الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

العیش وفقا لخلق القرآن الکریم یحقق العدالة الحقیقیة

العیش وفقا لخلق القرآن الکریم یحقق العدالة الحقیقیة

"إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِیتَاء ذِی الْقُرْبَى وَیَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ." (سورة النحل: 90)

إن العدالة شرط ضروری للحفاظ على النظام الاجتماعی. ولکل بلد نظام قضائی خاص به. ومع ذلک، نظرا للصعوبات المستمرة التی یعانی منها الناس فی النظم القضائیة المعاصرة، لم ینته البحث قط عن نموذج مثالی.

ویتمثل جوهر النظام القضائی المثالی الذی یطمح إلیه الناس فی أرجاء العالم فی: وضع آلیة قضائیة یُجازَى بها کل شخص عن جمیع تصرفاته دون أن یخضع لأی شکل من أشکال التمییز. ومع ذلک، على الرغم من المناهج الجدیدة، والوسائل المختلفة، والمشروعات، والحلول التی ابتکرت للوصول إلى هذا النموذج المثالی، فإن تطبیق العدالة ما زال طریقا وعرا لم یسلکه أحد بعد.

إن التدهور الأخلاقی للمجتمع هو السبب فی وجود هذه الأوضاع غیر المواتیة. وبسبب هذا التدهور، الذی یعد تبعة بسیطة لعدم الالتزام بالقیم التی أمر الله بها، تلحق الأضرار بالمجتمعات فی جمیع میادین الحیاة.

ومرة أخرى، فإن هذا التدهور هو المسؤول عن الاحتیال، والرشوة، والغش، والظلم، والکثیر من الشرور الاجتماعیة. وتزخر الحیاة الیومیة بأمثلة من هذا النوع. ومن المواقف التی نواجهها کثیرا فی الحیاة العملیة، على سبیل المثال، رجال الأعمال الذین یغشون شرکاءهم ویخدعونهم عن طریق اختلاس أموالهم، أو منازلهم، أو سیاراتهم. وفی غضون ذلک، لن تعنی الصداقة الطویلة والخسائر المادیة والمعنویة التی یعانی منها الطرف الآخر أی شیء بالنسبة للمحتال. وبما أن هذا المحتال لا یهتم فی المقام الأول إلا بمصالحه الذاتیة، فإن قیما مثل الصداقة، والروابط الأسریة، والروحانیة، والتماسک الاجتماعی، والأخلاق الحمیدة لا تعنی له شیئا البتة.

ویؤثر هذا المنطق على کل العلاقات التی یقیمها هذا الشخص مع الآخرین لأنه لا یدرک أن الله یعلم کل ما یفعله، وأن المولى عز وجل سیسأله عن کل تصرف یصدر عنه. ویتدعم هذا المنطق الملتوی بسبب النسیان التام لحقیقة أن الاحتیال کسب حرام وسلوک ظالم.

وسیساهم المثال التالی فی إیضاح هذه النقطة بشکل أفضل: إن الشخص الذی یؤمن بأن الاحتیال جریمة فظیعة، سیتجنبه تجنبا تاما طوال حیاته. ولکن بمجرد أن یعتقد الشخص أن باستطاعته الحصول على منفعة شخصیة، قد یدلی هذا الشخص ذاته بشهادة زور ضد شخص آخر أو یفتری على هذا الآخر بأن ینسب له شیئا هو بریء منه تماما. وفی غضون ذلک، قد یتذرع شاهد الزور بعذر ما فیقول إن الظروف اضطرته إلى ذلک أو أن مسؤولیاته تجاه أسرته مهدت الطریق لمثل هذه الجریمة... إلخ. ومهما کانت الأعذار، ستظل الحقیقة أن الافتراء على الناس شیء فظیع مهما کانت الظروف.

ویظهر النمط المذکور آنفا بالتحدید فی الأوقات التی یشعر فیها الناس أن مصالحهم فی خطر. وینطبق هذا المنطق أیضا على اللصوص، والمحتالین، والظالمین. وفی مجتمع یکثر فیه أصحاب المصالح، یصبح الظلم، وتضارب المصالح، والفوضى أمورا لا یمکن تفادیها.


T?me, 22 June 1998

Sun, 6 March 2001

TIme, 7 December 1998

قد یصبح الاحتیال، والفساد، والسرقة أسلوب معیشة بالنسبة للشخص الذی لا یعیش وفقا لقیم القرآن، وهو قد لا یشعر مطلقا بوخز الضمیر عندما یرتکب هذه الآثام.

وعلى الرغم من ذلک، مهما کانت القوة الاضطراریة، فإن الشخص الذی یعیش وفقا لأحکام القرآن لن ینحدر أبدا إلى مثل هذه الأفعال الشریرة ولن تصدر عنه أبدا مواقف لا تتلاءم مع قیمه. ذلک أن الشخص الذی یخاف الله کثیرا لا ینسى أبدا حقیقة أنه فی یوم ما سیلقى جزاءه عن کل فعل قام به وعن کل کلمة تفوه بها. وإذا تأملنا فی الظلم الناتج عن التدهور الأخلاقی مثل السعی وراء المصالح الشخصیة فقط، واکتناز الأموال، وتجاهل المحتاجین وأصحاب المشاکل، سنجد أن هذا الظلم لیس له إلا حل أوحد هو: نشر قیم القرآن بین الناس، لأن الله یأمر عباده المؤمنین الذین یعیشون وفقا لهذه القیم السامیة فی القرآن بأن یکونوا عادلین:

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِکُمْ أَوِ الْوَالِدَیْنِ وَالأَقْرَبِینَ إِن یَکُنْ غَنِیًّا أَوْ فَقَیرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرًا." (سورة النساء: 135)

"إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِیتَاء ذِی الْقُرْبَى وَیَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ." (سورة النحل: 90)

وفی مجتمع یفهم فیه الناس العدالة على النحو الموضح فی الآیة المذکورة آنفا، لن ینتشر الظلم. ذلک أن البیئة التی تتبع فیها قیم القرآن والسنة، تطبق فیها العدالة تطبیقا کاملا بحیث لا یوجد ما یبرر الاستثناء بسبب القرابة، أو الثروة، أو المکانة الاجتماعیة، أو أی عوامل أخرى. وعلى الرغم من ذلک، سنجد أن نظم العدالة التی تطبق حالیا حول العالم تختلف عما ذکرناه. ففی بعض الحالات، یتم التغاضی ببساطة عن جرائم شخص ما أو یتم تخفیف عقوبته، مراعاة لثروته، أو مکانته، أو بیئته الاجتماعیة. ویُستبعد أن یحدث ذلک فی مجتمع تسود فیه العدالة الحقیقیة. إذ لن تصبح قط عوامل مثل القرابة، أو الثروة، أو المکانة الاجتماعیة سببا فی الانحراف عن طریق العدالة.

ما نوع المشکلات التی تظهر فی المجتمعات التی لا تطبق فیها العدالة الحقیقیة؟

زیادة حنث الیمین

یلعب الشهود دورا رئیسیا فی اکتشاف الحقیقة وترسیخ أسس العدالة. ذلک أن شهادة شهود العیان توضح کثیرا من القضایا بسرعة وتمیز الحق عن الباطل. ولکن فی المجتمعات التی لا تتبع قیم القرآن والسنة، لا یمکن قط التعویل على شهادة الشهود من أجل اکتشاف الحقیقة. ویرجع هذا ببساطة إلى أن الناس الذین لا یتبعون أحکام القرآن والسنة یمکنهم أن یکذبوا مقابل منفعة أو مال بنفس السهولة التی یتنفس بها معظم الناس. وهم بذلک یدیرون ظهورهم لکل سلوک أخلاقی مثل قول الحقیقة أو مناصرة البریء.

بل إن الأمر قد یصل فی بعض الحالات إلى امتناع الناس عن الإدلاء بالشهادة فی قضیة معینة، مهما کانت أهمیة شهادتهم بالنسبة لسیر العدالة. وتفسر عادة سلوکیات هذا النوع من الناس بأفکار غیر واقعیة، مثل الخوف من التورط فی مشاکل أو التعرض لظروف غیر مواتیة. ویؤکد المولى عز وجل فی الآیة التالیة على أهمیة الکشف عن الحقیقة:

"... وَلاَ تَکْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن یَکْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ." (سورة البقرة: 283)

وقد یکون الحقد والکراهیة الموجهان نحو شخص ما سببا فی إغراء الناس بتلفیق الشهادة. فمن خلال شهادة الزور وتشویه الحقائق، یستطیعون أن یعرقلوا سیر العدالة. وقد فسر أیضا رسول الله صلى الله علیه وسلم أهمیة الصدق فی الحدیث التالی:

"علیکم بالصدق، فإن الصدق یهدی إلى البر، وإن البر یهدی إلى الجنة، وما یزال الرجل یصدق ویتحرى الصدق حتى یکتب عند الله صدیقا. وإیاکم والکذب، فإن الکذب یهدی إلى الفجور، وإن الفجور یهدی إلى النار، وما یزال الرجل یکذب ویتحرى الکذب حتى یکتب عند الله کذابا".1

إن الناس الذین لا یعیشون وفقا لقیم القرآن والسنة لا یطبقون العدالة، خاصة عندما تکون الأسبقیة عندهم لمصالحهم وأهوائهم الشخصیة، ولا یفکرون أبدا فی تبعات شهادة الزور التی یدلون بها. إذ لا یخطر ببالهم قط ما یعانیه الشخص البریء وأسرته فی أثناء مدة سجنه الطویلة ظلما، لأنهم لا یضعون أنفسهم مکان الآخر لکی یتخیلوا کیف ستکون الحیاة حینئذ...

ویولی المولى عز وجل فی القرآن الکریم أهمیة خاصة لهذا الموقف الذی یتعرض له الناس، ویأمرنا بأن نکون عادلین مهما کانت الظروف:

"یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوَّامِینَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ." (سورة المائدة: 8)

وقد قال رسول الله صلى الله علیه وسلم الحدیث التالی لکی یتجنب الناس الظلم: "لا یحکم أحد بین اثنین وهو غضبان2

 وینحرف بعض الناس عما هو صحیح وعادل بدافع الخوف، أو المال، أو الطمع. ولن یتحرر هؤلاء الناس من هذه العبودیة إلا باکتساب قیم القرآن. لأنهم عندئذ لن یمیلوا قط إلى إلحاق الأذى بالناس، مهما کانت الظروف، سواء کانوا تحت تأثیر التهدید أو الإکراه أو تحت إغراء أی منفعة شخصیة، لأنهم یدرکون أن الله محیط بهم فی کل لحظة. کما یدرک المؤمنون أنهم سیُسألون فی الآخرة عن کل إثم ارتکبوه وکل شر نطقوا به. ویعلن الله فی الآیة التالیة أن عباد الرحمن لا یشهدون زورا:

"وَالَّذِینَ لَا یَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِرَامًا." (سورة الفرقان: 72)

ویجدر بنا أن نلفت الانتباه هنا إلى نقطة أخرى تتعلق بأولئک الذین یسعون وراء مصالحهم مفضلین ذلک على تطبیق العدالة، وهذه النقطة هی: أنه فی یوم ما قد یلحق بهم نفس الأذى. وإذا حدث ذلک، لا شک فی أنهم سینزعجون کثیرا من المظالم التی ستقع علیهم وسیسعون لإیجاد شاهد موثوق به لا یلفق الشهادة. وعلى أولئک الذین لا یودون أن یمروا بهذه التجربة أن یکافحوا لنشر القیم التی أمرنا الله بها وأن یلتزموا التزاما کاملا بالمبادئ الأخلاقیة التی أثنى الله علیها فی القرآن الکریم.

معاییر الحکم على الناس هی المال والمستوى الاجتماعی

یشکل المال والمکانة الاجتماعیة المعیارین الأساسیین لتقییم الناس فی المجتمعات التی لا تتبع قیم القرآن والسنة. وفی هذه المجتمعات، سنجد أن کل الطبقات مشبعة بهذه العقلیة، مما یوفر لنا قدرا وافرا من الأمثلة لتحلیلها.

ویمدنا سلوک صاحب المتجر تجاه زبونین مختلفین بمفاتیح مذهلة لفهم خفایا هذه المشکلة. إذ یتعامل صاحب المتجر بأدب واهتمام مع الشخص الذی یوحی مظهره بالثراء. فی حین أنه لا یتعامل بنفس الطریقة مع الزبون الآخر الذی یوحی مظهره بالفقر. ولا یتغیر هذا الأسلوب على الرغم من أن کلا الزبونین یذهب إلى  المتجر لشراء نفس الأشیاء وإنفاق نفس القدر من المال. ولکن المظهر والمکانة هما اللتان تحددان الطریقة التی یتعامل بها صاحب المتجر مع زبائنه.

ولکن هذه المعاییر لا تصح لدى شخص یعیش وفقا لأحکام القرآن الکریم. لأن المؤمن حسن الخلق مع غیره من البشر لمجرد أنهم "بشر". کما أنه لا یمیز بأی شکل من الأشکال بین من حوله. وهو لا یحتاج إلى "ألقاب" کی یقدر شخصا ما. کما أنه لا یبالی بما إذا کان الشخص غنیا أو فقیرا، یعیش فی کوخ أو فی فیلا. کما أن ثیاب المرء الغالیة، أو وجهه الجمیل، أو شهادته الجامعیة التی حصل علیها من أعرق الجامعات، أو مکانته الاجتماعیة، أو غیر ذلک من رموز المکانة الاجتماعیة المشابهة لا تعنی له شیئا البتة. فقد ذکر الله جل وعلا فی کتابه الحکیم أن إیمان المرء بالله وقربه منه هو المعیار الوحید الذی یجب  أن یطبق على حب الناس.

مشکلات التعلیم

التعلیم حق لکل فرد. وبصرف النظر عن اعتبارات الدین، أو اللغة، أو الجنس، أو المکانة الاجتماعیة، یحق لکل فرد أن یسعى للحصول على المعرفة. ومع ذلک، فالظلم الاجتماعی یجعل تحقیق ذلک مستحیلا، لأنه یتسبب فی مشکلات کثیرة تتطلب حلولا عاجلة، تتمثل أهمها فی عدم توفر التعلیم المجانی لکل فرد من أفراد المجتمع. وفی بلدان کثیرة، یتسبب الفقر فی حرمان أعداد ضخمة من الأطفال والمراهقین من التعلیم الجید؛ فی حین یخصص عدد قلیل جدا من المدارس الجیدة للأقلیة الثریة. ولا یکاد الناس العادیون یحصلون على التعلیم المدرسی الذی یفی باحتیاجاتهم التعلیمیة الفعلیة. ومن ثم، یحصل الأغنیاء على أفضل تعلیم بینما یکتفی الفقراء بما یقدمه لهم النظام فقط.

ویمکن تطویر مهارات الأطفال من خلال المختبرات والعدید من الوسائل الأخرى شریطة أن تتلقى المدارس الدعم المادی المناسب. ومن ناحیة أخرى، تشکل الموارد المحدودة لبعض المدارس عائقا أمام تطور الشباب من نواح کثیرة.

ویجب أن یُسمح للناس بتلقی التعلیم فی أی مجال یرغبونه. وفی الواقع، ثبت أن النظام التعلیمی الذی یتیح للناس الفرصة لکی یحصلوا على تعلیم مدرسی یتوافق مع اهتماماتهم، ومیولهم، ومهاراتهم یحقق قدرا أکبر من النفع والإنتاجیة للمجتمع. ومع ذلک، ففی وقتنا الحاضر، تضطر الظروف الاقتصادیة والاجتماعیة کثیرا من الناس للتخلی عن التعلیم المدرسی أو إکماله فی مجال لا یثیر اهتمامهم.

The Independent, 6 Oct. 2000

The Independent, 4 Sep. 2000

Time, 10 July 2000

The New York Times, 1 Nov. 1999

ولکن العیش وفقا لقیم القرآن یتعامل مع مثل هذه المشکلات الاجتماعیة ویضع لها حلولا، لأن البیئة التی تضمنها هذه القیم لا تسمح بوجود خدمات تعلیمیة لا تفی بالمطلوب. ومن خلال ما یوفره القرآن الکریم من حکمة وقدرة على الإدراک، یتصرف الناس کجهات متخصصة فی حل مشکلات التعلیم، کما هی حالهم فی مجالات الحیاة الأخرى. وفضلا عن ذلک، لا یوجد فی هذا المجتمع تمییز بین الفقیر والغنی. وکما ذکرنا آنفا، فإن أولئک الذین یحبون الله سبحانه وتعالى ینفقون ما یفیض عن حاجتهم من أجل منفعة الآخرین. وبمجرد أن توجه هذه الأموال المجمعة إلى المجالات الکثیرة التی تحتاج لحلول عاجلة مثل التعلیم والصحة العامة، فسرعان ما ستحَل هذه المشکلات. وإذا طبقت هذه الحلول على مستوى العالم، فسوف یتضاءل التمییز الموجود بین البلدان الفقیرة والغنیة؛ لأن البلدان الغنیة سوف تحول فائض مواردها إلى البلدان المتخلفة دون أن تتوقع أی شیء فی المقابل.

ولا شک فی أن تقدیم الحلول مهمة کبیرة تقع على عاتق المسلمین لأنهم مسؤولون عن توفیر نوعیة التعلیم التی توجه الشباب فی حیاتهم إلى ما یتوافق مع أحکام القرآن. وهذا هو التعلیم الذی یوضح للشخص غایته الفعلیة فی الحیاة ویبین له آیات الله سبحانه وتعالى على الأرض وفی الکون. وإذا لم یحدث هذا، فستکبر الأجیال الجدیدة، التی ستُغرس فیها أیدیولوجیات الکفر التی لا صلة لها بالإسلام، وتتحول إلى شباب غیر منتجین لا ینفعون أوطانهم، وشعوبهم، ودینهم. إن التعلیم الخاطئ هو المسؤول عما یتبعه الشباب من أنماط حیاتیة غیر محبذة تفقدهم بالتالی البرکة التی یجلبها الدین فیضلون الطریق. ولا شک فی أن صاحب الضمیر الحی الذی یخاف الله لن یخاطر بهذه المسؤولیة.

عدم المساواة بین الرجال والنساء

فی المجتمعات التی تخلو من العدالة الحقیقیة، یشکل عدم المساواة بین النساء والرجال قضیة اجتماعیة خطیرة تنتج عنها مشکلات کبیرة. وفی بلدان کثیرة حول العالم، تعامل النساء فی أحیان کثیرة کمواطنات من الدرجة الثانیة بل حتى کمنبوذات، ویتعرضن کثیرا لسوء المعاملة، إذ یُعتبرن کائنات ضعیفة بحاجة إلى الحمایة. ولهذا السبب ذاته، سنجد أن النساء لا یؤدین دورا ذا قیمة فی المجتمع یکسبهن الاحترام.

وفی المجتمعات التی ینتشر فیها هذا التحیز، یندر أن تحظى المرأة التی تنعم بمسار باهر فی الحیاة العملیة بالقبول. إذ یُنظر إلى النساء، عموما، بوصفهن أشخاصا یفتقرون إلى الثقة فی النفس والعزیمة، ویمتلکون ملکات عقلیة ضعیفة. ویجب أن نشیر هنا إلى أن هذا التبریر الذی یضع "قالبا نمطیا للمرأة" فی المجتمع یُتخذ – دون وجه حق - تفسیرا لکل خطأ ترتکبه المرأة. وفی الواقع، لا تقتصر هذه الأخطاء على النساء بل تشمل کل البشر.

وعند التقدم لشغل وظائف شاغرة، یتم تفضیل الرجال على النساء، حتى إذا کان للنساء نفس الخلفیات ونفس القدر من الذکاء والمهارة مثل الرجال تماما. وتفسر هذه النزعة محدودیة الفرص المتاحة للنساء فی الحیاة العملیة.


Time, 23 Dec. 1996









The Independent, 29 Sep. 2000

ما زالت بلدان کثیرة تعانی حتى الیوم من تبعات مذهلة للتفرقة الاجتماعیة بین الجنسین، تظهر أخبارها کل یوم فی الصحافة ضمن الحوادث الاعتیادیة.

وفی کثیر من البلدان، تتعرض النساء للعنف إما فی أماکن عملهن أو على أیدی أزواجهن.

ومن ناحیة أخرى، تتصرف غالبیة النساء بما یتوافق مع هذه الصورة المنسوبة إلیهن. وهذا التوافق یجعلهن یقبلن بسهولة الأدوار الدونیة التی تنسب إلیهن فی کثیر من المجتمعات.

ولا شک فی أن التحیز فی الحیاة الاجتماعیة لجنس على حساب الآخر له تبعات مذهلة فی البلدان المتخلفة. فإذا تجاوزنا عن حرمان النساء من حقهن فی التعلیم والعمل، فسنجد أنهن یحرمن حتى من حقهن فی اتخاذ قراراتهن الخاصة بمسألة الزواج. ذلک أن کل أشکال القرارات الشخصیة الخاصة بالنساء یتخذها لهن آباؤهن أو أزواجهن.

وهناک جهود مستمرة لوضع حلول لهذه الممارسات المعیبة التی لم نذکر إلا بضعًا منها فی هذا الکتاب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحادات التی تأسست لحمایة حقوق النساء، ومبادئ الحریة والمساواة، والحرکة النسویة، والحلقات الدراسیة، والمناقشات العامة لم تساهم کثیرا فی إیجاد حل عملی. فقد ثبت أن کل هذه الجهود تؤدی إلى حلول تلازمها تعقیدات أکثر. وهذه نتیجة طبیعیة؛ لأن الحل الحقیقی الوحید، کما هی الحال فی جمیع المیادین الأخرى هو: اتباع أحکام القرآن الکریم.

"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَیُطِیعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ." (سورة التوبة: 71)

ففی مجتمع یتبع أحکام القرآن والسنة، لن یحدث أی تمییز بین أفراده سواء کانوا نساء أو رجالا، أغنیاء أو فقراء، شبابا أو شیوخا. ذلک أن المکانة الاجتماعیة، أو المهنة، أو الثراء، أو الجنس لا یعطی الناس الحق فی التمتع بمزایا معینة دون سواهم. فالأعمال الحسنة التی یعملها المرء وخوفه من الله هو الذی یمیزه، کما ألمح الخالق جل جلاله فی الآیة التالیة: "وتزوَّدوا فإن خیرَ الزادِ التقوَى" (سورة البقرة: 197). وفی القرآن الکریم، لا یُصنف الناس بشکل متحیز کرجال أو نساء، لأن الله سبحانه وتعالى یخاطب الرجال والنساء المؤمنین به الذین یعملون الأعمال الصالحة. ویؤکد المولى عز وجل أهمیة العیش وفقا للقیم التی أمر بها. ومن هذه الناحیة، لا یشکل کون العبد ذکرا أو أنثى أی أهمیة. وفیما یلی بعض الآیات التی تؤکد هذا المعنى:

"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَیُطِیعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ. وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَمَسَاکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَکْبَرُ ذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ." (سورة التوبة: 71-72)

"إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِینَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِینَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِینَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِینَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِینَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِینَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِینَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاکِرِینَ اللَّهَ کَثِیراً وَالذَّاکِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِیمًا." (سورة الأحزاب: 35)

"وَمَن یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَکَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ یُظْلَمُونَ نَقِیرًا." (سورة النساء: 124)

المشکلات التی تعانی منها النساء فی الحیاة الاجتماعیة

فی المجتمعات البعیدة عن الدین، تواجه النساء مصاعب کثیرة، لا سیما تلک التی یواجهنها بعد الطلاق. إذ یتسبب الطلاق فی مشکلات کثیرة للمرأة التی منعها زوجها من العمل وأصبحت بالتالی تعتمد علیه اقتصادیا.

ومما یصعِّب الوضع بالنسبة للنساء المطلقات أن غالبیتهن لا یمتهِنَّ مهنة، أو لسن صغیرات بما یکفی للحصول على عمل، أو لیس لهن أی حقوق اجتماعیة. ویجب ألا ننسى أن المنافع الإضافیة التی یطلبها طرفا الطلاق من بعضهما البعض وإصرارهما على السعی وراء مصالحهما الشخصیة یساهم فی نشوب النزاعات بین الطرفین ویزید الوضع سوءا.

ومع ذلک، ففی مجتمع المؤمنین، لا یمر الناس بکل هذه المتاعب عندما یلتزمون بأحکام القرآن والسنة. ذلک أن الاحترام والحب الذی یشعر به الطرفان فی بدایة الزواج لا یضیع عندما یقرران إنهاء الزواج لأن هذا القرار یتم بموافقة الطرفین. وینبع هذا السلوک من المنطق القائم على أن الطرفین لا ینظران إلى بعضهما البعض بوصفهما مجرد رجل أو امرأة بل بوصفهما بشرا مؤمنین بالله، وبالتالی فهم أسمى خلق الله. ویحافظ هذا السلوک على استمرار المودة بعد الطلاق.

وقد وضع القرآن الکریم تدابیر کثیرة لتأمین حقوق المرأة بعد الطلاق. إذ تحافظ التدابیر المتصلة بوضعها الاقتصادی على رفاهیة المرأة المطلقة. وتخبرنا الآیات التالیة بالمزایا والمساعدات المالیة التی تخصص للمرأة، برضا الطرفین، وکذلک بالمعاملة الصحیحة للمرأة بعد الانفصال:

"وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِینَ." (سورة البقرة: 241)

"وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِینَ. وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِیضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن یَعْفُونَ أَوْ یَعْفُوَ الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَیْنَکُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ." (سورة البقرة: 236-237)

"لِیُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَیَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْرًا." (سورة الطلاق: 7)

ومرة أخرى، نعرف من الآیات، أنه بعد الطلاق، لا یحق للرجل شرعا أن یسترد أی شیء أعطاه لزوجته فی أثناء الزواج. کما یضمن الدین للمرأة المطلقة أیضا کل احتیاجاتها المتصلة بالمسکن فی أثناء فترة العدة التالیة للطلاق. ووفقا لما جاء فی القرآن الکریم، لا یحق للرجل أیضا أن یرث المرأة بالإکراه.

إن ما رویناه حتى الآن یبین أن اتباع أحکام القرآن الکریم یجلب الحلول. ففی مجتمع یعیش فیه الناس وفقا لأحکام القرآن، لا تتعرض المرأة لسوء المعاملة والإهانة کما هی الحال فی مجتمعات أخرى.

المساواة فی توزیع الموارد

لا یحصل کل الأفراد فی العالم، الیوم، على حصص متساویة من الموارد. إذ تقدر احتیاجات الذکر البالغ من الطاقة الأساسیة نحو 2800 سعرة حراریة فی الیوم. وتکفی الموارد الغذائیة المتوفرة على الکوکب لسد احتیاجات کل فرد. ومع ذلک، ما زال قسم کبیر من العالم محروما من هذه المنافع، ویعانی أکثر من 800 ملیون شخص على الأرض من سوء تغذیة شدید. کما أن مقدار السعرات الحراریة الیومیة المتاحة لنسبة 75% من سکان العالم (4.03 بلیون شخص فی عام 1991) یقل کثیرا عن الحد الأدنى المطلوب یومیا من هذه السعرات. ویختلف عدد المصابین بسوء التغذیة من بلد إلى آخر، بسبب عدم التوازن فی توزیع الغذاء حول العالم. وتشیر إحصائیة أخرى إلى أن تأمین ما یلزم البلدان النامیة من الاحتیاجات الأساسیة (الغذاء، ومیاه الشرب، والصرف الصحی، والرعایة الصحیة، والتعلیم) یتکلف سنویا نحو 40 ملیون دولار. ویساوی هذا الرقم 4% من مجموع ثروات أغنى 225 شخصا فی العالم.3

کما تشیر تلک الإحصائیات إلى أن فائض الموارد الموجود فی بعض البلدان غیر متوفر فی بلدان أخرى، على الرغم من الأهمیة الحیویة لهذه الموارد. ففی البلدان الغنیة، یتم الإبقاء على بعض الموارد التی لم تعد مستخدمة دون الاستفادة منها، على الرغم من أنها یمکن أن تُنقل إلى البلدان الفقیرة. ویعتبر البؤس الذی تعانی منه بعض البلدان الأفریقیة مثالا مألوفا للجمیع.


صبی عمره 14 عاما مصاب بالجذام.

ولا تقتصر مظاهر الظلم حول العالم على الغذاء والماء. إذ ینطبق الظلم ذاته أیضا على الخدمات الصحیة، الأمر الذی یتسبب فی مشکلات خطیرة حول العالم. وبفضل البحوث والتقدم الذی حدث فی مجال الطب، أصبح من السهل الیوم معالجة الکثیر من الأمراض والوقایة منها. ویتسنى ذلک من خلال التکنولوجیا الطبیة والموارد المالیة المتوفرة لدى البلدان الغنیة. ومع ذلک، یصعب قول الشیء ذاته بالنسبة للبلدان المتخلفة والنامیة. ذلک أن المشکلات الصحیة البسیطة، التی تتغلب علیها البلدان الغنیة بسهولة، تشکل تهدیدات خطیرة بالنسبة للبلدان الفقیرة.

فعلى سبیل المثال، هناک مرض الجذام الذی هو مرض بکتیری غادِر یزدهر فی الغالب فی "حزام الفقر" العالمی. والیوم، أصبح من السهل نسبیا معالجة هذا المرض الذی أصاب البشریة منذ قدیم الأزل. وبینما یشکل الجذام تهدیدا خطیرا بالنسبة للبلدان التی تعانی من الفقر، لا توجد سوى حالات متفرقة بل لا توجد أی حالات منه فی العالم المتقدم. ویعتبر طول فترة العلاج وارتفاع التکلفة سببا رئیسیا فی عدم القضاء على هذا المرض فی البلدان الفقیرة. ولکن الحقیقة هی أن المساعدة الطبیة التی تقدمها البلدان الغنیة یمکن أن تساهم فی القضاء على هذه المشکلة.

وعند دراسة کل المشکلات الصحیة بشکل عام، یظل الجذام قطرة فی محیط. ففی البلدان المتخلفة، تقف التکنولوجیا عاجزة أمام أوبئة أخرى کثیرة. وبالإضافة إلى ذلک، فإنه نظرا لنقص الموارد المالیة، یکون من المستبعد أن تتم معالجة هذه الأمراض ناهیک عن القضاء علیها. ومع ذلک، فحل کل المشکلات الصحیة بسیط؛ فبقدر معقول من التنظیم، یمکن استخدام طرق کثیرة مثل نقل المعدات الطبیة غیر المستخدمة المخزنة فی مستودعات البلدان المتقدمة إلى البلدان الفقیرة.

فی عصرنا الحالی، یمکن أن یتم تحویل الأراضی القاحلة إلى حقول منتجة بفضل التکنولوجیا الزراعیة التی تستخدمها بعض البلدان مثل الإمارات العربیة المتحدة وإسرائیل. ویجب أن تنقل هذه التکنولوجیا على الفور إلى البلدان التی تعانی من الجفاف.

وتتضح أیضا مظاهر الظلم فی توفر تکنولوجیا المعلومات على مستوى العالم. فلکی تتوسع البلدان المتقدمة فی مناطقها الزراعیة، لا بد أن تستثمر هذه البلدان استثمارات ضخمة فی البحوث الخاصة بتکنولوجیا الزراعة والری، حتى تجعل الأنشطة الزراعیة ممکنة فی الأراضی غیر المنتجة، بل حتى فی الصحاری. والیوم، بدأت نظم الری تتغیر بفضل قدرة تکنولوجیا المعلومات. فمن خلال نظم الری المدعمة بأجهزة الکمبیوتر، التی تهدف إلى تقلیل فاقد المیاه إلى أقصى حد، یتم توجیه المیاه مباشرة إلى جذور النباتات تحت التربة، مما یوفر کل قطرة ماء للاستفادة منها فی الزراعة. وقد قُدمت مشروعات لتکریر کل الموارد المائیة، مثل استخدام میاه البحر والفیضان فی ری الصحاری.

وتتیح هذه النظم الزراعیة الحدیثة إنتاج المحاصیل حتى فی الصحاری. وکل هذه أخبار جیدة. ولکن بما أن البلدان التی تعانی من الفقر لا تستفید من هذه الابتکارات، فإن الأمر لا یزال یمثل مشکلة تحتم التفکیر فیها بشکل جدی. ذلک أن التکنولوجیا المتواضعة المستخدمة فی تلک البلدان لا تعطی إنتاجیة عالیة حتى فی الأراضی الخصبة، وبالتالی یشکل الجوع تهدیدا خطیرا بالنسبة لشعوبها.

وفی بعض الحالات، یعیش کل سکان البلد تحت تهدید الجوع. وتفرد الجرائد والمجلات صفحات لهذا الشقاء الإنسانی لکی یدرک الجمیع خطورة الموقف، ولکنها تقف عاجزة عن خلق البصیرة التی تؤدی إلى إیجاد الحلول. وهناک مساع لحل المشکلة من خلال التدابیر المؤقتة والمشروعات قصیرة الأجل، ولکن مثل هذه الإجراءات الواهیة التی تفتقر إلى البصیرة لا تقدم حلولا.

وعند هذه المرحلة، یکون الناس فی حاجة فعلیة لحلول سریعة وعملیة تتعامل مع احتیاجاتهم الحقیقیة. والیوم، تتلقى الدول التی تعانی من الفقر کمیات کبیرة من المعونات الغذائیة. ومع ذلک، فمعظم هذه المعونات غیر مفیدة لأنها تُقدَّم لمجرد التباهی ولا تتفق مع احتیاجات من یعانون من المجاعة. ومن ناحیة أخرى، إذا تأخر وصول المعونات الغذائیة، أو حدثت معوقات تنظیمیة، یفسد الطعام قبل أن یصل إلى وجهته. وعلى الرغم من إنشاء جمعیات لتنظیم وصول هذه المعونات، فإن هذه الجمعیات تفتقر إلى المصداقیة، لأنها ملیئة فی الغالب بالفساد.


تقوم بعض البلدان الیوم برمی حمولات شاحنات عدیدة من الخضراوات والفاکهة واعدامها لکی ترتفع اثمانها مع انه یوجد ملایین الأشخاص الذین یعیشون على الکفاف فی العدید من الاماکن فی العالم. ومن خلال التوزیع السلیم لموارد العالم، یمکن أن یوضع حد للبذخ کما یمکن فی الوقت نفسه إنقاذ الناس الذین یتضورون جوعا فی أماکن مختلفة من العالم.

ویعزى عدم الوصول إلى حلول جذریة إلى الغرور، والمصالح الشخصیة، والطموح، والغفلة، وغیر ذلک من أوجه الضعف الأخلاقی المشابهة. وتتمثل السبیل الوحیدة لإنهاء هذه العیوب الأخلاقیة فی تبلیغ القرآن الکریم إلى الناس وتذکیرهم بأنهم سیُسألون عن کل أعمالهم فی الآخرة.

"...کُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ یَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ." (سورة الأنعام: 141)


وکما هی الحال فی الأمثلة السابقة التی وردت فی الأقسام المتصلة بالصحة والتعلیم، فسوف تضع العدالة نهایة لکثیر من المشکلات المنتشرة حول العالم. ومع ذلک، هناک نقطة تجدر الإشارة إلیها بشکل خاص ألا وهی: عندما نتحدث عن التوزیع العادل، یجب ألا یُفهم من ذلک أن کل شیء سیکون متوفرا لکل شخص فی کل مکان بنفس القدر. ذلک أن ما نعنیه فعلیا هو سد احتیاجات الناس بالکامل. ولا شک فی أن نظام الری الخاص المستخدم فی الصحاری لن یفید فی مکان آخر. وعلى نحو مشابه، لا یتوقع المرء من أی بلد أن یرسل أدویة إلى بلد آخر إذا کانت هناک حاجة لهذه الأدویة داخل هذا البلد ذاته. وفضلا عن ذلک، لیس من الضروری أن یمتلک کل المواطنین نفس القدر من الممتلکات بالضبط. فالمهم فعلیا هو ألا یوجد أناس ینغمسون فی حیاة البذخ بینما یوجد، على مقربة منهم، أناس آخرون یعانون من الفقر. ومن الضروری أن نتفادى حدوث فجوة لا تُسد بین الفقراء والأغنیاء.


Newsweek, 24 February 1997

Newsweek, 17 December 1990

Newsweek, 18 May
1998
إن حقیقة وجود ملایین الأشخاص حول العالم ممن لا یزالون یعانون من الجوع، تعد دلالة على الاستخدام غیر الفعال لموارد العالم.

ومتى تم اتباع أمر الله التالی: "یسألونَکَ ماذا یُنفقونَ قلِ العفوَ" (سورة البقرة: 219)، سیظهر تلقائیا التوزیع العادل الذی یؤدی إلى نشر السلام فی المجتمعات.

"یَسْأَلُونَکَ مَاذَا یُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَیْرٍ فَلِلْوَالِدَیْنِ وَالأَقْرَبِینَ وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَیْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِیمٌ." (سورة البقرة: 215)

السلام: النتیجة الطبیعیة لإقامة العدالة الحقیقیة

ما إن تتم دراسة کل هذه الحقائق، سوف نصل إلى استنتاج بأن العیش وفقا لأحکام القرآن الکریم هو وحده القادر على أن یضمن لنا هیکلا اجتماعیا عادلا تماما. ذلک أن قواعد السلوک القرآنیة هی وحدها التی توصل إلى السلوک الأخلاقی والحکمة. إذ سیتحول الأنانیون، والمغرورون، والغافلون إلى رحماء منصفین یفکرون فی مصلحة الآخرین وبالتالی یکونون قادرین على إیجاد الحلول. ویعنی هذا ببساطة وضع نهایة لمشکلات کثیرة.

وفی المجتمعات التی تنعم بالعدالة الحقیقیة، لا ینحدر الناس إلى مرحلة الضعف الأخلاقی المتمثلة فی السعی وراء المصالح الشخصیة، أو الاحتیال، أو انتهاک حقوق الآخرین. وتحض تعالیم القرآن الأساسیة على أمور مثل التعاون والرحمة، تمثل جوهر المجتمع العادل. وفی مثل هذا المجتمع، یحمی کل فرد مصلحة الآخر وبالتالی یتم تأمین حقوق الجمیع ومصالحهم، وهذا ما یشیع السلام والأمن فی المجتمع بأکمله. ومن هذه الناحیة، تتمثل مسؤولیة جمیع المؤمنین فی تبلیغ العالم بأکمله بالقیم التی أثنى علیها المولى عز وجل والدین العادل. وهذه واحدة من أهم صفات المؤمنین:

"وَلْتَکُن مِّنکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَى الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَأُوْلَـئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ." (سورة آل عمران: 104)

"التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاکِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنکَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ." (سورة التوبة: 112)

یذکر الله جل جلاله أن هناک أناسا یعیشون وفقا لهذه القیم وبالتالی یدعون الناس إلیها. ولن ینجو فی الآخرة إلا أولئک الذین یحضون الناس على تجنب المعاصی:

"فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُکِّرُواْ بِهِ أَنجَیْنَا الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِیسٍ بِمَا کَانُواْ یَفْسُقُونَ." (سورة الأعراف: 165)



1. صحیح مسلم، الکتاب الرابع، الحدیث رقم 6309
2. . صحیح مسلم، الکتاب الثالث، الحدیث رقم 4264
3. . الیونسکو، الکوریار، آذار/ مارس 1999، صفحة رقم
22

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد