الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

أمثلة من حیاة الأنبیاء و المؤمنین

أمثلة من حیاة الأنبیاء و المؤمنین

 

إن الکفاح ضد الکفر والشرک شکل جزءا کبیرا من جهود الأنبیاء والمؤمنین المخلصین الذین جاؤوا من بعدهم. وعباد الله هؤلاء واجهتهم أحداث جمة کانت فی ظاهرها تبدو سلبیة، ولکن عندما دخلوا فی غمارها وخاضوا تجربة تلک الابتلاءات تبین صدق معدنهم وسلامة إیمانهم؛ فمع شدة البلاء کانوا یحسون بالأمن والطمأنینة، فقد کان الاعتقاد الراسخ لدیهم أنه لاشیء فی الکون یسیر فی استقلال عن مشیئة الله تعالى. وهذه المعرفة هی التی أعانتهم على تبنی موقف إیجابی ...

لقد عاش رسل الله تعالى وأتباعهم من المؤمنین حیاتهم واثقین من أن الله سوف یکون معهم ویشد أزرهم فی أوقات الشدة, وأن کل شیء سوف یسفر عن الخیر لهم, فبنوا على هذه الحقیقة جمیع أعمالهم وتطلعاتهم . إن تلک المیزة السامیة المستمدة من إیمان عمیق, تضع النموذج الأمثل لکافة المؤمنین.

 

اعتداءات الکافرین بألسنتهم

نفهم مما قصه علینا القرآن الکریم أن المؤمنین واجهوا زمرًا من الکافرین والمنافقین الذین اعتمدوا کل وسیلة وطریق لیمنعوهم عن المضی فی طریقهم والعدول عن دعوتهم. والقرآن الکریم ینقل لنا صورة واضحة عن اللغة المهینة التی کانوا یتعاملون بها مع عباد الله المؤمنین:(لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوَالِکُم وَأَنْفُسِکُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الکِتَابَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا أَذًى کَثِیرًا وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِکَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (سورة آل-عمران:186).

فی هذه الآیة یبین الله سبحانه وتعالى أن الکذب والبهتان والوشایة التی بدت سیئة للمؤمنین, هی فی الحقیقة, خیر.

وفی آیة أخرى یورد الله تعالى هذه الحقیقة من خلال نموذج آخر وقع فی عهد نبینا محمد صلى الله علیه وسلم, قال تعالى: (إِنَّ الذِینَ جَاؤُوا بِالإِفْکِ عُصْبَةٌ مِنْکُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَکُمْ بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ لِکُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اکْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَ الَّذِی تَوَلَّى کِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِیمٌ) (سورة النور:11) .

إنّ تلک الظروف التی واجهها المؤمنون فی الماضی کانت الوسیلة التی استخدمها الکافرون بحرص لیصرفوا بها المؤمنین ویصدوهم عن التمسک بدین الإسلام. ومع ذلک فإن المؤمنین ظلوا ثابتین, مطمئنین إلى حقیقة أن هذه المحاولات السافلة سَتؤُُول فی النهایة لصالحهم, وأن قضیتهم سوف تنتصر. ولهذا فهم ردوا على تلک الوشایات والاعتداءات اللفظیة بکل اعتدال وحکمة؛ لم ینسوا ولو للحظة أن الصبر والثقة بالله کانت هی التی توصلهم إلى الفوز والنجاح.

واقتداء بتلک النماذج من الماضی على المؤمنین الیوم أن یخضعوا أنفسهم لقدر الله, وأن  یوقنوا بحقیقة أنه ما من شیء یحدث إلا وفق غایة إلهیة. فالمؤمن الذی یحیى بهذه المبادئ سینال أیضا أعظم  الجزاء فی الدنیا لأن الله تعالى یعد عباده الذین یتوکلون علیه بالمدد والعون، ویطمئنهم بأنهم لن یقعوا بحوله تعالى فی "مأزق" أبدا, قال تعالى: (إِنْ یَنْصُرْکُمْ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَکُمْ وَإِنْ یَخْذُلْکُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِی یَنْصُرُکُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْیَتَوَکَّل الْمُؤْمِنُونَ ) (سورة آل عمران:160).

 

اعتداءات  الکافرین الفعلیة

على مر التاریخ کانت المجتمعات الضالة الکافرة تعتقد أن التزام المؤمنین بدین الله وتطبیقهم لمبادئه ونشرهم لرسالته تهدیدا لهم. ولهذا, ومن أجل تثبیط المؤمنین وإضعاف معنویاتهم, استخدموا الأسالیب الشریرة مثل القدح والخداع. وفی أحیان کثیرة أخرى, لم یترددوا فی استخدام أسالیب أکثر شدة وقسوة, مثل التهدید والتعذیب والأسر أو إخراج هؤلاء المؤمنین من بیوتهم. 

إنّ ما تعرض له المؤمنون من سوء معاملة فی خضم صراعهم مع الکافرین هو دلیل واضح على غطرسة هؤلاء الکافرین. وولکن المؤمنین کانوا یدرکون دائما الخیر فی ذلک الإیذاء, موقنین أن الله تعالى کتب لهم ذلک لحکمة یعلمها. فهم کانوا على علم تام أنّ البر هو الصبر و التوکل على الله تعالى. والله تعالى یصف لنا شیمتهم تلک على النحو التالی: (لَیْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَکِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالیَوْمِ الآخِرِ وَ الْمَلاَئِکَةِ وَ الکِتَابِ وَ النَّبِیِّینَ وَ آتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِی القُرْبَى وَالیَتَامَى وَالمَسَاکِینَ وَابْنَ السَّبِیلِ وَالسَّائِلِینَ وَ فِی الرِّقَابِ وَ أَقَامَ الصَّلاَةَ وَ آتَى الزَّکَاةَ وَ المُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِینَ فِی الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِینَ البَأْسِ أُولَئِکَ الذِینَ صَدَقُوا وَأُولَئِکَ هُمْ الْمُتَّقُونَ) (سورة البقرة :177)

إِنَّ بَعض هذه السمات الإیجابیة للشخصیة المؤمنة قد ذکرت من خلال قصة وردت فی سورة الأحزاب, حیث تقص علینا حادثة وقعت فی عهد النبی صلى الله علیه وسلم. ففی معرکة الأحزاب ابتلی المؤمنون ابتلاء شدیدا عندما اجتمع علیهم الکفار من کل جانب. وفی ظروف صعبة کتلک, ابتدع المنافقون والذین فی قلوبهم مرض العدید من الأعذار الواهیة, و بالتالی کشفوا على حقیقتهم. وفی هذه الأوقات العسیرة عرف المنافقون بعد أن  ظلوا لفترة , مندسین فی مجتمع المؤمنین. وتقهقر المنافقون الذین کانوا مثل السرطان الذی ینخر فی الجسم, وتخلص منهم المؤمنون الصادقون, ومع ذلک فقد تواصل دعم  الله تعالى وتأییده لعباده.

فبینما تصرف المنافقون بمهانة, کان المؤمنون على یقین بإدراک الخیر فی النهایة فی ما واجهوه من صعاب. لقد أدرکوا أنهم یمرون بما أخبرتهم به آیات القرآن الکریم, وبالتالی, ازدادوا إیمانا وإخلاصا لله تعالى: (وَ لَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَ مَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِیمَانًا وَ تَسْلِیمًا) (سورة الأحزاب: 22).

إنّ هذا النموذج یشیر أیضا إلى أمر مهم وهو أن الظرف القاسی الصعب قد یخلص فی النهایة إلى أن یکون نعمة عظیمة للمؤمنین بینما یقود الضالّین الذین فشلوا فی إدراک الخیر إلى مزید من الجحود. وهنا فإن هذه الأحداث قد ساهمت فی إحباط جهود الکافرین, إضافة إلى تمییز الخبیث من الطیب من المؤمنین. فسورة الأحزاب تبین کیف أنّ الکافرین فشلوا فی إحراز النصر وعادوا أدراجهم فقط بما یحملوه من حنق وکره بغیض, قال تعالى: (وَ رَدَّ الله الَّذِینَ کَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنَالُوا خَیْرًا وَ کَفَى اللهُ المُؤْمِنینَ القِتَالَ وَ کَانَ الله قَوِیًّا عَزِیزًا) (سورة الأحزاب: 25)  

 

   هجرة المسلمین

    إنّ التخلّی عن المال والممتلکات إذا لزم الأمر, والهجرة إلى مکان آخر هی نوع من أنواع العبادة کما ذکر فی القرآن الکریم ولهذا, فإن المسلمین الذین یهاجرون فی سبیل الله یرون دائما الخیر فی ذلک الإخراج القمعی لهم من بیوتهم. فالذین یهاجرون فی سبیل الله قد ذکروا فی القرآن الکریم من بین هؤلاء الذین بإمکانهم أن یرجوا رحمة ربهم, قال تعالى: (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللهِ أُولَئِکَ یَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَ اللهُ غَفَورٌ رَحِیمٌ) (سورة البقرة:218).

من مظاهر الجهل الاعتقاد بأن الفرار من الموطن بسبب الظّلم والاغتراب فی بلد آخر بسبب القهر, هو بلیّة ومصیبة، وهو ما یلقی بحیاته فی الفوضى. والمؤمنون منذ البدایة کانوا على قناعة بأنهم سوف لن یلقوا القبول من قبل الکافرین والمنافقین. فمثل هذا الاضطهاد هو فی الحقیقة تجلّ لحقیقة  آیات الله تعالى. ومن هنا فإن المؤمنین الذین یهاجرون أو الذین یلقى بهم بعیدا عن أوطانهم یواجهون دوما ظروفا کتلک بحماس کبیر.

إنّ الأخلاق العالیة الرفیعة للمؤمنین الذین عاصروا نبی الله سیدنا محمد صلى الله علیة وسلم, وإیمانهم الراسخ هو أفضل نموذج للمؤمنین فی هذا العصر. فهمّهم کسب رضى الله تعالى من خلال طاعة النبی صلى الله علیه وسلم, وهذا ما جعلهم على استعداد لتحمل جمیع أشکال الصعاب عن طیب خاطر. فهم لم یترددوا فی ترک أوطانهم وتخلیهم عن کل ما یملکون عندما اقتضت مصلحة المسلمین ذلک.

وفی مقابل ذلک, وعدهم الله تعالى بالجنة والرحمة والرضوان وذلک جزاء تمسکهم بأخلاق القرآن الکریم.. ولاشک أن الله سوف یصدق وعده لعباده!  قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّی لاَ أُضِیعَ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُکُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِینَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ وَأُوذُوا فِی سَبِیلِی وَقَاتَلُوا وَ قُتِلُوا لأُکَفَِّرَنَّ عَنْهُمْ سَیِّئَاتِهِمْ وَلأَدُخْلِنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارِ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَ اللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (سورة آل عمران: 195)

   وإضافة إلى ثواب الله تعالى فی الآخرة, فإن الله تعالى یبشرهم بالرزق الکثیر فی الدنیا. وقد ذکر الله تعالى ذلک فی سورة النساء فقال: (وَ مَنْ یُهَاجِرْ فِی سَبِیلِ اللهِ یَجِدْ فِی الأَرْضِ مُرَاغَمًا کَثِیرًا وَ سَعَةً وَمَنْ یَخْرُجْ مِنْ بَیْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ یُدْرِکُهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَ کَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِیمًا ) (سورة النساء:100).

وقال تعالى: (وَ الَّذِینَ هَاجَرُوا فِی الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِی الدُّنْیَا حَسَنَةً وَ لأَجْرُ الآخِرَةِ أَکْبَرُ لَوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ الَّذِینَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ) (سورة النحل :41-42).

 

سیدنا محمد صلى الله علیه وسلم وتوکّله القُدوة

لقد واجه سیدنا محمد صلى الله علیه وسلم شأنه شأن جمیع الأنبیاء الآخرین, العدید من الصعاب طوال حیاته, فکان النموذج المثالی لکل المسلمین من خلال صبره وإیمانه بالله تعالى. وهناک مواقف کثیرة تبین عن سمو أخلاقه وعلو همته ذکرها لنا القرآن الکریم.

فعندما غادر النبی صلى الله علیه وسلم مکة, تبعه الکافرون بغرض قتله. فلجأ إلى الغار مع صاحبه أبی بکر الصدیق. وأثناء تقصیهم تمکن الکفار أخیرا من الوصول إلى مدخل هذا الغار. وفی هذه اللحظة العصیبة, نصح سیدنا محمد علیه الصلاة والسلام صاحبه بأن لا یحزن وذکره بالتوکل على الله.

قال تعالى: (إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِینَ کَفَرُوا ثَانِیَ اثْنَیْنِ إِذْ هُمَا فِی الْغَارِ إِذْ یَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأْنَزَلَ اللهُ سَکِینَتَهُ عَلَیْهِ وَأَیَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَ جَعَلَ کَلِمَةَ الَّذِینَ کَفَرُوا السُّفلى وَ کَلِمَةُ اللهِ هِی العُلْیَا وَ الله عَزِیزٌ حَکِیمٌ) (سورة التوبة: 40).

فالذی جعل النبی صلى الله علیه وسلم لا یشعر بالخوف أو القلق فی تلک اللحظة, وحیاته فی خطر کبیر,إنما هو توکله على الله و ثقته به وإدراکه أن الله تعالى ما قضى شیئا فی قدر أحد إلا لهدف وغایة. وأخیرا وصل سالما لغایته أی المدینة المنورة. ومن هنا بدأت الهجرة التی کانت أعظم حدث فی تاریخ الإسلام.

 

الخلق السامی لموسى علیه السلام

یوضح لنا القرآن الکریم ببیان مفصل صراع سیدنا موسى علیه السلام مع فرعون, الذی تجبر فکان من أکثر الحکام طغیانا فی التاریخ. لقد رد فرعون على رسالة الله التی أوصلها إلیه موسى علیه السلام بالتهدید و الوعید . إنّ سمو أخلاق موسى علیه السلام وثقته بالله وتوکله علیه عندما کان وجها لوجه مع فرعون الذی لجأ إلى کل وسیلة لیبعده عن سبیل الله, لهو خیر مثال یحتذى به للمؤمنین جمیعا. 

  و القرآن الکریم یوضح تلک الفترة من بعثة موسى علیه السلام ، ففرعون الذی حکم مصر فی ذلک الوقت مارس قهر استبدادیا على بنی إسرائیل. ومن ناحیة أخرى, کان سیدنا موسى علیه السلام و قومه أقلیة فی البلاد. وهکذا ومن وجهة نظر الجاهل, الذی یحکم على الأشیاء فقط من ظاهرها لاعتقاده بأن الغلبة دائما للأقوى, قد یتوقع أنّ الفوز لفرعون. لکن, لم یکن الأمر کذلک, بل على النحو الذی وعد به الله تعالى: (کَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِی إِنَّ اللهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ) (سورة المجادلة :21).

والله تعالى حقق وعده الذی وعده لرسله ومنح سیدنا موسى علیه السلام النصر على فرعون. فالله تعالى أیده بنصره وشد أزره بأخیه هارون. وبالإضافة إلى ذلک وهب الله تعالى سیدنا موسى علیه السلام معجزات کثیرة, و میزه عن الخلق کافة بتکلمه تعالى معه. ومن هنا نستطیع أن نستخلص العبر من نضال سیدنا موسى علیه السلام. فهو یکشف بوضوح کیف أن ما قد یبدو سلبیا للمؤمنین, بإمکانه فی لحظة أن ینقلب لمصلحتهم بإذن الله تعالى.

وتأتی هذه الحادثة لتثبت ذلک، حیث انطلق فرعون وجنوده لیمسکوا بموسى علیه السلام ورفاقه بعدما فروا من مصر. وما إن وصل بنو إسرائیل البحر حتى أوشک فرعون وجنوده على الإمساک بموسى ومن معه. و فی تلک اللحظة, کانت کلمات سیدنا موسى علیه السلام  مؤثرة ؛ مع أن فرعون وجنوده کانوا قد أصبحوا غیر عاجزین عن الإمساک بهم, ولم یبق أمامهم من مفر, فهو لم ییئس من نصر الله تعالى لهم, فاحتفظ برباطة جأش کانت حقا مثالا یحتذى. وقد قص علینا القرآن الکریم هذه القصة کما یلی: (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِینَ فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَکُونَ قَالَ کَلاَّ إِنَّ مَعِی رَبِّی سَیَهْدِینِ فَأَوْحَیْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاکَ البَحْرَ فَانْفَلَقَ فَکَانَ کُلُّ فِرْقٍ کَالطَّوْدِ العَظِیمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِینَ وَأَنْجَیْنَا مُوسَى وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِینَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِینَ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَةً وَمَا کَانَ أَکْثُرُهُمْ مُؤْمِنینَ وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهوَ العَزِیزُ الرَّحِیمُ ) (سورة الشعراء :60-68)

لقد لفت الله تعالى نظرنا فی هذه القصة إلى أخلاق سیدنا موسى علیه السلام الممیزة طوال  نضاله الشاق. فقد أبقى عقله على الدوام منشغلا  بذکر نصر الله له, ورأى الخیر فی کل ما حصل له, حتى فی أحلک الظروف والأوقات التی مرت به, تمکن من غرس ثقته بخالقه وحرص على إخلاصه له وحده.

 

سیدنا یوسف علیه السلام وتسلیمه الثابت لله تعالى

إنّ من أروع الأمثلة فی القرآن الکریم التی تُضرب مثلا على تحول حدث ظاهره سلبی لخیر المؤمنین هی قصة حیاة سیدنا یوسف علیه السلام.

  یوسف علیه السلام, منذ صباه و طوال حیاته, عرف بسلوکه الناضج فی المحن وإخلاصه القوی لله تعالى. وسلوکه فی الظروف الصعبة کان أعظم مثل للمؤمنین. سیدنا یوسف علیه السلام، کان الله تعالى یرعاه، وکان هو یلتمس الخیر فی کل ما ألم به، و کان على إدراک أن کل ما یلقاه من عَنَتٍ فهو من الله تعالى. وبالتالی, طوال حیاته, نظر إلى کل مناسبة على أنها اختبار وبقی دوما مخلصا ومتیقظا.

إن أول ما تعرض له سیدنا یوسف علیه السلام هو المعاملة الظالمة من قبل أخوته الذین شعروا بالغیرة منه. لقد ألقوه فی بئر وأبعدوه عن أبیهم. لکن الله تعالى حفظه بمرور رکب من المسافرین, فأنقذوا هذا الشاب الصغیر من البئر وباعوه لسید من أسیاد مصر. تأثرت زوجة هذا السید بجمال یوسف علیه السلام, "فحاولت إغواءه" کما یقص علینا القرآن الکریم. وهکذا, یوسف علیه السلام عومل مجددا  بجور وظلم. وهذه المرة اتهم ظلما من هذه المرأة. ومع أن الاستقصاء الذی أجری فی الموضوع  أظهر براءته علیه السلام إلا أنه سجن: (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآیَاتِ لَیَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِینٍ) (سورة یوسف:35).

فیوسف علیه السلام قد أوقع به فقط لأنه عفیف الخلق. ونتیجة لهذا الاتهام, أمضى یوسف علیه السلام  فی السجن مدة طویلة. وصبر فی وجه کل صعوبات الحبس, واضعا ثقته فی الله تعالى. وکما قص علینا القرآن الکریم, فبالطریقة التی قاد بها نفسه وإذعانه الأمثل  لله تعالى , کان حقًّا مَثلا یحتذى به لدى المؤمنین کافة.

حظی یوسف علیه السلام, بالجزاء العظیم, فی هذه الحیاة الدنیا والآخرة, جزاء له على صبره وثقته بالله, وإدراکه للخیر فی کل ما حصل له. فقد میزه الله بسلطة علیا على خزینة الدولة وجعله حاکما على هذه البلاد. وإدراکه للخیر فی کل ما حدث له ودعاؤه الله أخبرنا به الله فی محکم تنزیله: (وَرَفَعَ أَبَوْیهِ عَلَى العَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ یَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِیلُ رُؤْیَایَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّی حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِی إِذْ أَخْرَجَنِی مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِکُمْ مِنَ البَدْوِ مِنْ بَعْدِ مَا نَزَغَ الشَّیْطَانُ بَیْنِی وَ بَیْنَ إِخْوَتِی إِنََّ رَبِّی لَطِیفٌ لِمَا یَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ العَلِیمُ الحَکِیمُ رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ المُلْکِ وَعَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الأَحَادِیثِ فاَطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أنَْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنیَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِی مُسْلِمًا وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ) (سورة یوسف:100-101)

لقد کان فی هذه القصة أعظم مثل للجزاء الذی یناله المؤمنون مقابل إخلاصهم و توکلهم على الله تعالى. فمهما حدث للمؤمن الصادق من أمر, علیه أن یناضل لیمسک بالغایة وراء تلک الأحداث. علیه أن یلجأ إلى الله و یدعوه إلى مثل هذه البصیرة. على المسلم أن لا ینسى أبدا أن أی حدث, صغیرا أو کبیرا, مما قد یقلقه فی مسار حیاته, لابدّ أن تکون وراءه حکمة, فالقضاء والقدر سنة الله فی الأشیاء ولا تبدیل لها. فالله تعالى إنما یضع حکمته فی کل شیء وفیها الخیر للمؤمنین. وقد یکشف الله تعالى, هذه الحکمة وقد یبقیها کامنة والمؤمن الخیر من یوقن بوجودها. وعلى المؤمن أن یصبر على کل حال ویکون لسان حاله یقول "لعله خیر".

    

              

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد