الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

الإسلام العربی

دعوة إلی الحقیقة

"الکراهیة الناتجة عن التعصب": العنصریة

"الکراهیة الناتجة عن التعصب": العنصریة

"إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجَاهِلِیَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَکِینَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِینَ وَأَلْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوَى وَکَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَکَانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمًا." (سورة الفتح: 26)

إن الکراهیة التی یشعر بها البعض تجاه الأجناس الأخرى هی المسؤولة عن غالبیة النزاعات، والصدامات، والحروب الأهلیة حول العالم. وإذا نظرنا إلى المواقف العدائیة التی یتخذها الجنس الأبیض تجاه السود، أو الهدف النازی المتمثل فی إیجاد جنس نقی ,والنزاع اللاحق مع الحلفاء الذی راح ضحیته ملایین الأشخاص فی التاریخ الحدیث، أو الصراعات القبلیة فی أفریقیا، فإننا نواجه نفس العامل: "الکراهیة الناتجة عن التعصب".

ویلمح سوء الفهم هذا إلى أن هناک جنسا معینا أسمى، من الناحیة الجسمانیة أو العقلیة أو کلیهما، من جنس آخر وأن من غیر الضروری أن یُکن الجنس الأسمى أی مشاعر رحمة، أو شفقة، أو احترام للجنس الآخر. ویعتبر نفس المنطق، فی بعض الحالات المتطرفة، أنه حتى وجود الجنس الأسمى مع الأجناس الأخرى یعد خطأ. ومع ذلک، فإن هذا منهج قاس جدا لأنه یقود مزیدا من الناس للاعتقاد بأنه لا یوجد سبب لوجود أمم مختلفة، مما یجعل التخلص من الأجناس "المختلفة" أمرا إجباریا.

وفی القرآن الکریم، یوضح المولى عز وجل أنه خلق الأمم والقبائل المختلفة "لتتعارف". ولا شک فی أن تنوع الأمم، والأجناس، والقبائل، واللغات صفة جمالیة فریدة لا توجد إلا فی خلق الله سبحانه وتعالى. ومن ثم فإن من غیر المقبول أن یکن شخص مشاعر الغضب لشخص آخر لأنه أقصر منه أو لأن لون بشرته سمراء. ذلک أن کل هذه الصفات الفریدة هی من السمات الممیزة لخلق الله جل وعلا الذی یحمل فی طیاته جمالیات، وأسراراً دقیقة، وغایات لا حصر لها. ویدرک المؤمن تماما أن المعیار الوحید للنبل والتفاضل هو تقوى الله، کما توضح الآیة التالیة:

"یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُم مِّن ذَکَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ." (سورة الحجرات: 13)

وتجدر الإشارة بشکل خاص إلى الأصول العلمیة الزائفة التی یقوم علیها سوء الفهم العنصری، الذی یتجلى فی صور بالغة الوحشیة، لأن هذه الأصول تمثل أیضا أساسا لکثیر من الأیدیولوجیات الخاطئة السائدة الیوم. ذلک أن أصول المادیة، والشیوعیة، والرأسمالیة الجامحة تنبع من هذا الأساس العلمی الزائف الذی تستمد منه کل هذه الأیدیولوجیات قوتها.

وهذا الأساس العلمی الزائف هو ما یطلق علیه نظریة التطور لداروین. وقد یفترض بعض الذین سمعوا عن "نظریة التطور" أنها تتعلق بمجال البیولوجیا فقط. ومع ذلک، فإن نظریة التطور تمثل فی الواقع أکثر من ذلک بکثیر، لأنها لیست مجرد مفهوم بیولوجی، بل هی الدعامة الأساسیة لکثیر من الفلسفات التی یقع الناس تحت تأثیرها.

الأساس العلمی الزائف للعنصریة

عندما اقترح داروین نظریته لأول مرة، تبناها علماء تلک الفترة بشیء من التحفظ، لا سیما علماء الحفریات، الذین کانوا یدرکون أن النظریة لا تزید کثیرًا عن کونها ضربًا من ضروب الخیال. وعلى الرغم من ذلک، تمکن داروین من دخول الدوائر العلمیة لأن نظریته وفرت أساسا أیدیولوجیا غیر مسبوق للقوى السائدة فی القرن التاسع عشر.

وبینما کانت فکرة التطور تنتشر بسرعة – من خلال نشر کتاب داروین الذین یحمل عنوان "أصل الأنواع" – ظل الأوروبیون یستعمرون قارات وحضارات أخرى فی أماکن بعیدة من العالم. ورکزت البلدان الأوروبیة - وعلى رأسها إنجلترا وفرنسا – جهودها على أجزاء من جنوب آسیا، وأمریکا اللاتینیة، وعلى القارة الأفریقیة ککل. وفی غضون ذلک، تعرض السکان الأصلیون فی أمریکا الشمالیة إلى مذابح وحشیة. وباختصار، نهبت الإمبراطوریات الغربیة حضارات العالم الأخرى فی النصف الثانی من القرن التاسع عشر. واستولت، دون أی حق، على مقالید الحکم فی بلدان أخرى باستخدام القوة والترویع، کما صادرت الموارد الطبیعیة لتلک البلدان. ولکن الغربیین شعروا بقوة بضرورة إضفاء الشرعیة على تصرفاتهم غیر المشروعة. وفی تلک المرحلة، قدمت الداروینیة فرصة عظیمة للإمبریالیین. فمن خلال هذه النظریة، أصبح من الممکن تقدیم "ما یسمى" بالأساس العلمی للفکرة المتمثلة فی أن الشعوب المستغلة هی مجرد نوع من "أنواع الحیوانات".

وبین داروین آراءه بشأن أصل البشر بوضوح فی کتابه المعنون "سلالة الإنسان" المنشور فی عام 1871. وفی هذا الکتاب، قال داروین صراحة إن الإنسان تطور عن أسلاف شبیهة بالقردة. وتمادى إلى القول بأن الأجناس البشریة الموجودة تقع على درجات مختلفة من "سلم التطور"، وأن الأجناس الأوروبیة هی الأکثر "تقدما"، وأن أجناسا أخرى کثیرة ما زالت تحمل صفات "القردة".


1923

1923

"الکلوکلوکس کلان" هی جمعیة سریة تأسست فی الولایات المتحدة بعد الحرب الأهلیة لإعادة التأکید على تفوق الجنس الأبیض من خلال الإرهاب، وهی مسؤولة عن مقتل آلاف الرجال، والنساء، والأطفال. وتضرب لنا هذه الجماعة، التی استخدم أعضاؤها العنف ضد الناس لا لشیء إلا لأنهم من أعراق أخرى، مثالا واضحا للوحشیة والفوضى التی تتخلل المجتمعات فی غیاب قیم القرآن. وأن هذه الأعمال الوحشیة ما زالت تمارَس فی القرن الحادی والعشرین لهو أمر غریب وجدیر بالتأمل.


1992

1992

وقعت هذه الحوادث العنیفة الموجهة ضد السود فی التسعینیات. ومن السهل أن یوضع لها حد فی عصرنا هذا إذا عاش الناس وفقا لقیم القرآن.

وکان فی نظریة داروین بعد آخر مهم. فقد بنى داروین تطور الکائنات الحیة، بما فی ذلک البشر، على مصطلح "الصراع من أجل البقاء". ویرى داروین أن هناک صراعا ضاریا ونزاعا مستمرا دائرا فی الطبیعة تکون الغلبة فیه دائما للقوی على حساب الضعیف، وهکذا یحدث التقدم.

وأکد داروین أن هذا "الصراع من أجل البقاء" ینطبق أیضا على الأجناس البشریة. وقد ظهرت نظرته العنصریة بوضوح فی العنوان الفرعی لکتابه أصل الأنواع:

"أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبیعی"، أو الحفاظ على الأجناس الممیزة فی صراع الحیاة.

ویرى داروین أن الأوروبیین هم الجنس الممیز. ومن ناحیة أخرى، فإن سکان أمریکا الأصلیین، والأفارقة، وکل الأجناس والأمم الأخرى تمثل الأجناس البدائیة التی تخلفت عن رکب التطور. ووفقا لهذا المنطق الفاسد، یعتبر ترویض هذه الأجناس الدنیا، أو استرقاقها، أو حتى قتلها أمرا مشروعا مثلما هو مشروع بالنسبة للقردة والحیوانات الأخرى. ولهذا السبب، رأى داروین أن من الممکن أیضا مصادرة ممتلکاتهم. وأشار داروین فی کتابه إلى الأجناس الدنیا قائلا:

"فی فترة ما فی المستقبل، لیست بعیدة جدا بمقیاس القرون، یکاد یکون من المؤکد أن الأجناس البشریة المتحضرة سوف تبید الأجناس الهمجیة الأخرى وتحل محلها فی جمیع أنحاء العالم. وفی نفس الوقت، سوف تباد القردة الشبیهة بهیئة البشر دون شک. عندئذ، سوف تزید الهوة الفاصلة بین الإنسان وأقرب أسلافه". 16

ویتضح من هذه العبارات أن داروین کان عنصریا. فقد اعتقد أن الأوروبیین أسمى من الأمم الأخرى، وبالتالی فإن هذا یعطیهم الحق فی استرقاق الآخرین وإبادتهم.

ویطلق على هذه النظریة اسم "الداروینیة الاجتماعیة"، وهی صیغة معدلة من نظریة التطور تطبق على المجتمعات. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النظریة وضعت الأساس الرئیسی الذی أضفى الشرعیة على الإمبریالیة والعنصریة. وکانت ألمانیا أحد البلدان التی اعتنقت الداروینیة الاجتماعیة بحماسة.

النازیون والداروینیة

لیس من قبیل الصدفة أن یستلهم النازیون الجدد أفکارهم من نظریة التطور لداروین، ذلک أنه منذ مولد الداروینیة وهی تشکل جزءا لا یتجزأ من الأیدیولوجیة النازیة.

ولدت النازیة فی ألمانیا المهزومة بعد الحرب العالمیة الأولى. وکان أدولف هتلر، أحد مؤسسی الحزب النازی الألمانی ورئیسه، رجلا طموحا وعدائیا بنى جزءا من نظرته للحیاة على العنصریة. وآمن هتلر إیمانا راسخا بسمو الجنس الآری، أی "الجنس المسیطر"، وبأن هذا الجنس هو الذی سیقود کل الأمم الأخرى. وکرس هتلر نفسه لکی یؤسس "الرایخ الثالث" الذی یضم کل الألمانیین، ویستمر لمدة ألف سنة. وکانت نظریة التطور لداروین تمثل الأساس العلمی لنظریات هتلر العنصریة.

وتأثر هتلر تأثرا کبیرا بهنریک فون تریتشک Heinrich von Treitcshke ، المؤرخ الألمانی العنصری الذی کون آراءه العنصریة أیضا تحت تأثیر نظریة التطور لداروین. ورأى أن الأمم لا تستطیع أن تتقدم إلا من خلال منافسة شرسة شبیهة "بالصراع من أجل البقاء" الذی اقترحه داروین. وتکشف العبارات التالیة عن موقف تریتشک تجاه الأجناس الأخرى:

"لا تملک الأجناس الصفراء المقدرة الفنیة وهی محرومة من مفهوم الحریة السیاسیة. إن قدر الأجناس السوداء أن تخدم البیض وأن تکون موضع اشمئزاز من البیض إلى الأبد... لانه لا یمکن ان توجد حضارة من دون خدم ..."17

لقد استوحى هتلر اسم کتاب "کفاحی" من فکرة داروین حول الصراع من أجل البقاء.

 

وأثناء صیاغة نظریاته، استلهم هتلر من داروین فکرته حول الصراع من أجل البقاء. وکان اسم کتابه الشهیر "کفاحی"، مستلهما أیضا من فکرة داروین حول الصراع من أجل البقاء. وشارک هتلر داروین الرأی حول الأجناس واعتبر، مثل داروین تماما، أن الأجناس غیر الأوروبیة کائنات شبیهة بالقردة:

"اذا استثنیت الألمانیین الشمالیین من تاریخ الانسانیة ; لن یتبقى لدیک سوى رقص القردة." 18

کانت الآراء التطوریة التی یؤمن بها النازیون سببا فی تبنیهم جزءا من فکرة "الیوجینیا"، التی تعنی "علم تحسین السکان (البشر بالأخص) عن طریق تطهیر المجتمع من المرضى والمعوقین والتحکم فی النسل من أجل الحصول على صفات وراثیة مرغوبة". ومع ذلک، کان أکثر ما اشتهر به النازیون هو المبدأ المتمثل فی أن فکرة الیوجینیا یمکن تحقیقها بشکل أفضل من خلال منع المعاقین جسدیا وذهنیا من التزاوج، حتى إذا استدعى ذلک تعقیمهم، وقد انتشرت هذه الفکرة فی جمیع أرجاء أوروبا فی ذلک الوقت حتى فیما یسمى بالمجتمعات اللیبرالیة مثل السوید. وکما هو متوقع، فقد اقترح هذه النظریة الداروینیون: لیونارد داروین Leonard Darwin ، ابن تشارلز داروین، وابن عمه فرانسیس جالتون Francis Galton .

وفی ألمانیا، أصبح إرنست هیجل Ernst Haeckel ، البیولوجی التطوری المعروف، أول من ناصر "الیوجینیا" ونشرها. وظل هیجل، صدیق داروین المقرب، یمده بأفکار تمثلت إحداها فی الإسراع بعملیة التطور عن طریق قتل الأطفال الرضع المعاقین. وفی فکرة أخرى رأى هیجل أن المرضى المصابین بالجذام والسرطان والمعاقین ذهنیا یجب أن یقتلوا دون ألم، لأنه کان یعتقد أنه إذا لم یُقتل هؤلاء الناس، فسیظلون یشکلون عبئا على المجتمع.

أصبح المعتقد الفاسد الذی یرى أن البشریة سوف تتقدم من خلال الصدامات والعنف مصدرا لأیدیولوجیات أخرى. فعلى سبیل المثال، استعان بینیتو موسولینی بالأفکار الداروینیة فی محاولته لإرساء قواعد إیطالیا الفاشستیة، وقیَّم الغزو الإیطالی لإثیوبیا من ناحیة التسلسل العرقی الذی اقترحته الداروینیة.

معسکر القوات الإیطالیة فی إثیوبیا.

وبعد أن تولى هتلر زمام الحکم، وضع أفکار هیجل هذه فی سیاسة رسمیة، أنشأ بموجبها مراکز خاصة اعتقِل فیها المعاقون ذهنیا وجسدیا، والعمی، وأولئک الذین یعانون من أمراض وراثیة. ومن وجهة النظر الفاسدة هذه، کان هؤلاء الناس یعتبرون عوامل "ملوِّثة" لنقاء الجنس الآری تعرقل عملیة تطوره "المزعومة". وبعد أن عُزلت هذه الفئات من الناس بعیدا عن المجتمع لفترة، أعطى النازیون أنفسهم الحق فی قتلهم سرا بأمر خاص من هتلر.

وبعد انهزام "الرایخ الثالث" فی الحرب العالمیة الثانیة، أصبح هذا الرایخ نسیا منسیا، وخلف وراءه ملایین الأبریاء المدمرین. ومع ذلک، استمرت الداروینیة الاجتماعیة التی کانت أساس الأیدیولوجیة النازیة.

هناک کثیرون یعرفون ما رویناه حتى الآن. ومع ذلک، تظل الحقیقة أنه لا یوجد سوى قلیلین یأخذون العبر عن هذه الحوادث التی عاشتها الانسانیة فی السابق والتی لا تزال اَثارها ممتدة الى أیامنا الحالیة. ذلک أن عملیات الإعدام التی نفذت بعنف وبلا رحمة على أناس بسبب حالتهم الذهنیة أو الجسمانیة تکشف الروح المریضة والمنحرفة الموجودة لدى منفذیها، التی یُسأل عنها الکفر. وطالما ظل الکفر متفشیا، یستطیع المرء أن یتوقع کل أشکال السلوکیات الشاذة، والقاسیة، والمنحرفة. کما أن وجود الملایین الذین ضلوا الطریق بسبب هؤلاء الأشخاص غیر الأسویاء یعد دلالة أخرى على مسؤولیة الکفر.

إن الشخص الذی یخاف الله ویثق به جل جلاله، یعرف أن الله هو القوی الجبار، لذلک لا یمیل هذا الشخص أبدا إلى القسوة والانحراف. وفضلا عن ذلک، تجده یسعى أیضا بشجاعة وحماسة لإنقاذ الآخرین من استرقاق الطغاة لهم، وهدایتهم إلى الطریق القویم، وإنذارهم من عاقبة أعمالهم. فمثلا، کافح رسول الله موسى، علیه السلام، وحده ضد فرعون، الذی کانت لدیه نفس العقلیة الدیکتاتوریة العنصریة القاسیة التی کانت لدى هتلر وموسولینی، واستطاع أن ینقذ بنی إسرائیل من حکمه القاسی. وقد استمد رسول الله موسى کل هذه الشجاعة من إیمانه العمیق بالله ومما أمده به إیمانه من قیم وضمیر حی. ویتضح بجلاء من الطریقة التی تحدث بها موسى مع فرعون مدى قوة إیمانه بالله وثقته به:

"ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآیَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ. وَقَالَ مُوسَى یَا فِرْعَوْنُ إِنِّی رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِینَ. حَقِیقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُکُم بِبَیِّنَةٍ مِّن رَّبِّکُمْ فَأَرْسِلْ مَعِیَ بَنِی إِسْرَائِیلَ." (سورة الأعراف: 103-105)

المعاملة التی یتلقاها المعاقون


Ernst Haeckel

فی أوائل القرن العشرین، استهل إرنست هیجل، البیولوجی التطوری، دعایة على مستوى العالم تهدف إلى الإسراع بما سُمی بعملیة تطویر المجتمعات. ویرى هیجل أن قتل الأطفال المعاقین فور ولادتهم من شأنه أن یضمن تطورا سریعا للسلالة. وتمادى هیجل إلى القول بأن المعاقین والمرضى المصابین بالسرطان والمضطربین عقلیا یجب أیضا أن یعدموا سرا لأن وجودهم یشکل عبئا کبیرا على المجتمع. وأکد أنهم – بسبب الحالة التی هم علیها - یشکلون عائقا فی طریق عملیة تطور المجتمعات. وتمثل أحد الأصداء المعاصرة لهذه الآراء، المدعومة بفکرة الداروینیة المتمثلة فی "الصراع من أجل البقاء"، فی الطریقة التی یُعامَل بها المعاقون فی المجتمع.

ففی کثیر من البلدان، یعامل المعاقون معاملة مختلفة. ومع ذلک، فمن حق کل شخص أن یحصل على قدر کافٍ من الحب والاحترام، ولا تتغیر هذه الحقیقة إذا کان فی جسم الشخص عضو تالف أو أکثر، أو إذا لم یهبه الله جسما کاملا. ذلک أن شخصیة الإنسان تتحقق بسلوکه، وخوفه من الله، وحرصه على الالتزام بأوامر الله جل وعلا. ویعفی المولى عز وجل المعاقین من بعض مسؤولیاتهم ولا یحاسبهم إلا على الطاعة والسلوک القویم. ویجب أن یتعامل الإنسان مع عباد الله هؤلاء بشفقة وتفهم، لأن المولى عز وجل یحیطهم برحمته ویخفف عنهم بعضا من أعباء عبادته.

"لَیْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِیضِ حَرَجٌ وَمَن یُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن یَتَوَلَّ یُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِیمًا." (سورة الفتـح: 17)

فی کثیر من البلدان، یعزل الأطفال المعاقون عن بقیة المجتمع. (الجهة العلویة) طفل معاق مربوط الیدین.

سنوات العنف التی جلبتها "العنصریة" إلى القارة الأفریقیة


Mobutu paid $12,000 to each of his ministers while a teacher made only $8 a month. His personal fortune, excluding his real estate, was about $5,000,000.

لقد ابتلیت القارة الأفریقیة لسنوات طویلة بالصدامات، والحروب، والمجاعات، والبؤس. ونتیجة لتضارب المصالح الناتج عن عدم الالتزام بالدین القویم واتباع معتقدات غیر أخلاقیة، ما زال الصراع مستمرا فی المنطقة. فحتى فترة الخمسینیات، ظلت شعوب هذه القارة تعانی من کل أشکال العنف والسیاسات العنصریة التی فرضتها علیها البلدان الإمبریالیة. وفی الخمسینیات، لم تکن فی القارة بأکملها سوى أربعة بلدان مستقلة رسمیا. ثم ارتفع هذا الرقم إلى ثلاثین فی عام 1962. وأخیرا، فی عام 1972، نالت القارة الأفریقیة استقلالها، باستثناء بعض البلدان. ومع ذلک، لم یکن الاستقلال سوى واجهة کاذبة، لا سیما بالنسبة للشعوب، لأن القوى الإمبریالیة السابقة قد حل محلها ببساطة دیکتاتوریون شمولیون، قامعون، قساة احتفظ کل منهم بصلات قویة مع القوى الإمبریالیة السابقة، أی بلدان الغرب الموجودة الیوم. ومن ثم، لم یحقق الاستقلال الحریة لتلک البلدان بل أضاف إلى معاناتها مزیدا من الفقر والعنف فی ظل نظم أکثر قمعا من الأنظمة الاستعماریة ذاتها. وفی تلک الظروف، اتحدت الشعوب کی تکافح الأنظمة الدیکتاتوریة. وفی غضون ذلک، حرض الدیکتاتوریون بعض المجموعات العرقیة، وأثاروا موجة من عدم الاستقرار فی بلدانهم، فاستفادوا من تلک الفوضى.

وفی زائیر، تعتبر الحرب بین قبیلتی الهوتو والتوتسی مثالا نموذجیا للصدامات التی حدثت بین الأجناس فی القرن العشرین. ففی ربیع عام 1997، بدأت الحرب بین القبیلتین وامتدت آثار الصدامات إلى منطقة مکونة من خمسة بلدان تشمل: زائیر، ورواندا، وأوغندا، وبوروندی، وتنزانیا.

فی زائیر، تجاوزت أبعاد الفساد کل الحدود التی یمکن أن نتخیلها. فحتى المعونة التی تقدم للجوعى یتم بیعها لشراء الأسلحة.

احتمى لاجئون من الهوتو ببلدان أخرى فرارا من القتال الدائر بین قوات الحکومة الزائیریة والتوتسی الذی امتد أیضا إلى البلدان المجاورة.

فی عام 1994، لقی نحو ملیون شخص من التوتسی حتفهم، بسبب القتال الدائر بینهم وبین  الهوتو. والتوتسی هی قبیلة تربطها صلات قویة بالثقافة البریطانیة الموروثة من فترة الاستعمار. وفی عام 1996، هرب العدید من قبیلة الهوتو إلى رواندا من جراء القمع الذی مارسه علیهم حکام زائیر الطغاة ومذابح التوتسی. ولم یکن اللاجئون المحتاجون إلى شریحة الخبز یعرفون المخاطر التی تنتظرهم فی طریقهم إلى رواندا.

وفی هذه المنطقة الملیئة بالفساد، لم یخفف الاستقلال، الذی حصلت علیه البلاد فی عام 1960، سوى قدر ضئیل من الضغوط السیاسیة التی تمارسها الدول الغربیة الإمبریالیة. وفی عام 1964، استولى جوزیف موبوتو، المدعوم من الولایات المتحدة، على مقالید الحکم وجعل کل الموارد الطبیعیة لبلاده فی متناول ید أمریکا. ولم یضع موبوتو أی خطط للمساهمة فی تحقیق الرفاهیة لشعبه، واکتفى بجمع ثروة شخصیة على مدى السنین ولجأ إلى الإجراءات الاستبدادیة لکبت متطلبات شعبه. وعندما وصل معدل التضخم فی البلاد إلى ذروته، 6000%، اندلعت صدامات کبیرة بین القبیلتین المهیمنتین فی المنطقة. ونتجت عن هذه الحرب القبلیة إبادة جماعیة واسعة النطاق خلفت وراءها نحو ملیون قتیل. وقاسى آلاف المهاجرین من محن رهیبة فی الغابات، وفی النهایة لقی معظمهم حتفه بسبب الجوع والأوبئة. کما ذبح الأبریاء، لا لشیء إلا لأنهم کانوا من قبیلة مختلفة، وحتى الرضع والأطفال الصغار لم یسلموا من القتل.

نتیجة لسوء التغذیة، یموت أکثر من ثلث سکان زائیر بینما یعانی أطفال کثیرون من تلف دائم فی المخ. ویعیش إجمالی السکان البالغ عددهم ثلاثین ملیون شخص، نصفهم من الأطفال، فی أکواخ طینیة متضورین من الجوع.

قاوم أربعمائة ألف لاجئ الموت لمدة ثلاث سنوات فی معسکرات اللاجئین فی ظروف بدائیة وقاسیة على الحدود الزائیریة. وأصبح الجوع جزءا من الحیاة الیومیة، کما أضاف انتشار مرض الکولیرا مؤخرا مزیدا من البؤس إلى حیاة اللاجئین فی تلک المعسکرات. إذ لا یحصل هؤلاء المعدمون على أی معونات، وحتى إن وجدت هذه المعونات، یصادرها الجنود. وفی غضون ذلک، لا یمکن للمرء أن یتخیل قبیلتَی الهوتو والتوتسی، اللتین قاتلتا بعضهما البعض بشکل وحشی، وهما تقتسمان المعونات القادمة بسلام. وقد مات فی مدینة جوما الزائیریة وحدها ما لا یقل عن عشرة أطفال رضع فی کل ساعة بسبب مصادرة المعونات الطبیة.

وفی أغلب الأحیان، عندما تنتهی الحروب بین الأجناس، أی "حمیة التعصب" المذکورة فی القرآن، تخلف وراءها مشاهد مروعة لمذابحها. ویلفت المولى عز وجل انتباهنا إلى "حمیة التعصب" التی سادت فی الجاهلیة على النحو التالی:

"إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجَاهِلِیَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَکِینَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِینَ وَأَلْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوَى وَکَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَکَانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمًا." (سورة الفتح: 26)

وسواء کان ذلک فی أفریقیا أو فی أی جزء آخر من العالم، فقد کشفت الحرکات العنصریة عن هذا الجانب المظلم من الکفر، الذی لن یتسنى التخلص منه کلیا إلا من خلال العیش وفقا لمبادئ الدین القویم وحث الناس على طاعة أحکامه.



16. تشارلز داروین، سلالة الإنسان، الطبعة الثانیة، نیویورک، شرکة إیه. إل. بیرت، 1874، صفحة رقم 178.
17. علاء الدین شینیل، فکرة الجنس والعنصریة، أنقرة: بیلیم فی سانات یاینلاری، 1993، الصفحات من 62 إلى 6
18. کارل کوهین، الشیوعیة والفاشستیة والدیمقراطیة، نیویورک: دار راندوم هاوس للنشر، 1972، صفحة رقم 408

نظرات 0 + ارسال نظر
برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد