الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الفصل السابع التصمیم والخلق

الفصل السابع

التصمیم والخلق

یقوم المصمم بتصمیم النماذج ورسمه على الورق. ویشکل کل مارآه المصمم حتى لحظة شروعه بالتصمیم، الفکرة الأساسیة لمشروعه الذی یضعه. لا یمکن لأی مصمم بشری أن یصمم شیئاً لم یره أو یعرفه فی حیاته، فهو یستمد إیحاءات مشروعه من الطبیعة حوله، فکل ما فیها هو تصمیم قائم بحد بذاتهلننظر عن قرب إلى الطریقة التی یتبعها المصمم فی تصمیم نموذج جدید: یقرر المصمم أولاً مادة التصمیم والغایة منه، ثم یحدد المستخدم المحتمل لهذا التصمیم وحاجات هذا المستخدم وبالتالی مقاییس التصمیم.

قد یکون المصممون الصناعیون من بین کل المهن العالمیة الأقل استخداماً للمواد أثناء العمل، ذلک لأن الحاجة الأولى خلال هذه العملیة تکون اختراع الأفکار الذکیة أو التفاصیل الثانویة ، إلى جانب العمل الجاد. لا یحتاج المصمم فی البدایة لأکثر من ورقة بیضاء وقلم، وأثناء تشکیله للتصمیم یقوم بمراجعة الأمثلة السابقة للنموذج.

یخطط المصمم مئات من الخیارات المختلفة یستغرق العمل فیها شهوراً، ثم تتم مراجعة هذه الأفکار ویتم انتقاء أکثرها فائدة وجمالاً لیتم إنتاجه، ثم تُدرس تفاصیل الإنتاج المناسبة لهذا العمل.

یوضع أولاً نموذج صغیر معیاری للمنتج، وهو الذی یترجم الأفکار ذات البعدین إلى أفکار ثلاثیة الأبعاد. وبعد إجراء المزید من التحسینات یمکن ترکیب نموذج بالحجم الحقیقی للمنتج. قد تستغرق هذه العملیات سنوات من العمل. خلال هذه المدة تتم تجربة النموذج عدة مرات لإثبات جودته بالنسبة للمستخدم.

عندما یدخل تصمیم جدید إلى السوق فمن البدیهی أن یتم تقییم مظهره أولاً من قبل المستهلک: شکله، ولونه... وثانیاً فعالیته وأداؤه.

لذلک تتطلب العملیة منذ خطواتها الأولى وحتى الخروج بالمنتج مرحلة متعبة، والمالک الوحید لکل التصامیم هو الذی یحکم سیطرته على کل الأمور. لقد خلق الله کل المخلوقات بإتقان من خلال کلمة واحدة (کُنْ(. تقول لنا الآیة الکریمة:

{ بَدِیعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُ کُن فَیَکُونُ } البقرة: .117

إن عملیة الخَلْق من العدم ودون وجود نموذج سابق للمخلوق أمر خاص بالله وحده. أما الإنسان فیقوم فقط بتقلید هذه النماذج، علاوة على أنه هو بحد ذاته مخلوق عجیب. خلق الله المخلوقات والبشر من العدم ووهب الإنسان مهارات التصمیم والإنتاج.

إن الکثیر من الأشیاء التی نعتقد أنها جاءت کنتیجة عن التصمیم البشری ما هی إلا تقلید لأمثلة موجودة فی الطبیعة، والمتنجات التقنیة ببنیاتها المتطورة التی تظهر إلى النور بعد سنوات من البحث، موجودة سلفاً فی الأرض منذ ملایین السنین.

وهکذا یحاول العلماء والمصممون والباحثون العارفون بهذه الحقیقة تقلید خلق الله فی تصمیم منتجاتهم الجدیدة.

تقنیة الحشرات والرجل الآلی

لا تقتصر فائدة دراسة الخلق على المعماریین، لقد قام المهندسون الذین طوروا الرجل الآلی بدراسة الحشرات لاستقاء أفکارهم. أظهر الرجل الآلی الذی قام بناؤه على مبدأ أرجل الحشرات توازناً أفضل. عندما تم ترکیب وسائد شافطة على أقدام الرجل الآلی أصبح بإمکانه السیر على الجدران مثل الذبابة تماماً. الرجل الآلی الذی صنعته شرکة یابانیة یمکنه السیر على السقف مثل الحشرة. تستخدم هذه الشرکة رَجُلَها الآلی للتحری تحت الجسور بواسطة حساسات موصولة إلى جسمه.45

معروف أن الجیش الأمریکی یقوم باختراع آلات مجهریة منذ زمن طویل. حسب أقوال البروفسور جوهانسن سمیث Johannes Smith اتفإن محرکاً أصغر من ملیمتر واحد یمکن أن یحرک رجلاً آلیاً بحجم النملة. هذا الرجل الآلی یتم تصنیعه لاستخدامه کجیش صغیر أعضاؤه بحجم النملة، یخترق صفوف الأعداء دون أن یُؤْبَه له، ویقوم بتعطیل رادارات والمحرکات النفاثة وتعطیل معلومات الحواسیب للاعداء. لقد بادرت الشرکتان الیابانیتان العملاقتان میتسوبیشی وماتسوشیتا بتنظیم شراکة للعمل فی هذا الموضوع. وأثمرت هذه الشراکة عن رجل آلی صغیر جداً یزن حوالی 0,42 غرام ویسیر بسرعة 4 أمتار فی الدقیقة.

الکیتین: مادة الغطاء الواقی

تعتبر الحشرات أکثر المخلوقات وجوداً على سطح الأرض، وقد یکون السبب الرئیسی وراء ذلک هو مقاومة جسمها لمختلف الظروف المحیطة. أحد عوامل المقاومة التی تتمتع بها هو مادة الکیتین التی یتألف منها هیکلها العظمی.

الکیتین مادة رقیقة وخفیفة جداً، فلا تجد الحشرات صعوبة فی الاحتفاظ بها. وعلى الرغم من أنها تغلف جسمها بشکل کامل، إلا أنها قویة بما یکفی لتعمل عمل الهیکل العظمی. ومع قوة الکیتین تتمتع هذه المادة بالمرونة ویمکن أن تتحرک عن طریق العضلات التی تتصل بها من داخل الجسم. وهذا لا یضمن الحرکة السریعة للحشرات فحسب، بل یخفف من حدة الصدمات الخارجیة، وتساعد هذه المادة المانعة لتسرب الماء الحشرة على الاحتفاظ بسوائل جسمها.46 و الحشرات لاتتأثر بالحرارة أو الإشعاع، کما أن ألوانها فی معظم الأحیان تلائم المحیط تماماً. وفی بعض الأحیان تصدر إنذارات من خلال الألوان الزاهیة التی تظهرها.

ماذا یحصل لو استخدمت مادة کالکیتین فی الطائرات والسفن؟ فی الحقیقة هذا غایة ما یحلم به العلماء.

الشکل المثالی لخلایا الدم الحمراء

خلایا الدم الحمراء هی المسؤولة عن نقل الأکسجین فی الدم. هذه العملیة تتم بواسطة مادة خضاب الدم التی تخزنها خلایا الدم الحمراء، وکلما کان سطح هذه الخلیة واسعاً کلما کانت کمیة الأکسجین التی تحملها أکبر. وبما أنه یتحتم على هذه الخلایا أن تمر عبر الأوعیة الشعریة، فإن حجمها یجب أن یکون فی حده الأدنى، أی أن یکون سطحها کبیراً وحجمها صغیراً. وبالفعل فإن الخلایا الحمراء صممت وفق هذه المعاییر: بنیة هذه الخلایا مسطحة، ودائریة، ومضغوطة من کلا الجانبین، وتشبه حلقة الجبنة السویسریة المضغوطة من کلا الجانبین. هذا هو الشکل الذی یضمن أکبر سطح ممکن مع أصغر حجم. ومع هذا الشکل یمکن أن تحمل کل خلیة حمراء 300 جزیء من الهیموغلوبین. إضافة إلى ذلک، فإن الخلایا الحمراء یمکن أن تمر داخل أصغر الأوعیة الشعریة وأضیق المسامات بسبب مرونة بنیتها.47

العیون اللونیة لسمکة البالون

یعیش سمک البالون فی المیاه البحریة الدافئة فی الجنوب الشرقی لآسیا. عندما تسقط کمیات زائدة من الضوء علیها، تعمل عیون هذه السمکة عمل ‘’النظارات الشمسیة المعالجة کیمیائیاً’’، تحمل عیون هذه السمکة التی یبلغ طولها 2,5 سم خصائص مشابه لخصائص العدسات التی تتغیر الکثافة اللونیة فیها تبعاً لشدة الضوء.

تعمل هذه العین کالتالی: عندما تواجه العین ضوءاً زائداً تبدأ الخلایا اللونیة التی تدعى

والتی توجد حول الطبقة الشفافة (القرنیة) بتحریر صباغ أسود. یغطی هذا الصباغ العین ویعمل عمل المرشح فی التقلیل من کثافة الضوء، مما یؤهل السمکة للرؤیا بوضوح أکبر. یختفی هذا الصباغ فی المیاه المظلمة وتتلقى العین أکبر کمیة ممکنة من الضوء.48

من الواضح أن هذا النظام هو نتاج تصمیم مبدع. فهذه الخلایا تقوم بإفراز هذا الصباغ بتحکم منظَّم لا یمکن اعتباره ولید المصادفة. إنه خلق الله المحکم الذی یتجلى فی النظام اللونی المتقن للعین.

تصمیم النظام المیکانیکی للمخلوقات

غالباً ما یکون تصمیم الأنظمة المتحرکة أکثر تحدیاً للمصممین من الأنظمة البنیویة الثابتة. على سبیل المثال: تکون المشاکل التی تظهر فی المثقب الیدوی أکبر بکثیر من تلک التی یمکن أن تنتج عن الإبریق، ذلک لأن الأولى تعمل على أساس میکانیکی، بینما یقوم الثانی على مبدأ الشکل الفیزیائی، والتصامیم العملیة تمیل لأن تکون أکثر تعقیداً. یمکن أن یؤدی کل عنصر من عناصر التصمیم هدفاً معیناً. إذ یؤدی غیاب أو تعطّل أیٍّ من هذه العناصر إلى عجز النظام عن العمل فی عنصر واحد یجعل النظام عدیم الفائدة.

نهایة هذه التصامیم التی تتجلى فیها الأخطاء هو الفشل. تحمل الأنظمة التی یصممها الإنسان أخطاء أکبر بکثیر مما یمکن تصدیقه، لأن معظم هذه التصامیم أنجزت عن طریق التجربة والخطأ، على الرغم من أن بعض الأعطال یمکن تجنبها فی الطور البدائی الذی یسبق إدخال المنتج إلى الأسواق، إلا أنه یبقى من المستحیل تلافی جمیع الأخطاء.

ولکن هذه المحاکمة لا تنطبق على الأنظمة المیکانیکیة فی الطبیعة، فجمیع الأنظمة المیکانیکیة فی الطبیعة ترقى إلى درجة الکمال. خلق الله عز وجل جمیع المخلوقات بإتقان محکم. یمکننا أن نطّلع على بعض نماذج الخلق المطلق من خلال الأمثلة التالیة:

جمجمة نقار الخشب

یتغذى نقار الخشب على الحشرات والیرقات التی تختفی فی جذوع الأشجار ویستخرجها عن طریق النقر. تقوم هذه الطیور بحفر أعشاشها فی الأشجار الصحیحة بمهارة تضاهی مهارة أعظم فنانی الحفر. یستطیع نقار الخشب المرقش أن ینقر ما بین تسع إلى عشر نقرات فی الثانیة الواحدة، ویزداد هذا العدد لیصل إلى ما بین 15-20 عند الأنواع الأصغر حجماً ومنها نقار الخشب الأخضر. عندما یقوم نقار الخشب الأخضر بحفر عشه، فإن سرعة عمله تصل إلى 100 کم/سا. هذه السرعة لا تؤثر على دماغه الذی یبلغ حجمه حجم حبة الکرز. أما الزمن الفاصل بین النقرة والأخرى فهو أقل من 1/1000 من الثانیة. عندما یبدأ الطائر فی النقر ینتظم الرأس والمنقار فی خط مستقیم تماماً، فأی انحراف بسیط سیؤدی إلى تمزق فی الدماغ.

إن الصدمة التی تنتج عن هذه الطرقات المتتالیة لا تختلف عن تلک التی یسببها ضرب الرأس فی حائط إسمنتی، إلا أن التصمیم المعجِز لدماغ نقار الخشب یجنبه التعرض لأی نوع من الإصابة. تتصل عظام الجمجمة عند معظم الطیور ببعضها ویعمل المنقار مع حرکة الفک السفلی. إلا أن منقار وجمجمة طائر نقار الخشب منفصلان عن بعضهما بأنسجة إسفنجیة تمتص الصدمات الناتجة عن عملیة النقر. وتؤدی هذه المادة المرنة عملها بشکل أفضل من ماص الصدمات فی السیارات. إن جودة هذه المادة تأتی من قدرتها على امتصاص الصدمات المتتالیة بفواصل قصیرة جداً واستعادتها لحالتها الطبیعیة على الفور، وهی تفوق بجودتها المواد التی أفرزتها التکنولوجیا الحدیثة بأشواط. تکتمل هذه العملیة حتى فی حالات أداء الطائر عشر طرقات فی الثانیة. إن فصل المنقار عن الجمجمة بهذه الطریقة الخارقة تسمح للحجرة التی تحمل دماغ الطائر بالحرکة بعیداً عن المنقار العلوی أثناء عملیة النقر، وهکذا تکون وتتشکل آلیة ثانیة فی أمتصاص الصدمات.49

البرغوث: التصمیم المثالی للقفز العالی

یستطیع البرغوث أن یحقق قفزة تصل إلى 100 ضعف ارتفاعه عن الأرض، أی ما یساوی 200 متراً من القفز العالی الذی یقوم به الإنسان. علاوة على ذلک یمکنه أن یستمر فی القفز دون توقف لمدة 78 ساعة. بشکل عام لا یسقط البرغوث على ساقیه بعد القفزة الخامسة، بل یهبط إما على رأسه أو على ظهره، ومع ذلک فهو لا یصاب بالدوار ولا یلحق به أی أذى بسبب تصمیم جسمه الفرید.

لا یتوضع الهیکل العظمی لهذه الحشرة داخل جسمها. یتألف هذا الهیکل من طبقة صلبة من مرکب یطلق علیه اسم ‘’

السکلیروتین’’ الذی یغلف کامل الجسم ویتصل بالکیتین. یتکون هذا الهیکل الخارجی من شرائح مسلحة کثیرة جداً ومحدودة الحرکة، ولکنها تمتص الصدمات وتبطل الصدمة الناتجة عن القفز.

لا یوجد فی جسم البرغوث أی أوعیة دمویة، بل یسبح جسمه الداخلی بسائل دموی صافی یبطن الأعضاء الداخلیة ویحفظها من ضغط القفزات المفاجئ. تتم تنقیة الدم من خلال الثقوب الهوائیة المنتشرة فی أنحاء الجسم، وهذا یغنی عن الحاجة إلى مضخة ضخمة تقوم بضخ الأکسجین بشکل متواصل. صمم قلب هذه الحشرة على شکل أنبوب، معدل نبضاته بطیء بحیث لاتؤثر علیه القفزات السریعة على الإطلاق.

اکتشف العلماء أن عضلات ساق البرغوث لیست بالقوة التی تتطلبها القفزات التی تقوم بأدائها، إلا أن هذا الأداء المدهش یقوم به البرغوث بمساعدة نوع من النظام النابضی الذی أُضیف إلى سیقانه. وهذا النظام یعمل بفضل البروتین الذی یطلق علیه ‘’resilin’’ إذ یخزن البرغوث الطاقة المیکانیکیة. الخاصیة البارزة لهذه المادة هی قدرتها على تحریر 97 % من الطاقة المختزنة بداخلها عند التمدد، بینما لا تتعدى النسبة التی تغطیها المواد المرنة الموجودة فی الأسواق الیوم تصل إلى 85 % کحد أقصى. تتوضع هذه المادة المرنة فی وسائد دقیقة جداً موجودة فی سیقان الحشرة الخلفیة. یستغرق البرغوث بضعة أعشار الثانیة لیضغط هذه المادة أثناء طیه لسیقانه فی المرحلة التحضیریة للقفزة. تحتفظ البنیة الشبیهة بالمزلاج بالساق مطویة إلى أن تسترخی العضلة. تسمح البنیة النابضیة بتحریر القوة المطلوبة للقفزة من خلال الطاقة المختزنة فی مادة الریزیلین التی تترجم إلى قفزات عظیمة.

سوسة البلوط وآلیة الثقب

تعیش سوسة البلوط على ثمرة شجرة البلوط. تحمل هذه الحشرة خرطوماً طویلاً فی رأسها أطول من جسمها ، وفی نهایة هذا الخرطوم یوجد منشار صغیر حاد یشبه الأسنان.

فی أحیان أخرى تحمل الحشرة هذا الخرطوم بشکل أفقی مستقیم مع جسمها، حتى لا تتعثر أثناء سیرها. عندما تقع الحشرة على ثمرة البلوط توجه خرطومها باتجاهها لتصبح أشبه بآلة الثقب، ثم تضع أسنانها الشبیهة بالمنشار الموجودة فی أعلى الخرطوم على الثمرة. تبدأ الحشرة بنقل رأسها من جانب إلى آخر، مما یعنی إعمال المنشار الذی یحمله خرطومها المتحرک مع رأسها. صمم رأس هذه الحشرة بما یتوافق تماماً مع هذه الآلیة فهو یتمتع بمستوى مدهش من المرونة.

تقوم الحشرة أثناء ثقب الثمرة بالتهام محتواها، وهکذا تخزن البروتین اللازم لذریتها. بعد الانتهاء من عملیة الثقب تضع السوسة بیضة واحدة على الثمرة تسقطها فی الحفرة التی صنعتها لها. تصبح البیضة یرقة داخل الثمرة وتبدأ بالتهامها. وکلما التهمت الیرقة من الثمرة أکثر کلما کبرت، وکلما کبرت کلما ازداد التهامها.

تستمر هذه العملیة إلى أن تسقط البلوطة فی النهایة من الغصن، وهذه هی العلامة التی تفهم منها الیرقة أنه أصبح بإمکانها مغادرة الثمرة. تقوم هذه الیرقة بتوسیع الفتحة التی صنعتها لها أمها عن طریق أسنانها القویة، ثم تغادر الیرقة السمینة الثمرة بقوة کبیرة. والآن أصبح هدفها حفر نفق تحت الأرض بعمق یتراوح ما بین 25-30 سم. هناک تُخْدِر الحشرة وتبقى لمدة خمس سنوات تحت الأرض، وعندما تصبح سوسة فتیة تخرج إلى شجرة البلوط وتعمل منشارها من جدید. یعتمد الوقت الذی تمضیه فی مرحلة الخِدْر على نمو البلوط الجدید على الشجرة50 . مرة أخرى تظهر لنا معجزة الله فی خلقه المحکم من خلال دورة حیاة هذه الحشرة، وبطلانادعاءات نظریة التطور البالیة. إن کل نظام أو جهاز تعمل به الحشرة هو نتیجة لتخطیط محکم: الخرطوم الثاقب، الأسنان القاطعة، والرأس المرن الذی یساعد فی عملیة الثقب، کل هذا لا یمکن تفسیره عل ضوء المصادفة أو ‘’الاصطفاء الطبیعی’’. لو لم یستخدم الخرطوم فی عملیة الثقب، فلن یکون أکثر من عبء ثقیل وعضو لا فائدة منه، مما یؤکد عدمیة افتراض التطور ‘’مرحلة إثر مرحلة’’.

من جهة أخرى، تبدو أعضاء الیرقة ‘’کبنیة معقدة ‘’ فی هذه العملیة. یجب أن تمتلک الیرقة أسناناً قویة لتشق طریقها فی ثمرة البلوط، علیها أن تغوص عمیقاً فی الأرض وتنتظر فی مقرها الجدید متذرعة بالصبر.

إذا لم تمض السوسة مع هذه الدورة الحیاتیة فلن تعیش طویلاً وستنقرض فی النهایة. کل هذا لا یمکن أن یأتی عن طریق المصادفة بل هو من صنع خالق حکیم خبیر. الله خالق هذه الحشرة بهذا الإعجاز هو ( الخَالِقُ ( لکل شیء.

السوط البکتیری

تستخدم بعض أنواع البکتیریا ما یشبه السوط، ویطلق علیه ‘’السوط’’، لیساعدها على الحرکة فی المحیط السائل. یتصل هذا السوط بغشاء الخلیة ویسمح للبکتریا بالحرکة حسب الاتجاه الذی ترغب به بسرعة محددة. عرف العلماء السوط منذ زمن، إلا أن بنیته التی لم یکشف عنها النقاب قبل عقد تقریباً، کانت مفاجأة کبیرة لهم. لقد اکتشفوا أن هذا السوط یتحرک من خلال ‘’محرک عضوی’’ فی غایة التعقید، ولیس عن طریق آلیة اهتزازیة بسیطة کما کان شائعاً.

تقوم بنیة المحرک الدافع على مبدأ المحرک الکهربائی. هناک جزآن رئیسان له: ‘’الثابت’’ و ‘’الدوار’’.

یختلف السوط البکتیری عن باقی الأنظمة العضویة بأنه یولد حرکة میکانیکیة. لا تستخدم الخلیة الطاقة المختزنة فی جزیئات TPA ، وإنما لدیها مصدر خاص للطاقة: فالطاقة التی تستخدمها البکتیریا تنتج عن الأیونات المتدفقة عبر أغشیة الخلیة الخارجیة. البنیة الداخلیة للمحرک معقدة جداً. یشترک ما یقارب من 240 بروتین مختلف فی بناء السوط. یتوضع کل منها فی مکانه المناسب بکل عنایة. یعتقد العلماء أن هذه البروتینات هی التی تحمل إشارات تشغیل المحرک وتوقیفه، وتشکل نقاط اتصال تسهل الحرکة بمقاییس ذریة، کما تفعِّل بروتینات أخرى مهمتها وصل السوط بغشاء الخلیة. هذه الخصائص التی یمتاز بها عمل هذا النظام تدل على الطبیعة المعقدة له.53

یعتبر السوط البکتیری بترکیبته المعقدة دلیلاً کافیاً على بطلان نظریة التطور. فلو حصل وتعطل أو فُقد جزء صغیر من هذا النظام لعجز عن القیام بمهمته وأصبح دون أدنى فائدة للبکتریا. یجب أن یکون عمل السوط متقناً منذ اللحظة التی خلق فیها. هذه الحقیقة تلغی أیضاً المزاعم التطوریة التی تعتمد مبدأ ‘’التطور خطوة خطوة’’.

یدلنا هذا السوط على أن أشکال الحیاة البدائیة أیضاً تحمل تصمیماً على جانب من التعقید. وکلما تعمق الإنسان فی دقائق هذا العالم، کلما اکتشف أن ما کان یظنه علماء الأحیاء فی القرن التاسع عشر، بما فیهم داروین، أحیاءَ أو عضیات بسیطة، هی فی الواقع معقدة تماماً کغیرها.

التصمیم فی الدلفین

یتنفس کل من الدلفین والحوت عن طریق الرئتین تماماً کما تفعل باقی الثدییات، وهذا یعنی أنه من الصعب علیها أن تتنفس فی الماء مثل الأسماک. وهذا هو السبب وراء زیارتها المتکررة للسطح. تعمل الفتحة الموجودة قی أعلى الرأس على إدخال الهواء. صمم هذا العضو بطریقة تؤمن له إغلاقاً آمناً عند الغوص فی الماء، حیث تغلق الفتحة أوتوماتیکیاً بغطاء یمنع تسرب الماء، وعندما یعود الدلفین إلى السطح یفتح الغطاء أوتوماتیکیاً أیضاً.

نظام یسهل النوم دون التعرض لخطر الغرق

یملأ الدلفین من 80-90 % من رئتیه بالهواء فی کل مرة یخرج فیها للتنفس. هذه النسبة لا تتعدى 15% عند الإنسان، وهی عند الدلفین عمل إرادی ولیس کباقی الثدییات الأرضیة التی تتم فیها هذه العملیة بشکل لا إرادی.54

بتعبیر آخر: یقرر الدلفین أن یتنفس تماماً کما نقررنحن الخروج فی نزهة. یوجد فی جسم الدلفین نظام خاص یحمیه من الهلاک عندما ینام فی الماء. یستخدم الدلفین النائم نصفی الدماغ بشکل متناوب کل 15 دقیقة، فبینما ینام النصف الأول یبقى النصف الثانی متجهاً إلى السطح للتنفس. إن خطم الدلفین الموجود فی منقاره هو عضو آخر یعینه على السباحة، فالدلفین یستخدم طاقة أقل فی اختراق الماء ویسبح بسرعات عالیة. تستفید السفن الحدیثة من خطم الدلفین الذی یشبه القوس المصمم وفق الدینامیکیة الهیدرولیکیة لزیادة سرعتها کما یفعل الدلفین.

الحیاة الاجتماعیة عند الدلفین

یعیش الدلفین فی مجموعات کبیرة. ومن أجل مزید من الحمایة تحتل الإناث والموالید الجدد مرکز السرب. أما الأفراد المریضة فلا تترک وحیدة، بل تبقى ضمن السرب إلى أن تموت. تبدأ الروابط التکافلیة عند الدلفین منذ اللحظة الأولى التی ینضم فیها المولود الجدید إلى السرب.

یخرج ذیل الدلفین الولید من رحم الأم أولاً، بهذه الطریقة یبقى متصلاً بأمه مما یضمن له الأکسجین اللازم أثناء الوضع. وعندما یخرج الرأس فی النهایة، یتجه الرضیع فی الحال إلى السطح لیستنشق أول کمیة من هواء الحیاة الجدیدة، عادة ترافق الأم التی تستعد للوضع أنثى أخرى. ترعى الأم ولیدها منذ لحظة الولادة، إذ یتلقى المولود الذی یفتقد الشفتان الحلیب من مصدرین یخرج الحلیب من خلالهما من شق فی بطن الأم. عندما یطرق الولید برفق على هذا القسم من البطن یتدفق الحلیب. یستهلک الدلفین الرضیع عشرات اللیترات من الحلیب یومیاً، وتشکل الدهون 50% من هذا الحلیب (مقارنة مع نسبة 15% فی حلیب البقر)، وفی الحال یعمل هذا الحلیب عمله فی تشکیل الطبقة الجلدیة الضروریة لتنظیم درجة حرارة الدلفین. تعین إناث أخریات الدلافین الصغیرة خلال الغوص العمیق بدفعها إلى الأسفل. کذلک یتم تعلیمها الصید وکیف تستخدم السونار، هذه العملیة التعلیمیة التی تستغرق عدة سنوات. فی بعض الأحیان یبقى الدلفین ملتزماً بعائلته حتى ثلاثین سنة.

النظام المانع للانحناء یستطیع الدلفین أن یغوص إلى أعماق لا یمکن أن یصل إلیها الإنسان. الرقم القیاسی لهذا العمق یحققه نوع من الحیتان یغوص حتى 3000 متر بنَفَس واحد. صمم الدلفین والحوت لیتوافقا مع هذا النوع من الغوص العمیق.

یجعل تفلطح الذیل عملیة الغوص والعودة إلى السطح أکثر سهولة. من الأعضاء الأخرى التی تساعد فی الغوص الرئتین: عندما ینزل الدلفین فی الماء یزداد وزن أو ضغط عمود الماء فوقه، وبالتالی یزداد الضغط داخل الرئتین لإیجاد توازن مع الخارج. لو تعرضت رئة الإنسان إلى هذا الضغط فستتمزق فی الحال. ومن أجل التغلب على هذا الخطر، أوجد نظام دفاعی خاص فی جسم الدلفین حیث تؤمن حلقات غضروفیة متینة الحمایة اللازمة للخلایا الرغامیة والهوائیة الموجودة داخل رئتی الدلفین.

نظام آخر من أنظمة الحمایة فی هذا المخلوق الرائع هو النظام المانع للانحناء. عندما یغطس الغطاس إلى الأعماق بسرعة کبیرة، یواجه هذا النوع من الخطر. ویکون سبب الالتواء دخول الهواء مباشرة إلى الدم، وبالتالی تشکل الفقاعات الهوائیة فی الشرایین. یمکن أن تؤدی هذه الفقاعات إلى الموت لما تسببه من إعاقة للدوران الدموی. إلا أن الدلافین والحیتان لا یواجهون هذه المشکلة على الرغم من أنها تتنفس عن طریق الرئتین، والسبب هو أنها تغوص برئتین فارغتین، وبما أنها لا تحمل هواء فی رئتیها فهی لیست عرضة للانحناء.

إلا أن هذا یقود إلى سؤال هام: إذا کانت رئتاها فارغتین من الهواء فلماذا لا تختنق بسبب نقص الأکسجین؟ الجواب على هذا السؤال یحمله بروتین ‘’المیوغلوبین’’ الذی یتواجد فی أنسجة العضلات بنسب کبیرة. یتمیز هذا البروتین ‘’المیوغلوبین’’، بجاذبیة قویة جداً للأکسجین، وبذلک لا یختزن هذا المخلوق الأکسجین فی رئتیه وإنما فی عضلاته. یستطیع الدلفین أوالحوت أن یسبح دون تنفس لفترات طویلة، کما یمکنه أن یغوص إلى العمق الذی یریده. یحتوی الجسم البشری أیضاً على المیوغلوبین، لکنه لا یمکن أن یتحمل نفس الظروف بسبب حجمه الصغیر. هذا التصمیم الفرید الذی یختص به الدلفین والحوت آیة من آیات الحکمة والخلق الإلهی المعجِز. خلق الله الثدییات مثل باقی الحیوانات ببنیة تناسب الظروف التی تعیش بها.

المضخة عند الزراف

تعتبر الزرافة بطولها الفارع (5 أمتار) واحدة من أکبر الحیوانات على وجه الأرض وأطولها، إلا أن هذا الحجم الکبیر والطول الفارع یتطلبان نظاماً دورانیاً فریداً لکی یقضی هذا المخلوق حیاة سلیمة فی هذه الدنیا. بدایة، یجب أن یصل الدم إلى الدماغ الذی یتوضع فوق القلب بمترین، وهذا یتطلب بنیة غیر عادیة للقلب، لذلک خلق الله قلب الزرافة قویاً بما یکفی لضخ الدم تحت ضغط 350 ملم زئبقی.

هذا النظام القوی - والذی من الممکن أن یقتل الإنسان العادی - یتواجد ضمن غرفة خاصة تغلفه شبکة من الأوعیة الشعریة مهمتها التخفیف من الإصابات الممیتة.

من جهة أخرى، یوجد نظامٌ یشبه حرف U فی المنطقة الواقعة ما بین الرأس والقلب یتکون من الأوعیة الصاعدة والنازلة. تقوم السوائل التی تتدفق فی الأوعیة بالاتجاه المعاکس بموازنة نفسها، مما یحمی الحیوان من ارتفعات خطیرة فی ضغط الدم التی قد تسبب نزفاً داخلیاً.

یتطلب القسم الذی یقع تحت القلب وخاصة الساقان والقدمان، عنایة خاصة. إن السماکة المضاعفة للجلد فی هذه المناطق تحمی هذا المخلوق من الأعراض الجانبیة لضغط الدم العالی، کما توجد صمامات فی الأوعیة الدمویة تنظم الضغط.

الخطر الأکبر الذی تتعرض له الزرافة، هو الانحناءة التی تقوم بها عند حاجتها لشرب الماء. فی هذه اللحظة یرتفع الضغط المرتفع أصلاً بما یکفی لیسبب نزفاً داخلیاً، إلا أن الزرافة لا تعانی من ذلک، فقد تم الاحتیاط لهذا النوع من الخطر، إذ یقوم سائل خاص وهو السائل المخی الشوکی الذی یوجد أیضاً فی الدماغ والعمود الفقاری، بتولید ضغط معاکس لیمنع حدوث تمزق الأوعیة الشعریة. کما یدعم هذا التوازن صمامات تعمل باتجاه واحد وتنغلق عندما یخفض الحیوان رأسه. تقلل الصمامات من تدفق الدم، لتتمکن الزرافة من خفض رأسها والنهل من الماء بأمان. ولمزید من الحرص على تفادی أخطار ارتفاع الضغط، تتمیز هذه الصمامات بغلافها الثخین والذی یتألف من عدة طبقات.

تصمیم الخطة الدفاعیة عند النحل

الزنابیر العملاقة فی الیابان هی ألد أعداء النحل الأوربی. یستطیع 30 زنبوراً القضاء على 30000 نحلة عند مهاجمة الخلیة خلال ثلاث ساعات فقط.

عندما تکتشف الزنابیر مستعمرة نحل جدیدة فإنها تخبر الآخرین عن ذلک من خلال إفرازها رائحة خاصة. یستشعر النحل أیضاً هذه الرائحة ویبدأ باستعداداته لصد الهجوم فیتجمع على مدخل الخلیة. عندما تقترب الزنابیر تخرج 500 نحلة لملاقاتها. یبدأ النحل بالاهتزاز لزیادة درجة حرارة الجسم. وفی بیئة کهذه یشعر الزنبور وکأنه داخل فرن حراری، وفی النهایة تموت الزنابیر. تظهر فی الصورة الحراریة لهذا الهجوم المناطق الحمراء التی تصل درجة الحرارة فیها إلى 48 درجة مئویة، أو یمکن للنحل أن یتحمل هذه الحرارة مع أنها تعتبر قاتلة بالنسبة للزنابیر.55

معجزة التکاثر عند الضفادع

الکثیر منا یعتقد أن الضفادع تتکاثر عن طریق فقس البیض وتطور ‘’الشرغوف’’. مع ذلک یوجد العدید من الطرق الأخرى لتکاثر الضفادع، منها ما یثیر الکثیر من الدهشة.

تحمل الضفادع صفات تساعدها على البقاء فی مختلف البیئات. لذلک یمکنها أن تعیش فی أی مکان على الأرض ما عدا القارة القطبیة. تتواجد الضفادع مثلاً فی الصحارى والغابات والسهول وجبال الهیمالایا والآندیز والارتفاعات التی قد تصل إلى 5000 متراً، إلا أن المناطق المداریة هی أکثر المناطق ازدحاماً بالضفادع، ففی الغابات المطیرة تزدحم الضفادع حیث یمکنک أن تجد 40 نوعاً منها فی کل مترین مربعین.

فی بعض الأنواع یهتم الذکور فقط بالعنایة بالبیوض، بینما یتشارک الزوجان فی أنواع أخرى بهذه المهمة أو تقوم بها الأم لوحدها. على سبیل المثال: تبقى ذکور الضفادع فی کوستریکا تراقب البیوض لمدة تتراوح ما بین 10-12 یوماً إلى أن تفقس، وبعد مجهودات جبارة تتسلق الشراغیف ظهور الأمهات وتلتصق بها حتى تبدوان وکأنهما لحمة واحدة، بعد ذلک تتسلق الأم شجرة فی الغابة تحمل أزهاراً تشبه الکأس وبتلاتها تتجه نحو السماء وتکون مملوءة بالماء، تضع الأم صغارها فی هذه الزهرة وتترکها لتنمو بأمان.

وبما أن هذه المیاه لا تحتوی على غذاء، تضع الأم بیوضاً غیر ملقحة من أجل تغذیة صغارها. وتتغذى الشراغیف على هذه البیوض الملیئة بالبروتینات والکربوهیدرات.56

‘’الضفدع المجالد’’ هو نوع آخر من الضفادع التی تحرس المنطقة التی تحتوی على البیوض. تحمل ذکور هذا النوع أشواکاً تحت أصابعها لتخدش فیها أی دخیل غریب.

یبنی الذکر الإفریقی الصغیر (Nectophyrne afra)  بیته خارج الطین الممتلئ بالماء على شواطئ البحیرات أو الأنهار الضحلة التی تلتصق بها البیوض. بهذه الطریقة تبقى الضفادع على سطح الماء لتتنفس الأکسجین. وقد تؤدی حرکة صغیرة من ضفدع آخر أو لمسة من یعسوب یمر قریباً إلى تدمیر هذه المنظومة من البیوض وإرسالها إلى القاع حیث تبقى لتموت دون أکسجین. یقوم ذکر الضفدع بحراسة البیوض، وأثناء فترة الحراسة هذه یقوم بضرب الماء بساقه لیزید من کمیة الأکسجین الداخلة إلى البیضة عبر غشائها.

إلا أن نوعاً آخر من الضفادع، وهو الضفدع الزجاجی، لا یقوم بحراسة البیوض، فقد ألهمه الله طریقة أخرى لذلک. تضع هذه الضفادع بیوضها على صخور ونباتات البحیرات أو الأنهار المداریة، وعندما تفقس البیوض تنزل الشراغیف إلى الماء.

تدحض هذه النماذج من السلوک الواعی والغیری لأنواع الضفادع المختلفة التی تدافع بواسائل مختلفة عن صغارها المزاعم الداروینیة التی تقوم على أساس أن جمیع المخلوقات تعیش فی صراع أنانی من أجل البقاء. إن السلوک الغیری لضفدع واحد فی رعایته ودفاعه عن صغاره کاف لنسف هذا المفهوم من أساسه. علاوة على أن السلوک الذکی لهذه المخلوقات یبطل نظریة الوجود المصادفی التی قام علیها داروین. تقف هذه المخلوقات شواهد على أن الله قد خلق الکائنات الحیة ووضع فیها الغریزة التی تضمن لها حیاة مثالیة. یقول الله تعالى لنا فی کتابه الکریم: {وَفی خَلْقِکُمْ وَمَا یَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آیَاتٌ لِّقَوْمٍ یُوقِنُونَ} الجاثیة: 4 .

ضفادع تتکاثر فی المعدة

آیة أخرى من آیات الخلق المعجز طریقة تکاثر عجیبة ینتهجها نوع من الضفادع یطلق علیه ‘’ریو باتراخوس سیلوس’Rheobatrachus silus . تبتلع هذه الضفادع بیوضها بعد الإخصاب، ولکن لیس لتأکلها بل لتحمیها. تفقس البیوض فی المعدة وتبقى هناک لمدة ستة أسابیع بعد الفقس. ولکن کیف تبقى هناک دون أن تُهضم؟ إنه النظام المحکم الذی حباها الله به. فی البدایة تتوقف الأنثى عن تناول الطعام لمدة ستة أسابیع، أی:

إن المعدة تبقى مخصصة طول هذه الفترة للشراغیف فقط، ولکن هناک خطر آخر یتهددها: إنه حمض الهیدروکلوریک والببسین، هاتان المادتان کافیتان لقتل الصغار، ولکن هذا لا یحدث، لأن الأمور محسوبة وضمن معاییر خاصة. فالسوائل الموجودة فی معدة الأم تتم محایدتها عن طریق مادة أخرى تشبه الهرمون وتدعى 2prostaglandin E تفرزها کبسولات البیوض من جهة والشراغیف من جهة أخرى. وهکذا ینمو الصغار بصحة جیدة على الرغم من أنها تسبح فی برکة حمضیة.

والسؤال الذی یطرح نفسه هو: کیف تتغذى الشراغیف فی معدة فارغة؟ هذه أیضاً مسألة محلولة. إن بیوض هذه الأنواع أکبر من غیرها بشکل ملحوظ؛ لأنها تحتوی على صفار غنی بالبروتین، یکفی لتغذیة الصغار لمدة ستة أسابیع.

والآن حان وقت الولادة. یتمدد المری خلال الوضع تماماً کما یتمدد الرحم عند الثدییات، وعندما تخرج الصغار یعود کل من المری والمعدة إلى الحالة الطبیعیة وتبدأ الأنثى بتناول طعامها.57

ینسف نظام التکاثر لدى هذا النوع من الضفادع المزاعم التطوریة من أساسها، لأنه نظام معقد ومترابط. کل خطوة من هذه العملیة مرتبة بعنایة لتضمن حیاة هذا الشرغوف. یجب أن تبتلع الأم البیوض أولاً وأن تتوقف عن تناول الطعام لمدة ستة أسابیع، بینما یتحتم على البیوض أن تفرز مادة هرمونیة لتعدّل الوسط الحامضی للمعدة. أما البروتین الإضافی الذی یقدمه صفار البیضة فهو ضرورة أخرى. لا یمکن أن یتوسع مری الأنثى عن طریق المصادفة لتضع صغارها. إن أی خلل مهما کان صغیراً فی هذه السلسلة من الأحداث کفیل بإهلاک الصغیر واستمرار هذا الخلل یعنی انقراض النوع.

لهذا السبب لا یمکن أن تکون نظریة ‘’الخطوة خطوة ‘’ ممکنة التطبیق على هذا النوع من الضفادع. لقد خُلق أول ضفدع من نوع ‘’Rheobatrachus silus’’ بکامل مقوماته وصفاته من اللحظة الأولى. إن کل المخلوقات التی عرضناها حتى الآن تبرهن على الحقیقة ذاتها: تصمیم معجز یشمل الطبیعة بکامل أرکانها. لقد خلق الله المخلوقات على جانب من التعقید الذی لا یمکن تفکیکه، إنه العلم المطلق والقدرة الإلهیة اللامتناهیة:

{ هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَآءُ الحُسْنَى یُسَبِّحُ لَهُ مَا فی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِیزُ الحَکِیمُ } الحشر: .24

التصمیم الأعظم: الکون

هناک قوانین أساسیة فی الکون لا تتغیر، تلک التی تحکم الأحیاء وغیر الأحیاء على حد سواء. هذه القوانین تدل على الخلق المحکم للکون تماماً کما تدل الأحیاء التی تعیش فیه، وهی تعرض علینا فی یومنا هذا علیشکل قوانین فیزیائیة کما اکتشفها الفیزیائیون. هذه القوانین التی یطلق علیها اسم ‘’قوانین الفیزیاء’’ لیست إلا برهاناً على تمام خلق الله وکماله. (لمزید من التفاصیل انظر: کتاب خلق الکون لهارون یحیى).

لنأخذ بعض الأمثلة على کمال الخلق:

على سبیل المثال: نتأمل إحدى الخصائص المتعددة لماء المطر: ‘’لزوجة الماء’’.

تتمیز السوائل على اختلافها بدرجات متفاوتة من اللزوجة، إلا أن لزوجة الماء مثالیة وتناسب کل أنواع الأحیاء على وجه البسیطة. فلو کانت درجة لزوجة الماء أکثر بقلیل مما هی علیه، لما تمکن النبات من نقل الغذاء عبر أنابیبه الشعریة.

وإذا کانت أقل مما هی علیه، فسیختلف جریان الأنهار اختلافاً کبیراً عما هو علیه، وبالتالی یتغیر تشکیل الجبال، ولن تتشکل الودیان والضفاف، ولن تتحلل الصخور لتصنع التربة.

کذلک یسهل الماء دوران الخلایا الدمویة التی تحمی أجسامنا من المکروبات والمواد الممرضة. فلو کان الماء أکثر لزوجة مما هو علیه،لاستحالت حرکة هذه الخلایا فی الأوعیة، ولارتبک القلب فی ضخ الدم، وقد یفشل فی الحصول على الطاقة اللازمة لهذا العمل. حتى هذه الأمثلة القلیلة کافیة لتوضیح أن الماء قد خلق خصیصاً من أجل الأحیاء. تأتی الآیة الکریمة على وصف الماء بقوله تعالى:

{ هُوَ الَّذِی أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً لَّکُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِیهِ تُسِیمُونَ ? یُنبِتُ لَکُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّیْتُونَ وَالنَّخِیلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن کُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فی ذَلِکَ لآَیةً لِّقَومٍ یَتَفَکَّرُونَ }النحل: 10-.11

توازن القوى

ماذا یحدث لو أن قوة الجاذبیة کانت أکبر مما هی علیه الآن؟ سیکون السیر أو الرکض مستحیلاً. سیستهلک الإنسان والحیوان طاقة أکبر بکثیر لیتمکنوا من الحرکة، وهذا یعنی نضوب موارد الطاقة الأرضیة. ماذا لو کانت الجاذبیة أقل قوة مما هی علیه؟ لن تتمکن الأشیاء الخفیفة من الحفاظ على وضعیتها على الأرض، ستطفو ذرات الرمال مثلاً فی الهواء لفترات طویلة. ستنخفض سرعة تساقط قطرات المطر وقد تتبخر قبل أن تصل إلى الأرض. ستتباطأ حرکة الأنهار ولا یمکن تولید الکهرباء بالنسبة ذاتها. کل ذلک یعتمد على خاصیة تجاذب الکتل.

ینص قانون نیوتن للجاذبیة على أن قوة التجاذب بین الأشیاء تعتمد على کتلها والمسافة الفاصلة بینها. لذلک إذا تضاعفت المسافة بین نجمتین ثلاث مرات، فإن قوة التجاذب تنخفض تسعة أضعاف، أو إذا انخفضت المسافة إلى النصف، تزداد قوة الجاذبیة أربعة أضعاف.

هذا القانون یساعد على فهم الوضع الحالی للأرض والقمر والکواکب. لو کان قانون الجاذبیة غیر هذا، أی: لوکانت قوة الجاذبیة تزداد بازدیاد المسافة، فلن تکون مدارات النجوم إهلیلیجیة وستقع على الشمس.

ولو کانت أضعف من ذلک لبقیت الأرض فی مکان ثابت وبعید عن الشمس. باختصار: لو لم تکن قوة الجاذبیة بهذه الدقة لاصطدمت الأرض بالشمس أو لضاعت فی أعماق الفضاء.

ماذا لوکان ثابت بلانک متغیراً؟ نحن نواجه أشکالاً مختلفة من الطاقة. حتى الحرارة التی نستشعرها أمام النار قد خلقت بموازین معقدة.

یفترض فی الفیزیاء أن الطاقة لا تشع عن طریق موجات حراریة، وإنما جزیئات صغیرة تدعى ‘’کوانتا’’. وفی حساب الطاقة المشعة تستخدم قیمة ثابتة یطلق علیها ثابت بلانک. هذا الرقم صغیر جداً بحیث یمکن إهماله. إلا أنه واحد من الدلالات الأساسیة والثابتة فی الطبیعة، وهو تقریباً 6.626x10-34  إذا قسمت طاقة الفوتون على التردد فی أی حالة من حالات الإشعاع، فإن الناتج هو هذا الرقم الثابت دائماً. جمیع أنواع الطاقة الکهرومغناطیسیة مثل الحرارة، الضوء، وغیرها تخضع لثابت بلانک.

فلو کان هذا الثابت مختلفاً قلیلاً، لکانت الحرارة التی نستشعرها أمام النار مختلفة کثیراً عما هی علیه. وهنا قد یحدث أحد المتناقضین: إما أن تشتد الطاقة الناریة حتى یمکن أن یتسبب جزء صغیر منها فی إحراقنا، أو أن تنخفض الطاقة الحراریة فیها حتى لا تکفی کرة ناریة بحجم الشمس على تدفئة الأرض بأسرها.

قوة الاحتکاک

غالباً ما تعتبر قوة الاحتکاک أمراً مزعجاً نواجهه فی حیاتنا العملیة کل یوم. ولکن کیف یمکن أن یبدو العالم لو لم یکن هناک قوة احتکاک؟ ستنزلق الأوراق والأقلام من أیدینا وتقع على الأرض، وستنزلق الطاولة باتجاه زاویة الغرفة، باختصار: ستبقى الأشیاء تقع وتدور إلى أن تتوقف فی النهایة فی أخفض نقطة. فی عالم اللااحتکاک یمکن أن تتحد کل العقد، وتخرج کل المسامیر والبراغی من أمکنتها، بینما ینقطع الصوت ویبقى صداه یتردد إلى اللانهایة.

إن هذه القوانین التی تحکم الکون والمخلوقات التی تعیش فیه ما هی إلا نتیجة قوة إلهیة عظمى. فی الواقع هذه القوانین الفیزیائیة لیست سوى وصف للنظام الإلهی الذی أبدعه الله. لقد خلق الله القوانین الکونیة وسخرها للإنسان لیرى ویتعظ ویستشعر العظمة الإلهیة ویشکر الخالق على نعمه.

لا یمکن أن یتوقف الإنسان عن عرض الأمثلة التی تعرض للقدرة الإلهیة المعجزة . کل ما فی هذا الکون منذ أن خلق قبل ملایین السنین لیس إلا خلق متقن صاغته الید الإلهیة بقدرة مطلقة وحکمة لا متناهیة.

ملحق:

خدیـعة التطــوّر

إنّ نظریة التّطور أو الداروینیة: هی نظریة ظهرت لتناهض فکرة خلق الأحیاء، ولکنها لم تتجاوز حد کونها سَفْسَطَة لا تمت إلى العلم بأیة صلة، إضافة إلى کونها نظریة بعیدة عن أی نجاح وانتشار. وتدّعی هذه النظریة أن الحیاة نشأت من مواد حیة بفعل المصادفات، ولکنّ هذا الادّعاء سرعان ما تهاوى أمام ثبوت خلق الأحیاء وغیر الأحیاء من قبل الله عز وجل. فالذی خلق الکون ووضع فیه الموازین الدقیقة هو بلا شک الخالق الفاطر سبحانه وتعالى. ونظریة التّطور لا یمکن لها أن تکون صائبة طالما تشبثت بفکرة رفض ‘’ خلق الله للکائنات ‘’ وتبنی مفهوم ‘’المصادفة ‘’ بدلاً عنها .

وبالفعل عندما نتفحص جوانب هذه النظریة من أبعادها کافة نجد أن الأدلة العلمیة تفنّدها واحداً بعد الآخر، فالتصمیم الخارق الموجود فی الکائنات الحیة أکثر تعقیداً منه فی الکائنات غیر الحیة. ومثال على ذلک الذّرات فهی موجودة وفق موازین حساسة للغایة، ونستطیع أن نمیز هذه الموازین بإجراء الأبحاث المختلفة علیها، إلاّ أنّ هذه الذّرات نفسها موجودة فی العالم الحی وفق ترتیب آخر أکثر تعقیداً، فهی تعد مواد أساسیة لترکیب البروتینات والأنزیمات والخلایا، وتعمل فی وسط له آلیات ومعاییر حساسة إلى درجة مدهشة.

إنّ هذا التصمیم الخارق کان سبباً رئیساً لتفنید مزاعم هذه النظریة بحلول نهایة القرن العشرین .

المصاعب التی هدمت الداروینیة

ظهرت هذه النّظریة بصورة محددة المعالم فی القرن التاسع عشر مستندة إلى التراکمات الفکریة والتی تمتد جذورها إلى الحضارة الإغریقیة، ولکنّ الحدث الذی بلور هذه النظریة وجعل لها موطئ قدم فی دنیا العلم هو صدور کتاب ‘’ أصل الأنواع ‘’ لمؤلفه تشارلز داروین. ویعارض المؤلف فی کتابه عملیة خلق الکائنات الحیة المختلفة من قبل الله سبحانه وتعالى، وبدلاً من ذلک یدعو إلى اعتقاده المبنی على نشوء الکائنات الحیة کافة من جد واحد، وبمرور الزمن ظهر الاختلاف بین الأحیاء نتیجة حدوث التغییرات الطفیف.

إنّ هذا الادعاء الداروینی لم یستند الى أی دلیل علمی، ولم یتجاوز کونه ‘’جدلاً منطقیاً’’ لیس إلاّ باعترافه هو شخصیاً، حتى إن الکتاب احتوى على باب باسم ‘’مصاعب النظریة ‘’ تناول بصورة مطولة اعترافات داروین نفسه بوجود العدید من الأسئلة التی لم تستطع النظریة أن تجد لها الردود المناسبة، لتشکل بذلک ثغرات فکریة فی بنیان النظریة.

وکان یتمنى أن یجد العلم بتطوره الردود المناسبة لهذه الأسئلة لیصبح التطور العلمی مفتاح قوة للنظریة بمرور الزمن. وهذا التمنی طالما ذکره فی کتابه، ولکن العلم الحدیث خیب أمل داروین وفنَّد مزاعمه واحداً بعد الآخر .

ویمکن ذکر ثلاثة عوامل رئیسة أدت إلى انتهاء الداروینیة کنظریة علمیة وهی:

( 1 إنّ النظریة تفشل تماماً فی إیجاد تفسیر علمی عن کیفیة ظهور الحیاة لأول مرة.

( 2 عدم وجود أی دلیل علمی یدعم فکرة وجود ‘’آلیات خاصة للتطور ‘’ کوسیلة للتکیف بین الأحیاء.

( 3 إنّ السّجلات لحفریات المتحجرات تبین لنا وجود مختلف الأحیاء دفعة واحدة عکس ما تدعیه نظریة التطور .

وسنشرح بالتفصیل هذه العوامل الثلاثة:

أصل الحیاة : الخطوة غیر المسبوقة أبداً

تدّعی نظریة التّطور أنّ الحیاة والکائنات الحیة بأکملها نشأت من خلیة وحیدة قبل 3,8ملیار سنة. ولکن کیف یمکن لخلیة حیة واحدة أن تتحول إلى الملایین من أنواع الکائنات الحیة المختلفة من حیث الشکل والترکیب، و إذا کان هذا التحول قد حدث فعلاً، فلماذا لم توجد أیة متحجرات تثبت ذلک؟ إنّ هذا التساؤل لم تستطع النظریة الإجابة عنه، وقبل الخوض فی هذه التفاصیل یجب التوقف عند الادعاء الأول والمتمثل فی تلک ‘’الخلیة الأم’’. ترى کیف ظهرت إلى الوجود؟ تدعی النظریة أن هذه الخلیة ظهرت إلى الوجود نتیجة المصادفة وحدها وتحت ظل ظروف الطبیعة دون أن یکون هنالک أی تأثیر خارجی أو غیر طبیعی؛ أی إنها ترفض فکرة الخلق رفضاً قاطعاً، بمعنى آخر: تدعی النظریة أنّ مواداً غیر حیة حدثت لها بعض المصادفات أدت بالنتیجة إلى ظهور خلیة حیة، وهذا الادعاء یتنافى تماماً مع کافة القواعد العلمیة المعروفة .

‘’الحیاة تنشأ من الحیاة’’

لم یتحدث تشارلز داروین أبداً عن أصل الحیاة فی کتابه المذکور، والسبب یتمثّل فی طبیعة المفاهیم العلمیة التی کانت سائدة فی عصره، والتی لم تتجاوز فرضیة تکون الأحیاء من مواد بسیطة جداً. وکان العلم آنذاک ما یزال تحت تأثیر نظریة ‘’التولد التلقائی’’ التی کانت تفرض سیطرتها منذ القرون الوسطى، ومفادها أنّ موادَّ غیر حیة قد تجمعت بالمصادفة و أنتجت مواد حیة.

وهناک بعض الحالات الیومیة کانت تسوق بعض الناس إلى تبنی هذا الاعتقاد مثل تکاثر الحشرات فی فضلات الطّعام وتکاثر الفئران فی صوامع الحبوب. ولإثبات هذه الادّعاءات الغریبة کانت تجری بعض التجارب مثل وضع حفنة من الحبوب على قطعة قماش بالٍ ، وعند الانتظار قلیلاً تبدأ الفئران بالظهور حسب اعتقاد الناس فی تلک الفترة .

وکانت هناک ظاهرة أخرى وهی تکاثر الدود فی اللحم، فقد ساقت النّاس إلى هذا الاعتقاد الغریب واتخذت دلیلاً له، ولکن تم إثبات شیء آخر فیما بعد؛ وهو أن الدود یتم جلبه بواسطة الذباب الحامل لیرقاته والذی یحط على اللحم. وفی الفترة التی ألف خلالها داروین کتابه ‘’أصل الأنواع’’ کانت الفکرة السائدة عن البکتیریا أنها تنشأ من مواد غیر حیة، ولکن أثبتت التطورات العلمیة بعد خمس سنوات فقط من تألیف الکتاب عدم صحة ما جاء فیه، وذلک عن طریق الأبحاث التی أجراها عالم الأحیاء الفرنسی لویس باستور، ویلحض باستور نتائج أبحاثه کما یلی: ‘’لقد أصبح الادعاء القائل بأن المواد غیر الحیة تستطیع أن تنشئ الحیاة فی مهب الریـح’’. 58

وظل المدافعون عن نظریة التطور یکافحون لمدة طویلة ضد الأدلة العلمیة التی توصل إلیها باستور، ولکن العلم بتطوره عبر الزمن أثبت التعقید الذی یتصف به ترکیب الخلیة، وبالتالی استحالة ظهور مثل هذا الترکیب المعقد من تلقاء نفسه .

المحاولات العقیمة فی القرن العشرین

لقد کان الاختصاصی الروسی فی علم الأحیاء ألکسندر أوبارین أول من تناول موضوع أصل الحیاة فی القرن العشرین، وأجرى أبحاثاً عدیدة فی ثلاثینیّات القرن العشرین لإثبات أن المواد غیر الحیة تستطیع إیجاد مواد حیة عن طریق المصادفة، ولکن أبحاثه باءت بالفشل الذریع واضطر الى أن یعترف بمرارة قائلاً : ‘’إنّ أصل الخلیة یُعَدُّ نقطة سوداء تبتلع نظریة التطور برمتها ‘’. 59

ولم ییأس باقی العلماء من دعاة التطور، واستمروا فی الطریق نفسه الذی سلکه أوبارین وأجروا أبحاثهم للتوصل إلى أصل الحیاة. وأشهر بحث أجری من قبل الکیمیائی الأمریکی ستانلی میللر سنة 1953 حیث افترض وجود مواد ذات غازات معینة فی الغلاف الجوی فی الماضی البعید، ووضع هذه الغازات مجتمعة فی مکان واحد وجهزها بالطاقة، واستطاع أن یحصل على بعض الاحماض الأمینیة التی تدخل فی ترکیب البروتینات .

وعُدَّت هذه التجربة فی تلک السّنوات خطوة مهمة إلى الأمام، ولکن سرعان ما ثبت فشلها؛ لأن المواد المستخدمة فی التجربة لم تکن تمثل حقیقة المواد التی کانت موجودة فی الماضی السحیق، وهذا الفشل ثبت بالتأکید فی السنوات اللاحقة. 60

وبعد فترة صمت طویلة اضطر میللر نفسه أن یعترف بأن المواد التی استخدمها فی إجراء التجربة لم تکن تمثل حقیقة المواد التی کانت توجد فی الغلاف الجوی فی سالف الزمان. 61

وباءت بالفشل کل التجارب التی أجراها الداروینیون طوال القرن العشرین، وهذه الحقیقة تناولها جیفری بادا الاختصاصی فی الکیمیاء الجیولوجیة فی المعهد العالی فی سان دیغو سیکربس ضمن مقال نشره سنة 1998 على صفحات مجلة ‘’الأرض’’ ذات التوجه الداروینی ، وجاء فی المقال ما یلی :

‘’ نحن نودع القرن العشرین و مازلنا کما کنا فی بدایته نواجه معضلة لم نجد لها إجابة؛ وهی: کیف بدأت الحیاة ؟62

الطبیعة المعقدة للحیاة

السبب الرئیسی الذى جعل نظریة ال

تطور تتورط فی هذه المتاهات أن هذا الموضوع العمیق لأصل الحیاة معقد للغایة، حتى للکائنات الحیة البسیطة بشکل لا یصدقه عقل.

إن خلیة الکائن الحی أعقد بکثیر من جمیع منتجات التکنولوجیا التی صنعها الإنسان فی وقتنا الحاضر ولا یمکن إنتاج خلیة واحدة بتجمیع مواد غیر حیة فی أکبر المعامل المتطورة فی العالم.

إن الشروط اللازمة لتکوین خلیة حیة کثیرة جداً، لدرجة أنه لا یمکن شرحها بالاستناد على المصادفات إطلاقاً، غیر أن احتمال تکوین تصادفِی للبروتینیات التی هی حجر الأساس للخلیة (على سبیل المثال: احتمالیة تکوین بروتین متوسط له خمس مئة حمض أمینی هی 10950 / 1 تعد مستحیلاً على أرض الواقع.

إنَّ الـ DNA الذی یحفظ المعلومات الجینیة فی نواة الخلیة یعد بنکاً هائلا للمعلومات لا یمکن تصور ما فیه،فهذه المعلومات تمثل فی تصورنا مکتبة تشتمل على تسع مئة مجلد، وکل مجلد عدد صفحاته خمس مئة صفحة.

وهناک أیضاً ازدواجیة أخرى غریبة فی هذه النقطة وهی أن الشریط الثانی لDNA لا یمکن تکونه إلا ببعض البروتینیات (الأنزیمات ) الخاصة، ولکن إنتاج هذه الأنزیمات یتم حسب المعلومات الموجودة فی DNA ئ؟ فقط لارتباطهما الوثیق ببعضهما، فلا بد من وجودهما معاً فی الوقت نفسه لکی تتم الازدواجیة، فهو یؤدی إلى الوقوع فی مأزق الفکرة التی تقول: إن الحیاة قد وجدت من ذاتها، ویعترف بهذه الحقیقة الداروینی المعروف ‘’ لیسلی أورجیل’’. 63

إن البروتینات والحموض النوویة و DNA RNA التی تمتلک مکونات غایة فی التعقید یتم تکوینهما فی الوقت نفسه والمکان نفسه، واحتمال تکوینهما مصادفة مرفوضة تماماً، فلا یمکن إنتاج أحدهما دون أن یکون الآخر موجوداً، وکذلک یکون الإنسان مضطراً إلى الوصول الى نتیجة وهی استحالة ظهور الحیاة بطرق کیمیائیة .

إن کان ظهور الحیاة بطریق المصادفة مستحیلاً فیجب أن نعترف بخلق الحیاة بشکل خارق للطبیعة، هذه لحقیقة تبطل نظریة التطور التی بنت کل مقوماتها التنظیریة على أساس إنکار الخلق.

لآلیات الخیالیة لنظریة التطور

القضیة الثانیة التی کانت سبباً فی نسف نظریة داروین کانت تدور حول ‘’ آلیات التطور ‘’ فهذا الادعاء لم یثبت فی أی مکان فی دنیا العلم لعدم صحته علمیاً ولعدم احتوائه على قابلیة التطویر الحیوی. وحسب ادعاء داروین فإنّ التطور حدث نتیجة ‘’الانتخاب الطبیعی’’ وأعطى أهمیة استثنائیة لهذا الادعاء، حتى إنّ هذا الاهتمام من قبله یتضح من اسم الکتاب الذی أسماه ‘’أصل الأنواع عن طریق الانتخاب الطبیعی ‘’ .

إنّ مفهوم الانتخاب الطبیعی یستند إلى مبدأ بقاء الکائنات الحیة التی تظهر قوة وملاءمة تجاه الظروف الطبیعیة، فعلى سبیل المثال: لو هُدِّد قطیع من الایل من قبل الحیوانات المفترسة فإن الأیل الأسرع فی العدو یستطیع البقاء على قید الحیاة، وهکذا یبقى القطیع متألفاً من أیایل أقویاء سریعین فی العدو. ولکن هذه الآلیة لا تکفی أن تطور الأیایل من شکل إلى آخر، کأن تحولها إلى خیول مثلاً. لهذا السّبب لا یمکن تبنی ‘’الانتخاب الطبیعی’’ کوسیلة للتطور، و حتى داروین نفسه کان یعلم ذلک وذکره به ضمن کتابه ‘’ أصل الأنواع ‘’ بما یلی: ‘’طالما لم تظهر تغییرات إیجابیة فإن الانتخاب الطبیعی لا یفی بالغرض المطلوب’’.64

تأثیر لامارک

والسؤال الذی یطرح نفسه: کیف کانت ستحدث هذه التغییرات الإیجابیة ؟ وأجاب داروین عن هذا السؤال استناداً إلى أفکار من سبقوه من رجالات عصره مثل لامارک، و لامارک عالم أحیاء فرنسی عاش ومات قبل داروین بسنوات کان یدعی أن الأحیاء تکتسب تغییرات معینة تورثها إلى الأجیال اللاحقة، وکلما تراکمت هذه التغییرات جیلاً بعد جیل أدّت إلى ظهور أنواع جدیدة، وحسب ادعائه فإنّ الزّرافات نشأت من الغزلان نتیجة محاولاتها للتغذی على أوراق الأشجار العالیة عبر أحقاب طویلة. وأعطى داروین أمثلة مشابهة فی کتابه ‘’أصل الأنواع’’ فقد ادّعى أن الحیتان أصلها قادم من الدببة التی کانت تتغذى على الکائنات المائیة وکانت مضطرة إلى النزول إلى الماء بین الحین والآخر.65 إلا أن قوانین الوراثة التی اکتشفها مندل والتطور الذی طرأ على علم الجینات فی القرن العشرین أدّى إلى نهایة الأسطورة القائلة بانتقال الصفات المکتسبة من جیل إلى آخر، وهکذا ظلت ‘’ آلیة الانتخاب الطبیعی’’ آلیة غیر ذات فائدة أو تأثیر من وجهة نظر العلم الحدیث.

الداروینیة الحدیثة والطفرات الوراثیة

قام الدّاروینیون بتجمیع جهودهم أمام المعضلات الفکریة التی واجهوها خصوصاً فی ثلاثینیات القرن العشرین وساقوا نظریة جدیدة أسموها بـ’’نظریة التکوّن الحدیث’’ أو ما عرف بـ’’الداروینیة الحدیثة ‘’، وحسب هذه النظریة هناک عامل آخر له تأثیر تطوری إلى جانب الانتخاب الطبیعی، وهذا العامل یتلخص فی حصول طفرات وراثیة أو جینیة تکفی سبباً لحدوث تلک التغییرات الإیجابیة المطلوبة، وهذه الطفرات تحدث إمّا بسبب التعرض للإشعاعات أو نتیجة خطأ فی الاستنساخ الوراثی للجینات .

وهذه النظریة مازالت تدافع عن التطور لدى الأحیاء تحت اسم الداروینیة الحدیثة، وتدَّعی هذه النظریة أن الأعضاء والتراکیب الجسمیة الموجودة لدى الأحیاء والمعقدة الترکیب کالعین والأذن أو الکبد والجناح ... إلخ لم تظهر أو تتشکل إلا بتأثیر حدوث طفرات وراثیة أو حدوث تغییرات فی ترکیب الجینات، ولکن هذا الادعاء یواجه مطبّاً علمیاً حقیقیاً؛ وهو أن الطفرات الوراثیة دائماً تشکل عامل ضرر على الأحیاء ولم تکن ذات فائدة فی یوم من الأیام.

وسبب ذلک واضح جداً فإن جزیئة الـDNA معقدة الترکیب للغایة، وأی تغییر جزیئی عشوائی مهما کان طفیفاً لابد من أن یکون له أثر سلبی، وهذه الحقیقة العلمیة یعبر عنها ب.ج.رانکاناثان الأمریکی الاختصاصی فی علم الجینات کما یلی: ‘’إنّ الطفرات الوراثیة تتسم بالصغر والعشوائیة والضرر، ولا تحدث إلا نادراً وتکون غیر ذات تأثیر فی أحسن الأحوال. إنّ هذه الخصائص العامة الثلاث توضح أنّ الطفرات لا یمکن أن تلعب دوراً فی إحداث التطور، خصوصاً أنّ أیّ تغییر عشوائی فی الجسم المعقد لابدّ له أن یکون إمّا ضاراً أو غیر مؤثر، فمثلاً أیّ تغییر عشوائی فی ساعة الید لا یؤدی إلى تطویرها، فالاحتمال الأکبر أن یؤدی إلى إلحاق الضرر بها أو أن یصبح غیر مؤثّر بالمرة ‘’.66

وهذا ما حصل فعلاً؛ لأنّه لم یثبت إلى الیوم وجود طفرة وراثیة تؤدّی إلى تحسین البنیة الجینیة للکائن الحی. والشواهد العلمیة أثبتت ضرر جمیع الطفرات الحاصلة، وهکذا یتضح أنّ هذه الطفرات التی جعلت سبباً لتطور الأحیاء من قبل الداروینیة الحدیثة تمثل وسیلة تخریبیة التأثیر على الأحیاء، بل تترکهم معاقین فی أغلب الأحیان ( وأفضل مثال للطفرة الوراثیة الحاصلة لجسم الإنسان هو الإصابة بمرض السرطان) ولا یمکن والحال کذلک أن تصبح الطفرات الوراثیة ذات التأثیر الضار آلیة معتمدة علمیا لتفسیر عملیة التّطور.

أمّا آلیة الانتخاب الطبیعی فهی بدورها لا یمکن أن تکون مؤثرة لوحدها فقط حسب اعترافات داروین نفسه، وبالتالی لا یمکن أن یوجد مفهوم یدعى بـ’’التطور’’، أی إنّ عملیة التطور لدى الأحیاء لم تحدث البتة.

سجلات المتحجرات :لا أثر للحلقات الوسطى

تُعَدُّ سجلات المتحجّرات أفضل دلیل على عدم حدوث أی من السیناریوهات التی تدّعیها نظریة التطور، فهذه النظریة تدّعی أنّ الکائنات الحیّة مختلفة الأنواع نشأت بعضها من بعضها الآخر، فنوع معین من الکائن الحی من الممکن أن یتحول إلى نوع آخر بمرور الزمن، وبهذه الوسیلة ظهرت الأنواع المختلفة من الأحیاء، وحسب النظریة فإنّ هذا التحول النوعی استغرق مئات الملایین من السنین. واستناداً الى هذا الادعاء یجب وجود حلقات وسطى (انتقالیة ) طوال فترة حصول التحول النوعی فی الأحیاء .

على سبیل المثال: یجب وجود کائنات تحمل صفات مشترکة من الزواحف والأسماک؛ لأنها فی البدایة کانت مخلوقات مائیة تعیش فی الماء وتحولت بالتدریج إلى زواحف، أو یفترض وجود کائنات ذات صفات مشترکة من الطیور والزواحف؛ لأنها فی البدایة کانت زواحف ثم تحولت إلى طیور، ولکون هذه المخلوقات الافتراضیة قد عاشت فی فترة تحول فلابد أن تکون ذات قصور خلقی أو مصابة بإعاقة أو تشوّه ما، ویطلق دعاة التطور على هذه الکائنات الانتقالیة اسم ‘’الأشکال االانتقالیة ‘’.

ولو افترضنا أن هذه ‘’الأشکال البینیة ‘’ قد عاشت فعلاً فی الحقب التاریخیة، فلا بد أنها وجدت بأعداد کبیرة وأنواع کثیرة تقدر بالملایین بل بالملیارات، وکان لابد أن تترک أثراً ضمن المتحجرات المکتشفة، ویعبر داروین عن هذه الحقیقة فی کتابه: ‘’إذا صحت نظریتی فلا بد أن تکون هذه الکائنات الحیة العجیبة قد عاشت فی مدة ما على سطح الأرض... وأحسن دلیل على وجودها هو اکتشاف متحجرات ضمن الحفریات’’.67

خیبة آمال داروین

أجریت حفریات وتنقیبات کثیرة جداً منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن، ولکن لم یعثر على أی أثر لهذه ‘’ الأشکال الانتقالیة ‘’، وقد أثبتت المتحجرات التی تم الحصول علیها نتیجة الحفریات عکس ما کان یتوقعه الداروینیون؛ من أن جمیع الأحیاء بمختلف أنواعها قد ظهرت إلى الوجود فجأة وعلى أکمل صورة .

وقد اعترف بهذه الحقیقة أحد غلاة الداروینیّة وهو دیریک وایکر الاختصاصی البریطانی فی علم المتحجرات قائلاً: ‘’إنّ مشکلتنا الحقیقیة هی حصولنا على کائنات حیة کاملة، سواء أکانت على مستوى الأنواع أم الأصناف عند تفحصنا للمتحجرات المکتشفة، وهذه الحالة واجهتنا دوماً دون العثور على أیّ أثر لتلک المخلوقات المتطورة تدریجیاً’’ .68 أی إن المتحجرات تثبت لنا ظهور الأحیاء کافة فجأة دون أی وجود للأشکال الانتقالیة نظریاً، وهذا طبعاً عکس ما ذهب إلیه داروین، وهذا تعبیر عن کون هذه الکائنات الحیة مخلوقة؛ لأن التفسیر الوحید لظهور کائن حی فجأة دون أن یکون له جد معین هو أن یکون مخلوقاً، وهذه الحقیقة قد قبلها عالم أحیاء مشهور مثل دوغلاس فوتویما:

‘’إنّ الخلق والتطور مفهومان أو تفسیران سائدان فی دنیا العلم لتفسیر وجود الأحیاء، فالأحیاء إمّا وجدت فجأة على وجه البسیطة على أکمل صورة أو لم تکن کذلک، أی أنها ظهرت نتیجة تطورها عن أنواع أو أجداد سبقتها فی الوجود، وإن کانت قد ظهرت فجأة وبصورة کاملة الشکل والتکوین فلابد من قوة لاحد لها وعقل محیط بکل شیء تولیا إیجاد مثل هذه الکائنات الحیة’’. 69 فالمتحجرات تثبت أن الکائنات الحیة قد ظهرت فجأة على وجه الأرض وعلى أحسن شکل وتکوین، أی: إن أصل الأنواع هو الخلق ولیس التطور کما کان یعتقد داروین .

أسطورة تطوّر الإنسان

إنّ من أهم الموضوعات المطروحة للنقاش ضمن نظریة التطور هو بلاشک أصل الإنسان، وفی هذا الصدد تدعی الداروینیة بأن الإنسان الحالی نشأ متطوراً من کائنات حیة شبیهة بالقرد عاشت فی الماضی السحیق، وفترة التطور بدأت قبل 4-5 ملایین سنة، وتدعی النظریة وجود بعض الأشکال الانتقالیة خلال الفترة المذکورة، وحسب هذا الادعاء الخیالی هناک أربع مجموعات رئیسة ضمن عملیة تطور الإنسان وهی :

- 1أوسترالوبیثیکوس Australopithecus

- 2هومو هابیلیس Homo habilis

- 3هومو إریکتوس Homo erectus

- 4هومو سابینس Homo sapiens

یطلق دعاة التطور على الجد الأعلى للإنسان الحالی اسم ‘’ أوسترالوبیثیکوس ‘’ أو قرد الجنوب، ولکن هذه المخلوقات لیست سوى نوع منـقرض من أنواع القرود المختلفة، وقد أثبتت الأبحاث التی أجراها کلّ من الأمریکی البروفیسور تشارلز أوکسنارد والبریطانی اللورد سوللی زاخرمان وکلاهما من أشهر علماء التشریح على قرد الجنوب أنّ هذا الکائن الحی لیس سوى نوع منقرض من القرود ولا علاقة له مطلقاً بالإنسان.70

والمرحلة التی تلی قرد الجنوب یطلق علیها من قبل الداروینیین اسم ‘’هومو’’ أو الإنسان، وفی کافة مراحل ا ‘’هومو’’ أصبح الکائن الحی أکثر تطوراً من قرد الجنوب، ویتشبث الداروینیون بوضع المتحجرات الخاصة بهذه الأنواع المنقرضة کدلیل على صحة نظریتهم وتأکیداً على وجود مثل هذا الجدول التطوری الخیالی، ونقول: خیالی؛ لأنه لم یثبت إلى الآن وجود أی رابط تطوری بین هذه الأنواع المختلفة. و هذه الخیالیة فی التفکیر اعترف بها أحد دعاة نظریة التطور فی القرن العشرین وهو آرنست مایر قائلاً: ‘’إنّ السلسلة الممتدة إلى هومو سابینس منقطعة الحلقات بل مفقودة’’. 71

وهناک سلسلة یحاول الدراوینیون إثبات صحتها تتکون من قرد الجنوب (أوسترالوبیثیکوس) هومو هابیلیس ـ هومو إریکتوس ـ هومو سابینس أی إن أقدمهم یعد جداً للّذی یلیه، ولکن الاکتشافات التی وجدها علماء المتحجرات أثبتت أن قرد الجنوب و هومو هابیلیس و هومو إریکتوس قد وجدوا فی أماکن مختلفة وفی الفترة الزمنیة نفسها.72 والأبعد من ذلک هو وجود أنواع من هومو إریکتوس قد عاشت حتى فترات حدیثة نسبیاً ووجدت جنباً إلى جنب مع هومو سابینس نیاندرتالینس و هوموسابینس (الإنسان الحالی) .73

وهذه الاکتشافات أثبتت عدم صحة کون أحدهما جداً للآخر، و أمام هذه المعضلة الفکریة التی واجهتها نظریة داروین فی التطور یقول أحد دعاتها وهو ستیفن جی کولد الاختصاصی فی علم المتحجرات فی جامعة هارفارد ما یلی :

‘’إذا کانت ثلاثة أنواع شبیهة بالإنسان قد عاشت فی الحقبة الزمنیة نفسها، إذن ماذا حصل لشجرة أصل الإنسان؟ الواضح أنه لا أحد من بینها یعد جداً للآخر، و الأدهى من ذلک عند إجراء مقارنة بین بعضها وبعض لا یتم التوصل من خلالها إلى أیة علاقة تطوریة فیما بینها’’. 74

وبصریح العبارة: إن اختلاق قصة خیالیة عن تطور الإنسان والتأکید علیها إعلامیاً وتعلیمیاً والترویج لنوع منقرض من الکائن الحی نصفه قرد ونصفه الآخر إنسان هو عمل لا یستند إلى أی دلیل علمی.

وقد أجرى اللورد سوللی زاخرمان البریطانی أبحاثه على متحجرات قرد الجنوب لمدة 15 سنة متواصلة علماً أن له مرکزه العلمی کاختصاصی فی علم المتحجرات، وقد توصل إلى عدم وجود أیة سلسلة متصلة بین الکائنات الشبیهة بالقرد وبین الإنسان واعترف بهذه النتیجة على الرغم من کونه داروینی التفکیر .

ولکنه من جهة أخرى قام بتألیف جدول خاص بالفروع العلمیة التی یعترف بها وضمنه مواقع لأمور خارجة عن نطاق العلم، وحسب جدول زاخرمان تشمل الفروع العلمیة والتی تستند الى أدلة مادیة هی علوم الکیمیاء والفیزیاء ویلیهما علم الأحیاء فالعلوم الاجتماعیة وأخیراً ـ أی فی حافة الجدول ـ تأتی فروع المعرفة الخارجة عن نطاق العلم، ووضع فی هذا الجزء من الجدول علم تبادل الخواطر، والحاسة السادسة، والشعور أو التحسس النائی، وأخیراً تطور الإنسان. ویضیف زاخرمان تعلیقاً على هذه المادة الأخیرة فی الجدول کما یلی:

‘’ عند انتقالنا من العلوم المادّیة إلى الفروع التی تمت بصلة إلى علم الأحیاء النائی أو الاستشعار عن بعد، وحتى استنباط تاریخ الإنسان بواسطة المتحجرات، نجد أنّ کل شیء جائز وممکن خصوصاً بالنسبة إلى المرء المؤمن بنظریة التطور، حتى إنه یضطر أن یتقبل الفرضیات المتضادة أو المتضاربة فی آن واحد’’. 75

إذن: إنّ القصة الملفقة لتطور الإنسان تمثل إیماناً أعمى من قبل بعض الناس بالتأویلات غیر المنطقیة لأصل بعض المتحجرات المکتشفة .

عقیدة مادیة

لقد استعرضنا النظریة الخاصة بالتطور، ومدى تناقضها مع الأدلة والشواهد العلمیة، ومدى تناقض فکرها المتعلق بأصل الحیاة مع القواعد العلمیة، واستعرضنا أیضاً کیفیة انعدام التأثیر التطوری لکافة آلیات التطور التی تدعو إلیها هذه النظریة، وانعدام وجود أیة آثار لمتحجرات تثبت وجود أشکال أنتقالیة للحیاة عبر التاریخ، لهذا السبب نتوصل إلى ضرورة التخلی عن التشبث بالنظریة التی تعد متناقضة مع قواعد العلم والعقل، ولابد أن تنتهی کما انتهت نظریات أخرى عبر التاریخ والتی ادعت بعضها أن الأرض مرکز الکون. ولکن هناک إصراراً عجیباً على بقاء هذه النظریة فی واجهة الأحداث العلمیة، وهناک بعضهم یتمادى فی تزمته ویتهم أی نقد للنظریة بأنه هجوم على العلم والعلماء .

والسبب یکمن فی تبنی بعض الجهات لهذه النظریة واستخدامها کوسیلة للتلقین الفکری، وهذه الجهات یتمیز تفکیرها بأنه نابع من المدرسة المادیة، بل هی متصلة بالفکر المادی اتصالاً أعمى وتعد الداروینیة خیر ملاذ فکری لها لترویج فکرها المادی البحت .

وأحیاناً تعترف هذه الجهات بالحقیقة السّابقة، کما یقول ریتشارد لیونتن أشهر الباحثین فی علم الجینات، والذی یعمل فی جامعة هارفارد، و هو من المدافعین الشرسین عن نظریة التطور ویعد نفسه رجل علم مادی: ‘’نحن نؤمن بالمادیة، ونؤمن بأشیاء مُسَلَّم بها سلفاً، وهذا الإیمان هو الذی یجعلنا نوجد تفسیرات مادیة للظواهر الدنیویة ولیس قواعد العلم ومبادئه، وإیماننا المطلق بالمادیة هو سبب دعمنا اللامحدود لکل الأبحاث الجاریة لإیجاد تفسیرات مادیة للظواهر کافة التی توجد فی عالمنا، ولکون المادیة صحیحة إطلاقاً فلا یمکن أبداً أن نسمح للتفسیرات الإلهیّة أن تقفز إلى واجهة الأحداث’’.76

إن هذه الکلمات تعکس مدى التلقینیة التی تتسم بها الداروینیة لمجرد کونها مترابطة ترابطاً فلسفیاً بالنظریة المادیة، ویعد غلاة أصحاب هذه النظریة أن لاشیء فوق المادة، ولهذا السبب یؤمنون بأن المواد غیر الحیة هی سبب وجود المواد الحیة، أی إن الملایین من الأنواع المختلفة کالطیور والأسماء والزرافات والنمور والحشرات والأشجار والزهور والحیتان وحتى الإنسان لیست إلا نتاجاً للتحول الداخلی الذی طرأ على المادة کالمطر المنهمر والرعد والصواعق.

والواقع أن هذا الاعتقاد یتعارض تماماً مع قواعد العقل والعلم، إلا أنّ الداروینیّین مازالوا یدافعون عن آرائهم خدمة لأهدافهم ‘’ لا یمکن أبداً أن نسمح للتفسیرات الإلهیة أن تقفز إلى واجهة الأحداث ‘’.

و کلّ إنسان ینظر إلى قضیة أصل الأحیاء من وجهة نظر غیر مادیة لابد له أن یرى الحقیقة الساطعة کالشمس، إنّ کافة الکائنات الحیة قد وُجِدَت بتأثیر قوة لا متناهیة وعقل لا حد له؛ أی: خُلِقَت من قبل خالق لها، وهذا الخالق هو الله العلی القدیر الذی خلق کل شیء من العدم وقال له: کن فیکون

قَالُو سُبْحَانَکَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّکَ

أَنتَ العَلِیمُ الحَکِیمُ

البقرة:32

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد