الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الشرک الخفی

إِنَّ اللّهَ لاَ یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَن یَشَاء وَمَن یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِیمًا ) النساء 48)




الشرک الخفی

حتى الآن، تکلّمنا عن الشرک فی معناه العام، أسبابه، کیف ینشأ، والأشکال التی یتخذها. فی هذا الفصل، سننظر إلى نوع أخطر من الشرک: الشرک الخفی.

لقد حذّر نبیّنا الکریم (ص) المؤمنین من هذا النوع من الشرک، وأعطى کمثل على هذا الشرک الخطیر الریاء، وهو حین یراءی الإنسان بأعماله. عن محمود إبن لبید:

خرج النبی (ص) مرّةً فقال: " أیّها الناس "، إحذروا الشرک الخفی ! فسأل الناس،" یا رسول الله، وما الشرک الخفی؟" فقال، "عندما یقوم الرجل للصلاة ویسعى لتجمیل صلاته لأن الناس ینظرون إلیه، هذا هو الشرک الخفی" (جمعه إبن خزیمة)

عن أبو موسى:

خطب فینا رسول الله یوماً قائلاً " أیها الناس، إحذروا الشرک فإنّه أخفى من دب النمل على الأرض". فسأل من شاء الله أن یسأل، "وکیف نتجنّبه وهو أخفى من دب النمل، یا رسول الله؟ فردّ(ص)قائلاً " قولوا اللهم إنّا نعوذ بک من أن نشرک بک ما نعلم ونسألک أن تغفر لنا ما لا نعلم " (جمعه أحمد والطبرانی)

بالرغم من تمکن الناس من إجتناب جمیع أنواع الشرک التی ذکرناها سابقاً، إلا أن علیهم أن یظلوا متیقظین من خداع الذات. فإذا أرادوا أن یصلوا إلى الإیمان "الکامل"، فعلیهم أن یهتموا بهذا الموضوع ویجتنبوا الإعتزاز بأنفسهم:

مُنِیبِینَ إِلَیْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَلا تَکُونُوا مِنْ الْمُشْرِکِینَ ( الروم: 31)

وَیَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَیْهِ آیَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی إِلَیْهِ مَنْ أَنَابَ ( الرعد: 27)

کما توضح لنا هذه الآیات، فقد ألزم الله المؤمنین بالإیمان "الصافی والنقی" وحرّم علیهم الشرک. وفی نفس الوقت، فقد أبلغهم أنه تعالى سیهدی من ینیب إلیه إلى الصراط المستقیم. بکلام آخر، من شاء الهدایة من الله، فعلیه تجنب جمیع أنواع الشرک وأن یجعل الله مبتغاه. ولکن ماذا یعنی هذا حقا؟

ما یعنیه ذلک هو أن یجعل الشخص من الله ولیّه ونصیره الوحید، ویسعى إلى إرضائه وحده، ولا یعتمد إلا على رحمته تعالى. فمبتغى الإنسان الوحید هو أن ینال حب الله ورضوانه. ولهذا السبب، فعلى هذا الشخص أن یعیش وفقاً لشروط الله، أوامره ونواهیه. أمّا إرضاء الأخرین ونیل موافقتهم وإستحسانهم، فهو یأتی فی المرتبة الثانیة بالنسبة إلى هذا الشخص، فهو لا یطلب شیئاً من هذه الدنیا إلا أن یکون ولیّاً لله تعالى وینال رضوانه. کل إنسان مؤمن یقرأ هذه الکلمات قد یعتقد أنّه یملک هذه الصفات. ولکن بدلاً من الثقة الزائدة بنفسه، فعلیه أن یتأمّل مطولاً وبعمق فی هذا الموضوع وأن یسعى دوماً إلى تحسین نفسه.

التذکّر أن الله على کل شیء وکیل

إن الّذین یکرّسون أنفسهم کلیّاً لله تعالى یتوکّلون علیه وحده، لأنّهم یعلمون أنه هو وحده الوکیل على کل شیء. إذاً، فلا حاجة لهم بدعاء من هم دونه. إن الذین لدیهم هذا التوکل لا یخافون ولا یحزنون، ولا یزعجهم أی شیء قد یلاقوه فی حیاتهم. مدرکین أن الله یختبرهم فی کل الأمور، فهم یقبلون هذا ویلجأون إلیه تعالى. وبتوقیرهم لربوبیّته تعالى، فهم یشعرون بالرضى بما قدر لهم بحکمته. ففی یعلمون جیداً أنه یوجد خیر کثیر فی کل الإختبارات الّتی یمرون بها:

کُتِبَ عَلَیْکُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ کُرْهٌ لَکُمْ وَعَسى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَیْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَکُمْ وَاللَّهُ یَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( البقرة: 216)

إذاً، فالمؤمنون حقا لا ینحرفون عندما یواجهون الأحداث والمواقف التی قد یعتبرها الکافرون خطیرة وفظیعة. فهم یثبتون فی توکلهم على الله، لأنهم لو شککوا فی ربهم ولو للحظات فهذا یعنی أن ثقتهم بالله ناقصة، وأنهم قد أخفقوا فی تقدیر قدرته وحکمته تعالى. وهذا یمثل إقتراباً من الشرک، وهو شیء لیس للمؤمن فیه عذر.

وهنا قد یظهر الشرک الخفی کخطر عظیم. فمثلاً، من الخطأ جداً للذین یجدون أنفسهم فی وضع صعب أن یقول فی نفسه:" إنی عموماً شخص مؤمن ومسلّم، ولدی توکل کامل على الله، غیر أنّه قد یصیبنی الخوف فی بعض الأحیان فتتزعزع ثقتی بالله وتسلیمی له ". إن خداع الذات أمر خطیر جداً فی هذه الحالات. من الواضح أن من یتبع هذا المنطق لیس لدیه توکل حقیقی على الله. فحتى لو أقرّ هؤلاء بوجوده تعالى، فإن مجرّد التفکیر فی التسویة فیما یختص بإیمانهم یؤکد نقص فی التسلیم والتوکل لدیهم وإخفاق فی فهم قدرة الله وقوّته. وهکذا موقف وتصرّف لا نجده إلا بین المشرکین.

أما الذین یکرسون أنفسهم لله فهم یسلّمون بصدق للقدر الذی کتبه لهم، فهم یعلمون أنه لا یمکن تغییره بأی حال. ویقول الله أن کل ما نختبره مکتوب فی اللوح المحفوظ وأننا لا نختبر إلا ما کتب تعالى:

وَمَا تَکُونُ فِی شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ کُنَّا عَلَیْکُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِیضُونَ فِیهِ وَمَا یَعْزُبُ عَنْ رَبِّکَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِی الأَرْضِ وَلا فِی السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِکَ وَلا أَکْبَرَ إِلاَّ فِی کِتَابٍ مُبِینٍ ( یونس : 61)

بکلام آخر، فإن کل حدث فی حیاة الإنسان، من دون إستثناء، مکتوب فی الکتاب. کونهم مدرکین لذلک، فإن المؤمنون یقیّمون ما یحدث لهم وفقاً لهذا الإدراک، یبحثون عن الجمال فی تفاصیل قدرهم، ویتجنّبون بذلک خطأ الندم، عدم الرضا والحزن. من دون إستثناء، فالمؤمنون راضون فی کل وقت من حیاتهم.

أما إذا لم یکن الحال کذلک، فهذا یعنی أن إیمان الشخص ضعیف وأنه واقع فی الشرک. بالرغم من قول بعض الناس أنهم یؤمنون بالله و بالیوم الآخر، وأنهم مسلمون، إلا أنهم لیسوا راضین بالعیش بالتسلیم والتوکل الذی أمر به القرآن. هذا الإخفاق فی فهم المعنى الحقیقی للقدر هو أشارة إلى الشرک الخفی.

إذا،ً فمشاعر الشخص وردات فعله تجاه الأحداث تمثل أهمیّة بالغة. فعلى جمیع الأشخاص الذین یعتبرون أنفسهم مؤمنین حقاً أن یعیدوا التفکیر فی حیاتهم بأکملها، طریقة عیشهم یوماً بیوم، أحاسیسهم، أفکارهم، مشاعرهم، نظرتهم إلى الحیاة، وأهم شیء، عقلهم الباطنی لیبحثوا عن أی ضعف أو خلل فی إیمانهم.

قد یکون الشرک فی بعض الأحیان متجذراً فی حیاة الإنسان. فالخوف مثلاً قد یمنع الناس من العیش مع إیمان خالص. فی الواقع، فهم عالقین بإهتمامات ومشاغل تتعلّق بالمستقبل لدرجة أنهم یبدأون بنسیان أوامر الله ونواهیه فی سبیل تأمین مستقبلهم. إن تصرفهم هذا یتضمن القیام بتنازلات ضروریة بالنسبة إلى الدین. أو أنهم حتى قد ینظرون إلى هذه المصاعب على أنها غیر مرحّب بها ویثورون على الله تعالى. وهنا ینسى معظم الناس قدرة الله وسلطانه ویقعون فی الشرک الخفی. فبنسیانهم أن الله وحده هو الذی بیده مستقبلهم، یرزقهم ما یملکون، ویمحی الصعوبات من حیاتهم، فهم یسعون إلى المعونة من جهات أخرى.

على کل شخص أن یتجنّب بقوّة هذا التصرّف الخاطئ، وبحال وجد نفسه فی هکذا موقف، أن یترکه فوراً. فعلیه أن ینظر إلى وضعه من وجهة النظر القرآنیّة، أی یتذکر أن الله على کل شیء قدیر وأنّه تعالى ربّ کل شیء.

فإذا أصاب أحد الأشخاص مرض خبیث أو شلل دائم فی حادث ما، فإن کان یعتبر نفسه مؤمن صادق وحقیقی، فهو لن یشعربالحزن الشدید أو القلق. فی الواقع، فإنه لن یشتکی حتى من هذه الصعوبات، بل إنه سیستقبل هذا الوضع الجدید بالتسلیم والرضى، على علم منه أن هذا ما قدّره الله له، وأنه أذا صبر على ما أصابه، فسینال الثواب العظیم فی الآخرة. فالمؤمنین الصادقین یتحملون کل أنواع المصاعب برضى وینظرون إلى الخیر والحکمة من وراءها. وهم لا یفعلون ذلک لمواساة أنفسهم، بل لأنهم یوقنون أن الخیر موجود فی هذه الصعوبات. بإدراکهم لحقیقة أن الله قدر مصیرهم وأن کل ما یحدث یحدث لحکمة ما، فهم یتأملون فی أمور حیاتهم، و یبقون على صبرهم وثباتهم فی کل الأوقات.

کل شخص قد یختبر أحداث غیر متوقعة فی أی وقت، کأن یُظلم أو یُفترى علیه الکذب، أو أن یُعتدى علیه شفهیاً أو جسدیاً. ولکن من کان بریئاً من الشرک الخفی أو الظاهر لا ینسى قدره ولا یصبح أبداً فریسة لمشاعره وأحزانه، ولا یقلقه شیء. فهو یتذکر دوماً أن الله على کل شیء وکیل وأن أی شیء یصیبه هو فی دائرة قدره الله تعالى له. فنجده یقابل الشر بالخیر، کما یأمر القرآن.

قد یمر المؤمنون عبر أحداث قد تشکل رعباً حقیقیاً بالنسبة للکافرین، ولکنها تبدو عادیة بالنسبة لهم. فالمؤمنون الصادقون لا یشعرون بالخوف ولا بالقلق، لأنهم وضعوا کامل ثقتهم بالله. ففی حال فقدوا عائلتهم مثلاً وکل ما یملکون فی وقت واحد، فهم یثبتون على تسلیمهم وخضوعهم لله تعالى فی کل وقت. وفی وجه ما قد یعتبره الکافرون مصیبة، فإن إیمانهم، خضوعهم، تسلیمهم، وتوکلهم على الله لا یتزعزع. فهم لن یصیبهم الحزن أو یتحولوا إلى ضحایا تشاؤمهم، حزنهم، ویأسهم.

على الناس أن یفکروا بصدق فی کیفیة تصرفهم فی مواقف کالتی ذکرناها، ومن ثم إتخاد التدابیر اللازمة لتجنب الوقوع فی الشرک الخفی. فإن الإعتقاد کما یفعل الکثیرون أن "ذلک شیء بسیط لا یضر"، معتبرین ردود فعلهم الجاهلة والخاطئة خلال الأوضاع الصعبة أمر طبیعی وبسیط، أو الإرتکاز بردات فعلهم على ردّات فعل الآخرین قد یقود أیضاً الشرک الخفی :

وَإِنْ تُطِعْ أَکْثَرَ مَنْ فِی الأَرْضِ یُضِلُّوکَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ یَخْرُصُونَ ( الأنعام: 116)

عامل آخر قد یقود الناس إلى الشرک هو الإعتقاد بإن شخص ما ناجح بسبب مجهوده الخاص. فمن الخطأ الجسیم لمن یقوم مثلاً بخطاب ما، نسبة خطابه الناجح إلى نفسه ومنطقه وذکاءه، فالله فقط هوالذی أراد لهذا الشخص أن یقدم ذلک الخطاب. أو بحال کان شخص ما ناجح، یقوم بالإکتشافات العلمیة، أو یخترع أشیائاً لتسهیل الحیاة على الناس، فکل ما یعنیه ذلک هو أن الله شاء ذلک فی قدر هذا الإنسان. لا یستطیع الناس أن یکونوا السبب فی نجاحهم، فالتصدیق بذلک، ومن ثم التفاخر بإنجازاتهم یعنی نسیانهم لربّهم :

وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلِیماً حَکِیماً ( الإنسان:30)

على الناس حین یمرّون بالمحن والأمور السلبیّة ( مصائب وکوارث، أمراض، إصابات) أن یتذکروا أن هذه الأمور کلها هی جزء من قدرهم. فلا یجب أن تعزى هذه المصائب إلى سائق متهور مثلاً، لأن هذا یعنی عدم فهمهم لحقائق الإیمان. بالتأکید فإن الله خلق مختلف الأسباب التی تُعزى هذه الأمور لها، ولکن کل هذه الأسباب هی تحت سیطرة الله وعلمه. فالذین یعلمون هذه الحقائق قد عرفوا جیداً قدره تعالى. أما الآخرین الذین یرفضون تقبّل ذلک، فهم قد سقطوا فی الشرک الخفی. فمع أن مرض شخص ما مثلاً سببه جرثومة، إلا أن الله هو الذی خلق هذه الجرثومة وجعلها تؤدی وظیفتها وهدفها الذی یتمثل فی إمراض ذلک الشخص وذلک تحقیقاً لقدره. ویعطینا تعالى مثلاً للصعوبة التی واجهها المؤمنون على زمن الرسول (ص):

وَمَا أَصَابَکُمْ یَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِیَعْلَمَ الْمُؤْمِنِینَ (166) وَلِیَعْلَمَ الَّذِینَ نَافَقُوا وَقِیلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاکُمْ هُمْ لِلْکُفْرِ یَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِیمَانِ یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا یَکْتُمُونَ (167) ( آل عمران: 167-166)

بمعنى آخر، فبما أن کل الأحداث تحدث بمشیئة الله، فلیس هنالک سبب منطقی للغفلة عن واقع أن کل شیء ضمن إرادته وسیطرته تعالى. فبما أنه العلیم، فکل دقیقة من حیاة الشخص تحدث لأنه تعالى شاء ذلک. لا یهم کیف قد یبدو حدث ما، ولکنه یحمل دائماً حکمة کبیرة معه. ولکن الناس، مؤمنون وغیر مومنین قد لا یفهمون دوماً الحکم من وراء بعض الأحداث. فأحیاناً قد یتمکنوا من فهمها، فیشکرون الله، وأحیاناً أخرى قد لا یکون ذلک فی مقدورهم ذلک إلا أنهم یحافظون على ثقتهم بربّهم، لعلمهم أنه یخلق کل شیء لخیر وحکمة.

منطق" ألقلیل من الإیمان والقلیل من الشرک "هو خطأ کبیر

أن الشرک الخفی یمثل خداع خطیر للذات مصدره تبنی المنطق الذی یقوم على مبدأ " قلیل من الإیمان وقلیل من الشرک " و" لا یضر قلیل من الشرک مع الإیمان ". یجب على کل المؤمنین أن یکرّسوا أنفسهم لله فی کل وقت وأن لا یقوموا بالتنازلات والتسویات فی هذا الأمر، لأن هذه الأمور هی من المتطلبات الأساسیة للإیمان والمنطق. فإذاً، علیهم أن لا یعتقدوا بتاتاً أن أی شخص أو جهة ما غیر الله تملک أی قوّة أو قدرة حقیقیّة. ویأکّد القرآن على هذه الحقیقة کالتالی :

قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِینَ اصْطَفَى أَاللَّهُ خَیْرٌ أَمَّا یُشْرِکُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَکُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا کَانَ لَکُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ یَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِیَ وَجَعَلَ بَیْنَ الْبَحْرَیْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ یُجِیبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَکْشِفُ السُّوءَ وَیَجْعَلُکُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِیلاً مَا تَذَکَّرُونَ (62) أَمَّنْ یَهْدِیکُمْ فِی ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ یُرْسِلُ الرِّیَاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ (63) أَمَّنْ یَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَمَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ إِنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ (64) ( النمل: 64-59)

کما نرى من الآیات السابقة، فإن کل ما یحدث یحدث فقط لأن الله أراد له الحدوث. إن نسیان هذا الواقع والإعتقاد أن أی شیء یحدث بطریقة مستقلة عن الله هو فی الحقیقة شرک به تعالى.

أن الشرک الخفی هو العائق الأصعب أمام تحوّل إیمان المرء إلى إیمان صحیح وحقیقی. فإن الشخص لا یکون مؤمناً حقّاً إلى إذا کان إیمانه نقی من کل شائبة. فالبحث عن حلٍ وسط، أو التخیّل أن أی جهة تملک قوة أو سلطان حقیقی هو من الشرک. إن التظاهر بعدم فهم هذه الحقیقة لا جدوى منه ولیس إلا خداعاً للنفس. إن الأمور التی تُناقش هنا هی وقائع یجب على المسلمین أن یتفکّروا فیها ویعملوا بجهد لیحقّقوها فی حیاتهم فی أسرع وقت ممکن. إن إعتقاد الشخص بإنه منیع ضد هذا الخطر وأنه بالإمکان العیش "کنصف مسلم" هو لیس فقط شیء غیر منطقی، ولکنه السبب لحیاة مضطربة ومتعِبة. على الناس أن یقیسوا رغباتهم فی الدنیا وفق الشریعة، وأن یکتشفوا أخطاءهم ثم یقومون بتصحیحها. فلا أحد یعلم متى یموت ویُدعى إلى الحساب.

قد لا یعانی الناس من ضرر کبیر إذا قاموا بتأجیل أمور أخرى. غیر أن عدم إیجاد الحل الصحیح لهذا الأمر الأساسی یشکل خطرٌ وخطأ کبیرین، کونه أمر بالغ الأهمیّة. فالشرک هو الخط الفاصل بین الإیمان والشرک، والشرک الخفی هوالسدّ الخادع الذی یمنع الناس من رؤیة الحقیقة، یغبش منطقهم ورؤیتهم، یدفعهم إلى نسیان سبب وجودهم، ویقودهم إلى الغفلة عن یوم الحساب.

فما أن یعی الناس أنهم قد سقطوا فی الشرک، فمن السهل أن یحرروا أنفسهم. فکل ما علیهم فعله هو أن یقدِروا الله الذی هو خالقهم، حقّ قدره. فمن یعتقد بأن فعل ذلک أمر صعب فهو مخطىء ومتوهّم. فی الواقع، فأن هذا التصرف یعکس صدقهم وإخلاصهم. فالله لا یرید إلا شیئین إثنین من المؤمنین: إخلاص کامل له وحده وإیمان متکامل به بصفته مالک القوة والسلطان الحقیقیین.

أن من یملکون هذه الصفات لن یلاقوا إلا الفلاح، السرور، والنعم من الله تعالى حین یرجعون إلیه لا یشرکون به شیئاً:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُم فِی الأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمْ الَّذِی ارْتَضَى لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذَلِکَ فَأُوْلَئِکَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} ( النور: 55)

إن حالة المؤمنین فی الآخرة تصفها هذه الآیة:

إِنَّ الْمُنَافِقِینَ فِی الدَّرْکِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِیراً (145) إِلاَّ الَّذِینَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِینَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِکَ مَعَ الْمُؤْمِنِینَ وَسَوْفَ یُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ أَجْراً عَظِیماً (146) ( النساء:146-145)

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد