الآلاف من هذه الطّیور المتراصّة, وتظل هکذا لمدة أشهر عدیدة بصورة من التعاون المدهش والمثیر للحیرة والإعجاب. فحتّى الإنسان تصیبه مشاعر الملل و الأنانیة فی هذه الظروف القاسیة رغم کونه مخلوقا عاقلا یسیر وفق مقاییس أخلاقیة و عقلیة. ولکن البطریق یبقى متعاونا متکاتفا ویعمل الفرد من أجل المجموعة بأکمل صورة ممکنة، والتّضحیة التی یبدیها هذا الحیوان للحفاظ على البیض تحت هذه الظروف القاسیة تعتبر منافیة لمفاهیم نظریة التّطور التی تدّعی أنّ البقاء للأصلح والأقوى و نکتشف أنّ الطّبیعة لیست مسرحا للصّراع بل معرضا للتفانی والتضحیة التی یبدیها القوی للحفاظ على حیاة الضعیف. وبعد ستین یوما من الظّروف القاسیة یبدأ البیض فی الفقس، ویستمر الذکر فی تفانیه من أجل الصّغیر علما أن هذا الذکر لم یتغذ أبدا طیلة فترة الرّقود على البیض. ومن المعلوم أن البطریق الخارج لتوّه من البیض حیوان ضعیف و صغیر یحتاج إلى تغذیة و عنایة مستمرّة فیفرز الذکر من بلعومه مادة سائلة شبیهة بالحلیب یتم إعطاؤها للفرخ الصغیر لیتغذى علیها. و فی هذه الفترة الحرجة تبدأ الإناث فی العودة وتبدأ بإصدار أصوات ممیزة فیردّ علیها الذکور بصوت مقابل وهذه الأصوات هی نفسها التی استخدمت فی موسم التزاوج وبواسطتها یعرف الذکر والأنثى بعضهما البعض. وقد وهب الله سبحانه وتعالى هذه الحیوانات قدرة التمییز بین الأصوات وهو اللّطیف الخبیر .

وتکون الأنثى قد تغذت جیدا طیلة فترة الغیاب ویکون لدیها مخزون جید للغذاء, وتضع هذا المخزون أمام الفرخ الصغیر و هو أوّل طعام حقیقی یتناوله بعد خروجه من البیض. وقد یتبادر إلى الذهن أن عودة الأنثى تعنی خلود الذکر للرّاحة ولکن هذا لا یحدث أبدا, فالذّکر یظل على اهتمامه ورعایته لمدة عشرة أیام أخرى ویقوم خلالها بمسک الفرخ الصغیر بین قدمیه, ثم یبدأ رحلة بعد ذلک إلى البحر لیتغذى بعد حوالی أربعة أشهر من الصیام عن الحرکة والغذاء. و یظل الذّکر غائبا من ثلاثة إلى أربعة أسابیع یعود بعدها إلى الاهتمام بالفرخ کی ترجع الأنثى بدورها إلى البحر لتصیب من الغذاء ما تیسّر لها. تکون هذه الفراخ الصغیرة فی المراحل الأولى من حیاتها غیر قادرةعلى تنظیم حرارة أجسامها لذا تکون معرضة للموت فی حالة ترکها وحیدة تحت ظروف البرد القاسیة، لذلک یتناوب الذکر والأنثى فی عملیة الحفاظ على حیاة الصّغیر وتوفیر الدّفء والغذاء له

(62).

وکما هو واضح فی هذا المثال فکلاهما یتفانى ویضحی حتّى بحیاته إذا اقتضى الأمر فی سبیل الحفاظ على حیاة الفرخ الصغیر. إنّ الإلهام الإلاهی هو التّفسیر الوحید لهذه التضحیة والتعاون الذیْن یبدیهما الذکر والأنثى للحفاظ على حیاة الصغیر. إنّ المتوقع من هذا الحیوان غیر العاقل أن یترک هذا البیض وشأنه ویفکر فی الخلاص والنجاة من البرد القاسی إلا أن لطف الله سبحانه وتعالى بهذه الحیوانات جعلها ترأف ببیضها وفرخها وتظهر هذه الصورة الرائعة من التکاتف والتعاون والتضحیة.

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد