الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

کسر الأصنام

إِنَّ اللّهَ لاَ یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَن یَشَاء وَمَن یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِیمًا ) النساء 48)





کسر الأصنام

یمثّل الشرک أسلوب عیش شائع فی المجتمعات التی لا تعرف الدین الصحیح. بغفلتهم عن الله، فإن هؤلاء الناس یتبنون آلهة مجتمعهم وبالتالی یشرکون بالله من دون أی تردد. ونتیجة لذلک، فإن معظم الناس لا یظنون أن أعمالهم تمثل عصیاناً على الله وأنه تعالى سیعاقبهم على جهلهم العقائدی. والأکثر من ذلک، فهم ینظرون بإزدراء إلى من یدعوهم إلى الإسلام وترک ما أشرکوا بالله. فی الواقع، فإنهم یجدون ذلک عجیب وغیر مفهوم.

لقد تصرف المشرکون فی عهد رسولنا الکریم(ص) بنفس الطریقة. فقد آمن هؤلاء بوجود الله ولکنهم قسموا أمورهم وشؤونهم بین آلهة متعددة أخرى. التجارة، الحب، الحرب، الزراعة- کلٌ له إلهه الخاص. فهذا النظام "الشرکی" بدا طبیعیاً ومنطقیاً بالکامل لهم، ولذلک، فقد تعجبوا عندما رفض الرسول (ص) هذه الآلهة ودعاهم لیؤمنوا بالله وحده:

وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْکَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ کَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَیْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِکُمْ إِنَّ هَذَا لَشَیْءٌ یُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِی الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) ( ص: 7-4)

إن إعلان الرسول (ص) أن لا إله إلا الله وأن جمیع الآلهة من صنع البشر لیس لها أیة قوة، کان إعلان مربک للمشرکین. وأحد أهم أسباب هذا الإرباک کان عجزهم عن فهم کیفیّة عمل نظام مبنی على عبادة إله واحد. فمن سینظم تجارتهم ویضبطها إذا هجروا إله التجارة؟ من سیعینهم على أرض المعرکة إذا هجروا إله الحرب؟ وإذا لم یکن هنالک إله للزراعة، کیف وممن سیطلبون الماء والزرع الجیّد؟ فبسبب عماهم العقائدی، لم یتمکنوا من إدراک أن جمیع هذه الآلهة لا قوّة لها:

(لإِیلافِ قُرَیْشٍ (1) إِیلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّیْفِ (2) فَلْیَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَیْتِ (3) الَّذِی أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) (قریش: 4-1)

إن الناس الیوم یقعون فی الخطأ نفسه. کیف، قد یسألون، سیستطیعوا العیش بعد ترک المبادئ والأشخاص الذین یعتبرونهم کالآلهة ویعبدون الله وحده؟ إن الجواب بسیط جداً: علیهم أن یدرکوا أن الله لدیه القدرة لأن یخلقهم، لأن یرزقهم، ینزل رحمته علیهم، یحمیهم ویحفظهم. إن مستخدمهم الذی یعملون لدیه لا یطعمهم عندما یقوم بدفع مرتبهم، ولکن الله تعالى یفعل ذلک، الذی خلق مستخدمهم وقدّر رزقه وجعله یدفع لهؤلاء أجورهم. إن الأحداث لا تحدث بالصدفة، ولکنّها تحدث بتدخل ربّانی متتابع، کل حدث وفق مشیئته تعالى. لقد خلق الله العالم بقدر وقد خضع له الناس کما ذکر لنا فی سورة التکویر إلى درجة لا یستطیعون معها أن یشاءوا شیئاً إلا أن یشاء هو سبحانه: ...مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِیَتِهَا إِنَّ رَبِّی عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیم (سورة هود:56)

قد یصوّر الشیطان للناس أن التحرّر من الشرک شیء صعب جداً ومعقد، وأن العیش بالتوحید والإیمان شیء مستحیل. إلا أن هذه الإدعاءات لیست إلا خوف مصدره من قال عن نفسه أنّه کذاب:

وَقَالَ الشَّیْطَانُ لَمَّا قُضِیَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَمَا کَانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلا تَلُومُونِی وَلُومُوا أَنْفُسَکُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَّ إِنِّی کَفَرْتُ بِمَا أَشْرَکْتُمُونِی مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ ( إبراهیم : 22)

فإذاً من غیر المنطقی للناس الذین یحاولون أن یکونوا مؤمنین صادقین ومخلصین أن ییأسوا بسبب وساوس الشیطان وتخویفاته الکاذبة.

إن تغییر صادق فی النیة یکفی للتحرّر من الشرک، لأن ذلک سیحوّل رؤیة الشخص من شرکیة إلى توحیدیة. بکلمات أخرى، لا داعی لتنویر کل الأماکن لکی یراها من یضع النظارات السوداء، فیکفی أن ینزع هذا الشخص نظارته فقط. إن الشرک یسد نور الحقیقة بنفس الشکل. إن نزع النظارة بحرکة واحدة هو أمر سهل والطریقة الوحیدة للتحوّل من الشرک إلى الإیمان والصفاء اللذان یحبّهما الله. وذلک لا یتضمن أکثر من قرار التوکل علیه تعالى قی کل الظروف والإلتزام و التمسک بأوامر القرآن ونواهیه. إن هذا الصدق والتصمیم لا شک سیصحبه عون من الله ورحمة، بالإضافة إلى الفلاح فی هذه الدنیا وفی الآخرة.

لا یهدی الناس إلى الصراط المستقیم إلا الله تعالى. فمن شاء إذاً أن یفوز برضوانه تعالى فعلیه أن یسأله دوماً الهدایة، عونه فی عیش حیاة إخلاص وصدق، والتیقن من أنه تعالى سیجیب دعوته. فعلیه أن لا یقع فی فخ التشاؤم الذی ینصبه الشیطان بتساؤله " کیف سأتمکن من تخطی کل ذلک ؟ کیف سأتوصل إلى الإیمان الخالص والنقی؟ " عوضاً عن ذلک، فعلیهم أن یفهموا أن الله سیوجّهم فی الإتجاه الصحیح ویحفظهم من کل إنحراف، شرط أن یظهروا الصدق والتصمیم. وسییسّر لهم تعالى العیش فی الطمأنینة والفرح الذان یصحبان هذا الإیمان.

إن الذین یهجرون آلهتهم المزیفة ویتوجهون إلى الله لن یشعروا أبداً بالفراغ والوحدة، بل على العکس، فإنهم سیبلغون السلام، الراحة، والأمان لأن الله تعالى یقول:

... ذَلِکُمْ یُوعَظُ بِهِ مَنْ کَانَ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِکُلِّ شَیْءٍ قَدْراً (3) ( الطلاق 3-2)

ولذلک، فإن الناس الذین هم مدرکون ونادمون أنهم یعیشون وهم مشرکون علیهم الإنتهاء فوراً من عبادة أصنامهم الزائفة، سواء کانت ممتلکاتهم، أموالهم أو أعمالهم. لا شیء مما یملکون یخصّهم فی الواقع. فحتى خبزهم الیومی لا یتوقف علیهم، وثروتهم الکبیرة قد أو قد لا تنتقل إلى أولادهم لیتمتعوا بها، وهکذا دوالیک. فالله تعالى فقط هو الذی بیده کل شیء وهو الذی یعطی الناس ما یشاء. بإدراکهم هذه الأمور، على الناس أن لا یصیبهم الفخر بما یملکون، بل علیهم التفکیر بأسلوب حیاتهم ونظرتهم العقائدیّة بتأنی والقیام بالتغییرات اللازمة. علیهم أن یدرکوا جیداً أن کل ما یملکون هو ملک لله وحده، أنه تعالى أمدّهم بما یملکون لیختبرهم به، وأنهم یجب أن یستخدموا هذه الأشیاء بطریقة ترضیه. بنیة تحریر أنفسهم من کل مشاعر الفخر والتملک، علیهم تحطیم هذه الآلهة بالکامل. فصدقهم فی هذا الأمر، لا یثبت إلا من خلال طریقة معیشتهم اللاحقة وتصمیمهم. فقد یتوجب علیهم إنفاق کل ما یملکون،عندما یلزم الأمر، فی سبیل الله، من دون أی تردّد أو قلق من المستقبل أو کیف سیتمکنوا من الحصول على وجبتهم التالیة. بتوکلهم الکامل على الله، علیهم التذکر دائماً أنه هو وحده تعالى الذی یرزقهم وأن یدرکوا أنهم عاجزین تماماً أمامه.

کما سبق ورأینا، فالفرق بین التوحید والإشراک هو عموماً یتعلق بالنیة وبالمنظور. لقد حطم رسولنا الکریم (ص) الأصنام داخل الکعبة، وأحرق موسى (ع) العجل ورمى برماده فی البحر. هذه الضربات وُجهت إلى تجلیات مادیة للوثنیّة، والتصرف ذاته یجب أن یطبق على الوثنیّة الرمزیة ( أو الخفیّة). فالمهم هو تحطیم مبدأ الوتثنیة والشرک، وذلک لا یتم إلا بتغییر الشخص لنیته ولمنظوره.

ولذلک، فإن التغییر العظیم الذی یختبره المؤمنون الجدد مکانه فی قلوبهم. فبینما قد یبقون على بعض الأمور من حیاتهم السابقة، إلا أنهم سیکون لدیهم منظور وفهم مختلفین کلیاً. بإختصار، فإن عاداتهم الإجتماعیة، معتقدات أسلافهم وأجدادهم، رغباتهم الخاصة وطموحاتهم، وأفکار بعض الناس، کل هذه الأمور ستخلوا من المعنى بالنسبة لهم، لأنهم سینظمون حیاتهم الجدیدة وفق القرآن الکریم لینالوا رضوان الله تعالى. بتوقفهم عن إرضاء آلهتهم الخاصة والوهمیّة، سیستسلمون لله خالقهم، کما قال النبی یوسف (ع)، عندما سأل: ...أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( یوسف: 39)

ثم قال یوسف (ع) هذه الکلمات التی تنطبق على کل المشرکین فی کل وقت :

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ( یوسف: 40)

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد