الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

المـــــدخل

المـــــدخل

إن نظریة التطور لتشارلس داروین قد فقدت مصداقیتها بشکل شبه کلّی عند اقتراب القرن الحادی والعشرین، وهذه النظریة قد تبنّاها بعض المؤمنین بالفکر المادّی عند بدایات القرن العشرین و حاولوا تلقینها للناس وعملوا على إثبات صحّتها وفرضها على کونها حقیقة علمیة ثابتة ولکن هذه المحاولات باءت بالفشل وثبت إفلاس أصحابها فکریّا، والعامل الرئیسی لفشل هذه النظریة هو التطور الکبیر الّذی طرأ على بعض فروع العلم والتی لها صلة مباشرة بهذه النظریة مثل علم الأحیاء المجهریة و الکمیاء الحیویة و علم المتحجرات. وثبت بعد هذا التطور فی هذه العلوم أنّ الحیاة لم تنشأ بالصدفة ولم تتطورخطوة خطوة کما تدّعی هذه النظریة وثبت استحالة تبنّی هذه الفکرة أصلا ،(للمزید من التفاصیل یرجى الإطلاع على فصل"خطأ نظریة التطور"). وعجزت هذه النظریة المفلسة فی إیراد الأدلة العلمیة المقنعة بشأن أصل الأنواع الحیة, وعجزت أیضا عن الإجابة على التساؤلات الواردة بشأن الخصائص المتمیزة لبعض الکائنات الحیة وأصلها.

وهذا العجز بالذات جعل المؤمنین بهذه النظریة فی مأزق حقیقی، ویقوم هذا الکتاب بشرح وتحلیل "التضحیة لدى الکائنات الحیة" کأحد الخصائص المتمیّزة لبعض الکائنات الحیة.

ویمکن مشاهدة هذه التضحیة فی الطبیعة باستمرار، کذلک یمکن ملاحظة التکافل والتعاون بین الکائنات الحیة بجلاء إضافة إلى الرأفة فی العلاقات الرابطة بینها. کل هذه الظواهر الطبیعیة شکلت تساؤلات أمام نظریة "التطور" ولم تستطع الإجابة عنها، یاترى ما سبب ذلک؟

کان داروین وهو یدعی نظریته هذه یعتمد على آلیة فکریة یکمن جوهرها فی مفهوم الإنتخاب الطبیعی وهی آلیة لا تعتمد أساسا على نقد أو تحیل موضوعی، وحسب تفکیر داروین فإن أصل الأنواع الحیة کلها یرجع إلى جد واحد ووجودهم فی ظروف طبیعیة مختلفة أدّى إلى إختلافهم فیما بعد عن بعضهم البعض کتکیف مع الظروف الموجودة، وإن الأنواع التی أبدت تکیّفا ناجحا وفقا للظروف الطبیعیة التی وجدوا فیها قد أکتسبت صفات جدیدة أورثتها للسلالات التی جاءت بعدها، لهذا السبب فإن الأنواع التی أبدت تکیفا هی الأقوى بالنسبة للتجاوب مع قوة الظروف المحیطة بها ونجحت فی البقاء والإستمرار، وإن فرضیة داروین هذه یعبّر عنها بالبقاء للأقوى أی الأفراد الأقویاء یصلحون للبقاء أحیاء والضعفاء معرّضون للفناء .

والطبیعة على ضوء هذه الفرضیة یمکن تعریفها استنادا لما جاء فی مقولة جولیان هکسلی الذی یعتبر أحد الأصدقاء المقرّبین من داروین و المدافعین بشدّة عن نظریته کما یلی : "هی حلبة یتمّ انتقاء الأقوى والأصلح فیها من الأضعف والفاشل، ولا مناص من هذا الإنتقاء" .

والسؤال الذی یطرح نفسه: هل صحیح أنّ الطبیعة کما یدّعی أصحاب نظریة التطوّر هی حلبة یتمّ فیها النصر للأقوى والأصلح ویسحق فیها الأضعف ویعرض للفناء بمنتهى الأنانیة والقوة کشکل من أشکال الحیاة ؟ .

ویمکن الإجابة عن هذا السؤال عبر ملاحظة أشکال الحیاة فی الطبیعة ، ومن الطبیعی أن تقوم الکائنات الحیة فی الطبیعة ببذل جهد کافٍ للعیش والدّفاع عن النفس، حیث ان کل کائن حیّ یجب أن یقوم بالصید للحفاظ على حیاته أو الدفاع عن نفسه، ولکن المسرح الطبیعی للأحیاء لا یتألف من هذین المشهدین فقط بل یمکن ملاحظة مشاهد فی الطبیعة تنطق بأنبل أنواع التضحیة تقوم بها الحیوانات لصالح أفراخها وجماعاتها أو حتى تجاه حیوانات أو أنواع أخرى. و إضافة إلى التضحیة فان التکافل والتعاون أو الأخذ بید حیوان آخر والعمل على إنقاذه یعتبر من الممیزات السلوکیة التی یمکن مشاهدتها بکثرة فی عالم الطبیعة .

وهذه الممیزات السلوکیة فی عالم الطبیعة عجزت نظریة التطور عن شرحها بیان أسباب حدوثها, وثبت أن الطبیعة لیست مسرحا للحرب کما یدّعى وأنّ الحیاة فی الطبیعة قد أثبتت إفلاس نظریة التطور وعجزها کلیا، ومثال على ذلک : لماذا یعود الحمار الوحشی (زیبرا) هاربا من مفترسیه لیلفت انتباههم إلى ناحیته بدلا من القطیع الذی قدم منه مستهدفا إنقاذه و مضحیا بحیاته فی سبیل ذلک، هذا التساؤل تعجز نظریة التطور عن الإجابة عنه، وکذلک السلوک الغریب لسمکة " أتارینا " کما سنرى فی الفصول القادمة فهی تعرّض حیاتها للخطر خارجة من الماء إلى السواحل الرملیّة للتبییض ومع ذلک فإن قانون الإنتخاب الطبیعی لم یستطع إزالتها من مسرح الطبیعة. وفی الصفحات القادمة ستجدون ما یجعلکم تشعرون بالحیرة والدهشة إزاء کائنات حیوانیّة غیر عاقلة وغیر منطقیة, والإنسان اللّبیب والمنصف وحده هو الذی یستطیع أن یرجع أصل هذه السلوکیات المتمیزة إلى الله الخلاّق العلیم والمتصرّف وحده فی خلقه لأن الحق سبحانه وتعالى یقول فی کتابه المبین : "واختلاف اللیل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحیا به الأرض بعد موتها وتصریف الریاح آیات لقوم یعقلون ". "سورة الجاثیة ، الآیة 4"

إحدى المعضلات التی واجهتها نظریة التطور: المنطقیة فی سلوک الحیوانات.

فمن المعروف أن الإنسان هو الکائن الحی الوحید الذی تحکمه العقلانیة والمنطقیة فی السلوک, فبالإضافة إلى ممیزاته البدنیة فإن المیزة الفریدة التی جعلته على صعید مختلف عن باقی الکائنات الحیة هی العقل والمنطق، وعلى ضوء ذلک فإن الإنسان یتمیز بمحاسبة النفس والتفکیر والتخطیط واستشراف المستقبل فضلا عن رد الفعل تجاه الأحداث الحاصلة والتدبّر وکذلک السیر نحو هدف معیّن کلّ هذه الصفات السلوکیة خاصة بـالإنسان. أما الکائنات الحیة الأخرى الموجودة فی الطبیعة فلا تملک هذه الصفات، لهذا السبب فلا یمکن لنا أن ننتظر من الحیوانات أنماطا سلوکیة مشابهة للإنسان کالتخطیط والتقدیر أو القیام ببعض الحسابات کالتی یقوم بها بعض المهندسین .

إذن، فکیف لنا أن نجیب عن بعض الظواهر السلوکیة المنطقیة فی الطبیعة ؟

حتى إنّ بعض الحیوانات التی تتصف بهذه السلوکیات المنطقیة لا تملک مخّا أصلا، وقبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من الإطلاع عن کثب عن بعض هذه السلوکیات لمعرفة کنه هذه السلوکیات ومنشئه.

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد