الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الفصل الثانی أجهزة الطیران المتقنة: الطیور

الفصل الثانی
أجهزة الطیران
المتقنة: الطیور

یزعم التطورّیون، الذین یصرون على أن الطیور قد تطورت عن مخلوق آخر، أنها تنحدر من الزواحف. على الرغم من ذلک، لا یمکن لهذا الزعم أن یفسر أی آلیة من آلیات عمل هذا الجسم، الذی یختلف کلیاً عن بنیة الثدییات، على ذلک الأساس المزعوم. بدایةً تشکل الأجنحة فی الطیور والتی تعتبر الخاصیة الرئیسیة فیها عائقاً کبیراً فی وجه هذه النظریة کظاهرة لا یمکن تفسیرها. وقد أدلى التطوری الترکی ‘’إینجیت کورور’’ بالاعتراف التالی فی قضیة عدم إمکانیة إثبات تطور الأجنحة:

من المیزات التی تمتاز بها الأعین والأجنحة هی أنها یمکن أن تعمل فقط إذا کانت مکتملة التطور. بتعبیر آخر: العین المتطورة نصفیاً لا یمکن أن ترى، وأجنحة نصفیة لا یمکن أن تطیر. أما کیف جاءت هذه الأعضاء إلى الطبیعة، فهذا أمر لا یزال یکتنفه الغموض.13

ویبقى السؤال الذی یستفسر عن الکیفیة التی تشکلت فیها البنیة المتقنة للأجنحة من خلال سلسلة من الطفرات المتتالیة دون جواب، والعملیة التی تحولت فیها الساق الأمامیة لإحدى الزواحف إلى جناح عصفور ستبقى غیر ممکنة التفسیر إلى الأبد. إلا أن وجود الأجنحة لیست المطلب الوحید للمخلوق الأرضی حتى یصبح طائراً. تفتقد الثدییات إلى عدد من الآلیات التی یستخدمها الطائر فی الطیران. عظام الطائر على سبیل المثال هی أخف من تلک التی تحملها الثدییات بشکل متمیز، کذلک بنیة الرئة وعملها والبنیات الهیکلیة والعضلیة تختلف أیضاً عن تلک الموجودة فی الثدییات. والنظام الدورانی عند الطیور أکثر تخصصاً. لا یمکن لکل هذه الآلیات أن توجد عبر الزمان عن طریق ‘’عملیات تراکمیة’’. وهکذا تکون المزاعم التی تقول بتحول الحیوانات إلى طیور ادعاءات جوفاء لا معنى لها.

بنیة ریش الطائر
لا یمکن لنظریة التطور التی تدعی أن أجداد الطیور هی الزواحف، أن تشرح الاختلافات الهائلة بین هاتین الفئتین: الزواحف والطیور. تظهر الطیور اختلافاً بیناً عن الزواحف، فهی تحمل بنیة هیکلیة مؤلفة من عظام مجوفة وخفیفة جداً، ونظاماً تنفسیاً فریداً یجعلها من ذوات الدم الحار. الریش هو میزة أخرى خاصة بأنواع الطیور دون غیرها من الحیوانات، وهی تمثل فجوة بین الطیور والزواحف لایمکن اجتیازها.

تعتبر الریاش من أکثر النواحی الجمالیة التی یتمتع بها الطیور، وتدل عبارة ‘’خفیف کالریشة’’ على کمال البنیة المعقدة للریشة.

تتکون الریشة من مادة بروتینیة تدعى کیراتین. والکیراتین مادة متینة تتشکل من الخلایا القدیمة التی هاجرت من مصادر الأکسجین والغذاء الموجودة فی الطبقات العمیقة من الجلد والتی تموت لتفسح المجال أمام الخلایا الجدیدة. إن تصمیم الریشة تصمیم معقد جداً لا یمکن تفسیره على ضوء العملیة التطوریة. یقول العالم آلان فیدیوسیا عن ریش الطیور: ‘’ لها بنیة سحریة معقدة تسمح بالطیران بأسلوب لا یمکن أن تضمنه أی وسیلة أخرى’’.14

وعلى الرغم من أنه عالم تطوری، إلا أن فیدیوسیا اعترف أیضاً ‘’أن الریش هو بنیة متکیفة بشکل مثالی تقریباً مع الطیران’’ لأنها خفیفة، قویة وذات شکل منسجم مع الدینامیکیة الهوائیة، ولها بنیة معقدة من الخطافات والقصبات.15

لقد أجبرت هذه الریاش تشارلز داروین نفسه على التفکر بها؛ بل لقد جعلته ریشة الطاووس ‘’مریضاً’’ (حسب قوله). لقد کتب إلى صدیقه آز غری فی الثالث عشر من نیسان 1860: ‘’أتذکر تماماً حین کان الشعور بالبرودة یجتاحنی ما أن تخطر ببالی العین، إلا أننی تغلبت على هذا الآن..’’ ثم یتابع:

«... والآن عندما أفکر بجزئیات البنیة أشعر بعدم الارتیاح. إن منظر ذیل الطاووس وریاشه یشعرنی بالمرض!»16

القصیبات والخطافات

عندما یقوم أحدنا بفحص ریشة الطائر تحت المجهر ستصیبه الدهشة. وکما نعرف جمیعاً هناک قصبة رئیسیة تقع فی المرکز بالنسبة لباقی الریاش. یتفرع عن هذه القصبة الرئیسیة المئات من القصیبات فی کلا الاتجاهین، وتحدد هذه القصیبات ـ المتفاوتة الحجم والنعومة ـ الدینامیکیة الهوائیة للطائر، وتحمل کل قصبة الآلاف من الخیوط والتی تدعى القصیبات، وهذه لا یمکن رؤیتها بالعین المجردة، وتتشابک هذه القصیبات مع بعضها بواسطة شویکات خطافیة، وتکون طریقة اتصالها بمساعدة هذه الخطافات، بشکل یشبه الشکل الذی یرسمه الزالق المسنن ‘’السحّاب’’ على سبیل المثال: تحتوی ریشة رافعة واحدة على 650 قصبة على کل جانب من جانبی القصبة الرئیسیة، ویتفرع ما یقارب 600 قصیبة عن کل قصبة ، وکل قصیبة من هذه القصیبات تتصل مع غیرها بواسطة 390 خطافاً. تتشابک الخطافات مع بعضها کما تتشابک أسنان الزالق على جانبیه، تتشابک القصیبات بهذه الطریقة بحیث لا تسمح حتى للهواء المتسبب عنها باختراقها. إذا انفصلت الخطافات عن بعضها لأی سبب من الأسباب، فیمکن للطائر أن یستعید الوضع الطبیعی للریشة إما بتعدیلها بمنقاره، أو بالانتفاض.

على الطائر أن یحتفظ بریاشه نظیفة مرتبة وجاهزة دائماً للطیران لکی یضمن استمراره فی الحیاة. یستخدم الطائر عادة الغدة الزیتیة الموجودة فی أسفل الذیل فی صیانة ریاشه. بواسطة هذا الزیت تنظف الطیور ریاشها وتلمعها، کما أنها تقیها من البلل عندما تسبح أو تغطس أو تطیر فی الأجواء الماطرة.

تحفظ الریاش درجة حرارة جسم الطائر من الهبوط فی الجو البارد، أما فی الجو الحار فتلتصق الریاش بالجسم لتحتفظ ببرودته.17

أنواع الریاش

تختلف وظائف الریاش حسب توزیعها على جسم الطائر، فالریاش الموجودة على الجسم تختلف عن تلک الموجودة على الجناحین والذیل. یعمل الذیل بریاشه على توجیه الطائر وکبح السرعة، بینما تعمل ریاش الجناح على توسیع المنطقة السطحیة أثناء الطیران لزیادة قوة الارتفاع. عندما ترفرف الأجنحة متجهة نحو الأسفل، تقترب الریاش من بعضها لتمنع مرور الهواء، ولکن عندما تعمل الأجنحة على الاتجاه نحو الأعلى تنتشر الریاش متباعدة عن بعضها سامحة للهواء بالتخلل.18

تطرح الطیور ریاشها خلال فترات معینة من السنة لتحتفظ بقدرتها على الطیران ، وهکذا یتم استبدال الریاش المصابة أو الرثة فوراً.

ریاش الآلة الطائرة
یکتشف المدقق فی أجسام الطیور أنها خلقت لتطیر. لقد زُوِّد جسمها بأکیاس هوائیة وعظام مجوفة للتخفیف من وزن الجسم وبالتالی من الوزن الکلی. وتدل الطبیعة السائلة لفضلات الطائر على طرح الماء الزائد الذی یحمله جسمه، أما الریاش فهی خفیفة جداً بالنسبة إلى حجمها.

لنمض مع هذه البنیات المعجزة لجسم الطائر فنتناولها الواحدة تلو الأخرى:

-1الهیکل العظمی

إن القوة التی یتمتع بها جسم الطائر فی غایة الانسجام مع بنیته واحتیاجاته على الرغم من ترکیبة عظامه المجوفة. على سبیل المثال: یبذل طائر البلبل الزیتونی الذی یبلغ طوله 18 سم ضغطا یعادل5 , 68 کغ لکسر بذرة الزیتون. تلتحم عظام الکتفین والفخذ والصدر مع بعضها عند الطیور، وهو ‘’تصمیم’’ أفضل من ذلک الذی تمتلکه الثدییات، وهو یبرهن على القوة التی تتمتع بها بنیة الطائر. من الممیزات الأخرى التی یتمتع بها الهیکل العظمی للطائر ـ کما ذکرنا سالفاً ـ أنه أخف من الهیکل العظمی الذی تمتلکهالثدییات. على سبیل المثال: یبلغ وزن الهیکل العظمی للحمامة 4 , 4 % من وزنها الإجمالی، بینما یبلغ وزن عظام طائر الفرقاط (طائر بحری) 118 غراماً فقط أی أقل من وزن ریاشه.

-2النظام التنفسی

یعمل الجهاز التنفسی عند الطیور بشکل مختلف تماماً عن الثدییات لعدة أسباب: السبب الأول یعود إلى الحاجة المفرطة للأکسجین الذی یستهلکه الطائر. على سبیل المثال: تبلغ کمیة الأکسجین التی یحتاجها الطائر عشرین ضعف الکمیة التی یحتاجها الإنسان. فرئة الثدییات لا یمکنها أن تقدم کمیات الأکسجین التی تحتاجها الطیور، لذلک صممت رئة الطیور بشکل مختلف تماماً.
یکون تبادل الهواء فی الثدییات ثنائی الاتجاه: یسیر الهواء فی رحلة عبر شبکة من القنوات ویتوقف عند أکیاس هوائیة صغیرة، وهنا تأخذ عملیة تبادل الأکسجین وثانی أکسید الکربون مکانها. یسلک الهواء المستهلک المسار العکسی تارکاً الرئة ومتجهاً نحو القصبة الهوائیة حیث یتم طرحه.

على العکس من ذلک، فإن التنفس عند الطیور أحادی الاتجاه حیث یدخل الهواء النقی من جهة ویخرج الهواء المستهلک من جهة أخرى. وهذه التقنیة توفر تغذیة مستمرة بالأکسجین عند الطیور، مما یلبی حاجاتها لکمیات الطاقة الکبیرة التی تستهلکها. یصف البیولوجی الأسترالی میشیل دایتون المعروف بنقده للنظریة الداروینیة الرئة الهوائیة کما یلی:

یتجزأ النظام الرغامی عند الطیور إلى أنابیب صغیرة جداً. وفی النهایة تجتمع هذه التفرعات التی تشبه النظام القصبی مرة أخرى لتشکل نظاماً دورانیاً یمر فیه الهواء خلال الرئة باتجاه واحد...

على الرغم من وجود الأکیاس الهوائیة فی أنواع معینة من الزواحف، إلا أن البنیة الرئویة عند الطیور وعمل النظام التنفسی بشکل عام فرید تماماً. لا یوجد أی بنیة رئویة عند الفقاریات تشبه تلک التی تحملها الطیور، علاوة على أن هذه البنیة مثالیة بکل تفاصیلها...19

ویعرض دایتون فی کتابه ‘’نظریة فی أزمة ‘’إلى استحالة تکوّن هذا النظام المتقن عن طریق التطور:

‘’من الصعب جداً تصدیق أن هذا النظام التنفسی المختلف تماماً عن النظام الذی تحمله الفقاریات قد تطور تدریجیاً من النظام الفقاری، خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان أن الحفاظ على الآلیة التنفسیة موضوع حیاة أو موت بالنسبة للکائن، وأن أی خلل مهما کان بسیطاً قد یودی بحیاته خلال دقائق. وکما أن الریاش لا یمکن أن تعمل کعضو فی الآلیة الطیرانیة إذا لم تتشابک القصیبات مع الخطافات بشکل مثالی، کذلک الأمر بالنسبة إلى الرئة الهوائیة عند الطائر، لا یمکن أن تعمل کعضو فی الجهاز التنفسی ما لم یکن الجهاز شبه القصبی الذی یتخللها والأکیاس الهوائیة التی تضمن الدعم الهوائی للأنابیب القصبیة قد أوجدت بطریقة یمکنها أن تعمل من خلالها بشکل متکامل.’’20

باختصار: فإن تطور الرئة من النظام الفقاری إلى النظام الهوائی أمر مستحیل، لأن الرئة التی تمر بمرحلة انتقالیة لا یمکنها أن تکون رئة فاعلة، إذ لا یمکن أن یعیش أی کائن حی دون رئة ولو حتى لبضع دقائق.

لذلک وببساطة لا یتوجب على المخلوق أن ینتظر ملایین السنین لتحدث طفرات عشوائیة تنقذ حیاته.

إن البنیة الفریدة لرئة الطائر الهوائیة تنبئ عن تصمیم متقن یضمن التزود بالکمیات الکبیرة من الأکسجین التی یحتاجها الطائر فی طیرانه. لا یحتاج الأمر إلى أکثر من إحساس بسیط لنتبین أن التکوین غیر المتماثل للطائر لیس نتیجة اعتباطیة لطفرات لا إرادیة. وهکذا أصبح جلیاً لدینا أن رئة الطائر هی دلیل آخر من الدلائل التی لا تعد على أن الله هو الذی خلقها بهذه الصورة.

- 3نظام التوازن

خلق الله الطیور فی أحسن تقویم دون أی خلل شأنها شأن باقی المخلوقات. وهذه الحقیقة تتجلى فی کل تفصیل من التفاصیل. خلقت أجسام الطیور فی تصمیم خاص یلغی أی احتمال لاختلال التوازن أثناء الطیران. رأس الطیر مثلاً صُمِّمَ لیکون بوزن خفیف حتى لا ینحنی الطائر أثناء الطیران. وبشکل عام یشکل وزن رأس الطائر 1% من وزن جسمه فقط.
من خصائص التوازن الأخرى لدى الطائر، بنیة الریاش المتناسبة مع الدینامیکیة الهوائیة، حیث تسهم الریاش، وخاصة ریاش الذیل والأجنحة بشکل فعال جداً فی توازن الطائر.
یتمثل إعجاز هذه الخصائص مجتمعة فی الصقر الذی یحتفظ بتوازن مذهل أثناء انقضاضه على فریسته من علو شاهق بسرعة 384 کم فی الساعة! .

-4مشکلة القوة والطاقة

إن کل عملیة تتم وفق سلسلة من الحوادث فی علم الأحیاء والکیمیاء والفیزیاء، تعتمد على مبدأ ‘’حفظ الطاقة’’. یعنی هذا المبدأ باختصار: ‘’الحصول على کمیة معینة من الطاقة للقیام بعمل معین’’.

یعتبر طیران الطائر مثالاً واضحاً على مبدأ حفظ الطاقة.

یتوجب على الطیور المهاجرة ادخار کمیة معینة من الطاقة تکفیها أثناء رحلتها، إلا أنها یجب أن تکون بنفس الوقت فی أخف وزن ممکن ، ومهما یکن الأمر فیجب أن یتم طرح الوزن الزائد مع الاحتفاظ بالوقود بأقصى درجات الفاعلیة. بمعنى آخر: فی حین یجب أن یکون وزن الوقود فی أدنى مستویاته، یجب أن تکون الطاقة فی أقصى معدلاتها. کل هذه الإشکالیات لا تشکل عائقاً أمام الطیور.

الخطوة الأولى هی تحدید السرعة القصوى للطیران. فإذا کان على الطائر أن یطیر ببطء شدید یکون استهلاک الطاقة للحفاظ على البقاء فی الهواء، أما إذا کان یطیر بسرعة عالیة جداً فإن الطاقة تستهلک فی التغلب على مقاومة الهواء. وهکذا یتضح أنه یجب الحفاظ على سرعة مثالیة فی سبیل استهلاک أقل کمیة ممکنة من الوقود. بالاعتماد على البنیة الدینامیکیة الهوائیة للهیکل العظمی والأجنحة، فإن السرعات المختلفة تعتبر مثالیة بالنسبة لکل أنواع الطیور.

لنتفحص الآن مشکلة الطاقة عند طائر الزقزاق الذهبی الهادئ: pluvialis dominica fulva یهاجر هذا الطائر من ألاسکا إلى جزر الهاوای لیقضی فصل الشتاء هناک. وبما أن طریق هجرته خالٍ من الجزر، فإنه یضطر إلى قطع 2500میل (أی 4000 کم) من بدایة رحلته حتى نهایتها، وهذا یعنی 250000 ضربة جناح دون توقف، بقی أن ننوه إلى أن هذه الرحلة تستغرق 88 ساعة.

یزن الطائر فی بدایة رحلته 7 أونسات أی ما یعادل 200 غ، 2,5 أونس منها (70 غ) دهون یستخدم کمصدر للطاقة. إلا أن الطاقة التی یحتاجها الطائر لکل ساعة طیران ـ کما حسبها العلماء ـ تساوی 3 أونسات (82غ) کوقود یغذی الفاعلیة الطیرانیة لدیه، أی أن هناک نقصاً فی الوقود اللازم یعادل  0,4أونس (12 غ) مما یعنی أن على الطائر أن یطیر مئات الأمیال دون وقود قبل أن یصل إلى هاوای.

ولکن وعلى الرغم من کل هذه الحسابات، یصل الطائر الذهبی إلى جزر هاوای بسلام، ودون مواجهة أی مشکلات کما اعتاد فی کل سنة، فما السر وراء هذا؟
أوحى الله تعالى إلى هذه الطیور التی خلقها أن تتبع طریقة معینة فی هذه الرحلة تجعل من طیرانها أمراً سهلاً وفاعلاً. لا تطیر هذه الطیور بشکل عشوائی ولکن ضمن سرب، وهذا السرب بدوره یطیر فی الهواء بشکل حرف «v» . وبفضل هذا التشکیل لا تحتاج الطیور إلى کثیر من الطاقة فی مقاومة الهواء الذی تواجهه، وهکذا توفر نسبة 23% من الطاقة، ویبقى لدیها    0,2أونس (6-7غ) من الدهون عندما تحط فی المستَقَر. ولکن هل هذه الطاقة الزائدة فائض لا معنى له؟ بالطبع لا. هذا الفائض محسوب للاستخدام فی حالات الطوارئ عندما یواجه السرب تیارات هوائیة معاکسة.21

وهنا تظهر أمامنا هذه الأسئلة:
کیف یمکن أن تعلم الطیور کمیة الطاقة أو الدهون اللازمة؟
کیف یمکن أن تؤمِّن هذه الطیور کل الطاقة اللازمة قبل الطیران؟
کیف یمکنها أن تحسب مسافة الرحلة وکمیة الوقود اللازم لها؟
کیف یمکن أن تعرف أن الظروف الجویة فی هاوای أفضل منها فی ألاسکا؟

من المستحیل أن تتوصل الطیور إلى هذه المعلومات، أو تجری هذه الحسابات، أو تقوم بتشکیل السرب بناء على هذه الحسابات. إنه الوحی الإلهی: قوة عظمى توجهها وتدلها على کل ما یضمن لها استمراریتها فی هذا العالم. کذلک یلفت القرآن الکریم انتباهنا إلى طریقة أخرى تطیر بها الطیور ( صَآفَّاتٍ )، وتخبرنا الآیات عن الإدراک الموجود عند هذه الاحیاء أنما هو إلهام الهی:

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ یُسَبِّحُ لَهُ مَن فی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ والطَّیْرُ صَآفَّاتٍ کُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِیحَهُ وَاللهُ عَلِیمٌ بِمَا یَفْعَلُونَ }النور: .41

{ أَوَلَم یَرَوا إلى الطَّیْرِ فَوْقَهُم صَآفَّاتٍ وَیَقْبِضْنَ مَا یُمْسِکُهُنَّ إِلاَّ الرَّحمنُ إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ بَصِیرٌ } الملک: .19

الجهاز الهضمی

یحتاج الطیران إلى قوة کبیرة، لهذا السبب تمتلک الطیور أکبر نسبة من الخلایا العضلیة/ الکتلة الجسمیة بین الکائنات على الإطلاق. کذلک یتناسب الاستقلاب لدیها مع المستویات العالیة للقوة العضلیة. وسطیاً یتضاعف الاستقلاب عند هذا الکائن عندما ترتفع درجة حرارة جسمه بمعدل 50 فهرنهایت (10 درجات مئویة).

تدل درجة حرارة الطائر الدُّوری ـ على سبیل المثال ـ والبالغة 108 فهرنهایت (42 درجة مئویة)، والشحرور البالغة 109 ف ( 43,5درجة مئویة)، على مدى سرعة العملیة الاستقلابیة لدیهم. هذه الحرارة العالیة والتی تعتبر قاتلة بالنسبة للأحیاء الأخرى، ضروریة جداً بالنسبة لاستمراریة الطائر على قید الحیاة، لأنها تزید من استهلاک الطاقة وبالتالی من قوة الطائر.

تقوم الطیور بسبب حاجتها المفرطة للطاقة بهضم طعامها بطریقة مثالیة. على سبیل المثال: یزید وزن صغیر اللقلق بمقدار کیلوغرام واحد عند تناوله 3 کیلو غرامات من الطعام. بینما تکون نسبة الزیادة فی الثدییات کیلوغرام واحد لکل 10 کیلوغرامات من الطعام. کذلک الأمر بالنسبة للجهاز الدورانی عند الطیور الذی صمم لیتوافق مع متطلبات الطاقة العالیة. بینما یخفق القلب البشری بمعدل 78 خفقة فی الدقیقة، ترتفع هذه النسبة إلى 460 خفقة فی الدقیقة عند طائر الدُّوری و615 عند الشحرور. وتتخذ الرئتان الهوائیتان موقف القائد الذی یزود کل هذه الأجهزة السریعة الأداء بالأکسجین اللازم لعملها.

وتستخدم الطیور طاقتها بفاعلیة کبیرة، فهی تظهر فاعلیة کبیرة فی استهلاک الطاقة تفوق استهلاک الثدییات لها. على سبیل المثال: یستهلک السنونو 4 کیلوکالوری فی المیل ( 2,5فی الکیلومتر)، بینما یحرق حیوان ثدیی صغیر 41 کیلوکالوری.

لا یمکن للطفرة أن تفسر الفرق بین الطیور والثدییات. وحتى لو سلمنا جدلاً أن أحد هذه الخصائص حدثت عن طریق طفرة عشوائیة، وهو افتراض مستحیل بالطبع، فإن خاصیة واحدة تقف منعزلة لا تعنی شیئاً. إن الاستقلاب الذی تتولد عنه مستویات عالیة من الطاقة لا یحمل أی معنى دون رئتین هوائیتین متخصصتین، علاوة على أن هذا قد یسبب للحیوان معاناة من نقص فی التغذیة بالأکسجین. وإذا طرأت طفرة على الجهاز التنفسی قبل الأجهزة الأخرى، فهذا یعنی أن یستنشق الطائر أکسجیناً یفوق حاجته، وستکون الزیادة ضارة تماماً کما هو النقص.کذلک الأمر بالنسبة للهیکل العظمی. فلو کان الطائر مجهزاً برئتین هوائیتین ونظام استقلابی متکیف مع کل احتیاجاته، فسیبقى عاجزاً عن الطیران. فمهما بلغت قوة الکائن الأرضی لا یمکنه الطیران بسبب البنیة الثقیلة والمجزأة نسبیاً لهیکله العظمی. یحتاج تشکیل الأجنحة أیضاً إلى تصمیم متقن لا یقبل الخطأ.
تتجه کل هذه الحقائق نحو نتیجة واحدة: من المستحیل تفسیر أصل الطیور من خلال النمو المصادفی أو نظریة التطور. آلاف من أنواع الطیور خُلقت بکل خصائصها الجسمانیة فی ‘’دقیقة واحدة’’. بتعبیر آخر: خلقها الله کلاً على حِدَة.

آلیات الطیران المتقنة

جهز الخالق عز وجل کل أنواع الطیور من النورس وحتى النسر، بآلیة طیرانیة تمکّنها من الاستفادة من الریاح. وبما أن الطیران یستهلک الکثیر من الطاقة، فقد خُلقت الطیور بعضلات صدر قویة وقلوب کبیرة وعظام خفیفة. ولا تقف معجزة خلق الطیور عند أجسامها. فقد أوحى الخالق إلى الکثیر من الطیور اتباع طریقة معینة فی الطیران تجعلها تخفض من الطاقة اللازمة لها.

العوسق طائر بری منتشر فی أوربا وإفریقیا وآسیا، وهو یتمتع بمقدرة خاصة، إذ یمکنه أن یبقی رأسه بوضعیة ثابتة أثناء طیرانه فی مواجهة الریاح. ومع أن جسمه یتأرجح فی الهواء إلا أن رأسه یبقى ثابتاً مما یحقق له رؤیا ثاقبة على الرغم من کل الحرکة التی قد یضطر لانتهاجها. على المبدأ نفسه یعمل جهاز الجیروسکوب الذی یستخدم لموازنة السفن الحربیة فی البحار، لذلک یطلق العلماء على رأس العوسق لقب ‘’رأس البوصلة الموازنة’’.22

آلیات التوقیت

تضع الطیور جدول الصید الخاص بها بمهارة فائقة. فطیور العوسق تحب أن تتغذى على الفئران، والفئران تعیش عادة تحت الأرض وتخرج للاصطیاد کل ساعتین. یتزامن وقت الطعام عند العوسق معه عند الفئران، فتصید خلال النهار وتأکل عند حلول الظلام، فإذن هی تطیر فی النهار بمعدة فارغة مما یضمن لها وزناً خفیفاً. هذه الطریقة تخفض من الطاقة اللازمة، ووفقاً لحسابات العلماء، فإن الطائر یوفر نسبة 7% من طاقته بهذه الطریقة.23

التحلیق فی الهواء

کذلک تتمکن الطیور من تخفیض معدل الطاقة المستهلکة باستخدامها الهواء. فالطیور تحلق عندما تزید من شدة التیار الهوائی فوق أجنحتها، وتستطیع أن تبقى معلقة فی الهواء حتى فی التیارات القویة. وتعتبر تیارات الهواء الصاعدة میزة إضافیة بالنسبة لها.

یطلق على استخدام الطائر التیارات الهوائیة لتوفیر الطاقة أثناء طیرانه ‘’التحلیق’’، والعوسق هو أحد الطیور التی تتمتع بهذه المقدرة. إن إمکانیة التحلیق تعتبر من خصائص التفوق عند الطیور.

للتحلیق فائدتان أساسیتان: الأولى أنه یوفر الطاقة اللازمة للبقاء فی الهواء أثناء البحث عن الطعام أو الانقضاض على فریسة أرضیة، والثانیة أنه یسمح للطائر بزیادة مسافة الطیران . یتمکن القطرس من توفیر 70% من طاقته أثناء التحلیق.24

الحصول على الطاقة من التیارات الهوائیة

تستخدم الطیور التیارات الهوائیة بطریقتین: یستفید العوسق الذی ینحدر من قمة المرتفع، والقطرس الذی یغوص فی الخلجان الشاطئیة من التیارات الهوائیة، ویدعى هذا بالتحلیق المنحدر.

عندما تمر ریاح قویة فوق قمة المرتفع، تشکل موجات من الهواء الساکن، ومع ذلک تستطیع الطیور أن تحلق فی هذه البیئة. یستفید طائر الأطیش وغیره من الطیور البحریة من هذه التیارات الساکنة التی تحدث فی الجزر، وفی بعض الأحیان یستفید من التیارات التی تثیرها بعض الجمادات مثل السفن، التی یحلق فوقها القطرس.

تخلق الجبهات الهوائیة التیارات الرافعة للطیور.

والجبهات هی السطح البینی الفاصل بین الکتل الهوائیة المختلفة الأحجام والکثافة. ویطلق على تحلیق الطیور على هذه الأسطح البینیة ‘’العاصفة المنحدرة’’. تم اکتشاف هذه الجبهات والتی غالباً ما تتشکل على الشواطئ بفعل التیارات الهوائیة القادمة من البحر أو عن طریق الرادار أو من خلال مراقبة الطیور البحریة وهی تنحدر فیها على شکل أسراب. هناک نوعان آخران من التحلیق: التحلیق الحراری والتحلیق الدینامیکی.
تلاحظ ظاهرة التحلیق الحراری فی مناطق الجزر الحارة على وجه الخصوص. عندما تصل أشعة الشمس إلى الأرض، تقوم الأرض بدورها یسخن الهواء الملامس لها. وعندما یتسخن الهواء یصبح أقل وزناً ویأخذ بالارتفاع. یمکن ملاحظة هذه الظاهرة أیضاً فی العواصف الرملیة أو الشابورات الهوائیة.

طریقة التحلیق عند النسور

تملک النسور طریقة خاصة فی الاستفادة من الموجات الحراریة عند التحلیق لتتمکن من مسح الأرض من علو مناسب . فهی تنساب من موجة حراریة الى موجة حراریة أخرى طوال الیوم وهکذا تحلق فوق مساحات کبیرة فی الیوم الواحد.

تبدأ الموجات الهوائیة عند الفجر بالارتفاع. تشرع النسور الصغیرة أولاً بالتحلیق مستخدمة التیارات الأضعف، وعندما تشتد التیارات، تقلع النسور الأکبر حجماً. تطفو النسور غالباً باتجاه الأمام فی هذه التیارات النازلة فی حین تتوضع التیارات الرافعة الأکثر سرعة فی منتصف التیار الهوائی. تحلق النسور ضمن دوائر ضیقة لتؤمن التوازن بین التحلیق عالیاً وقوة الجاذبیة. وعندما ترغب بالهبوط تقترب من مرکز التیار.

تستخدم أنواعاً أخرى من طیور الصید التیارات الحارة، فیستخدم اللقلق مثلاً هذه التیارات الساخنة فی رحلة الهجرة بشکل خاص. یعیش اللقلق الأبیض فی أوربا الوسطى ویهاجر إلى إفریقیا لیقضی الشتاء هناک فی رحلة یقطع فیها 4350 میل (7000 کم ). وإذا هاجر بشکل فردی مستخدماً طریقة الرفرفة بأجنحته، فعلیه أن یتوقف للاستراحة أربع مرات على الأقل، إلا أن اللقلق الأبیض ینهی رحلته خلال ثلاثة أسابیع فقط مستخدماً التیارات الحارة لمدة 6-7 ساعات فی الیوم، وهذا یُترجم إلى توفیر کبیر فی الطاقة.

یتسخن الماء بسرعة أقل من الأرض، لذلک لا تتشکل التیارات الساخنة فوق البحار، وهذا هو السبب الذی یجعل الطیور لا تهاجر فوق البحار عندما تکون رحلتها طویلة. یفضل اللقلق وطیور أخرى تعیش فی أواسط أوربا أن تسلک فی طریق هجرتها إلى إفریقیا، إما أراضی البلقان ومضیق البوسفور، أو الجزیرة الإیبیریة فوق مضیق جبل طارق.

من جهة أخرى، یستخدم النورس، والأطیش والقطرس وطیور بحریة أخرى التیارات الهوائیة التی تسببها الموجات العالیة. تستفید هذه الطیور من التیارات الرافعة الموجودة عند ذروة الأمواج. وأثناء تحلیق النورس فی التیارات الهوائیة ینعطف ویواجه الریاح فیرتفع بسهولة إلى الأعلى، وبعد بلوغ ارتفاع 10-15 متراً فی الهواء یغیر اتجاهه من جدید ویستمر فی التحلیق. تحصل الطیور على الطاقة من تغیر اتجاهات الریاح. تفقد التیارات الهوائیة سرعتها عندما تلامس سطح الماء. ولهذا السبب یواجه النورس تیارات أقوى فی العروض العلیا، وبعد أن یحقق السرعة المناسبة، یعود لینحدر من جدید مقترباً من سطح البحر.

یستخدم جلم الماء ـ وهو طائر بحری طویل الجناحین ـ والعدید من الطیور البحریة الأخرى، الأسلوب نفسه فی التحلیق فوق البحر.

التصمیم فی بیضة الطائر

لا یقتصر الإعجاز فی خلق الطیور على أجنحتها أو ریاشها أو مهاراتها فی الهجرة، بل یتعداها إلى بیوضها.

إن بیضة الدجاجة التی تبدو عادیة بالنسبة لنا تحتوی على 15000 مسام تشبه غمازات طابة الغولف. لا یمکن رؤیة البنیة الإسفنجیة للبیوض الصغیرة إلا تحت المجهر. وتوفر هذه البنیة الإسفنجیة مرونة للبیضة وتزید من مقاومتها للصدمات.

البیضة هی وحدة معجزة بحد ذاتها، فهی توفر کل أنواع الغذاء اللازم لتطور الجنین بداخلها. یدخر صفار البیض البروتین، والدهون، والفیتامینات والمعادن، بینما یعمل البیاض دور السائل الحاضن.

ویحتاج الجنین إلى أن یستنشق الأکسجین ویطرح ثانی أکسید الکربون، یحتاج أیضاً إلى مصدر للحرارة، والکالسیوم لنمو عظامه وواق لسائله من البکتریا والصدمات الفیزیائیة. تقدم قشرة البیضة کل هذا للجنین، الذی یتنفس من خلال الکیس الغشائی الذی یحیط به، بینما توفر الأوعیة الدمویة التی یحملها هذا الکیس الأکسجین اللازم للجنین وتأخذ عنه ثانی أکسید الکربون.

قشرة البیضة رقیقة إلى حد مذهل، ولکنها متینة، وهی بهذه الخصائص تنقل حرارة الوالد الحاضن إلى الجنین.

الفقد الضروری

تفقد البیضة خلال فترة الحضانة 16% من محتواها المائی على شکل بخار ماء. بقی العلماء لفترة طویلة یعتقدون أن هذا مؤذ وسببه المسامات الموجودة فی قشرة البیضة. إلا أن الأبحاث الجدیدة أظهرت أن هذا الفقد ضروری بالنسبة للصغیر حتى یتمکن من الخروج من البیضة. یحتاج الصوص إلى الأکسجین للتنفس والمکان لیتمکن من تحریک رأسه بما یکفی لکسر البیضة أثناء الفقس، وتبخر الماء یؤمن هذین المطلبین.

علاوة على ذلک، تبلغ نسبة الفقد المائی ما بین 15 إلى 20% فی ظل ظروف مثالیة حسب نوع قشرة البیضة. على سبیل المثال: یبلغ الفقد المائی فی بیوض طائر الغواص السّامک أکثر من غیره من الطیور التی تعیش فی ظروف أکثر جفافاً ببضع مرات.

تصمیم البیضة لمزید من المتانة

إن متانة البیضة تتعلق بالشروط التی توضع فیها: الماء والهواء والحرارة، احتمالات الصدمات الخارجیة ووزن الوالد الحاضن.

یکشف الفحص القریب أن البیوض صممت لتکون أکثر متانة، وقد خلق الله البیض الکبیر والبیض الصغیر بشکل مختلف. فبیض الطیور الکبیرة تکون عادة أقسى وأقل مرونة، بینما تکون بیوض الطیور الصغیرة أکثر طراوة ومرونة.

تکون بیوض الدجاجة قاسیة وصلبة، إلا أنها لا تنکسر عندما تقع فوق بعضها، فی الوقت نفسه تحمیها هذه القشرة الصلبة من الهجوم. لو کانت بیوض الطیور الصغیرة بصلابة وقسوة بیوض الدجاج نفسها لانکسرت بسهولة أکبر، إلا أن قوتها ومرونتها تمنعها من الکسر عندما تتعرض للصدمة.

لا تقتصر فائدة البنیة المرنة للبیضة على حمایة الفرخ، بل تتعداها إلى تحدید الطریقة التی تفقس فیها. یحتاج الصوص الذی سیخرج من القشرة الصلبة والقاسیة إلى فتح ثقبین فی النهایة الکلیلة للبیضة قبل أن یخرج رأسه وقدمیه، حیث یخرج الصوص إلى الحیاة برفعه للنهایة التی تظهر على شکل قبعة والتی تنتج عن شقوق الفقس.25

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد