الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الفصل الأول التصمیم المعجز فی طیران الحشرات

الفصل الأول
التصمیم المعجز
فی طیران الحشرات

عندما نأتی على ذکر الطیران تقفز صورة الطائر إلى مخیلتنا على الفور. إلا أن الطیور لیست هی الکائنات الوحیدة القادرة على الطیران. یمتلک العدید من أنواع الحشرات مقدرات طیرانیة تتفوق على تلک التی تمتلکها الطیور، إذ یمکن أن تقطع الفراشة الکبیرة المسافة بین أمریکا الشمالیة وأواسط القارة الأمریکیة، کما یمکن أن یبقى الذباب والیعسوب معلقاً فی الهواء مدة من الزمن.
یدعی التطوّریون أن الحشرات بدأت تطیر منذ 300 ملیون سنة، ولکن هذا لم یحدث مصادفة کما یضیفون، فالتصمیم المتقن لأجنحة الحشرات لم یدع أی مجال للمصادفة. کتب البیولوجی الإنجلیزی روبین ووتون فی موضوع تحت عنوان: ‘’التصمیم المیکانیکی لأجنحة الحشرات’’:

‘’کلما کان فهمنا أدق لعمل أجنحة الحشرة ، کلما بدا لنا تصمیمها أروع... لقد صممت بنیة الأجنحة بإتقان، وصممت الآلیات لتحریک أجزاء العضو بطرق تضمن سهولة التنقل. تجمع أجنحة الحشرة بین هذین الأمرین:

استخدام أجزاء الجسم بمرونة فائقة، وتجمیعها بشکل أنیق فی تشکیل یتجاوب مع القوى المناسبة من أجل استخدام أمثل للبقاء فی الهواء.’’4

من جهة أخرى، لم یُعثر على دلیل واحد من المتحجرات للتطور المتخیّل عن الحشرات؛ وهذا ما أشار إلیه عالم الحیوان الفرنسی بییر بول غراسیة بقوله: ‘’نحن الآن فی الظلام فیما یخص أصل الحشرات’’5 . لنقم الآن بدراسة بعض الخصائص المثیرة لهذه المخلوقات والتی ستبقی التطوریین فی ظلامهم الدامس.

إلهام الهیلیکوبتر: الیعسوب
لا یمکن أن یطوی الیعسوب أجنحته إلى داخل جسمه. إضافة إلى أن الطریقة التی تستخدم فیها عضلات الجسم فی حرکة الأجنحة تختلف عن تلک الموجودة فی غیره من الحشرات. وبسبب هذه الخاصیة یعتقد التطوریون أن هذه الحشرة هی من ‘’الحشرات البدائیة’’.

إلا أن الحقیقة هی عکس ذلک، إن نظام الطیران عند هذه الحشرة التی یطلق علیها ‘’الحشرات البدائیة’’، لیس إلا معجزة من معجزات التصمیم. لقد أنجزت الشرکة الرائدة فی صناعة طائرات الهیلیکوبتر، ‘’سیکوریسکی’’ إحدى طائراتها متخذة الیعسوب نموذجاً لها.6 کما بدأت شرکة IBM التی ساعدت ‘’سیکورسکی’’ فی مشروعها بوضع نموذج الیعسوب على الحاسب (IBM 3081 ) . تم تنفیذ ألفی طریقة أداء على الکمبیوتر على ضوء المناورات التی یقوم بها الیعسوب فی الهواء. وبذلک تم بناء نموذج سیکورسکی للطائرات الحربیة ولطائرات النقل على غرار نموذج الیعسوب.

قام جیلز مارتن المصور للظواهر الطبیعیة، بإجراء دراسات على الیعسوب استغرقت سنتین، ویقول بأن هذه المخلوقات لها آلیة طیران غایة فی التعقید.

یشبه جسم الیعسوب البنیة الحلزونیة المغلفة بالمعدن، حیث یتصالب جناحاه مع جسمه ویبدو لونهما متدرجاً من اللون الأزرق الثلجی إلى الأحمر الداکن. وبسبب هذه البنیة یتمیز هذا المخلوق بقدرة عجیبة على المناورات. وبغض النظر عن السرعة أو الاتجاه الذی یتحرک وفقه، یمکن لهذه الحشرة أن تتوقف فجأة ثم تشرع بالطیران فی الاتجاه المعاکس. کما یمکنها فضلاً عن ذلک أن تبقى معلقة فی الهواء بغرض الصید فی هذا الوضع تستطیع أن تتحرک بمرونة نحو فریستها، کذلک یمکنها أن تزید من سرعتها التی تعتبر غیر عادیة بالنسبة لحشرة: 40 کم / سا، وهی تعادل سرعة الریاضی فی سباق 100 متر أولمبی بسرعة 39 کم/ ساعة یصطدم الیعسوب مع هذه السرعة بالفریسة، وتکون صدمة المفاجأة شدیدة الوقع، وبسبب أسلحة الیعسوب التی تتمیز بمرونة فائقة ومقاومة شدیدة فإن البنیة المرنة لجسمه تمتص صدمة الارتطام، وهذا بالطبع ما لا یحدث للفریسة التی ما تلبث أن تقع مُغمى علیها أو حتى میتة من شدة الصدمة.

بعد الاصطدام تأخذ ساقا الیعسوب دورها کأکثر أسلحته فتکاً: تمتد الساقان إلى الأمام للإمساک بالفریسة المصدومة التی لا تلبث أن تصبح رهینة الفکین القویین لیتولیا تمزیقها.
یبدو منظر الیعسوب مؤثراً کما هو حال قدرته على القیام بمناوراته المفاجئة بتلک السرعة العالیة، أما عیناه فتعتبران أفضل نموذج لعیون الحشرات. یحمل الیعسوب عینین تحتوی کل منها على ثلاثین ألف عدسة مختلفة.

تزود هاتان العینان الشبه کرویتین ـ والتی یبلغ حجم کل منهما نصف حجم الرأس تقریباً ـ الحشرة بمجال رؤیا واسع جداً. وبفضلهما یمکن أن یبقى الیعسوب على اطلاع بما یجری وراء ظهره.
وهکذا یبدو الیعسوب مجموعة من الأنظمة، کل منها یحتوی على بنیة فریدة ومثالیة، إلا أن أی تشوه قد یطرأ على أیً من هذه الأنظمة یعطل عمل النظام الآخر، ومع ذلک فقد خلقت کل هذه الأنظمة دون أی صدع أو شرخ، وهکذا أمکن لهذه الحشرة أن تستمر فی دورتها الحیویة.

أجنحة الیعسوب

تعتبر أجنحة الیعسوب أکثر أقسام جسمه أهمیة ولا یمکن بأی حال شرح آلیة الطیران لدى الیعسوب، والتی یستخدم فیها جناحیه على ضوء نظریة التطور خطوة خطوة. فمن حیث المبدأ، تفتقد نظریة التطور إلى المادة التی تبحث فی منشأ الأجنحة التی لا تؤدی عملها على الوجه الأکمل إلا إذا تطورت کوحدة متکاملة.

لنفترض للحظة أن جینات الحشرة قد تعرضت إلى طفرة، وبدا على بعض أجزاء الخلایا الجلدیة التی تغطی الجسم تغیر غیر واضح المعالم. من غیر المعقول مطلقاً افتراض حصول طفرة أخرى بطریق المصادفة على هذه الطفرة الحاصلة على الجناح؛ لأن هذه الطفرات لن تضیف إلى جسم الحشرة جناحاً کاملاً، کما أنها لن تضیف أی میزة جدیدة، بل ستنقص من قدرته على الحرکة.

ستضطر الحشرة إلى تحمُّلِ حِملٍ زائد، وهو ما لیس فی صالحها، لأنه سیضعف موقفها أمام المنافسین. علاوة على ذلک، وحسب المبدأ الرئیسی لنظریة التطور، فإن الاصطفاء الطبیعی سیؤدی إلى انقراض هذه الحشرة العاجزة.

ومع کل هذه الافتراضات تبقى الطفرة أمراً نادر الحدوث. وعندما تحدث تتسبب فی الإضرار بالحشرة و تؤدی فی أغلب الحالات، إلى إمراضها مرضاً ممیتاً. لهذا السبب من المستحیل أن تؤدی الطفرات البسیطة إلى بعض التشکلات فی جسم الیعسوب لتتطور مع الزمن إلى الآلیة الطیرانیة. ولکن لو سلمنا جدلاً أن الادعاء الذی یقول به التطوّریون صحیحاً، فلماذا لم یُعْثر على المتحجرة التی تصور الشکل ‘’البدائی للیعسوب’’؟ فی الحقیقة. لم یعثر العلماء على اختلاف بین متحجرات أقدم یعسوب طار فی سماء العالم وبین یعسوب الیوم. بمعنى آخر: لم یعثر على بقایا لـ ‘’نصف یعسوب’’ أو ‘’یعسوب بأجنحة بدائیة’’ یسبق هذه المستحاثات المغرقة فی القِدَمْ .

لقد خُلق الیعسوب کُلاً متکاملاً، مثله مثل کل الکائنات الحیة ولم یتغیر حتى یومنا هذا، أی: إنه خُلق خَلقاً ولم ‘’یتطور’’.

إذا انتقلنا إلى التکوین الهیکلی للحشرات، نجد أن الکیتین هی المادة الأساسیة التی تتکون منها هیاکل الحشرات، وهی مادة قویة ومرنة بما یکفی لضمان حرکة العضلات. عند الطیران یمکن أن تتحرک الأجنحة إلى الأعلى والأسفل والأمام والخلف، وتسهل البنیة المفصلیة المعقدة هذه الحرکة. یمتلک الیعسوب زوجین من الأجنحة، أحدهما متقدم على الآخر. تعمل الأجنحة بشکل غیر متزامن، أی: إنه عندما یرتفع الجناحان الأمامیان ینخفض الجناحان الخلفیان. تقوم مجموعات من العضلات المتعاکسة بتحریک الأجنحة، وتتصل هذه العضلات برافعات موجودة داخل الجسم. وفی حین تتقلص مجموعة من العضلات لتعطل عمل زوج الأجنحة، تتمدد مجموعة أخرى لتسمح للزوج الآخر بالانتشار، وعلى المبدأ نفسه ترتفع طائرات الهیلیکوبتر وتنخفض. وهذا ما یمکّن الیعسوب من المناورة و التقدم، والتراجع أو تغییر الاتجاه بسرعة.

طور التحول (الانسلاخ) فی الیعسوب
لا تتزاوج أنثى الیعسوب مرة أخرى بعد الإخصاب. إلا أن هذا لا یشکل مشکلة بالنسبة للذکر من نوع کالوبتریکس فیرغو Calopteryx Virgo . یمسک الذکر بالأنثى بواسطة الکلابات الموجودة فی ذیله من رقبتها (1).

وتلف الأنثى ساقیها حول ذنب الذکر. یقوم الذکر بتنظیف من بقایا أی نطف غیره من الذکور بواسطة امتداد (2) من ذیله یدخله فی التجویف التناسلی لدى الأنثى. وبما أن هذه العملیة تستغرق عدة ساعات، فإنهما یطیران فی بعض الأحیان وهما فی هذه الوضعیة الملتصقة. یضع الیعسوب بیوضه فی میاه البحیرات أو البرک الضحلة (3). وعندما تفقس الیرقات من البیوض تعیش فی الماء من ثلاث إلى أربع سنوات (4). وخلال هذه السنوات تتغذى فی الماء (5). لهذا السبب یکون جسمها فی هذا الطور قادراً على السباحة بسرعة تؤهله للإمساک بسمکة، وفکَّاها قویان بما یکفی لتمزیق الفریسة. عندما تنمو الیرقة یقسو الغلاف الذی یحیط بجسمها، فتطرحه فی أربعة أوقات متغایرة. وعندما یحین وقت الطرح الأخیر، تترک الماء وتتسلق نباتاً طویلاً أو صخرة (6). تستمر فی الصعود إلى أن تکل أقدامها. بعد ذلک تؤمن نفسها بوضعیة ثابتة بمساعدة الکلابات الموجودة فی نهایات أقدامها، لأن زلة واحدة تعنی الموت فی هذه المرحلة.

یختلف هذا الطور عن الأطوار الأربعة السابقة فی أن الله عز وجل یحول هذا المخلوق إلى مخلوق طائر من خلال عملیة تحول رائعة.
یتکسر ظهر الیرقة أولاً (7)، ثم یتسع الشق لیصبح شرخاً واسعاً یخرج منه مخلوق جدید مختلف کلیاً عن المخلوق الأول. یخرج هذا الجسم الرقیق مؤمَّناً بأربطة ممتدة عن المخلوق السابق (8). خُلقت هذه الأربطة ببنیة شفافة ومرنة مثالیة، ولو لم تکن کذلک لانکسرت ولم تقدر على حملها، مما یعنی سقوط الیرقة فی الماء وتلاشیها.

علاوة على ذلک، هناک آلیات خاصة تساعد الیعسوب فی طرح جلده. یتقلص جسم الیعسوب ویصبح ملتفاً داخل الغلاف القدیم. ولکی ‘’یفتح’’ هذا الغلاف یتکون سائل خاص بالجسم ومضخة خاصة تستخدم فی إنجاز العملیة. تنبسط الأجزاء الملتفة من الجسم بعد الخروج من الشق بفضل ضخ السائل الخاص (9). فی هذه الأثناء یتم إفراز مادة کیمیائیة تتکفل بکسر الأربطة التی تصل السیقان الجدیدة بالقدیمة دون التسبب بأی أذى.

تتم هذه العملیة بإتقان، على الرغم من أن کسر أحد الأرجل یمکن أن یکون سبباً مهلکاً، وتبقى السیقان نحو عشرین دقیقة إلى أن تجف قبل القیام بأی تجربة.
هنا تکون الأجنحة قد تطورت بشکل تام إلا أنها تبقى فی وضع الطی. أما السائل الخاص فیتم ضخه من الجسم عبر تقلصات شدیدة إلى خلایا الأجنحة (10). تترک الأجنحة لتجف بعد نشرها (11).

بعد أن یغادر الیعسوب جسمه القدیم ویجف تماماً، یقوم بتجربة سیقانه وأجنحته، فیطوی ویمد سیقانه واحدة واحدة ویرفع ویخفض أجنحته فی اختبار مدهش.
تنتهی الحشرة أخیراً إلى التصمیم الطیرانی. من الصعب على المرء أن یصدق أن هذه الحشرة الطائرة هی نفسها ذلک المخلوق الذی کان یُسروعاً یعیش فی الماء (12). یقوم الیعسوب بطرح السائل الزائد للحفاظ على توازن النظام، وهنا تکون مراحل التحول قد انتهت وأصبحت الحشرة قادرة على الطیران.

مرة أخرى نواجه استحالة ادعاءات نظریة التطور عندما نحاول التفکیر بعقلانیة بأصل أو منشأ هذا التحول المعجِز.تقول تلک النظریة: إنَّ المخلوقات أتت إلى الحیاة من خلال تغیرات عشوائیة، إلا أن عملیة التحول عملیة معقدة لا تحتمل أی خطأ، مهما بلغت ضآلته فی أی طور من الأطوار؛ فحدوث أی عائق ولو کان بسیطاً فی أی طور من الأطوار سیتسبب فی أیذاء هذه الحشرة أو هلاکها. التحول ‘’عملیة معقدة لا یمکن تجزئتها’’ وبالتالی برهان واضح على التصمیم المُعجِز.

باختصار: یعتبر التحول فی الیعسوب أحد الدلائل التی لا حصر لها على خلق الله المعجز والمتقن الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه. فعظمة الخالق تتجلى حتى فی الحشرات، تلک المخلوقات الضئیلة...

آلیة الطیران
تهتز أجنحة الحشرات بسبب الإشارات الکهربیة التی تنتقل عبر الأعصاب. على سبیل المثال: تسفر کل إشارة من هذه الإشارات العصبیة عند الفراشة عن تقلص فی العضلة التی تؤدی بدورها إلى تحریک الجناح. فهناک مجموعتان من العضلات المتعاکسة، والتی تعرف ‘’بالرافعة والخافضة’’ تسمحان للأجنحة بالحرکة إلى الأعلى والأسفل عندما تندفع باتجاهات متعاکسة.

ترفرف الفراشة بجناحیها ما یقارب 12-15 مرة فی الثانیة، إلا أن الحشرات الأصغر تحتاج إلى معدل أعلى لتتمکن من الطیران. تئز النحلة بمعدل 200-400 مرة فی الثانیة، وترتفع هذه النسبة إلى 1000 فی ذبابة الرمل وطفیلیات أخرى.7 دلیل آخر یتمثل فی مخلوق طائر بطول 1 ملم یبلغ معدل رفرفة جناحیه 1000 مرة فی الثانیة دون التسبب فی أی احتراق أو تمزق أو تلاشٍ.
عندما نتفحص هذه المخلوقات الطائرة عن قرب تزداد دهشتنا وإعجابنا بتصمیمها.

ذکرنا سابقاً أن رفرفة الأجنحة تتم بواسطة إشارات کهربیة تنقلها الأعصاب، ولکن إذا ما عرفنا أن حدود الخلیة العصبیة هی 200 إشارة فی الثانیة، فکیف یمکن لتلک الحشرة المتناهیة فی الصغر أن ترفرف بمعدل 1000 مرة فی الثانیة؟

تمتلک الحشرات الطائرة التی ترفرف 200 مرة فی الثانیة علاقة عضلیة - عصبیة تختلف عن تلک التی تمتلکها الفراشة. هناک إشارة کهربیة واحدة تُنقل إلى کل عشرة رفرفات. إضافة إلى أن العضلات المعروفة
بالعضلات اللیفیة تعمل بطریقة تختلف عن عضلات الفراشة، إذ تقتصر مهمة الإشارات العصبیة على تحفیز العضلات لتهیئتها للطیران. وعندما تصل إلى مستوى معین من التوتر، تنبسط من تلقاء نفسها.
هناک نظام عند حشرات النحل والزنابیر یتکفل بتحویل رفرفات الأجنحة إلى حرکات ‘’أوتوماتیکیة’’ إذ لا تتصل العضلات التی تتحکم بآلیة الطیران بشکل مباشر مع عظام الجسم، بل تتصل مع الصدر بواسطة مفاصل تعمل عمل المحور، تتصل العضلات التی تحرک الأجنحة بالسطحین العلوی والسفلی من الصدر. عندما تتقلص هذه العضلات یتحرک الصدر فی الاتجاه المعاکس، الذی یولد بدوره دفعة إلى الأسفل.

وینشأ عن انبساط مجموعة من العضلات تقلص فی مجموعة من العضلات المعاکسة بشکل أوتوماتیکی، أی: إن الحشرة تمتلک ‘’نظاماً عضلیاً أوتوماتیکیاً’’، بهذه الطریقة تستمر حرکة العضلات دون توقف إلى أن تصدر إشارات إنذار أخرى عن الأعصاب تضبط هذا النظام.8

تشبه آلیة الطیران هذه الساعة التی تعمل على مبدأ النابض. إذ تتوضع الأجزاء بشکل منظم تماماً، فتؤدی أی حرکة صغیرة إلى تحرک الجناح. من المستحیل تجاهل الإبداع المتقن فی هذا المثال. إنه خلق الله المحکم.

النظام المولد للقوة الدافعة
لا تکفی رفرفة الأجنحة للأعلى والأسفل للحصول على طیران هادئ، بل یتحتم تغییر الزوایا فی کل مرة ترفرف فیها لتخلق قوة دافعة إلى الأمام ورافعة إلى الأعلى. تتمتع الأجنحة بدرجة معینة من المرونة تساعدها على الدوران وتعتمد على نوع الحشرة. هذه المرونة توفرها عضلات الطیران الرئیسیة التی تولد أیضاً الطاقة الضروریة للطیران.

على سبیل المثال: تتقلص هذه العضلات الموجودة بین مفاصل الجناح عند الصعود إلى أعلى، لتزید من زاویة الجناح. ظهرت حرکة الجناح عند تقصیها بواسطة تقنیات الأفلام ذات السرعة العالیة وهی ترسم مساراً إهلیلجیاً أثناء الطیران. بتعبیر آخر: لا تطیر الحشرة إلى الأعلى والأسفل فقط، وإنما تتحرک بشکل دائری کما لو أنها تجدف فی الماء، هذه الحرکة تؤمنها العضلات الأساسیة.

تتمثل أکبر مشکلة تواجهها الحشرات ذات الأجسام الصغیرة فی طیرانها الى مقاومة الهواء التی لا یمکن الاستهانة بمقدارها وذلک بسبب درجة أنسیابیة الهواء. إذ یؤدی التصاق الهواء بأجنحة هذه الحشرات الصغیرة إلى خفض فعالیة أجنحتها بشکل کبیر.

لهذا السبب یتوجب على الحشرات ذات الأجنحة الصغیرة والتی لا تتعدى المیلیمترات أن ترفرف بمعدل 1000 مرة فی الثانیة لتتغلب على مقاومة الهواء، إلا أن العلماء یعتقدون أن حتى هذه السرعة لوحدها غیر کافیة لرفع الحشرة فی الهواء، أی: إنها تستخدم أنظمة أخرى لذلک.

مثال على ذلک: لبعض أنواع الطفیلیات الصغیرة مثل إنکارسیا، أسالیب أخرى .

مثل أسلوب وطریة «الصدمة والنفض».فهنا یتم تصفیق وصدم الجناحین ببعضهما ثم تنفتح الجناحان وعند إنفتاح الجناحین هنا تنفصل الحواف الأمامیة للأجنحة اولاً،حیث توجد فیها شرایین صلبة وقاسیة سامحة للهواء بالدخول إلى المنطقة القلیلة الضغط فی الوسط. یولد هذا الدفق الهوائی خلخلة هوائیة والتی تدعم القوة الرافعة لصفق الأجنحة.9

هناک نظام آخر خاص خُلق خصیصاً للحشرة لتحتفظ بوضعیة ثابتة فی الهواء. تمتلک بعض الحشرات زوجاً واحداً فقط من الأجنحة وعضلات على شکل عقدة دائریة على ظهرها تدعى الموازِنات. تضرب الموازنات الهواء کالأجنحة العادیة خلال

الطیران، ومع أنها لا تؤدی إلى الارتفاع بالهواء کما تفعل الأجنحة الا أنها تهتز مع الاجنحة . تتحرک الموازنات وعندما یتغیر اتجاه الطیران، تجنب الحشرة من فقدان اتجاهها. یشبه هذا النظام الجیروسکوب الذی یستخدم فی الملاحة البحریة فی یومنا هذا.10

الجهاز التنفسی الخاص بالحشرات
تطیر الحشرات بسرعة عالیة جداً مقارنة مع حجمها. یطیر الیعسوب على سبیل المثال بسرعة 40 کم/سا، وهذه السرعة تعادل سرعة سفر الإنسان بسرعة آلاف الأمیال فی الساعة. لا یمکن أن یصل الإنسان إلى هذه السرعة إلا فی الطائرات النفاثة. وعندما یقارن أحدنا حجم الطائرة بحجم الإنسان یصبح واضحاً لدینا أن هذه الحشرات تطیر فعلاً بسرعة تفوق سرعة الطائرات.

وکما تستخدم الطائرات النفاثة وقوداً خاصاً لرفع سرعة محرکاتها، تحتاج الحشرة إلى مستویات عالیة من الطاقة أثناء طیرانها. هذه الطاقة تتطلب کمیات کبیرة من الأکسجین لحرقها، وکمیات الأکسجین بدورها تتم معالجتها بواسطة جهاز تنفسی غیر عادی موجود فی الذباب وغیره من الحشرات.

إن جهاز التنفس هذا یعمل بطریقة مختلفة تماماً عن جهازنا، نحن نستنشق الهواء لیمر عبر الرئتین، ولکن عند الذباب یختلط الأکسجین مباشرة بالدم ویتوزع على الجسم بواسطته. إن حاجة الذباب للأکسجین فوریة بما لا یسمح بعملیة انتقاله إلى الخلایا الدمویة قبل توزعه فی أنحاء الجسم. وللتعامل مع هذه المشکلة تحمل الذبابة نظاماً تنفسیاً فریداً، حیث تقوم الأنابیب الهوائیة فی جسم الحشرة بنقل الهواء إلى جمیع أنحاء الجسم. وکما هو الحال فی الجهاز الدورانی البشری، یوجد هنا أیضاً شبکة معقدة من الأنابیب الدمویة (تدعى بالنظام القصبی) تزود کل خلیة من خلایا الجسم بالأکسجین اللازم.

تتلقى الخلایا المکونة للعضلات الطیرانیة بفضل هذا النظام الأکسجین مباشرة من هذه الأنابیب، کما یساعد هذا النظام على تبرید هذه العضلات التی تحقق 1000 دورة فی الثانیة.

من الجلی أن هذا النظام دلیل على الخلق، فالتطور لا یمکن أن یشرح نظاماً معقداً کهذا. من المستحیل أیضاً بالنسبة لهذا النظام أن یمر عبر أطوار کما تدعی نظریة التطور. فإذ لم یعمل الجهاز القصبی بشکل متکامل، دون مرحلة متوسطة، فإنه لن یکون مفیداً للحشرة بل على العکس ستهدد هذه المرحلة المتوسطة حیاتها أو حتى بقاءها على الإطلاق.

إن کل هذه الأنظمة التی استعرضناها حتى الآن تبین لنا أن نظاماً غیر عادی تسیر وفقه الکائنات کلها، حتى الصغیرة منها مثل الذباب. إن کل ذبابة هی معجزة تبرهن على خلق الله المحکم والمتقن، وعلى استحالة ‘’عملیة

التطور’’ التی تقول بها الداروینیة ، والتی عجزت عن تفسیر تطور جهاز واحد من الأجهزة التی تحملها الذبابة.

یدعو الله عز وجل کل البشریة إلى التفکر بهذه الحقیقة بقوله تعالى:

{ یَآأَیُّها النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن یَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن یَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَیئاً لاَّ یَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوب } الحج:.73

... لَن یَخْلُقُوا ذُبَاباً...

حتى الذبابة لم ترق إلیها کل أسالیب التقنیات التی أنتجتها البشریة حتى یومنا هذا، إنها ‘’مخلوق حی’’. الطائرات والهیلوکوبتر تستخدم ردحاً من الزمن ثم تترک للصدأ، أما الذبابة فتبقى إلى ما شاء الله بتکاثرها المستمر.

{ یَآ أَیُّها النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن یَخْلُقُوا ذُبَاباً
وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن یَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَیئاً لا یَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ ?
مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِیٌّ عَزِیز } الحج:73- 74

تعتبر ذبابة المنزل ظاهرة على درجة کبیرة من التعقید. فی البدایة تقوم الذبابة بمعاینة الأعضاء التی ستستخدمها فی الطیران؛ ثم تأخذ وضعیة التأهب للطیران وذلک بتعدیل وضع أعضاء التوازن فی الجهة الأمامیة، وأخیراً تقوم بحساب زاویة الإقلاع معتمدة على اتجاه الریح وسرعة الضوء التی تحددها بواسطة حساسات موجودة على قرون الاستشعار ثم تطیر. إلا أن هذه العملیات مجتمعة لا تستغرق أکثر من 1/100 من الثانیة، فهذه الذبابة قادرة على زیادة سرعتها حتى تصل إلى 10 کم /سا.

لهذا السبب یطلق على الذبابة ‘’سیدة الطیران البهلوانی’’ کاسم محبب، فهی تسلک أثناء طیرانها مساراً متعرجاً فی الهواء بطریقة خارقة، کما یمکنها الإقلاع عمودیاً من المکان الذی تقف فیه، وأن تحط بنجاح على أی سطح بغض النظر عن انحداره أو عدم ملائمته. ومن الخصائص الأخرى التی تتمتع بها هذه الحشرة السحریة وقوفها على الأسقف. فحسب قانون الجاذبیة یجب أن تقع إلى الأسفل، إلا أنها خلقت بنظام خاص یقلب المستحیل معقولاً. یوجد على رؤوس أقدامها وسادات شافطة، تفرز هذه الوسادات سائلاً لزجاً عندما تلامس السقف. تقوم الحشرة بمد سیقانها باتجاه السقف عندما تقترب منه، وما إن تشعر بملامسته حتى تستدیر وتمسک بسطحه. تحمل ذبابة المنزل جناحین یخرج نصف کل منهما من الجسم ویحملان غشاءً رقیقاً جداً یندمج مع الجناح. یمکن أن یعمل کل من هذین الجناحین بشکل منفصل عن الآخر، مع ذلک فهما یتحرکان عند الطیران إلى الأمام والخلف على محور واحد، کما هی الحال فی الطائرات ذات الجناح الأوحد. تتقلص العضلات المسؤولة عن حرکة الأجنحة عند الإقلاع وتنبسط عند الهبوط. وعلى الرغم من أنها تقع تحت تحکم الأعصاب فی بدایة الطیران، إلا أن حرکات هذه العضلات مع الجناح تصبح أوتوماتیکیة بعد فترة وجیزة.

تقوم الحساسات الموجودة تحت الأجنحة وخلف الرأس بنقل معلومات الطیران إلى الدماغ. فإذا صادفت الحشرة تیاراً هوائیاً جدیداً أثناء طیرانها، تقوم هذه الحساسات بنقل المعلومات الجدیدة فی الحال إلى الدماغ، وعلى أساسها تبدأ العضلات بتوجیه الأجنحة بالاتجاه الجدید. بهذه الطریقة تتمکن الذبابة من الکشف عن وجود أی حشرة جدیدة بتولید تیار هوائی إضافی، والهرب إلى مکان آمن فی الوقت المناسب. تحرک الذبابة جناحیها مئات المرات فی الثانیة، وتکون الطاقة المستهلکة فی الطیران أکثر مئة مرة من الطاقة المستهلکة أثناء الراحة. من هنا یمکننا أن نعرف أنها مخلوق قوی جداً، لأن الإنسان یمکنه أن یستهلک طاقته القصوى فی الأوقات الصعبة (الطوارئ ) والتی تصل إلى عشرة أضعاف طاقته المستهلکة فی أعمال الحیاة العادیة فقط. أضف إلى ذلک أن الإنسان یمکنه أن یستمر فی صرف هذه الطاقة لبضع دقائق فقط کحد أعلى، على عکس الذبابة التی یمکنها أن تستمر على هذه الوتیرة لمدة نصف ساعة، کما یمکنها أن تسافر بهذه الطاقة مسافة میل وبالسرعة نفسها.12

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد